المجموع : 4
هريقا دماً إنْ أُنفِذَتْ عبرة تجري
هريقا دماً إنْ أُنفِذَتْ عبرة تجري / أبى الصبر إنّ الرزء جلّ عن الصبرِ
ولا تجمدا عينيّ قد حسن البكا / وفرط الأسى فَقْدُ المغّيب في القمرِ
لغيركما بالبث أن لست واقفا / من الصبرِ يوماً بعد عمرو على عذرِ
سلام وسُقْيا من يد اللّه ثَرَّةٌ / على جسدِ بالٍ بلمّاعة قَفْرِ
جَرَتْ فوقَهُ الأرواحُ أمناً لِجَرْيهِ / وقد كُنَّ حَسْرَى حينَ يَجْري كمَا تَجْري
تَوَلَّى النَّدَى والباسُ والحِلمُ والتقى / فلم يَبْقَ منها بعدَ عمرو سِوَى الذكرِ
فإنْ تطوِهِ الأيامُ لا تَطو بَعْدَهُ / صنائعَ مِنْهُ لا تبيدُ على النّشرِ
متى تَلقَهُ لا تلقَ إلاّ مُمَنّعاً / حِماهُ مَصُونَ العِرْضِ مُبْتَذَلَ الوَفْرِ
وأيُّ مَحَلٍّ لا لكفّيْهِ نِعْمةٌ / على أهلِهِ من أرضِ بَرٍّ ولا بَحْرِ
وما اختلفتْ حالانِ إلاّ رأيتَهُ / رَكوبَ التي تَسْبي هَيُوبَ التي تُزري
ومن تكنِ الأوراقُ والتبرُ ذُخْرَهُ / فما كان غَيْرَ الحَمْدِ يَرغَبُ في ذُخرِ
كِلاَ حاَلَتْيهِ الجودُ أنَّى تصرَّفَتْ / به دُوَلُ الأيامِ في العُسْرِ واليُسْرِ
وما عُدِمَتْ يوماً لكفّيهِ أَنْعُمٌ / تُضافُ له منها عَوانُ إلى بكرِ
وما انتَسَبَتْ إلاّ إلَيْهِ صنيعةٌ / وما نَطَقَتْ إلاّ به ألسنُ الفَخْرِ
يَرَى غبناً يَوْماً يمرُّ ولَيْلَةً / عليه ولم يكسبْ طريقاً من الشُّكَرِ
تغضّ له الأبصار عند اجتلائه / وليس به إلاّ الجلالةُ من كِبْرِ
تَرَى جَهْرَهُ جَهْرَ التقيّ وسِرُّهُ / إذا ما اختبرتَ السِّرَّ أتقى منَ الجهْرِ
ولم يَصْحُ من يَوْمٍ ولم يُمْسِ لَيْلَةً / بَغْيرِ اكتسابِ الحَمْدِ مُشتَغِلَ الفِكْرِ
وكانت تعُمُّ الناسَ نَعماءُ كفّهِ / فعَمّوا عليهِ بالمُصيبةِ والأجرِ
تناعاهُ أقطارُ البلادِ تَفَجّعاً / لِمصْرَعِهِ تَبْكيهِ قُطْراً إلى قُطْرِ
تباشَرَ بَطْنُ الأرضِ أُنْساً بقُرِبِهِ / وأضحتْ عليه وَهْي خاشعةُ الظُهرِ
ولم تَكُ تُسقى الأرضُ إلاّ بسَيْبهِ / إذا ما جَفا أقطارَها سبلُ القَطْرِ
إذا نَشَأتْ يوماً لكفّيهِ مُزْنَةٌ / أُدِيلَ الغِنَى في كلّ فجّ من القَفْرِ
هَوى جَبَلُ اللّهِ الذي كانَ مَعْقِلاً / وعزّاً لدينِ اللّهِ ذُلاًّ على الكُفْرِ
عَجِبْتُ لأيدي الحَتْف كيفَ تَغَلْغَلَتْ / إليكَ وبينَ النّسْرِ بَيْتُك والنّسْرِ
وما كُنْتَ بالمُغْضِي لدهرٍ على القذى / ولا لَيّنٍ للحادثاتِ على القَسْرِ
ولو دَفَعَ العِزُّ الحِمامَ عن امرىءٍ / لما نال عمراً للحِمامِ شَبَا ظُفَرِ
ألم تَكُ أسبابُ الرَّدَى طَوعَ كفّهِ / تُبينُ لصَرْفَي ما يَريشُ وما يَبْرِي
إذا صاح داعي الرَّوْعِ سارَ أمامَهُ / لواءانِ مَعْقودانِ بالفَتْحِ والنّصرِ
يُقَاسمُ آجالَ العِدَى عزمُ بأسِهِ / بهندّيةٍ بيضٍ وخطّيَةٍ سُمْرِ
وما ذبّ إلاّ عن حمى الدين سيفُهُ / ولا قاد خيلَ اللّه إلاّ إلى ثغرِ
وقد كان يَقرِي الحَتْفَ أعداءَ سِلْمهِ / فأضحى قرى ما كان أعداءَهُ يَقْري
تولى أبو عمرو فقلنا لنا عمرو / كَفَانا طُلوعُ البدرِ غَيْبوبَةَ البدرِ
وكَان أبو عمرو مُعَاراً حياتُهُ / بعمرو فلما ماتَ ماتَ أبو عمرو
وكنّا عليه نحذرُ الدّهرَ وحدَهُ / فلم يَبْقَ ما يُخشَى عليه من الدَهرِ
وهَوّنَ وَجْدِي أنّ من عاش بَعدَهُ / يُلاقي الذي لاقى وإن مُدَّ في العمرِ
وهوّنَ وَجْدِي أنِّنِي لا أرَى امرءاً / من الناس إلاّ وهو مُغضٍ على وَتْرِ
رَمَتْنَا الليالي فيكَ يا عمرو بَعْدَمَا / حَمِدْنَا بكَ الدّنيا بقاصمةِ الظهرِ
سأجْزِيك شكري ما حَييت فإن أمتْ / أُبقِّ ثناءً فيكَ يَبْقى إلى الحَشرِ
وأُوثِرُ حُزني فيكَ دُونَ تجلّدي / وإسبالَ دَمْعٍ لا بكيء ولا نزرِ
أما كان في قَسْبِ اليمامة والثمر
أما كان في قَسْبِ اليمامة والثمر / وفي أدم البحرين والنبق الصفرِ
ولا في مناديل قسَمْتَ طَريفَها / وأهديتها حظٌّ لنا يا أبا بكرِ
سَرَتْ نحو أقوام فلا هنأتهم / ولم ينتصف منها المُقلّ ولا المثري
أأنت إلى طالوت ذي الوفر والغنى / وآل أبي حرب ذوي النَّشَب الدَّثرِ
ولم تأتني ولا الرباشي ثمرة / غصصت بباقي ما ادخرت من التمر
ولم يُعْطَ منها النهشلي أداوةً / تكون له في القيظ ذخرا مدى الدهرِ
أقول لفتيان طويت لطْيهم / عرى البِيْدِ منشورَ المخافة والذعرِ
لئن حكم السّدريّ بالعدل فيكم / لما أنصف السّدريّ في ثمر السّدرِ
لئن لم تكن عيناك عذرك لم تكن / لدينا بمحمود ولا ظاهر العذرِ
لعمري لقد أظهرت تيهاً كأنما
لعمري لقد أظهرت تيهاً كأنما / تولّيت للفضل بن مروان عُكْبرا
وما كنت أخشى لو وليت مكانةً / عليَّ أبا العباس أنْ تتغّيرا
لحفظ عيون النفط أحدثت نخوة / فكيف به لو كان مسكاً وعنبرا
دع الكبرَ واستبق التواضع إنه / قبيح بوالي النَفطِ أنْ يتكبرا
معانٍ من العيش الغرير ومَعْمرُ
معانٍ من العيش الغرير ومَعْمرُ / ومبدى أنيق بالعُذَيْبِ ومحْضَرُ
نَمَا الروض منه في عّذاةٍ مَريعةٍ / لها كوكب يستأنق العين أزْهَرُ
ترى لامع الأنوار فيها كأنه / إذا اعترضته العين وشي مدّنرُ
تسابق فيه الاقحوان وحنوة / وساماهما رَندٌ نضير وعَبْهَرُ
يمجّ ثراها فيه عفراء جَعْدة / كأنّ نداها ماء ورد وعنبرُ
أعاد نسيم الريح أنفاس نشره / وخايَلَ فيه أحمرَ اللون أصفرُ
بدا الشَّيحُ والقّيْصوم عند فروعه / وشثٌّ وطُبَّاقٌ وبانٌ وعَرْعَرُ
وناضر رمان يرفّ شَكِيرهُ / يكاد إذا ما ذَرَّتْ الشمس يقطرُ
ويانع تفاح كأنّ جَنّيهُ / نجوم على أغصانه الخضر تزهرُ
إذا زرته يوماً تغرد طائر / وراناك ظبي بين غصنين أحورُ
فإن هاج نوح الأيك في رونق الضحى / تذكر محزون أو ارتاح مقصر
تجاوبن بالترجيع حتى كأنما / ترنم في الأغصان صنج ومِزْهَرُ
مراناة موموق وترجيع شائقٍ / فللقلب ملهاة وللعين منظرُ
وإني إلى صحن العُذَيْبِ لتائق / وإني إليه بالمودّة أصوَرُ
مَرَعتَ ولا زالت تصوبك ديمة / يجود بها جَون الغوارب أقمرُ
أحم الكُلى واهي العرى مسبل الجدى / إذا طعنت فيه الصَّبا يتفجَّرُ
كأن ابتسام البرق في حُجراتهِ / مهَّندَةٌ بيض تُشام وتشهرُ