المجموع : 12
لعينيك في الأحشاء ما نَفَث السِحْرُ
لعينيك في الأحشاء ما نَفَث السِحْرُ / وللحب في الألباب ما فعل الخَمر
وما كنت أن أسلو وفيّ بقيّةٌ / ولا كاد أن يُفضي لصحوبيَ السُكر
خليليَّ كم أدنو فتنأى مطالبي / ويقصر عن إِدراكها منِّيَ العُمْرُ
أخوض لها من كل بهماءَ مقفر / غمار فجاج ما تقحّمها سَفْرُ
كأنَّ السُرى بحرٌ كأني أَخوضه / كأنَّ له مدٌّ وليس له جَزْر
كأنّ الثرى أفقٌ كأنَّ مطيتي / هلال كأنَّ السير موئله الحَشْرُ
كأنَّ المنى ماءٌ كأنيَ ناهل / كأنَّ الفيافي البيض ما بيننا جِسْرُ
كأنَّ نجاشيَّ الظلام مُتيَّمٌ / كأنيّ ملقىً في ضمائره سِرُّ
تذكرني شكوى الغرام حمامةٌ / لها فَرْطُ أشجان بجيش بها الصدر
أجارتنا أقلقتِ جفن صبابتي / وهيجتِ شوقاً دون لاعجه الجمر
ولم يبقَ لي إِلاّ تَعِلَّة مُعْدِم / تجاذبها من كلّ جارحة ذكر
ليال يَراها القُصر حتى كأنما / تكنّفها من كل ناحية فجر
كأنَّ دُجاها في الأديم نهارها / عصيمُ مِداد كادَ يجحده السِفر
كأنَّ به الجوزاء عقد لآلىءٍ / تطوقُه من صدر زنجيّة نحر
كأنّ الثُرّيا في اختلاف نجومها / بوادرُ آمال يحاولها الجر
كأنَّ السُّهى معنىً يَدِقُّ فيختفى / ويبدو جِهاراً أن تراجعه الفكر
كأنَّ سَنا المريخ نار تعلّقت / بذيل هَزيمٍ راحَ يجهده الذعر
كأنَّ بني نعش سَفينٍ تخالفت / عواصفها وهناً فشتتها البحر
كأنَّ امتدادَ الأفق فوق نجومه / قَساطل حرب زُغْف فرسانها نُضر
كأنَّ كلا النسرين لما تقابلا / نزيل عراك دأبه الكرُّ والفرُّ
كأنَّ سُهَيْلاً حين صوّبَ آفلا / فؤاد محبّ راح يُرجِفُه الهجرُ
كأنَّ به الشعرى الغُميصَاء خلفه / شقيقته الخنساء يقدمها صَخْر
كأنَّ عمود الصبح تحت هلاله / لتركيةٍ من تحت منطقة خصر
إِذا ما مضى للمرء يوم من البِشر
إِذا ما مضى للمرء يوم من البِشر / فأنفسُه ما كان منه على ذكر
ويوم شكرنا فيه مع رَيِّق الصِبا / ومقتبل العيش الرغيدِ يدَ الدهر
بكرنا مع الوسميً ربْوَة جلّق / به وجرينا في محاسنها الزُهر
ففزنا بما تبغي النفوسُ من المنى / وما تشتهي الآمال من دَوْحها النَضْر
بدارّية الأنفاس من روض عبْقَر / تنفّسَ فيها الصُبح عن عنبر الشحْرِ
تداعت لرّياها الخياشيم مثلما / تداعى سُحَيْر اشارب الخمر للخمر
مسارحُ طَرفٍ آذنَتْ باجتماعنا / لِنُرْكِضَ طِرف اللهو في ساحة العمر
بحيث رداء الخِصْب في جنباتها / مغاضٌ وَخَيلُ الأرتياح بنا تجري
وحيث خطيب الدَّوْح يشدو خلالها / بمنْطِق قُسٍّ ذي الشقاشق والهدْر
وحيث نسيم الغوطتين مضمَّخُ ال / غلائِل من أنفاس دارِين بالبِشْر
فمن روضة غناء تجري خلالها / جداولُ من نهر يفيض إِلى نهر
رسائلُ تمشي بالموّدة بينهم / وتُبدي لنا ما في حشاها من السّرِ
ومن غصُن مالت بأعطافه الصَّبا / يُمايس غُصناً قد تلفَّع بالزّهر
وفي جانب الوادي حمامة أيكة / من الوُرْق تشكو البَيْن في الورَق الخُضر
تنوح على إِثر الهديل صبابةً / كما ناحتِ الخَنْساء يوماً على صَخْر
أسائلها ما هذه الربوة التي / تمحّض محزون الفؤاد إِلى البشر
وما هذه الأحزان والندْبُ والبكا / ومن يجمع الضدّين ويحك في صدر
فقالت ألمْ تعلم بأنَّ أخا الهوى / يخادع عن صفو الحياة ولا يدري
ذكرت عهوداً بالحمى غير ما ترى / ففي القلب من تذكارها لاعج الجمر
وقد صَدَقت فينا مَقالةُ شاعِر / شَددتُ حيازيمي عليها إِلى الحَشْر
وهل يحصل الإِنسان من كلّ ما به / تسامحه الأيام إِلاّ على الذكر
فلما أَبانَت ما تجِنُّ من الأسى / وصرَّحَ مُخْفِي القول عن زَبَد الأمر
بكيت على عهدٍ تقضى ولم أكن / بأول باكٍ قلبُه باسمَ الثّغْر
وقلبت طرفي في ربوع هناكم / غفاها البِلى ما بين ناب إِلى ظُفْر
فعادت رسوماً بعدما انصاغ أهلها / وراحت بكفٍ من ذوي رَبْعِها صفر
فمن هيكل للهو يرفدُ هيكلاً / ومن منزلٍ للقصفُ يفضي إِلى قصر
وحسبك منها دير مُرّان شاخصاً / يصدّق أخبار الحوادث بالخُبْر
فكم رِفقة قد أحكموا عقد أنسهم / به وتجلّوا بالطلاقة والبشْر
وكم ثوّب الداعي به لصَبُوحهم / وما العمر إِلا كالخيال الذي يسري
فلما دنت آجالهم نكبت بهم / صروف الليالي من وفاءٍ إِلى غدْر
ومن أرسل الأفكار في كل ما يرى / يقلّبه إِن شاء بَطْناً إِلى ظهر
خليليَّ بانَ البان وازدهر الزهْرُ
خليليَّ بانَ البان وازدهر الزهْرُ / فعوجا على روض به اغدودق النَّهْرُ
وجر الصَّبا فوقَ الخمائل ذيلَه / فعاجَتْ كنشوانٍ بواسِقُه الخضْرُ
وغرَّد من فوق الشمائل بُلبلٌ / وغنَّتْ على الأفنان وِرْقٌ لها هذر
وفتَّحتْ الأنداءُ نوّار دَوْحةٍ / ووافت جيوشُ الزَّهر من دونها الزهر
فمن نَرجِسٍ غضٍّ ووردٍ وسوْسَنٍ / وآسٍ ونَسْرين يفوحُ لنا النَشْرُ
فحيّهِلَنْ نبغي المراحَ ونَطّرحْ / وساوسَ أفْكَار يجيش بها الصَّدْر
فَنَحْسُو سُلاف الراحِ من كفِّ أغْيَدٍ / يَطوفُ بها شَمْساً وطلعتُه البَدْرُ
إِذا فرغ الإبريق من خَنْدَريسنا / تكفّل منه بالرَّحيق لنا الثغْرُ
وإِن حثَّ كأسَيْ مقلتيه وكفّهِ / سَكرْنا ولم نشعر بأيّهِما السُكْرُ
ونرفل في ذيْل التهاني كما غَدَتْ / دمشقُ لها بالسيّد السَنَدِ البِشْرُ
حليف العلى شَهْم أليف مكارم / يقصر عن أوصافها النظم والنثر
كفيل بحلِّ المشكلات إِذا دَجَتْ / تكنّفها في كلّ عسر له يُسْرُ
تولَّى دمشقَ الشام فانهلّ غيثها / وأخصَب ريّاها وكانَ لها الفخر
فلا غَرْوَ أن تبدي القوافي مدائحاً / له حَسْبَ علياهُ وخادمه الفكر
إِليك بها عذراء زفت لخدرها /
أيا سيّداً بالودِّ يَسنْى ضميره
أيا سيّداً بالودِّ يَسنْى ضميره / فيشْرق في لَوحِ الفؤاد نظيرُهُ
سلامٌ على ذاك الجناب فكم له / مكاسِر طيب عنبريّ عَبيرهُ
وأهدي تحياتي إليه مخالصاً / بودٍ صَفا سَلْسَانهُ ونميرُه
كتبت ولي شوق إليه ونازع / يشبّ ضراماً وَقْده وسعيرُه
فلم ألقَ لي إِلاّ السلام تَعلّةً / بعثت به يذكو لديه عطيرُه
وظبيٍ غَريرٍ أودعَ اللهُ ثغره
وظبيٍ غَريرٍ أودعَ اللهُ ثغره / مداماً وذاك الغِنْج من طرفه سحرا
يمرّ فيغتال العقولَ بسَكْرةٍ / تدوم بنا حتى تمرَّ بنا أخرى
وكلُّ جمالٍ مشرقٍ يملك الحشا / هواه ولكنَّ الحَريري بنا أحرى
ومن غير شكٍ إِنه يسكر الورى / ولكنني ممن يموت به سُكْرا
ولا شك أن البدر في الأفق كامل / وهذا نرى في كل عطف له بَدْرا
وَتذكره تحت الظلام قُلوبُنا / فيا هَلْ ترى يطري لنا غده ذكرا
فكم صَدَعَ الأحشاء منا ببعده / وجاء بشيء من لواحظه يُقرى
هو السحرُ لا بَلْ فتنةٌ بابلية / بَلِ الغِنْجُ بلْ شيءٌ فؤادي به أدرى
وذي قامة في الزهر تنْدى غضارة
وذي قامة في الزهر تنْدى غضارة / بَدا فاختي اللون من عَنْبر الشَحْر
له جُمَمٌ زُغْبٌ تَفَلَّك حَوْلَها / من الزهر إِفريز كأجربة العِطْر
تكوّنَ لُطْفاً فوق زرٍّ زبرجد / تكنَّبَ بالألماس سطْراً على سطْرِ
أَلاَ ليْتنا من قاسيون بجنّةٍ
أَلاَ ليْتنا من قاسيون بجنّةٍ / مُعَمَّمةٍ بالنَّبْتِ مُنْسَابة الغُدْر
وليتَ لنا شأنا بها في مبيتنا / يَعودُ على قَصْدِ الخلاعة بالعُذْر
بشادٍ وعوّاد وناقِر طبلةٍ / وربَّ كمنجاة يَرِنُّ إلى الفَجْر
وأطيارنا فوق الغصون صوادحٌ / وليلتنا في الأُنس واحدة العُمْر
فإِنْ لم يكنْ هذا وذاكَ وهذه / فلم يبق إِلاّ أنْ نُعلَّلَ بالذكْر
فيا حبذا روق الصِبا من مودع / ويا حبذا عصر الشبيبة من عَصْر
أرِش لي جناحَ الحظّ مولاي إِنني
أرِش لي جناحَ الحظّ مولاي إِنني / إِذا لمْ تَرشْهُ الدهرَ جَلْدٌ على الصَبْر
بريحانة النادي نقضت شبيبتي / ولا خير من بعد الشبيبة في العمر
وحسبُ الفتى إِن لم يَنَلْ ما يريده / مع الصبر ان يلفَى مقيماً على الصبر
تغاضيت والأيام تقذف في الحشا / على خيبة الآمال جمراً على جمر
وبين الغصون الهِيف للنهر أرقَمٌ
وبين الغصون الهِيف للنهر أرقَمٌ / يُعبّس في وجه النسيم إِذا انبرى
فيحكي كميّا دونه النسج رامحا / يدور بعَضْب منجداً فيه مُغورا
ألاَ غِبَّ إِهداء السلام تحيةً
ألاَ غِبَّ إِهداء السلام تحيةً / كعَرْفِ الشذا العطري بَلْ هي أعطر
ذكرتم لنا والودّ عندك بيّنٌ / وعندي فيما يعلمُ اللّهُ أكثرُ
بأن لكم من مِصرَ آثار رغبة / وأسباب خير فضلها ليس يُنكرُ
إِجازات أشياخٍ كرامٍ أعزةٍ / مآثرهم بالفضل تطوى وتنشر
ونحن بقرب منكم الآن والرجَا / زيادة إيناس
كتبتُ وفي قلبي إِليك نوازعٌ
كتبتُ وفي قلبي إِليك نوازعٌ / تكاد لفرط الشوق أَن تستطيره
أحاول من ذات الأراكة في الربى / جناحاً وتأبي في الهوى أن تعيره
سَلام كزهر الروض باكره الحيا
سَلام كزهر الروض باكره الحيا / فأضحى وقد أربى على عنبر الشحرْ
يوافيك من أرجاء دارَين مهدياً / إِليك على متن الصبا طيّبَ النَشْرِ