المجموع : 7
أراكَ الحمى هل قبَّلتكَ ثُغورها
أراكَ الحمى هل قبَّلتكَ ثُغورها / فمَالتْ بأعطافِ الغُصونِ خُمُورًها
وحنَّت إلى سَجَعِ الحَمامِ كأنَّه / رنينُ الحُلى إذ لاعبتْها صُدورها
عذيْرِيَّ من تَلكَ الحبيبةِ ما لها / تقولُ عُذيري والمًحِبُّ عذيرها
يقلِّبُ عينيه إليها ضَميرهُ / ويلفِتُ عينيها إليهِ ضَميرُها
وما كلُّ ما يخشاه منها يضيرُهُ / ولا كلُّ ما تخشاهُ منهُ يُضيرها
وقام إليَّ العاذلاتُ يلمْنَنِي / فقلنَ ألا تَنْفكَّ قُلتُ أسيرُها
لئِن لم يكُن للظبيِ سِحرُ عيونها / فما شيمةُ الغزلانِ إلا نُفورها
وما شفني إلا النَّسيم وتيهُهُ / عليَّ إذا ما لاعبتُه خُدُوروها
ألا فاعذلوا قد مرَّ ما كنتُ حاذراً / وعادتْ ليالي الدَّهرِ يحلو مرورُها
وأصبحتِ الدنيا تضاحكُ أهلها / ويُبْسُمُ فيهم بِشْرُها وبَشيرُها
وتتيهُ بأعيادِ الملوكِ وكيفَ لا / وعيدُ أميرِ المُؤمنينَ أميرُها
أعادَ بهِ روحَ الخلافةِ ربُّها / وجاءتْ لها بالنَصْرِ فيه نصيرها
فراعتْ صناديدُ الملوكِ وما سوى / مليكِ البرايا قد أقلَّ سريرها
وجارَ عليها الدهر شعثاً خُطوبُه / فهبَّ لها عبد الحميدِ يُجيرُها
بَصيرٌ بنورِ اللهِ في كلِّ أزمةِ / تردُّ عيونَ الصَّيدِ حسرى ستورها
وطارَ بها لا يَرتَضي النَّجمَ غايةً / تمدُّ جناحَيهَا عليهِ طُيورُها
يظنُّ عِداهُ أنَّ في النَّاس مثلهُ / فيا وَيْحَهُم شمسُ الضُّحى ما نَظيرها
وغرَّ فرنسا أن ترى الليثَ باسمِاً / فلم تدرِ حتّى لجَّ فيها سفيرها
أيجلوكَ يا عضبَ الشبا ما هذت بهِ / وقبلكَ ما ضرَِّ النبيُّ هريرها
وكم دولةٍ جالت أمامكَ جولةً / وسيقَت كما ساقَ الشياهُ غرورها
ملأتَ عليها الأرض أُسْداً عوابِساً / يردِّدُ بينَ الخَافِقَينِ زئيرها
فمالتْ بهم إن شئتَ يوماً قِفارُها / وماجتْ بهم إن شئتَ يوماً بُحورها
وقد صفتِ الآجالُ في حومةِ الوغى / وحامتْ على القومِ العُداةِ نُسورُها
إذا انتضلتْ رُسلُ المنيَّاتِ أحجمتْ / جيوشُهم فاستعجلتْها قبورُها
وما لسيوفِ التُركِ يجهَلُها العِدى / وقد عَرَفتها قبلَ ذاك نُحورُها
يهزُّ إليكَ المسلمينَ صليلُها / وإنْ ضمَّ منهمْ جانِبُ الصِينِ سُورُها
ليهنَ أمير المؤمنين جلوسه / على العرش وليهنَ البرايا سرورها
فقد طارح البوسفورُ مصر تحيةً / أضاءتْ لها في جانبَيها قصورها
وشاهدَ أهلها من الأفقِ نورهُ / ولاحَ لأهليهِ منَ الأفقِ نُورها
وقامَ فتاها ينطقُ الورقَ سَجْعهُ / وقد هزَّ عِطفيهِ إليها هَديرُها
بصادحةِ لا يُطربُ القومَ غيرُها / وهل أنا للأشعارِ إلا جَريرُها
ترفُّ قوافيها إذا هيَ أقبَلتْ / تزفُّ معانِيها إليكَ سُطورُها
وما قدمَ الماضينَ أن زمانهم / تقدَّم إنْ بذَّ الجيادَ أخيرها
شكوتُ هواها فاشتكتْنِي إلى هَجرٍ
شكوتُ هواها فاشتكتْنِي إلى هَجرٍ / وقد غَلَبَ الأمرانِ فيها على أمري
وبتُّ ولا من حيلةٍ غيرَ أنني / أرى الذكرَ يصيبني فأصبو إلى الذِكرِ
مهاةٌ لعينيها تغزلتُ في المَهى / وما غَزَلي في سِحرِهِنَّ سِوى السِّحرِ
وأعشقُ فيها الشمسَ والبدرَ والذي / يشبهُ العشَّاق بالشمسِ والبدرِ
وما مضَّني إلا جفاها ولحظُها / فإنَّ كلا السيفين أُغمِدَ في صدري
تراءَتْ لنا بالقِصَرِ يوماً فلمْ تَزَلْ / تُرَفْرِفُ نفسي بعدَ ذاكَ على القَصرِ
وراحت وقد صدت ْ وبينَ قلوبنا / مسافةُ ما بين الوصالِ إلى الهجرِ
فقاسمتُها قلبي وقلتُ لعاذلي / لها شطرها مما قسمتَ ولي شطري
وأنفقتُ أيامي كما أسرفتْ يدي / جواداً بمالي في هواها وبالعمرِ
ولما تلاقينا ومالتْ تجافياً / كما تحذرُ الورقاءُ جارحة الصقرِ
شددت على قلبي يديَ ويد الهوى / تقلبهُ بينَ الضلوعِ على جمرِ
وقلت لها أبقي على الودِّ ساعة / لعلَّ لنا في الغيب يوماً ولا ندري
فقالت أغير العيد يومٌ لشاعرٍ / بحسبكَ يومَ العيدِ يا قمرَ الشعرِ
فقمتُ وقد ابصرتُ قصدي ولم أزل / بفكري حتى أشرق الفجر من فكري
وعنديَ من أشتاتِ ما في كنوزهِ / قلائد شتَّى من نظيمٍ ومن نثرِ
أعباس إن لم يبتدرْ مدحك الورى / فلا نطقت لسنٌ بمدحك لا تجري
على أنك استغنيت عن كلِّ مادحٍ / بأثاركَ الغرا وأيامكَ الغرِ
وأسديتَ لي ذا الشعرَ حتى كأنما / لقطتُ نفيسَ الدرِّ من ساحل البحرِ
ولم يكُ مدحي غيرَ أوصافكَ التي / هي الزهر إن يعبق مديحي كالعطر
وإنَّ رخيصاً كل قولٍ وإن غلا / لملكِ بلادٍ تربهنَ من التبرِ
جرى النيلُ فيها حاكياً نيل كفهِ / وهل في الورى من يعدل البحرَ بالنهرِ
فأغروا به الخزان حتى لخلتهُ / وصياً يريهِ كيف ينفقُ بالقدرِ
وما النيلُ في مصرٍ سوى دم قلبها / إذا حفظوهُ دامت الروح في مصرِ
يفيض بهِ في عصرِ عباسِ ما ترى / من العلمِ ما كانَ من نبإ الخدرِ
فتى الملكِ لا عسرٌ بعصركَ يشتكى / وقد كان هذا اليوم فاتحة اليسرِ
تضيءُ بك الأيامُ حتى كأنها / دياجي الليالي قابلتْ غرةَ الفجرِ
ويومَ تبواتَ الأريكةَ سطروا / معاليَ هذا الشعبِ في صحفِ الفخرِ
رأوكَ فتىً فوقَ الملوك عزيمةً / وشتانَ بينَ العصافير والنسرِ
على حلمِ عثمانٍ وهيبةِ حيدرٍ / وعدلِ أبي حفصٍ وحزمِ أبي بكرِ
فدمتَ مرجى في نبيكَ مهنئاً / دوامَ جلالِ البدرِ في الأنجمِ الزُهرِ
سلي بعدكِ الواشينَ هل ذاعَ لي سرُّ
سلي بعدكِ الواشينَ هل ذاعَ لي سرُّ / وإن كانَ أضناني بتبريحهِ الهجرُ
على أنني كاتمتُ صدري ما بهِ / وفي كبدسي ما ليسَ يعلمهُ الصدرُ
حفظتكِ لا أني ارجي من الهوى / وفاءٌ ولكن ليسَ من شيمي الغدرُ
إذا هجعتْ عيناكِ جافاني الكرى / وباتتْ تناجيني الخواطرُ والفكرُ
أقاتلتي ظلماً لي الصبرُ والرضا / وإن كانَ قلبي ليسَ يحلو لي الصبرُ
إذا كانَ ذنبي أنني لكِ عاشقٌ / فمنكِ إليكِ العذرُ لو يشفعُ العذرُ
لكِ النهيُ إلا عن هواكِ وللهوى / بلحظكِ في ألبابنا النهيُ والأمرُ
وقد ذقتُ من حلوِ الزمانِ ومرِّهِ / فلا الحلو أنساني هواكِ ولا المرُّ
ويا رحمَ اللهُ الليالي التي مضتْ / ليالي كنا والزمانُ بنا نضرُ
وكانَ حماماتُ اللواحظِ بيننا / تروحُ وتعدو والقلوبُ لها وكرُ
الا ربَّ ليلٍ أسفرتْ تحتَ جنحهِ / فما شكَّ أهلُ الحيِّ أن طلعَ البدرُ
وقالتْ عذيري منكَ أمسيتَ غادراً / فقلتُ معاذَ اللهِ أن يغدرَ الحرُّ
فقالتْ فما للفجرِ تشكو لهُ الهوى / فقلتُ وهل ليلُ المحبِّ لهُ فجرُ
فقالتْ نسيتَ العهدَ قلتُ وهل سوى / غرامكَ خصمي يومَ يجمعنا الحشرُ
فقامتْ على كبرٍ تقولُ قتلتهُ / كأن لم تكنْ تدري أو عندها خبرُ
ومثلي فتى الدنيا الذي إن مشوا بهِ / إلى القبرِ يطوي مآثرهُ القبرُ
على الشمسِ من نسجِ الغمامِ ستورُ
على الشمسِ من نسجِ الغمامِ ستورُ / كما للغواني كلَّةٌ وسريرُ
وتحجبُ ذاتُ الحسنِ لكنَّ حسنها / يدورُ بأهلِ العشقِ حيثُ يدورُ
وبعضُ تكاليفِ الصبى يبعثُ الأسى / فكيفَ وأسبابُ الغرامِ كثيرُ
وفي كلِّ حسنٍ موضعُ الذكرِ للذي / يحبُّ فما يسلو الغرامَ ضميرُ
أراني إذا ألقيتُ للشمسِ نظرةً / كأني إلى وجهِ الحبيبِ أشيرُ
وما رقبتي للصبحِ إلا تعللاً / لعلَ طلوعَ الشمسِ منهُ بشيرُ
ولي زفراتٌ لو تجسمَ حرُّها / لأصبحَ شمساً في الفضاءِ تنيرُ
وإني ليرضيني على القربِ والنوى / إذا فاحَ منهُ في الصباحِ عبيرُ
هما خطتا ذلٍ فإما ارتوى الهوى / وإما صبرنا والكريمُ صبورُ
وأفئدةٌ الإنسانِ كُثر طباعها / وفي الناسِ أعمىً قلبُه وبصيرُ
وإني وإن لم أحتملْ أمرَ معشرٍ / فقلبي على كلِّ القلوبِ أميرُ
وإن أكُ بينَ الواجدينَ ابنَ ساعتي / فما أحدٌ بعدَ القنوعِ فقيرُ
وسيانَ إما أبلغَ لنفسَ سؤلها / كبيرٌ وإن أجللتهُ وصغيرُ
وما دامتِ الأفلاكُ في دورانها / ففيهنَّ من بعدِ الأمورِ أمورُ
وكم ليَ يومٌ دارتِ الشمسُ فوقهُ / وسارتْ عليهِ في الظلامِ بدورُ
لبستُ جناحَ اللهوِ فيهِ ولمْ أزلْ / أرفُّ بهِ حتى لكدتِ أطيرُ
ونالَ الهوى منهُ عرائسَ لذَةٍ / لها الراحُ ريقٌ والكؤوسُ ثغورُ
زمانُ كأنْ قدْ كانَ للهوِ منزلاً / فساعاتهُ للملهياتِ خدورُ
أحذنا على الدهرِ المواثيقَ عندهُ / فأيامهُ للنائباتِ قبورُ
وأحسنُ أيامِ الفتى يومَ لهوهِ / على فطرةِ الأطفالِ وهوَ كبيرُ
وإنَّ همومَ الدهرِ موتٌ لأهلهِ / فما كامَ من لهوٍ فذاكَ نشور
طريدة بؤس ملَّ من بؤسها الصبر
طريدة بؤس ملَّ من بؤسها الصبر / وطالت على الغبراءِ ايامها الغبرُ
وكانت كما شاءت وشاءَ جمالها / كما اشتهت العليا كما وصف الشِعرُ
تلألأُ في صدر المكارم درَّةُ / يحيط بها من عقد انسابها درُّ
تقاسمتِ الحسن الالهيَّ وانثنى / يقاسمها فالامر بينهما امرُ
فللشمس منها طلعة الحسن مشرقاً / وفيها من الشمس التوقد والجمرُ
وللزهر منها نغمة الحسن عاطراً / وفيها ذبول مثلما ذبل الزهرُ
وللظبي منها مقلتاها وجيدها / وفيها من الظبي التلفُّت والذعرُ
وما الحرب الاَّ ديمة دموية / اذا دنست روح الورى فهيَ الطهرُ
وما الحرب الاَّ غضبة الله لامست / مخازيَ هذا الدهر فانفجر الدهرُ
ففي كل نفس غصة ما تسيغها / وفي كل قلب كسرة ما لها جبرُ
وما لوت الأسياف في الأرض عروةً / من البغض إلاَّ والرؤُوس لها زرُّ
وكم قيل إنسانية ومحبة / وعلم وتمدين وأشباهها الكثرُ
تغيرت الدنيا فهل هي زُورُ
تغيرت الدنيا فهل هي زُورُ / أمِ الفلكُ الدوّار ليس يدورُ
رماها نفاق السيف في شر غضبةٍ / تلظَّى بأحقاد الورى وتضورُ
تمجُّ شرارا يضرمُ الماءَ والثرى / ويشوي طيورَ الجوّ وهي تطيرُ
شرارة نيران العقول وانما / شرارة نيران العقول شرورُ
تجهَّم يوماً وجه غليومَ وانزوى / فما في وجوه العالمين سرورُ
ولا ضحِكٌ في الارض الاَّ ابتسامة / لها القاضباتُ اللامعاتُ ثغورُ
وأبرأَ داءَ الحب في كل منزع / من البغض داءٌ لا يُساغ مريرُ
فللشعب من شعبٍ وللأَخ من اخ / ولليثلا ظبي الكناس نفورُ
وما انبثَّ ما بين الورى من علائقٍ / ففيهنَّ لا في الغانيات فتورُ
أَغِن اظلمت في وجه غليوم عبسةٌ / تغشت بها الدنيا فليس تنيرُ
وعادت حداداً للثواكل داجياً / ومنها على اقمارهنَّ ستورُ
وفي كل ارض يقشعرُّ ترابها / على ظلها فالكون أجرد بورُ
فياسورة لو أن غليوم رازها / ولكنّ شيطان الملوك جسورُ
أزاحت عمود الأرض عن مستقرهِ / فكادت الى مهوى الفناء تصيرُ
بضرب هامات المغاوير عندهُ / أهنَّ حديد ام فهنَّ صخورُ
ونارٍ يُحَمُّ الدهرُ من لفحاتها / فللدهر منها رعدة وحرورُ
بها اخترع الخلق الضعافُ جهنماُ / لأَنفسهم بئس الغرورُ غرورُ
لقد صهر الانسان من كل معدن / وباءَ بسرّ النار وهو خبيرُ
وناظرَ من صَنع الطبيعة ما ابتغى / وابدع صنعاً ليس منهُ نظيرُ
فلم يرَ الاَّ معدِن الروح معدناً / لصنع حلَى الاملاك حين تجورُ
فَوَيلُهَا حرباً ضراراً زَريةً / بها كل دين للأنام كفورُ
ترى الموت غير الموت فيها وكيف لا / واول مقتول هناك ضميرُ
قليلٌ لعمري ما جنى الناس بينهم / ولكنما قتلُ الضمير كثيرُ
وزادت بحور الارض بحراً ملوّناً / من الدم جمر قاعهُ وسعيرُ
تدفَّع في تيَّاره وعُبابهِ / يمدُّ على امطارها ويمور
وكم صبّ فيهِ للمدامع جدول / وكم هبّ فيهِ للقلوب زفيرُ
وتجري بهِ سُفُنٌ من الهام عُوَّمٌ / مرافئها في الساحلين قبورُ
تمدُّ عليها كالمجاذيف اذرع / وكل سواريها هناك نحورُ
اغليوم اذللت المعالي فلم تزل / على بابك العالي لهنَّ عثور
اذا جنحوا للسلم زلزلتها لهم / زئيراً بهِ حلق الليوث جديرُ
على خطبٍ يندى لروض بيانها / ضباب من البارود فهو مطيرُ
قوارعُ سوءٍ يُشعر الموتَ لذعها / وليس لمن يرمي بهنّ شعورُ
كأنك للمريخ في الارض مرصد / بهِ كل حين للحروب نذيرُ
وقد يبدع الله الملوك بقوة / لتهلك مما يبدعون عصور
أليس عجيباً ان نرى الحسن زينة / وما كان لولا الحسن قطُّ فجورُ
تصرصر كالبازي ومن ساسة الورى / لديك عصافير لهنَّ صفيرُ
حواليهمو ظلُّ السلام وبردهُ / وحولك لفح محرق وهجيرُ
وغرَّك من لهو الشعوب تغافلٌ / رخيٌّ على لذاتهنَّ طريرُ
رياحينُ في جد الحياة وهزلها / لهم روضة من عيشهم وغديرٌ
انافت عليهم منك دوحةُ نقمة / بها للمنايا الحائمات وُكورُ
واثمارها هامٌ واغصانها الظبى / ومن زهرها ذاك الرصاص نثيرُ
وكل الذي في ارضهم من مدافع / لجذعك يا روح القتال جذورُ
فلما استطار الشر طار جنونهم / وعفَّت على تلك الامور امورُ
وكم من شعوب كلما مسَّها الصدا / جلاهنَّ من نار الحوادث كيرُ
واضرمتها في الارض حتى تلاطمت / عليك بهاتيك الجيوش بحورُ
ورى الغيظ منها كل صدر فاقبلت / وليس بها قلب عليك صبورُ
فجعتهمو في العز والخدر والهوى / وجيشك في هذي الفعال شهيرُ
هو الجيش لولا ان فيهِ شجاعةً / تساوت حصون عندها وخدورُ
يزفُّ زفيق الجنّ في فلواتها / لهن هرير منكر وهديرُ
ويقتل حتى العهد منهُ مجندلٌ / ويأسر حتى الحق فيه اسيرُ
واحميتهم بالظلم حتى توقَّدوا / وما منهمو الاَّ اشمُّ فخورُ
اذا استنجد القلبَ الحميَّ ابن همةٍ / لما همّ لم يعسر عليهِ عسيرُ
فجاؤا يُرجُّون البلاد كأنهم / زلازل والمدنُ الحصينة دورُ
بكل كميّ عندهُ الموت ميتٌ / وفي همهِ امر الحياة حقيرُ
جنود يرون الحق بعض سلاحهم / فمن حربهم نارٌ عليك ونورُ
مدافعهم فيها سعير صدورهم / فكلُّ حديدٌ مضرم وصدورُ
واسيافهم غضبى يطير فرندها / كالحاظهم في البأس حين تدورُ
ومنهم على ظهر التراب ضراغمٌ / ومنهم على متن السحاب نسورُ
جرى الحقد في مجرى الدمامن عروقهم / وثارت بهم غلفَ القلوب ثؤرُ
فان جرحت منهم سيوف عداتهم / فبالشُّعل الحمرِ الجراحُ تفورُ
وبَدأة شر لم تكن فابتدأتها / كأنك فيها اول واخيرُ
واصغرتها والشر في بطن امهِ / ولمَّا تلدهُ لو علمتَ كبير
ولم تخشَ ما يخشى اللبيب فراسة / ولم تتبصَّر واللبيب بصيرُ
مطامعُ خلتَ الدهر فيهنَّ خادماً / كأنك مولًى والزمان أجيرُ
زعمتَ لها في غيب ربك اعيناً / فلما اجتليناها اذا هي عورُ
وتحسب سيف الله سيفك ضلَّةً / ولله سيف ليس منهُ مجيرُ
وقلت رسول للزمان ومن ترى / من الأنبيا ذو لبدتين هصورُ
رسول ولكن بالعذب لدهرهِ / وعزريل منهُ صاحب وسفيرُ
ووحيك تتلوهُ المدافع اذ لها / اصابع من تلك السيوف تشيرُ
ومزّقت للاسلام والشرق دولة / تملَّى بها ملكٌ وسرّ سريرُ
لقد كان عون الله فيها ونصرهُ / ففارقها مذ قيل انت نصير
تمكنت من عرنينها فاستقدتها / بحبلي بلاءٍ قائد ووزيرُ
واطفأتَ ماضيها بطلعة انورٍ / فيا انور لم يبق في اسمك نورُ
وحين سما للحق جيش مرفرفُ / وجيشك ذيَّال الجناح كسيرُ
فررت فراراً كل ذنبك عندهُ / وان كان ملء المغربين صغيرُ
عساك طوال الحرب قد كنت نائماً / ولم ترَ ليلاً في الصباح يغورُ
واوفيتها خمسين شهراً ونيفاً / وأنت على عرش الوساد أميرُ
ولم تخرب الدنيا ولكن رأيتها / كذلك في حلم وأنت قريرُ
فلما مسحت النوم قمت مهنئاً / يلاقيك من وجه الصباح بشيرُ
فيا عبرة لم تشهد الأرض مثلها / وللأرض أجيال خلت ودهورُ
بغليوم بالألمان بالعلم بالغنى / أضيفت لتاريخ الخراب سطور
ألا يا نسيم الفجر سلم على فجري
ألا يا نسيم الفجر سلم على فجري / فقد غاب في الليل الطويل من الهجر
تضيء الليالي بالنجوم وبدرها / وليل الجفا من غير نجم ولا بدر
وقفت وماذا أستطيع بوقفتي / حسيراً وأقدار الغرام بنا تجري
أدور بعيني نحو كل شعاعة / على الأفق في نجم أو الأرض في زهر
فيا ويح قلبي ماله حن كلما / تراءى له شبه انتسام على ثغر
متى يا حبيب القلب هجرك ينتهي / ومن أول الأيام فيه انتهى صبري
ألا يا نسيم الفجر إن جزت في الربى / خفيا كتسليم الحبيبة في سر
وقامت عذاراها للقياك تنثني / دلالاً وتيهاً في غلائلها الخضر
وفتح نوار الغصون جفونه / وفيها البقايا الناعسات من السحر
وأصبحت كالسلوى ترفرف نازلاً / سلاماً على قلب الغدير أو النهر
فجئني بسر الزهر والماء والندى / لعلي بها أطفي جوى الحب في صدري