القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 14
هُوَ النَّصْرُ يا تَيْمَاءُ يَتبعُهُ النَّصْرُ
هُوَ النَّصْرُ يا تَيْمَاءُ يَتبعُهُ النَّصْرُ / فإن كُنتِ في رَيْبٍ فقد وَضَحَ الأمرُ
دَعِي الرُّسْلَ تَمضي ما عليكِ مَلامَةٌ / وكيف يَعافُ الأمنَ من غَاله الذُّعْرُ
فإن تَخفضي منكِ الجَناحَ لِتَنْعَمِي / بأفياءِ عيشٍ ساكنٍ فَلَكِ العُذْرُ
وهل يَرفعُ العصفورُ يوماً جَنَاحَهُ / إذا حَلَّقَ البازِي أو انطَلَقَ النَّسْرُ
إذا أمسكَ الصَّبرُ البلادَ وأَهْلَها / فليس على هذا قَرارٌ ولا صَبْرُ
ألم يكُ أهلُ الأرضِ مَوْتَى فجاءهم / رَسُولُ حياةٍ دِينُهُ البَعْثُ والنَّشْرُ
أبى أن يَظَلُّوا آخِرَ الدَّهرِ فوقها / يَسيرونَ في الأكفانِ وَهْيَ لهم قَبْرُ
حَياةُ الدُّنى في سَيْفِهِ وكِتَابِهِ / وما منهما إلا لها عنده سِرُّ
لَكِ الأمنُ يا تَيْماءُ لا الدَّمُ دَافِقٌ / ولا النَّفْعُ مُسْوَدٌّ ولا الجَوُّ مُغْبَرُّ
ولا أنتِ ثَكْلَى ما تُغِبُّكِ لوعةٌ / مُؤجَّجةٌ كالجمرِ أو دونها الجمرُ
أعانَكِ رأيٌ أبصَرَ القصدَ فانْتحَى / بأهلِكِ ما لا يَنْتَحِي الجاهلُ الغِرُّ
ولو آثروا الإسلامَ دِيناً لأفلحوا / ولكنّه الشِّركُ المُذَمَّمُ والكُفْرُ
أَبَوْا وَتَولَّوا يَشترُونَ نُفُوسَهم / بأموالِهِم هذا هو الغَبْنُ والخُسْرُ
يُؤدُّونَها من خِيفَةِ القتلِ جِزْيَةً / على الهُونِ ممّا يرزقُ الحَبُّ والتَّمْرُ
أقاموا يُريدونَ الحياةَ بأرضهِمِ / وكيفَ حياةُ القومِ إن فَسَدَ الأَمْرُ
رُوَيْدَ الأُلَى اختاروا الضلالةَ خُطَّةً / فَتِلكِ وإن لم يعلموا خُطَّةٌ نُكْرُ
يَضِلُّونَ والفَجرُ المنوِّرُ طَالِعٌ / ولا عُذْرَ للضُّلّالِ إن طَلَعَ الفَجْرُ
لِكُلِّ أُناسٍ مُدَّةٌ ثُمّ تَنجلِي / عَمَايَتَهُمْ فَلْيَصْبرُوا إنّه الدَّهْرُ
أبا الفضلِ أَقبِلْ وارفعِ الصَّوتَ شاكرا
أبا الفضلِ أَقبِلْ وارفعِ الصَّوتَ شاكرا / فذلك فَضلُ اللَّهِ أسداهُ وافرا
أقمتَ تُراعِي الركبَ حَرَّانَ شَيِّقاً / هَنِيئاً فهذا الركبُ وَافاكَ زائرا
هنيئاً فقد أُوتيتَ سُؤْلَكَ كُلَّهُ / وَلُقِّيتَ عن قُرْبٍ من السَّعْدِ طائرا
إذا ما التمستَ الركبَ أين مكانَهُ / فحيثُ تَرَى نُورَ النُبوَّةِ باهرا
أبا الفضلِ أقِبلْ واقضِهَا من لُبانةٍ / لنفسِكَ تَشفِي منك دَاءً مخامِرا
حَبيبٌ نأى يَطْوِي السِّنينَ وذُو هَوىً / يُعالِجُ وَجداً بين جَنْبَيْهِ ثائرا
ويلقى الأذَى بعد الأذى في سبيلِهِ / فَيَرضَى ويُغضِي الجفنَ في اللَّهِ صابرا
لَكَ اللَّهُ يا عباسُ هذا مُحَمَّدٌ / فَسَلِّمْ وَطِبْ ما شِئْتَ نَفْساً وخَاطِرا
أتى بَعدَ ما جَرَّ السنينَ مُهاجراً / يَجُرُّ السَّرايا خَلفَهُ والعساكِرا
رَآكَ فَقرَّتْ عَينُهُ وترافدَتْ / تَحيّاتُهُ تَلقَاكَ زُهْراً نَواضِرا
لها عَبَقٌ من رَحْمَةِ اللَّهِ لم يَزَلْ / مَكانُكُما منه إلى اليومِ عاطرا
أقمتَ على المُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةٍ / تَرُدُّ الأذَى عنهم وَتَرْعَى الأَواصِرا
إذا فزعوا للظلمِ كنتَ لهم حِمىً / وإن أعوزَ الأنصارُ أَلْفَوْكَ ناصرا
يَظنُّكَ أهلُ الكفرِ منهم وإنّما / أرَدْتَ بهم أمراً وما كُنتَ كافرا
شددتَ قُوى الإسلامِ بين ربُوعهِم / وخادعتَهم عنه فأَصَبَحَ ظاهرا
وكنتَ له عيناً تُظاهِرُهَا يَدٌ / تُذيعُ خَفَايَاهُم وتَبدِي السَّرائِرا
تُمِدُّ رسولَ اللَّهِ بالكُتْبِ حُفَّلاً / بأنبائهم تَطوي الفِجاجَ سوائرا
بَريدٌ إذا كفَّ البريدُ مِنَ الونَى / مَضَى دائباً في شأنِهِ مُتواتِرا
وكنتَ إذا استأذَنتَ تبغِي جوارَهُ / أَبَى وَهَواهُ أن يَراكَ مُجاوِرا
وقال انتظرْ يا عمِّ إنّكَ مرجأ / إلى موعد يأتي به الله آخرا
فبي ختم الله النبيين كُلَّهُم / وَتَمَّمَ هاتِيكَ العُلَى والمآثِرا
وَإنّي لأرجو أن تكونَ بيثربٍ / بَقِيَّةَ من يأتِي إلينا مُهاجِرا
هو اللَّهُ فانْظرْ يا أبا الفضلِ ما قَضَى / من اليُسرِ بعد العُسْرِ بُورِكْتَ ناظرا
تجلَّتْ دَياجيرُ الهُمومِ ذَميمةً / وأضحتْ وجوهُ العيشِ بِيضاً سَوافِرا
ألا رُبَّ يومٍ ذُقْتَ من سُوءِ ما جَنَى / ذَوُو الشِّرْكِ فيه ما يَشُقُّ المرائرا
وليلٍ كما اهتاجَ الجبانُ مُفَزَّعٍ / طويتَ دُجاهُ كاسِفَ البالِ ساهرا
كَدَأْبِكَ إذ قالوا أًصيبَ مُحَمَّدٌ / وقد جاءَهم بالزُّورِ مَن كان سَاخِرا
فلمّا عرفتَ الحقَّ أوفيتَ ناهضاً / تُقَبِّلُ مَن وَافَاكَ يُزْجِي البَشَائِرا
وتُرْسِلُهُ حُرّاً طليقاً وإنّه / لفي عِزَّةٍ تُعيي النفوسَ الحرائرا
نَهضتَ خَفيفَ الجانِبَيْنِ ولم تَكُنْ / على مثلِها من قبلِ ذلكَ قادرا
يَسُرُّكَ ما سَرَّ الرسولَ وما يكن / بهِ من أذىً ألفيتَه لك ضائِرا
هَدَيْتَ أبا سُفيانَ تَرحَمُ نَفسَهُ / وَتَكرَهُ أن يَبْقَى مَدَى الدّهرِ حائرا
وَجِئْتَ بِهِ والجندُ باللّيلِ رَاصِدٌ / يُقَلِّبُ للحربِ الرِّقاقَ البواتِرا
فأسلمَ يُرضِي اللَّهَ من بَعدِ نَفْرَةٍ / ولولاكَ لم يبرحْ عن الحقِّ نافرا
وفي ابن حِزامٍ وابنِ ورقاءَ شاهدٌ / بِما لَكَ من فضلٍ لمن كانَ ذاكرا
ثلاثةُ أقطابٍ صَرَفتَ قُلوبَهُم / إلى اللَّهِ تُحْييهِم وترجو المصائرا
ولو أعرضوا لم يَرْدَعِ الحربُ رَادِعٌ / ولم يَنتزِعْ أنيابَهَا والأظافرا
حقنْتَ دِماءً لو يُخَلَّى سَبيلُها / جَرَتْ تحتَ أعلامِ الغُزَاةِ مَوَائِرا
فأمسَتْ قُرَيْشٌ ما لها من بَقِيَّةٍ / وأَمْسَى الذي اعتادت من العزِّ داثرا
بِيُمْنِكَ يا عمَّ الرسولِ تَتابعَتْ / أيادٍ يراهَا المسلمونَ ذخائرا
وكنتَ امْرأً من قبلِ ذلك مُحسِناً / يُقِيمُ بِجَدْواهُ الجُدُودَ العواثرا
عظيماً تُرَجِّيهِ قريشٌ لِمَا بها / إذا فَزعتْ للأمرِ تَخْشَى الدوائرا
وإنّك إذ تَسْقِي الحجيجَ لَسيِّدٌ / يُعَلِّمُ ساداتِ الرجالِ المفاخرا
لعُثْمَانَ ما يَرْضَى ومالكَ غَيرُها / ولايَةُ من يُعطِي وَيبذلُ كابرا
وليس الذي يأتي الخميلةَ غَارِساً / كمثلِ الذي يأتي الخميلةَ هَاصِرا
حُرِمْتُ الرِضَى إن عِبتُ عُثمانَ إنّه / على سُنَّةِ غلباءَ تُعيِي المُكاثرا
له من عَطَاءِ اللَّهِ كَنزٌ مُباركٌ / يُقيمُ لدينِ اللَّهِ فيه الشعائرا
يَضنُّ بمفتاحِ البنِيَّةِ جُهْدَهُ / ويعرفه مجداً على الدهرِ غابرا
أمانةُ ربِّ البيتِ لم تُعْطَ خائناً / يُريدُ بها دُنيا ولم تُؤتَ فاجرا
أبا الفضلِ هذا ما أحَبَّ مُحمَّدٌ / ظفرتَ بهِ لا زالَ سهمُكَ ظافرا
إذا أظمأ اللَّهُ البلادَ وأهلَهَا / فَبِاسْمِكَ يَسْقِيهَا الغُيوثَ المواطرا
لعمري لقد غادرتَ غيرَ مُنازَعٍ / مَناقِبَ ذِكراها تَهُزُّ المنابرا
صَدقتُكَ إنّي لو تَنَاسَيْتُ حَقَّها / على ما عَنانِي لم أَجِدْ لِيَ عاذرا
أعِنِّي بروحٍ منكَ يا ربِّ واهدِني / سَبيلَكَ إنْ أضللتَ في النّاسِ شاعرا
دَعوتُكَ للإسلامِ أُمْسِكُ مَجْدَهْ / وأُدرِكُ منه ما طَوَى الدّهرُ ناشرا
لأُمِّ سليمٍ يا أبا طَلْحَةَ العُذْرُ
لأُمِّ سليمٍ يا أبا طَلْحَةَ العُذْرُ / وَهَل يأمنُ الإسلامُ أَن يغدُرَ الكُفْرُ
سألتَ فقالت خَنجري أتَّقي بِهِ / أذَى كلِّ عادٍ من خَلائِقِهِ الغَدْرُ
أَشُقُّ بهِ في حَوْمَةِ الحربِ بَطنَهُ / إذا رَامَنِي بالسّوءِ واسْتَوْعَرَ الأَمْرُ
أتعجَبُ منها كيف تحمي ذِمارَها / وَتَدْرَأُ عنها الشَّرَّ إن هاجها الشَّرُّ
وتدعو رسولَ اللهِ هل أنتَ سامِعٌ / فَيَفْرَحُ من رجعِ الحديثِ وَيَفْتَرُّ
نعم أنتَ تحميها ولكنَّ نفسَها / لها نخوةٌ من ذَاتِها وبها كِبْرُ
ألم ترَ إذ قالَتْ أأقتُلُ مَعشراً / تَوَلَّوْا فلا بأسٌ شديدٌ ولا صَبْرُ
وماذا عليها حين تكفيكَ أمرَها / وتَرمِي بكَ الأبطالَ والنَّفْعُ مُغْبَرُّ
أرادتك للأمرِ الجليلِ ولن ترى / كأمِّ سليمٍ حُرّةً حازها حُرُّ
ألم تَنْتَظِمْ بالسّيفِ عِشرينَ فارِساً / مَغانِمُهُم شَتّى وأسلابُهُم كُثْرُ
إذا طارَ منهم مُدبِرٌ يَتَّقِي الرَّدَى / تَلَقَّاكَ منه في مَطَارِ الرَّدى الصَّدْرُ
تخوضُ الدمَ المسفوكَ لا جِسْرَ دُونَهُ / وما لَكَ كالإيمانِ في مثلِهِ جِسْرُ
أبا طَلحَةَ اسْمَعْ ما يقولُ ابنُ حُرَّةٍ / إليهِ سَرَى من صَفْحَتَيْ جَارِهِ البِشْرُ
يَقولُ اطْعَنِي أُمَّاهُ مَن شِئْتِ وَانْصُرِي / ببأسِكِ دِيناً مِن كَتَائِبِهِ النَّصْرُ
فَحُيِّيتَ عبدَ اللهِ ما أنتَ كالذي / يَرَى السَّيفَ مَقْروباً فيأخذه الذُّعْرُ
كِلا أَبَوَيْكَ اسْتَنَّ سُنَّةَ مَاجِدٍ / فَطِبْتَ وطَابَا لا خَفَاءٌ ولا نُكْرُ
إذا التمسَ الإسلامُ في كلِّ حادثٍ / يَضيقُ به ذُخراً فأنت له ذُخْرُ
عُيَيْنَةُ أمسكتَ العجوز تُريدُها
عُيَيْنَةُ أمسكتَ العجوز تُريدُها / عَتاداً يُفيدُ اليُسْرَ مَن كان مُعسِرَا
ضَنَنْتَ بأُمِّ الحَيِّ تُغْلِي فِدَاءَها / فَيَا لَكَ رأياً غَيرُهُ كانَ أجْدَرَا
تَسُومُ زُهيراً أن يَزيدَكَ ضلَّةً / عَلَى مائةٍ لو كان غِرّاً لأكثرا
رَمَاكَ به مَكراً خَفِيّاً فلم يَزَلْ / يَضيقُ عليكَ الأمرُ حتى تَعَذَّرا
لقد كان فيما قالَ أوَّلَ مَرَّةٍ / غِنَىً لَكَ لو كنتَ امرأً مُتَبَصِّرا
يَظَلُّ يُرِيكَ الزُّهدَ في شَيْخَةٍ لهُ / يَرَاهَا مِنَ الدنيا أجَلَّ وأكبرا
فَتَدعوه أقْبِلْ لستُ فيها بِرَاغبٍ / إذا بَلَغَ الأمرُ الفِداءَ الميَسَّرا
فداها بِسِتٍّ لو أبيتَ لَسُقْتَها / إليه بلا شيءٍ وَحَسْبُكَ ما تَرَى
ألَيْسَتْ كما قالَ ابْنُها ما لمثلها / على الضَّنِّ إلا أن تموتَ فَتُقْبَرَا
أما والذي لو شاءَ لم تَعْصِ أمرَهُ / لقد جِئتَ أمراً يا عُيَيْنَةُ مُنكرا
فنفسَكَ فَاحْمِلْها على البرِّ إنّه / لأَربَحُ مِمّا تَحمِلُ الأرضُ مَتْجَرَا
وما طَمَعُ الإنسانِ فيما يفوته / إذا ما دَعَا الدّاعِي فَوَلَّى وأدبرا
يَقولُ دُعاةُ الشرِّ ليتَ محمداً
يَقولُ دُعاةُ الشرِّ ليتَ محمداً / إذا نَحنْ عُدْنا يسلكُ الجانبَ الوَعْرا
إذن لدفعناهُ إلى الجانبِ الذي / تَنَكَّبَ نُؤذيه ونُرهقُه عُسْرا
ونبَّأهُ مَولاهُ فازدادَ قُوّةً / على قُوّةٍ واختارَ ما يَقمعُ الشَّرّا
فلما دَنا من يَثربٍ قال قائلٌ / أطيعُوا رسولَ اللهِ وامْتثِلُوا الأمْرَا
على السَّهْلِ فامْضُوا واتركوا الحَزْنَ إنّه / سَيَسْلُكُه فَرداً يريدُ بكم يُسْرا
وقال تقدَّمْ ناقتي يا ابْنَ ياسرٍ / وسِرْ خَلفَها يا ابنْ اليمانِ فما أحْرَى
وسَارَ فجاء القوم يعدون خلفه / وقد نشر الإظلام من حولهم سترا
ونكَّر كلٌّ وَجْهَهُ بِلثَامِهِ / وما نَكَّروا إلا الخيانةَ والغَدْرا
رَمَوْا ناقة الهادِي بأشخاصِ جِنَّةٍ / تَخوضُ إليها اللّيلَ فانتفَضْت ذُعرا
وأمسى رَسولُ اللهِ يَهوِي مَتاعُه / على الأرضِ إلا ما تماسكَ فَاسْتَذْرَى
وقال انْطلِقْ يا ابنَ اليَمانِ فَرُدَّهُمْ / ويا صاحبي لا تبتئِسْ وَالْزَمِ الصَّبْرا
فَكَرَّ عليهم كَرَّةَ اللّيثِ ضَارباً / وُجوهَ مَطاياهُم ولمَ يألُهمْ زَأْرا
إليكم إليكم شِيعةَ الكُفرِ إنّكم / لأعداءُ ربِّ النّاسِ أعظِمْ بهِ كُفْرا
تولَّوْا سِراعاً لم يُصِيبُوا شِفاءهُمْ / ولم يُطفِئُوا مِن حِقدهِم ذَلِكَ الجَمْرا
وَجاءَ أُسيدٌ لا يرى غيرَ قَتلِهم / فقالَ رسولُ اللهِ لا تَبْغِها نُكْرا
أأقتلُ قَوماً ظَاهروني وحَارَبُوا / مَعِيَ حَسْبُهم أن يَحمِلوا الإثمَ والوِزْرا
وجَاءُوا على خوفٍ يقولونَ ما بنا / سِوَى الظَّنِّ فاغفرْ إنّها الفِتنةُ الكُبْرى
وضَجُّوا بأيْمانٍ هِيَ النَّارُ أُوقِدَتْ / بألسنةِ ظلّتْ أكاذيبُها تَتْرى
كَفاهُم عِقابُ اللهِ والدَّعوةُ التي / يَظَلُّ لَظاها يَنفذُ الظَّهرَ والصَّدرا
بَنِي عامرٍ رُدُّوا عَنِ الشرِّ عامرا
بَنِي عامرٍ رُدُّوا عَنِ الشرِّ عامرا / ولن يَجدَ الباغي على البغي ناصرا
أصابَ هوىً من نفسِ أربدَ فابتغَى / من الأمرِ ما يُعيي الكميَّ المُقامرا
وجاء بمكرٍ لا محالة خائبٍ / وأخيبُ أهل السُّوءِ من كان ماكرا
أناشِدُكم هل صاحبَ الوفدُ منهما / بني عامرٍ إلا أثيماً وفاجرا
هما أزمعا أن يأخذا اللّيثَ خادِراً / على غِرَّةٍ والجهلُ يُعمِي البصائرا
دنا الأحمقُ المخبولُ منه وهذه / يَدُ السُّوءِ منه تحملِ السَّيفَ باترا
يشيرُ إليهِ ابنُ الطفيلِ أنِ اقْتَحِمْ / وماذا يَردُّ السيفَ لو كان قادرا
أبَى اللَّهُ إلا أن يُعِزَّ رسولَهُ / ويرجعُ من يبغِي به السُّوءِ صاغرا
أطاعَ هَواهُ جاهلاً وخلا بِهِ / يُخادِعُه كيما يرى الدمَ مائرا
أتسألُه يا ابنَ الطفيلِ خِلافةً / وَتطمعُ أن تُدْعَى الشَّريكَ المُشاطِرا
لكَ الويلُ ما هذا الذي أنتَ قائلٌ / أكنتَ امرءاً من نفسِهِ رَاحَ ساخِرا
جُبارُ اسْتَقِمْ واشهدْ فَربُّكَ واحدٌ / وخُذْ حظّكَ الأوفى من الخيرِ شاكرا
وبَشِّرْ رعاكَ اللَّهُ صحبَكَ أنّهم / أصابوه غُنماً من هُدى اللهِ وافرا
وَدَعْ عامراً يهوِي به الداءُ خاسِئاً / وأربَدَ يَلْقَى الحتفَ خَزيانَ خاسِرا
رماه الذي يرمي القُوى فَيهدُّها / فهدَّ قُواهُ إنّه كان كافرا
بصاعقةٍ ممّا رَمَى اللهُ إذ رمى / ثموداً وعاداً والقرون الغوابرا
رَماهُ بها ناريَّة لو تنزّلتْ / على جبلٍ لانْدَكَّ في الأرضِ غائرا
أبى عامرٌ من شيمةٍ جاهليةٍ / لِقاءَ الرَّدى عند التي جَاءَ زائرا
يقول أطاعوناً وموتاً بمنزلٍ / يَضيقُ بأمثالي إذن لستُ عامرا
جَوادِي جَوادِي ليس لي غيرَ مَتنهِ / أُلاقِي عليهِ عادِيَ الموتِ كابرا
وجاءوا به يُزجيه عزريلُ فاسْتوى / على سرجِهِ وانْسَابَ حرّان ثائرا
يَجولُ عليه يَحملُ الرُّمحَ ما يرى / سوى حتفه المقدور قرناً مغاورا
فما هو إلا أن هوى غير معقب / سِوَى الخزيِ من ذكرٍ لمن كان ذاكرا
مضى الأمرُ لم يَسمعْ عُكاظٌ نِداءَهُ / ولم تشهدِ الأقوامُ تِلكَ المفاخرا
إذا المرءُ لم يُؤمِنْ ولم يَخْشَ ربّهُ / فليس يَرى شيئاً على الدَّهرِ ضائرا
ألحّتْ عليه دعوةٌ من مُحمّدٍ / رَمتهُ بداءٍ يتركُ الطِّبَ حائرا
رسولُ الهُدَى والخيرِ من يَرْعَ حقَّهُ / فليس يَرى شيئاً على الدّهرِ ضائرا
لقد كان فيما قَال أربدُ زاجرٌ / عن الشَّرِّ لو يخشَى امرؤُ السّوءِ زاجرا
رأى آيةً تَغتالُ هِمَّةَ نفسِهِ / وتُذهِلُ منه اللُّبَّ لو كان ناظرا
كِلاءةُ ربٍّ كلُّ أصيدَ غالبٍ / يبيدُ ويبقى غالبَ البأسِ قاهرا
ألا إنّ هذا وَفْدُ كِندَة قد أتى
ألا إنّ هذا وَفْدُ كِندَة قد أتى / عليه من النَّعماءِ أرديةُ الحِبَرْ
رُواءٌ من العيشِ الرخيِّ وبهجَةٌ / من الكُحْلِ في الأجفانِ أو مُرْسَلِ الشَّعَرْ
دَنا ثمَّ حيَّا سيِّدَ الرُّسْلِ بالتي / تُحيَّا بها أهلُ الصَّوالجِ والسُّرُرْ
يَقولُ أبيتَ اللَّعْنَ قَوْلَ الأُلى خَلَوْا / من المعشرِ الضُّلَّالِ في سَالِف العُصُرْ
أباها رَسولُ اللهِ منهم تحيّةً / رآها من اللَّغوِ المُذَمَّمِ والهَذَرْ
وقال دَعوْها عادةً جاهليّةً / فلا أنا ذُو مُلْكٍ ولا بِيَ من أشَرْ
خُذوا هذهِ عَنّي فإنّي مُحمدٌ / وإنّي ابنُ عبد اللهِ من ذلك النَّفَرْ
فقالوا له ندعوك باسمِكَ إنّه / لَعمركَ أمرٌ ما يُلائِمُنا عَسِرْ
فماذا به تُكنَى فقال لهم أنا / أبو القاسمِ ادْعونِي بها كُنْيَةٌ تَسُرْ
دَعَوهُ فقالوا يا أبا القاسمِ استجبْ / أأنتَ رسولُ اللهِ يَهدِي بكَ البَشَرْ
فإن يكُ حقّاً ما تقولُ فما الذي / خَبَأْنا من الأشياء نبلو ونَخْتَبِرْ
فقال رُويداً إنّني لستُ كاهناً / ومَهْلاً فهذا شاهدٌ صادقُ الخَبَرْ
ومَدَّ يمينَ الخيرِ يَملؤُها حَصىً / فلم يكُ فيها بالعَيِيِّ ولا الحَصْرِ
قضوا عجباً ممَّا يُسبِّحُ ربَّهُ / وقال شَهِدْنا ما بِكَ الآنَ من نُكُرْ
هداهم إلى دينِ الحياةِ وزادهم / هُدىً من كتابٍ مُحكمِ الآي والسُّوَرْ
تَلا ما تَلا فالقلبُ للهِ خاشِعٌ / من البرِّ والإيمانِ والدَّمعُ مُنْهَمِرْ
فقالوا أمِن خوفِ الذي أنتَ مُرسَلٌ / إلى النَّاسِ منه دَمْعُ عَيْنَيكَ يَبْتَدِرْ
فقال أجل إنّي أخافُ عذابَهُ / وأيةُ نفسٍ تأمنُ اللهَ إن مَكَرْ
بُعِثْتُ بدينٍ إنْ أمِلْ عن صراطِهِ / فما لِيَ من واقٍ يَقيني ولا وَزَرْ
صِراطٌ كحدِّ السيفِ لا يبرحُ الفتى / وإن جَدَّ كلَّ الجِدِّ منه على خَطَرْ
فلا تَغْتَرِرْ نفسي بشاهِدِ حالِها / فلله عِلمُ الغيبِ والغيبُ مُنْتَظَرْ
مِن الخيرِ فاسْتَكْثِرْ لنفسِكَ واسْتَزِدْ / وما تَسْتَطعْ من صالحِ الأمرِ فادَّخِرْ
لِكلِّ امرئٍ من شانِهِ ما أعدَّهُ / كَذلِكَ يجزِي اللَّهُ من بَرَّ أو فَجَرْ
نَهَى القومَ عن لبسِ الحريرِ نَبِيُّهم / ولا شيءَ إلا ما نَهى عنه أو أمَرْ
أطاعوه لا يبغونَ غيرَ سبيلهِ / إذا اتّبعوهُ من سبيلٍ ولا أثَرْ
وإنّ الذي يَنْهَى النُّفوسَ عن الهوى / هو الدّينُ لا دينُ المخيلةِ والبَطَرْ
أَدَأْبُ الألى في الحربِ يصلون نارَها / كدأبِ اللواتي في المقاصيرِ والسُّتُرْ
إذا تركَ القومُ الجهادَ رأيتهم / وإن أشبهوا الأحياءَ مَوْتَى من الخَوَرْ
وإن لم تكن أظفارُهم جُنَّةً لهم / تقلَّب في أحشائِهم كلُّ ذِي ظُفُرْ
عُكاشَةُ ما في الغَمْرِ من مُتْخلَّفٍ
عُكاشَةُ ما في الغَمْرِ من مُتْخلَّفٍ / خلا الغَمْرُ من عُمَّارِهِ فَهْوَ مُقْفِرُ
تناذرَ أهلُوهُ سُيوفكَ فَانْجَلوا / وغُودِرَ وَحْشاً خالياً ليس يُعمَرُ
خُذِ الشّاءَ والإبلَ السِّمانَ فإنّهم / إلى أجلٍ ما دُونَهُ مُتأخَّرُ
فإمّا حِمَى الإسلامِ أو حدُّ قاضبٍ / على مَتْنِهِ مِنهم دَمٌ يَتَفَجَّرُ
عُكَاشَةُ عُدْ بالجندِ غيرَ مُخيَّبٍ / كفى القومَ خِزْياً أن يَفِرُّوا ويُدبِرُوا
لِكُلِّ امرئٍ من نفسِهِ ما تَودُّهُ / وما يكُ من شيءٍ فربُّكَ أكبَرُ
له الدّينُ والدّنيا وما بعدَ هذِهِ / فلا شَيءَ إلا ما يَشاءُ ويَقْدِرُ
سَبيلُك في مَرضاةِ ربِّكَ يا بِشرُ
سَبيلُك في مَرضاةِ ربِّكَ يا بِشرُ / وفي حقِّهِ فَادْأَبْ وإن فَدَح الأمرُ
عليكَ بني كعبٍ فَخُذْ صَدقَاتِهم / ولا تَأْلُهم نُصحاً لهم ولك الأجرُ
أطاعوكَ في ذاتِ الإله وأقبلوا / كِراماً يرونَ الدّينَ أن يُبذَلَ البِرُّ
فما لتميمٍ ساء ما صنعتْ بَنُو / تميمٍ أما للقومِ رأيٌ ولا حِجْرُ
أبَوْا أن يُؤدُّوا الحقَّ واهْتاجَ جَمعُهُم / فَعَبَّ عُبابُ البغيِ وَاحْتَدَمَ الشّرُّ
يَقولُ بنو كعبٍ دَعونا وَدِينَنا / وهيهاتَ لجَّ الشِّركُ واستكبرَ الكُفْرُ
لك اللَّهُ يا بِشرٌ فَعُدْ غيرَ آسفٍ / لِربّكَ فيهم حُكمُهُ ولكَ العُذْرُ
أتيتَ رسولَ اللَّهِ تَروِي حديثَهم / فهيّجتَ بأساً مثلما يَقِدُ الجَمْرُ
أعدَّ ابنَ حِصنٍ للوغَى وأمدَّهُ / بكلِّ شديدِ البأسِ مَطعمُهُ مُرُّ
إذا ذاقهُ في غمرةِ الحربِ قَرْنُه / تنكَّبَ يلوِي أخْدَعَيْهِ ويزوَرُّ
أغارَ عليهم فَاسْتَباحَ نُفوسَهم / وأموالَهم فَلْيَنظروا لِمَن الخُسْرُ
تُساقُ سبَاياهُم وأنعامُهم معاً / بأعينِهم من كلِّ أوْبٍ وهُمْ كُثْرُ
تَودُّ لو اَنَّ القومَ يَستنقِذُونها / وهيهاتَ لَجَّ الرُّعْبُ واستفحلَ الذُّعْرُ
أقاموا على غَيْظٍ وعادَ عُيينَةٌ / مَغانِمُهُ شتَّى وآثارُهُ غُرُّ
عليه من النَّصرِ المحجَّلِ بَهجةٌ / إذا ائتلفتْ أوضاحُها ضَحِكَ النَّصْرُ
يظَلُّ أسارَى القومِ في دارِ رَملةٍ / مجازيعَ مما يصنعُ الحبسُ والأسرُ
رأوا سوءَ عُقباهم فأقبلَ وفدُهم / وضَجَّ الأسارى إنّنا مسَّنا الضُرُّ
تصِيحُ ذراريهم وتَبكِي نِساؤُهم / وجهدُ الأسى أن تَهطِلَ الأدمعُ الغُزْرُ
أتوا دارَ أمضَى النّاسِ رأياً وهِمّةً / لنائبةٍ تُعتادُ أو حادثٍ يَعْرُو
يُنادونه في ضجَّةٍ من وَرائِها / ولو ملكوا صبراً لأغناهمُ الصَّبْرُ
ألا اخْرُج إلينا وانظرِ اليومَ أيُّنا / له الشّرفُ العالي الذُّرى وله الفَخْرُ
فلمّا رأوه خارجاً عَلِقوا بهِ / ولم يَثنِهم صَوتُ الأذينِ ولا الزَّجْرُ
قضاها صلاةً يحملُ الرُّوحُ نَشْرَها / فلا أرَجٌ يحكي شذاها ولا نَشْرُ
وعاد حميداً يَنظرُ القومَ حولَه / لهم صَلفٌ ما يَنقَضِي وبهم كِبْرُ
يقولون قولَ الجاهلين وقلّما / يُفيدُ الهُراءُ القومَ أو يَنفعُ الهُجْرُ
عُطارِدُ مَهْلاً وانْهَ صَحْبَكَ إنّما / أردتُم مقاماً دُونَه الشِّعرُ والنَّثْرُ
ألا إنّ قَولَ الصِّدقِ ما قال ثابِتٌ / وحَسّانُ فاشْهَدْ إنّما يشهدُ الحُرُّ
خطيبُ رسولِ اللهِ ما فيه مِرْيةٌ / وشاعرُه ما مِثلُهُ شاعِرٌ بَرُّ
غُلبتم فأسلمتم فَبُشرَى بنعمةٍ / حباكم بها ربٌّ له الحمدُ والشُّكْرُ
خُذوا السَّبْيَ والأسرَى وهذا عطاؤكم / عطاءُ كريمٍ ما لآلائِهِ حَصْرُ
أحِبُّوا رسولَ اللهِ يا قومُ إنّه / مَحبَّتُه غُنْمٌ ومَرضاتُه ذُخْرُ
عَطوفٌ على ذِي الضّعفِ يُؤتيهِ فضله / عفوٌّ حليمٌ ما يضيق له صدرُ
أقيموا على الفرقان تتلون آيَهُ / فذلك نورُ اللهِ ما دونه سِتْرُ
كتابٌ يُضِيءُ السُّبْلَ في كلِّ مطلعٍ / لكلِّ ابن ليلٍ من مطالعهِ فَجْرُ
خُذوا زادَكم منهُ وعُودوا لقومِكم / فَما ثَمَّ زادٌ مثله أيّها السَّفْرُ
أَهذي ديارُ القَومِ غَيَّرها الدَهرُ
أَهذي ديارُ القَومِ غَيَّرها الدَهرُ / فَعُوجوا عَليها نَبكِها أَيُّها السَّفْرُ
محا آيها مَرُّ العُصورِ وَكرُّها / إِذا مَرَّ عَصرٌ كَرَّ مِن بَعدِهِ عَصرُ
نُسائِلُها أَينَ استقلَّ قطينُها / وَهَل تَنطق الدارُ المُعَطَّلةُ القَفرُ
وَكائن تَرى من ذي ثَمانين خَضَّبت / لِطُولِ البُكى مِن شَيبهِ الأَدمعُ الحُمرُ
بَكى وَطَناً أَودَت بِسالفِ مَجدِهِ / حَوادث دَهرٍ مِن خَلائقهِ الغَدرُ
أَغارَت عَلَيهِ مِن جَنوبٍ وَشَمأَلٍ / فَما برحت حَتّى أُتيحَ لَها النَصرُ
أَلا إِنَّها مصرُ الَّتي شَقِيَت بِنا / فَيا وَيحَ مصرٍ ما الَّذي لَقِيَت مِصرُ
مَضى عِزُّها المَسلوبُ ما يَستعيدُه / بَنُوها فَلا عِزٌّ لَديهم وَلا فَخرُ
هُمُ رَقَدوا عَنها فَطالَ رُقادُهُم / فَديتكُمُ هُبُّوا فَقَد طَلعَ الفَجرُ
أَلمّا تَروا أَن قَد تُقُسِّمَ أَمرُكُم / بَأَيدي الأُلى جَدّوا فَهل لكمُ أَمرُ
أَما فيكمُ حُرٌّ إِذا قامَ داعياً / إِلى صالحٍ أَوفى فجاوَبَهُ حُرُّ
كَريمان لَمّا يَجثُما عَن عَظيمةٍ / وَلا بهما إِذا يُدعوان لَها وَقرُ
هُما هَضبَتا عَزمٍ وَحَزمٍ كِلاهُما / يَخافُهما الخَطبُ المَخُوفُ فَما يَعرو
هُما الذُخرُ لِلأَوطانِ إِن جَلَّ حادِثٌ / فَضاقَت بِهِ ذَرعاً وَأَعوزَها الذُخرُ
مَهاةَ اللِوى حَسبي وَحَسبُ الهَوى ذُعرا
مَهاةَ اللِوى حَسبي وَحَسبُ الهَوى ذُعرا / أَما نَأمَنُ الإِعراضَ يَوماً وَلا الهَجرا
أَفي كُلِّ يَومٍ مِن صُدودِكِ غارَةٌ / أَخوضُ المَنايا بَينَ أَهوالها حُمرا
أَماناً لِعانٍ يَطلُبُ السِلمَ في الهَوى / وَحَسبُكِ ما أَتلَفتِ مِن نَفسِهِ نَصرا
أَغَرَّكِ جُندٌ لِلمَحاسِنِ باسِلٌ / إِذا ما تَداعى أَمعَنَ القَتلَ وَالأَسرا
وَما زِلتُ أَشكو فِتنَةً بَعدَ فِتنَةٍ / إِلى أَن أَتَت عَيناكِ بِالفِتنَةِ الكُبرى
دَعيني وَما أَلقى مِنَ الدَهرِ وَاِشغَلي / بِحُبِّكِ من لا يَشغَلُ الناسَ وَالدَهرا
وَهَبتُ الصبى وَالشَيبَ وَالشَوقُ وَالهَوى / لِمِصرَ وَإِن لَم أَقضِ حَقَّ الهَوى مِصرا
بِلادٌ حَبَتني أَرضُها وَسَماؤُها / حَياتي وَأَجرى نيلُها في فَمي الدُرّا
تُريدينَهُ حُسناً عَلَيكِ وَبَهجَةً / تُغيرُ الغَواني وَالخَمائِلَ وَالزَهرا
وَأَعتَدُّهُ مَجداً لِمِصرَ وَسُؤدُداً / تَبيتُ لَهُ الأَمصارُ والِهَةً حَرّى
وَما حادِثٌ يَوماً وَإِن راعَ وَقعُهُ / بِماحٍ هَواها أَو يُطاوِلُها ذِكرا
هِيَ الدَهرُ أَو شَيءٌ يُشابِهُ صَرفَهُ / وَإِبرامَهُ وَالنَقضَ وَالطَيَّ وَالنَشرا
تَمُرُّ بِها الدَولاتُ شَتّى وَتَرتَمي / عِظاتُ اللَيالي حَولَ أَهرامِها تَترى
كَأَنّي بِها صُحفُ الخُلودِ وَكُلُّها / يَخُطُّ عَلَيها مِن أَحاديثِهِ سَطرا
لَها في يَدِ التاريخِ ما لَيسَ يَنطَوي / مِنَ العِبَرِ اللائي مَلَأنَ النُهى بَهرا
كَأَنَّ رُباها لِلمَمالِكِ مِنبَرٌ / يَقومُ عَلَيهِ الدَهرُ يوسِعُها زَجرا
كَأَنَّ ثَراها لِلشُعوبِ تَميمَةٌ / تَقي مِن جُنونِ الجَهلِ أَو تُبطِلُ السِحرا
كَأَنَّ بِماءِ النيلِ سِرّاً مُحَجَّباً / يَرُدُّ إِلى حُكمِ الأَناةِ مَنِ اِغتَرّا
خُذي مِن عِظاتِ الدَهرِ يا مِصرُ وَاِشهَدي / عَلَيهِ وَزيدي في أَعاجيبِهِ صَبرا
وَلاقي بِمَأمولِ الرِضى مِنكِ مَوكِباً / تَوارَت لَهُ الجَوزاءُ وَاِستَحيَتِ الشِعرى
أَلِي في الهَوى ما لي وَلِلّائِمِ العُذرُ
أَلِي في الهَوى ما لي وَلِلّائِمِ العُذرُ / أَما يَعلَمُ اللُوّامُ أَنَّ الهَوى مِصرُ
فَإِن يَسأَلوا ما حُبُّ مِصرَ فَإِنَّهُ / دَمي وَفُؤادي وَالجَوانِحُ وَالصَدرُ
لِنَفسي وَفائي إن وَفَيتُ بِعَهدِها / وَبي لا بِها إِن خُنتُ حُرمَتَها الغَدرُ
أَخافُ وَأَرجو وَهيَ جُهدُ مَخافَتي / وَمَرمى رَجائي لا خَفاءٌ وَلا نُكرُ
هِيَ العيشُ وَالمَوتُ المُبَغَّضُ وَالغِنى / لِأَبنائِها وَالفَقرُ وَالأَمنُ وَالذُعرُ
هِيَ القَدَرُ الجاري هِيَ السُخطُ وَالرِضى / هِيَ الدينُ وَالدُنيا هِيَ الناسُ وَالدَهرُ
بِذَلِكَ آمَنّا فَيا مَن يَلومُنا / لَنا في الهَوى إيمانُنا وَلَكَ الكُفرُ
تَدَفَّقَ فيها الوَحيُ شِعراً وَإِنَّما / سَقانا بِه النيلُ الَّذي كُلُّهُ شِعرُ
تَحَيَّرَ فيهِ الواصِفونَ نَفاسَةً / فأَوصافُهُ شَتّى وَأَلقابُهُ كُثرُ
رَئيسٌ وَذو تاجٍ وَشاعِرُ أُمَّةٍ / وَنابِغَةٌ غَمرٌ وَداهِيَةٌ نُكرُ
مُلوكٌ وَأَبطالٌ يَروعُكَ مِنهُمو / شِهابُ الوَغى سَعدٌ وَصاحِبُهُ عَمرُو
إِذا جالَ ماءُ النيلِ في جَوفِ شارِبٍ / فَلَيسَ لَهُ إِن خانَ أَبناءَهُ عُذرُ
هُوَ العَهدُ عهدُ اللَهِ وَالرُسُلِ كُلِّهُم / رِعايَتُهُ تَقوى وَتَوكيدُهُ بِرُّ
وَإِنَّ اِمرَأً يَبغي لِمِصرَ خِيانَةً / وَيَرجو بِها حُسنَ الثَوابِ لُمغتَرُّ
مَحَبَّتُها يُمنٌ وَطاعَتُها رِضىً / وَخِدمَتُها غُنمٌ وَمَرضاتُها ذُخرُ
لِكُلٍّ حِسابٌ لا يُجاوِزُ سَعيَهُ / فَلا الخَيرُ مَصروفُ الجَزاءِ وَلا الشَرُّ
أَرى للفَتى أَمراً يُعَجَّلُ في الدُنى / فَإِن يَكُ يَومُ الدينِ كانَ لَهُ أَمرُ
أَلا رُبَّما قامَت قِيامَةُ مَعشَرٍ / وَلَمّا يَضُمُّ الناسَ بَعثٌ وَلا حَشرُ
فَلا تَكُ إِلّا مُحسِناً تُؤثِرُ الَّتي / أَوائِلُها حَمدٌ وَأَعقابُها أَجرُ
جَزيتُ بَني مِصرٍ وَفاءً وَنَجدَةً / كَذَلِكَ يَجزي قَومَهُ الماجِدُ الحُرُّ
عَلَيَّ لَهُم حَقٌّ وَلي عِندَهُم هَوىً / تَتابَعَ ما بَيني وَبَينَهُما العُمرُ
طَوَيتُ هُمومَ الأَربَعينَ وَرُبَّما / عَناني لِلخَمسينَ مِن بَعدِها نَشرُ
وَمَن يَجعَلُ الإِصلاحَ في الناسِ هَمَّهُ / يَكُن ذا هُمومٍ كُلَّ آوِنَةٍ تَعرو
هَنيئاً لِذي الخَفضِ المُتارِكِ عَيشُهُ / وَإِن كانَ لا نَفعٌ لَدَيهِ وَلا ضُرُّ
وَإِنّي لَفي أَسرٍ مِنَ الهَمِّ موجِعٍ / وَغَمرَةِ وَجدٍ ما يُهَوِّنُها الصَبرُ
فَيا لائِمي وَالنَفسُ وَلهى لِما بِها / حَنانَكَ إِنَّ الحُرَّ يوجِعُهُ الأَسرُ
ألا ردّدوا الأنباءَ عن فوز ماهرِ
ألا ردّدوا الأنباءَ عن فوز ماهرِ / فيا لكَ من فوزٍ على الخصمِ باهرِ
وهل خاصم الحرَّ الكريمَ سِوَى امرئٍ / على دولة الأحرارِ غضبانَ ثائرِ
شفى النّفسَ أن قد عاد خصمُ مُحمّدٍ / ذميمَ الخطى يمشي بصفقةِ خاسرِ
محمّدُ هذا بعضُ حقّك فالتمس / بَقِيَّتهُ واسْتَوفِهِ غيرَ ناظرِ
فمثلي يرى الإقدامَ للمرءِ سُؤدُداً / ومِثلُك يأبى حقَّه غيرَ وافرِ
تقدّمَ قَومٌ نازعوا المجدَ أهلَه / وجَدُّوا سِراعاً في انتحالِ المفاخرِ
فما أبصروا منّا امرأً غيرَ مُحجمٍ / ولا وَجدوا من قومنا غيرَ ناصرِ
إذا ما تركتَ الأمرَ تَرجو مصيرَهُ / فلستَ على ألّا يَضيعَ بقادرِ
ألم تَر أنّي قد بررتُ بذمَّتي / فأعرضتُ حتّى فاتني كلُّ فاجرِ
وما لفتىً مثلي على الدّهر ناصرٌ / إذا ما رماني بالدَّعيِّ المُكابر
نَزلتُ على حكم الوفاءِ وغالني / تقلّبُ شعبٍ ذي ألاعيبَ غادرِ
وما أنا بالسَّاعي أُساومُ معشراً / أقاموا بوادي النّيل سُوقَ الضمائرِ
لعمركَ ما حقُّ الشُّعوب دُعابةٌ / ولا حُرمةُ الأوطانِ سِلعةُ تاجرِ
تقدّمْ فما يُغني وقوفُك وَاقْضِها / لُبانةَ حُرٍّ نابهِ الذّكر كابرِ
حمدتُ صنيعَ القومِ إذ جانبوا الهوى / وجئت أُحيّيهم تحيّةَ شاكرِ
هنيئاً لهم لا سَعيُهم بِمُذَمَّمٍ / ولا جَدُّهم إذ آثروك بعاثرِ
أولئك أحرارُ الرجال فليتهم / كثيرٌ إذا ما جَدَّ جِدُّ المُكاثرِ
وليتك تُزجي كلّ يومٍ بشارةً / فقد طال ما بيني وبين البشائرِ
لكَ الخير نَفِّسْ عن أخيكَ بصالحٍ / وإن يَنْسَ ذو عهدٍ فكن خيرَ ذاكرِ
لَمِنْ تتركُ الصّنعَ الجميلَ وهل ترى / سوى أدبٍ غضِّ المُروءةِ ناضرِ
إذا الشّعرُ أدّى الحقَّ للحقِّ خالصاً / فذلك صوتُ النّيلِ لا صوتُ شاعرِ
أعِدُّوا لأعلام البيانِ المنابرا
أعِدُّوا لأعلام البيانِ المنابرا / ولا تعدلوا بالشّاعرِ الفردِ شاعرا
دعوني ويومَ العبقريةِ واحداً / فإنّي لَمن يقضي له الحقَّ وافرا
خُذوه رِثاءً ما ذَوى ذِكرُ ميّتٍ / فناجاه إلا ارتدَّ ريّانَ ناضرا
سلوا الشرّقَ والإسلامَ ما بالُ لاعجٍ / من الوجدِ ما ينفكُّ حرَّانَ ثائرا
سلوا يثربَ الوَلْهَى بمن شفَّها الأسى / سلوا البيتَ ماذا هاجه والمشاعرا
سلوا المسجد الأقصى أما بات واجداً / يُكابد ليلاً في فلسطينَ ساهرا
سلوا المَلِكَ المُلقَى بِمُعتَركِ البِلىَ / أيجزعُ أم يلقى الكتائبَ صابرا
هي الحربُ تجتاح الجنودَ وتحتوي / رِقاق المواضي والعتاقَ الضّوامرا
ألحّتْ تهدُّ الفاتحين وشَمَّرتْ / تَسُدُّ على الرُّسلِ الكرامِ الحفائرا
ألا هدنةٌ فيها من الهمِّ راحةٌ / فإنَّ بنا منه لَداءً مُخامِرا
كأنّ تفاريقَ النُّفوسِ التي مضت / شُعاعٌ مضَى في هَبْوةٍ مُتطايرا
أما في كتابِ الموتِ معنىً لباحثٍ / شَكَا خافياً منه وأنكر ظاهرا
نُخادِعُ أحزانَ النّفوسِ ونَدّعي / من الصبرِ ما يُفني القُوى والعناصرا
تَناءَى المدى بابن الحُسَيْنِ وطوّحت / به سَفْرةٌ هوجاءُ تطوِي المُسافرا
مضى راشداً يهديه من نور فيصلٍ / ونور أبيهِ ما يُضئُ الدَّياجرا
كريمٌ سما يلقى كريماً وكابرٌ / مَشَى في ركابِ الحقِّ يتبعُ كابرا
مَصارعُ ما تنفكُّ من آلِ هاشمٍ / تُذكِّرُنا أيّامَهم والمآثرا
همُ ابتعثوا مجدَ العُروبةِ هامداً / وهُمْ جَدَدَّوهُ دارسَ الرسمِ دائرا
يُريدونها للشّرقِ ذُخراً وعصمةً / إذا خاف يوماً من أذى الدهرِ ضائرا
رموا ما رموا في حقِّها ينصرونَها / ولولا الأنوفُ الشُمُّ لم نُلفِ ناصرا
بقيّةُ جُنْدٍ من سَنَى الوحيِ ما مشى / إلى جحفلٍ إلا انثنى عنه ظافرا
لَئِنْ كان بعضٌ للأعاريبِ لائماً / فإنّ لهم من بعض نفسِي لَعاذِرا
كرهتُ لهم أن يُورِدوا النّصرَ خَصْمَهم / وأن يَزَعُوا عنه الحليف المُناصِرا
وأمطرتُهم عَتْباً فلمّا توجّعوا / توجّعتُ أَستدعِي الدُّموعَ مَواطِرا
هُمُ القومُ أعفاني من الذمِّ أنّني / حَفِظتُ لهم أرحامَهم والأواصرا
حكمتُ أقيمُ الحقَّ بيني وبينهم / فما وجدوني ظالمَ الحُكمِ جائرا
سلامٌ على البانينَ من كلّ أُمّةٍ / يُقيمونه مجداً على الدّهرِ عامرا
هو الدَهرُ لا يخشَى الضَّعيفَ إذا رمَى / ولا يتّقِي إلا الجريءَ المُغامرا
يهابُ فَتى الجُلَّى إذا جَدَّ جِدُّه / ويرضَى سجاياه وإن كان فاجرا
إليكم عرانينَ العروبةِ نبأةً / تُذكِّرُكم عهداً من المجد غابرا
خُذوها عن القوم النِّيامِ لعلّني / أَهُزُّ بها مَن بات في الحيِّ سامرا
أُناشِدُكم لا تَجْعَلوني كصائحٍ / يُنادِي صَدىً في مُلتَقى الرّيحِ حائرا
أَينسِيكمُ الدَّهرُ المَليمُ أُبُوَّةً / غطاريفَ صِيداً يبتنون المفاخرا
رموا أممَ الغبراءِ شتّى فزلزلوا / ممالِكها العُليا وهدّوا القياصرا
وكانوا إذا ساموا المُتوَّجَ خُطّةً / أتاها وأغضَى يَنزعُ التّاجَ صاغرا
بَنِي يعرُبٍ مُدوّا السّواعدَ إنّني / عَيِيتُ بأقوامٍ تَمدُّ الحناجرا
إذا رفع القومُ البناءَ لغايةٍ / من السُّورةِ العليا رفعنا العقائرا
أعيدوا بني العبّاسِ غضّاً زَمانُهم / ورُدّوه عصراً من أُميّةَ زاهرا
وكونوا لابناءِ العمومةِ إخوةً / كراماً يَغيظون العدوَّ المُكابرا
ولا تُنكِروها يا بني العمِّ غَمرةً / مُجلّلةً تغشى النُّهى والبصائرا
أجئتم تَعدُّون الجرائرَ جَمّةً / وليس بِحُرِّ من يَعُدُّ الجرائرا
مواردُ أمرٍ إن كَرِهتُم ذميمَها / فعمّا قليلٍ تَحْمَدُون المصادرا
بني يَعرُبٍ رُدُّوا على الشرق عزَّه / ولا تدعوه واهنَ العزمِ خائرا
هو اللّيْثُ خانتْه المخالبُ فاجْعلوا / من العلمِ أنياباً له وأظافرا
أرَى عصرَكم يُزجِي الأعاجيبَ فانْهضوا / سِراعَ الخُطَى إنّا نخاف الدوائرا
صِلُوا بشياطينِ العُبابِ حِبالَكم / وزُوروا على السُّحب النُّسورَ الكواسرا
رِدوها حياةً للممالكِ غضّةً / وخَلُّوا لِهُلّاكِ الشُّعوب المقابرا
دعوهم بآفاقِ البلادِ أَذِلَّةً / حَيارَى يَلُومون الجُدودَ العواثرا
ذَخائِركُم يا قومُ شتّى حِسانُها / فَثُوبوا إلى الحُسنى وصُونوا الذّخائرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025