المجموع : 15
إِذَا السُّحْبُ طَمَّتْ وَادْلَهَمَّتْ فَقَدْ يُرَى
إِذَا السُّحْبُ طَمَّتْ وَادْلَهَمَّتْ فَقَدْ يُرَى / مَكَانٌ تَقِيهِ فُرْجَةٌ وَتُنِيرُ
فَيَضْحَكُ وَالآفَاقُ تَبْكِي حِيَالَهُ / وَفِي غَيْرِهِ بُؤْسٌ وَفِيهِ حُبُورُ
عَفَا الْخَطْبُ عَنْ مِصْرٍ فَمِنْ لُطْفِ شُغْلِهَا / صَنَاعٌ يُوَفِّي حَمْدَهَا وَخَبِيرُ
وَمِمَّا بِهِ تَقْضِي سَوَابِقُ عَهْدِنَا / بِهَا أََْن يُرَى قَلْبٌ لِمِصْرَ شَكُورُ
فَبَيْنَا غُزَاةِ الْحَرْبِ شَرْقاً وَمَغْرِباً / يَغَارُ عَلَيْهَا تَارَةً وَتُغِيرُ
وَبَيْنَا السُّيُوفُ الْبِيضُ تَسْفِكُ فِي الثَّرَى / دِمَاءً فَيَذْوِي نَبْتُهُ وَيَبُور
وَبَيْنَا الرِّمَاحُ السُّمْرُ تَقْضِي قَضَاءَهَا / فَيَمْضِي قَوِيماً وَالصِّعَادُ تَجُورُ
وَبَيْنَا مُبِيداتُ المَعَاقِلِ وَالْقُرَى / تُهَاجُ بِزَنْدٍ نَابِضٍ فَتَثُورُ
وَبَيْنَا عُيُونُ الْبَحْرِ تَرْمِي بِلَحْظِهَا / جِبَالاً رَسَتْ فِي مَتْنِهِ فَتَغُورُ
وَبَيْنَا مَطايَا الجَوِّ فِي خَطَراتِها / تُرامي العِدَى بالشَّهْبِ حَيْثُ تَطيرُ
وَبَيْنَا الْحُدُودُ الثَّابِتَاتُ لأَحْقُبٍ / يُسَيِّرُهَا شُوسُ الْوَغَى فَتَسِيرُ
كَفَى آمِناً فِي مِصْرَ أَنَّ ظُنُونَهُ / تَرَى دُونَهُ الأَقْدَارَ كَيْفَ تَدُورُ
وَأَنَّ رُمُوزاً فِي الرِّقَاعِ يَخطُّهَا / تُقِرُّ مَكَانَ الفَتْحِ حَيْثُ يُشيرُ
أَلَيْسَ يَسَارُ الْحَالِ قَيَّضَ مَجْمَعاً / كَهَذَا بِرَغْمِ الدَّهْرِ وَهُوَ عَسِيرُ
أَفَاضَ عَلَيْهِ طالِعُ السَّعْدِ نُورَهُ / وَضَمَّ بِهِ رَهْطَ الكِرَامِ سُرُورُ
أُقِيمَ لِيُجْزَى فِيهِ بِالخَيْرِ عَامِلٌ / نَشِيطٌ كَمَا يَهْوَى النُّبُوغَ قَدِيرُ
نَجِيبٌ جَدِيرٌ بِالنَّجَاحِ لِعَزْمِهِ / وَكُلُّ هُمَامٍ بِالنَّجَاحِ جَدِيرُ
لَئِنْ خُصَّ حَظٌّ مِنْ جَنَاهُ بِرِزْقِهِ / فَلِلْعِلم حَظٌّ مِنْ جَنَاهُ كَبِيرُ
وَإِنْ يَجْهَلِ الأَحَادُ مَا قَدْرُ جُهْدِهِ / وَمَا فَضْلُهُ فَالْعَارِفُونَ كَثِيرُ
بِقُدْوَتِهِ لِلْمُقْتَدِينَ هِدَايَةٌ / إِذَا الْتَمَسُوا وَجْهَ الصَّوَابِ وَنُورُ
إِذَا أَكْرَمَتْ مِصْرُ الْعَزِيزَةُ ضَيْفَهَا
إِذَا أَكْرَمَتْ مِصْرُ الْعَزِيزَةُ ضَيْفَهَا / فَهَلْ عَجَبٌ أَنْ يُكْرَمَ الضَّيْفُ فِي مِصْرِ
عَلَى الرُّحْبِ يَا مَنْ نَحْتَفِي بِلِقَائِه / وَنَعْجِزُ عَنْ إِيفَائهِ وَاجِبَ الشُّكْرِ
يُحَيِّيكَ أَعْلاَمُ الثَّقَافَةِ وَالحِجَى / بِأَحْسَنِ شَيءٍ فِي تَحَايَا أُولي الذِّكْرِ
وَيُنْشِيءُ أَرْبَابُ الْبَيَانِ تَجِلَّةً / لِقَدْرِكَ آيَاتٍ مِنَ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ
أَيَنْسَى كرِيمٌ مِنْ بَنِي الُعْربِ فَضلَ مَا / وَقَفْتَ عَلَى تَجْديدهِ مُعْظَمَ الْعُمْرِ
أَعَدْتَ لأَهْلِ الضَّادِ مِنْ ذُخْرِ مَجْدهِمْ / تُرَاثاً نَفِيساً لاَ يُقَاسُ إِلى ذُخْرِ
وَأَجْرَيْتَ بَحْرَ الْعِلْمِ مِنْ صَدْرِ حَبْرِهِ / فبُورِكَ مِنْ بَحْرٍ وَبُورِكْتَ مِنْ حَبْرِ
تَنقلْ رَعَاك اللهُ فِي كُل مَوْطِنٍ / مِنَ الشَّرْقِ تَعْلَمْ مَا أَصَبْتَ مِنَ الْفَخْرِ
بِأَي حُدُودٍ حُدَّ مِنْ قَبْلِكَ الشِّعْرُ
بِأَي حُدُودٍ حُدَّ مِنْ قَبْلِكَ الشِّعْرُ / وَأَيِّ قُيُودٍ قُيِّدَ الحِسُّ وَالفِكْرُ
عَلَى مَا رَأَى الإِغْرِيقُ وَالرَّسْمُ رَسْمُهُمْ / جَرَى الجِيلُ بَعْدَ الجِيلِ وَالعَصْرُ فَالعَصْرُ
وَظَلَّ مَثالاً لِلبَيَانِ مِثَالُهُمْ / وَأَمْرُهُمُ حَتَّى أَتَيْتَ هُوَ الأَمْرُ
فَلَمَّا هَدَتْكَ الفِطْرَةُ السَّمْحَةُ الَّتِي / رَأَتْ أَنَّ أَسْراً كَيْفَ كَانَ هُوَ الأَسْرُ
وَأنَّ افْتِكاكاً مِن هَوىً مُتَمَكنٍ / عَنَاءٌ عَلَى مِقْدَارِهِ يَعْظُمُ الفَخْرُ
وَأَنَّ العُقُولَ المُسْتَرَقَّةَ حُرِّرَتْ / وَقَدْ آنَ أَنْ يَقْتَادَهَا القَلَمُ الحُرُّ
أَسَلْتَ يَنَابِيعَ الفَصَاحَةِ كُلَّهَا / وَكَانَ الَّذِي يُمْتَاحُ مِنْهَا هُوَ النَّزْرُ
فَللّهِ دَرَّ العَبْقَرِيَّةِ إِنَّهُ / لَفَيْضٌ إِذَا مَا غَاضَ مِنْ غَيْرِهَا الدُّرُّ
لَهُ فِي النُّهَى عَزْمُ الإِتيِّ وَصَوْتُهُ / يُصَاحِبُهُ تَطْريبُهُ الفَخمُ وَالهَدْرُ
تَسَاقَاهُ أَعْشَابٌ فُتُوِفي نَصِيبَهَا / مِنَ الحُسْنِ فِي الدُّنْيَا وَلاَ يُحْرَمُ الزَّهْرُ
فَمِن أَيِّ أَوْجٍ بِالحَيَاةِ وَأَهْلِهَا / وَبِالكَوْنِ وَالأَحْدَاثِ أَلْمَمْتَ يَا نَسْرُ
وَفِي أَيِّ فَنٍّ مِنْ فُنُونِ جَمَالِهَا / تَعَايَى عَلَيْكَ النَّظْمُ أَوْفَاتَكَ النَّثْر
تُرَى سِيَرُ الأَحْقَابِ فِيمَا خَطَطْتَهُ / موَاثِلَ وَهْيَ الطِّرْسُ بِالعَيْنِ وَالحِبْرُ
وَتَطَّرِدُ الأَحْقَابُ مِنَّا بِمَشْهَدٍ / وَإِنْ هِيَ إِلاَّ السَّطْرُ يَتْبَعُهُ السَّطْرُ
لَقَدْ جِئْتَ بِالبِدْعِ الَّذِي آبَ سُنَّةً / لَكَ الفَضْلِ فيهَا خَالِداً وَلَكَ الذِّكْرُ
وَجَارَاكَ فِي الفَتْحِ الحَدِيثِ فَوَارِسٌ / تَوَازَعَ فِي عُقْبَاهُ بَيْنَكُمُ النَّصْرُ
بِرغْمِ المُنَى ذَاكَ الخِتَامُ المُحَيِّرُ
بِرغْمِ المُنَى ذَاكَ الخِتَامُ المُحَيِّرُ / كِتَابُكَ تطْوِيهِ وَمَنْعَاكَ يُنْشَرُ
دَهَاكَ الرَّدَى فِي الرائِحِينَ فَرَاعَنا / كَأَنَّكَ غَادٍ فِي الصِّبَا فَمُبَكِّرُ
يَرَاعُكَ فِي الْيُمْنَى وَذِهْنُكَ حَاضِرٌ / وَعَزْمُكَ ذَاكَ الْعَزْمُ وَالْعُودُ أَنْضَرُ
أَعَنْ سَبْقِ إِحْسَاسٍ بِمَا كَانَ مُضْمِراً / زَمَانُكَ آثَرْتَ النَّوَى حِين تُؤْثِرُ
فَبِنْتَ وَلَمَّا يُرْهِقِ النَّاس دَهْرُهُمْ / بِنَكْبَاءَ لاَ يُحْصِي أَذَاهَا التَّصَوُّرُ
أَمِ اْلأَجَلُ الْمَحْتومُ حَلَّ وَلمْ تكن / بِماطِلِ حَقٍ يُقْتَضَى فَتُؤَخِّرُ
فَوَلَّيْتَ لَمْ يَعْصِمْكَ مُدَّخَرُ الْقُوَى / ولمْ يَتَمَالَكْ حِلمُكَ المُتَوقِّرُ
وَلَمْ يغْنِ مِنْكَ الْعِلْمُ وَالفَضْلُ سَاعَةً / فَيَا عُذْرَ منْ بِالعِلْمِ وَالفَضْلِ يكْفُرُ
أَلاَ إِنَّنِي غالَيْتُ فِيمَا شَكَوْتُهُ / ولَكِنَّ فِي نَفْسِي أَسىً يَتَفَجَّرُ
لَقَدْ أَرْخَصَ الْغَالِينَ مَوْتُ جُمُوعِهِمْ / وفقْدُكَ مَهْمَا يَعْمُمِ الْخَطْبُ يَكْبُرُ
قِفِ الآنَ وَانْظُرْ مَا بِإِثْرِكَ مِنَ سَنىً / كَذَاكَ تَشِعُّ الشُّهْبُ إِذْ تَتكَوَّرُ
قِفِ الآنَ وَاسْمَع وَقْعَ منْعَاكَ شَائِعاً / كَرَجْعِ الصَّدَى عَنْ شَامخٍ يَتَهوَّرُ
لقَدْ عَثَرَ البَنَّاءُ عَن أَوْجِ صَرْحِهِ / لَدُنْ كَادَ مِنْ أَعْلاَهُ بِالنجْمِ يَظْفَرُ
فَوَارَاهُ قَبْرٌ لاَ بَعِيدٌ قَرَارُهُ / وَلاَ سَقْفُهُ فَوْقَ الثَّرَى مُتكَبِّرُ
وَكَان أَبَرَّ النَّاسِ بِالأَهْلِ وَالْحِمى / وَبِالْقَوْمِ لاَ يَجْفُوا وَلاَ يَتَغَيَّرُ
ونِعْمَ الأَخُ الْوَافِي إِذَا مَا تَنَكَّرَتْ / لِصاحِبِهِ الأَيَّامُ لاَ يَتَنَكَّرُ
لَحِقتَ بِمَنْ أَرَّخْتَهُمْ فكَأَنَّهُمْ / لِدَاتٌ لِعَهْدٍ لَمْ تُفَرِّقْهُ أَدهُرُ
عَلَى الْحَيِّ دُونَ الميْتِ تُحسَب أَحْقُبٌ / تَوَالَتْ وتُحْصَى في التَّعَاقُبِ أَعْصُرُ
وَرُبَّ عَلِيمٍ لَمْ يجِيءْ مُتَقَدِّماً / أَتمَّ عُلاَهُ أَنَّهُ مُتأَخِّرُ
إِذَا عَاقَهُمْ عَنْ شُكْرِكَ اليَوْمَ عائِقٌ / وَتَدرِيهِ فَالأَعْقَابُ لِلْفَضْلِ تَشْكُرُ
لَقَدْ بِتَّ مِنْهُمْ فِي المقَامِ الَّذِي بِهِ / إِذَا ذُكِرَ الأَفْذاذُ فِي الخَلْقِ تُذْكَرُ
أَلاَ فِي سَبِيلِ اللّهِ حِكْمَتُكَ الَّتي / جَلاَهَا هِلاَلٌ مَالِيءُ الكَوْنِ مُقَمِرُ
وجِدٌّ بِهِ رُضْتَ الصِّعَابَ فَمَا كبَا / إِلى أَنْ دَهَاهُ جَدُّكَ المُتعَثِّرُ
وآدَابُ نفسٍ لوْ توَزَّعَ حسْنُهَا / عَرَاءٌ لأَضْحَى وَهْوَ كالرَّوْضِ مُزهِرُ
وَأَخْلاَقُ إِحْسَانٍ وَعفْوٍ وَرِقَّةٍ / رَوَائِعُ يُخْفِيها اتّضاعٌ وَتظهَرُ
وأَشْتَاتُ تخِريجٍ تُحَارُ بِهَا النُّهَى / وَآياتُ تدْبِيجٍ تَرُوعُ وتَبْهَرُ
عَليْكَ سَلاَمُ اللّهِ قَدْ بِتَّ هَانِئاً / وَأَكْبَادُنا مِنْ حَسْرَةٍ تَتَسَعَّرُ
تَحقَّقَ وَعْدُ اللّهِ وَاللّهُ أَكْبَرُ
تَحقَّقَ وَعْدُ اللّهِ وَاللّهُ أَكْبَرُ / لِيَهْنِئْكُمُ النَّصْرُ العَزِيزُ المُؤَزَّرُ
إِذا كَاثَرَتْكُمْ أَمَّةٌ بِعَدِيدِهَا / فَأُنْتُمْ وَقَدْ وَالاَكُمُ الحَق أَكْثَرُ
وَمَا بَلَغ الغَايَاتِ وَهْيَ بَعِيدَةٌ / بِرَغْمِ العِدَى إِلاَّ الذِي هُوَ أَصْبَرُ
جَلَتْ عَنْ سَماءٍ فِي دِمَشْقَ مُغِيرَةٌ / سَحَائِبُ كَانَتْ بِالصَّوَاعِقِ تُمْطِرُ
وَهَبَّتْ أَزَاهِيرُ الرَّبِيعِ نَقِيَّةً / جَلاَهَا مِنَ النَّقْعِ الَّذِي كَانَ يُنْشَرُ
فِللّهِ قَوْمٌ بِالعَزَائِمِ وَالنُّهَى / تَحدَّوْا رَزَايَا الدَّهْرِ حَتَّى تحَرَّرُوا
مَشوْا فِي ابْتِغاءِ المَجْدِ وَالمَوْتُ دُونَهُ / فَفَازوا بِهِ وَالمَوْتُ خَزْيَانُ يَنْظُرُ
وَكُلُّهُمُ لبَّى نِدَاءَ ضَمِيرِهِ / سَوَاءٌ فَتَاهُمْ فِي الفِدَى وَالمُعَمِّرُ
فَما خاسَ مِنْهُمْ أَوْ تَرَدَّدَ ذائِدٌ / وَمَا فَضَلَ المَأْمُورَ فِيهِمْ مُؤَمَّرُ
وأَكْرَمُهُمْ فِي بَذْلِهِمْ شهَدَاؤُهُمْ / علَى اللّهِ أَيُّ البَذْلِ أَزْكَى وَأَطْهَرُ
سَلُوهُمْ فَهُمْ أَشْهَادُنَا اليَوْمَ مِنْ عَلٍ / وَأَرْوَاحُهُمْ تَرْنُو إِلَيْنَا فَتُبْشِرُ
إِذَا لَمْ تُخَلِّدْ أُمَّةٌ شُهَدَاءَهَا / فَمَا الدَّمُ مَطْلُولٌ وَلاَ الدَّمْعُ يهْدُرُ
لِسُورِيَّةَ فخْرٌ بِمَا هِي أَحْرَزتْ / وغَيْرُ كَثِيرٍ أَنَّهَا اليَوْمَ تَفْخَرُ
وَإِنَّ حُمَاة الضادِ تَشْهَدُ عِيدَهَا / يُعَيِّدُهُ بَادُونَ مِنْهُمْ وَحُضَّرُ
وَفِي كلِّ قَلبٍ لِلسُّرُورِ سرِيرَةٌ / وَفِي كُلِّ وَجْهٍ لِلسعَادَةِ مَظهَرُ
أَجَلْ هوَ عِيدٌ لِلعرُوبَةِ بَعْدَهُ / تَباشِيرُ أَعْيادٍ مِنَ الغْيبِ تُسْفِرُ
جَمِيلٌ إِليْكَ الشُّكْرُ نُهْدِيهِ خَالِصاً / وَكُلُّ جَمِيلِ القَوْلِ وَالفِعْلِ يُشْكرُ
بِجِلَّقَ زِينَاتٌ أَقَمْتَ مِثَالَهَا / فَرَاعَ حِلىً وَهْوَ المِثَالُ المُصَغَّرُ
لِيَهْنِئْكَ أَنْ فَازَتْ بِلاَدُك بِالمُنى / وَقِسْطُكَ فِي إِنْجاحِها لَيْسَ يُنْكَرُ
وَمَا زِلْتَ مَنْ رَجُّوهُ فِي زُعَمَائِهَا / لإِسْعَادِهَا وَاليَوْمُ بِالأَمْسِ يُقْدَر
أَلاَ أَبْلِغِ الشَّيْخَ الرَّئِيسَ وَصَحْبَهُ / تهَانِيءَ تنْفِي الريْبَ مِنْ حَيْثُ تصْدُرُ
تَهَانِيءَ قوْمٍ فِي الكِنانَةِ عَاهَدُوا / ولَيْسَ لَهمْ عَنْ عَهْدِهِمْ مُتَأَخَّرُ
همُ الجِسْمُ وَالقلْبُ المَلِيك وَإِنَّمَا / شعُورُ الحَنايَا مَا بِهِ القَلْبُ يَشْعُرُ
لِتَسْعَدْ بِفَارُوق العَظِيمِ بِلادُهُ / وَتَعْتزَّ جَارَاتٌ يُوَالِي وَيَنْصُرُ
وَيَحْيَا الرَّئِيسُ البَاذِخُ القدْرِ إِنهُ / لعَهْدٍ جَدِيدٍ فِي المَفاخرِ يُذْخَر
تَدَاوَلَ قَلبِي وَجْدُهُ فِيكَ وَالذِّكْرُ
تَدَاوَلَ قَلبِي وَجْدُهُ فِيكَ وَالذِّكْرُ / فَهَذَا لَهُ لَيْلٌ وَهَذا لهُ فَجْرُ
وَكِدْتُ أَحِبُّ السُّهْدَ مِمَّا أَلِفْتُهُ / وَكَادَ لِطولِ الصبْرِ يَحْلُو لِيَ الصَّبْرُ
وَأَنْكَرَ قوْمي فِي هوَاكَ تَجَرُّدي / عَلَى زَعْمِ أَنَّ الزُّهْدَ آفَتُهُ العُسرُ
أَعُسْر بمَنْ يَهْوَى وَأَنْتَ لَهُ الْغِنَى / إِذَنْ فَثَرَاءُ الْعَالَمينَ هُوَ الْفَقرُ
مُحِبكَ لا يَشْقى وَأَنْتَ نعيمُهُ / وَصَبَّكَ لاَ يَصْدَى وَأَنْتَ لهُ القَطْرُ
سِوَى أَنَّنِي شَاكٍ نَوَاكَ وَذَاكِرٌ / تَبَارِيحَ وَجْدِي يَوْمَ فرَّقَنَا الهَجْرُ
زَجَرْتُ فؤَادِي أَنْ يَبوحَ بِحُزْنِهِ / فَبَاحَتْ بِهِ عَيْنِي وَلَم يَنْفَع الزَّجْرُ
وَمَا زَجْرُكَ الْكَأْسَ الدِّهَاقَ بِخَمْرِهَا / إِذا هِيَ سَالَت عَن جَوَانِبِهَا الخمْرُ
فَكاشَفْتُهَا مَا بِي وَإِنَّ افْتِضَاحَهُ / لأَيْسَرُ لِي مِنْ أَنْ يُرَدَّ لَهَا أَمْرُ
جَلاَ الدَّمْعُ نَفْسِي مِنْ خَبَايَا سَرَائِرِي / تَلُوحُ وَلا كَتْمٌ وَتُجْلى وَلاَ سِتْرُ
فَزَالَ قِنَاعِي عَنْ ضَمِيرٍ مُطَهَّرٍ / يُصَانُ بِهِ عُرْفٌ وَيُنْفَى بِهِ النُّكْرُ
وَعَنْ جَائِلٍ مِنْ دُونِهِ البَرْقُ سُرْعَةً / وَنُوراً فَلاَ بُعْدٌ يَعُوقُ وَلاَ سِتْرُ
وَعَنْ خَافِقٍ مِلءَ الْوَفاءِ خُفُوقُهُ / عَجِبْتُ لهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ الصَّدرُ
وَعَنْ نَافِحٍ طِيبَ الرِّيَاضٍ مُنَوَّرٍ / بِأجْمَلِ مَا تَزهو الرَّيَاحِينُ وَالزهْر
هُنالِكَ مَثوَى حُبِّهَا وَمَثارُهُ / وَمسْطَعُهُ الأَذْكَى وَمَنْبِتُهُ النَّضْرُ
هَوى مِلْءَ رُوحٍ فِي ضَئِيلٍ مُخَيَّلٍ / ولَكِنَّني إِنْ أُبْدِهِ امْتَلأَ العَصْرُ
وَقَدْرُ الْهَوَى فِي ذِي الْهَوَى قَدْرُ نَفْسِهِ / وَمِرْآتُهُ قلْبُ المُتَيَّمِ وَالفِكْرُ
وما يَسْتوِي فِي الحُبِّ أَرْوَعُ فاضِلٌ / وَأَحْمَقُ مَذْمُومٌ خَلاَئِقهُ غِرُّ
وما يَسْتوِي وُدٌّ هُوَ الغُنْمُ لِلْوَرَى / كوُدِّ ابْنِ تَوْفِيقٍ وَوُدٌّ هُوَ الْخُسْرُ
رَعَتْكَ عُيونُ اللّهِ يَا ابْنَ محَمدٍ / كَمَا أَنْتَ ترْعَانَا ورَائِدُكَ الْبرُّ
تَعَهَّدْ ثُغُورَ المُلْكِ أَيّاً تَحُلُّهُ / فَذَاكَ لَهُ قَلْبٌ وَسَائِرُهُ الثَّغرُ
يقُومُ لَدَيْكَ النَّاسُ فِي خَيْرِ مَحْفِلٍ / ويَسْتقَبِلُ الإِجْلاَلَ رَكْبَكَ وَالبِشْرُ
وَتبْذلُ حَبَّات الْقُلُوبِ كرامَةً / لدَيكَ وَيُزْرِي أَنْ يَضَنَّ بِهِ التِّبرُ
يُنَادُونَ عَبَّاساً نِدَاءَ تَيمُّنٍ / وَيَدْعُونَ أَنْ يحْيَا وَتحْيَا بِهِ مِصْرُ
ودَعْوَاهُمُ حَمْدٌ لَهُ وَملاَمَةٌ / لأَهْلِ نُذُورٍ لاَ يُوَفَّى لَهُمْ نَذرُ
أَعَبَّاسُ إِنْ تَكْبُرْ على النَّاسِ هِمَّةً / فَأَيْنَ مَقامُ النَّاسِ مِنْكَ وَلاَ فَخْرُ
تُرِيدُ اللَّيَالِي مِنْكَ مَا لاَ تُرِيدُهُ / لَكَ الْحَقُّ وَالآمَالُ وَالْهِمَمُ الْغُرُّ
فإِن ظَلَمَتَ حُرّاً وسَاءَكَ ظُلْمُهُ / فأجْمِلْ بِهَا عُقْبى يُسَرُّ بِهَا الْحُرُّ
لَكَ التَّاجُ زَانَتْهُ الْخِصَالُ بِدُرِّهَا / فَزِدْهُ لِحِينٍ دُرَّةً وهِيَ الصَّبْرُ
لَكَ النِّيلُ مَوْكُولاً لأَمْرِكَ أَمْرُهُ / بِحَقٍ مِنَ المِيرَاثِ أَيَّدهُ النَّصْرُ
لَكَ المُلْكُ مَوْفُورَ السلاَمَةِ هَانِئاً / شقِيّاً بِهِ المُشْقِي مُصَاباً بِهِ الضُّرُ
أَموْلاَيَ إِنْ مَرَّتْ بِبَدْرٍ سَحَابَةٌ / فمَا كسَبَتْ نُوراً وَلاَ أَظْلمَ الْبدْرُ
تمُرُّ بَعِيداً عَنْ مَعَالِي سَمَائِهِ / وَتَمْضِي عُبوساً وَهْو جَذْلاَنُ يَفْتَرُّ
خَلا القصْرُ مِمنْ كان يَمْلأُهُ بِشْرا
خَلا القصْرُ مِمنْ كان يَمْلأُهُ بِشْرا / وَجَلَّلَ حُزْنُ رَوْضَةَ القَصْرِ والقَصْرَا
فَتى الخلُقِ العَالِي وَمَا طَالَ عَهْدُهُ / أَعَافَ اصْطِحَابَ النّاسِ فاصْطحَبَ الزُّهْرا
مَشَتْ مِصْرُ فِي تَشِييعِهِ وَتدَفَّقَتْ / وَفُودٌ إِلى الفُسطَاطِ زَاخِرَةٌ زَخْرَا
أَعَاظِمُهَا خلْفَ الجِنازةِ خُشَّعُ / يُوَاكِبُهُمْ شعْبٌ مَحَاجِرُهُ شَكْرَى
كَإِكْرَامِهِمْ خَيْرَ الأُبُوَّةِ قَبْلَهُ / لَقَدْ أَكْرَمُوا خَيْرَ البَنِينَ ومَن أَحْرَى
يُعِيدُونَ ذِكْرَ الأَصْلِ فِي ذِكْرِ فَرعِهِ / وَتِلْكَ لَعُمْرِي سِيرَةٌ تَبْعَثُ الفَخْرَا
أَحَادِيثُهَا تُذْكِي عَزائِمَ مَن وَعَى / وَتَتْرُكُ فِي الأَلْبَابِ مِنْ بَعْدِهَا أَثْرَا
إِذَا مَا اسْتَعَرْنا ضَوْءَهَا فَكأَنَّنّا / فَتَحْنَا بِهِا لِلْقَابِسِ المُهْتَدِي سِفْرَا
حَبِيبُ نَحَا نَحْوَ العُلى وَهْوَ يَافِعٌ / وَلَمْ يَثْنِهِ أَنْ كَان مَسْلَكُهَا وَعْرَا
فَأقْدَمَ إِقْدَامَ الَّذِي رَاضَ نَفْسَه / عَلى الصَّعْبِ وَاعْتَدَّ الشَّجَاعَةَ وَالصَّبْرَا
يُؤَثِّلُ بِالرُّوحِ العِصَامِيِّ جَاهُهُ / فَإِمَّا تَجَنَّى دَهرُهُ كَافَح َالدَّهْرَا
عَليِماً بِأَنَّ الحَيَّ لاَ يُدْرِكُ المُنَى / إِذا هُوَ لَمْ يَقْتُلْ نَصَاريفَه خُبْرَا
فَآبَ امرَأً فِي جِيلِهِ نسْجَ وَحْدِهِ / يُخَافُ وَيُرْجَى مِنْهُ مَا سَاءَ أَو سَرَّا
وبَلَّغَهُ أَقْصَى الأَمانِيِّ أَنَّهُ / بِأَخْلاقِهِ أَثْرَى وَأَمْوَالِهِ أَثْرَى
أَتاحَتْ لَهُ عُقْبَى الجِّهَادِ إِمَارَةً / وَفِي بِيعَةِ اللّهِ الَّتي شَادَهَا قَرَّا
وَحَالفَهُ التَّوْفِيقُ فِي الْعَيْشِ وَالرَّدَى / فَطابَت لَهُ الدُّنْيَا وَطَابَتْ لهُ الأُخْرَى
فَلَمَّا تَولَّى وَطَّدَ اللّهُ بَيْتهُ / بِأَعْقابِ خيْرٍ شرفوا البَيْتَ وَالنجْرا
ثَلاثَةُ أَقْيَالٍ تَمَثَّلَ فِيهِم / أَبُوهُمْ وَلَمْ يَأْلُوهُ حُبّاً وَلا بِرّاً
ترَاهُمْ فَفِي كُلٍّ تَرَى مِنْ أَبِيهِمُ / مَلامِحَهُ الغَرَّاءَ وَالشِّيَمَ الزُّهْرَا
وَكَانُوا مِثَالاً لِلأُخُوَّةِ يُحْتَذى / وقُدْوَةَ مَنْ يَرْعَى القَرَابَةَ وَالأَصْرَا
فَيَا لِلأَسَى أَنْ فَرّقَ اليَوْمَ بَيْنهُمْ / زَمَانٌ إِذا أَلْفَى وَفاءً رَمَى غَدْرا
دوَى أَنْضَرُ الإِخْوَانِ قَبْلَ أَوانِهِ / فَأَيَّةُ رِيحٍ صَوَّحَتْ عُودَهُ النضْرَا
وَأَوْدَت بِمِلءِ العَينِ أَرْوَعَ بَاذِخٍ / سَمَا كلَّ نِدٍّ هَامَةً وَسمَا قدْرَا
سَرِيٍ مِنَ الغُرّ المَيَامِينِ نَابِهٍ / بِهِ كِبَرٌ حَقٌّ وَمَا يعْرِفُ الكِبْرا
هُمامٍ رَمَى أَسْمَى المَرَامِي وَلَمْ يَكَدْ / طَمُوحٌ إِلى مَجْدٍ يُجَارِيهِ فِي مَجْرَى
لَهُ مَرْجِعٌ فِي أَمرِهِ حُكْمُ نَفْسِهِ / وَمَنْ لمْ يُحرِّرْ نَفْسَهُ لَمْ يَكنْ حُرَّا
صَبِيحِ المُيحَّا أَرِيَحِيٍ مُحَبَّبٍّ / إِلى الخَلْقِ لاَ كَيْداً يُكِنُّ وَلا مَكْرَا
يَلُوحُ لَهُ سِرُّ النَّجِي فِرَاسَة / وَيأْبَى عَلَيْهِ النُّبْلُ أَنْ يَكْشِفَ السِّرَّا
جَهِيرٍ بإِلقاءِ الكَلامِ مُصَارِحٍ / وَفِيمَا عَدا إِحْسانَهُ يُؤْثِرُ الجَهْرَا
وَليْسَ كَظِيمَ الغَيْظِ لَكِنَّهُ إِذَا / شَفَاهُ بعَتْبٍ لَمْ يَضِقْ بِأَخٍ صَدْرَا
وَلَيسَ بِهَيَّابٍ وَلا مُتَرَدِّدٍ / إِذَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ فَنوَى أَمْرَا
وَفِي كلِّ حَالٍ يَفْعَلُ الفِعْلَ كَاملاً / وَلا يَسْتَشيرُ الحِرْصَ أَوْ يَنْتَهِي حِذْرَا
يُرَى تَارَةً كاللَّيْثِ إِنْ هِيجَ بَأْسُهُ / وَآناً يُرَى كالغَيْثٍ مِنْ رَحْمَةٍ ثَرا
فَمَا هُوَ بِالسَّاعِي إِلى الشَّرِّ بَادِئاً / وَمَا هُوَ بِالوَاهِي إِذَا دَفَعَ الشَّرَّا
وَأَمَّا أَياِيهِ فَليْسَ أَقلُّها / وَقَدْ ذاعَ مِمَّا نَسْتَطِيعُ لَهُ حَصْرَا
أَفِي معْهَدٍ لِلْبِرِّ لَمْ يَكُ جُهْدُهُ / عَلى قَدْرِ مَا يُرجَى وَآلاؤُهُ تَتْرى
أَلَمْ يَمْنحِ الآدَابَ وَالعِلْمَ عَوْنَهُ / وَمَا يَبْتِغي مِنْ غَيْرِ خالِقِهِ أَجْرَا
أَلَمْ يَرْعَ شَأْنَ المُسْتَمِدِّينَ رِزْقَهُم / مِنَ الكَدِّ زُرَّاعاً يَكُونُونَ أَوْ تَجْرَا
أَلَمْ يُعْطِ بِالبَذْلِ الْوَجَاهَةَ حَقَّهَا / وَكمْ يَتَناسَى الحَقَّ مَنْ أَعْطِيَ الوَفْرا
تَظل وُفُودُ النَّاسِ تَغْشَى رِحَابَهُ / وَيُسْرِفُ فِي الأَنْعَامِ غِلْمَانُهُ نَحْرَا
فرَبُّ الحِمَى يَسْتَقْبِلُ الضَّيْفَ مبشِراً / وَرَوْضُ الحِمَى يَسْتَقْبِلُ الضَّيْفَ مُغْتَرا
فَضائِلُ زَادَتْهَا سَناءً وَرَوْعَةً / جَلائِلُ مَا يَأْتِيهِ فِي حُبِّهِ مِصْرَا
إِذَا مَا دَعَا داعِي الحِفاظِ أَجَابَهُ / مُجِيبٌ يَرَى التَّفرِيطَ فِي حَقِّهِ كُفْرَا
سَلِ العُرْبَ عَنْهُ مِن مُلوكٍ وَفى لَهُمْ / وَفَى دَينَ لِلأَوْطَانِ لَمْ يَأْلُهُمْ نَصْرَا
بِنَفسِ هَمَامٍ لا تَرَى عِنْدَ نفْسِهَا / لإِخَفاقِهِ عُذْراً وَإِنْ أَبْلَتِ العُذْرَا
عَزَاءَ الشَّقِيقَيْنِ الحَزِينينِ هكَذا / جَرَى الأَمْرُ وَالأَحْجَى مَنْ امْتَثلَ الأَمْرا
وَغيْرُ كَثِيرٍ أَن نُرَجِّيَ مِنْهُمَا / مَآثِرَ تُبْقِيهِ بِإِبْقَائِها الذِّكرَى
عزَاءَكِ يَا أَوْفى الشَّقِيقَاتِ وَارْفُقِي / بِقَلْبٍ رَفِيقٍ فِيهِ أَذْكَى الأَسَى جَمْرا
أَمَا كانَ ذاكَ القَلْبُ وَالعَقْلُ نُورُهُ / لِقَلْبِ أَخِيكِ المُوئِلَ الهادي الطَّهْرَا
فَقِيدَ الَمعالي وَالمُرُوءَاتِ وَالنَّدَى / وَحُلْوَ السجَايَا إِن حَلا العَيْشُ أَو مَرَّا
أَتيْتَ أَمُوراً فِي الحَيَاةِ كَبِيرَةً / وَكَان سُمُوُّ النَّفْسِ آيَتَهَا الكُبْرَى
أَتَشْهَدُ هَذَا الجَّمْعَ مِنْ صَفْوَةِ الحِمَى / وَأَجْفَانُهُمْ تَهْمِي وَأَنْفَاسُهُمْ حَرَّى
لَكَ الصَّدْرُ قَبْلَ اليَوْمِ وَالقَوْلُ بَيْنَهُمْ / فَقَدْ حَلَّ رَسْمٌ صَامِتٌ دُونَكَ الصَّدْرَا
فَدَيْتُ صَفِيّاً أَصْحَبُ العُمْرَ بَعْدَهُ / وَمَا حَالُ مَفْقُودِ المُنَى يَصْحَبُ العُمْرَا
سَتَحْيَا بِقَلْبِي مَا حَيَيْتُ فإِنْ أَمُتْ / سَتَحْيَا بِشِعْرِي مَا رَوَى النَّاسُ لي شِعْرا
سَلامٌ عَلى الإِغْرِيقِ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ
سَلامٌ عَلى الإِغْرِيقِ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ / وَحِفاظٍ مَا أَبْقُوا مِن الْمَجْدِ وَالذكْرِ
إِذا نكبَاتُ الحَرْبِ أَفْنَتْ صُفوفَهُمْ / فَمَا نُكِّبُوا بِالمَحْمِدَاتِ وَلا الْفخْرِ
جَلاَ بَأْسُهُمْ فِي الذَّوْدِ أَرْوَعَ مَا رَأَى / مِنَ الْبَأْسِ جَبَّارٌ رَمَى القِلَّ بِالْكُثْرِ
وَهَيْهَاتَ أَنْ عَانى مَلِيكٌ وَأَمَة / عَناءِهِمْ مِنْ ضَنْكِ عَيْشٍ وَمِنْ ضُرِّ
شبَابٌ لَقوا أَهْوَالَ كُلِّ كرِيهَةٍ / وَلمْ يَتَّقُوهَا بِالْخِيَانَةِ وَالغَدْرِ
وَشَيْبٌ وَأَطْفَالٌ أُجِيعُوا وَأُظْمِئُوا / وَذَاقُوا بِلاَ شَكْوَى أَذَى الْبَرْدِ وَالْحَرِّ
وَنُسْوَةٌ خَيْرٍ بَدَّلتْ مِنْ نَعِيمِهَا / جَحِيماً فكَانتْ مِنْ مَلائِكةِ البِرِّ
أُولئِكَ قوْمٌ لا تُنَالُ نُفُوسهمْ / وَقدْ بُنِيَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ عَلى الصَّبْرِ
وَقَدْ قَشَعَتْ أَعْدَاؤُهُمْ عَنْ دِيَارِهِمْ / ورَدَّتْ إِلى الأَحْرَارِ فِي الْوَطَنِ الْحُرِّ
أَتَغْدَو مَقَرّاً لِلضَّبَابِ سَمَاؤُهُمْ / وَقَدْماً هِيَ الْمِرْآةُ لِلشَّمْسِ وَالبَدْرِ
وَمَا خُلِقَتْ لِمَا يَخْلُبُ النُّهَى / مِنَ النَّحْتِ وَالتَّصْويرِ وَالنَّظْمِ وَالنَّثْرِ
وَمِن حِكْمَةٍ مَا زَالَتِ المَصْدَرُ الَّذِي / صَفَا حَوْضُهُ المَوْرُودُ لِلْقَلْبِ وَالْفِكْرِ
وَمِنْ عِزَّةٍ قَعْساءَ أَبْلَوا لِصَوْنِهَا / بِلاءَ أُبَاةِ الضَّيْمِ فِي الْكَرِّ وَالْفَرِّ
يَحُنُّ إِلَيْها قَلْبُ كلِّ مُثقفٍ / وَيَأْسَى لِمَا تَلقى مِن الْبؤْسِ والْفَقْرِ
لَقَدْ أَثْبَتتْ فِي الْعَصْرِ فَالْعَصْرِ أَنَّهَا / مُوَلِّدَةُ الأَبْطَالِ فِي الْعَصْرِ فَالْعَصْرِ
وَأُمٌ لأَحْلاسِ الْحُرُوبِ وَأُمَّةٌ / خَلِيقٌ بِهَا أَنْ تُتْبِعَ النَّصْرَ بِالنَّصْرِ
وَأَنْ تَعْدِلَ الأيَّامَ حتَّى تُعِيدَهَا / إِلى مُلْكِهَا الْمَبْسُوطِ في الْبَحْرِ وَالبَرِّ
هَنِيئاً لهَا مَا أَدْرَكَتْ بِجِهَادِهَا / وَمَاذَا بَلَتْ فِي جَهْدِهَا مِنْ هَوَى مِصرِ
فَمَا الْجِيرَةُ الأَخْيَارُ إِنْ جَدَّ جِدُّهُمْ / بِنَاسِينَ مَا بَيْنَ البِلادَيْنِ مِنْ أُصْرِ
إِليْكُمْ بَنِي الإِغْرِيقِ مِنِّي تَحِيَّةٌ / تَغنَّى بِهَا قَلْبِي وَرَجَّعَهَا شِعْرِي
عَليكِ سَلامٌ مَارِيَانَا وَرَحْمَةٌ
عَليكِ سَلامٌ مَارِيَانَا وَرَحْمَةٌ / بِهَا العَفْوُ يَهْمِي وَالمَبرَّاتْ تُهْمُرُ
وَسَقْياً لأَرْضٍ بَات قَبْلَكِ طيَّهَا / أَخُوكِ وَرَعْياً لاِسْمهِ حِينَ يُذْكَرُ
إِذَا مَا تَوَلَّتْ مَارِيَانَا فَقَدْ هوَى / مِنَ الحِلْمِ صَرْحٌ كَانَ بِالعِلْمِ يَعْمُرُ
عزِيزةُ قَوْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي جِهَارِهَا / وَفِي سِرِّهَا إِلاَّ شَمَائِلُ تُشْكَرُ
تصَدَّت لِمَا يَعْيِي الفَطاحِلُ دُونَهُ / وَكَمْ دُونَ أَمرٍ يَعجِزُ المُتَصَدِّرُ
فَقَدْ ظَاهَرَتْ فِي نَهْضَةِ العَصْرِ جِنْسَهَا / لِتَرْفعهُ وَالخَفْضُ مَا الدَّهْرُ يُضْمِرُ
فعَاقبَهَا الْجانِي عَلى كُلِّ مُصْلِحٍ / يُقَدِّمُ عَنْ مِيقَاتهِ مَا يُؤخَّرُ
تنَكَّرَ مِنْ عُرْفٍ لَهَا وَكَدَأْبِهِ / لِكُلِّ مُجِدٍّ حَالَةً يتَنَكَّرُ
فَتِلْكَ الَّتِي كَانَتْ أَدِيبَةَ جِيلِهَا / وَكَانَ لَهَا النَّظْمُ البديعُ المُحَرَّرُ
دَعَتْهَا جَديدَاتُ اللَّيَالِي فَأَنْشَأَتْ / تَقُولُ جَديداً غَيْرَ مَا النَّاسُ تَأْثُرُ
وَوَفْقَ السَّمَاعِيِّ الْحَبِيبِ شُذُوذُهُ / وفَوْقَ الْقِيَاسِيِّ الَّذي الْعُرْفُ يُؤْثِرُ
مُخَالِفَة كُلَّ الضُّرُوبِ الَّتِي جَرَى / عَلَيْهَا اصْطِلاحٌ فَهِيَ أَسْنَى وَأَشْعَرُ
ولا بِدْعَ إِنْ غَابَتْ عَلَيْنَا رُمُوزُهَا / وَإِنْ فَاقَ مَا تَعْنِيهِ مَا نَتَصَوَّرُ
فقَد تَسْمَعُ الرِّكْزَ الَّذي لا نُحِسُّهُ / وَقدْ تَجْتَلِي فِي الْغَيْبِ مَا لَيْسَ نُبْصِرُ
على أَنَّ وحْياً مِنْ عَلْوُ جَاءَهَا / يُبشرُ أَيْقاظَ النفُوسِ وَيُنْذِرُ
وَما تُدْرِكُ الأَلْبَابُ مِنْ حَلِّ مُعْضِلٍ / إِذَا حَاجَتِ الأَقْدَارُ فِيمَا تُقَدِّر
أَراعَكَ لأْلاءُ المَنَارَة فِي الدجَى / إِذِ الْفلْكُ وَثْبٌ بِالْعُلى وَتَحَدّرُ
وَإِذْ يَنْجَلِي نِبْرَاسُهَا ثمَّ يَخْتَفِي / فَآناً لهُ زهْوٌ وَآناً يُكوِّرُ
أَشِعَّتُهُ بَسْطاً فقبْضاً كأَنَّهَا / مَرَاسِي نجَاةٍ تَرْتَمِي وَتُجَرَّرُ
تعَاقَبُ أَلْوَاناً وَلَوْلا اخْتِلافُهَا / لِرَاجِي الْهُدى لمْ يَهْتدِ الْمُتنوِّرُ
سَلِيمٌ بِهَا المِصْبَاحُ صَفْوٌ ضِياؤهَا / وَمَا يَعْترِي غَيْرَ الزُّجاجِ التَّغيُّرُ
كذَاكَ أَتَمَّتْ مَارِيَانَا حَيَاتَهَا / وَفِي شَأْنِهَا رُشْدٌ لِمَنْ يَتَبَصَّرُ
فَلَمَّا قضَتْ دَالَ الظَّلامُ مِنَ السَّنَى / أَجَلْ دَالَ حِيناً لكِنِ النُّورُ يَثْأَرُ
فَبَيْنَا خَبَتْ تِلْكَ المَنارَةُ فِي الثَّرَى / إِذا هِيَ نجْمٌ فِي السَّمَاوَاتِ يَزْهَرُ
عَلَيْكِ سَلامُ اللّه يَا مَرْيمَ الطُّهْرِ
عَلَيْكِ سَلامُ اللّه يَا مَرْيمَ الطُّهْرِ / وَفُدِّيتِ مِنْ أُمٍّ وَفُدِّيتِ مِنْ بِكْرِ
حَبِلْتِ بِلا وِزْرٍ وَأَنْجَبْتِ لِلْفِدَى / مُخَلِّصَ هَذَا الْخَلْقِ مِنْ رِبْقَةِ الوِزْرِ
وَجِئْتِ بِهِ مصْراً فِرَاراً مِنَ الأَذَى / فَمَا زَالَ أَمْنَ اللاَّجِئِيْنَ حِمَى مِصْرِ
لَهُ المَجْدُ مِنْ طِفْلٍ سَمَاوِيٍّ طَلعَةٍ / تَزِينُ مُحَيَّاهُ ذَوَائِبُ مِنْ تِبْرِ
حَوَى الشَّمْسَ أَوْ أَزْهَى مِنَ الشَّمْسِ ذِهْنُهُ / فَفِي وَجْهِهِ أَنَّى يَكُنْ آيَةُ الْفَجرِ
تَنَزَّلَ مِنْ أَوْجِ الْعُلى مُتَأَنِّساً / لِيفْتَكَّ أَسْرَى المُوبِقَاتِ مِنَ الأَسْرِ
شرَاهُمْ بِآلامٍ تَحَمَّلَ ضيْمَهَا / وَمَا السَّيِّدُ المَعْبودُ إِلاَّ الَّذي يَشْرِي
وَأَوْحَى إِلَيهِمْ مِنْ أَفانِينِ بِرِّه / أَفانِينَ ما فِي الْعَالَمِينَ مِنَ الْبِرِّ
أَظَلَّتْهُ فِي ذاك الزَّمَانِ شُجَيْرَةٌ / هِيَ الآن أَضْحَتْ جدَّةَ الشَّجَرِ النَّضْرِ
حَجَجْنا إِليْهَا ذاكِرِينَ كرامَةً / لهَا سوْفَ تبْقى وَهْي خَالِدَة الذِّكرِ
نُقبِّلُ مِنْ أَفْيَائِها بِقُلُوِبنَا / مَوَاقِعَ أَقْدَامِ البَتُولِ على الإِثْرِ
وَنلْثَمُ أَرْضاً فَاخَرَ التِّبْرَ تُرْبُهَا / وَنافَسَ أَدْنَى مَرْوِهَا غَالِيَ الدُّرِّ
تَهَادَى بِهَا الْهَادِي صَبِياً فَمَا وَنَتْ / تُرَفْرِفُ حَوْلَيْهِ الْعِنَايَاتُ إِذْ يَجْرِي
وأَلْوَى علَيْهِ يُوسُفٌ خَيْرُ مُجْتَبىً / مِنَ اللّه لِلأَمْرِ الَّذي جَلَّ مِنْ أَمْرِ
فَتىً كَان نجَّاراً وَدَاوُدُ جَدُّهُ / فَشرَّفهُ نُبْلُ السَّجِيَّة وَالنجْرِ
أَلا يَا حجِيجاً مُخْلِصِينَ تَقاطَرُوا / وَمنْ هُمْ مِنَ الأَخْيَارِ هُمْ نُخْبَةُ الْقُطْرِ
فَمِنْ ذَاتِ حُسْنٍ رَدَّ فِتْنَتَهُ التُّقَى / وَمِنْ مَاجِدٍ حُرٍّ ومِنْ سَيِّد حَبْرِ
هُنَا مجِّدُوا الْعَذْرَاءَ وَاسْتَشْفِعُوَا بِها / وأَدُّوا إِليْهَا ما عَليْكُمْ مِنَ الشُّكْرِ
تَنَالُوا مَزِيداً فِي بَنِيكُمْ وَمَالِكْم / وَتُجْزَوْا جَزَاءَ الْخَيرِ فِي مَوْقِفِ الْحَشْرِ
فمَا نَسِيَتْ يَوْماً وَمَا نَسِيَ ابْنَهَا / ثَوابَ تَقِيٍّ صَالِحٍ آخِرَ الدَّهْرِ
عَزِيزٌ غُرُوبُ البِكْرِ فِي بُكْرَةِ العُمْرِ
عَزِيزٌ غُرُوبُ البِكْرِ فِي بُكْرَةِ العُمْرِ / كَغَيْبَةِ شَمْسِ الأُفْقِ فِي طَلْعَةِ الفَجْرِ
فَيَا شَمْسُ سَرْعَانُ القَضَاءِ تَهَجُّماً / عَلَيْكِ وَلَمْ يُمَهِلكِ فِي السَّبْعِ وَالعَشْرِ
خَطِيبَةُ شَهْرٍ سَابَقَ المَوتُ بَعْلَهَا / إِلَيْهَا فَأَغْوَاهَا وَلَكِنْ عَلى طُهْرِ
أَتَاهَا عَلى غَيْرِ ارْتِقَابٍ بِخِدْرِهَا / سَرِيعاً خَفِيفاً خَارِقَ الحُجْبِ كالفِكرِ
وَقَبَّلَهَا فَاسْتَلَّ جَوْهَرَ رُوحِهَا / وَأَبْقَى عَلى رَسْمٍ كَبَعْضِ الدُّمَى الغُرِّ
كَذَلِكَ نِيرَانُ الصوَاعِقِ تَنْثَنِي / عَنِ التُّرْبِ إِعْرَاضاً وَتَأْخُذُ بِالتِّبْرِ
فَلَما نَعَوْا تِلْكَ الْفَتَاةَ لأُمِّهَا / أَلَمَّ بِهَا سُكْرٌ وَمَا هِيَ فِي سُكْرِ
عَرَاهَا خَبَالٌ فهْيَ تَرْقُصُ تَرْحَةً / وَتَنْشُدُ أَصْوَاتَ السُّرُورِ وَلا تدْرِي
وَتهْذِي مِن الحُمَّى بِمَا شَاءَ ثكْلُهَا / وَيَنْهَلُّ مِنْ أَجْفَانِهَا الدَّمْعُ كَالقَطْرِ
بُنَيَّةُ لا بَأْسٌ عَلَيْكِ مِنَ الرَّدَى / فَإِنَّكِ فِي أَمْنٍ لَدَى بَعْلِكِ الحُرِّ
عَرُوسٌ يُفَدِّيهَا بِمُهْجَتِهِ فَتى / لَهَا أَرْخَصَ الدُّرِّ الغَوَالِيَ فِي المَهْرِ
فَيَا أَفْرَسَ الفُرْسَانِ فِي حَوْمَةِ الوَغَى / إِذَا سَالَتِ الأَسْيَافُ بِالأَنْفُسِ الحُمْرِ
تَخِذناكَ بَعْدَ اللّهِ حامِي دَارِنا / ولَيْسَ لَنَا عَوْنٌ سِوَاكَ عَلى الضُّرِّ
فَكَيْفَ يَنَالُ المَوْتُ مَنْ أَنْتَ عَاصِمٌ / فَيَخْطِفُهَا مِنِّي وَيَسْلَمُ مِنْ وِتْرِ
لِمَنْ تَسْتَعِدُّ السَّيْفَ كُنْتُ أَوَدُّهُ / يُرَوِّي الثَّرَى الظَّمْآنَ مِنْ مُهْجَةِ الدَّهْرِ
أَعِدَّوا لَهَا ثَوَبَ الزَّفافِ مُرَصَّعاً / وَصُوغُوا لَهَا الحَليَ الثَّمِينَ مِنَ الدُّرِّ
وَلا تُنْكِرُوا هَذَا السُّكُونَ بِنَوْمِهَا / أَلَيْسَ كَذَا نَوْمُ المُحَصَّنَةِ البِكْرِ
وَدَمْعِي دمْعُ الأُمِّ فِي عُرْسِ بِنْتِهَا / فَلا تُنْكِرُوُه لَيْسَ فِي الدَّمْعِ مِنْ نُكْرِ
لَكِ اللّهُ مَا أَبْهَى زَفَافَكِ إِنَّهُ / تَفَرَّدَ مَا بيْنَ الموَاكِبِ فِي مِصْرِ
وَلَكِنْ لِمَ الأَيْدِي تُقِلُّكِ فَوْقَهَا / مُوسَّدَةً وَالصَّاحِبَاتُ بِلا عِطْرِ
يَضُمُّكِ نَعْشٌ أَمْ أَرِيكَةُ زَفَّةٍ / ويَحْفِلُ قوْمٌ لِلسُّرُورِ أَمِ الأَجْرِ
أَلاَ إِنَّ هَذَا مَوْكِبُ المَوْتِ زَانَهُ / لَكِ الأَهْلُ بِالطَّرْزِ الأَنِيقِ وَبِالزَّهْرِ
وَأُمُّكِ لاَ يَكْفي التَّفَجُّعُ قَلْبُهَا / إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي صُوَرَةِ السَّعْدِ وَالبِشْرِ
فَيَا شَمْسَ حُسْنٍ بَكَّرَتْ فِي زَوَالِهَا / لَئِنْ غِبْتِ فَالزَّهْرُ الثَّوَابِتُ فِي الإِثْرِ
بَكَيْتُكِ لا أَني عَرَفتُكِ إِنَّما / لِخَطبِكِ هَذا كُلُّ ناضِبَةٍ تَجْرِي
كِسَاؤُكَ ما يكْسُوكَ أَهْلُكَ فِي مِصْرِ
كِسَاؤُكَ ما يكْسُوكَ أَهْلُكَ فِي مِصْرِ / وَسِتْرُكَ هَذَا إِنْ حَرَصْتَ عَلى السِّتْرِ
أَتحْرُثُ أَرْضاً فِي ابْتِغَاءِ نَبَاتِهَا / تُكَابِدُ ما يُشْقِي مِن البرْد وَالحَرِّ
تصَبَّرُ فِي رِيٍّ وَصَرْفٍ وَخِدْمَةٍ / دَرَاكٍ عَلى عَيْشٍ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ
فَإِنْ حَلَّ مَا أَعْطَاكَ رَبُّكَ مِن جَنىً / جَزَاءً لِمَا أَنْفَقْتَ فِيه مِن العُمْرِ
رَمَيْت بِحُرِّ المَالِ مَرْمَى زِرَايَةٍ / كَأَنَّكَ تُلْقِيه جُزْافاً إِلى البَحْرِ
فَتَعْدِلُ بِالأَصْدَافِ مَا رُحْتَ مُزْجِياً / وَتَبْذُلُ فِيه عَائِداً ثَمَنَ الدُّرِّ
أَجَلْ كَانَ حَقُّ العِلْمِ مَا هُوَ غَانِمٌ / مِنَ الجَهْلِ وَالتَّفْرِيطِ لَمْ يَخْلُ مِنْ عُذْرِ
وَلَكِنَّ عَصْراً فِي الأَبَاطِيلِ جُزْتَهُ / تَقَضَّى بِمَا فِيه وَصِرْت إِلى عَصْرِ
فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ رَعْيَكَ النِّعْمَةَ الَّتِي / أَصَبْتَ وَلَمْ تَجْهَدَ بِشَيءٍ مِنَ الشُّكْرِ
بِثَوْبِكَ مِنْ نَسْجِ الحِمَى تَخْدمُ الحِمَى / ونَفْسَكَ مَوْفُورَ الكَرَامَةِ وَالأَجْرِ
أَطَلْعَتَ حَرْبِ العَالِمَ العَامِلَ الَّذي / لَهُ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ مَفْخَرَةٍ بِكْرِ
أَرَى المَدْحَ أَوْفَى المَدْحِ لَيْسَ / بِمُجْزِيءٍ أَقَلَّ جَزَاءٍ مِنْ مَآثِرِكَ الكُثْرِ
جَمَعْتَ شَتَاتَ الشَّرْقِ بِالرَّأْيِ وَالِياً / عَنِ السَّيْفِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْهُ مِنَ الأَمْرِ
وَأَدْرَكْتَ فِي العَلْيَاءِ أَبعَدَ غَايَةٍ / لِيَقْظَانَ دَاجِي الهَمِّ مُتَّقد الفِكْرِ
سَبِيلُكَ نَفْعُ النَّاسِ تُوِليهِ شَامِلاً / وتُخْلِصُهُ بدْءاً وَعَوْداً مِنَ الضُّرِّ
وَحَوْلكَ أَعْلامٌ يَكَادُ نِظَامُهُمْ / يَدُورُ مدَارَ الشَّمْسِ وَالأَنْجُمِ الزُّهْرِ
إِذَا ما ذَكَرْنَا كُلَّ أَرْوعِ نَابِهٍ / مِنَ النُّخْبَةِ المُثْلى وَمُقْتَحِمٍ جَسْرِ
فَمَنْ لِلمَعَالِي فِي الرِّجَالِ كَمِدْحَتٍ / وَمَنْزِلُهُ مِنْ نَدْوَة المَجْد فِي الصَّدْرِ
وَمَنْ كَفُؤَادٍ لِلحَصَافَة وَالحِجَى / وَمَنْ كَفُؤادٍ لِلوَفَاءِ وَلِلبِرِّ
أَلا أَيهَا المِصْرُ الصِّنَاعِي رُعْتَنا / وَلَسْنا نُغَالِي إِنْ دَعَوْنَاكَ بِالمِصْرِ
فكَمْ بِكَ مِنْ صَرْحٍ بِآخَرَ مُمْسِكٍ / وَكَمْ بِكَ مِنْ قَصْرٍ مُضَافٍ إِلى قَصْرِ
رَأَيْنا بِكَ الأَوْهَامَ وَهْيَ حَقَائِقٌ / كَأَنَّا نَرَى سِحْراً وَمَا هُوَ بِالسِّحرِ
إِذَا مَا التَقَى أَهْلُوكَ فَالسَّاحُ أَبْحُرٌ / أَوِ افْتَرَقُوا فَالسُّبْلُ نَهْرٌ إِلى نَهْرِ
أُلُوفُ رِجَالٍ كَادِحِينَ وَصِبْيَةٍ / مِنَ الفِتْيَةِ اللُّدُنِ المُثَقَّفَة السُّمْرِ
طَوَائِفُ تَجْنِي مِنْ حَديدكَ شُهْدَهَا / كَمَا تَجْتَنِيه النَّحْلُ مِنْ نَاضِرِ الزَّهْرِ
قُصَارَاهُمُ كَفِيلٌ بِرِزْقِهِمْ / وَمَا نَفْعُ عِلمٍ ضِرْعُهُ غَيْرُ ذِي دَرِّ
وَيَدْرِي فَتَاهُمْ أَيْنَ مَطْلَبُ قُوتِه / إِذَا جَامِعِيٌّ زَاغَ عَنْهُ وَلَمْ يَدْرِ
طعَامُهُمُ لَوْنٌ وَلَكِنْ مُيَسَّرٌ / وَمَشْرَبُهُمْ عَذْبٌ بِلا رَنَقٍ يَجْرِي
لَكَ اللّهُ كَمْ كَسْراً جَبَرْتَ وَخِلَّةً / سَتَرْتَ وَكَمْ خَيْراً أَدَلْتَ مِنَ الشَّرِّ
لَيَومِكَ يَوْمٌ فِيه لِلْفَتْحِ غُرَّةٌ / جَلَتْ وَجْه الاِسْتِقْلالِ مُبْتَسِمَ الثَّغْرِ
يُطَالِعُها رَاجِي الفَلاحِ لِقَوْمِهِ / فَيُدْرِكُ سِرَّ الفَوْزِ فِي مَكْمَنِ السرِّ
إِذَا المَصْنَعُ الأَهْلِيُّ عَزَّ فإِنهُ / بِنَاءٌ عَزِيزُ الشَّأْنِ لِلوَطَنِ الحُرِّ
وَلَمْ أَرَ نَصْراً أَجَلَّ مَغَبَّةً / وَأَيْسَرَ فِي التَّكْلِيفِ مِنْ ذلِكَ النَّصْرِ
لِمِصْرَ إِذَا اسْتَكْفَتْ كَفَاءٌ بِنفَسِهَا / ففِيمَ الرِّضَى مِنْ وَافِرِ الخَيْرِ بِالنَّزرِ
إِذَا ما تَقَاضى الغَرْبُ جِزْيَةَ بَيْعهِ / أَلَيْس يُؤَدِّي الشِّرْقُ جِزْيةَ ما يَشْرِي
مَزارِعُكُمْ ضَاقَتْ بِطَلاَّبِ رِزْقِهَا / وَصَارَتْ قُرَاكُمْ بَعْدَ يُسْرٍ إِلى عُسْرِ
حَذارِ مِنَ الفقْرِ المُنِيخِ بِكَلكَلٍ / فَمَا مِنْ مُذلٍّ لِلأَعِزَّاءِ كَالفَقْرِ
تَوَاصَوْا بِمَصْنُوعَاتِكُمْ تكْمِلُوا بِهَا / جَنَى الرِّيفِ مِنْ نَقْصٍ مُؤَدٍ إِلى الخُسْرِ
بِكُمْ قُوَّةٌ مَذْخُورةٌ إِنْ رَشُدْتُمُ / بِتَصْرِيفِهَا حَوَّلْتُمُ غِيَرَ الدهْرِ
نَظَمْتُ لكُم نُصْحِي وَفِي صِدْقِ نُصْحِكُمْ / لأَنْفُسِكُمْ مُغْنٍ عَنْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ
وَإِنِّي مُعِيذٌ عَزْمَكُمْ مِنْ تَرَدُّدٍ / إِذَا هُو لَمْ تَحْفِزْهُ طَنْطَنَةُ الشِّعْرِ
هَلُمُّوا اشْهَدُوا صُبْتَ النَّجَاحِ وَقَدْ بدَا / مُبِيناً يُحيِّي بِالتَّيَمُّنِ وَالبِشْرِ
وَقُولُوا بِجَهْرٍ لِلمُسِرِّينَ رَيْبَهُمْ / أَفِي الشَّمْسِ رَيْبٌ بَعْد رائِعَة الفَجْرِ
إِذَا ما تَنَاسَى بَعْضُكُمْ فَضْلَ بَعْضِكُمْ / فَأَيُّ مصِيرٍ لِلحِمَى يَا أُولِي الذِّكْر
أَتَى بَنْكُ مِصْرٍ كُلَّ مَا تَشْهَدُونَهُ / فَهَل مِنْ أَمِينٍ لا يُزَكِّيه فِي مِصْرِ
مِنَ المَلإَ الأَسْمَى عَلَى ذِلكَ القَبْرِ
مِنَ المَلإَ الأَسْمَى عَلَى ذِلكَ القَبْرِ / ملائِكُ حُرَّاسُ الْفَضِيلَة وَالطَّهْرِ
سُجُودٌ عَلى بَابِ الضَّرِيحِ الذي / ثَوَتْ بِه مُصْطفَاةُ اللّه كَامِلَةُ الْبِرِّ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ فَالْزَمُوهُ وَآنسُوا / غُلالَةَ حُسْنٍ تُبْتَلى بِيَدِ الهَجْرِ
فَقَدْ صَعِدَتْ نَفْسُ الأَمِيرَة فِي الضُّحَى / إِلى اللّه وَاسْتَوْدَعْتُمُ صَدَفَ الدُّرِ
تَحَمَّلَهَا نُورٌ إِلى جَنةٍ الْعُلى / كَمَا تَحْمِلُ الأَنْدَاءَ أَجْنِحَةُ الفَجْر
فَيَا سَيِّدَ الدهْرِ المُعَزَّى بِفَقْدِهَا / أَنخشى عَليْكَ اليَوْمَ مِنْ صَوْلَة الدَّهْرِ
وَيَا أَكْرَمَ الآبَاءِ بِرّاً بِولْده / وَلكِنهُ بِرٌ عَصَتهُ يَدُ الضُّر
أَأَنْتَ مِنَ الرحْمَنِ أَرْأَفُ وَالِداً / بِمُعْتَاضَةِ السَّراءِ عُنْ أَلَمِ العُمْرِ
هيَ الْكَأْسُ وَارَتْهَا الطِّلاَ بشُعَاعِهَا
هيَ الْكَأْسُ وَارَتْهَا الطِّلاَ بشُعَاعِهَا / وَأَوضَحَهَا السَّاقي بطَوْقٍ مُبَلْوَرِ
كَأَنَّ يَداً لَمْ يَعْصِهَا السِّحْرُ أَبْرَزَتْ / مُذَابَ عَقيقٍ في قِلاَدَةِ جَوْهَرِ
مِثَالِيَ أُهْدِيهِ إِلى مَنْ أُحِبّهُ
مِثَالِيَ أُهْدِيهِ إِلى مَنْ أُحِبّهُ / وَلِي فِيهِ قَلْبٌ خَافِق وَسَرَائِرُ
إِذا فَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمُ النَّوَى / فَإِنِّي بِعَيْنَيْهِ إِلَيْهِمْ لَنَاظِرُ