المجموع : 3
ألمَّ بجسمٍ كان غُصناً من الآسِ
ألمَّ بجسمٍ كان غُصناً من الآسِ / ذبولٌ من الجرحِ الذي ما لهُ آسِ
لقد كنتُ في ذاكَ الزمانِ الذي صفا / أسيرُ كطاووسٍ وقائدِ حرَّاس
وأحسبني عن أكبرِ الناسِ في غِنى / فأحوجَني دَهري إلى أصغَرِ الناس
وذلك حكمُ اللهِ في خلقهِ لكي / يُليِّنَ عودَ الكبر والشَّرفِ القاسي
أدر خَمرةً ما بينَ همٍّ وتفليسِ
أدر خَمرةً ما بينَ همٍّ وتفليسِ / تفُز كسُليمانَ الحكيمِ ببَلقيسِ
فما الأُنسُ إلا من حميّا مدامةٍ / وعينينِ يَحلو فيهما كيدُ إبليس
أتمنَعُني عن شِربها في كآبتي / وفي الخمر لهوٌ عن خِداعٍ وتدليس
إذا قُلتَ لي ما الشِّربُ إلا خسارةٌ / رَضيتُ بهِ إنَّ الخسارة من كيسي
أيوحشُكِ الملهى ويؤنِسُكِ الرَّمسُ
أيوحشُكِ الملهى ويؤنِسُكِ الرَّمسُ / غريبةُ دارٍ أنتِ أيتها النفسُ
أتيتِ إلى الدُّنيا على غيرِ أهبةٍ / ولم ترجعي إلا كما انقلَعَ الضرس
فحيَّرني منكِ التراوحُ في الهوى / وأنتِ على شكٍّ يطولُ بهِ الهجس
فلا منزلٌ ترضينَهُ بعد منزلٍ / قريبٍ بعيدٍ عنكِ مأتمُهُ عرس
ولم تذكُري ما قبلُ من طولِ غربةٍ / ولم تعلمي ما بعدُ فاقتادكِ اللبس
تعَسَّفتِ في ليلٍ من الشكِّ دامسٍ / ولا بدَّ من أن يطلعَ الصبحُ والشمس
تقولينَ لي ما الأرضُ دارُ إقامةٍ / ولكن داري تلكَ وحشتها أُنس
سأرحلُ عن جسمٍ أنا منهُ كالشَّذا / من الزهر يَبقى بعدَ أن يذبُلَ الغَرس
رحيلُكِ هذا هَجعَةٌ أبديةٌ / أم اليقظةُ الكُبرى التي بَدؤها الرمس
أيا نفسُ أنتِ السرُّ والسرُّ غامضٌ / كخطِّ كتابٍ فوقَهُ اندَلقَ النقس
تردَّدتِ بينَ الخيرِ والشرِّ في الهوى / فمنكِ لكِ النُّعمى ومنكِ لكِ البؤس
وما كنتِ إلا اثنينِ في جسمِ واحدٍ / وهذا له قلبٌ وذاكَ له رأس
أأنتِ أنا أم لست مني فإنني / أرى اثنينِ في جسمي حديثُهما هَمس
وبينهما في الأمرِ طالَ تحيُّري / فيدفعُني جرسٌ ويمنعني جرس
سلاحُهما ماضٍ وقاضٍ هواهُما / ولا درعَ لي عندَ العراكِ ولا ترس
أبعدَ الرَّدى هل أنتِ ذاهبةٌ سُدى / كما انهرَقت خمرٌ بها انكسَرَت كأس
فيا حبّذا هذا وقد قالَ هكذا / كثيرون لكن قولهم كلُّه يأس
فعودي بإيمانٍ يكن لكِ موطنٌ / وإلا انتهى في الحفرةِ السّعدُ والنحس
ولا جنةٌ تُرجى ولا نارُ تُختشى / فَأَنسَى وأُنسَى والوجودُ هو التعس
أموتُ وأحيا كلَّ يومٍ أفي الثَّرى / كما في الكرَى إن غبتُ فارقنى الحسُّ
هنيئاً لمن في القبرِ يرقدُ آمناً / هنالِكَ يَشفى الداءُ أو يطهرُ الرِّجس