هو البين ظَنا لا لَعَلَّ وَلا عَسَى
هو البين ظَنا لا لَعَلَّ وَلا عَسَى / فما بالُ نَفسي لم تفِض عندَه أسى
وَما لفؤادي لم يَذُب مِنهُ حسرةً / فتبّاً لهذا القلب سُرعانَ ما نَسى
وما لجفوني لا تفيضُ مورداً / منَ الدمعِ يَهمِي تارةً ومورّسا
وما للساني مُفصِحاً بخطابه / وما كان لو أوفى بَعَهدٍ لِيَنبسا
أمِن بعدِ ما أودَعت رُوحِيَ في الثَّرى / ورمّدتُ منِّي فلذة القلب مَرمَسَا
وبعد فراقِ ابني أبي القاسم الذي / كسانيَ ثَوبَ الثَّكلِ لا كانَ مَلبِسَا
أؤَمِّلُ في الدُنيا حياةً وأرتَضِي / مقيلاً لدى أبيَاتِها ومعرّسا
فآهٍ وللمفجوع فيها استراحة / ولا بُدَّ للمصدُورِ أن يتَنَفَّسَا
على عُمرٍ أفنَيتُ فيه بضاعتي / فأسلمني للقبر حَيرانَ مُفلسا
ظَلَلتُ به في غفلةٍ وجهالةٍ / إلى أن رَمَى سَهمَ الفِراقِ فَقَرطسَا
إلى الله أشكو بَرحَ حُزني فإنَّه / تلبّس منه القلبُ ما قد تَلَبَّسَا
وصدمة خَطبٍ نازلتني عَشِيَّةً / فما أغنَت الشكوى ولا نفعَ الأسا
فقد صدَّعت شملي وأصمت مَقاتلي / وقد هَدَّمت رُكنِي الوثيقَ المُؤَسَّسا
ثبتُّ لها صَبراً لشدَّة وقعها / فما زلزلت صَبري الجميلَ وقد رسا
ولكن لها نارٌ يشبُّ وقودها / أبيتُ لها ليل السليم موسوسا
وأطمع أن نَلقَى برحمَتِهِ الرِّضا / وأجزعُ أن نشقى بِذَنبٍ فننكسا
أبا القاسم اسمع شَكوَ والدك الذي / حسا مِن كؤوسِ البينِ أفظَعَ ماحَسا
وقفتُ فؤادي مذ رحلتَ على الأسى / فأشهدُ لا ينفكَ وقفاً محبَّسا
وقطّعتُ أمالي من النَّاس كلِّهِم / فلستُ أبالي أحسنَ المرءُ أم أسا
تواريتَ يا شَمسِي وبدرِي وناظِرِي / فصارَ وجودي مُذ تواريتَ حِندسا
وخلَّفت لي عبئاً من الثَّكلِ فادِحاً / فما أتعب الثَّكلانِ نَفساً واتعسا
فيا غُصناً نضراً ذوى عندما استوى / فأوحشني أضعافَ ما كان أنَّسا
يا نعمةً لمّا تبلّغتها انقضت / فأنعَمُ أحوالي بماعاد أبأسا
فودعته والدمعُ يَهمي سحابه / كما أسلم السلك الفريد المجنَّسا
وقبَّلتُ في ذاكَ الجبين مودَّعاً / لأكرم من نفسي عليَّ وأنفَسَا
فلو أنَّ هذا الموتَ يَقبَل فِديَةً / حبوناه أموالاً كِرَاماً وأنفُسَا
ولكنَّهُ حُكمٌ من اللهِ واجبٌ / يسلم فيه من بخير الورى ائتسى
تَغَمَّدَك الرَّحمنُ بالعفوِ والرِّضا / وكرَّم مثواك الحميدَ وقدّسا
وألفَ مِنَّا الشَمل في جَنَّةِ العُلاَ / فنشرب تسنيماً ونلبس سُندُسا