المجموع : 12
أذاكرةٌ يومَ الوَداع نَوارُ
أذاكرةٌ يومَ الوَداع نَوارُ / وقد لَمَعتْ منها يَدٌ وسِوارُ
عَشِيّةَ ضَنّوا أن يَجودوا فعلَّلُوا / وخافوا العِدا أن يَنْطِقوا فأشاروا
حدَوْا سُفْنَ عِيسٍ لم تزَلْ بصُدورِها / تُخاضُ من اللّيلِ البهيم غِمار
فَحلُّوا قِفاراً مَرّتِ الظُّعْنُ فوقَها / وخَلَّوا ديارَ الحَيِّ وهْيَ قِفار
غدَوا دُرَراً أصدافُهنّ هوادِجٌ / وليس لها إلاّ السّرابَ بِحار
وأثمانُها الأرواحُ تُبذَلُ والوغى / لَهُنّ عُكاظٌ والرِّماحُ تِجار
أعِدْ نظَراً يا رائدَ الحَيِّ قاصداً / إلى أينَ من حُزْوَى المَطِيُّ تُثار
أما همْ إلى قلبي من العينِ غُدْوةً / يَسيرون أن زَمُّوا الجِمالَ وساروا
إلى كَبِدٍ تَشكو الغرامَ جديبةٍ / سَروْا من جفونٍ سُحْبُهنّ غِزار
وما رَحلوا إلاّ انتجاعاً فلو دَرَوْا / بِما بي لَحاروا في المَسيرِ وجاروا
بنَفْسي غزالٌ أَعرضَ البُعدُ دونَه / فعادَ رَبيبُ الوَصْلِ وَهْوَ نَوار
تُعاتَبُ عيني حين يَعلَقُ خاطري / ولَومُ المَشوقِ المُستهامِ ضِرار
ويَقْلَقُ قلبي حين يَطْرُقُ ناظري / فَبعْضِيَ من بَعْضي عليه يَغار
فهل نَهْلةٌ تَشْفي الغليلَ لمُدْنَفٍ / ففي الصّدْرِ من نارِ الفراقِ أُوار
يُواصِلُ قلبي وهْو للعين هاجِرٌ / لَصيقُ فؤادٍ شَطَّ منه مَزار
فليت ديارَ النّازحاتِ قلوبُنا / لِتسلُوَ أم ليت القلوبَ دِيار
أبى القلبُ إلاّ ذِكْرَهُنّ وقد بَدا / معَ الصّبحِ أشْباهاً لَهنَّ صُوار
وليلةَ أهْدَيْنَ الخيالَ لناظري / وبالنّومِ لولا الطّيفُ عنه نِفار
تَقنَّصْتُه والأُفْقُ يجتابُ حُلّةً / من الوَشْيِ يُسدَى نَسْجُها ويُنار
فلا يَحسَبِ الجوزاءَ طَرْفُك أنّها / هَدِيٌّ لها شُهْبُ الظّلامِ نِثار
وأنّ الثُريّا باتَ فِضّيُّ كأسِها / بأيدي نَدامَى الزَّنْجِ وهْو يُدار
فليس الدُّجَى إلاّ لنارِ تَنَفُّسي / دُخانٌ تَراقَى والنُّجومُ شَرار
رُوَيْداً لقَلْبي بالهوَى يا ابنَ حامدٍ / وإلاّ فلَيْلِي ما بَقيِت نَهار
إذا طَلَعتْ في بلدةٍ لكَ رايةٌ / فللظُّلْمِ منها والظّلامِ فِرار
فِدىً لعزيزِ الدّينِ في الدّهرِ عُصبةٌ / أجارَ من الخَطْبِ الجسيمِ وجاروا
منَ البِيضِ أمّا بَحرُه لعُفاتِه / فَطامٍ وأمّا دُرُّه فكِبار
فتَى الدّهرِ ما ثار امْرؤٌ لِيَؤمَّه / فَيْبقَى له عند المطالِبِ ثار
يُلِمُّ بمَغْشِيِّ الرِّواقَيْنِ للِنّدَى / وللبأسِ يوماً إن أظَلَّ حِذار
عِراصٌ تَرى رُسْلَ الملوكِ تَحُلُّها / كما انتثَرتْ فوق الرِّياضِ قِطار
إذا سار وَفْدٌ زائرون فَودَّعوا / تَناهَى إليها آخَرونَ فَزاروا
هُمامٌ إذا ما شاء صَبَّحَ مارِقاً / بأرْعَنَ عينُ الشّمسِ منه تَحار
وكُلُّ فتىً للعينِ والسّيفِ إنْ غَزا / يَعِزُّ بجَفْنٍ أنْ يُلِمَّ غِرار
مشيحٌ إذا الجَبّار صَعّرَ خَدّه / أعاد دَمَ الجَبّار وهْو جُبار
ورَدَّ طِوالَ السّمهريّ قصيرةً / غداةَ لجَيْن المَشْرفيَ نُضار
بحيثُ دنانير الوجوهِ مَشوفة / بنَقْرِ بنانِ المرهَفاتِ تُطار
وحيث وَقور الطَّودِ من هَوْلِ يَومِه / يَرَى وهْو نَفْع في السّماء مُثار
وإن شاء نابَتْ عن رماحٍ بكَفّهِ / أنابيبُ حتّى لا يُشَنّ غِرار
حديداتُ خَرْقِ السَمْعِ إنْ صَمّتِ القنا / تَغلغلَ فيه للقَضاء سِرار
إذا غرسَتْها كَفّه في صحيفةٍ / غدَتْ ولها غُرّ الفتوح ثِمار
ايا مَن تَفوقُ النّجمَ غُرّةُ طِرْفِه / إذا انشَقَّ عنه للعيونِ غُبار
تَخيَّركَ السّلطانُ للنُّصحِ صاحياً / فشابهَ سِرّاً من هَواكَ جِهار
غدا كاشتقاقِ اسمَيْكُما مَعْنَياكُما / صفاءً فحَبْلُ الائتِلافِ مُغار
وهل يَتّقي رَيْبَ الزّمانِ ابنُ حُرّةٍ / وأنت له مِمّا يُحاذِرُ جار
وما كان يَغشَى البدْرَ لو كنتَ جارَهُ / خُسوفٌ يُغَطّي وَجهَهُ وسِرار
ولكنّه من نورِ غَيرِك قابسٌ / فلا غَرو إن لَوَّى خُطاهُ عِثار
حَسودُك تُمسي طارقاتُ همومِه / وهنّ له دون الشِّعارِ شِعار
كتطْبيقِ سَيْفٍ فيه إطباقُ جَفْنِه / فأشفارُ عينَيْهِ عليه شِفار
إذا ضافَهُ هَمٌّ يصافِحُ قَلّبَه / ورَتْ منه ما بين الأضالعِ نار
وجاءتْ لأدْنَى مِسحةٍ فكأنّما / له الصَدْر مَرْخٌ والبَنانُ عَفار
طلعْتَ ثَنِيّاتِ المناقبِ كُلَّها / فما في العُلا إلاّ إليكَ يُشار
وما الدّهْرُ لولا أنّه لك خادِمٌ / وما الأرضُ لولا أنّها لكَ دار
تَواضَعُ عن عُظْمٍ وتُزْهَي بنَظرةٍ / بمُؤْخَرِ عَينٍ منك حينَ تُعار
فعندك إن جَفّ الغمائمُ نُجعةٌ / وفيك إذا خَفَّ الجبالُ وَقار
دُعيتَ عزيزَ الدّينِ أْيمَنَ دَعوةٍ / فباسْمِك من رَيْبِ الزّمانِ يُجار
بمَحْكيَ عَيْنٍ منه إذ يَسِمُ الثَّرَى / لك الخيلُ يَضحِي للبلادِ قَرار
وفي الأُفْقِ يَحكيه الهلالُ فَيزدَهِي / به الدّهرَ إذ يَعلوهُ منك شِعار
مَلكْتَ إذَنْ أرضَ الورى وسماءهمْ / فهل فوق هذا للفَخور فَخار
حَلفْتُ بعاديِّ البِناء مُحجَّنٍ / يُجابُ له عَرْضُ الفلا ويُزار
وتأميل عفْوِ الله تحت ظِلالِه / إذا ضَمَّه والزّائرينَ جِوار
وأبيضَ من ماء العيونِ لأجلِه / وأحمرَ من ماء النَّحورِ يُمار
وتَرجع أصواتِ المُهِلّينَ كلّما / دَمِينَ جِمالٌ أو رُمِينَ جِمار
لمَا أنت إلاّ بيتُ مجدٍ وسُؤددٍ / للُقيْاهُ يُسْرَي دائماً ويُسار
على أنَّ حَجَّ البَيتِ في العامِ مَرّةً / وحَجُّكَ في اليومِ القَصيرِ مِرار
لك البَدَراتُ الكُومُ يُنْحرْنَ للقِرَى / إذا نُحِرَتْ للآخَرينَ عِشار
فمنك نُضارٌ صُرَّ مِلءَ جُلودِها / إذا كان منهم جِلّةٌ وبِكار
مَواهبَ سَبّاقِ السُّؤالِ برِفْدِه / على حينَ جُلُّ الأُعطِياتِ ضِمار
فتىً فيه آمالُ الوفودِ إذا اعتفَوا / طِوالٌ وأعمارُ الوُعودِ قِصار
أفاضَ اللُّها حتّى قضَوا أنّ مالَهُ / لراجِي نَداهُ في يدَيْهِ مُعار
لكُلِّ سوى الدّينارِ عند فِنائهِ / ذِمامٌ إذا ما حَلّه وذِمار
وما كان لَونُ التبْر ذاك وإنّما / عَلاهُ لخَوفِ الجودِ منك صُفار
فَعيِّدْ كذا ما طافَ بالبيتِ زائرٌ / وخَبّتْ مَهارٍ شَطْرَه ومِهار
ولمّا تَجنّبتَ الحرامَ وشُربَه / أتَتْكَ حلالاً من يَديَّ عُقار
فخُذْها كؤوساً ليس في نَشوةٍ بها / لِذي الفضلِ عابٌ يَتّقيهِ وعار
ولي خاطِرٌ أضحَى وأَدنَى بَيانِه / لأبناء آدابِ الزَّمانِ مَنار
وصَدْرٌ كبَيْتِ النَّحْلِ فيه لَواسِعٌ / على أنّ أَرْيَ الشِعّرِ منه يُشار
حَدَتْنيَ من دَهْري إليك حوادثٌ / وقد قيلَ في بعضِ الشُّرور خِيار
وكم قَعد الأقوامُ عنك فأظلَمُوا / وجاؤوكَ يَرجون الغِنى فأناروا
وإنّي لفي قَيْدَيْ أياديكَ راسِفٌ / فما لي إلى وَشْكِ الرّحيلِ بِدار
وكيف أَجوبُ الأرضَ والشُكْرُ مُوثِقي / ألا إنّ طولَ المُنْعِمينَ إسار
فلا زلتَ أُفْقاً فيه للمجدِ مَطلعٌ / وقُطباً عليه للعلاء مَدار
خيالُكَ من قبلِ الكَرى طارقي ذِكْرا
خيالُكَ من قبلِ الكَرى طارقي ذِكْرا / ففيمَ التزامي للكَرى مِنّةً أُخْرَى
غدا شَخصُكمْ في العينِ مِنّيَ قائماً / فمِن نَمّةِ الواشي بكمْ آخُذُ الحِذْرا
فواللهِ ما ضَمّي الجفونَ لرَقْدةٍ / ولكنْ لأُلقي منه دونَكمُ سِتْرا
ومَن لي بكِتمانِ الّذي بي من الهَوى / ومن تُهَمِ الأعداء إن رُمتُ أن أبْرا
ومن نارِ قلبي لو تَرامَتْ شَرارةٌ / إلى الأُفْقِ ليلا رَدَّ فَحمتَهُ جَمرا
أبِيتُ نديمَ النَّجْمِ من كَلَفِي بكمْ / وإنْ لم أعاقِرْ غيرَ كأسِ الهوى خَمرا
وتَسحرُ لي سِحْرَ المقنَّعِ مُقلَتي / فتُطلِعُ لي باللّيلِ من طيفِكمْ بَدرا
فما رائعي واللّيلُ يَقْضِي ذماءه / من الصُّبحِ إلاّ نَفثةٌ تُبطِلُ السِّحرا
وللهِ من عُلْيا عُقَيلٍ عَقيلةٌ / إذا رحَلتْ كان الفؤادُ لها خِدرا
حكَى ثَغرُها عِقداً فإن أخصَر النَّدى / قلائدَها صُبحا حكَى عِقدُها الثَغْرا
وفتّانةٍ صاغَتْ سلاسلَ صُدغِها / قُيوداً على أجيادِ عُشّاقِها الأسرى
تَبسَّمُ عن دُرٍّ تَكلّمُ مثْلَه / فلم أر أحلَى منه نَظْماً ولا نَثْرا
خليلّيَّ عُوجا اليومَ نَسألْ بوَجْرةٍ / عن الظّبيةِ العَفراء كُثبانَها العفرا
ولا تأْمَنا غَيْران أصبحَ دُونَها / ببِيضٍ وسُمْرٍ يَكْنُفُ البِيضَ والسُّمرا
وما هيَ إلاّ طَوفةٌ بِفنائها / فمن ناظرٍ شَزْراً ومن طاعنٍ شَزرا
وفي الحَيِّ إن زُرْنا ذواتُ غَدائرٍ / تُغادِرُ غُدْراً في الخدودِ لنا غَدرا
وغُرُّ الثّنايا يَحسَبُ القومُ أنّها / أتَتْهم فقالَتْ وهْي صادقةُ البُشرى
إلى شَرفِ الدّينِ الوِزارةُ أُنهِيَتْ / فَرَدُّوا لها الأفواهَ مَملوءةً دُرّا
سُروراً بمَولىً مُذْ نَشا الدهرُ لم يُنِطْ / بأكملَ منه رَبُّه النّهْيَ والأمرا
تَرى صَدْرَه بَحراً وأنمُلَه حياً / وأخلاقَه روضاً وآدابَه زَهرا
وحُسنَ ثناءِ النّاسِ في كلِّ نَدوةٍ / نَسيماً تَهادَى السامعون له نَشرا
تَولّى الورَى جُوداً وبأْساً فلم يدَعْ / لهم في يَدِ الأيّامِ نَفْعاً ولا ضَرّا
ومن عَجبٍ أن يَعبُدَ الدّهْرَ مَعْشرٌ / وقد أبصروا المولَى الّذي استَعبدَ الدَّهرا
أظلَّتْ بنى الدُّنيا سماءُ عَلائهِ / وأطلعَ من أخلاقِه أنجُما زُهرا
أذالَ مَصونَ الوَفْرِ فافترعَ العُلا / ويَبذُلُ فضْلَ المَهْرِ مَن خَطَب البِكرا
هو الصّدْرُ والإسلامُ قلبٌ يَضُمُّه / ولا قلبَ إلاّ وَهْو مُتودعٌ صَدرا
أتَتْه وأقوامٌ أتَوها وِزارةٌ / فَجلُّوا بها قَدراً وجلّتْ به قَدرا
وكانتْ ذنوبُ الحادثاتِ كثيرةً / إلينا فلمّا جاء كان لها العُرا
عَجِبتُ لهُ يُبدِي إلينا تَواضُعاً / ولَمحةُ طَرْفٍ منه تُورِثُنا كِبرا
أخو باذِخ في ذُروةِ المجدِ شامخٍ / نُسورُ جَوادٍ تحته تَطَأُ النَّسرا
يُزيرُ الأعادي بعد كُتْبٍ كتائباً / وما اللّيثُ إلاّ مُتْبِعٌ نابَهُ الظُّفرا
هُمامٌ بأخْفَى كَيدِه يَصْعَقُ العِدا / فكيف إذا ما أَنذَر البَطْشةَ الكُبرى
ببِيضٍ صقيلاتِ المُتونِ صَوارمٍ / يُقَلّبْنَ يَومَ الرّوعِ ألْسِنةً حُمرا
وزُرْقٍ على سُمْرٍ إذا البِيضُ طاعَنتْ / بها الخيلَ رَدَّتْ دُهْمَ ألوانِها شُقرا
وزيرٌ غدَتْ أيّامُه وزَرَ الهُدَى / وكم مَعشرٍ كانتْ وِزراتُهم وِزْرا
وكيف يُخافُ الجَورُ في عَهدِ مُلكِه / وأعدَى اسْمُه بالعَدْلِ فيما مضَى كِسْرى
لقد عاد نوشَروانُ والعَدلُ للورَى / على حينَ نُوشَروانُ والعَدْلُ قد مَرّا
حكَى الدّهرُ بَيْتاً صاغَه اللهُ واحداً / ورَدَّ لإبداعٍ على العَجُزِ الصّدْرا
تَغالَى رسولُ اللهِ فيه مَحَبّةً / فأبْدَى بأيّامِ السّمِيِّ له فَخْرا
وإلاّ فما مَعْنَى عظيمِ افتِخارِه / بعَصْرٍ وفيه الأرضُ قد مُلِئَتْ كُفرا
ولكنْ لعِلْمٍ منه أن سَيَرى الوَرى / بسيفِ أبي نَصْرٍ لدينِ الهُدَى نَصرا
دعا فأجابَ اللهُ أنْ سَبقَ اسْمُه / إليه وأبقاهُ لأُمّتِهِ ذُخرا
فَحُيّيتَ من طَلْقٍ مُحيّاهُ ماجدٍ / أعاد قُطوبَ الدّهرِ للمُرتَجِى بِشرا
يَدُلُّ عليه الطّارقين اعْتِيادُهمْ / زيارتَه والطّيرُ لا تَجهَلُ الوَكْرا
تَرى الأرضَ سِفْراً من سُطورِ وُفودِه / إليه ومن حيث التفتَّ تَرَى سَفرا
إذا بَلّغتْه العِيسُ وَفْداً تَبادَرتْ / مَباسمُهُم لَثْماً مناسمَها شُكرا
ولمّا اعتزَمنا أن نَؤُمَّ فِناءه / وقد صالَ صَرْفُ الدّهرِ قُلنا له صَهرا
طَويتُ إليه للفلاةِ صحيفةً / تَخالُ مطايا الرَّكْبِ في بَطْنِها سَطرا
لَوَ انّ الفَلا أضحَى كتاباً لدارسٍ / لأبلاهُ إدماني له الطَيَّ والنّشرا
فحتّى متى أُمسِي وأُصبِحُ سادِراً / بدَهْري وأهلِيه وحاشاك مُغْتَرّا
أُطيلُ الأماني ضَلّةً وأعُدُّها / لجَهْلي غنىً والعُمْرُ قد وَدَّع الشّطرا
فحَولاءُ عَوراءُ يَظَلُّ حِسابُها / لوِتْرِ الورَى شَفْعاً وشَفْعِهمُ وِترا
ولي مِقْولٌ قد كان عَصْرُ شبيبتي / حُساماً وحُسْنُ القولِ في مَتْنِه أُثرا
ومُذْ شابَ شَعْرِي شاب شِعْري وخانَني / لرَيْبِ زمانٍ شاغلٍ مِنّيَ الفِكْرا
فمَن لي بمُلْكي من فراغٍ ومن غنىً / خِضابَيْنِ حتّى أصبُغَ الشَّعْرَ والشِّعرا
إلى شرَفِ الدّينِ الهُمامِ سرَتْ بنا / ركائبُ لم يُحمَدْ لها قَبْلَهُ مَسرى
لقد ضَلَّ مَن يَبْغي الغِنى عند غَيْرِه / وغُمْرُ الورىَ مَن رامَ مِن غُمَرٍ غَمرا
فعَطْفاً أدام اللهُ ظِلَّك وارِفاً / علينا فَنصْرُ الحُرِّ أنت به أَحرى
لاْغلَيتَ قِدْماً سِعْرَ شِعْرٍ أقولُه / وللشِّعرِ لا يُغْلي سوى الكَرَمِ السِّعرا
وإنّي لأرجو في زمانِك مِن عُلاً / إذا قلتُ شِعراً أن أرَى تحتيَ الشِّعْرى
فدونكَها في الأُذْنِ شَيئاً وضِدَّهُ / فَمِنْ سامعٍ قُرْطاً ومن حاسدٍ وَقْرا
مفوَّضةً تُهدي إلى البَعْلِ نَفْسَها / ولا تَبتغي إلاّ كفاءتَه مَهرا
لِقاؤكَ هذا وهْو أكبَرُ نِعمة / على الدّينِ والدُّنيا منَ الله لو يُدْرى
نذَرْتُ استلامَ الرُّكْنِ للبيت عندها / فألثَمني اليُمنَى لكَي أُوفيَ النَذْرا
رَضِيتُ بأَكدارِ المعيشةِ حِقْبةً / وقد يَشرَبُ الصّادي وَيغتَنمُ المُرّا
فأمّا وقد عايَنْتُ وجْهَكُ مُقبِلاً / فقد آن ألاّ أشربَ النُّطْفةَ الكَدْرا
لكلِّ امرئٍ يومٌ يُؤمِّلُ سَعْدَهُ / ويَوميَ هذا اليومُ فاشدُدْ لِيَ الأَزرا
لقد كان عن مَدْحِ الملوكِ وذِكْرِهمْ / نَوى أن يَصومَ الدّهرَ فِكْرِيَ لا الشّهْرا
ولكنّ إهْلالي بوَجْهِك آنِفاً / على صائم الآمالِ قد أوجَبَ الفِطرا
قَدِمْتَ مَع الأضحَى فأضحى مَجيئُه / وَراءك عن ثَغْرِ المَيامِنِ مُفْتَرّا
تَطالعْتُما سَعْداً ولكنْ سبَقْتَه / فأَسعَدْتَه وانساقَ يتلولكَ الإثرا
وقالوا نَرى النّحْرَ المُبشِّرَ حيث لم / يُحَلِّ بطَوْقٍ من هلالٍ له النّحرا
فَعوَّضَ من أعلامِه بأهلّةٍ / طلَعْنَ عليه يومَ مَوكبِه تَتْرى
فقلتُ بلِ المولَى ابنُ خالدٍ الّذي / بأسنَى العَطايا منه زائرُهُ يُقرى
لنا كُلَّ يومٍ منه عِيدٌ تكاملَتْ / مَواسِمُه مما قلَّب الأنمُلَ العَشرا
كفَى وجْهُه والكَفُّ والعُمْرُ والعِدا / هلالَ الورَى والعَشْرَ والعِيدَ والنَّحرا
فدَتْكَ وجوهٌ من مَوالٍ ومن عِداً / جُموعٌ كخَلْطِ النّاثرِ البِيضَ والصُّفْرا
وكلُّ حسودٍ فُوهُ خالٍ لبَغْيِه / من الشُّكْرِ لكنْ عينُه من دَمٍ شَكْرى
فلم يُبْقِ قُطْراً جودُ كفِّك لم يُفِضْ / على ساكنِيه من سَحاب النّدى قَطرا
قَريْتَ ضيوفَ الهَمِّ رأْياً كأنّما / شقَقْتَ به في جُنْحِ داجيةٍ فَجرا
وخِطّةِ إقليمٍ بعَثْتَ لعُسْرِها / بخَطّةٍ أقلامٍ فَبدَّلْتَهُ يُسرا
وبالخِنْصِرِ اليُمنَى تُعَدُّ فإن تكُنْ / غداةَ وغىً عَدّوكَ بالخِنْصِرِ اليُسرى
وإن هُمْ أعادوا نظْرةً عَلِموا بها / لجَمِعِ المَعاني أنّ فيك الورَى طُرّا
فلا بَرِحَتْ أيّامُ دَهْرِكَ كلُّها / بآثارِك الحُسنَى مُحجَّلةً غُرّا
كما قد غَدوْتَ النّاسَ طُرّاً منَ العُلا / كذا غدتِ الأعمارُ طرّاً لك العُمرا
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري / فلا وَصْلَ إلاّ ما تَصوَّر في الفِكْرِ
فيا مالكي منْعَ الجُفونِ من الكرَى / ألم تمَلِكوا منْعَ الفؤادِ منَ الذّكر
أَبِيتُ وسُمّارُ المُنَى بي مُطِيفةٌ / وبحرُ البُكا بالطّيْفِ مُمتَنِعُ العَبر
وقد وَتّدَ اللّيلُ النُّجومَ مُخَيّماً / وطَنَّب أجفاني إليها يَدُ الهَجر
وغادَر في خَدَّيَّ غُدْراً من البُكا / تَولُّعُ ربِّاتِ الغدائرِ بالغَدر
لقد أصبَحَتْ سمراءَ والسُّمْرُ بيننا / فماذا لَقِينا من سَمِيّاتِها السُّمر
ولم أنْسَها يومَ الرَّحيلِ وقد لَوتْ / بتَسليمةِ التّوديع حاشيةَ السِّتر
وقلبي مع الرَكْبِ اليمانينَ رائحٌ / لقىً بين أيدي العيسِ في البلَدِ القَفر
أقولُ وإلْفي للوداعِ مُعانِقي / ولى دَمعةٌ غَيّضْتُها فهْي في نَحْري
أدِرْ لي كؤوسَ اللَّثْمِ صِرْفاً لعلّه / تَسيرُ المطايا عند سُكْري ولا أدْري
فلي عَبراتٌ إن أحسَّتْ بِبَيْنِكم / إذنْ تَركَتْ بحراً لكم جانبَ البَرّ
أأحبابَنا هَبْكمْ عُذِرْتُم على النَّوى / فهل لصُدودِ الطَّيْفِ باللّيلِ من عُذر
وما لِسَمائي بعدكمْ حار بَدْرُها / ألم يتَعلَّمْ سرعةَ السَّيْرِ من بَدري
ولِمْ ثَقُلَتْ ريحُ الصَّبا مُذْ رحلْتُم / وكانتْ برَدْعِ المِسْكِ طَيِّيةَ النَّشر
رَحلتُمْ فقرَّبتُمْ مشيبي من الصِّبا / هموماً وباعدتُمْ عِشائي منَ الفَجر
فبينَ بياضَيْ عارضِي لَمْعُ بارقٍ / وبين بياضَيْ ليلتي مَوعِدُ الحَشر
فهل من نَقيبٍ للّيالي مُوكَّلٍ / بأنْ يَنفِيَ النّومَ الدَّعِيَّ من العَصر
فيأخذُ مُذْ بِنتُمْ ليالِيَّ قاطِعاً / ذَوائبَها لم يَنتسِبْنَ إلى عُمري
فأيُّ فتىً جلّى الغداةَ شِكايتي / جلَوتُ لِما يوليهِ عند الرِّضا شُكرى
لدى مَلكٍ في الشُّمِّ من آلِ هاشمٍ / نَدي الوجْهِ سامي الطّرفِ مرتَهنِ البِشر
مَهيبٌ لدى النّادي مُرجَّى لدى النّدى / فيُمناهُ من يُمْنٍ ويُسراهُ من يُسر
تُشيرُ إليه هاشمٌ بأكُفِّها / إشارةَ أيدي النّاظرينَ إلى البَدر
وتأْوي إليه إن ألمّتْ مُلِمّةٌ / ويأْوي جَناحُ الطّيْرِ ليلاً إلى الوَكْر
يُظاهِرُ بينَ الرَّأْيِ والسّيفِ دونهمْ / كما شَيّعَ ابْنُ الغابةِ النّابَ بالظُّفر
تكاد الرّماحُ السُّمْرُ وهْي ذَوابلٌ / تَعودُ بكَفّيهِ إلى الوَرَقِ الخُضر
ويُعطي عِنانَ البرقِ ضمْنَ سحائبٍ / إذا هَزَّ عِطْفَ الأعوجِيّةِ بالحُضر
وما ثار ذو شِبلَيْنِ من دونِ غِيلِه / بعَينَيْنِ كالمَقْدودَتَينِ منَ الجَمر
كإذْكائه دونَ الخلافةِ طَرْفَه / مُدِلاًّ برأْيٍ يَقرُنُ النَّصْلَ بالنَّصر
ومَن مثْلُ ذي الفَخْرَينِ فَخْرٍ بنفسه / وفَخرٍ بمَنْ أبقَوا له غايةَ الفَخر
حلَلْتَ من العّباسِ جَدِّك يا ابنَهُ / بحيثُ يُرىَ العبَاسُ مِن جَدِّه عَمْرو
فتىً كلُّ حُبِّ المجدِ غُرّةُ وجههِ / فوشّحه بِيضاً بأيّامِه الغُرّ
فيُقْمِرُ هذا اللّيلُ بالبدرِ وَحْدَه / ولكنّه بَدْرٌ معَ الأنجُمِ الزُّهر
ملوكٌ تَسامَوا للعُلا وأَئمّةٌ / أُولو العزْمِ في أزمانهمْ وأُولو الأَمر
تَبدَّى اللَّيالي في تَتابُعِ مُلكِهمْ / كما يتَبدَّى السّلْكُ من خَلَلِ الدُّرّ
ولم يُرَ كالعبّاسِ قِدْماً وهاشمٍ / شَبيهانِ مَجْداً في مُلوك بني النّضر
فهذا الّذي تُغْنِي عنِ القَطْرِ كَفُّه / وهذا الذي يَأْتي مُحَيّاهُ بالقَطر
فدَتْكَ نظامَ الحَضرتَيْنِ منَ الوَرى / أكفُّ رجالٍ لا تَريشُ ولا تَبْري
وما حِليةُ الأَشرافِ إلاّ مآثرٌ / وهل حِلْيةٌ للمشرفيِّ سوى الأثر
ويا ذِروةَ الخُطّابِ عزّاً وقد سعَتْ / إليك هوىً فاطْرَبْ لغانيةٍ بِكْر
فما تَرتضِي إلاّ علاءكَ بَعْلَها / وما تَبتغِي إلاّ العنايةَ من مَهر
وأنّى تَرى كُفْوءاً كريماً من الوَرى / إذا عدَلَتْ بالوُدِّ عنك ابنةُ الفِكر
ولي خاطرٌ يُغْري بِوأْدِ بناتِه / على حُسْنِها من فَقْدِه كرَمَ الصِّهر
ولكنْ تَجلّى وجْهُ عَلياكَ طالعاً / فلم تَبْقَ منه اليومَ حسناءُ في خِدر
ولم أُهدِ للدّنيا ثنائي ولا أرَى / ولائي لكم إلاّ لآخِرتي ذُخري
وكم جُدْتُ بالنّفْسِ العزيزةِ فيكمُ / كجودِ أخي الإحسانِ للوَفْدِ بالوَفر
ولن أَكبُتَ الحُسّادَ إلاّ بنَظْرةٍ / من المَوقفِ الأَسْمَى الإماميِّ في أَمري
فصِلْني بهِ يا ابنَ الأكارمِ مُدنِياً / فما أنت إلاّ الباعُ من ذلكَ الصَّدر
وعشْ شَرفاً للدِّينِ ما حَنَّ شارِفٌ / ودُمْ ما تَروَّى الروَّضُ من دِيَمٍ غُزر
وخُذْ ليمينِ الدّولةِ السّمْحِ كَفُّه / سِرارَ مَعانٍ صيغَ من خالصِ الشِّعر
إليك اقتباساً يَنْتهِي كُلُّ فاضلٍ / كما مَجَّ أفواهُ الشِّعابِ إلى البَحر
فيا فاضِلاً يُولي الفواضلَ للورَى / ويا عارِفاً يَروِي العوارِفَ للحُرّ
إذا ما درَى الإنسانُ أخبارَ مَنْ مضَى / فتَحسَبُه قد عاشَ في أوَّلِ الدَّهر
وتَحسَبُه قد عاش آخِرَ دَهْرِه / إلى الحشْرِ إن أبقَى الجميلَ من الذِّكر
فقد عاش كُلَّ الدَّهرِ مَن عاش بَعضَهُ / كريماً حليماً فاغتَنِمْ أَطْولَ العُمر
خَطبْنَ وأَيمانُ الكُماةِ المَنابرُ
خَطبْنَ وأَيمانُ الكُماةِ المَنابرُ / بألسُنهِنَّ الحُمْرِ بِيضٌ بَواترُ
فخَرّتْ سُجوداً في الثّرى لِدُعائها / رُؤوسُ عُداةٍ أَسلَمتْها المَغافر
وما افتَضَّ أبكارَ الفُتوحِ سوى ظُبيً / لأغمادِها هامُ المُلوكِ ضَرائر
ذُكورٌ إذا الحَربُ العَوانُ تَمخّضتْ / لها طائرُ الفَتْحِ القريبِ البشائر
فللنّصرِ ثَغْرُ النّصْلِ يَبْسِمُ ضاحكاً / وفي الأرضِ صِدْقُ الضّرْبِ للهامِ ناثر
بيومِ وغىً أُمُّ اللّيالي بمِثْلِه / غدَتْ من أَبي أيّامِها وهْي عاقر
ودونَ سنا وجْهِ النّهارِ إذا بدا / تَظاهَر للنّفْعِ المُثارِ سَتائر
فما شَمسُه إلاّ شُعاعُ صفائح / وما أَرضُه إلاّ ثَرىً فيه ثائر
لِمُدْنٍ ذَراها في الرياح لخيلهم / بكَرٍّ وفَرّ بينهنَّ الحوافر
سقاها سحابٌ والرُّؤوس لسَيله / حبابٌ تنزَّى والدِّماءُ مَواطر
وبالحربِ كم صُقْعٍ تناهَى خرابُه / وبالسِّلمِ عن قُربٍ غدا وهْو عامر
كذاك مجاري السَّيلِ غِبَّ انجِلائه / إذا عُدَّ أيّامٌ رياضٌ نواضر
متى تَسْتُرُ الغبراءُ تُستَرَ كاسْمِها / فكم ذا إليها ناظرُ السَّوء ناظر
يَسُرُّك ماضي عَهْدِ عدْلٍ إذا أتى / على حينَ من أهليكَ لم يبقَ غابر
فلولا زمانٌ مانعٌ وزَمانةٌ / لطار برَحْلي منك هوجاءُ ضامر
وكم لخطوبِ الدَّهر ساءتْ أوائلٌ / وحال بها حالٌ فسُرَّتْ أواخر
فصابِر تصاريفَ اللّيالي إذا دهَتْ / فما يُدركُ المأمولَ إلاّ المُصابر
وللهِ قومٌ لستُ ناسيَ عهدِهم / وإن نقضَتْ عهدي اللَّيالي الغوادر
متى زاد دهري غَدْرةً زِدتُ ذُكرةً / لأيّامهم والحرُّ للعهدِ ذاكر
أَباعِدُ أملاكٍ إذا ما طرَفْتهم / كأنْ قد أطافتْ منهمُ بي عشائر
لِقُرْبيَ منهمْ لا لِقُرْبي برحلتي / إليهم يُباهِي كُلُّهم ويُفاخر
وقد خلَطوني بالنّفوسِ كأنّما / نَماهُم أَبو الأقيالِ عَمْروٌ وعامر
ولم يُسْلِني عنهم وإنْ عشتُ بعدهم / بنو زمني هذا الّذينَ أُزاوِر
فكيف وقد أَصبحتُ لا أَنا مُنجدٌ / إلى طَرَفٍ سَيْراً ولا أَنا غائر
فإن تَكُ بابنَيْ قَيلةٍ شَطّتِ النّوى / فكم قَولةٍ منّى بها الدَّهْرُ فاخر
وإن أَصبحَ الأنصارُ عنّيَ غُيّباً / فناصرُ ديِنِ اللهِ لي منه ناصر
لقد شِمتُ من كفَّيهِ عَشْرَ سَحائبٍ / فأوردْتُ آمالي وهُنَّ عَواشر
إلى أَوحدِ الدُّنيا الكبيرِ الذي غدا / إلى كابرٍ يَنْميهِ في المجدِ كابر
هَجرْتُ الورَى طُرّاً وهاجرْتُ طائعاً / فلم يَحْظَ منّي هاجِرٌ ومُهاجر
إمامٌ هو الشَّمسُ المنيرةُ للورى / به تَهْتدي أَبصارُهم والبصائر
تَسترّتُ من رَيْبِ الزّمانِ بِظِلِّه / فما هو لي عن عَيْنِ دَهْريَ ساتر
بأقضَى قضاةِ الدَّهرِ أَعزَزْتُ جانبي / فأحجَم عنّي صَرْفُه وهْو صاغر
بمَوْلى مَوالٍ رأيُه العضْبُ صائبٌ / ومُولي نوالٍ بحْرُه العَذْبُ زاخر
له أَرقَمٌ ما انفَكَّ يَرقُمُ أحرُفاً / بها الدِّينُ ناهٍ للعِبادِ وآمِر
تُداوِي وتُدْوي دائماً نفثاتُه / فمِن نابِه التِّرياقُ والسُّمُّ قاطر
يُجِيبُ بفَتْوى أو بجَدْوى سؤالَهم / فما هو عنها طُرْفةَ العينِ فاتر
مَليٌّ بتَقْريبِ البعيدِ برأيِه / إذا ما خلا يوماً بَملْكٍ يُشاور
مَيامِنُه من غيرِ بعثٍ لعَسْكرٍ / غَدتْ دونَ هذا المُلْكِ وهْي عَساكر
إذا ما رجالَ الدّهرِ عَدَّتْ أناملُ ال / وَرى سجدَتْ عَجلَى إليك الخَناصر
فإن يُنْوَ تَقديمٌ بها فأيامِنٌ / وإنْ يَنْو تَفْخيمٌ بها فالأياسر
فِداؤك مِن صَرْفِ الرَّدى كُلُّ كاشحٍ / غدا وهْو عن نابِ العداوةِ كاشر
وخاطَرَ بالنَّفْسِ امْرؤٌ باتَ ليلَه / خِلافُك منه وهْو بالبالِ خاطر
أيا رُكنَ إسلامٍ أُراقِبُ حَجَّه / ولي عنه دَهْري مُحصَرٌ ومُحاصَر
متى تَلْتَقي عيني بغُرّةِ وَجْهِه / فقلبي إليه رائدُ الشَّوقِ طائر
أأصبِرُ عن نادِيه يوماً يَمرُّ بي / وما أنا فيه حاضِرٌ ومُحاضِر
وإنّ امرأً أرجَا من العُمْرِ ساعةً / ولم يَكْتسِبْ فيها علاءً لَخاسر
فِدىً لك نَفْسي من كريمٍ وناصِرٍ / تَملَّكني إنعامُه المُتَناصر
له مِنَنٌ عندي جَديدٌ رُسومُها / وما الطَّوقُ ما عاش الحمامةُ دائر
وكم جاء بي نِضْوٌ طوَى الأرضَ ذارِعاً / فعاد بما أَوْقَرْتَهُ وهْو شابر
فيا مالِكي عطفاً عليَّ بنَظْرةٍ / لها منكَ في ماضي الزَّمانِ نظائر
تَماسَكْتُ حتّى لم أَجِدْ لي تماسُكاً / فها هيَ صارتْ بي إليك المصائر
ولي شِبْلُ صِدْقٍ غيرَ أنْ ليس حاضري / فَتُنجِدُني أَنيابُه والأظافر
وصَعْبٌ بلا إسعادِ صَحبٍ نفائسٍ / إذا لم يكنْ بعضٌ لبعضٍ يُضافر
وإنّي لَتُضْنيني حَوالَيَّ أنْ أرَى / معاشرَ كُلٌّ لي خليلٌ مُعاشر
فأشكوهُمُ يَشْكونَ أيضاً إضاقةً / عُمومُ الأذى منها على النّاسِ ظاهر
وقد أكّدوا الشَّكْوَى بنادرةٍ حكَوا / وتُبدي خَفّياتِ النّفوسِ النَّوادر
حكَوا أنّ في مِصْرٍ صلاةَ جماعةٍ / رأتْ عينَ بادٍ وهْو إذْ ذاكَ حاضر
فخالطَهمْ حتّى يصلِّي وما درَى الصْ / صَلاةَ فأضحى واقِفاً وهْو حائر
فقالوا له افْعَلْ ما فعَلْنا ولا تخَفْ / إذا لم تكُن منه لشَيْءٍ تُغادر
فلمّا استَوى خلْفَ الإمام وصارَ في الرْ / رُكوعِ تَدلَّى ما حوَتْه المَآزر
فأَمسكَ خِصْيَيْهِ فتىً كان خلْفَه / لَيضْحكَ منه وهْو حَيرانُ سادر
ومن بعضِ أركانِ الصَّلاة لجَهْلِه / تَوهَّمَهُ رُكناً فأَهوَى يُبادر
وأمسَك بالشّيخ الإمامِ أمامَه / كذلك فاسودَّتْ عليهِ المَناظر
وظلَّ البُدَيْوِيُّ المُعنَّى وماجِنٌ / من الظّهْرِ خِصْيَيْهِ إلى العَصْرِ عاصر
وخَلَّى الإمامَ حينَ خَلّوهُ بعدَما / أضاعَتْ من الضِّحكِ الصّلاةَ المَعاشر
وما شَبّهوا إلاّ الحواشي بما حكَوا / فجَلَّ عن الشِّبْهِ المَوالي الأكابر
وثقْلُ اللّيالي لا الحواشي شِكايَتي / فهل عاذِلٌ لي لو تَحقّقَ عاذر
وحاشا حواشي سَيّدٍ أنا عَبْدُه / له ولهم ودّاً صفتْ لي الضمائر
مكاريمُ للأضياف في عَرصاته / سقَى عهدَهم عنّي الغُيوث البواكر
فما قصَّروا بي عن مدىً من كرامةٍ / ولكنّني عن شُكْرِهم أنا قاصر
إليك إذَنْ لامنكَ نُنْهي شِكايةً / ولا مُشتكَي إلاّ اللّيالي الجَوائر
فهَبْ نظرةً عَدْلاً يَصِخْ لك ناظِراً / بَواطِنُ من أَحوالنا وظَواهر
إذا ما علَى النُّوّابِ ثُقِّلَ ثَقّلوا / عَلّى فلِي ما ضّرَّ صَحْبِيَ ضائر
يقولون نحن الغارمون فما لنا / يُساهِمُنا ذو تُرْفةٍ ويُشاطر
فقلتُ هما صِنْفانِ صِنْفٌ مَغارِمٌ / بها استَوجَبوا سَهْماً وصِنْفٌ مَفاقر
ولا تَخْرِقُ العاداتِ أنظارُ مُعْسِرٍ / شكا زمَناً حتّى تَعودَ مَياسر
وغير بعيدٍ حيثُ كُذِّبَ أَوّلٌ / لطالعِ فَجرٍ أنْ يُصَدَّقَ آخِر
لعلّ لعاً إن قلتَ يَرجِعُ ناهِضاً / بإقْبالِك الجَدُّ الّذي هو عاثر
فمُرْ لي بتَسْويغ القضاء ومُرْهُمُ / بقَسْمٍ سواءٍ دامَ منك الأَوامر
لِيجمعَ كُلاً ظِلُّ دولتِكَ التي / علينا الغِنَى من سُحْبِها مُتَقاطر
فأنت لنا المَولَى العظيمُ جلالُه / ونحن فأَسعِدْنا العَبيدُ الأصاغر
ومادُمْتَ حيّاً فالحقوقُ قديمةٌ / لبَحْرِك يا ابنَ الأكرمينَ أُجاور
فإنّ مَعاشي في بقيّةِ عيشتي / عليك فلا تَشْغَلْكَ عنّي المَعاذر
ضَياعي كذا عارٌ على كُلِّ صاحبٍ / وحاشاك أن تغْشَى عُلاكَ المَعاير
وإلاّ فَطَيّاً للفيافي تَجوزُ بي / عُذافِرَةٌ أَجوازَها أَو عُذافر
ولا عَيْبَ أنّي من جنابِكَ راحلٌ / إلى جانبٍ لي فيه تُرعَى أواصر
فقد خِفْتُ حتّى خِفْتُ أنْ ستقولُ لي / وأنت على ما شئْتَ لو شئتَ قادر
كما قال زَيْدُ الخيلِ يومَ حفيظةٍ / غدا وهْو فيه للحُطَيئةِ آسر
أقولُ لعَبْدَيْ جَرْوَلٍ إذْ أسَرْتُه / أَثِبْني ولا يَغْرُرْكَ أنّك شاعر
فقال ألا لا مالَ عندي وإنّما / ثَوابي ثناءٌ في البسيطةِ سائر
فأَطلَقَ عن قَيْنَيهِ قَيْدَيهِ مُسرعاً / وعاد إلى أصحابهِ وهْو شاكر
فيا أيُّها الصّدْرُ الّذي بَحْرُ جُودِه / له الواردُ التّأميلُ والشكرُ صادر
سريرتُك الإحسانُ والعَدْلُ والتُّقَى / وفي كُلِّ صَدْرٍ إن نظرنا سَرائر
حياؤك يَطْوِي ما يُفيدُ منَ الّلها / ولكنّ ما يَطْويِه شُكريَ ناشر
فزِدْني جميلاً منك وازْدَدْ بشُكْرِه / جمالاً فَمولِيُّ الجميلِ مُتَاجر
ومُكْرِمُ مثْلي مُكْرِمٌ بي نفسَه / إذا أَعملَ الفِكْرَ الفقيهُ المُناظر
وسيّانِ معنىً أن يُنَوَّلَ ناظِمٌ / مديحَ جوادٍ أو يُقَبّلَ ناظر
فدُمْ للعُلا والمجدِ مادام دِيمةٌ / تُرَجّي البوادي صَوْبَها والحَواضر
ودام شهابٌ أنت مَطْلعُ سَعْدِه / وأَنوارُهُ للنّاظرِينَ بَواهر
نُصرْتَ على الأعداء فلْيهْنِك النّصرُ
نُصرْتَ على الأعداء فلْيهْنِك النّصرُ / ودامتْ لك النّعماءُ فليدُمِ الشُكرُ
وأسمحَتِ الأيّامُ بعدَ إبائها / ولانتْ لما تَهواهُ أعناقُها الصُّعر
أدَلَّ عليه المُلكُ إدلالَ واثقٍ / فباطنُه وُدٌّ وظاهرُه هُجر
وأذنبَ كي يُهدي إليك اعتذارَهُ / ويا رُبَّ ذَنبٍ كان جالبَهُ العُذر
وكنتَ له السِّرَّ الخطيرَ فصانَه / ولا بدَّ دونَ السِّرِّ أن يُسبَلَ السِّتْر
فغِبْتَ مغيبَ البدرِعندَ سِرارِه / وعُدتَ بأبهَى عَودةٍ عادَها البَدر
فعادَ إلى عَيْنِ الحسودِ بك القذَى / وعاد إلى وَجْهِ الَولِيِّ بك البِشر
وفاء إلى أفيائك المَجدُ والعُلا / ولاذَ بعالي رأْيِك النّهْيُ والأمر
وماذا رأى الباغي عليك ببغْيِه / ولولاك لم يُسدَدْ لمُلْكِهمُ ثَغر
وأنت غَنِيٌّ عنهمُ لو تَأمَّلوا / وما أحَدٌ إلاّ إليكَ به فَقْر
وما اعتَمَد الأقوامُ حَربَكَ غِرّةً / ولكنّهمْ غُرّوا بحِلْمِكَ فاغْتَرّوا
إذا كنتَ تُغْرَي أنت بالعَفْوِ عنهمُ / فليسَ عَجيباً بالتّجنِيّ إذا أُغْروا
فإن هَدموا قَصْراً عَمْرتَ لزائرٍ / فلن يَهدِموا المجدَ الذي ضمَّه القَصر
وإن نَهَبوا وَفْراً ذخَرْتَ لسائلٍ / فما زال من كَفَّيك يُنتَهَبُ الوَفْر
وما هو إلاّ العَيْنُ كُلُّ رزيئةٍ / إذا أخطأتْ إنسانَها أَمَمٌ نَزْر
كأنّي بهِ والعِزُّ مِلءَ عِراصِه / تُعفَّرُ في ساحاتِها الأوجُه الغُرّ
وحاشاكَ دونَ المجدِ أن يَطأوا حِمىً / حَمْيتَ وأنْ يُخْشَى لساكنهِ ذُعْر
مَكانُك أعلى أن يُبِيحوا له الحِمَى / وأوسَعُ عِزّاً أن يُحِيطَ بهِ الفِكْر
ومَن يكنِ البْدرَ المنيرَ فإنّما / مَنازِلُه إن قيست الأنجمُ الزُّهْر
ولمّا رأوا أنّ الأمورَ مُضاعَةٌ / وأنّ الّذي أبدوْا عواقبُه الخُسر
وأنّ فتىً ما أنت مَقْصودُه عَمٍ / وأنّ يداً ما أنت مالِئُها صِفر
أتَوكَ فأعَطْوكَ المَقادَ بأسرِهمْ / وعَفَّى على آثارِ ما أذْنبوا عُذْر
وأهوَتْ إلى أرضٍ وَطِئْتَ شِفاهُهمْ / وجَلّتْ عنِ التّقبيلِ أنملُكَ العَشْر
يُحَيّونَ مَلْكاً عظّم اللّهُ قَدْرَه / وأَعلاه حتّى ليس يَعْدِ لَهُ قَدر
دَعاهمْ فلَبَّوهُ إلى الحِلْفِ دَعوةً / فأَقبلَ مُختارٌ إليهِ ومُضطَرّ
ولو لم يُعَدَّ الرِّفْقُ ألْيقَ بالفتَى / لَقادَهُمُ طُرّاً إلى الطّاعةِ القَسر
إذا ما أتَى التَّوفيقُ من دونِ واحدٍ / تَقاصَرَ عنه وَحْدَه العَدَدُ الكُثر
وهل يَضَعُ الحُسّادُ من مَجدِ ماجدٍ / وللّهِ في إعلاء رُتْبتِه سِرّ
وأمّا الرّعايا فهْي في ظِلِّ نعمةٍ / منَ الأمنِ لا يُزْري ببَهْجَتِها الكفر
نَشاوَى من الإدلاجِ حتّى كأنّما / زمانُك ساقيهمْ وأيّامُك الخَمر
رأَوْا منك عدْلاً فوق ما حُدِّثوا بِه / وما خَبَرٌ إلاّ ويَكْشِفُه خُبر
وألّفْتَ بالإحسانِ بينَ قُلوبِهمْ / فأوثَقَها من سِرِّ إخلاصِها أَسْر
وقد كان منهم مَن يقولُ سَفاهةً / أبعدَ نظامِ المُلكِ يَنْتظِمُ الأَمر
فقد حارَتِ الأفهام فيما سنَنْتَه / من الجودِ حتّى ما لِمفقودِهمْ ذِكر
وهَوَّنَ فَقْدُ الفَجرِ أن كان بَعدَهُ / من الشَّمسِ ما يُنْسَى لمَوْضِعِه الفَجر
فيا مَلِكاً عاداتُ هِمّتِه عُلاً / ويا واهباً أمطارُ راحتِه غُزْر
كسَوْتَ يمينَ الدّولةِ المَلْكِ حُلّةً / فدانَتْ له الدُّنيا وعَزَّ بِه النَّصر
رأَوْا أنّ شِبْلاً أنت حاميهِ ضَيغَمٌ / وأنّ هِلالاً أنت صاحِبُه بَدر
إذا كنتَ أنت الدّهْرَ بل أنت فَوقَهُ / تُساعِدُه في كلِّ نائبةٍ تَعْرو
فلا يَكُنِ المَغرورُ مُستَصغِراً له / فليس صغيراً مَن يُساعِدُه الدَّهر
لقد نِلْتَ بالأقلامِ ما يُعجِزُ القَنا / وبالرَّأْيِ ما يَعْيا بهِ العَسكَرُ المَجْر
فَمُثْنٍ على آثارِك السَيفُ والنَّدى / ووَقْفٌ على أَفعالِكَ الحمدُ والشُكر
بَقِيتَ ولا أَبقَى لك اللّهُ كاشِحاً / وعُمِّرْتَ للعلياء ما سَرَّكَ العُمر
وهُنِّئْتَ ذا العِيدَ السّعيدَ ومِثْلَه / أُلوفاً منَ الأعيادِ مالأْلأَ الغَفْر
إليكَ شكَوْتُ الدّهرَ يا خيرَ أهلِه
إليكَ شكَوْتُ الدّهرَ يا خيرَ أهلِه / لتُصبح لي عَوْناً على نُوَبِ الدَّهْرِ
فلا يَسمَعِ الأعداءُ بي أنّ حاجةً / أَتَيتُ أبا نَصْرٍ لها فأَبَى نَصْري
بلَى يَنْبغي أن يَذكرَ النّاسُ أنّني اسْ / تَعنتُ على أَمْري به فَعَلا أَمري
فَذكِّرْ وجيهَ المُلْكِ سابقَ وَعْدِه / فلا بُدَّ من نَفْعٍ يكونُ مَعَ الذِّكر
ولي فيه آمالٌ وقد صار مُقْنِعي / منَ البِرِّ تَوقيعٌ بصَدْرٍ منَ البُرّ
حلَفْتُ بمَنْ قد قابَلَ اليومَ بيتَهُ
حلَفْتُ بمَنْ قد قابَلَ اليومَ بيتَهُ / عيونُ رجالٍ دَمْعُهنّ نَثيرُ
أَتوا فِرَقاً من كلِّ أشعثَ قد نَبا / به الجَنْبُ شَوقاً والمِهادُ وَثير
فما زال حتّى عايَنَ البيتَ طَرْفُه / يُنيخُ بقَفْرٍ نِضْوَه ويُثير
لمّا أنصَفوا دَهراً يذُمّونَ صَرْفَه / وفيه هُمامٌ كالأثيرِ أَثير
كفانا كريمٌ واحدٌ من زمانِنا / وإنّ كريماً واحداً لكَثير
إلى ان تَؤوبَ الشَّمسُ لا يَغْرُبُ البَدْرُ
إلى ان تَؤوبَ الشَّمسُ لا يَغْرُبُ البَدْرُ / إذا كمُلَتْ فيه مع الأربَعِ العَشْرُ
فَنُبْ عن أبيكَ الدَّهْرَ ما غابَ شَخْصُه / فإنّك بَدْرٌ شَمسُه ذلك الصّدْر
ودُمْ لعيونِ الخَلْقِ عنه خليفةً / وقُلْ لحجابِ الغَرْبِ مَوْعِدُك الحَشر
وَجُدْ بنَدَى كفَّيكَ مَثْواهُ عامِداً / ففي السُّحبِ ما يُسقَى بأمطارِه البَحر
هو البَحرُ إلاّ أنّ أصدافَ جُودِه / مَدارِسُه والغُرُّ من أهلِها الدُّرّ
وذا العَبْدُ منهم دُرُّه غيرَ أنّه / له خاطِرٌ في ضمْنِه دُرَرٌ كُثر
بِكُم حازَها قِدْماً وفيكُم يَصوغُها / إذَنْ فهي النُّعمَى لكم وهي الشُّكر
بدائعُ لا المَعْنَى عَوانٌ أذالَه / سِوايَ ولا اللّفْظُ المَصوغُ له بِكر
فيا ماجداٍ أقطارُ ساحته حمىً / ويا جائداً أمطارُ راحته غُزر
ويا مَلِكاً أَعلامُ هِمّتِه عُلاً / ويا مَلِكاً أيّامُ دولتِه غُرّ
لِيَهْنِكَ ولْيَهْنِ الخليقةَ كُلَّها / تَجدُّدُ بُشرَى في الوجوه لها بِشر
مِن الآنَ حَلَّ المجدُ في مُستقَرِه / وألقَتْ عصاها عنده الهِمَمُ السَّفر
وأسمحتِ الأيّامُ بعدَ إبائها / ولانَتْ إلى الإنصافِ أعناقُها الصُّعر
وأضحَتْ من العدلِ البلادُ وقد هدَتْ / وأمستْ من الأمنِ العبادُ وقد قَرّوا
وفاء إلى أفيائك المجدُ والعُلا / ولاذ بعالي رأيِك النَّهْيُ والأمر
وإنْ كنتَ قُلِّدتَ الوِزارةَ آخِراً / فما ذاك بِدْعٌ من عُلاك ولا نُكْر
فأحسَنُ قُربٍ ما تَقدَّمَهُ نوىً / وأطيَبُ وَصلٍ ما تَقدمَّه هَجر
وكنتَ لهذا المُلْكِ ذُخْراً وإنّما / يُؤخَّرُ في الإنفاقِ ما أمكَنَ الذُّخر
تَقدَّمَ شَفْعٌ من سَراةِ بني أبٍ / وآخَرُ للعلياء بعدَهما وِتْر
وكانتْ لهم تلك المَراتبُ مثْلما / تُرتَّبُ في أفلاكها الانجمُ الزُّهر
لئن قام من بعدِ النّظامِ مَكانَهُ / لنا العِزُّ منهم والمُؤيَّدُ والفَخر
ففي الشُّهْبِ أَيضاً زُهرةٌ وعُطارِدٌ / يُعَدّانِ بعدَ الشّمسِ ثمّ يلي البَدر
فهذا أوانُ استمسكتْ من قَرارها / فما عابَها في المجدِ فَوْتٌ ولا قَصر
وهل يَقطَعُ السُّلطانُ دونكَ أَمْرَه / وقد كان ماضيه إلى ذاك يُضْطَر ّ
دعاكَ أَبوهُ للوزارةِ قَبلَه / ففي صَرْفِ هذا الأمرِ عنك له وِزْر
وأَنت غِنيٌّ عنهمُ لو تأمّلوا / وما أَحدٌ إلاّ إليكَ بِه فَقر
فلولاك لم يَستَدَّ للدِّينِ أَمْرُه / ولولاك لم يَشْتَدَّ للدّولةِ الأزْر
وهَتْ لنظامِ المُلكِ أَركانُ معَشَرٍ / وعاد نظامُ الدينِ فالْتأم الكَسر
فإن عرَضَتْ بين النّظامَيْنِ فترةٌ / من الدّهرِ لم يُسدَدْ لمُلْكٍ بها ثغر
فبينَ بياضَيْ كُلِّ ليلٍ سَوادُه / ولن يَغلِبَ اليُسرَيْنِ في زَمنٍ عُسر
وما هي إلاّ حِكمةٌ مُستفادةٌ / تَجلَّى لنا من حُسنِها للعُلا سِرّ
لقد ظنّ عاوٍ مِسْعَرٌ أَن يُرَى لهمْ / بدونِ نظامِ المُلكِ مُنتَظِماً أَمر
فأفقدَه اللهُ العزيزُ مكانَه / عِقاباً على ما ظَنّه الجاهِلُ الغَمر
فلمّا رأَى ما أَحدثَ الدَّهْرُ بعدَهُ / وعُظِّمَ للمفقودِ في عَيْنِه القَدْر
تَعرَّض فخْرُ المُلكِ من بَعْدُ فانثنَى / كأنْ لم يكنْ في المُلكِ شُورى ولا شر
ألم تَرَ أنْ أَمسَى سُلَيمانُ نادِماً / عَشِيّةَ عَرْضِ الخيلِ إذْ فاتَه الذّكِر
فَرُدَّتْ عليه الشّمسُ بعدَ غُروبِها / وعادَ له صُغْراً إلى وَقْتِه العَصر
لقد عَزَّ مَن عاصَرْتَهُ فجعلْتَه / كفَخْرِ نبيِّ اللّهِ فينا له فَخر
فعادَ له عَصْرُ الصّلاةِ ولم تَفُتْ / وعاد لنا عصرُ الصِّلاتِ ولا عَصر
وَرُدَّتْ له شمسُ السّماء ولا دُجىً / وَرُدَّتْ لنا شمسُ السّماحِ ولا فَقر
على أنّها رُدَّتْ إلى الأُفْقِ ساعةً / وأنت تُقيمُ الدَّهرَ ما سَرَّك العُمر
لِيَعْمُرَ منكَ المُلْكُ والمجدُ والعُلا / ويَفخَرُ فيكَ البأْسُ والجودُ والشِّعر
ويُثْنِي على آثارك السَّيفُ والنّدَى / ويُفْضي إلى أفعالك الحمدُ والأَجر
فقلْ للعدوِّ المُستغَرِّ بجَهلِه / أَيملأُ أُذْنَيكَ النّذيرُ وتَغتَرّ
فدع عنك ملْكاً لستَ صاحبَ مِثْلِه / فما لك إلاّ صفقةٌ كلُّها خُسر
وجَفْنٌ وإنْ أطبقْتَه الدَّهَر ساهرٌ / وكفٌّ وإنْ أَحكْمتَ قبضَتها صِفر
هي البِيضُ والسُّودُ الّذي هو كاتبٌ / فإن لم تُؤثِّرْ فيك فالبِيضُ والسُّمر
فقد شامَ سيفَ النّصْرِ أَروعُ باسِلٌ / يهونُ عليه أن يُصيبَ العِدا وِتْر
مليكُ خُراسانَ الّذي إنْ سَمَا لَها / معَ الجيشِ لم يُعْجِزْه من أَرضِها شِبر
وكان له حرباً عَواناً إمامُها / نتيجتُها فيمن بَغى فتكةٌ بِكر
تباعَدْ له إنَّ المُظفَّر كاسْمِه / إذا شاءَ لم يَنْصُرْك نابٌ ولا ظُفر
وما تُتْشنٌ إلاّ قتيلُ مُرادِه / وإنْ رَجَّموا شَتَّى ظُنونٍ ولم يَدْروا
وما كان إلاّ اللّيلُ بالقَلْبِ وَحْدَه / إلى ابنِ ملِكشاهٍ فَتمَّ له النّصْر
فما ظنُّهمْ في أَمرِه اليومَ بعدَ ما / تَساوَى له من نَصْرِه السّرُّ والجَهر
تَجمَّع منه القَلْبُ والكَفُّ والظُّبَى / لنُصْرتِه والرَّأْيُ والجيشُ والوَفر
فيا ابنَ قِوامِ الدّينِ لا بغتِ العِدا / على ابنِ مُعِزِّ الدّينِ ما خصّك الأَمر
فأنتَ له والدَّهرُ أنت مُساعِدٌ / ولم يَستَطيعوا مَن يُساعِدُه الدَّهر
أقولُ وقد ذَمَّ الوزيرُ زمانَه
أقولُ وقد ذَمَّ الوزيرُ زمانَه / من الغيظِ ذَمَّ العاجِزِ المُتَحيِّرِ
تَذُمُّ زمانَ السّوء يا صدْرُ ظالِماً / ولولا زمانُ السّوء لم تَتَصدر
ألم تَرَيا أنّ الحُمولَ تَسيرُ
ألم تَرَيا أنّ الحُمولَ تَسيرُ / وأنّ سُليمى بالسّلامِ تُشيرُ
فلا تَعذُلاني إنْ بكَيتُ صَبابةً / وفي مُهجَتي جَيشُ الغرامِ يُغير
وقَفْتُ أمامَ الظَعْنِ والحَيُّ راحِلٌ / وقد حال من دونِ الوَداعِ غَيور
أُغِيّضُ دَمعي وهْو يسَبِقُ واكفاً / وأَلزَمُ قلبي الكفَّ وهْو يَطير
وما راعني في الصُّبْحِ إلاّ حُداتُهمْ / تُغنّي عِجالاً والمَطِيُّ تَثور
هلَ انْتَ معِيري نَظْرَةً أَشتَفي بها / إليهم وهل للنّاظِرَيْنِ مُعير
وقد سار أفلاكُ المطايا وفوقَها / بُدورٌ تَجلّى والبُروجُ خُدور
فخَلّفني قَلْبي وسارَ مُبادِراً / معَ الإلْفِ لمّا حانَ منه مَسير
فلا زالَ يَسْقي الجِزْعَ باكِرُدِيمةٍ / كما جَدَّ بالأظعانِ منه بُكور
تَطاوَلَ ليلُ الأبرقَيْنِ بِناظِري / وَعهْدي بلَيلِ الجِزْعِ وهْو قصير
أَحِنُّ إلى الجَرْعاء من رَمْلِ عالِجٍ / فهل ماؤها للواردِينَ نَمير
ولا عيبَ في آرامِها غيرَ أنّها / بها عن عُيونِ النّاظرِينَ نُفور
وكم راحَ عانٍ للصّبابةِ حائرٌ / وكم لاحَ عِينٌ للنّواظِرِ حُور
أقولُ لبَدْرٍ في دُجَى اللّيلِ طالعٍ / ولي بَصَرٌ مِمّا يُنيرُ حَسير
أَأَرجِعُ عنكَ الطَّرْفَ حتّى أُعيدَه / على عَجَلٍ إنّي إذَنْ لَصَبور
أيا قاتِلي ما لِلّيالي ورَيْبِها / وما للعَوادي تَعْتَدي وتَجور
إذا قلتُ هذا حين أَحظَى بقُربِكمْ / تَعرَّضَ دَهْرٌ بالرّجالِ عَثور
لعَمْري لئن مَلَّ العَذولُ مَلامتي / لقد عرضَتْ دونَ المَلامِ أُمور
وقد سَدَّدتْ نحوي اللّيالي سِهامَها / وأَفصحَ لي عمّا يُريدُ نَذير
وشَنَّ عليَّ الشّيبُ من أَجلِ حَرْبها / دِلاصاً له في العارِضَينِ قَتير
فولَّتْ به اللّذَّاتُ حتّى كأنّها / حواشي ظِلالٍ قَصّهُنَّ هجير
كأنّي وإلْفي قانِصٌ وطَريدُه / وشَيْبيَ صُبْحٌ رابَ منه سُفور
وما حالُ مَن يبغي اصطياداً بكَفِّهِ / إذا لاح نَوءٌ والوَسائقُ نُور
فَحُثا خَليليَّ المطايا كأنّها / قُصورٌ عليها في الصَّباحِ صُقور
طِوالُ الذُّرا خُضنا بها لُجَجَ الفَلا / فما بَرِحَتْ تَجْري لَهُنَّ ضُفور
إلى أن تَساهَمْنا فَلثَّمَ رَكْبَها / شُحوبٌ وأَلْوى بالرّكابِ ضُمور
وقد كُنَّ إملاءَ الجبالِ فلم يزَلْ / بها السّيرُ حتّى عُدْنَ وهْي سُطور
إلى قُطْبِ مَلكٍ لم يَزلْ فلَكُ العُلا / عليه بشُهْبِ المكرماتِ يَدور
وهل غيرُ تأميلِ الهُمامِ ابنِ ناصرٍ / لِمَنْ يَتّقي رَيبَ الزَّمانِ نَصير
أخو المجدِ أمّا المُجتدي منه دائماً / فَغمْرٌ وأمّا المُجتلَي فَمُنير
تُضِيءُ لأبصارِ الوَرى شمسُ وجهه / وصَوبُ نَداهُ للعُفاةِ درُور
إذا ما بهاءُ الدِّين ظاهَرَ نَصْرُه / فللدّينِ بالإسعادِ منه ظُهور
فتىً رفَع الإقبالُ رايةَ رأيِه / فعَزَّ به مُلْكٌ وسُرَّ سرير
حوَى الحسنَ في خَلْقٍ وخُلْقٍ كليهما / فَراقَك منه ظاهِرٌ وضَمير
إليه انتمتْ فينا الفضائلُ كُلُّها / فدَعْوَى سِواهُ للفضائلِ زُور
وقالتْ أَبونا ابنُ الكرامِ مُحمَّدٌ / فقلتُ أَبٌ لو تَعلَمونَ كَبير
هُمامٌ به فيها اقتديتُ فكُلُّنا / له فِكْرةٌ تُسدي العُلا وتُنير
تَقومُ قناةُ المُلْكِ من حُسنِ رأيه / وحُسْنُ ثَناهُ في عُلاهُ يَسير
فللقَوْلةِ الغَرّاء منّيَ خاطِرٌ / وللدّولةِ الغرَّاءِ منه خَطير
غدا لملوكِ الأرضِ بالنُّصحِ عُمدةً / على حينَ أَمرُ الاِعتمادِ نَزور
متى باشَر الخطْبَ الجليلَ برأْيهِ / أتَى المُلكَ بالفَتْحِ القريبِ بَشير
وكم فِتْنَةٍ تَطْغَى بكلِّ مُشيِّعٍ / له النّقْعُ ليلٌ والسِّنانُ سَمير
كأنَّ سُيوفَ الهندِ فيها كواكبٌ / مع الصُّبْحِ في هامِ الكُماةِ تَغور
وتَبْني نُسورُ الخَيلِ ممّا تُثيرُه / على الجوِّ طَوْداً تَعتليه نُسور
فقد أصبحَتْ خَوفاً صُدورُ معاشرٍ / كما نُفِّرَتْ من طَيْرِهنَّ وُكور
كُفيتَ بإيماءٍ منَ الرَّأْي شَرَّها / فَقرَّ قَرارٌ واستمَرَّ مَرير
أيا مَن سما نَفْساً وأصلاً فأَشرقَتْ / لعُلياهُ أنْوارٌ لهنَّ بُهور
إليكَ كأنّ الدّهْرَ في كلِّ ليلةٍ / بكفِّ الثُّريا في السَّماء يُشير
تقولُ كذا فلْيَسْمُ في المجدِ مَن سما / ويَفخَرْ بإدْراكِ العلاء فَخور
جمَعْتَ التُّقَى والجودَ والبأسَ والنُّهى / بَيانُك دُرٌّ والبنانُ بُحور
ولمّا حجَجْتَ البيتَ حَجَّك لائذاً / بكَ البيتُ والوفدُ الحَجيجُ حُضور
ولم تُرَ يوماً كعبتانِ تلاقَتا / ورُكنانِ إمّا زائرٌ ومَزور
بمَسْحِ يَمينِ اللّهِ زِدْتَ ميامِناً / فأصبحْتَ من جَوْرِ الزّمانِ تُجير
يُعيرُ ملوكَ الأرضِ رأيُك نُورَهُ / كأنّك شمسٌ والملوكُ بُدور
إذا اجتمعَتْ يوماً به ادَّخَرتْ سناً / إلى العودة الأُخْرَى بذاكَ تُنير
أرَى رائدَ التّوفيقِ في كلِّ مَنْزِلٍ / يَصيرُ معَ الإقبالِ حيث تَصير
وكم حاسدٍ عُلْياكَ يُمسي كأنّه / لفَرْطِ الأَسى من مُقْلتَيْهِ نَحير
إذا لُحْتَ للأبصارِ أَغضَى كأنّمَا / سَناك سِنانٌ في حَشاهُ طَرير
فدَتْك رجالٌ أَصبحوا وجسومُهمْ / إذا هيَ قِيستْ للقُلوبِ قُبور
هُمْ في قُصورٍ تُضرَبُ الحُجْبُ دونَهمْ / وفيهمْ لناعمّا نُريدُ قُصور
وحَقُّ صدورٍ للورى أنْ يُرَى لهمْ / قلوبٌ عليها يَشتمِلْنَ صُدور
هُمُ مَيّزوا الأموالَ وهْي لِلُؤْمِهمْ / صِحاحٌ عنِ الأعراضِ وهْي كُسور
وقد تَسلَمُ الأعراضُ وهْي سخافة / قواريرُ منهمْ والأكفُّ صُخور
أيا مَن كَفُوآتُ المدائحِ أصبحَتْ / لها من سَجاياهُ الحِسانِ مُهور
ولي من ثنائي والولاءِ أَواصِرٌ / ترادَفَ منها أوّلٌ وأَخير
وعندي لأَسلافٍ مضَوْا لكَ أَنعُمٌ / وبالحِفْظِ عَهْدُ الأكرمينَ جَدير
وإنّي على شُكْري لهنّ مُثابِرٌ / طُوالَ اللّيالي ما أقامَ ثَبير
فكيف بشُكْرٍ في أوانِ اكتِهالِه / إذا أحسنَ الرُوّادُ وهْو شَكير
أقولُ لقُرحانِ الصّبابةِ مُدْنَفٌ / بشِعْري وعِزْهاةُ المدائحِ زير
على أنّ بالأفكارِ شُغْلاً لوِ انتهَتْ / عنِ النَّظْمِ لكنّ اللِّبيبَ وقور
كأنّ فؤادي طُولَ دهريَ حلبةٌ / على أنّه للنائباتِ أَسير
تَخلَّف فيه قاصرَ الهَمِّ نافِثاً / صاوا وأَرْيُ الشِّعْرِ منه مَشور
قَدِمتَ علينا والرّبيعُ بمَوعدٍ / فقد عادَ روضُ العيشِ وهْو نَضير
لِجودِك يا أَندَى الورى ولجودِه / سحابانِ كُلٌّ للأنامِ مَطير
ففي كُلِّ دارٍ مِنْحةٌ وعَطيَّةٌ / وفي كُلِّ قاعٍ رَوضةٌ وغَدير
كأنّ الأقاحي والشّقائقَ في الثَّرى / خدودٌ بها مَصقولةٌ وثُغور
فعشْ ألفَ عَصْرٍ مثلَ ذا العصرِ كاملاً / فمِثْلُك مجداً لم تَجِدْه عُصور
لدَهْرِكَ تَغْدو كيف شِئْتَ مُصرِّفاً / إذا صَرَّفتْهم كيف شِئْنَ دهور
وأَحسنُ حالِ الدّهرِ أنّك سالِمٌ / وهل فَقْدُ خَلْقٍ ما بَقِيتَ يَضير
كفانا كريمٌ من بني الدّهرِ واحدٌ / وواحِدُ صِدْقٍ إن وجَدْتَ كثير
أَتُراه بنفسِه يَذكرُ المَوْ
أَتُراه بنفسِه يَذكرُ المَوْ / لَى أمِ الحَزمُ مُوجِبٌ إدّكارَه
قد أَطال انتظاريَ الدَّهرُ والطّا / لبُ للشّيءِ قد يُطيلُ انتِظاره
وأزال اصْطباريَ الزَّمنُ الصّعْ / بُ فلم يَملِكِ الفؤادُ اصطِباره
كلّما قلتُ حانَ إنجازُ أَمري / عَرَضَ الدّهرُ دُونَه أَعذاره
يَشْغَلُ الحَجُّ تارةً هكذا عنْ / نِي المَوالي ويَشغَلُ الغَزْوُ تاره
فإلى اللّهِ أشتكِي ما أُلاقِي / من أُمورٍ تَضيقُ عنها العِباره
لم أَضِعْ إذ دَنا المَسيرُ بَلِ ازْدَدْ / تُ ضَياعاً فالهَمُّ يَقدَحُ ناره
وانقِطاعي عنِ اتّباعِ الحواشي / فَرْطُ عَجْزٍ قد بَزَّ قلبي قَراره
فقصَدْتُ المَولَى العزيزَ لكَي يَج / بُرَ من قلبيَ الكئيبِ انكِساره
وانتهَتْ حَيرتي فصَيرَّتُ في أم / ري إلى رأيهِ الكريمِ اخْتِياره
فاصْطِناعي في مثْلِ ذا الوقتِ أَمْرٌ / لستُ أَرجو إلاّ عليهِ اقْتِداره
ما كان لي في الخُوزِ شَيءٌ سوى
ما كان لي في الخُوزِ شَيءٌ سوى / دارٍ وإدرارٍ وأشعارِ
فانتَهبَ العَسكرُ داري بها / واحتَبَس الكُتّابُ إدراري
وأصبحَ الجوعُ بها شاغِلاً / عن عَمَلِ الأشعارِ أفكاري
فاليومَ ما عِنْدي سوى اسْمٍ من ال / أشعارِ والإدرارِ والدّار