القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 6
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ / وَصَلْتَهُما بالبِرِّ شَهْراً إِلَى شَهْرِ
فناطِقُ صِدْقٍ عَنْكَ بالصِّدْقِ والنُّهى / وشاهِدُ عَدْلٍ فيكَ بالعَدل والبِرِّ
فهذا بِما استَقْبَلْتَ من صائِبِ النَّدى / وهذا بما زَوَّدْتَ من وافِرِ الذُّخْرِ
فكَمْ شافِعٍ فِي ظِلِّكَ الصَّوْمَ بالتُّقى / وكَمْ واصِلٍ فِي أَمْنِكَ اللَّيْلَ بالذِّكْرِ
وكم ساجِدٍ لله مِنَّا ورَاكِعٍ / يَبيتُ عَلَى شَفْعٍ ويَغْدُو عَلَى وَتْرِ
ووَجْهُكَ للهَيْجَاءِ من دُونِ وَجْهِهِ / وتَسْرِي إِلَى الأَعْداءِ عنه ولا يَسْرِي
وظِلُّكَ ممدودٌ عَلَيْهِ وتَصْطَلِي / بِجَاحِمِ نارِ الحربِ أَوْ جَامِدِ القُرِّ
خَلَعْتَ عَلَيْهِ ثَوْبَ صَوْنٍ ونِعْمَةٍ / وظاهَرْتَ عَنْهُ بَيْنَ صِنٍّ وصِنَّبْرِ
وكمْ قاطِعٍ بالنَّوْمِ لَيْلاً وَصَلْتَهُ / بِغَزْوِكَ مَا بَيْنَ الأَصِيلِ إِلَى الفَجْرِ
وأَقْدَمْتَ فِيهِ الخَيْلَ حَتَّى رَدَدْتَها / وآثارُها ثَغْرٌ لقاصِيَةِ الثَّغْرِ
كَأَنَّ دُجى لَيْلٍ يَمُرُّ عَلَى الضُّحى / إِذَا سِرْنَ أَوْ بَحْراً يمورُ عَلَى البَرِّ
فَأَنْتَ جَزَاءُ صَوْمِنا وَصَلاتِنا / وَفِيكَ رَأَيْنا مَا ابْتَغَيْنَا مِنَ الأَجْرِ
ومِنْكَ اسْتَمَدَّ الفِطْرُ مَطْعَمَ فِطْرِنا / وفيكَ أَرَتْنَا قَدْرَها لَيْلَةُ القَدْرِ
وباسْمِكَ عَزَّتْ فِي الخِطابِ مَنابِرٌ / بأَسْعَدِ عِيدٍ عادَ بالسَّعْدِ أَوْ فِطْرِ
ولاحَ لَنَا فِيهِ هِلالٌ كَأَنَّهُ / بَشِيرٌ بِفَتْحٍ مِنْكَ أَشْرَقَ بِالبِشْرِ
أَهَلَّ فأَهْلَلْنا إِلَيْهِ تَمَثُّلاً / بِرُحْبِكَ جُنْحَ اللَّيْلِ بالضَّيْفِ تَسْتَقْرِي
وأَسْفَرَ عَنْ زُهْرِ النُّجُومِ كَأَنَّما / جَبينُكَ أَبْدى عن خَلائِقِكَ الزُّهْرِ
عَلا وتَدَانى للعُيُونِ كَمَا عَلا / مَحَلُّكَ واسْتَدْنَيْتَ بُعْدَاً عَنِ الكِبْرِ
وذَكَّرَنا عَطْفاً بِعَطْفِكَ حانياً / عَلَى الدِّينِ والإِسلامِ فِي البَدْوِ والحَضْرِ
هلالُ مَساءٍ باتَ يَضْمَنُ لِلضُّحى / غَدَاةَ المُصَلَّى مطلعَ الشَّمْسِ والبَدْرِ
ومِلْءَ عُيُونِ النَاظِرِينَ كتَائِباً / كَتَبْتَ بِهَا الآفاقَ سَطْراً إِلَى سَطْرِ
مُخَطَّطَةً بالخَيْلِ والأُسْدِ والحُلى / ومُعْجَمَةً بالبَيْضِ والبِيضِ والسُّمْرِ
وصادِقَةَ الإِقْدَامِ تَهْتَزُّ لِلْوَغى / وخافِقَةَ الأَعْلامِ تَعْتَزُّ بِالنَّصْرِ
فَصَلَّيْتَ وَهْيَ النُّورُ فِي مَشْرِقِ العُلا / وأَصْلَيْتَ وَهْيَ النَّارُ فِي مَغْرِبِ الكُفْرِ
ولما اسْتَهَلَّتْ بالسَّلامِ صَلاتُهُمْ / أَهَلَّتْ إِلَى تَسْلِيمِهِمْ سُدَّةُ القصْرِ
فَكَرُّوا يُعِيدُونَ السَّلامَ عَلَى الَّذِي / يُعَاوِدُ عَنْهُمْ فِي العِدى صادِقَ الكَرِّ
يُحَيُّونَ بالإِعْظَامِ مَوْلَىً حَنانُهُ / أَخَصُّ بِهِمْ مِنْ رَأْفَةِ الوالِدِ البَرِّ
ووافَوْا سريرَ المُلْكِ يَسْتَلِمُونَهُ / كمُسْتَلَمِ الحُجَّاجِ للرُّكْنِ والحِجْرِ
مَشاهِدُ غارَتْ فِي البِلادِ وأَنْجَدَتْ / مُحَقَّقَةَ الأَنْباءِ طَيِّبَةَ النَّشْرِ
أَنارَتْ فَما بِالخُلْدِ عَنْهُنَّ مِنْ عَمىً / ولا بِزَبابِ الرَّمْلِ عَنْهُنَّ مِنْ وَقْرِ
فكيفَ بأَبْصارٍ أَضَاءَتْ لَهَا المُنى / إِلَيْكَ وأَسماعٍ صَغَتْ فِيكَ لِلْجَبْرِ
ولا مِثْلَ مَجْلُوِّ النَّواظِرِ بالْعِدى / بَياتاً ومَفْتُوقِ المَسَامِعِ بالذُّعْرِ
تَوَقَّى فأَبْلى عُذْرَ نَاجٍ مُخاطِرٍ / فَرَدَّ المنايا عنهُ مُبْلِيَةَ العُذْرِ
وآنَسَ يَا مَنْصُورُ عِنْدَكَ نَفْسَهُ / فَجَلَّى لَهَا تَحْتَ الدُّجى ناظِرَيْ صَقْرِ
فأَهْوى إِلَى مَثْوَاكَ أَمضى مِنَ الهوى / وأَسْرى إِلَى مَأْوَاكَ أخفى مِنَ السِّرِّ
فَكمْ جُزْتُ من سَيْفٍ لِقَتْلِيَ مُنْتَضىً / وجاوزتُ من لَيْثٍ لِضَغْمِيَ مُفْتَرِّ
فيا خِزْيَ ذا مِنْ سَبْقِ خَطْوٍ مُخاطِرٍ / ويا لَهْفَ ذا مِنْ فَوْتِ غِرَّةِ مُغْتَرِّ
كَأَنَّ خُفُوقَ القَلْبِ مَدَّ جوانِحي / بأَجْنِحَةٍ رِيشَتْ منَ الرَّوْعِ والذُّعْرِ
وتَحْتَ جَناحَيْ مَقْدِمِي وتَعَطُّفِي / ثمانٍ وَعَالَتْ بالْبَنينَ إِلَى الشَّطْرِ
أَخَذْتُ لَهُمْ إِصْرَ الحياةِ فأُجِّلُوا / وَقَدْ أًخَذَ الإِشْفَاقُ مِنِّي لَهُمْ إِصْرِي
فَحَمَّلْتُهُمْ وِزْراً ولَوْ خَفَّ مِنْهُمُ / جَناحِي لكانَ الطَّوْدُ أَيْسَرَ مِنْ وِزْرِي
فلِلَّهِ من أَعْدَادِ أَنْجُمِ يُوسُفٍ / تَحَمَّلَها مِنْها أَقلُّ مِنَ الْعُشْرِ
إِلَى كُلِّ مَأْوىً لِلْجَلاءِ هَوى بِنا / إِلَى حَيْثُ لا مَهْوَى عُقابٍ ولا نَسْرِ
رحَلْتُ لَهُ عُوجاً كَأَنَّ هُوِيَّها / بِنا فِيهِ أَفْلاكٌ بأَنْجُمِها تَجْرِي
طَوَيْنَ بِنا بُعْدَ السِّفَارِ كَأَنَّها / ليالٍ وأَيَّامٍ طَوَيْنَ مَدى العُمْرِ
ورُبَّتَما اسْتَوْدَعْنَنا بَطْنَ حُرَّةٍ / هَوَائِيَّةِ الأَحْشاءِ مائِيَّةِ الظَّهْرِ
رَحِيبَةِ مَأْوى الضَّيْفِ مانِعَةَ الْقِرى / وغَيْرُ ذَمِيمٍ أَنْ تُضِيفَ ولا تَقْرِي
فكَمْ ليَ بَيْنَ اللَّوْحِ واللَّوْحِ طائِراً / وأَوْكارُهُمْ فِي طائِرٍ غَيْرِ ذِي وَكْرِ
وكمْ أَسْلَمُوا لِلْعَسْفِ والخَسْفِ مِنْ حِمىً / وكمْ تَرَكُوا للغَصْبِ والنَّهْبِ من وَفْرِ
وكم وَجَّهُوا وَجْهاً لبارِقَةِ الظُّبى / وكم وَطَّنُوا نَحْراً لِنافِذَةِ النَّحْرِ
وكمْ أَقدَمُوا بَيْنَ المَنايا كَمَا هَوَتْ / فَرَائِسُ أُسْدِ الْغابِ لِلنَّابِ والظُّفْرِ
وكم بَدَّلُوا مِنْ وَجْهِ راعٍ وحافِظٍ / وُجُوهَ المنايا السُّودِ والحَدَقِ الحُمْرِ
ومِنْ رَفْرَفِ الأَسْتارِ دُونَ حِجَالِها / تَرَقْرُقَ لَمْعِ الآلِ فِي المَهْمَهِ القَفْرِ
ومن ساجِعِ الأَطْيارِ فَوْقَ غُصُونِها / مُراسَلَةَ الأَلْحَانِ فِي نَغَمِ الوَتْرِ
تُنادي عَزِيفَ الجِنِّ فِي ظُلَمِ الدُّجى / وهَوْلِ الْتِطَامِ المَوْجِ فِي لُجَجِ البَحْرِ
وكم زَفْرَةٍ نَمَّتْ عَلَيْهِمْ بِحَسْرَةٍ / أَنَارَتْ بِنارِ السِّرِّ فِي عَلَمِ الجَهْرِ
ونادَتْ عُيُونَ الشَّامِتينَ إِلَى القِرى / بأَفْلاذِ أَكْبادٍ كصَالِيَةِ الجُزْرِ
ومَاذَا جَلا وَجْهُ الجَلاءِ مَحاسِناً / تَهابُ العُيُونُ مَا نَثَرْنَ من الدُّرِّ
وماذا تَلظَّى الحَرُّ فِي حُرِّ أَوْجُهٍ / تَنَسَّمُ فِيهِ بَرْدَ ظِلٍّ عَلَى نَهْرِ
وماذَا أَجَنَّ اللَّيْلُ فِي مُوحِشِ الفَلا / أَوانِسَ بالأَتْرَابِ فِي يانِعِ الزَّهْرِ
وماذا تَرَامى المَوْجُ فِي غَوْلِ لُجَّةٍ / بِلاهِيَةٍ بَيْنَ الأَرَائِكِ والخِدْرِ
فإِنْ نَبَتِ الأَوْطَانِ مِنْ بَعْدُ عَنهُمُ / فلا مَحْجَرِي حَجْرٌ عَلَيْهِمْ ولا حِجْرِي
وإِنْ ضاقَ رَحْبُ الأَرْضِ عَنْ مُنْتَوَاهُمُ / فَرَحْبٌ لَهُمْ مَا بَيْنَ سَحْرِي إِلَى نَحْرِي
وإِنْ تَقْسُ أَكْبادٌ كِرَامٌ عَلَيْهِمُ / فواكَبِدِي مِمَّنْ تَذُوبُ لَهُ صَخْرِي
وإِنْ تَبْرَمِ الأَيْسَارُ فِي أَزَمَاتِهِمْ / فأَحْبِبْ بِأَيْسارٍ قَمَرْتُ لَهُمْ يُسْرِي
فَفازُوا بِنَفْسي غَيْرَ جُزْءٍ ذَخَرْتُهُ / لِما شَفَّ مِنْ خَطْبٍ وَمَا مَسَّ مِنْ ضُرِّ
فَعَفْوٌ لَهُمْ جَهْدِي وحُلْوٌ لَهُمْ مُرِّي / وصَفْوٌ لَهُمْ طِرْفي ويُسْرٌ لَهُمْ عُسْرِي
وإِنْ أَضْرَمُوا قَلْبِي فَجَمْرِي لَهُمْ نَدٍ / وإِنْ غَيَّضُوا شِرْبِي فَرَوْضِي لَهُمْ مُثْرِ
وَدَائِعُ نَفْسِي عِنْدَ نفسي حَفِظْتُها / بِما ضاعَ مِنْ حَقِّي وَمَا هانَ مِنْ قَدْرِي
قَليلٌ غِناهُم عَنْ يَدِي وَغَناؤُهُمْ / سِوى أَنَّهُمْ مِنْ ضَيْمِ كَسْبي لَهُمْ عُذْري
وأَنِّي لَهُمْ فِي ماءِ وَجْهِي تاجِرٌ / أُغَنِّمُهُمْ غُنْمِي وأُرْبِحُهُمْ خسُرِي
وأُسْلِمُ فِي وَخْزِ السَّفى ثَمَرَ المُنى / وأَبْذُلُ فِي قَذْفِ الحصى جَوْهَرَ الشُّكْرِ
وإِنْ نَفَقَتْ عِنْدي بِضَاعَةُ قانِعٍ / تَقَنَّعْتُ مِنْها فِي خَزَايَةِ مُعْتَرِّ
رَجاءً لِضُمْرٍ طالما قَدْ عَهِدْتُهُ / يُريني أَناةَ السَّهلِ فِي المَسْلَكِ الوَعْرِ
وخزياً لِوجهٍ هانَ فِي صَوْنِ أَوْجُهٍ / كريمٍ بهم رِبْحِي لَئيمٍ بهم تَجْرِي
بعدَّة أبراجِ السَّماءِ وَمَا سرى / مداها إِلَى صُبْحٍ يُضيءُ ولا فَجْرِ
وكيفَ وَمَا فِيهَا معرَّجُ مَنْزِلٍ / لِشَمْسٍ تُجلِّي ليلَ همٍّ ولا بَدْرِ
ولكن قُلُوبٌ قُسِّمَتْ وجوانِحٌ / منازِلَ مقدوراً لَهَا نُوَبُ الدَّهْرِ
وأَنْجَمِ أَنْواءٍ تَنْوءُ بِهَا النَّوى / وَلَيْسَ لَهَا إِلّا دُمُوعِيَ مِنْ قَطْرِ
ولا مَطْلَعٌ إِلّا مِهادِيَ أَوْ حِجْرِي / ولا مَغْرِبٌ إلّا ضُلُوعِيَ أَوْ صَدْرِي
إِذَا ازْدَحَمُوا فِي ضَنْكِ شِرْبِي تَمَثَّلُوا / بأَسْباطِ مُوسى حولَ منفَجَرِ الصَّخْرِ
ولو بعَصَا موسى أُفَجِّرُ شُرْبَهُمْ / ولكنْ بِذُلِّ الفقرِ فِي عزَّة الوَفْرِ
فما جَهِدُوا فُلْكاً كَما جَهِدُوا يَدِي / ولا أَنْقَضُوا رحلاً كَمَا أنْقَضُوا ظَهْرِي
كَأَنَّ لَهُمْ وِتْراً عَلَيَّ وَمَا انْتحى / لَهُمْ حَادِثٌ إِلّا وَفِي نَفْسِهِ وِتْرِي
ولَوْلاهُمُ لَمْ أُبْدِ صَفْحَةَ مُعْدِمٍ / وَلَمْ أُسْمِعِ الأَعْداءَ دَعْوَةَ مُضْطَرِّ
ولا جُدْتُ لِلدُّنيا بِخَلَّةِ واصِلٍ / ولَوْ بَرَزَتْ لي فِي غَلائِلِها الخُضْرِ
ولا راقني مَا فِي الخُدُودِ من الهوى / ولا شاقني مَا فِي العُيونِ من السِّحْرِ
ولم يلهني قُربُ الحبيب الَّذِي دنا / وَلَمْ يُصبني طيفُ الخيالِ الَّذِي يسري
ونادَيْتُ فِي بِيضِ النُّضارِ وصُفْرِها / لِغَيْرِيَ فابْيَضِّي إِذَا شِئْتِ واصْفَرِّي
وأَعليتُ فِي مُلْكِ القناعة همَّتي / وهديِ الهدى حصني ونهيِ النُّهى قصري
إِذَا غزت اللذّات قلبي هزمتُها / بجيشينِ من حسن التحمُّلِ والصَّبْرِ
وإِنْ غَزَتْ الآمالُ نفسي صرمتُها / بصارِمِ يأْسٍ فِي يمينِ تُقىً حُرِّ
ولكِنْ أَبى مَا فِي الفُؤَادِ مِنَ الأَسى / وأَعْضَلَ مَا بَيْنَ الضُّلُوعِ مِنَ الجَمْرِ
وَمَا لَفَّ عَهْدُ اللهِ فِي ثَوْبِ غُرْبَتِي / مِنَ الآنِساتِ الشُّعْثِ والأَفرُخِ الزُّعْرِ
وَمَا لاح يَا مَنْصُورُ مِنْكَ لزائِرٍ / وأَسْفَرَ من إِشراقِ وَجْهِكَ لِلسَّفْرِ
وَمَا أَرْصَدَتْ يمناكَ للضَّيْفِ من قِرىً / وَمَا بسطَتْ علْيَاكَ للعلمِ من بِرِّ
وتقديرُ رَبِّ الخلْقِ والأَمرِ إِذْ قَضى / بِخَلْقِكَ فاسْتَصْفَاكَ للخَلْقِ والأَمْرِ
فَمَكَّنَ سيفَ النَّصْرِ فِي عاتِقِ العُلا / وأَثْبَتَ تاجَ المُلْكِ فِي مَفْرِقِ الفَخْرِ
وكَرَّمَ نفسَ الحِلْمِ عن وَغَرِ القِلى / وَطَهَّرَ جِسْمَ المجدِ من دَنَسِ الغَدْرِ
وحَلّاكَ فِي هَذَا الأَنامِ شمائِلاً / أَدالَ بِهِنَّ اليُسْرَ من دولَةَ العُسْرِ
وسمَّاكَ فِي الأَعداءِ مُنْذِرَ بأْسِهِ / بما اشْتَقَّ فينا من وفائِكَ بالنَّذْرِ
فلَمَّا توافى فيك إبداعُ صُنْعِهِ / وقَدَّرَ أَنْ يُعْلِيكَ قَدْراً إِلَى قَدْرِ
رآكَ جديراً أن يباهِيَ خَلْقَهُ / ويُحْيِي بكَ الأَملاكَ فِي غابِرِ الدَّهْرِ
بعَبْدٍ حَبا يُمْنَاكَ مُعْجِزَ رَبِّهِ / وأَصْفاكَ منه طاعَةَ المُخْلِصِ الحُرِّ
فأَنْطَقَ غَرْبَيْ قلبِهِ ولسانِهِ / بتخليدِ مَا سَيَّرتَ من طَيِّبِ الذِّكْرِ
لَيُبلِكَ عُمْراً بالغاً بك غَايَةً / وعُمْرَ ثَناءٍ بَعْدَ مُنْصَرَمِ العُمْرِ
ويكتُبَ لي فِي آلِ يَحْيَى وسائِلاً / تتيهُ عَلَى القُرْبى وتُزْهى عَلَى الصِّهْرِ
وَلاءٌ لمن أَعْتَقْتَ من مُوبِقِ الرَّدى / ورِقٌّ لمن أَطلقْتَ من مُوثِقِ الأَسْرِ
وما رُدَّ مِنْ حَمْدِي إِلَيْكَ ومن شكري / ورُدِّدَ من نظمِي عَلَيْكَ ومن نَثْرِي
وإِنَّكَ مَا تنفكُّ مِنِّيَ مُعْرِساً / بعذراءَ من نفسِي وغَرَّاءَ من فِكْرِي
تُهِلُّ إليها كُلُّ عذراءَ غادَةٍ / وتَخْجَلُ منها كُلُّ فَتَّانَةٍ بِكْرِ
وتشرِقُ من مَبْدَا سُهَيْلٍ إِلَى السُّهى / وتَعْبَقُ من مجرى البُطَيْنِ إِلَى الغُفْرِ
تَلأْلُؤَ مَا أَسْدَتْ أَياديكَ فِي يَدِي / وتحبيرَ مَا أَعْلَتْ مساعِيكَ من حِبْرِي
وفخرُكَ محمولٌ بحمديَ فِي الورى / وذِكرُكَ موصولٌ بذكرِي إِلَى الحَشْرِ
سَماءُ العُلا منكُمْ وأنتَ لَهَا بَدْرُ
سَماءُ العُلا منكُمْ وأنتَ لَهَا بَدْرُ / وأَخلاقُكَ الحسنى كواكِبُها الزُّهْرُ
وَقَدْ تَمَّ فِي هَذَا الورى بكَ أَنْعُمٌ / يُقَصِّرُ عن أَدنى عوارِفِها الشُّكْرُ
فَمِنْها النُّهى والحِلْمُ والدينُ والتقى / وبذلُ اللُّهى والجودُ والبأْسُ والبِرُّ
وَزَحْفٌ إِلَى الأَعداءِ أَغراضُهُ العِدى / وسيفٌ عن الإِسلامِ إِقدامُهُ النَّصْرُ
وبذلُكَ دونَ الثغرِ نفساً عزيزةً / حَمَتْ عنه حَتَّى عادَ وَهْيَ لَهُ ثغرُ
وفِي سِرِّ علمِ اللهِ لِي فيكَ أَنَّني / ودادُكَ لي سِرٌّ وحمدُكَ لي جَهْرُ
وذِكْرُكَ لي عزٌّ وعزُّكَ لي غنىً / وبِرُّكَ لي عَهدٌ وعهدُكَ لي ذُخْرُ
وإِنَّكَ أَقصى مَا بَلَغْتُ من المنى / وإِنَّكَ أَسنى مَا أَفادَنِيَ الدهرُ
وإِنِّي وإِنْ قصَّرْتُ فيكَ مدائِحِي / فلا قِصَرٌ بالسلكِ إِن عَظُمَ الدُّرُّ
وما قصَّرَتْ بي هِمَّةٌ عنكَ حُرَّةٌ / ولا أَمَلٌ حُرٌّ ولا منطِقٌ حُرُّ
فإِنْ تقبلِ العذرَ المُقَصِّرَ طولَها / فشُغلي بشكرِ اللهِ فِيكَ هو العذرُ
فلا قَصَّرَ الرحمنُ عنكَ سيادَةً / تَمَلّأَها عُمْراً يُمَدُّ بِهِ عُمْرُ
دَعِي عَزَماتِ المستضامِ تسيرُ
دَعِي عَزَماتِ المستضامِ تسيرُ / فَتُنْجِدُ فِي عُرْضِ الفَلا وتَغُورُ
لعلَّ بما أَشجاكِ من لوعةِ النَّوى / يُعَزُّ ذليلٌ أَوْ يُفَكُّ أَسيرُ
أَلَمْ تعلَمِي أَن الثَّواءَ هو التَّوى / وأَنَّ بيوتَ العاجِزينَ قُبورُ
ولم تزجُرِي طَيْرَ السُّرى بِحروفِها / فَتُنْبِئْكِ إِنْ يَمَّنَّ فَهْيَ سُرورُ
تُخَوِّفُنِي طولَ السِّفارِ وإِنَّهُ / لتقبيلِ كفِّ العامِريّ سَفِيرُ
دَعِيني أَرِدْ ماءَ المفاوِزِ آجِناً / إِلَى حَيْثُ ماءُ المكرُمَاتِ نميرُ
وأَخْتَلِسِ الأَيَّامَ خُلْسَةَ فاتِكٍ / إِلَى حَيْثُ لي مِنْ غَدْرِهِنَّ خَفِيرُ
فإِنَّ خطيراتِ المهالِكِ ضُمَّنٌ / لراكِبِها أَنَّ الجزاءَ خطيرُ
ولَمَّا تدانَتْ للوداعِ وَقَدْ هَفا / بصَبْرِيَ منها أَنَّةٌ وزَفيرُ
تناشِدُني عَهْدَ المَوَدَّةِ والهَوى / وَفِي المَهْدِ مبغومُ النِّداءِ صَغيرُ
عِيِيٌّ بمرجوعِ الخطابِ ولَفْظُهُ / بمَوْقِعِ أَهواءِ النفوسِ خَبيرُ
تبوَّأَ ممنوعَ القلوبِ ومُهِّدَتْ / لَهُ أَذرُعٌ محفوفَةٌ ونُحُورُ
فكلُّ مُفَدَّاةِ الترائِبِ مُرْضِعٌ / وكلُّ مُحَيَّاةِ المحاسِنِ ظِيرُ
عَصَيْتُ شفيعَ النفس فِيهِ وقادَنِي / رَوَاحٌ لِتَدْآبَ السُّرى وبُكُورُ
وطارَ جَناحُ الشَّوْقِ بِي وَهَفَتْ بِهَا / جوانِحُ من ذُعْرِ الفِراقِ تطيرُ
لئِنْ وَدَّعَتْ مني غَيوراً فإِنَّنِي / عَلَى عَزْمَتِي من شَجْوِها لَغَيُورُ
ولو شاهَدَتْنِي والصَّواخِدُ تَلْتَظِي / عَلَيَّ ورقراقُ السراب يَمُورُ
أُسَلِّطُ حَرَّ الهاجِراتِ إذَا سَطَا / عَلَى حُرِّ وَجْهِي والأَصيلُ هَجِيرُ
وأَسْتَنْشِقُ النَّكْباءَ وَهْيَ بَوارِحٌ / وأَسْتَوْطِئُ الرَّمْضاءَ وَهْيَ تَفُورُ
ولِلْمَوْتِ فِي عيشِ الجبانِ تلوُّنٌ / وللذُّعْرِ فِي سَمْعِ الجريءِ صَفيرُ
لَبانَ لَهَا أَنِّي مِنَ الضَّيْمِ جازِعٌ / وأَنِّي عَلَى مَضِّ الخُطُوبِ صَبُورُ
أَمِيرٌ عَلَى غَوْلِ التَّنائِفِ مَا لَهُ / إذَا رِيعَ إلّا المَشْرِفيَّ وَزِيرُ
ولو بَصُرَتْ بِي والسُّرى جُلُّ عَزْمَتي / وجَرْسِي لِجِنَّانِ الفَلاةِ سَمِيرُ
وأَعْتَسِفُ المَوْمَاةَ فِي غَسْقِ الدُّجى / وللأُسْدِ فِي غِيلِ الغِياضِ زَئِيرُ
وَقَدْ حَوَّمَتْ زُهْرُ النُّجومِ كَأَنَّها / كواعِبُ فِي خُضْرِ الحَدائِقِ حُورُ
ودارَتْ نجومُ القُطْبِ حَتَّى كَأَنَّها / كُؤوسُ مَهاً والى بِهِنَّ مُدِيرُ
وَقَدْ خَيَّلَتْ طُرْقُ المَجَرَّةِ أَنَّها / عَلَى مَفْرِقِ الليلِ البهيمِ قَتِيرُ
وثاقِبَ عَزْمِي والظَّلامُ مُرَوِّعٌ / وَقَدْ غَضَّ أَجفانَ النجومِ فُتُورُ
لَقَدْ أَيْقَنَتْ أَنَّ المنى طَوْعُ هِمَّتِي / وأَنِّي بعطفِ العامِريِّ جديرُ
وأَنِّي بذكراهُ لِهَمِّيَ زاجِرٌ / وأَنِّيَ منهُ للخطوبِ نذِيرُ
وأَيُّ فتىً للدينِ والملكِ والنَّدى / وتَصْدِيقُ ظَنِّ الراغِبِينَ نَزُورُ
مُجِيرُ الهُدى والدينِ من كُلِّ مُلْحِدٍ / وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلضَّلالِ مُجِيرُ
تلاقَتْ عَلَيْهِ من تَميمٍ ويَعْرُبٍ / شُموسٌ تَلالا فِي العُلا وبُدُورُ
منَ الحِمْيَرَيِّينَ الَّذِينَ أَكُفُّهُمْ / سحائِبُ تَهْمِي بالنَّدى وبُحُورُ
ذَوُو دُوَلِ المُلْكِ الَّذِي سَلَفَتْ بِهَا / لَهُمْ أَعصُرٌ مَوْصُولَةٌ ودُهُورُ
لَهُمْ بَذَلَ الدهرُ الأَبيُّ قِيادَهُ / وهُمْ سَكَّنُوا الأَيَّامَ وَهْيَ نَفُورُ
وهُمْ ضَرَبُوا الآفاقَ شرقاً ومغرِباً / بِجَمْعٍ يَسيرُ النَّصْرُ حَيْثُ يَسيرُ
وهُمْ يَستَقِلُّونَ الحياةَ لِرَاغِبٍ / ويَسْتَصْغِرُونَ الخطْبَ وَهْوَ كبيرُ
وهُمْ نَصَرُوا حِزْبَ النُّبُوَّةِ والهُدى / وَلَيْسَ لَهَا فِي العالَمِينَ نَصِيرُ
وهُمْ صَدَّقُوا بالوَحْيِ لَمّا أَتاهُمُ / وَمَا النَّاسُ إِلّا عائِدٌ وكَفُورُ
مناقِبُ يَعْيا الوَصْفُ عَنْ كُنْهِ قَدْرِها / ويَرْجِعُ عَنْها الوَهْمُ وَهْوَ حَسِيرُ
ألا كُلُّ مَدْحٍ عَنْ مَدَاكَ مُقَصِّرٌ / وكلُّ رجاءٍ فِي سِواكَ غُرُورُ
تَمَلَّيْتَ هَذَا العيدَ عِدَّةَ أَعْصُرٍ / تُوَالِيكَ منها أَنعُمٌ وحُبُورُ
ولا فَقَدَتْ أَيَّامَكَ الغُرَّ أَنفُسٌ / حياتُكَ أَعيادٌ لهم وسُرورُ
ولما تَوافَوْا للسَّلامِ ورُفِّعَتْ / عن الشمسِ فِي أُفْقِ الشُّروقِ سُتورُ
وَقَدْ قامَ من زُرقِ الأَسِنَّةِ دُونَها / صفوفٌ ومن بِيضِ السُّيوفِ سُطُورُ
رأَوْا طاعَةَ الرَّحمنِ كَيْفَ اعتِزازُها / وآياتِ صُنْعِ اللهِ كَيْفَ تُنيرُ
وكَيْفَ اسْتَوى بالبَحْرِ والبَدْرِ مَجْلِسٌ / وقامَ بِعِبْءِ الرَّاسِياتِ سَريرُ
فَسارُوا عِجالاً والقُلوبُ خَوَافِقٌ / وأُدْنُوا بِطاءً والنَّوَاظِرُ صُورُ
يَقُولونَ والإِجلالُ يُخْرِسُ أَلسُناً / وحازَتْ عُيُونٌ مِلأَها وصُدُورُ
لقَدْ حاطَ أَعلامَ الهُدى بِكَ حائِطٌ / وقَدَّرَ فيكَ المَكْرماتِ قَدِيرُ
مُقِيمٌ عَلَى بَذْلِ الرَّغائِبِ واللُّهى / وفِكْرُكَ فِي أَقْصى البِلادِ يَسيرُ
وأَيْنَ انْتَوى فَلُّ الضَّلالَةِ فَانْتَهى / وأَيْنَ جُيُوشُ المسلِمينَ تُغِيرُ
وحَسْبُكَ من خَفْضِ النَّعِيمِ مُعَيِّداً / جِهازٌ إِلَى أَرضِ العِدى ونَفِيرُ
فَقُدْها إِلَى الأَعداءِ شُعْثاً كَأَنَّها / أَرَاقِمُ فِي شُمِّ الرُّبى وصُقُورُ
فَعَزْمُكَ بالنَّصْرِ العَزِيزِ مُخَبِّرٌ / وسَعْدُكَ بالفَتْحِ المُبِينِ بَشِيرُ
ونادَاكَ يَا ابْنَ المُنْعِمِينَ ابْنُ عَشرَةٍ / وعَبدٌ لِنُعْماكَ الجِسامِ شَكُورُ
غَنِيٌّ بِجَدْوى واحَتَيْكَ وإِنَّهُ / إِلَى سَبَبٍ يُدْني رِضاكَ فَقِيرُ
ومِنْ دُونِ سِتْرَيْ عِفَّتِي وتَجَمُّلِي / لَرَيْبٌ وصَرْفٌ للزَّمانِ يَجُورُ
وضاءَلَ قَدْرِي فِي ذَرَاكَ عوائِقٌ / جَرَتْ ليَ بَرْحاً والقضاءُ عَسِيرُ
وَمَا شَكَرَ النَّخْعِيُّ شُكْرِي ولا وَفى / وفائيَ إِذْ عَزَّ الوَفاءُ قَصِيرُ
فَقُدْنِي لِكَشْفِ الخَطْبِ والخَطْبُ مُعضِلٌ / وكِلْنِي لِلَيْثِ الغابِ وَهْوَ هَصُورُ
فَقَدْ تَخْفِضُ الأَسماءُ وَهْيَ سَوَاكِنٌ / ويَعْمَلُ فِي الفِعْلِ الصَّحيحِ ضَمِيرُ
وتَنْبُو الرُّدَيْنيَّاتُ والطُّولُ وافِرٌ / ويَنْفُذُ وَقْعُ السَّهْمِ وَهْوَ قَصِيرُ
حنانَيْكَ فِي غُفْرانِ زَلَّةِ تائِبٍ / وإِنَّ الَّذِي يَجْزِي بِهِ لغَفورُ
نداكَ حبيبٌ لا يشِطُّ مزارُهُ
نداكَ حبيبٌ لا يشِطُّ مزارُهُ / وإنْ غَنِيَت بينَ الكواكب دارُهُ
وأكرِمْ بِهِ ألفاً دعا الحمدَ راغِباً / فلَبَّاهُ مخلوعاً إليه عِذارُهُ
أبانَ سبيلَ النُّجْحِ ساطِعُ نورِهِ / ولاحَتْ لعلياء النواظر نارُهُ
فصُبْحُ الَّذِي يغدو إليكَ بَشِيرُهُ / ولَيْلُ الَّذِي يسري إليك نهارُهُ
وأيُّ رجاءٍ حادَ منكَ طريقُهُ / وأيُّ ثناءٍ قَرَّ عنك قرارُهُ
ولا أمَلٌ إلّا إليك مآلُهُ / ولا سُودَدٌ إلّا عَلَيْكَ مدارُهُ
ولو أنَّ قلباً شاقه المجدُ والعُلا / فطارَ إليها مَا عَداك مطارُهُ
ولو نَثَرَ البحرُ المُسَخَّرُ دُرَّهُ / لما كانَ إِلّا فِي ذَراك انتثارُهُ
لو كانَ من زُهْرِ الكواكبِ زائرٌ / إلى مَلِكٍ مَا حادَ عنكَ مَزَارُهُ
لَأَمَّكَ مشدوداً إليكَ زِمامُهُ / ووافاكَ مرفوعاً إليكَ عَمارُهُ
ولو كانَ للدهرِ المؤَبَّدِ مَفْخَرٌ / لكانَ بما أبْدَعْتَ فِيهِ افتخارُهُ
ولم يعْدَمِ الشادِي بذكرِكَ زَهْرَةً / يطولُ بِهَا إعجابُهُ وازْدِهارُهُ
لَبْوسُ ثناءٍ من مساعيكَ بِينُهُ / ومن غُرَرِ الأشعارِ فيكَ شِعارُهُ
تُهِلُّ بِهِ الدنيا إلى المَلِكِ الَّذي / زَكَا وتعالى جِذْمُهُ ونِجارُهُ
مَليِكٌ تَرَدَّى من تُجيبَ سَكِينَةً / وحِلْماً يَفِي بالرّاسياتِ وَقارُهُ
ودَوْحٌ تعالَتْ فِي السَّماءِ فُروعُهُ / ولَكِنْ دَنَتْ للمُجتَنِينَ ثِمارُهُ
بمَطْعَمِ سَلْمٍ لا يُمَلُّ مَساغُهُ / ومَطْعَمِ حَرب لا يُساغُ مرَارُهُ
إذا نَشَأتْ بالبارِقاتِ سَحابُهُ / وجاشَتْ بجيشِ الدَّارِعينَ بِحارُهُ
وقد أضرَمَ الآفاقَ من حرِّ بأسِهِ / لَظى لَهَبٍ زُرْقُ الوَشيجِ شَرارُهُ
وغَرَّةُ شمسِ المجدِ تسمو كأنّما / تراءى لَهْ فِي غُرَّةِ الشمس نارُهُ
وكَمْ وَصَلَتْهُ بالكواكِبِ هِمَّةٌ / تُجَلّي إلى الآفاقِ أينَ مَغارُهُ
وليثُ ليوثٍ يُصْعِقُ الأرضَ زأرُها / ويَقْدُمُها فِي حَوْمَةِ الموتِ زَارُهُ
وشمسٌ وَفِي كِسْفِ العَجاجِ كُسوفُها / وبَدْرٌ وَفِي خَفْقِ البُنودِ سِرارُهُ
وأكرِمْ بِهِ أنْ يَعْرِفَ النَّكْثَ عَقْدُهُ / أو الخُلْفَ راجِيهِ أو الضَّيْمَ جَارُهُ
ومن طَرَقَتْ خَيْلُ الخطوبِ حَرِيمَهُ / فأوَّلُ دعواهُ إليهِ انْتِصارُهُ
فتىً جَعَلَ الجُرْدَ الجيادَ قِداحَهُ / ففازَ بأقمارِ المعالي قِمارُهُ
ضَمانٌ عليهِ أنْ يَذِلَّ عَدُوُّهُ / وحَقٌّ إليهِ أنْ يعِزَّ جِوارُهُ
وماليَ لا أختارُ قُربَكَ بادِياً / وأنتَ من الدَّهرِ الخيارِ خِيارُهُ
ومَنْ ذا لداعِ لا يُجابُ دُعاؤُهُ / سِواكَ وعانٍ لا يُفَكُّ إسارُهُ
ومهوى غَريقٍ لا يُرَّجى غِياثُهُ / وعاثِرِ جَدٍّ لا يُقالُ عِثارُهُ
ألا عَزَّ من أبَدى إليكَ خُضُوعَهُ / وحازَ غِناهُ من إليكَ افتقارُهُ
هِلالٌ بنورِ السَّعْدِ والحَقِّ مُقْمِرُ
هِلالٌ بنورِ السَّعْدِ والحَقِّ مُقْمِرُ / أَهلَّ عَلَى الإِسلامِ أَللهُ أَكْبَرُ
أَغَرُّ نَما فِي الغُرِّ من آلِ هاشِمٍ / ووافى بِهِ يومٌ أَغَرُّ مُشَهَّرُ
بِهِ زِيدَ فِي آلِ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ / حسامٌ وبَحْرٌ بالنَّدى يَتَفَجَّرُ
فَأَدْرَكَتِ الآمالُ غاياتِ سُؤْلِها / وأُعْطِيَتِ الأَيَّامُ مَا تَتَخَيَّرُ
وقامَ سريرٌ للخلافَةِ ثابِتٌ / وسَرْجٌ ومِحْرابٌ وتاجٌ ومِنْبَرُ
وَمَا النَّاسُ إِلّا آمِلٌ ومُؤَمِّلٌ / وَمَا الدَّهْرُ إِلّا مُبْشِرٌ ومُبَشِّرُ
وأَيَّامُ مَحْيانا حدائِقُ تَزْدَهِي / وأَوْجُهُ دنيانا كواكِبُ تُزْهِرُ
فَدُومُوا لهذا الدِّينِ حِصْناً ومَوْئِلاً / فأَنْتُمْ لَهُ عِزٌّ وذِكْرٌ ومَفْخَرُ
وَفِي سُرَّ مَنْ رَا من مَحَلِّي مَقاصِرُ
وَفِي سُرَّ مَنْ رَا من مَحَلِّي مَقاصِرُ / تُلاعِبُ فِيهِنَّ الظِّباءَ الجآذِرُ
وتُزْهى بِهَا من صِنْوِ دِجْلَةَ لُجَّةٌ / تَحَلَّلَ منها الرَّوْضُ جارٍ وجَائرُ
حَدَائِقُ جَنَّاتٍ نَضائِرُ زانَها / تَقَلُّبُ أَحْداقٍ إِلَيْها نَوَاظِرُ
مشابِهُ حُسنٍ مَا لَهُنَّ مَشابِهٌ / نظائِرُ شَكْلٍ مَا لَهُنَّ نَظائِرُ
ثَلاثٌ كأَطْلاءِ الظِّباءِ رَوَائِعٌ / ولا شَبَهٌ إِلّا الطُّلى والنَّوَاظِرُ
نَماها إِلَى الأَرْءامِ رُومٌ وَجِلَّقٌ / وأَرْضَعَها منهم سُلَيْمٌ وعامِرُ
لِتَأْثُرَ عَنَّا كُلَّما فاهَ خاطِبٌ / وأَغْرَبَ رَجَّازٌ وأَبْدَعَ شاعِرُ
إِذَا أَجْرَتِ الأَقلامُ عَنْهُمْ بِمَنْطِقٍ / أَرَتْكَ بُطُونَ الصُّحْفِ وَهْيَ أَزَاهِرُ
يُذَكِّرنَني ما أنْتَ عَنِّيَ مُبْلِغٌ / خَوَاطِبَ أَحياءٍ وَهُنَّ مَنابِرُ
بِتَرْجِيعِ ألْحانٍ كأَنَّ حَنِينَها / لما أنا من آثارِ مَجْدِكَ ذاكِرُ
ويُذْهِلُني عن سِحْرِ ما في جُفُونِها / بتُفَّاحِ سَواحِرُ
تُطَارِدُها في الجَوِّ نَزْواً كأَنَّها / نوازِعُ وبَوَادِرُ
نُسورٌ تَهادى بالسُّرورِ وإنَّني / لها بالذي يهدي السرور لزاجرُ
وإنْ بُدِّلَتْ منها السَكاكِينُ خِلْتَها / غماماً صائِرُ
وإنْ قامَ باسطُرْلابِهم يَدُ بعْضِها / فكِيوانُ أو بَهْرَامُ
يُخبِّرُني أنْ قَدْ تبيَّنتُ أنَّني / لمعروف ما تسديهِ نحويَ شاكرُ
وأنك موصولُ السُّعودِ بِغِبْطَةٍ / يُطاوِلُها في عُمْر أمْرِكَ عامِرُ
وحُيِّيتَ مِنِّي كُلَّ يومٍ تَحِيَّةً / تسيرُ بها الرُّكُبانُ ما سارَ سائِرُ
يلوحُ بها نَجْمٌ من الأُفقِ طالِعٌ / ويُرْجِعُها لي منكَ ما غارَ غائِرُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025