القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : شَرَف الدين البُوصيري الكل
المجموع : 2
جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمَانِ يُجِيرُ
جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمَانِ يُجِيرُ / وَبِشْرُكَ لِلرَّاجِي نَداكَ بَشِيرُ
فَضَلْتَ بَنِي الدُّنيا فَفَضلُكَ أَوَّلُ / وَأَوَّلُ فضلِ الأَوَّلِينَ أخِيرُ
وَأنتَ هُمَامٌ دَبَّرَ المُلْكَ رَأْيُهُ / خَبِيرٌ بِأحْوَالِ الزَّمَانِ بَصِيرُ
إذَا المَلِكُ المَنْصُورُ حَاوَلَ نَصْرَهَ / كَفَى المَلِكَ المَنْصُورَ منك نَصِيرُ
فلا تُنسِهِ الأَيَّامُ ذِكْرَكَ إنَّهُ / به فَرِحٌ بينَ الملوكِ فخُورُ
إذا مَرَّ في أَرْضٍ بِجَيْشٍ عَرَمْرَم / تكادُ لهُ أُمُّ النُّجُومِ تَمُورُ
وَتَحْسِبُهُ قد سارَ يَرْمِي بُرُوجَهَا / بِخَيْلٍ عليها كالبروجِ يُغيرُ
وَما قَلْبُها مِمَّا يَقَرُّ خُفُوقُهُ / وَلا طَرْفُها حتى يعودَ قَرِيرُ
سواءٌ عليه خَيْلُهُ وَرِكابُهُ / وَسَرْجٌ إذا جابَ الفَلاةَ وَكُورُ
لقد جَهِلَتْ دَاوِيَّةُ الكُفْرِ بَأسَهُ / وَغَرَّهُم بالمسلمينَ غَرورُ
فلا بُورِكُوا مِنْ إِخْوَةٍ إنَّ أُمَّهُمْ / وَإنْ كَثُرَتْ منها البَنُونَ نَزُورُ
فَإنْ غَلُظَتْ مِنْهُمْ رِقَابٌ لِبُعْدِهِ / فَما انْحَطَّ عَنْها لِلْمَذَلَّةِ نِيرُ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أنَّا نُواصِلُ إنْ جَفَوا / وَأنَّا على بعد المزار نَزُورُ
يَظُنُّونَ خَيْلَ المُسلمينَ يَصُدُّها / عَنِ العَدْوِ في أرضِ العَدُوِّ دُحُورُ
أما زُلْزِلَتْ بالعادياتِ وَجاءها / مِنَ التُّرْكِ جَمٌّ لا يُعَدُّ غَفِيرُ
أتَوْا بِطِمرَّاتٍ مِنَ الجُرْدِ سُيِّرَتْ / وَرَجْلٍ لهُمْ مِثْلُ الجَرادِ طُمُورُ
فَلَمْ يَرْقُبوا مِنْ صَرْحٍ هامانَ مَرْقَباً / بهامَتِهِ بَرْدُ السَّحابِ بَكُورُ
وصُبَّ عليهم عارضٌ مِنْ حِجَارةٍ / ونَبْلٍ وكُلٌّ بالعَذابِ مَطِيرُ
وسامُوهُ خَسْفاً مِنْ ثُقُوبٍ كأنَّها / أثافٍ لها تلْكَ البُرُوجُ قُدُورٌ
فَذاَقُوا به مُرَّ الحِصَارِ فأصْبَحُوا / لهم ذلك الحِصْنُ الحَصِينُ حَصِيرُ
يَصِيحونَ أعلى السُّورِ خوْفاً كصافِنٍ / نَفَى عنه نَوْمَ المُقْلَتَيْنِ صَفِيرُ
وماذا يَرُدُّ السُّورُ عنهم وخلفَهُ / مِنَ الخَيْلِ سُورٌ والصَّوارِمِ سُورُ
فلما أحَسُّوا بَأْسَ أغْلَبَ هِمَّةً / غَدُوٌّ إليهم بالرَّدَى وبَكُورُ
دعَوْهُ وشمْلُ النَّصْرِ منهم مُمَزَّقٌ / أماناً وجلْبابُ الحياةِ بَقِيرُ
أعارَهُمُ افْرَنْسِيسُ تِلْكَ وَسِيلَةً / رأى مُسْتَعيراً غِبَّها وسَعيرُ
فَدَى نفسَهُ بالمالِ والآلِ وَانثَنَى / تَطِيرُ به مِنْ حيثُ جاءَ طُيُورُ
فلا تَذْكُرُوا ما كانَ بالأمْسِ منهمُ / فذاكَ لأَحْقادِ السُّيُوفِ مُثِيرُ
فلو شاءَ سُلْطَانُ البَسِيطَةِ ساقَهُمْ / لِمِصْرٍ وتَحْتَ الفارِسَيْنِ بَعِيرُ
تُبَشّرُ مِصْر دائماً بِقُدُومِهِمْ / إذا فَصَلَتْ منهم لِغزَّة عِيرُ
تَسُرُّهُمْ عند القُفولِ بِضاعَة / وَتَحْفَظُ منهمْ إِخْوَةً وَتَمِيرُ
ولو شاءَ مَدَّ النِّيلَ سَيْلُ دمائِهِمْ / وَزَفَّتْ نُحُورٌ ماءَهُ وسُحُورُ
بِعِيدٍ كَعِيدِ النَّحْرِ يا حُسْنَ ما يُرَى / به مِنْ عُلوجٍ كالعُجُولِ جَزُورُ
وَلكنَّه مِنْ حِلمِهِ وَاقتِدَارِهِ / عَفُوٌّ عَنِ الذَّنْبِ العظيم غفورُ
وَلَمْ يُبْقِهِمْ إِلَّا خَمِيراً لِمِثْلِها / مَلِيكٌ يَجُبُّ الرَّأْيَ وَهْوَ خَبِيرُ
يَرَى الرَّأْيَ مُزَّ الرَّاحِ يهْوَى عَتيقهُ / وَيَكْرَهُ منه الحُلْوُ وَهْوَ عَصِيرُ
فَوَلَّوْا وَسوءُ الظَّنِّ يَلْوِي وُجُوهَهُمْ / فَتَحْسِبُها صُوراً وما هِيَ صُورُ
وقد شَغَرَتْ مِنهمْ حُصونٌ أَواهِلٌ / وما راعها مِنْ قبل ذاك شُغُورُ
فللَّهِ سلطانُ البسيطَةِ إنَّهُ / مَليكٌ يَسِيرُ النَّصْرُ حيثُ يسيرُ
ويُغْمِدُ في هامِ الملوكِ حُسامَهُ / ويَرْهَبُ منْ هامِ المُلوكِ غَفيرُ
ويَجْمَعُ مِنْ أَشْلائِهِمْ مُتَفَرِّقاً / بِصارِمهِ جَمْعَ الهَشِيم حَظيرُ
فَأَخْلِقْ بأنْ يَبْقَى وَيَبْقَى لِمُلْكِهِ / ثَناءٌ حَكاهُ عَنْبَرٌ وعَبيرُ
وتأتيه خَيْلُ اللَّهِ من كَلِّ وِجْهَةٍ / يُؤَيَّدُ منها بالنفيرِ نفيرُ
وَيَحْمِلَ كَلَّ المُلْكِ عنه وإصْرَهُ / حَرِيٌّ بِتَدْبيرِ الأُمورِ جَدِيرُ
أَخُو عَزَماتٍ فالبَعِيدُ منَ العُلا / لَدَيْهِ قرِيبٌ والعسيرُ يَسيرُ
تَكادُ إذا ما أُبْرِمَت عَزَماتُهُ / لها الأرضُ تُطْوَى وَالجِبالُ تَسيرُ
دَعَانِي إلَى مَغْنَاهُ داعٍ وَليسَ لِي / جَنانٌ عَلَى ذاكَ الجَنابِ جَسورُ
فقلتُ له دَعْنِي وَسَيْرِي لِماجِدٍ / لَهُ اللَّهُ في كُلِّ الأُمورِ يُجِيرُ
إذا جِئْتُهُ وَحْدِي يقُومُ بِنُصْرَتي / قبائلُ مِنْ إقبالِهِ وعَشيرُ
فَتىً أَبْدَتِ الدُّنيا عواقِبَها لَهُ / وَأَفْضَتْ بما فيها لَدَيْهِ صُدُورُ
فَغَفْلَتُهُ مِنْ شدَّةِ الحَزْمِ يَقْظَةٌ / وَغَيْبَتُهُ عَمَّا يُريدُ حُضورُ
وما كلُّ فضلٍ فيه إِلَّا سَجِيَّةٌ / يُشاركُ فيها ظاهرٌ وضميرُ
فليس له عندَ النَّزالِ مُحَرِّضٌ / وليس له عند النَّوالِ سفيرُ
هُوَ السَّيْفُ فاحذرْ صَفْحَةً لِغِرَارِهِ / فَبَيْنَهُما لِلَّامِسِينَ غُرورُ
مَهيبٌ وَهوبٌ لِلْمُحاوِلِ جُودَهُ / جَوادٌ ولِلَّيثِ الهَصُورِ هَصُورُ
إشاراتُهُ فيما يَرومُ صَوارمٌ / وساعاتُهُ عما يَسَعْنَ دُهُورُ
إذا هَجرَ الناسُ الهجيرَ لكَرْبِهِمْ / يَلَذُّ لهُ أَنَّ الزَّمانَ هَجيرُ
وَهلْ يَتَّقِي حَرَّ الزَّمانِ ابنُ غادَةٍ / جَليلٌ عَلَى حَرِّ الزَّمانِ صَبُورُ
يُحاذِرُهُ المَوْتُ الزُّؤَامُ إذا سطا / ولكنه مِنْ أنْ يُلامَ حَذُورُ
وتَسْتَهْوِنُ الأهوالَ في المَجْدِ نَفْسُهُ / وَتَسْتَحْقِرُ المَوْهُوبَ وهْوَ خَطيرُ
مَكَارِمُهُ لَمْ تُبْقِ فَقْراً ورَأْيُهُ / إلى بعضِه أغنَى الملوكِ فقيرُ
كَفَتْهُ سُطاهُ أَنْ يُجَهِّزَ عَسْكَراً / وآراؤُهُ أَنْ يُسْتَشارَ وَزِيرُ
فواطَنَ أَطْرافَ البَسِيطَةِ ذِكْرُهُ / وصِينَتْ حُصُونٌ باسمِهِ وثُغُورُ
مُحَيَّاهُ طَلْقٌ باسِمٌ رَوْضُ كَفِّهِ / أرِيضٌ وَماءُ البِشْرِ منه نمِيرُ
حَكَى البحرَ وصْفاً مِنْ طهارَةِ كَفِّهِ / فقيل لهُ مِنْ أَجْلِ ذاك طَهُورُ
وَما هُوَ إِلَّا كِيمياءُ سعادةٍ / وَوَصْفِي لتلكَ الكِيمياء شُذُورُ
بها قامَ شِعْرِي لِلْخَلاصِ فما أَرَى / لِشِعْرِي امْتِحانَ الناقِدِينَ نَصيرُ
وَرُبَّ أَدِيبٍ ذِي لِسانٍ كَمِبْرَدٍ / بَدَا مِنْ فَمٍ كالكِيرِ أَوْ هُوَ كِيرُ
أَرادَ امْتحاناً لِي فَزَيَّفَ لَفْظَهُ / نَتانٌ بَدَا مِنْ نَظْمِهِ وخَرِيرُ
إذَا ما رَآني عَافَنِي وَاسْتَقَلَّنِي / كأنِّيَ في قَعْرِ الزُّجَاجَةِ سُورُ
وَيُعْجِبُهُ أَنّي نَحِيفٌ وأَنّه / سَمِينٌ يَسُرُّ الناظِرينَ طَرِيرُ
وَلَمْ يَدرِ أَنَّ الدُّرَّ يَصْغُرُ جِرْمُهُ / وَمقدارُهُ عند الملوكِ خطيرُ
فقامَ بِنَصْرِي دونَهُ ذَو نَباهَةٍ / حَلِيمٌ إذا خَفَّ الحَلِيمُ وَقُورُ
وَلا جَوْرَ في أحْكَامِهِ غَيْرَ أَنه / عَلَى الخائِنِينَ الجَائرِينَ يَجُورُ
فلا تنْظُرِ العُمَّالُ لِلْمالِ إنَّهُ / عَلَى بَيْتِ مالِ المُسْلِمينَ غَيُورُ
وأنَّ عَذابَ المُجْرِمِينَ بِعَدْلِهِ / طويلٌ وعُمْر الخائِنِينَ قَصِيرُ
له قَلَمٌ بالبأْس يَجْرِي وَبالنَّدَى / فَفِي جانِبَيْهِ جَنَّةٌ وَسَعِيرُ
تُحَلِّي الطَّرُوسَ العاطِلات سطورُها / كما تَتحلَّى بالعُقُودِ نُحُورُ
أُجَلّي لِحَاظِي في خمائِلِ حُسْنِهِ / فَمِنْ حَيْرَةٍ لَمْ تَدْرِ كيفَ تَحُورُ
عَلا بعضُهُ في القَدْرِ بعضاً كما علا / مَعَ الحُسْنِ زَهْرٌ في الرِّياضِ نَضِيرُ
حَكَى حَسَناتٍ في صحائِفِ مُؤْمِنٍ / يُسَرُّ كَبِيريٌّ بها وَصَغِيرُ
فكانتْ شُكُولاً منه زانَتْ حروفُهُ / حِساباً قَلَتْ منه الصِّحاحَ كُسورُ
فقلتُ وَقد راعَتْ بِفَصْلِ خِطَابِهِ / وراقَتْ عُيُونَ الناظِرِينَ سُطُورُ
لَئِن جاءَهُم كَالغيثِ مِنهُ مُبَشِّراً / فَقَد جاءَهُم كَالموتِ مِنهُ نَذيرُ
فوَيْلٌ لِقَوْمٍ مِنْ يَراعٍ كأنّه / خِلالٌ يَرُوعُ الأُسْدَ منه صَرِيرُ
وَلِمْ لا وَآسادُ العرِينِ لِداتُهُ / يَكُونُ له مثلُ الأسودِ زَئيرُ
يَغُضُّ لَدَيْهِ مُقْلَتَيْهِ ابنُ مُقْلَةٍ / كما غضَّ مَنْ فِي مُقْلَتَيْهِ بُثُورُ
وَأَنَّى لُهُ لو نالَهُ مِنْ تُرابِهِ / ليَكْحَلَ منه مُقْلَتَيْهِ ذَرُورُ
وَقد كَفَّ عنْ كوفِيَّةٍ كَفَّ عاجِزٍ / وفيه نَظِيمٌ دُرُّهُ ونَثِيرُ
وَوَدَّ العَذارَى لوْ يُعَجِّلُ نِحْلةً / إليهنَّ مِنْ تلكَ الحُروفِ مُهُورُ
رَأَى ما يَرُوقُ الطَّرْفَ بلْ ما يَرُوعُهُ / فَخَارَ وَذُو القَلْبِ الضعيفِ يَخُورُ
بَنى ما بَنَى كِسْرَى وعادٌ وَتُبَّعٌ / وليسَ سواءً مُؤْمِنٌ وَكَفُورُ
ودَلَّ على تَقْوَى الإلهِ أَساسُهُ / كما دَلَّ بالوادي المُقَدَّسِ طُورُ
حِجازِيَّةُ السُّحْبِ الثِّقالِ يَسُوقُها / عَلَى عَجَلٍ سَوْقاً صَباً وَدَبُورُ
ومنها نُجومٌ في بُروجِ مَجَرَّةٍ / عَلَى الأرضِ تَبْدُو تارَةً وتَغُورُ
تَضِيقُ بها السُّبلُ الفِجَاجُ فلا يُرَى / بها للرِّياحِ العاصفاتِ مَسيرُ
فكَمْ صَخْرَةٍ عاديَّةٍ قَذَفَتْ بها / إليه سُهُولٌ جَمَّةٌ وَوُعُورُ
وَمنْ عُمُدٍ في هِمَّةِ الدَّهرِ قُوَّةٌ / وَفي باعِهِ مِنْ طُولِهنَّ قُصُورُ
أَشارَ لها فانْقادَ سَهْلاً عَسِيرُها / إليه وَما أَمْرٌ عليه عسيرُ
أَتَتْهُ بِها أَنْدَى الرِّياحِ وَدونَ مَا / أَتَتْهُ بها أَنْدَى الرِّياحِ ثَبِيرُ
وما كانَ لَولا ما لَهُ مِنْ كَرَامَةٍ / لِيَأْتِينَا بالمُعْجِزاتِ أَميرُ
لِما فيه مِنْ تَقْوَى وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ / بِحُرِّ مَبَانِيهِ الثَّلاثُ تُشِيرُ
فَمِئْذَنَةٌ في الجوِّ تُشْرِقَ في الدُّجَى / عليها هُدىً لِلْعَالمينَ وَنُورُ
وَمِنْ حَيْثُمَا وَجَّهْتَ وَجْهَكَ نَحْوَها / تَلَقَّتْكَ مِنها نَضْرَةٌ وسُرُورُ
يَمُدُّ إليها الحاسدُ الطَّرْفَ حَسْرَةً / فَيَرْجِعُ عنها الطَّرْفُ وهْوَ حَسيرُ
فكَمْ حَسَدَتْها في العُلُوِّ كواكبٌ / وغارَتْ عليها في الكمالِ بُدُورُ
إذا قامَ يَدْعُو اللَّه فيها مُؤَذِّنٌ / فما هُوَ إِلَّا للنُّجومِ سَمِيرُ
فللنَّاسِ مِنْ تذكارِهِ وأذانِهِ / فَطُورٌ عَلَى رَجْعِ الصَّدَى وَسَحُورُ
وقُبَّةُ مارستانَ ليسَ لِعِلَّةٍ / عليه وإن طالَ الزَّمانَ مُرُورُ
صَحِيحُ هَواءٍ للنُّفوسِ بِنَشْرِهِ / مَعادٌ وَلِلعَظْمِ الرَّمِيمِ نُشُورُ
يَهُبُّ فَيَهْدِي كلَّ رُوحٍ بِجِسْمِهِ / كأنَّ صَباهُ حِينَ يَنْفُخُ صُورُ
فَلَو تَعْلَمُ الأجسامُ أن تُرابَهُ / مِهادُ حَياةٍ لِلْجُسومِ وَثيرُ
لَسَارَتْ بِمَرْضاها إليهِ أسِرَّة / وصارتْ بموْتاها إليهِ قُبُورُ
وما عادَ يُبلِي بعدَ ذلك مَيِّتاً / ضَرِيحٌ وَلا يَشْكُو المَرِيضَ سَرِيرُ
بِجَنَّتِهِ وُرْقٌ تُراسِلُ ماءَهُ / يَشُوقُ هَدِيلٌ منهما وَهَدِيرُ
وَقد وَصَفَتْ لِي الناس منها عَجائِباً / كأَوْجُهِ غِيدٍ ما لَهُنَّ سُفُورُ
محاسِنها اسْتَدْعَتْ نَسِيبِي ومَا دَعَا / نَسِيبِي غزالٌ قبلَ ذاك غرِيرُ
وباتَ بها قَلْبي يُمَثِّلُ حُسْنَها / لِعَيْنِي وَنَوْمِي بالسُّهادِ غَزِيرُ
وَلا وَصْفَ إِلَّا أنْ يَكُونَ لِواصِفٍ / وُرُودٌ عَلَى مَوْصُوفِهِ وصُدُورُ
بَدَتْ فَهْيَ عندَ الصَّالِحِيَّةِ جِلَّقٌ / وفي تلْكَ جَنَّاتٌ وتلكَ قُبُورُ
وَلَو فَتَحَت أَبْوابَها لَتَبَادَرَتْ / مِنَ الدُّرِّ وِلدانٌ إلَيْهِ وحُورُ
ومَدْرَسَةٌ وَدَّ الخَورْنَقُ أَنّه / لَدَيْهَا حَظِيرٌ والسَّدِيرُ غَدِيرُ
مَدِينَةُ عِلمٍ وَالمَدَارِسُ حَوْلَها / قُرىً أَوْ نُجُومٌ بَدْرُهُنَّ مُنِيرُ
تَبَدَّتْ فأَخْفَى الظَّاهِرِيَّةَ نُورُها / وليسَ بِظُهْرٍ للنُّجُومِ ظُهورُ
بِناءٌ كَأنَّ النَّحلَ هَندَسَ شَكلَهُ / وَلانَت لَهُ كَالشَّمعِ مِنهُ صُخورُ
بَناها حَكِيمٌ لَيْسَ في عَزَماتِهِ / فتُورٌ وَلا فيما بناه فُتُورُ
بَناها شَدِيدُ البَأْسِ أَوْحَدُ عَصْرِهِ / خَلَتْ حِقَبٌ مِنْ مِثْلِهِ وعُصُورُ
فما صَنَعَتْ عادٌ مَصانِعَ مِثلَهُ / وَلا طاوَلَتْهُ في البِناءِ قُصُورُ
ثَمَانِيَةٌ في الجَوِّ يَحْمِلُ عَرْشَها / وبعضٌ لبعضٍ في البناءِ ظَهيرُ
يَرَى مَنْ يَراها أَنَّ رافِعَ سَمْكهَا / عَلَى فِعْلِ ما أعْيا المُلوكَ قَدِيرُ
وَأَنَّ مَناراً قائماً بإزائها / بَنانٌ إلى فضلِ الأَمِيرِ تشيرُ
كَأَنَّ مَنارَ اسْكَنْدَرِيَّةَ عنده / نَواةٌ بَدَتْ والبابُ فيهِ نَقِيرُ
بناها سعيدٌ في بِقاعٍ سعيدَةٍ / بها سَعِدَتْ قَبْلَ المَدَارِسِ دُورُ
إذا قامَ يَدْعو اللَّهَ فيها مُؤَذِّنٌ / فما هُوَ إِلَّا للنُّجُومِ سَمِيرُ
فصارتْ بُيوتُ اللَّهِ آخِرَ عُمْرِهَا / قُصُورٌ خَبَتْ مِنْ سادةٍ وخُدُورُ
ذَكَرْنا لَدَيْهَا قُبَّةَ النَّسْرِ مَرَّةً / فما كادَ نَسْرٌ لِلْحَياءِ يَطِيرُ
فإنْ نُسِبَتْ لِلنَّسرِ فالطائرُ الَّذي / لَهُ في البُروجِ الثَّابِتاتِ وُكُورُ
وإِلَّا فَكَمْ في الأرضِ قد مالَ دونَها / إلى الأرضِ عِقْبَانٌ هَوَتْ ونُسُورُ
تَبيَّنتُ في مِحرابِها وَهْيَ كالدُّمَى / قُدُودَ غَوانٍ كُلُّهُنَّ خُصُورُ
وقد حُلِّيَتْ منها صُدُورٌ بِعَسْجَدٍ / وَلُفَّتْ لَها تَحْتَ الحُلِيِّ شُعُورُ
بها عُمُدٌ كاثَرْنَ أيَّامَ عامِها / وَمِنْ عامِها لَمْ يَمْضِ بعدُ شُهُورُ
مَبانٍ أبانَتْ عَنْ كمالِ بِنائِها / وأَعْرَبَ عَنْ وَضْعِ الأَساسِ هَتُورُ
سَمَاوِيَّةٌ أَرْجَاؤُها فكأَنَّها / عليها من الوَشْيِ البَديعِ سُتُورُ
تَوَهَّمَ طَرْفِي أَنَّ تَجْزِيعَ بُسْطِها / رُقُومٌ وَتَلْوِينَ الرُّخامِ حَريرُ
وكم جَاوَزَ الإِبْدَاعُ في الحُسْنِ حَدَّهُ / فَأَوْهَمَنا أَنَّ الحَقيقَةَ زُورُ
فَللَّهِ يَوْمٌ ضَمَّ فيه أَئمَّةً / تَدَفَّقَ منهم لِلعلومِ بُحورُ
وشمسُ المَعالي مِنْ كِتابٍ وسُنَّةٍ / عَلَى النَّاسِ مِنْ لَفْظِ الكلامِ تُديرُ
وقد أَعْرَبَتْ للنّاسِ عَنْ خَيْرِ مَوْلِدٍ / عَرُوبٌ به والفضلُ فيه كثيرُ
فأَكْرِمْ بِيَوْمٍ فيه أَكْرَمُ مَوْلِدٍ / لأَكْرَمِ مَوْلُودٍ نَمَتْهُ حُجُورُ
يُطالِعُهُ للمسلمينَ مَسَرَّةٌ / ولكِنْ به للكافِرينَ ثُبورُ
قَرَأْنا بها القرآنَ غيرَ مُبَدَّلٍ / فغارَتْ أناجيلٌ وغارَ زَبُورُ
وَثَنَّتْ بأخبارِ النبيِّ رُواتها / وكلّ بأخْبَارِ النبيِّ خَبِيرُ
وثَلَّثَ يدعو اللَّهَ فيها مُوَحِّدٌ / ذَكُورٌ لِنَعْمَاءِ الإِلهِ شَكُورُ
وما تلكَ للسلطانِ إِلَّا سعادَةٌ / يَدُومُ لهُ ذِكْرٌ بها وأُجُورُ
دَعاها إليه وافِرُ الرَّأْي والحِجَا / يَزِينُ الحِجَى والرَّأْيُ منهُ وَقُورُ
فَهَلْ في مُلوكِ الأرضِ أَوْ خُلفائها / لهُ في الّذِي شادتْ يَداهُ نَظِيرُ
عَلَى أَنَّهم في جَنْبِ ما شادَ مِنْ عُلاً / ولو كانَ كالسَّبْعِ الطِّباقِ حَصيرُ
ثَناؤُكَ مِنْ رَوْضِ الخَمائِلِ أَعْطَرُ
ثَناؤُكَ مِنْ رَوْضِ الخَمائِلِ أَعْطَرُ / وَوَجْهُكَ مِنْ شَمْسِ الأَصائِلِ أَنْوَرُ
وَسَعْيُكَ مَقْبُولٌ وَسَعْدُكَ مُقْبِلٌ / وَكُلُّ مَرامٍ رُمْتَ فَهْوَ مُيَسَّرُ
وَجَاءَكَ مَا تَخْتَارُ مِنْ كلِّ رِفْعَةٍ / كأنَّكَ في أَمْرِ المعالِي مُخَيَّرُ
وَقَدْرُكُ أَعْلَى أَنْ تُهَنَّى بِمَنْصِبٍ / وَأنتَ منَ الدُّنيا أَجَلُّ وَأَكْبَرُ
فيا لَكَ شَمْساً تَمْلأُ الأرضَ رَحْمَةً / وَيَمْلأُهَا شَوْقاً لهُ حِينَ يُذْكَرُ
لقدْ مُلِئَتْ حُبَّاً وَرُعْباً قلوبُنا / بهِ فَهْوَ بالأَمْرَينِ فيها مُصَوَّرُ
وَقد أَذْعَنَتْ منهُ الجوارحُ طاعةً / لهُ إنَّ سُلطانَ الجوارِحِ سُنْقُرُ
يَرُوعُ العِدا مِثْلَ البَغايا إماتَةً / إذَا راعَها مِنْ رُمْحِهِ اللَّدْنِ مَنْسِرُ
فيا أَيُّها الشمسُ الذي في صفاتِهِ / عُقُولُ الوَرَى مِنْ دَهْشَةٍ تَتَحَيَّرُ
تَعَلَّمَ منكَ الناسُ ما مُدِحُوا به / كَأَنَّكَ فِيهم لِلْفَضائِلِ عُنْصُرُ
وَأنتَ هُمامٌ قَدَّمَتْهُ ثَلاثَةٌ / لها المُنْتَهَى قَوْلٌ وَفِعْلٌ ومَنْظَرُ
مِنَ التُّرْكِ في أَخْلاقِهِ بَدَوِيَّةٌ / لها يَعْتَزِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَعَنْتَرُ
وَكَمْ فِتْنَةٍ بَيْنَ العَشيرِ أَزالَها / وكانَ بها للناسِ بَعْثٌ وَمَحْشَرُ
فَأَخمَدَ مَا بَيْنَ الخَلِيلِ بِرَأْيِهِ / ونابُلُسَ النارَ التي تَتَسَعَّرُ
وَقَد زَبَرَتْ زَبْراً وقَبْضاً وحارِثاً / كِنانةُ مِثْلَ الكَرْمِ إبَّانَ يُزْبَرُ
وَقد أخرَبَت ما ليسَ يَعْمُرُ عامِرٌ / وقد قَتَلَتْ ما ليسَ يَقْبُرُ مَقْبَرُ
وَلوْلاهُ لم تُخْمَدْ مِنَ القَوْمِ فِتْنَةٌ / ولم يَنْعَقِد فيها عَلَى الصُّلحِ مشوَرُ
إذا مَا أرادَ اللَّهُ إِنْفَاذَ أَمْرِهِ / يُنطِّقُ ذا رَأْيٍ به وَيُبَصِّرُ
فإنْ فَوَّضَ السُّلْطانُ أَمْرَ بِلادِهِ / إليه فما خَلْقٌ بِهِ منه أَجْدَرُ
وَأَمْسِ رَأْى حالَ المَحَلَّةِ حائِلاً / وأَعْمالها وَالجَوْر يَنْهَى ويَأمرُ
فقالَ لأَهْلِ الرَّأْيِ مَنْ يُرْتَضَى لها / فقالوا لهُ اللَّيْثُ الهُمامُ الغَضَنْفَرُ
فما غيرَ شمسِ الدِّينِ يَحْمِي دِيارَها / سُطاهُ كما يَحْمِي العَرِينَةَ قَسْوَرُ
خبيرٌ بأَحوالِ الأَنامِ كَأَنَّهُ / بما في نُفُوسِ العالَمِينَ يُخَيَّرُ
وَلا ستْرَ ما بيْنَ الرَّعايا وبينَهُ / ولكنّهُ حلْماً عَلَى الناسِ يَسْتُرُ
فلما رَأَتْ أَهلُ المَحَلَّةِ قَدْرَهُ / يُعَزَّزُ ما بينَ الوَرَى ويُوَقَّرُ
تَنَاجَوْا وقالوا قامَ فينا خَلِيفَةٌ / وَلكنْ لهُ مِنْ صَبْوَةِ الظَّرْفِ مِنْبَرُ
هَلُمُّوا لهُ فَهْوَ الرَّشِيدُ بِرَأْيِهِ / وبينَ يَدَيْهِ جُودُ كَفَّيْهِ جَعْفَرُ
فَقُلْتُ لَهُمْ هذا رسولُ سِيادَةٍ / وصارِمُهُ للناسِ هادٍ وَمُنْذِرُ
فَقُلْ لِلرَّعايا لا تخافوا ظُلامَةً / وَلا تَحْزَنُوا منْ حُكمِ جَوْرٍ وأبْشِرُوا
فقدْ جاءكمْ والٍ بروقُ سُيوفِهِ / إذا لَمَعَتْ لم يبْقَ في الأرض مُنْكَرُ
فَتىً حَسُنَتْ أَخبارُهُ واختيارُهُ / وطابَ مَغِيبٌ مِنْ عُلاهُ وَمَحْضَرُ
عَجِبْتُ لهُ يُرضِي الرَّعايا اتِّضاعُهُ / وَيَعْظُمُ ما بَيْنَ الرَّعايا وَيَكْبُرُ
وَيَرْمِي العِدا مِنْ كَفِّهِ بِصَواعِقٍ / وَأَنْمُلُها أنهارُ جُودٍ تَحَدَّرُ
وَيَجْمَعُ شرَّ الماءِ والنارِ سيْفُهُ / وَفي العُودِ سِرُّ النارِ والعُودُ أَخْضَرُ
ويُجْرِي عَلَى وَفْقٍ المُرَادِ أُمُورَهُ / فَيَبْسُطُ فيها ما يشاء وَيَقْدُرُ
وَتَنْفَعِلُ الأَشياءُ مِنْ غَيْرِ فِكْرَةٍ / لهُ وقدِ اعْتاصَتْ عَلَى مَنْ يُفَكِّرُ
وَيَستَعظِمُ الظلمَ الحقيرَ فلو بَدا / كمِثْلِ القَذا في العَيْنِ أَوْ هُوَ أَحْقَرُ
فَطَهَّرَ وَجْهَ الأَرضِ مِنْ كلِّ فاسِدٍ / وما خِلْتُهُ مِنْ قَبْلِهِ يَتَطَهَّرُ
ومَهَّدَهُ للسَّالِكِينَ مِنَ الأَذَى / فليسَ به الأعمى إذا سارَ يَعْثُرُ
فَشَرِّق وغَرِّب في البِلادِ فكَمْ لَهُ / بها عابِرٌ يُثْنِي عليه ويَعْبُرُ
وما كلُّ والٍ مِثلُهُ فيه يَقْظَةٌ / ولا قَلْبُهُ باللَّهِ قَلْبٌ مُنَوَّرُ
أنامَ الرَّعايا في أمانٍ وطَرْفُهُ / لما فيه إِصْلاحُ الرَّعِيَّةِ يَسْهَرُ
فلا الخوْفُ مِنْ خَوْفٍ أَلمَّ بأَرْضِهِ / وَلا الشرُّ فيها بالخَواطِرِ يَخْطُرُ
أتى الناسَ مثلَ الغيثِ في أَرْضِ جُودِهِ / يُرَوِّضُ ما يَأْتي عليه ويُزْهِرُ
وكانتْ وُلاةُ الحَرْبِ فيها كعاصفٍ / مِنَ الرِّيحِ ما مَرَّتْ عليه تُدَمِّرُ
وكلُّ امْرئٍ ولَّيْتَهَ في رَعِيَّةٍ / بما فيه مِنْ خَيْرٍ وشَرٍّ يُؤَثِّرُ
فَمَنْ حَسُنَتْ آثارُهُ فَهْوَ مُقْبِلٌ / ومَنْ قَبُحَتْ آثارُهُ فَهْوَ مُدْبِرُ
وكَمْ سَعِدَتْ بالطالِعِ السَّعْدِ أُمَّةٌ / وكَمْ شَقِيَتْ بالطَّالعِ النَّحْسِ مَعْشَرُ
فما بَلَغَ القُصَّادُ غايَةَ سُؤلِهِم / لقد خابَ من يَرْجو سواهُ وَيَحْذَرُ
ومَنْ حَظُّهُ مِنْ حُسْنِ مَدْحِيَ وَافِرٌ / وحَظِّيَ مِنْ إِحْسَانِهِ بِيَ أَوْفَرُ
أَمَوْلايَ عُذْراً في القَرِيضِ وكلُّ مَنْ / شَكا العَجْزَ عَنْ إدراكِ وصْفِكَ يُعْذَرُ
لَكَ الهِمَمُ العُليا وَكلُّ مُحَاوِلٍ / مَداها وَكَمْ بِالمَدْحِ مِثْلِي مُقَصِّرُ
تباشَرَتِ الأعمال لَمَّا رَأَيتها / بِمَرْآكَ وَالوجْهُ الجميلُ مُبَشِّرُ
عَذَرْتُ الوَرَى لَمَّا رَأَوْكَ فَهَلَّلُوا / لِمَطْلَعِ شَمْسِ الفَضْلِ مِنكَ وَكَبَّرُوا
دَعَوْكَ بها كِسْرَى وكم لكَ نائِبٌ / يُقِرُّ لَهُ في العَدْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرُ
عَمَرت بها ما ليسَ يَخْرَبُ بَعدَهَا / وقد أخربَ الماضونَ ما ليسَ يَعْمُرُ
تفاءَلْتُ لَمَّا قيلَ أَقْبَلَ مَنْ سَخا / وكلُّ امْرِئٍ غَادٍ لِملقاهُ مُبْكِرُ
فَيَمَّمْتُهُ مُسْتَبْشِراً بِقُدُومِهِ / وطائرُ حَظِّي منه بالسَّعْدِ يُزْجَرُ
وحَقَّقَ طَرْفِي أَنَّ مَرْآكَ جَنَّةٌ / وبِشْرُكَ رِضْوَانٌ وَكَفُّكَ كَوْثَرُ
ولو لمْ تكنْ شمساً لَما سِرتَ في الضُّحَى / تَسُرُّ عُيُونَ الناظِرِينَ وَتَبهَرُ
وأَقْبَلْتَ تُحْيِي الأرضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها / وَفي الجُودِ ما يُحيي المَواتَ وَيَنشُرُ
فأَخْرَجْتَ مَرْعاها وَأَجْرَيْتَ ماءَها / غَداةَ بِحارُ الأرضِ أَشْعثُ أَغْبَرُ
ولوْلاكَ ما رَاعَتْ بُحُوراً تُراعُها / ولا كانَ مِنْ جِسْرٍ عَلَى المَاءِ يُجْسَرُ
فها هِيَ تَحْكِي جَنَّةَ الخُلْدِ نُزْهَةً / ومِنْ تَحْتِها أنهارُها تَتَفَجَّرُ
وأُعْطِيتَ سُلطاناً عَلَى المَاء عالياً / به يَزْخَرُ البَحْرُ الخِضَمُّ و يُسْجَرُ
فَخُذْ آيَتَيْ موسى وعيسى بِقُوَّةٍ / وكلُّ النصارَى واليهودِ تَحَسَّرُوا
فيا صالحاً في قِسْمَةِ الماءِ بينهم / ولا ناقَة في أَرْضِهِمْ لَكَ تُعْقَرُ
فَفِي بَلَدٍ مِنْ حُكْمِكَ الماء راكِدٌ / وَفي بَلَدٍ مِنْ حُكْمِهِ يتحَدَّرُ
فهذا له وقْتٌ وَحَدٌّ مُعَيَّنٌ / وَهذا له حَدٌّ وَوَقْتٌ مُقَدَّرُ
هَنِيئاً لإِبْنُوطِيرَ أنك زُرْتَها / وشَرَّفَها مِنْ وَقْعِ خَيْلِكَ عَنْبَرُ
دَعَتْ لَكَ سُكَّانٌ بها وَمساكِنٌ / ولم يَدْعُ إِلَّا عامِرٌ وَمُعَمِّرُ
وصلَّوا بها للَّهِ شُكْراً وصَدَّقُوا / وَحُقَّ عليهم أن يُصَلُّوا وَيَنْحَرُوا
فكلُّ مَكانٍ منكَ بالعدْلِ مُخْصِبٌ / وبالحمدِ وَالذِّكْرِ الجميلِ مُعَطَّرُ
أتَيْتُكَ بالمَدْحِ الذي جاء مُظْهِراً / إلَى الناسِ مِنْ حُبِّيكَ ما أنا مُضْمِرُ
فخُذْهُ ثَناءً يُخْجِلُ الزَّهْرَ نَظْمُهُ / وَهَلْ تُنْظَمُ الأزهار نَظمي وتُنْثَرُ
مِنَ الرَّأْيِ أن يُهْدَى لِمِثْلِكَ مِثْلُهُ / جَهِلْتُ وهَلْ يُهْدَى إلى البَحرِ جَوْهَرُ
فُتِنْتُ بِشِعْرِي وهْوَ كالسِّحْرِ فِتْنَةً / وَقُلْتُ كَذَا كانَ امْرُؤُ القَيْسِ يَشْعُرُ
وَما لِي أُزَكِّي النَّفْسَ فيما أَقولُهُ / وَأَتبَعُها فيما يُذَمُّ وَيُشْكَرُ
وَها إنَّ شَمْسَ الدِّينِ لِلْفَضْلِ باهِرٌ / وليسَ بِخَافٍ عنه لِلْفَضْلِ مَخْبَرُ
إلى اللَّه أَشكو إنَّ صَفْوَ مَوَدَّتِي / عَلَى كَدَرِ الأيَّامِ لا تَتَكَدَّرُ
وإنْ أَظْهَرَ الأَصْحَابُ ما ليسَ عِنْدَهُم / فإنّي بما عِنْدِي مِنَ الوُدِّ مُظهِرُ
وإن غُرِسَت في أرضِ قَلْبِي مَحَبَّةٌ / فليسَ بِبُغْضٍ آخِرَ الدَّهْرِ تُثْمِرُ
وَيَمْلِكُنِي خُلْقٌ عَلَى السُّخْطِ والرِّضا / جَمِيلٌ كمِثْلِ البُرْدِ يُطْوَى ويُنْشَرُ
وقَلْبٌ كمِثْلِ البحرِ يَعْلُو عُبابُه / ويَزْخَرُ مِنْ غَيْظٍ ولا يَتَغَيَّرُ
إذا سُئِلَ الإِبْرِيزُ جاشَ لُعابُهُ / ويَصْفُو بما يَطفو عليه ويَظْهَرُ
وما خُلُقِي مَدْحُ اللَّئِيمِ وَإنْ عَلَتْ / بهِ رُتَبٌ لا أَنَّني مُتَكَبِّرُ
وَلا أَبْتَغِي الدُّنيا ولا عَرَضاً بها / بَمَدْحِي فَإِنِّي بِالقَنَاعَةِ مُكْثِرُ
لِيَعْلَمَ أَغْنَى العالَمِينَ بِأَنَّهُ / إلَى كَلِمي مِنِّي لِدُنْياهُ أَفْقَرُ
وَأَبْسُطُ وَجْهِي حينَ يَقْطُبُ وَجههُ / فيَحْسَبُ أنِّي موسِرٌ وهْوَ مُعْسِرُ
أَأنظُمُ هذا الدُّرَّ في جِيدِ جَاهِلٍ / وأَظلِمُهُ أنِّي إذن لَمُبَذِّرُ
وعِنْدِي كَلامٌ واجِبٌ أَنْ أقُولَهُ / فلا تَسْأَمُوا مَمَّا أَقولُ وتَسْخَرُوا
وَلَمْ تَرَنِي لِلمالِ بِالمَدْحِ مُؤْثِراً / ولكِنّني لِلوُدِّ بالمَدْحِ مُؤْثِرُ
فيا مَصْدَرَ الفضلِ الذي الفضلُ دأبُهُ / فما اشْتُقَّ إِلَّا منه لِلفَضلِ مَصْدَرُ
بَرِئْتُ مِنَ المُسْتَخْدَمينَ فخَيْرُهم / لصاحِبهِ أَعْدَى وَأَدْهَى وأَنْكَرُ
هَدَرْتُهُمْ مِثْلَ الرُّماةِ لِكِذْبِهِمْ / وَعندِيَ أنَّ المرء بالكذْبِ يُهْدَرُ
فلا تُدْنِ منهم واحِداً منكَ ساعةً / ولو فاحَ مِنْ بُرْدَيْهِ مِسْكٌ وَعَنْبَرُ
وَقد قيلَ كتابُ النَّصارَى مَناسِرٌ / فما مِثْلُ كتَّابِ المَحَلَّةِ مَنْسَرُ
فَبَرِّدْ فؤادِي بانْتِقَامِكَ منهمُ / فقد كادَ قلبي منهمُ يَتَفَطَّرُ
مُنِعْتُ بهِمْ حَظِّي شُهُوراً وَلم أَصِلْ / إلى حَظِّهِمْ حتى مَضَتْ لِي أَشْهُرُ
وحَسْبُكَ أنِّي منهمُ مُتَضَوِّرٌ / وكلُّ امْرِئٍ منهم كذا يَتَضَوَّرُ
فَوا عَجَباً مِن واقِفٍ منهمُ على / شَفا جُرفٍ هارٍ مَعِي يَتَهَوَّرُ
يقولون لو شاءَ الأميرُ أَزالَهُمْ / فقلتُ زَوالُ القَوْمِ لا يُتَصَوَّرُ
فقد قَهَرَ السُّلْطَانُ كلَّ معانِدٍ / وما أَحَدٌ لِلقِبطِ في الأرضِ يَقْهَرُ
وَمَا فيهِمُ لا بارَكَ اللَّهُ فيهمُ / أَخُو قَلَمٍ إِلَّا يَخُونُ ويَغْدِرُ
إنِ اسْتُضْعِفُوا في الأرضِ كانَ أَقَلّهُم / عَلَى كلِّ سُوءٍ يُعْجِزُ الناسَ أَقْدَرُ
كأَنَّهُمُ البُرْغُوثُ ضَعْفاً وجُرْأَةً / وإنْ يَشْبَعِ البُرْغُوثُ لولا يُعَذّرُ
رِياستُهُم أن يُصْفَعُوا ويُجَرَّسوا / ودِينُهُم أنْ يَصلُبُوا ويُسَمِّرُوا
وما أَحَدٌ منهم على الصَّرْفِ صابِرٌ / ولا أَحَدٌ منهم على الذُّلِّ أَصْبَرُ
ومُذْ كَرِهَ السُّلطَانُ خِدْمَتَهُم لَهُ / تَمَنَّى النَّصَارَى أنهم لم يُنَصَّرُوا
إذ كانَ سُلْطانُ البسيطةِ منهمُ / يَغارُ على الإِسْلامِ فاللَّهُ أَغيَرُ
وَبالرَّغمِ منهم أَنْ يَرَوا لَكَ كاتِباً / وما أَحَدٌ في فَنِّهِ منهُ أَمهَرُ
ويُعجِبُهُم مَن جَدُّ جَدَّيْهِ بُطْرُسٌ / وَيحزنُهُمْ مَنْ جَدُّ جَدَّيْهِ جَحْدَرُ
بِأَنَّ النَّصَارَى يَرْغَبُونَ لِبَعْضِهِم / وَمِن غِيرِهِم كُلٌّ يُراعُ وَيُزعَرُ
عَدَاوَتُهُم لِلمَلكِ ما ليسَ تَنْقَضِي / وَذَنْبُ أَخِي الإسلامِ ما ليسَ يُغْفَرُ
ومنهمْ أُناسٌ يُظْهِرُونَ مَوَدَّتِي / وبُغْضُهُمُ لِي مِنْ قِفا نَبْكِ أَشْهَرُ
وَكَمْ عَمَّرَ الوالِي بلاداً وَأَخْرَبُوا / وَكَمْ آنَسَ الوالِي قُلوباً ونَفَّرُوا
وقالوا بأَيَّامِي مَساقٌ مُحَرّرٌ / وليسَ لهمْ فَلْسٌ مَساقٌ مُحَرَّرُ
وَكَم زُورِ قَولٍ قُلْتُمُ أَيُّ حُجَّةٍ / وَكَمْ حُجَجٍ لِلخائِنِينَ تُزَوَّرُ
وَإنْ تَنْصُروني قُمْتُ فيهم مُجاهِداً / فإنَّهم للَّهِ أَعْصَى وأَكْفَرُ
وإِلَّا فإنِّي للأَمِيرِ مُذَكِّرٌ / بما فَعَلُوهُ والأميرُ مُنَظّرُ
وكَمْ مُشْتَكٍ مِثْلِي شَكا لِيَ منهمُ / كما يَشْتَكِي في الليلِ أَعْمَى وأَعْوَرُ
وكُنتُ وَما لِي عندهم مِن طِلابَةٍ / أُزَوَّدُ مِنْ أَمْوالِهمْ وأُسَفَّرُ
وما ضَرَّني إِلَّا مَعارِفُ منهمُ / ذُنوبُ وِدادِي عندهمْ لا تُكَفَّرُ
وَلولا حَيائي أَنْ أُعانِدَ مُمْسِكاً / لِحَقِّي أَتَانِي الحَقُّ وَهْوَ مُعَبِّرُ
فإن شَمَّرُوا عِن ساقِ ظُلمِي فإنّني / لِذَمِّهِمُ عَن ساقِ جَدِّي مُشَمِّرُ
وإن حَمَلوا قَلبي وساروا فمَنطِقِي / يُحَمَّلُ في آثارِهم وَيُسَيَّرُ
وإن يَسبِقُوا لِلبَابِ دوني فإنّهم / بما صَنَعُوا بالنّاسِ أَحرَى وأَجدَرُ
فإِن أَشْكُ ما بِي للأَميرِ فإنّه / لَيَعْلَمُ مِنهُ ما أُسِرُّ وأَجْهَرُ
فَإِن أَشْكَتِ الأيّامُ تُلقِ قِيادَها / إليه وتَجفُ مَن جَفَاهُ وتَهجُرُ
وتُمْلِي عَلَى أَعدائِهِ ما يَسُوؤُهُم / وتُوحِي إلَى أَسماعِهِ ما يُحَبَّرُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025