القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ مَعْتوق المُوسَوِيّ الكل
المجموع : 6
روَتْ عن تَراقيها العُقودُ عن النّحْرِ
روَتْ عن تَراقيها العُقودُ عن النّحْرِ / محاسِنَ تَرويها النُجومُ عن الفَجْرِ
وحدّثَنا عن خالِها مسكُ صُدغِها / حديثاً رواهُ الليلُ عن كُلفةِ البَدْرِ
وركّب منها الثّغرُ أفرادَ جُملةٍ / حكاها فمُ الإبريقِ عن حَبَبِ الخَمْرِ
بصحّة جِسمي سُقْمُ ألفاظِها التي / روى المِسكُ عن إسنادها خبرَ النّشْرِ
وبالخدِّ وردٌ نارُ موسى بصحنِه / وميمُ فمٍ من عينه جُرعةُ الخُضْرِ
عَذيريَ من عذراءَ قبل تمائمي / خلعْتُ على العُذّالِ في حبّها عُذري
ولي مدمَعٌ في حبّها لو بكى الحَيا / به نبتَ الياقوتُ في صدَفِ الدُرِّ
بروحيَ منها جؤذراً في غلائلٍ / وجيدَ مَهاةٍ قد تلفّع بالجمْرِ
لقد غصبَتْ منها القُرون لَيالياً / من الدهرِ لولا طُولُها قلتُ من عُمري
أمَا وسُيوفٍ للحُتوف بجَفْنِها / تجرَّدُ عن غِمدٍ وتُغمدُ في سحْرِ
وهُدبٍ تسقّى نبلُه سُمَّ كُحلِها / فذبّ بشوكِ النّحلِ عن شَهْدةِ الثّغرِ
وصمتَةِ قلبٍ غصّ منها بمعصَمٍ / ووَسواسُهُ الخنّاسُ ينفثُ في صدري
لَفي القلب منّي لوعةٌ لو تُجِنّها / حَشا المُزنِ أمسى قَطرُها شَرَر الجَمرِ
ممنّعةٌ غير الكرى لا يزورُها / وتُحجَبُ عن طَيْفِ الخيال إذا يسْري
وطوقِ نُضارٍ يستَسرُّ هِلالُه / مع الفَجرِ تحت الشمسِ في غَسَقِ الشّعْرِ
إذا مرّ في الأوهام معنى وِصالِها / رأيتُ جِيادَ الموتِ تعثُر بالفِكْرِ
رَفيعةُ بيتٍ هالةُ البدرِ نورُه / وقَوسُ مُحيطِ الشمسِ دائرةُ السِتْرِ
يُرى في الدُجى نهرُ المَجرّة تحتَه / على درِّ حَصباءِ النُجومِ به تجري
فأطنابُه للفرقَدَين حَمائلٌ / وأستارُه في الحِنج أجنحةُ النّسْرِ
وليلٍ نُجومُ القَذفِ فيه كأنّها / تَصولُ علينا بالمهنّدةِ البُتْرِ
رَكِبْتُ به مَوجَ المَطايا وخُضْتُ في / بِحارِ المَنايا طالِباً دُرّةَ الخِدرِ
فعانَقْتُ منها جُؤذرَ القَفرِ آمِناً / وصافحْتُ منها بالخِبا دُميةَ القَصْرِ
فلمّا دَنا منّا الوداعُ وضمّنا / قميصُ عِناقٍ بزّنا ملبسَ الصّبْرِ
بكَتْ فضّةً من نرجِسٍ مُتناعِسٍ / وأجرَيْتُ تِبراً من عقيقٍ أخي سَهْرِ
فأمسَتْ عُيونُ البَدرِ في شفَق الضُحى / تسيلُ وعينُ الشمسِ بالأنجُم الزُهْرِ
وقُمْتُ وزَنْد الليثِ منّي مطوّقٌ / لها ويَمينُ الظّبي قد وشّحَتْ خَصري
فكادَتْ لِما بي أن تُذيبَ سِوارَها / ضُلوعي وإن كانت حَشاهُ من الصّخْرِ
وكاد فَريدُ العِقدِ منها لِما بها / يَذوبُ ويجري كالدّموعِ ولا تَدْري
سَقى اللَّهُ أكْنافَ العقيقِ بَوارِقاً / تُقطّعُ زَندَ الليلِ في قُضُبِ التّبرِ
ولا زال محمَرُّ الشّقائقِ موقَداً / به شُعَلُ الياقوتِ في قُضُب الشّذْرِ
حِمىً تتحامى الأُسْدُ آرامَ سِرْبِه / وتَصْرَعُهُم من عَينه أعيُنُ العُفْرِ
تُحيطُ الظُّبا أقمارَه في أهلّةٍ / وتَحمي نُجومَ البيضِ في أنجُمِ السُّمْرِ
ألا حَبّذا عصْراً مضى ولَيالياً / عرائسُ أُنسٍ يبتَسِمْنَ عن البِشْرِ
وأيّامُنا غُرٌّ كأنّ حُجولَها / أيادي عليٍّ في رِقابِ بَني الدّهْرِ
أيادٍ عن التّشبيهِ جلّتْ وإنّما / عبَثْنَ بعَقلي ساحِراتٍ رُقى السِّحْرِ
بَوادٍ يُزانُ المجدُ منها بأنجُمٍ / هَوادٍ لمن يَسري إلى موضِع اليُسْرِ
مَواضٍ لمُرّانِ المَعالي أسنّةٌ / وقُضْبٌ بها العافونَ تَسطو على الفَقْرِ
نبَتْنَ بكفّيْهِ نَباتَ بَنانِه / فدلّت قُطوفَ الجُودِ في ثمَرِ الشُّكْرِ
هو العَدَدُ الفرْدُ الّذي يجمَعُ الثّنا / وتصدُرُ عنهُ قِسمةُ الجَبْرِ والكَسْرِ
صنائِعُه عِقدٌ على عاتِقِ العُلا / ومَعروفُهُ تاجٌ على هامةِ الفَخرِ
ربيعٌ إذا ما زُرْتَهُ زُرْتَ روضةً / يفتّحُ فيها رُشدُه حدَقَ الزّهْرِ
تَهيمُ به عِشقاً لخُلقٍ كأنّه / يهُبُّ علينا في نَسيمِ الهوى العُذْري
أيا وارِدي لُجَّ البِحار اِكْتَفوا به / فسَبْعَتُها في طيِّ أُنمُلِهِ العَشْرِ
إذا يَدُه البيضاءُ أخرَجَها النّدى / فيا وَيلَ أمّ البيضِ والورقِ الصُّفْرِ
أخُو هِمَمٍ يستغرِقُ الدِّرعُ جِسمَه / ومن عجَبٍ أن يغرَقَ البحرُ بالكَرِّ
تكادُ الرّماح السّمرُ وهي ذَوابلٌ / براحتِهِ تهتزّ بالوَرَقِ الخُضرِ
فكم من بُيوتٍ قد رماها بخَطبِه / فأضْحَتْ ومنها النّظمُ كالخُطَبِ النّثرِ
فلِلّه يومُ الكَرخِ موقِفُه ضُحىً / وقد سالتِ الأعرابُ بالجحفَل المَجْرِ
أتَوهُ يمدّون الرِقابَ تطاوُلاً / فأضحوا ومنهم ذلك المدُّ للجَزرِ
رَمَوْهُ بحربٍ كلّما قام ساقُها / ركضْنَ المَنايا في القلوبِ من الذُعرِ
يبيعُ الرّدى في سوقِها صفقةَ المُنى / بنَقدِ النُفوسِ الغالِيات لمَن يَشْري
سَطَوْا وسَطا كاللّيثِ يَقدُمُ فِتيةً / يَرَونَ عَوانَ الحربِ في صورِة البِكرِ
وفُرسانَ موتٍ يُقدِمون إلى الوغى / إذا جمحَتْ أُسْدُ النِزالِ عن الكَرِّ
وخَيلاً لها سُوقُ النّعامِ كأنّها / تطيرُ إذا هبّتْ بأجنِحةِ الكُدْري
فزوّجَ ذُكرانَ الظُبى في نُفوسِهمْ / وأنقدَهُم ضَربَ الحديدِ عن المَهْرِ
وأضحتْ وُحوشُ البرِّ ممّا أراقَهُ / من الدّمِ كالحيتان في لجّة البَحرِ
بَنى بِيَعاً من هامِهم وصَوامِعاً / تبوّأ منها مسجِداً راهِبُ النَّسْرِ
لَقوهُ كأمثال البُزاةِ جَوارِحاً / وولّوْا كما تمضي البُزاةُ عن الصّقْرِ
فمنْ واقعٍ في الأرض في شبَكِ الرّدى / ومن طائرٍ عنه بأجنحةِ الغُرِّ
وأنّى لهمُ جُندٌ تُلاقي جُنودَه / وأين رِماحُ الخَطِّ من خشَبِ السِّدْرِ
بغَوْا فبغَوْهُ بالّذي لو تعمّدَتْ / له الشُهْبُ لاقَتْ دونَه حادِثَ الكَسْرِ
وبانت عن الكفّ الخضيبِ بنانُه / وضاقَ به ذَرْعُ الذِراعِ عن الشّبْرِ
فراعِنُه همّتْ به فتلقّفَتْ / عَصا عزمِه ما يأفكون من المكْرِ
بهمْ مرضٌ من بُغضِه في قُلوبِهم / وسيفِ عليٍّ ذي الفقارِ الّذي يَبري
فيا ابْنَ رسولِ اللّهِ والسيّدَ الّذي / حَوى سُؤدُداً يَسمو به شرفُ العَصْرِ
أرادتْ بك الأسْباطُ كَيْداً فكِدْتَهُم / وأكرَمَ مثواكَ العزيزُ من النّصرِ
ترجّوْا لديهم لو تَبورُ بِضاعةٌ / فقادَهُمُ راعي البَوارِ إلى الخُسْرِ
لِيَهْنِكَ نصرٌ عزُّهُ يخذُلُ العِدا / وفتحٌ يحلُّ المُغلَقاتِ من الأمرِ
وحسبُك فخراً كفُّكَ الموتَ عنهمُ / وحسبهُمُ ذاك الخُضوعُ من الأسْرِ
ألا فاِعْفُ عنهم إنّهم لَعبيدُكُمْ / وإنّ سَجايا العَفْوِ من شِيَمِ الحُرِّ
بقيتَ بقاءَ الدّهرِ يا بهجةَ الدّهرِ
بقيتَ بقاءَ الدّهرِ يا بهجةَ الدّهرِ / وهُنّئَ فيكَ العصرُ يا زينةَ العَصْرِ
وفَدّتْ مُحيّاكَ النُجومُ بشَمسِها / ولا زِلْتَ منها تَجتَني هالةَ البَدْرِ
ولا برحَتْ ريحُ الوَغى لك في اللِقا / تُفتّحُ أزهارَ الفُتوحِ مع البِشْرِ
ولا برِحَ الجيشُ الّذي أنت قلبُه / يضمُّ جناحَيه على بيضةِ النّصْرِ
أتى اللَّهُ بالفتحِ المُبين نبيَّهُ / ونصرُك هذا أنجزَ الوَعْدَ بالأمرِ
لقد سُرَّتِ الدُنيا بنصركَ والعُلا / وأصبحَ دَسْتُ المُلكِ منشرحَ الصّدرِ
نشأتَ ونفسُ الجودِ في قبضةِ الرّدى / فأنقَذْتَها في بَسْطِ أنْمُلِكَ العَشْرِ
وأحدَثْتَ في وجهِ الزّمانِ طَلاقةً / وورّدْتَ خدَّ المَجدِ في بِيضِكَ الحُمْرِ
ورنّحْتَ أعطافَ الرِّماحِ كأنّما / مزَجْتَ دماً سقّيْتَها منه بالخَمْرِ
قُدودُ المَعالي ما حمَلْتَ من القَنا / وأحداقُها ما قد هزَزْتَ منَ البُتْرِ
عضَدْتَ بحُسْنِ الرأي عَضْباً مهنّداً / فأعْرَبَ عِندَ الضّربِ عن مُعجَمِ السِرِّ
شَفَعْتَ بماضي العَزْمِ يا ذا غِرارهُ / فأدْرَكْتَ وِتْرَ المَجد بالضّربةِ الوِتْرِ
وفلّقْتَ هاماتٍ به طالَ ما غدَتْ / متوّجةً في عِزّةِ الغَيِّ والكِبْرِ
تَراها العُلا في خدّها وهْيَ في الثّرى / على دَمِها خالاً على وَجْنَتَي بِكرِ
كأنّ دماً منها سَقى التُرْبَ قد سَقى / رِقابَ العُلا بعد البِلى جَرعةَ الخَضْرِ
وأهزَمْتَ أحزابَ الضّلالِ ولو وَنَوْا / لألْحَقْتَهُم في إثْرِ سيّدِهِمْ عَمرِو
وأخرَجْتَهم في زَعمِهم عن دِيارِهم / وما اِعتقدوا هذا إلى أوّلِ الحَشْرِ
وألْقوا حِبال المُنكَراتِ وخيّلوا / فعارَضْتَهُم في آيةِ السّيفِ لا السِحْرِ
كفى اللّهُ فيكَ المؤمنينَ لدى الوَغى / قِتالَ العِدا حتّى سَلِمْتَ من الأزْرِ
ولو لم يكِفَّ البأسَ عفوُكَ عنهُمُ / لعُدْتَ وقد عادَ الحَديدُ منَ التِبْرِ
وما لبِثوا إلّا قليلاً فكم تَرى / بهِم من ظَليمٍ فرّ عنْ بيضةِ الخِدْرِ
تولّوا مع الخُفّاشِ في غَسَقِ الدُجى / وخافوا طِلابَ الشّمسِ في عَقِبِ الفَجْرِ
إذا ما لهُم عِقبانُ راياتِك اِنجَلَتْ / أُعيروا من الغِرْبانِ أجنحةَ الغُرِّ
رميْتَهُمُ في فَيْلَقٍ قد تفرّدَتْ / به طائِراتُ النُجْحِ في عَذَبِ السُّمْرِ
به كلُّ شَهمٍ من سُلالةِ هاشمٍ / منَ الحَيدرِيّينَ الغطارِفَةِ الغُرِّ
إذا وَلَجوا في مَعرَكٍ كادَ نَقعُه / لِطيبِهمِ يُربي على طَيِّبِ العِطْرِ
سَحائِبُ جُودٍ كلّما سُئِلوا هَمَتْ / بنانُهُمُ للوَفْدِ بالبيضِ والصُفْرِ
أُسودُ كِفاحٍ بأسُهُم في رِماحِهم / كَسُمّ الأفاعي في أنابيبِها يَجري
وكم قبلَهُم صبّحْتَ قوماً بغارةٍ / فلم يحتَموا منها ببَرٍّ ولا بَحْرِ
رَجَعْتَ ضُحىً عن أُسْدِهم نَجِسَ الظُبا / وعن عَيبِهم عفَّ الرّدا طاهِرَ الأزْرِ
أبا السّبعةِ الأطهارِ لا زِلْتَ ناظِماً / بهِم عِقْدَ جِيدِ المَجْدِ بالأنجُمِ الزُّهْرِ
مُلوكٌ إذا شنّوا الإغارةَ لم تكن / لهُم همّةٌ إلّا إلى مغنَمِ الفَخْرِ
فمَنْ شِئْتَ منهُم فهو مِصباحُك الّذي / يُفيدُ العُلا نوراً وكوكَبُك الدُرّي
وإنّهمُ أيّامُ أُسبوعِكَ الّتي / على الخَلْقِ تُقضى بالمنافعِ والضُرِّ
وأبحُرُكَ اللُجُّ الّتي قد جعلْتَها / بيومِ النّدى والضّرْبِ للمَدِّ والجزْرِ
إذا نُسِبوا للأكرَمينَ فإنّهم / بمنزلَةِ السّبعِ المَثاني من الذِكرِ
حَواميمُ رُشدٍ فُصِّلَتْ للوَرى هُدىً / وآياتُ فَتحٍ أُنزِلَتْ ليلةَ القَدْرِ
بهِم نفّذَ الرّحمنُ حُكمَك في الوَرى / فعِشْتَ وعاشوا في السّعيدِ من العُمرِ
كشفْتُ حجابَ السّجْفِ عن بيضةِ الخِدْرِ
كشفْتُ حجابَ السّجْفِ عن بيضةِ الخِدْرِ / فزحْزَحْتُ جنحَ الليلِ عن طلعةِ البَدْرِ
وهتَكْتُ عن سِينِ الثّنايا لِثامَها / فأبصَرْتُ عينَ الخَضْرِ في ظُلمةِ الشَّعْرِ
وجاذَبْتُها سودَ الذّوائِبِ فاِنثَنى / عليَّ قضيبُ البانِ في الحُلَلِ الخُضْرِ
وقبّلْتُ منها وجنةً دونَ وَرْدِها / وتقبيلِها شوكُ المثقّفةِ السُّمرِ
تأتّيْتُها في الليلِ كالصّقْرِ كاسِراً / وقد خفَقَتْ في الجنْحِ أجنحةُ النّسْرِ
وخُضْتُ إليها الحَتْفَ حتّى كأنّني / أُفتِّشُ أحشاءَ المنيّةِ عن سِرّي
وشافَهْتُ أحراساً إلى ضوءِ وجهِها / يرَوْنَ سَوادَ الطّيفِ إذ نحوَها يَسْري
فنبّهْتُ منها نرجِساً زرّهُ الكَرى / كأنّي أفُضّ الخَتم عن قدَحَيْ خَمْرِ
وبِتْنا وقلْب الليلِ يكتُمُنا معاً / وغُرّتُها عندَ الوُشاةِ بنا تُغري
إذا الصُّبْحُ في الظَّلْماءِ غارَ غدير / فمن ضوئِها لجُّ السّرابِ بنا يَسري
فلو لم تردُّ الليلَ صَبغةُ فرعِها / عليها لكانَ الحيُّ في سِرِّنا يَدري
وباتَتْ تحلّي السّمعَ منّا بلُؤلؤٍ / على عِقْدِها المنظومِ منثورُه يُزري
كِلانا له منّا نصيبٌ فجامدٌ / على نحرِها يزهو وجارٍ على نحري
تبارَك مَنْ قد علّم الظّبيَ منطِقاً / وسُبحانَ مُجري الروحِ في دُميةِ القَصْرِ
بروحيَ منها طلعةٌ كلّما اِنْجلَتْ / تشمّتَ في موتِ الدُجى هاتِفُ القُمْري
ونُقطةُ خالٍ من عبيرٍ بخدّها / كحبّةِ قلبٍ أجّجَتْهُ يدُ الذِكْرِ
خلَتْ من سِواها مُهجتي فتوطّنَتْ / بها والمَهى لم ترْضَ داراً سوى القصْرِ
كأنّ فمي من ذكرِ فيها وطيبِهِ / قرارَةُ بيتِ النّحلِ أو دارةُ العِطرِ
أروحُ وجسمي كلُّه طَرْفُ عندَمٍ / إذا خدُّها في القلب صوّرَهُ فِكري
أردتُ بها التّشبيبَ في وزْنِ شَعْرِها / فغزّلْتُ في البحر الطويلِ من الشِّعرِ
وصُغْتُ الرُقى إذ علّمَتْني جُفونُها / بناءَ القَوافي السّاحراتِ على الكَسْرِ
أُجانِسُ باللّفظِ الرّقيقِ خُدودَها / وألحَظُ بالمعنى الدّقيق إلى الخَصرِ
أمَا والهَوى العُذريّ لولا جَبينُها / لما رُحْتُ في حُبّي لها واضحَ العُذْرِ
ولولا اللآلي البيضُ بين شِفاهِها / لما جادَ دَمعي من يَواقِيتِه الحُمْرِ
شُغِفْتُ بها حُبّاً فرقّتْ رَقائِقي / وملّكْتُ رقّي حيدراً فسَما قَدْري
خُلاصةُ أبناءِ الكِرامِ مطهراً / سُلالةُ آباءٍ مطهّرةٍ غُرِّ
حليفُ النّدى والبأسِ والحلمِ والنّهى / أخو العدلِ والإحسانِ والعَفْو والبِرِّ
جمالُ جَبينِ البدرِ والنيرُ الّذي / بطَلعتِه قد أشرقَتْ غُرّة الدّهرِ
فتىً جاء والأيّامُ سودٌ وجوهُها / فأصبحَ كالتّوريدِ في وَجنةِ العصرِ
وأضحَتْ وجوهُ المَكرُماتِ قريرةً / بمولدِه والصّدرُ منشرح الصّدرِ
وأينعَ من بعدِ الذّبولِ به النّدى / فغرّد في أفنانِه طائِرُ الشّكرِ
ووافى المَعالي بعد تشتيت شملِها / فأحسَنَ منها النّظْمَ بالنّائِلِ النَثْري
أرقُّ من الرّاحِ الشَّمولِ شَمائِلاً / وألطَفُ خُلقاً من نَسيم الهوى العُذري
إذا زيّن الأملاكَ حِليةُ مفخرٍ / ففيهِ وفي آبائِه زينةُ الفخرِ
تكلّمُهُ في الصّدقِ آياتُ سورةٍ / ولكنّه في السّمعِ في صورةِ السِّحرِ
تُسمّيه باِسمِ الجدِّ عِندي كنايةٌ / كما يتسمّى صاحبُ الجودِ بالبحرِ
إذا بأبيهِ قستَ مِصباحَ نورِه / تيقّنتَه من ذلك الكوكبِ الدُرّي
يرِقُّ ويصبو رحمةً وصَلابةً / فيجري كما تجري العيونُ من الصّخرِ
سَما للعُلا والشُهْبُ تطلبُ شأوَه / فعبّر عند السّبْقِ عن جهةِ الغَفْرِ
فلو كان حوضُ المُزْنِ مثل يمينِه / لما هطلَتْ إلّا بمُستَحْسَنِ الدُرِّ
ولو مَنبِتُ الزّقّومِ يُسْقى بجودِه / لما كان إلّا منبِتَ الوردِ والزّهرِ
يهزُّ سُيوفَ الهِندِ وهْيَ جَداولٌ / فتقذِفُ في أمواجِها شُعَلَ الجَمْرِ
ويحملُ أغصانَ القَنا وهْيَ ذُبَّلٌ / فتحمِلُ في راحاتِه ثمرَ النّصرِ
ويسفِرُ عن ديباجَتَيْهِ لِثامَهُ / فيُلبِسُ عِطفَ الليل ديباجةَ الفخرِ
ويسلُبُ نحرَ الأفْق حِليةَ شُهبِه / فيُغنيهِ عنها في خلائِقِه الزُّهْرُ
سحابٌ إذا ما جاءَ يوماً تنوّرَتْ / رياضُ الأماني البيضِ بالورَقِ الصُفْرِ
بوارِقُه بيضُ الحَديدِ لدى الوَغى / ووابِلُه في سِلمِه خالصُ التِّبرِ
له فطْنةٌ يومَ القَضا عندَ لبسِه / تُفرِّقُ ما بينَ السُّلافةِ والسُّكْرِ
وعزمٌ يُذيبُ الرّاسياتِ إذا سطا / فتجري كما يجري السَّحابُ منَ الذُّعرِ
وعدلٌ بلا نارٍ وضربٍ يكادُ أن / يقوَّمَ فيه الإعوجاج من البُتْرِ
وسُخْطٌ لوَ اِنّ النّحلَ ترعى قَتادَه / لمجّتْهُ من أفواهِها سائِلَ الصّبْرِ
ولُطفٌ لوَ انّ الرُّقْشَ فيه ترشّفَتْ / لبُدِّلَ منها السّمُّ بالسّكّرِ المِصري
يُعيدُ رُفاتَ المُعتفين كأنّما / تفجّرَ في راحاتِه مورِدُ الخِضْرِ
إذا مرَّ ذكرُ الفاخرينَ فذِكْرُه / كفاتحةِ القرآنِ في أوّل الذِّكْرِ
فيا اِبْنَ عليٍّ وهيَ دعوةُ مُخلصٍ / لدولتِكُم بالسّرِّ منه وبالجَهْرِ
لقد زادَتِ الأيّامُ فيكَ مسرّةً / وفاقَ على وجهِ العُلا رونقُ البِشْرِ
وعزّتْ بكَ الأيّامُ حتّى كأنّما / لياليكَ فيها كلُّها ليلةُ القَدْرِ
ففي يدِكَ اليُمنى المنيّةُ والمُنى / ويُمْنٌ لمن يَبغي الأمانَ منَ الفَقْرِ
فلا برِحَتْ فيكَ العُلا ذات بهجةٍ / ولا زالَ فيكَ المجدُ مُبتسمَ الثّغرِ
أمَا والهوى لولا الجُفونُ السّواحرُ
أمَا والهوى لولا الجُفونُ السّواحرُ / لما علِقَتْ في الحبِّ منّا الخَواطِرُ
ولولا العيونُ النّاعِساتُ لما رَعَتْ / نُجومَ الدُجى منّا العُيونُ السّواهِرُ
ولولا ثُغورٌ كالعُقودِ تنظّمَتْ / لما اِنتثرَتْ منّا الدُموعُ البَوادرُ
ولم نَدْرِ كيفَ الحتفُ يعرِضُ للفتى / وما وجهُه إلّا الوجوهُ النّواضِرُ
وإنّا أناسٌ دينُ ذي العِشْقِ عندَنا / إذا لم يمُتْ فيه قضى وهْوَ كافِرُ
ولم يُرْضِنا في الحُبِّ شقُّ جُيوبِنا / إذا نحنُ لم تنشَقَّ منّا المَرائِرُ
لَقينا المَنايا قبل نَلقى سُيوفَها / تُسَلُّ من الأجفانِ وهْي نواظِرُ
تروعُ المَواضي وهْي بيضٌ فواتِكٌ / ونُشفِقُ منها وهْيَ سودٌ فَواتِرُ
ونخشى رِماحَ الموتِ وهْيَ مَعاطِفٌ / ونسطو عليها وهْي سُمرٌ شواجِرُ
نَعدُّ العَذارى من دَواهي زمانِنا / وأقتَلُها أحداقُها والمَحاجِرُ
ونشكو إليها دائِراتِ صُروفِه / وأعظمُها أطواقُها والأساورُ
لنا قُدرةٌ في دَفْعِ كلِّ مُلمّةٍ / تُلِمُّ بنا إلّا النَوى والتَهاجُرُ
وليس لنا لذْعُ الأفاعي بضائِرٍ / إذا لم تُظافِرْنا عليهِ الظّفائِرُ
ألم يكْفِ هذا الدّهرُ ما صنعَتْ بنا / ليالِيه حتّى ساعدَتْها الغَدائِرُ
رعى اللّهُ حيّاً بالحِمى لم تزلْ به / تعانقُ آرامَ الخُدودِ الخَوادِرُ
تميلُ بقُمصانِ الحديدِ أُسودُه / وتمرحُ في وَشْيِ الحرير الجآذرُ
حمَتْهُ بطَعْناتِ الخواطرِ دونَه / قُدودُ الغَواني والرِّماحُ الخواطِرُ
محلٌّ به الأغصانُ تحملُ عسجَداً / وتنبُتُ ما بينَ الشِّفاهِ الجواهرُ
وتلتفُّ من فوقِ الغُصونِ وتلتوي / على مِثلِ أحقاءِ اللُّجَيْنِ المآزرُ
تظنّ عليه ألّفت أنجُم الدُجى / يَدا ناظِمٍ أو فرّق الدُرَّ ناثِرُ
ملاعِبُهُ هالاتُه وبيوتُه / بُروجُ الدّراري والنوادي الدّوائِرُ
وحيّا الحَيا فيه وُجوهاً إذا اِنجلَتْ / تُعيدُ ضِياءَ الصُّبْحِ والليلُ عاكِرُ
وجوهاً ترى منها بُدوراً تعمّمَتْ / ومنها شُموساً قنّعَتْها الدّياجِرُ
تردّدَ ماءُ الحُسْنِ بين خُدودِها / فأصبحَ منها جارياً وهْو حائِرُ
فدَيتُهُم من أسرةٍ قد تشاكلَتْ / محاجِرُهُم في فَتْكِها والخناجِرُ
إذا مِن مواضيهِم نجا قلبُ زائِرٍ / فمن بيضِهِمْ تُرْديهِ سُودٌ بواتِرُ
أقاموا على الأبوابِ حُجّابَ هَيبةٍ / فلم يغْشَهُم ليلاً سوى النّومِ زائِرُ
فلولاهُمُ لم يُصب صوتٌ لمُنْشدٍ / ولا هزّ أعطافَ المحبّين سامِرُ
ولولا غَوالي لُؤلؤٍ في نُحورِهم / وأفواهِهم لم يُحْسِنِ النّظْمَ شاعِرُ
فما الحُسْنُ إلّا روضةٌ ذاتُ بهجةٍ / وما هُم إلّا وردُها والأزاهِرُ
لقد جمعَ اللّهُ المحاسنَ فيهم / كما اِجتمعَتْ باِبْنِ الوصيّ المَفاخِرُ
سَليلُ عليّ المُرتضى وسميّه / كريمٌ أتَتْ فيه الكِرامُ الأكابرُ
عزيزٌ لدى المِسكين يُبدي تذلُّلاً / وتسجُدُ ذُلّاً إذ تَراهُ الجَبابِرُ
منيرٌ تجلّى في سَماواتِ رِفعةٍ / كَواكِبُها أخلاقُه والمآثِرُ
مليكٌ أقامَ اللّهُ في حَمْلِ عرشِهِ / مُلوكاً همُ أبناؤهُ والعشائِرُ
عظيمٌ يَضيقُ الدّهرُ عن كتمِ فضلِه / فلو كان سرّاً لم تسَعْهُ الضّمائرُ
فما المجدُ إلّا حُلّةٌ وهْو ناسجٌ / وما الحمدُ إلّا خمرةٌ وهو عاصِرُ
يُسِرُّ العَطايا وهو ذو شغَفٍ بها / وهيهاتِ تَخفى من مُحبٍّ سرائِرُ
يحدّثُ عنه فضلُه وهْو صامتٌ / ويَخفى نَداهُ وهو في الخَلقِ ظاهرُ
يغصُّ العِدا في ذكرِه وهو طيّبٌ / وكم طيّبٍ فيه تغصُّ الحَناجِرُ
إذا اِشتدّ ضيقُ الأمر بانَ اِرتخاؤهُ / وهل تحدُثُ الصّهباءُ لولا المَعاصرُ
غَمامٌ إذا ضنّ الغَمامُ بجودِه / توالَتْ علينا من يَديهِ المَواطِرُ
فأين الجِبالُ الشُّمُّ من وزنِ حملِه / ومن فتكِه أينَ الأسودُ القَساوِرُ
وأينَ ذَوو الرّاياتِ منه إذا سَطا / وما كُلُّ خَفّاقِ الجَناحَين كاسِرُ
هُمامٌ أعادَ المجدَ بعد مَماتِه / وجدّد رَسْمَ الجودِ والجودُ داثِرُ
وورّدَ وجْناتِ الظُّبى وتسوّدَتْ / ببيضِ عَطايا راحتَيْهِ الدّفاترُ
لهُ شِيَمٌ تصحو فتُفْني حُطامَهُ / هِباتٌ كما تُفْني العُقولَ المَساكِرُ
فكم همّ في عَثْرِ المَنايا إلى المُنى / فجازَ عليها والسّيوفُ القَناطِرُ
وكم وَقفةٍ معروفةٍ في العِدا له / لها مثَلٌ في سائِرِ النّاس سائِرُ
وكم موقفٍ أثْنَتْ صُدورَ القَنا به / عليه وذمّتْهُ الكُلى والخَواصرُ
ولم أنسَ في المَيْناتِ يومَ تجمّعتْ / قبائِلُ أحزابِ العِدا والعشائِرُ
عصائِبُ بَدوٍ أخطأوا بادِئَ الهَوى / فرامُوهُ بالخذلانِ واللّهُ ناصِرُ
تمنّوا مُحالاً لا يُرامُ وخادَعوا / وقد مكَروا واللّهُ بالقَومِ ماكِرُ
أصرّوا على العِصيانِ سرّاً وأظهروا / له طاعة والكلُّ بالعَهدِ غادِرُ
وقد جحدوا نُعمى عليٍّ وأنكروا / كما جحدوا نصَّ القدير وكابَروا
توالَوا على عزلِ الوصيِّ ضلالةً / وقد حسّنوا الشورى وفيها تشاوَروا
شياطينُ إنسٍ جُمِّعوا حولَ كاهِنٍ / وأمّةُ غيٍّ بينها قام ساحِرُ
فقام إليهم إذ بغَوا أدعياؤه / رُعاةٌ بها تجري العِتاقُ الصّوارمُ
وكلُّ فتىً مثلُ الشِّهابِ إذا اِرتمى / غدا لشياطين العِدا وهْو داحِرُ
وفُرسانُ حربٍ من بَنيه إلى العِدا / موارِدُهُم معروفةٌ والمَصادرُ
أُسودٌ إذا ما كشّر الحربُ نابَهُ / سَطَوْا والظُّبا أنيابُهم والأظافِرُ
يهزّون في نارِ الوَغى كلَّ جدولٍ / يَموجُ به بحرٌ من الموتِ زاخِرُ
همُ عشرةٌ في الفضلِ كاملةٌ لهم / مآثِرُ فخرٍ للنّجومِ تُكاثِرُ
بهم شُغِفَتْ منه الحواسُ مع القِوى / فصحّتْ له أعضاؤهُم والعناصِرُ
همُ جمَراتُ الحرب يومَ حُروبِه / وفي السّلمِ أسنى سمعِه والمحاجِرُ
إذا شرُفوا فوقَ السّروجِ حسبتَهم / بُدورَ تَمامٍ للمعالي تُبادرُ
فمَنْ شِئْتَ منهم فهْو في السّبْقِ أوّلٌ / ومَنْ شئْتَ منهم فهو في العزّ آخرُ
فلمّا اِلتقى الجمعان واِنكشفَ الغِطا / وقد غابَ ذِهْنُ المرءِ والموتُ حاضِرُ
وقد حارَتِ الأبصارُ فالكُلُّ شاخِصٌ / على وجَناتِ القومِ والرّيقُ غائِرُ
وأضحَتْ نُفوسُ الشّوسِ وهي بضائِعٌ / بسوقِ الرّدى والمكرُماتُ المتاجِرُ
سَطا وسَطَوْا في إثْرِه يلحقونه / يُريدون أخذَ الثّارِ والنقْعُ ثائِرُ
وصالَ وصالوا كالأسودِ على العِدا / ففرّوا كما فرّتْ ظِباءٌ نوافِرُ
فكم تركوا منهم هُماماً على الثّرى / طريحاً ومنهُ الرأسُ بالجوِّ طائِرُ
فلم يخْلُ منهم هاربٌ من جراحَةٍ / فإنْ قيلَ فيهم سالِمٌ وهْو نادِرُ
تولّوا وخلّوا غانياتِ خُدورِهم / فتلْطِمُ حُزْناً والرّؤوسُ حَواسِرُ
فصاحَت بأعلى الصوتِ يا حاميَ الحِمى / لَعفوُكَ مأمونٌ ولُطفُك وافِرُ
فردّ عليها سِترَها بعدَ هتْكِه / وبشّرها بالأمنِ مما تُحاذِرُ
وأمسَتْ لديه في أتمِّ صيانةٍ / وإنْ عظُمَتْ من فوقهنّ الجَرائِرُ
فتبّاً لهم من معشرٍ ضلّ سعيُهم / وقد عمِيَتْ أبصارُهم والبصائرُ
لقد ضيّعوا ما اللّهُ باللّوْحِ حافظٌ / وقد كشَفوا ما اللّهُ بالغيبِ ساتِرُ
ألا فاِسمَعوا يا حاضرونَ نصيحةً / تُصدّقُها أعرابُكم والحواضِرُ
عظيمُ مُلوكِ الفُرسِ تعرِفُ قدْرَه / وتغبِطُهم فيهِ وفيكَ القَياصِرُ
لقد شنّفَ الأسماعَ دُرُّ حديثِه / وشمّتْ فتيقَ المِسْكِ منه المَناخِرُ
فشُكراً لربّي حيثُ حفّكَ لُطفُه / بنَصْرٍ وحسْبي أنّك اليومَ ظافِرُ
طلَبْتَ عظيمَ المجدِ بالهِمّةِ الكُبرى
طلَبْتَ عظيمَ المجدِ بالهِمّةِ الكُبرى / فأدرَكْتَ في ضربِ الطُّلا الدّولةَ الغَرّا
وسِرْتَ على شوكِ العَوالي إلى العُلا / ومَنْ رامَ إدراكَ العُلا يركَبِ الوَعْرا
لِكَسْبِ الثّنا خُضْتَ الحُتوفَ وإنّما / يخوضُ عُبابَ البحرِ مَنْ يطلُب الدُّرّا
إذا عرَضَتْ دونَ المُنى لكَ لجّةٌ / منَ الحتفِ صيّرْتَ الحديدَ لها جِسْرا
وإنْ غشِيَتْ نورَ البصائِرِ ظُلمةٌ / جلَبْتَ من الرّأيِ السّديدِ بها فجْرا
درَى المُلكُ يا يَحْيى بأنّك قلبُه / فضمّكَ حتّى منهُ أسكنَكَ الصّدْرا
جلَسْتَ على كُرسيّهِ فأزَنْتَهُ / فأصبحْتَ كالتّوريدِ في وجنةِ العَذْرا
خلَتْ منه إحدى راحتَيْكَ فحُزْتَهُ / بسعيِك بعد الفوْتِ بالرّاحةِ الأخرى
فخاتَمُهُ لم ينتزع من يَمينِه / سوىً كان بالكفِّ اليَمين أو اليُسرى
فما البصرةُ الفيحاءُ إلّا قِلادةٌ / ونحرُك من دونِ النّحورِ بها أحرى
وما هي إلّا ذاتُ حُسْنٍ تعجّبَتْ / قد اِتّخذَتْ جيشَ الأُسودِ لها خِدرا
حَصانٌ بِهالاتِ الحُصونِ تسوّرَتْ / مُخدِّمةً تستخدمُ البيضَ والسُّمرا
تَمادى زَماناً وعدُها فتمنّعَتْ / وجادَتْ بوصلٍ بعدَما مطلَتْ دَهْرا
ولَجْتَ قُلوبَ البيضِ كالسّرِّ نحوَها / وخُضْتَ بلِمّاتِ الملمّاتِ كالمِدْرا
تزوّجْتَها من بعدِ ما فاتَها الصِّبا / فأمْسَتْ لديكَ الآنَ ثيّبُها بِكرا
نسجْتَ لها حُمرَ الملابِسِ بالوغى / وألبَسْتَها في سِلمِك الحُلَلَ الخَضْرا
جعلتَ رؤوسَ المُعتدينَ نِثارَها / وأنقَذْتَ من بيضِ الحديدِ لها المَهْرا
دخلتَ عليها بعدما اِنكشفَ الغِطا / فكُنتَ لعوراتِ الزّمانِ لها سِترا
رجَعْتَ إليها بالولايةِ بعدَما / عرَجْتَ عُروجَ الرّوحِ في ليلةِ الإسْرا
ترحّلْتَ عنها كالهِلالِ ولم تزَلْ / تنقّلُ حتّى عُدْتَ في أفْقِها بَدْرا
وفارقَها محروقةَ القلبِ ثاكِلاً / وأُبْتَ فأبدَتْ من مسرّتِها البِشْرا
لئِنْ منحَتْكَ اليومَ جهراً وصالَها / لقد كان هذا الأمرُ في نفسِها سِرّا
فكم مرّ عامٌ وهي تُخفي حنينَها / إليكَ وتُحيي ليلَها كلَّه سَهْرا
لأمرٍ عَدا كانت تصدُّ إذا رأتْ / لوصلِك وقتاً لم تجِدْ دونَه عُذرا
بسُمْر القَنا ورّدْتَ في الطّعنِ خدّها / وبالبيضِ قد رتّلْتَ من ثغرِها الثّغرا
لقد أبصرَتْ بعد العَمى فيكَ عينُها / وأحدثَ في أجفانِها فتحُك السِّحرا
وقلّدْتَ في عقدِ المكارِمِ جيدَها / ووشّحْتَ منها في صنائِعِكَ الخَصْرا
وأضحَكْتَها بعدَ البُكا في صوارمٍ / متى اِبتسمت في الروعِ تستضحكُ النّصرا
ورشّقْتُها حتّى حكى التِبْر تُربها / ولو لم تكنْ في أرضِها أصبحتْ قَفْرا
فكُنتَ لها لمّا اِستويتَ بعرشِها / كيوسُفَ إذ ولّاهُ سيّدُه مِصْرا
فلم تجزِ أهلَ الكَيْدِ يوماً بكَيدِهم / ولم تصطَنِعْ غَدْراً بمَن صنَع الغَدْرا
وهبْتَ جميعَ المُذنبينَ نُفوسَهم / فأوسَعْتَهُم عُذراً وأثقلتَهُم شُكرا
وجودُك فيها للعبادِ مسرّةٌ / لأنّك بدرٌ وهيَ بالشّرفِ الزّهرا
حوَيْتَ الثّنا والبأسَ والحزْمَ والنُهى / وحُزْتَ النّدى والعفوَ والحِلمَ والصّبْرا
عمَرْتَ بُيوتَ المجدِ بعدَ خرابِها / فجدّدْتَ يا يَحيى لأمواتِها عُمْرا
بخُفّيكَ يَمشي النعلُ وهوَ حديدةٌ / يَفوقُ على تاجِ النُّضارِ على كسْرى
وفيكَ ثرى الفيحاءِ لمّا حلَلْتَها / تشرّفَ حتّى شارفَ الأنجُمَ الزُّهْرا
تَهَنَّ بها مُستَمْتِعاً واِلْقَ وجهَها / ببِشرٍ يسرّي الهمّ عن مُهجةِ الغَرّا
فلا برِحَتْ أيدي المَلاحةِ والصِّبا / على وجنتَيْها تجمَعُ الماءَ والجَمْرا
وزُفَّ الطّلا واِشرَب على وردِ خدِّها / فشُرْبُ الطِلا يحلو على الوجنةِ الحَمرا
ولا صحّ مُعتلُّ النّسيمِ ولا صحَتْ / بعصرِكَ فيها أعيُنُ الخرّدِ السّكْرى
ولا زِلْتَ غيثاً هامياً وهي روضةٌ / مدى الدّهرِ تَجني من خَمائِلِها الزّهْرا
مضى خلَفُ الأبْرارِ والسيّدُ الطُّهرُ
مضى خلَفُ الأبْرارِ والسيّدُ الطُّهرُ / فصدْرُ العُلى من قلبِه بعدَهُ صُفْرُ
وغُيِّبَ منه في الثّرى نيّرُ الهُدى / فغارَتْ ذُكاءُ الدّينِ واِنكسَفَ البدْرُ
وماتَ النّدى فلْتَرْثِهِ ألسُنُ الثّنا / وليثُ الوَغى فلتَبْكِه البيضُ والسُّمرُ
فحقُّ المعالي أن تشُقَّ جُيوبَها / عليهِ وتنْعاهُ المكارمُ والفخرُ
هو الماجِدُ الوهّابُ ما في يَمينِه / هوَ العابِدُ الأوّابُ والشّفْعُ والوِتْرُ
هوَ الحُرُّ يومَ الحربِ تُثْني حِرابُه / عليهِ وفي المِحرابِ يعرفُه الذِّكرُ
فلا تحسبَنّ الدّهرَ أهلكَ شخصَهُ / ولكنّهُ في موتِه هلكَ الدّهرُ
فلو دفَنوهُ قومُه عندَ قدْرِه / لجلَّ ولو أنّ السِّماكَ له قَبْرُ
وما دَفْنُه في الأرضِ إلّا لعِلْمِنا / به أنّه كنزٌ لها ولَنا ذُخْرُ
وما غَسْلُه بالماءِ إلّا تطوّعاً / وإلّا فَقولا لي متى نَجُسَ البحرُ
فتىً يورِدُ الهِنديَّ وهْوَ حديدةٌ / ويَصدِقُ فيه وهوَ من علَقٍ تِبْرُ
حَوى الفضلَ والإيثارَ والزُّهْدَ والنُّهى / وصاحَبهُ المعروفُ والجودُ والبِرُّ
تعطّلَتِ الأحكامُ بعد وفاتِه / وضاعَتْ حُدودُ اللَّهِ والنهيُ والأمرُ
فهل لفُروضِ الدّينِ والنّفْلِ حرمةٌ / وهل لليالي القَدْرِ من بعدِه قَدْرُ
يعِزُّ على المُختارِ والصّنوِ رُزْؤُه / لعِلمِهما في أنّه الوَلَدُ البَرُّ
فغيرُ مَلومٍ جازِعٌ لمُصابِه / ففي مثلِ هذا الخطْبِ يُستَقبَحُ الصّبْرُ
أجَلُّ بَني المَهديّ لو أنّهُ اِدّعى / وقال أنا المهديُّ وازَرَهُ الخضْرُ
كريمٌ كأنّ اللّهَ أخّرَ موتَهُ / ليكسِبَ فيهِ الأجْرَ مَنْ فاتَهُ بَدْرُ
فكيفَ رياضُ الحُزنِ يبسِمُ نَوْرُها / وترجو حياةً بعدَما هلَكَ القَطْرُ
وكيفَ نُرجّي أنّ لليلِ آخِراً / وفي ظُلُماتِ الأرضِ قد دُفِنَ الفَجْرُ
فأيُّ عِظامٍ في ثَراهُ عظيمةٍ / تجِلُّ وعن إرثائِها يصغُرُ الشِّعْرُ
نصلّي عليها وهي عنّا غنيّةٌ / ولكنّنا فيها لنا يعظُمُ الأجْرُ
ونُثني عليها رغبةً في ثنائِها / ليَعبَقَ في الأفواهِ من طيبِها عِطْرُ
ترفَّعْنَ عن قدْرِ المَراثي جلالةً / وعنْ أدمُعِ الباكي ولو أنّها دُرُّ
فمَنْ لليَتامى والأرامِلِ بعدَهُ / وممّنْ نرجّي النّقْعَ إنْ مسّنا الضُّرُّ
كأنّ الورى من حولِه قبلَ بعثِهم / دَعاهُم من الأجداثِ في يومِه الحَشْرُ
لَئِنْ غدرَتْ فيه اللّيالي فإنّها / بكُلِّ وفيِّ العهدِ شيمَتُها الغَدْرُ
وما ضرّها لو أنّها في عبيدِه / منَ الخَلقِ يُفْدى ذلكَ السيّدُ الحُرُّ
سَرَتْ نسمةُ الرُّضوانِ نحو ضريحِه / ولا زالَ فيها من شَذا طِيبِه نَشْرُ
وفي ذمّةِ الرّحمنِ خيرُ مودَّعٍ / أقامَ لدَينا بعدَهُ الوَجْدُ والفِكْرُ
تناءَى فللدُّنيا عليهِ وأهلِها / بُكاءٌ وحزْنٌ والجِنانُ لها بِشْرُ
دعَتْهُ لوصْلِ الحورِ طوبى فزارَها / ولم يدْرِ فيمَنْ بعدَهُ قتلَ الهَجْرُ
فلا يَشْمَتِ الحُسّادُ فيه فإنّه / سترغمُهُمْ بالموتِ أبناؤهُ الغُرُّ
لَئِنْ سلِمَتْ أبناؤهُ وبَنوهُمُ / فويلُ العِدا ولْيَفرَحِ الذّئْبُ والنَّسْرُ
فُروعٌ تَسامَتْ للعُلا وهْوَ أهلُها / فطابَتْ وفي أفنانِها أثّرَ الشُّكْرُ
مُلوكٌ زكَتْ أخلاقُهم فكأنّهُم / حدائِقُ جنّاتٍ وأخلاقُهُم زَهْرُ
كأنّ عليّاً بينهُم بَدْرُ أربعٍ / وعَشْرٍ أضاءَتْ حولَهُ أنجُمٌ زُهرُ
إذا ما عليٌّ كان في المجدِ والعُلا / سَليماً فلا زَيدٌ يَقولُ ولا عَمْرُو
يَهونُ علينا وقْعُ كلِّ ملمّةٍ / إذا كان موجوداً وإن فدَحَ الأمرُ
أمَولايَ هذا عادةُ الدّهرِ في الوَرى / وليس بهِ خيرٌ يَدومُ ولا شَرُّ
فعُذْراً لِما يَجنِيهِ فيكُم فكَمْ وكَمْ / لهُ عِندَكُم من قبلُ فادحةٌ وِتْرُ
عَسى اللّهُ يَجزيكَ الثّوابَ مُضاعَفاً / ويَعقُبُ عُسْرَ الأمرِ منْ بَعدِهِ يُسْرُ
ويُلْهِمُكَ الصّبرَ الجميلَ بفَضلِهِ / ويمتدُّ في الحظِّ السّعيدِ لكَ العُمْرُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025