المجموع : 4
لموت الفَتى خير له من معيشة
لموت الفَتى خير له من معيشة / يَكون بها عبئاً ثَقيلا عَلى الناس
وأنكد من قد صاحب الناس عالم / يرى جاهلاً في العز وهو حقير
يَعيشُ رخيَّ العيش عِشرٌ من الوَرى / وَتسعة أَعشار الأنام مناكيد
أَما في بَني الأرض العَريضة قادرٌ / يخفف وَيلات الحَياة قَليلا
إذا ما رجال الشرق لم ينهضوا معاً / فأضيع شيء في الرجال حقوقها
إذا نات أوطاناً نشأت بأرضها / خراب ولم تحزن فأنت جماد
بربك قلبي أنت لا نترك الهوى / سواءٌ سلا يا قلب غيرك أم هاما
اتصلح في الشرق الحكومات شأنها / لعل الغنى والعلم يجتمعنان
أَفي الحق أَنَّ البعض يشبع بطنه / وأَن بطون الأكثرين تجوع
تقدم أهل الغرب حتى تحرروا / فما منع الشرقيَّ أن يتحرّرا
أسائلتي عَن غاية الخالق اسكتي / فَما لي عَلى هَذا السؤال جواب
إذا حيي الإنسان صادف منكراً / وإن ماتَ لاقى منكراً وَنَكيرا
ترقب سقوطاً يا ابن آدم قاتلا / فإنك لو تدري على جرف هار
لقد قال كل في الحياة برأيه / تعددت الآراء والحق واحد
إذا قلت حقاً خفت لوم مخاطبي / وإن لَم أَقل حقاً أخاف ضَميري
أَرى الناس إلا من توفر عقله / من الناس أعداءً لكل جَديد
خذ العلم إن الفضل للعلم وحدَه / وإن رجال العلم وحدهمُ الناس
إباؤُك والإدعان شرٌّ كلاهما / على أن بعض الشر أهون من بعض
لقد عاش في الدنيا كما يرتضي امرؤ / يميل مع الأيام حيث تميل
رَأَيت جياعاً يفخرون بجوعهم / فأضحكني ما قد رأَيت وأبكاني
وَما الناس إِلّا خادِع في مَقاله / يريد به الدنيا وآخر مخدوع
تأَخرت بعد الأربعين كأنما / أماميَ في سيري إليهِ ورائي
ألا لَيتَ أَعمالي إذا كنت ميتاً / وَقَد نقدوها لا عليَّ ولا ليا
لقد سار آبائي جميعاً إلى الردى / وإني على آثارهم سأَسير
يعود إلى بدءٍ له كل ذاهب / وليس لأيام الشبيبة من عود
أَتَت صور الماضي تباعاً فمثلت / لعيني لهواً مرَّ ثم اِضمحلت
أتينا إلى الدنيا فرادى وهكذا / سنمضي فرادى واحداً بعد واحد
فحصت بطون الكون فحصاً فَلَم أَجِد / سوى حركات فيه لَم أَدرِ ماهيا
ألا أيها الإنسان فيك معايب / وأكبر عيب فيك أنك فاني
إذا خلَت الدنيا من النفر الألى / أَحب فؤادي فالسَلام عَلى الدنيا
تمرُّ الليالي ليلة بعد ليلة / وحزني عَلَى ما فاتني ذلك الحزن
وكنت أرجى أن أفوز ببغيتي / فأدركني بعد الرجاء قنوط
وما أنا إن أخفقت فيما رجوته / بأوَّل سارٍ عن محجَّته ضلا
إذا كان بعض الناس يملك بلغة / ولم يختلط بالناس فهو سعيد
حياتي وإن كانت إليَّ عزيزة / إذا نالني ضيمٌ عليَّ تهون
إلى اليوم لم أحسد على شيء أمرأً / وقد كان عند الناس ما لم يكن عندي
أخو العقل يرجو نيل ما هو ممكن / وأكثر آمال الجهول محال
بنفسيَ أفدي من إذا قال ما هذي / وإن مرَّ بالعوراء مرَّ كريما
أَنا اليوم أَمري في يَدي غير أَنَّني / أُحاذر من أَن يخرج الأمر من يَدي
إذا كانَ في بيت مَريضاً عَزيزُهُ / فَسكان ذاكَ البيت كلهم مَرضى
يرجي الفَتى أَن الثراء يعينه / عَلى نائبات الدهر حين تَنوب
أَسر مَكانَ لي عَلى الارض ربوة / إلى جانبيها روضة وَغَدير
ألا ايها الناس ارحموا الناس واركنوا / إلى السلم إن السلم خير من الحرب
وأَحسن أَوقات الفَتى وقت نومه / إذا كانَ ذاكَ النوم خلواً من الحلم
وَهَل كبر الجثمان ينفع ربه / إذا كانَ فيه العقل غير كَبير
أخي إن أسرار الطبيعة جمة / وما اكتشفت منها العقول قليل
تمنيت لَو أني وَقد غبرت على / وَفاتي أَحقاب رجعت إلى الدنيا
تؤمل نفس المرء طول بقائها / وليس على نفس تؤمل من بأس
رغبت عَن الدنيا كأَني ميت / قَريباً وَفي الدنيا كأَنّي لا أَفنى
يَقولون إن الملح يصلح فاسِداً / فَما حيلة الإنسان إن فسد الملح
أقول لشيخ ينحني عند مشيه / أتنشد في هذا شبابك إذ ضاعا
وكم قد نجا باغ فما صدق الذي / يقول على الباغي تدور الدوائر
أكل امرئ يا أيها الناس إن رأى / من الصدق ما يخشى يفر إلى الكذب
لقد خاب من يخشى مقالة كاشح / وما فاز باللذات غير جسور
من الناس من إن غبت عنه فإنه / عدوّ وإن لاقيته فصديق
كذاكَ اِختلاف الناس في كل حقبة / محاسن قوم عند قوم قبائِح
أعاذلتي لا تعذليني على البكا / فإن الذي قد نابني لشديد
أحس بجسم العدل شبه حرارة / فأحرز ظنا أنه لم يمت بعد
وأحلَمُ من يمشي مع الناس صافحٌ / إذا سبه الجهال قال سلاما
لمن لاذ بالحكام من شر ظالم / كمن فر من حر الهجير إلى النار
إذا كانَ في الدنيا عدوٌّ يضرني / فَذاكَ لساني ثم ذاكَ لِساني
ألا إن ليل الجهل أَسود دامسُ
ألا إن ليل الجهل أَسود دامسُ / وإن نهار العلم أَبيض شامسُ
تشق حياة ما لها من مدرب / وَتشقى بلاد ليس فيها مدارس
ومن لم يحط علماً بأمر محيطه / عداه الهدى أَو أَقلَقته الهواجس
تَنام بأمن أُمَّةٌ ملء جفنها / لها العلم إن لم يسهر السيف حارس
وَللعلم أَيام هي السعد كله / وأَمّا لَيالي الجهل فهي مناحس
وَلَيسَ كمثل العلم للمال حافظ / وَلَيسَ كمثل الجهل للمال طامس
وَنحن بعصر لَم يكن فيه مفلحاً / بأَعماله إلا الَّذي هُوَ دارس
إذا المرء فاِعلم طال في العلم باعه / تناول ما قد رامه وَهو جالس
قضى أن يعيش الناس في الأرض ربهم / وَذو الجهل مَرؤوس وَذو العلم رائس
إذا ما أَقام العلم راية أُمة / فَلَيسَ لها حتى القيامة ناكس
وَخير مرب للتلاميذ عارف / بما هُوَ في ذهن التَلاميذ غارس
ستأتي ثماراً يانعات عقولهم / إذا عولجت بالعلم تلك المغارس
وكائن لنا من عادة ساء أَمرها / وَلما يقبحْها إلى الشعب نابس
إذا خلق الثوب الَّذي يلبس الفَتى / فأخلق بأن يستبدل الثوب لابس
إلينا اِلتفت يوماً من الدهر واِبتسم / بأوجهنا يا علم فالجهل عابِس
أَلَم تجر عفواً في جوارك دجلة / فَقُل لي لماذا أَنت يا حقل يابس
يَلوح لعيني حيثما أَنا ناظر / معاهد علم في العراق دوارس
أَقمنا إذ الأقوام طراً تقدموا / بمنزلة فيها الرؤوس نواكس
يهدد بغداد اِختناق كأَنَّما / من الجهل قد سدت عليها المنافس
فَيا قوم من شر الجهالات فلنخف / فهن لنا هن الذئاب النواهس
أَقول لشعري أَيُّها الشعر صل وجل
أَقول لشعري أَيُّها الشعر صل وجل / فأَنتَ بميدان الفصاحة فارسُ
أَغاظك أن الجهل في الناس جاهر / يقول وأن العلم في الأذن هامس
يمارس شعري اليوم إصلاح أُمَّة / فَلِلَّه شعري اليوم ماذا يمارس
ألا فاسمحوا لي أن أقول موضحا
ألا فاسمحوا لي أن أقول موضحا / لما بيننا يا أهل بغداد من لبس
فان تمنعوني ان افوه بحجتي / فكيف اجيبوني ادافع عن نفسي