جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمَانِ يُجِيرُ
جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمَانِ يُجِيرُ / وَبِشْرُكَ لِلرَّاجِي نَداكَ بَشِيرُ
فَضَلْتَ بَنِي الدُّنيا فَفَضلُكَ أَوَّلُ / وَأَوَّلُ فضلِ الأَوَّلِينَ أخِيرُ
وَأنتَ هُمَامٌ دَبَّرَ المُلْكَ رَأْيُهُ / خَبِيرٌ بِأحْوَالِ الزَّمَانِ بَصِيرُ
إذَا المَلِكُ المَنْصُورُ حَاوَلَ نَصْرَهَ / كَفَى المَلِكَ المَنْصُورَ منك نَصِيرُ
فلا تُنسِهِ الأَيَّامُ ذِكْرَكَ إنَّهُ / به فَرِحٌ بينَ الملوكِ فخُورُ
إذا مَرَّ في أَرْضٍ بِجَيْشٍ عَرَمْرَم / تكادُ لهُ أُمُّ النُّجُومِ تَمُورُ
وَتَحْسِبُهُ قد سارَ يَرْمِي بُرُوجَهَا / بِخَيْلٍ عليها كالبروجِ يُغيرُ
وَما قَلْبُها مِمَّا يَقَرُّ خُفُوقُهُ / وَلا طَرْفُها حتى يعودَ قَرِيرُ
سواءٌ عليه خَيْلُهُ وَرِكابُهُ / وَسَرْجٌ إذا جابَ الفَلاةَ وَكُورُ
لقد جَهِلَتْ دَاوِيَّةُ الكُفْرِ بَأسَهُ / وَغَرَّهُم بالمسلمينَ غَرورُ
فلا بُورِكُوا مِنْ إِخْوَةٍ إنَّ أُمَّهُمْ / وَإنْ كَثُرَتْ منها البَنُونَ نَزُورُ
فَإنْ غَلُظَتْ مِنْهُمْ رِقَابٌ لِبُعْدِهِ / فَما انْحَطَّ عَنْها لِلْمَذَلَّةِ نِيرُ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أنَّا نُواصِلُ إنْ جَفَوا / وَأنَّا على بعد المزار نَزُورُ
يَظُنُّونَ خَيْلَ المُسلمينَ يَصُدُّها / عَنِ العَدْوِ في أرضِ العَدُوِّ دُحُورُ
أما زُلْزِلَتْ بالعادياتِ وَجاءها / مِنَ التُّرْكِ جَمٌّ لا يُعَدُّ غَفِيرُ
أتَوْا بِطِمرَّاتٍ مِنَ الجُرْدِ سُيِّرَتْ / وَرَجْلٍ لهُمْ مِثْلُ الجَرادِ طُمُورُ
فَلَمْ يَرْقُبوا مِنْ صَرْحٍ هامانَ مَرْقَباً / بهامَتِهِ بَرْدُ السَّحابِ بَكُورُ
وصُبَّ عليهم عارضٌ مِنْ حِجَارةٍ / ونَبْلٍ وكُلٌّ بالعَذابِ مَطِيرُ
وسامُوهُ خَسْفاً مِنْ ثُقُوبٍ كأنَّها / أثافٍ لها تلْكَ البُرُوجُ قُدُورٌ
فَذاَقُوا به مُرَّ الحِصَارِ فأصْبَحُوا / لهم ذلك الحِصْنُ الحَصِينُ حَصِيرُ
يَصِيحونَ أعلى السُّورِ خوْفاً كصافِنٍ / نَفَى عنه نَوْمَ المُقْلَتَيْنِ صَفِيرُ
وماذا يَرُدُّ السُّورُ عنهم وخلفَهُ / مِنَ الخَيْلِ سُورٌ والصَّوارِمِ سُورُ
فلما أحَسُّوا بَأْسَ أغْلَبَ هِمَّةً / غَدُوٌّ إليهم بالرَّدَى وبَكُورُ
دعَوْهُ وشمْلُ النَّصْرِ منهم مُمَزَّقٌ / أماناً وجلْبابُ الحياةِ بَقِيرُ
أعارَهُمُ افْرَنْسِيسُ تِلْكَ وَسِيلَةً / رأى مُسْتَعيراً غِبَّها وسَعيرُ
فَدَى نفسَهُ بالمالِ والآلِ وَانثَنَى / تَطِيرُ به مِنْ حيثُ جاءَ طُيُورُ
فلا تَذْكُرُوا ما كانَ بالأمْسِ منهمُ / فذاكَ لأَحْقادِ السُّيُوفِ مُثِيرُ
فلو شاءَ سُلْطَانُ البَسِيطَةِ ساقَهُمْ / لِمِصْرٍ وتَحْتَ الفارِسَيْنِ بَعِيرُ
تُبَشّرُ مِصْر دائماً بِقُدُومِهِمْ / إذا فَصَلَتْ منهم لِغزَّة عِيرُ
تَسُرُّهُمْ عند القُفولِ بِضاعَة / وَتَحْفَظُ منهمْ إِخْوَةً وَتَمِيرُ
ولو شاءَ مَدَّ النِّيلَ سَيْلُ دمائِهِمْ / وَزَفَّتْ نُحُورٌ ماءَهُ وسُحُورُ
بِعِيدٍ كَعِيدِ النَّحْرِ يا حُسْنَ ما يُرَى / به مِنْ عُلوجٍ كالعُجُولِ جَزُورُ
وَلكنَّه مِنْ حِلمِهِ وَاقتِدَارِهِ / عَفُوٌّ عَنِ الذَّنْبِ العظيم غفورُ
وَلَمْ يُبْقِهِمْ إِلَّا خَمِيراً لِمِثْلِها / مَلِيكٌ يَجُبُّ الرَّأْيَ وَهْوَ خَبِيرُ
يَرَى الرَّأْيَ مُزَّ الرَّاحِ يهْوَى عَتيقهُ / وَيَكْرَهُ منه الحُلْوُ وَهْوَ عَصِيرُ
فَوَلَّوْا وَسوءُ الظَّنِّ يَلْوِي وُجُوهَهُمْ / فَتَحْسِبُها صُوراً وما هِيَ صُورُ
وقد شَغَرَتْ مِنهمْ حُصونٌ أَواهِلٌ / وما راعها مِنْ قبل ذاك شُغُورُ
فللَّهِ سلطانُ البسيطَةِ إنَّهُ / مَليكٌ يَسِيرُ النَّصْرُ حيثُ يسيرُ
ويُغْمِدُ في هامِ الملوكِ حُسامَهُ / ويَرْهَبُ منْ هامِ المُلوكِ غَفيرُ
ويَجْمَعُ مِنْ أَشْلائِهِمْ مُتَفَرِّقاً / بِصارِمهِ جَمْعَ الهَشِيم حَظيرُ
فَأَخْلِقْ بأنْ يَبْقَى وَيَبْقَى لِمُلْكِهِ / ثَناءٌ حَكاهُ عَنْبَرٌ وعَبيرُ
وتأتيه خَيْلُ اللَّهِ من كَلِّ وِجْهَةٍ / يُؤَيَّدُ منها بالنفيرِ نفيرُ
وَيَحْمِلَ كَلَّ المُلْكِ عنه وإصْرَهُ / حَرِيٌّ بِتَدْبيرِ الأُمورِ جَدِيرُ
أَخُو عَزَماتٍ فالبَعِيدُ منَ العُلا / لَدَيْهِ قرِيبٌ والعسيرُ يَسيرُ
تَكادُ إذا ما أُبْرِمَت عَزَماتُهُ / لها الأرضُ تُطْوَى وَالجِبالُ تَسيرُ
دَعَانِي إلَى مَغْنَاهُ داعٍ وَليسَ لِي / جَنانٌ عَلَى ذاكَ الجَنابِ جَسورُ
فقلتُ له دَعْنِي وَسَيْرِي لِماجِدٍ / لَهُ اللَّهُ في كُلِّ الأُمورِ يُجِيرُ
إذا جِئْتُهُ وَحْدِي يقُومُ بِنُصْرَتي / قبائلُ مِنْ إقبالِهِ وعَشيرُ
فَتىً أَبْدَتِ الدُّنيا عواقِبَها لَهُ / وَأَفْضَتْ بما فيها لَدَيْهِ صُدُورُ
فَغَفْلَتُهُ مِنْ شدَّةِ الحَزْمِ يَقْظَةٌ / وَغَيْبَتُهُ عَمَّا يُريدُ حُضورُ
وما كلُّ فضلٍ فيه إِلَّا سَجِيَّةٌ / يُشاركُ فيها ظاهرٌ وضميرُ
فليس له عندَ النَّزالِ مُحَرِّضٌ / وليس له عند النَّوالِ سفيرُ
هُوَ السَّيْفُ فاحذرْ صَفْحَةً لِغِرَارِهِ / فَبَيْنَهُما لِلَّامِسِينَ غُرورُ
مَهيبٌ وَهوبٌ لِلْمُحاوِلِ جُودَهُ / جَوادٌ ولِلَّيثِ الهَصُورِ هَصُورُ
إشاراتُهُ فيما يَرومُ صَوارمٌ / وساعاتُهُ عما يَسَعْنَ دُهُورُ
إذا هَجرَ الناسُ الهجيرَ لكَرْبِهِمْ / يَلَذُّ لهُ أَنَّ الزَّمانَ هَجيرُ
وَهلْ يَتَّقِي حَرَّ الزَّمانِ ابنُ غادَةٍ / جَليلٌ عَلَى حَرِّ الزَّمانِ صَبُورُ
يُحاذِرُهُ المَوْتُ الزُّؤَامُ إذا سطا / ولكنه مِنْ أنْ يُلامَ حَذُورُ
وتَسْتَهْوِنُ الأهوالَ في المَجْدِ نَفْسُهُ / وَتَسْتَحْقِرُ المَوْهُوبَ وهْوَ خَطيرُ
مَكَارِمُهُ لَمْ تُبْقِ فَقْراً ورَأْيُهُ / إلى بعضِه أغنَى الملوكِ فقيرُ
كَفَتْهُ سُطاهُ أَنْ يُجَهِّزَ عَسْكَراً / وآراؤُهُ أَنْ يُسْتَشارَ وَزِيرُ
فواطَنَ أَطْرافَ البَسِيطَةِ ذِكْرُهُ / وصِينَتْ حُصُونٌ باسمِهِ وثُغُورُ
مُحَيَّاهُ طَلْقٌ باسِمٌ رَوْضُ كَفِّهِ / أرِيضٌ وَماءُ البِشْرِ منه نمِيرُ
حَكَى البحرَ وصْفاً مِنْ طهارَةِ كَفِّهِ / فقيل لهُ مِنْ أَجْلِ ذاك طَهُورُ
وَما هُوَ إِلَّا كِيمياءُ سعادةٍ / وَوَصْفِي لتلكَ الكِيمياء شُذُورُ
بها قامَ شِعْرِي لِلْخَلاصِ فما أَرَى / لِشِعْرِي امْتِحانَ الناقِدِينَ نَصيرُ
وَرُبَّ أَدِيبٍ ذِي لِسانٍ كَمِبْرَدٍ / بَدَا مِنْ فَمٍ كالكِيرِ أَوْ هُوَ كِيرُ
أَرادَ امْتحاناً لِي فَزَيَّفَ لَفْظَهُ / نَتانٌ بَدَا مِنْ نَظْمِهِ وخَرِيرُ
إذَا ما رَآني عَافَنِي وَاسْتَقَلَّنِي / كأنِّيَ في قَعْرِ الزُّجَاجَةِ سُورُ
وَيُعْجِبُهُ أَنّي نَحِيفٌ وأَنّه / سَمِينٌ يَسُرُّ الناظِرينَ طَرِيرُ
وَلَمْ يَدرِ أَنَّ الدُّرَّ يَصْغُرُ جِرْمُهُ / وَمقدارُهُ عند الملوكِ خطيرُ
فقامَ بِنَصْرِي دونَهُ ذَو نَباهَةٍ / حَلِيمٌ إذا خَفَّ الحَلِيمُ وَقُورُ
وَلا جَوْرَ في أحْكَامِهِ غَيْرَ أَنه / عَلَى الخائِنِينَ الجَائرِينَ يَجُورُ
فلا تنْظُرِ العُمَّالُ لِلْمالِ إنَّهُ / عَلَى بَيْتِ مالِ المُسْلِمينَ غَيُورُ
وأنَّ عَذابَ المُجْرِمِينَ بِعَدْلِهِ / طويلٌ وعُمْر الخائِنِينَ قَصِيرُ
له قَلَمٌ بالبأْس يَجْرِي وَبالنَّدَى / فَفِي جانِبَيْهِ جَنَّةٌ وَسَعِيرُ
تُحَلِّي الطَّرُوسَ العاطِلات سطورُها / كما تَتحلَّى بالعُقُودِ نُحُورُ
أُجَلّي لِحَاظِي في خمائِلِ حُسْنِهِ / فَمِنْ حَيْرَةٍ لَمْ تَدْرِ كيفَ تَحُورُ
عَلا بعضُهُ في القَدْرِ بعضاً كما علا / مَعَ الحُسْنِ زَهْرٌ في الرِّياضِ نَضِيرُ
حَكَى حَسَناتٍ في صحائِفِ مُؤْمِنٍ / يُسَرُّ كَبِيريٌّ بها وَصَغِيرُ
فكانتْ شُكُولاً منه زانَتْ حروفُهُ / حِساباً قَلَتْ منه الصِّحاحَ كُسورُ
فقلتُ وَقد راعَتْ بِفَصْلِ خِطَابِهِ / وراقَتْ عُيُونَ الناظِرِينَ سُطُورُ
لَئِن جاءَهُم كَالغيثِ مِنهُ مُبَشِّراً / فَقَد جاءَهُم كَالموتِ مِنهُ نَذيرُ
فوَيْلٌ لِقَوْمٍ مِنْ يَراعٍ كأنّه / خِلالٌ يَرُوعُ الأُسْدَ منه صَرِيرُ
وَلِمْ لا وَآسادُ العرِينِ لِداتُهُ / يَكُونُ له مثلُ الأسودِ زَئيرُ
يَغُضُّ لَدَيْهِ مُقْلَتَيْهِ ابنُ مُقْلَةٍ / كما غضَّ مَنْ فِي مُقْلَتَيْهِ بُثُورُ
وَأَنَّى لُهُ لو نالَهُ مِنْ تُرابِهِ / ليَكْحَلَ منه مُقْلَتَيْهِ ذَرُورُ
وَقد كَفَّ عنْ كوفِيَّةٍ كَفَّ عاجِزٍ / وفيه نَظِيمٌ دُرُّهُ ونَثِيرُ
وَوَدَّ العَذارَى لوْ يُعَجِّلُ نِحْلةً / إليهنَّ مِنْ تلكَ الحُروفِ مُهُورُ
رَأَى ما يَرُوقُ الطَّرْفَ بلْ ما يَرُوعُهُ / فَخَارَ وَذُو القَلْبِ الضعيفِ يَخُورُ
بَنى ما بَنَى كِسْرَى وعادٌ وَتُبَّعٌ / وليسَ سواءً مُؤْمِنٌ وَكَفُورُ
ودَلَّ على تَقْوَى الإلهِ أَساسُهُ / كما دَلَّ بالوادي المُقَدَّسِ طُورُ
حِجازِيَّةُ السُّحْبِ الثِّقالِ يَسُوقُها / عَلَى عَجَلٍ سَوْقاً صَباً وَدَبُورُ
ومنها نُجومٌ في بُروجِ مَجَرَّةٍ / عَلَى الأرضِ تَبْدُو تارَةً وتَغُورُ
تَضِيقُ بها السُّبلُ الفِجَاجُ فلا يُرَى / بها للرِّياحِ العاصفاتِ مَسيرُ
فكَمْ صَخْرَةٍ عاديَّةٍ قَذَفَتْ بها / إليه سُهُولٌ جَمَّةٌ وَوُعُورُ
وَمنْ عُمُدٍ في هِمَّةِ الدَّهرِ قُوَّةٌ / وَفي باعِهِ مِنْ طُولِهنَّ قُصُورُ
أَشارَ لها فانْقادَ سَهْلاً عَسِيرُها / إليه وَما أَمْرٌ عليه عسيرُ
أَتَتْهُ بِها أَنْدَى الرِّياحِ وَدونَ مَا / أَتَتْهُ بها أَنْدَى الرِّياحِ ثَبِيرُ
وما كانَ لَولا ما لَهُ مِنْ كَرَامَةٍ / لِيَأْتِينَا بالمُعْجِزاتِ أَميرُ
لِما فيه مِنْ تَقْوَى وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ / بِحُرِّ مَبَانِيهِ الثَّلاثُ تُشِيرُ
فَمِئْذَنَةٌ في الجوِّ تُشْرِقَ في الدُّجَى / عليها هُدىً لِلْعَالمينَ وَنُورُ
وَمِنْ حَيْثُمَا وَجَّهْتَ وَجْهَكَ نَحْوَها / تَلَقَّتْكَ مِنها نَضْرَةٌ وسُرُورُ
يَمُدُّ إليها الحاسدُ الطَّرْفَ حَسْرَةً / فَيَرْجِعُ عنها الطَّرْفُ وهْوَ حَسيرُ
فكَمْ حَسَدَتْها في العُلُوِّ كواكبٌ / وغارَتْ عليها في الكمالِ بُدُورُ
إذا قامَ يَدْعُو اللَّه فيها مُؤَذِّنٌ / فما هُوَ إِلَّا للنُّجومِ سَمِيرُ
فللنَّاسِ مِنْ تذكارِهِ وأذانِهِ / فَطُورٌ عَلَى رَجْعِ الصَّدَى وَسَحُورُ
وقُبَّةُ مارستانَ ليسَ لِعِلَّةٍ / عليه وإن طالَ الزَّمانَ مُرُورُ
صَحِيحُ هَواءٍ للنُّفوسِ بِنَشْرِهِ / مَعادٌ وَلِلعَظْمِ الرَّمِيمِ نُشُورُ
يَهُبُّ فَيَهْدِي كلَّ رُوحٍ بِجِسْمِهِ / كأنَّ صَباهُ حِينَ يَنْفُخُ صُورُ
فَلَو تَعْلَمُ الأجسامُ أن تُرابَهُ / مِهادُ حَياةٍ لِلْجُسومِ وَثيرُ
لَسَارَتْ بِمَرْضاها إليهِ أسِرَّة / وصارتْ بموْتاها إليهِ قُبُورُ
وما عادَ يُبلِي بعدَ ذلك مَيِّتاً / ضَرِيحٌ وَلا يَشْكُو المَرِيضَ سَرِيرُ
بِجَنَّتِهِ وُرْقٌ تُراسِلُ ماءَهُ / يَشُوقُ هَدِيلٌ منهما وَهَدِيرُ
وَقد وَصَفَتْ لِي الناس منها عَجائِباً / كأَوْجُهِ غِيدٍ ما لَهُنَّ سُفُورُ
محاسِنها اسْتَدْعَتْ نَسِيبِي ومَا دَعَا / نَسِيبِي غزالٌ قبلَ ذاك غرِيرُ
وباتَ بها قَلْبي يُمَثِّلُ حُسْنَها / لِعَيْنِي وَنَوْمِي بالسُّهادِ غَزِيرُ
وَلا وَصْفَ إِلَّا أنْ يَكُونَ لِواصِفٍ / وُرُودٌ عَلَى مَوْصُوفِهِ وصُدُورُ
بَدَتْ فَهْيَ عندَ الصَّالِحِيَّةِ جِلَّقٌ / وفي تلْكَ جَنَّاتٌ وتلكَ قُبُورُ
وَلَو فَتَحَت أَبْوابَها لَتَبَادَرَتْ / مِنَ الدُّرِّ وِلدانٌ إلَيْهِ وحُورُ
ومَدْرَسَةٌ وَدَّ الخَورْنَقُ أَنّه / لَدَيْهَا حَظِيرٌ والسَّدِيرُ غَدِيرُ
مَدِينَةُ عِلمٍ وَالمَدَارِسُ حَوْلَها / قُرىً أَوْ نُجُومٌ بَدْرُهُنَّ مُنِيرُ
تَبَدَّتْ فأَخْفَى الظَّاهِرِيَّةَ نُورُها / وليسَ بِظُهْرٍ للنُّجُومِ ظُهورُ
بِناءٌ كَأنَّ النَّحلَ هَندَسَ شَكلَهُ / وَلانَت لَهُ كَالشَّمعِ مِنهُ صُخورُ
بَناها حَكِيمٌ لَيْسَ في عَزَماتِهِ / فتُورٌ وَلا فيما بناه فُتُورُ
بَناها شَدِيدُ البَأْسِ أَوْحَدُ عَصْرِهِ / خَلَتْ حِقَبٌ مِنْ مِثْلِهِ وعُصُورُ
فما صَنَعَتْ عادٌ مَصانِعَ مِثلَهُ / وَلا طاوَلَتْهُ في البِناءِ قُصُورُ
ثَمَانِيَةٌ في الجَوِّ يَحْمِلُ عَرْشَها / وبعضٌ لبعضٍ في البناءِ ظَهيرُ
يَرَى مَنْ يَراها أَنَّ رافِعَ سَمْكهَا / عَلَى فِعْلِ ما أعْيا المُلوكَ قَدِيرُ
وَأَنَّ مَناراً قائماً بإزائها / بَنانٌ إلى فضلِ الأَمِيرِ تشيرُ
كَأَنَّ مَنارَ اسْكَنْدَرِيَّةَ عنده / نَواةٌ بَدَتْ والبابُ فيهِ نَقِيرُ
بناها سعيدٌ في بِقاعٍ سعيدَةٍ / بها سَعِدَتْ قَبْلَ المَدَارِسِ دُورُ
إذا قامَ يَدْعو اللَّهَ فيها مُؤَذِّنٌ / فما هُوَ إِلَّا للنُّجُومِ سَمِيرُ
فصارتْ بُيوتُ اللَّهِ آخِرَ عُمْرِهَا / قُصُورٌ خَبَتْ مِنْ سادةٍ وخُدُورُ
ذَكَرْنا لَدَيْهَا قُبَّةَ النَّسْرِ مَرَّةً / فما كادَ نَسْرٌ لِلْحَياءِ يَطِيرُ
فإنْ نُسِبَتْ لِلنَّسرِ فالطائرُ الَّذي / لَهُ في البُروجِ الثَّابِتاتِ وُكُورُ
وإِلَّا فَكَمْ في الأرضِ قد مالَ دونَها / إلى الأرضِ عِقْبَانٌ هَوَتْ ونُسُورُ
تَبيَّنتُ في مِحرابِها وَهْيَ كالدُّمَى / قُدُودَ غَوانٍ كُلُّهُنَّ خُصُورُ
وقد حُلِّيَتْ منها صُدُورٌ بِعَسْجَدٍ / وَلُفَّتْ لَها تَحْتَ الحُلِيِّ شُعُورُ
بها عُمُدٌ كاثَرْنَ أيَّامَ عامِها / وَمِنْ عامِها لَمْ يَمْضِ بعدُ شُهُورُ
مَبانٍ أبانَتْ عَنْ كمالِ بِنائِها / وأَعْرَبَ عَنْ وَضْعِ الأَساسِ هَتُورُ
سَمَاوِيَّةٌ أَرْجَاؤُها فكأَنَّها / عليها من الوَشْيِ البَديعِ سُتُورُ
تَوَهَّمَ طَرْفِي أَنَّ تَجْزِيعَ بُسْطِها / رُقُومٌ وَتَلْوِينَ الرُّخامِ حَريرُ
وكم جَاوَزَ الإِبْدَاعُ في الحُسْنِ حَدَّهُ / فَأَوْهَمَنا أَنَّ الحَقيقَةَ زُورُ
فَللَّهِ يَوْمٌ ضَمَّ فيه أَئمَّةً / تَدَفَّقَ منهم لِلعلومِ بُحورُ
وشمسُ المَعالي مِنْ كِتابٍ وسُنَّةٍ / عَلَى النَّاسِ مِنْ لَفْظِ الكلامِ تُديرُ
وقد أَعْرَبَتْ للنّاسِ عَنْ خَيْرِ مَوْلِدٍ / عَرُوبٌ به والفضلُ فيه كثيرُ
فأَكْرِمْ بِيَوْمٍ فيه أَكْرَمُ مَوْلِدٍ / لأَكْرَمِ مَوْلُودٍ نَمَتْهُ حُجُورُ
يُطالِعُهُ للمسلمينَ مَسَرَّةٌ / ولكِنْ به للكافِرينَ ثُبورُ
قَرَأْنا بها القرآنَ غيرَ مُبَدَّلٍ / فغارَتْ أناجيلٌ وغارَ زَبُورُ
وَثَنَّتْ بأخبارِ النبيِّ رُواتها / وكلّ بأخْبَارِ النبيِّ خَبِيرُ
وثَلَّثَ يدعو اللَّهَ فيها مُوَحِّدٌ / ذَكُورٌ لِنَعْمَاءِ الإِلهِ شَكُورُ
وما تلكَ للسلطانِ إِلَّا سعادَةٌ / يَدُومُ لهُ ذِكْرٌ بها وأُجُورُ
دَعاها إليه وافِرُ الرَّأْي والحِجَا / يَزِينُ الحِجَى والرَّأْيُ منهُ وَقُورُ
فَهَلْ في مُلوكِ الأرضِ أَوْ خُلفائها / لهُ في الّذِي شادتْ يَداهُ نَظِيرُ
عَلَى أَنَّهم في جَنْبِ ما شادَ مِنْ عُلاً / ولو كانَ كالسَّبْعِ الطِّباقِ حَصيرُ