كما قلُتما بُرءُ الصبابةِ في الياسِ
كما قلُتما بُرءُ الصبابةِ في الياسِ / وليس لها غيرَ التجلُّدِ من آسِ
فما في الهوى مَرعىً يطيبُ لذائق / ولا مَوردٌ عذبٌ يَلذّ به حاسِ
سؤالُ مغانٍ ربعُها أخرسُ الصَّدَى / وشكوَى إلى مَن قلبُه ليِّنٌ قاسِ
أيَبْيَضُّ فَرعى والجوى في جوانحى / كأَنّ الهدى يا قلب مسكنُه راسي
وما هذه اللِّمّاتُ إلا صحائفٌ / محاها بياضُ الشَّيب عن لونِ قِرطاسِ
كأَن الرُّقَى مما عدِمت شفاءَها / تَعلَّمها الراقون من بعد وَسواسي
مَددتُ يداً نحو الطبيب فردَّها / إلى النَّحر واستغنى بإخبار أنفاسي
وما زال هذا البرقُ حتَى استفزّنى / سَناَ كلِّ وقاَّد ولو ضوءُ نِبراسِ
وليل وِصالٍ أسرعَتْ خُطُواتُه / بهجعةِ سُمَّارٍ وغفلةِ أحراسِ
فما قُصَّ للنَّسريْن فيه قوادمٌ / ولا رُبِطتْ ساقُ الثريا بأمراسِ
ضحوك ثَنيّاتِ الصّباح تخالُه / ضياءَ إمامِ الحقّ من آلِ عباسِ
هو الوارث النور الذي كان آية / لأبانه الماضين من عهد إلياس
فلو لم يكن للناس في الليل راحةٌ / لضوَّأَ من لألائه كلَّ دِيماسِ
كأن رسولَ الله ألقَى رداَءه / من القائِم الهادِى على جبل راسِ
ضميرٌ جلاه صَيقلُ الحلم والتُّقَى / وكفٌّ حباها الله بالجودِ والباسِ
ومحتجب بالعزّ لولا مكانه / لرُجَّت نواحى هذه الأرض بالناسِ
زمانُ الورى في ظلِّه وجنابه / كأيَّام تشريق وليلاتِ أعراسِ
رعاهم بروض الأمن غِبَّ مخافةٍ / وألبسهم ثوبَ الغنى بعد إفلاسِ
وراضَ الجَموحَ للذَّلولِ برفقهِ / فما بينهم إلا موازينُ قِسطاسِ
حِماهُ هو البيتُ العتيقُ ظباؤه / حرامٌ على عَبل الذراعَيْن فرّاسِ
فلو كان فيه ناقةَ اللهِ عاقرا / أخو وائلٍ ما ذاق طعنة جَسَّاسِ
وما ضرَّ من كان الإمامُ سحابَهُ / تقاعُدُ لَمَّاعِ البوارق رجَّاسِ
لسيَّارةِ المعروف في صُلبِ مالِهِ / غنائمُ لم تُقسم عليها بأخماسِ
له من صوابِ الظنِّ بالغيب مخبرٌ / ولا خيرَ في رأى امرىء غيرِ حسَّاسِ
وليس لأحقادٍ ذُكرنَ بذاكرٍ / ولا لحقوق الله يُنسَيْنَ بالنَّاسى
ولولاه كانَ الدِّين فقْعاً بقَرقرٍ / يُداسُ بأظلافٍ ويُفرَى بأضراسِ
سقاه مياه العز فاخضرَّ مُورِقاً / وأينعتِ الأفنانُ في عُودهِ العاسِى
فلا تنشُروا للباطلِ اليومَ رايةً / وهل يُنشَر المدفونُ في قَعر أرماسِ
يؤيده الرحمن في كلِّ موقفٍ / بنصر يعود الليثُ وهو به خاسِ
جيوشٌ من الأقدارِ تُفْنِى عُداته / بلا ضربِ إيثاخ ولا طعنِ أشناسِ
وكم شهدَتْ يوما أغرَّ محجَّلا / تُخلِّده الأقلامُ ذِكرا بأطراسِ
يُشا كِلُ بدرا والملائكُ حُضَّرٌ / ويَذكُرُ جندا أُنزِلتْ يومَ أَوْطاسِ
وقد علِم المصرىُّ أنَّ جنودَه / سِنُو يوسفٍ منها وطاعونُ عَمْواسِ
أحاطتْ به حتَّى استراب بنفسهِ / وأوجس فيها خِيفةً أىَّ إيجاسِ
قصورٌ على الفسطاط أضحتْ كأنها / قفارُ ربوعٍ بالسَّماوة أدراسِ
سهامُ أميرِ المؤمنين مَكايدٌ / ورُبَّ سهامٍ طرن من غير أقواسِ
هو المصطَفىِ التقوَى متاعاً لنفسه / بجوهرِها حالٍ بسُندُسها كاسِ
إذا وطِئت شُوشُ الملوك بساطَه / تضاءل منها كلُّ أغلبَ هِرماسِ
تَخِرُّ بِهِ شُمُّ الجماجم سُجَّدا / ويخشَعُ فيه كلُّ ذى خُلُق جاسِ
يُحيُّون من جسم النبوّةِ بَضعَةً / هي القلبُ في الحَيزوم والعينُ في الراسِ
ويَغشَون قَرْما من لؤىّ بن غالبٍ / يعدِّد في أنسابه كلَّ قِنعاسِ
من الخلفاءِ الرافعين بِناءهم / بأطولِ أعمادٍ وأثبتِ أساسِ
رعَتْ ذممَ الإسلام منهم كوالىءٌ / وسيست أمورُ الملكِ منهم بسُوَّاسِ
نجومٌ إذا السارون ضلُّوا هدتهُمُ / هدايةَ نِيران رُفعن بِقُرناسِ
قِداحُهُمُ يومَ الفخار فوائزٌ / وأسهمُهم إن نازلوا غيرُ أنكاسِ
همُ ملؤا الدنيا بطيبِ حديثهم / كما ملأ الأسماعَ قعقاعُ أجراسِ
كرهبانِ ليلٍ لا تلائمُ مضجَعا / وأُسْدِ صباحٍ ما تَقِرُّ بأخياسِ
وما منهمُ من ملَّك البِيضَ قلبَه / ولا طمِعتْ في لُبهِّ وثبةُ الكاسِ
عَتادُهم في حَجِّهم وجِهادهم / جراجرُ أجمالٍ وتَصهالُ أفراسِ
أولئك آباء الإمامِ ورهطُهُ / أصولُ كرامٍ زَيَّنتْ خيرَ أغراسِ
عَمِرتَ أميرَ المؤمنين بنعمةٍ / وعيشٍ صفيقِ الظلِّ أخضرَ ميَّاسِ
ولا زالت العلياءُ عندك وفدُها / يروح بأنواعٍ ويغدو بأجناسِ
ابحتَ حِمىَ الإحسانِ حتّى أصابه / معاشرُ من نَيل المنى غيرُ أكياسِ
وما نعمةٌ إلا أفضتَ لباسَها / على من عهدناه لها غيرَ لبَّاسِ
مواهبُ فيها لابنِ حِصنٍ وحابس / نصيبٌ فهلاَّ مثلُه لابن مِرداسِ
فما لي وبحرُ الفضل عندك زاخرٌ / يطاوَل في دار المُقامة أحلاسى
إذا رُفِعت نارُ القِرَى لك أُوقدتْ / مَصابيحُ لم يُستدنَ فيهنَّ مِقباسى
أوذُ بواديك المقدِّسِ أن أُرى / فريسةَ قنّاصٍ من الدهر نهَّاسِ
للا رِقبةٍ جَورُ الزمان وعدلُهُ / وتحريجُه جارٍ على غير مقياسِ
فإن تصطنعْ نُعْمى فأنتَ وليُّها / وهيهات تُقضَى من رجائك أحلاسى
ننال بأدنى القولِ منك مدَى العلا / ولا عجبٌ أن يُحضر الدُّرُّ بالماسِ
وإن كان ثدىُ الجود عندك حافلا / فقد يُمتَرى دَرُّ اللَّبون بإبساسِ
تعامت لنا الأيامُ عنك وأبلستْ / نوائبُها عن قصدها أىَّ إيلاسِ
فليست صروفُ الدهر ما دمت سالما / مُعاشرَ أهليها بخوفٍ ولا باسِ