المجموع : 23
أَيا مَرحَباً بِالغَيثِ تَسري بُروقُهُ
أَيا مَرحَباً بِالغَيثِ تَسري بُروقُهُ / تَرَوَّحَ يُندي لا بَكِيّاً وَلا نَزرا
طَلَعتَ عَلى بَغدادَ وَالخَطبُ فاغِرٌ / فَعادَ ذَميماً يَنزَعُ النابَ وَالظُفرا
أَضاءَت وَعَزَّت بَعدَ ذُلٍّ وَروَّضَت / كَأَنَّكَ كُنتَ الغيثَ وَاللَيثَ وَالبَدرا
تُغايِرُ أَقطارَ البِلادِ مَحَبَّةً / عَلَيكَ فَهَذا القُطرُ يَحسُدُ ذا القُطرا
وَقَلَّمتَ أَظفارَ الخُطوبِ فَما اِشتَكى / نَزيلُكَ كَلماً لِلخُطوبِ وَلا عَقرا
وَمَن ذا الَّذي تُمسي مِنَ الدَهرِ جارَهُ / فَيَقبَلَ لِلمِقدارِ إِن رابَهُ عُذرا
فَيا واقِفاً دونَ الَّذي تَستَحِقُّهُ / لَوَ أَنَّكَ جُزتُ الشَمسَ لَم تَجُزِ القَدرا
فَعَثراً لِأَعداءٍ رَموكَ وَلا لَعاً / وَنَهضاً عَلى رُغمِ العَدوُّ وَلا عَثرا
بِغَيرِ شَفيعٍ نالَ عَفوَ المَقادِرِ
بِغَيرِ شَفيعٍ نالَ عَفوَ المَقادِرِ / أَخو الجَدِّ لا مُستَنصِراً بِالمَعاذِرِ
وَأَعجَبُ فِعلاً مِن قُعودي عَلى العُلى / سُرايَ بِأَعقابِ الجُدودِ العَوائِرِ
أُؤَمَّلُ ما أَبقى الزَمانُ وَإِنَّما / سَوالِفُهُ مَعقودَةٌ بِالغَوابِرِ
فَخَلِّ رِقابَ العيسِ يَجذِبُها السَرى / بِآمالِ قَومٍ مُحصَداتِ المَرائِرِ
فَما التَذَّ طَعمَ السَيرِ إِلّا بِمُنيَةٍ / وَإِنَّ الأَماني نِعمَ زادُ المُسافِرِ
وَدونَ مُداراةِ المَطِيِّ عَلى الوَجى / مُشاغَبَةُ الأَشجانِ دونَ الضَمائِرِ
فَلَيتَ قُلوبَ العاشِقينَ إِذا وَنى / بِها السَيرُ كانَت في صُدورِ الأَباعِرِ
وَلِلَّهِ قَلبي ما أَرَقَّ عَلى الهَوى / وَأَصبَى إِلى لَثمِ الخُدودِ النَواضِرِ
يَحِنُّ إِلى ما تَضمَنُ الخُمرُ وَالحِلى / وَيَصدُفُ عَمّا في ضَمانِ المَآزِرِ
وَلَمّا غَدَونا لِلوَداعِ وَنَقَّرَت / صُروفُ النَوى دونَ الخَليطِ المُجاوِرِ
عَنيتُ مِنَ القَلبِ العَفيفِ بِعاذِلٍ / وَمِن خُدَعِ الشَوقِ السَفيهِ بِعاذِرِ
عَشِيَّةَ لا عِرسُ الوَفاءِ بِمُرمِلٍ / لَدَينا وَلا أُمُّ الصَفاءِ بِعاقِرِ
وَمَن لَم يَنَل أَطماعَهُ مِن حَبيبِهِ / رَضي غَيرَ راضٍ بِالخَيالِ المُزاوِرِ
وَكُنتُ أَذودُ الدَمعَ إِلّا أَقَلَّهُ / لِسُقيا حِمىً مِن بَعدِ بَينِكَ دائِرِ
وَإِنِّيَ لا أَرضى إِذا ما تَحَمَّلَت / إِلَيهِ مَرابيعُ السَحابِ المَواطِرِ
كِليني إِلى لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ / نُغازِلُ طَرفي عَن عُيونِ الجَآذِرِ
أَمُرُّ بِدارٍ مِنكِ مَشجوجَةِ الثَرى / بِمَجرى نَسيمِ الآنِساتِ الغَرائِرِ
تَمُرُّ عَلَيها الريحُ وَهيَ كَأَنَّها / تَلَفَّتُ في أَعطافِ تِلكَ المَقاصِرِ
وَيَشهَقُ فيها بِالأَصايِلِ وَالضُحى / حَيا كُلِّ عَرّاصِ الشَآبيبِ ماطِرِ
وَيَستَنُّ فيها البَرقُ حَتّى تَخالَهُ / يَفيضُ بِفَيضِ القَطرِ في كُلِّ حاجِرِ
وَلَمّا رَأَيتُ اللَيلَ مُستَرِقَ الخُطى / وَأَطرافُهُ تَجلو وُجوهَ التَباشِرِ
أَرِقتُ لِأَجفانِ الرَكائِبِ هَبَّةً / بِأَلحاظِ جَوّالِ العَزائِمِ ساهِرِ
رَسيماً بِهِ يَعتَلُّ بِالأَعيُنِ الكَرى / وَيَنشَقُّ عَن مَكنونِهِ كُلُّ ناظِرِ
بِيَهماءَ يَستَغوي الحُداةَ سَرابُها / عَلى ظَمَإٍ بَينَ الجَوانِحِ ثائِرِ
وَيَحبو بِها الأَعياسُ حَتّى كَأَنَّها / تُنَصُّ عَلى أَخفافِها بِالكَراكِرِ
وَمَولىً أُدانيهِ عَلى السَخطِ وَالرِضى / وَيَبعَطُ عَنّي وَالقَنا في الحَناجِرِ
يَهُزُّ عَلَيَّ السَوطَ وَالرُمحُ دونَهُ / وَهَزُّ العاوالي غَيرُ هَزِّ المَخاصِرِ
عَطَفتُ لَهُ صَدرَ الأَصَمِّ وَتَحتَهُ / عَواطِفُ أَسبابِ الحُقودِ النَوافِرِ
فَخَرَّ وَفيهِ لِلطَعانِ تَناظِرٌ / يُطالِعُها طَيرُ الفَلا بِالمَناسِرِ
فَما ظَفِرَت مِن نَفسِهِ أُمُّ قَشعَمٍ / بِما ظَفِرَت مِن جِسمِهِ أُمُّ عامِرِ
وَرَكبٍ تَفادى النَومُ أَن يَستَخِفَّهُ / إِذا ما الكَرى أَلقى يَداً في المَحاجِرِ
وَرَدتُ بِهِ بُحبوحَةَ الوِردِ فَاِنثَنى / يُقَلِّصُ صافي مائِهِ في المَشافِرِ
وَغادَرَ أَحشاءَ الغَديرِ ضَوامِراً / مِنَ الماءِ في ظِمءِ النَواحي الضَوامِرِ
وَرودَ خَفيفِ الوِردِ أَوَّلَ وارِدٍ / طُروقاً إِلى ماءٍ وَأَوَّلَ صادِرِ
إِذا هَزَّ أَطرافَ الخَليجِ رَمَت بِهِ ال / مَوارِدُ خِفّاً في وُجوهِ المَصادِرِ
وَكانَ إِذا ما عاقَهُ بُعدُ مَطلَبٍ / يُضَعضِعُ أَعضادَ الزَوافِرِ
تَمَرَّسَ بِالأَيّامِ حَتّى أَلِفنَهُ / وَكَرَّ عَلى أَحداثِها وَالدَوائِرِ
وَأَخطَأَ سَهمَ القِطرِ مَقتَلَ مَحلِهِ / فَزَمَّ قَسِيَّ العادِياتِ الهَوامِرِ
فَتىً حينَ أَكدَت أَرضُهُ هَجَمَت بِهِ / عَلى لِاِبنٍ مِن آلِ عَدنانَ تامِرِ
عَلى ماجِدٍ لا يَسرَحُ اللُؤمُ عِندَهُ / وَلا تُدرى أَفعالُهُ بِالمَناكِرِ
إِذا راوَحَ الرُعيانُ لَيلاً سَوامَهُ / فَقَد لَفَّها جِنحُ الظَلامِ بِعاقِرِ
تَفَرَّعتُ حَتّى عَوَّدَتني رِماحُهُ / فَعَوَّدتُ مِن سوءِ الظُنونِ سَرائِري
تَشابَهُ أَيّامي بِهِ فَكَأَنَّما / أَوائِلُها مَمزوجَةٌ بِالأَواخِرِ
هُوَ الواهِبُ الأَلفِ الَّتي لَو تَسومُها / قَبيلاً فَداها بِالجَديلِ وَداعِرِ
يَطولُ إِذا مَدَّ الرُدَينَيَّ باعُهُ / وَعانَقَ أَعناقَ الرِجالِ المَساعِرِ
فَيَفري طَريقاً لِلسِبارِ كَأَنَّما / لَها ذِمَّةٌ في الطَعنِ رِسلُ المَسابِرِ
تَعَلَّقَ في ثِنيَ العَرينِ بِعَزمَةٍ / تُذَلِّلُ أَمطاءَ اللُيوثِ الخَوادِرِ
فَطَرَّدَها حَتّى اِستَباحَ شُبولَها / وَما ضَعضَعَتهُ أُسدُها بِالزَماجِرِ
يَخِفُّ إِلَيهِ الجَيشَ حَتّى كَأَنَّهُ / يَمُدُّ بِأَعناقِ النَعامَ النَوافِرِ
جَزى اللَهُ عَنهِ الخَيلَ ما تَستَحِقُّهُ / إِذا رَقَصَت بِالدارِعينَ المَغاوِرِ
وَخَبَّت عَلى بَيداءَ تَشرَقُ ماءَها / عَنِ الرَكبِ في طَيِّ العُيونِ الغَوائِرِ
تَمُرُّ عَلى المَعزاءِ خَفّاقَةَ الحَصى / وَتَحثو بِوَجهِ الشَمسِ تُربَ القَراقِرِ
وَتَستَرعِفُ الأَفاقُ لَمعَ صَفائِها / بِمُغبَرَّةٍ تَمحو سُطورَ الهَواجِرِ
حِمى بَيضَةَ الإِسلامِ بِالحَقِّ فَاِحتَمَت / وَقَرَّت بِأَعشاشِ الرِماحِ الشَواجِرِ
وَمِن قَبلُ ما كانَت تَقَلقَلُ خيفَةً / وَتَرقُبُ في الأَيّامِ وَهصَةَ كاسِرِ
إِذا عَبَّقَت أَخلاقُهُ أَرَجَ العُلى / تَضَوَّعَ في الحَيَّينِ كَعبٍ وَعامِرٍ
وَلَمّا اِنجَلَت مِن حَوزَةِ الشِركِ فُرصَةٌ / تَقَنَّصَها وَالدينُ دامي الأَظافِرِ
تَدارَكَها وَالرُمحُ يَركَبُ رَأسَهُ / فَيَرعَفُ مِن قَطرِ الدِماءِ القَواطِرِ
بِطَعنٍ كَوَلغِ الذِئبِ إِن زَعزَعَ القَنا / سَقاها شَآبيبَ الدِماءِ المَوائِرِ
أَفاضَ عَلى عَدنانَ فَضلَ وَقارِهِ / وَقَد مَسَّها طَيشُ السِهامِ الغَوائِرِ
فَبَوَّأَ أَوفاهُم يَداً قُلَّةَ العُلى / وَمَدَّ بِأَضباعِ الرِجالِ البَحاتِرِ
إِذا جَنَبوهُ لِلرِهانِ أَتوا بِهِ / جَواداً يُفَدّى شاؤُهُ بِاليَعافِرِ
يُغَطّي عَلى أَوضاحِها بِغُبارِهِ / وَيَخرُجُ سَهلاً مِن جُنوبِ الأَواعِرِ
إِذا ذَكَروهُ لِلخِلافَةِ لَم تَزَل / تَطَلَّعُ مِن شَوقٍ رِقابُ المَنابِرِ
لَعَلَّ زَماناً يَرتَقي دَرَجاتِها / بِأَروَعَ مِن آلِ النَبِيِّ عُراعِرِ
وَمَن لي بِيَومٍ أَبطَحِيٍّ سُرورُهُ / يُجَوِّلُ ما بَينَ الصَفا وَالمَشاعِرِ
فَها إِنَّ طَوقَ المُلكِ في عُنقِ ماجِدٍ / وَإِنَّ حُسامَ الحَقِّ في كَفِّ شاهِرِ
وَيارُبَّ قَومٍ ما اِستَعاضوا لِذِلَّةٍ / شَهيقَ العَوالي مِن حَنينِ المَزامِرِ
كُؤوسُهُمُ أَسيافُهُم وَخِضابُها / إِذا جَرَّدوها مِن دِماءِ المَعاصِرِ
رَضوا بِخَيالِ المَجدِ والشَخصُ عِندَه / وَما قيمَةُ الأَعراضِ عِندَ الجَواهِرِ
هُم تَبِعوهُ مُقصِرينَ وَرُبَّما / تَوَسَّدَتِ الأَظلافُ وَقعَ الحَوافِزِ
إِذا عَدَّدوا المَجدَ التَليدَ تَنَحَّلوا / عُلىً تَتَبَرّى مِن عُقودِ الخَناصِرِ
حَرِيّونَ إِلّا أَن تُهَزَّ رِماحُهُم / ضَنينونَ إِلّا بِالعُلى وَالمَفاخِرِ
هُمُ اِنتَحَلوا إِرثَ النَبِيِّ مُحَمَّدٍ / وَدَبّوا إِلى أَولادِهِ بِالفَواقِرِ
وَما زالَتِ الشَحناءُ بَينَ ضُلوعِهِم / تُرَبّي الأَماني في حُجورِ الأَعاصِرِ
إِلى أَن ثَنَوها دَعوَةً أُمَوِيَّةً / زَوَتها عَنِ الإِظهارِ أَيدي المَقادِرِ
وَلَو أَنَّ مِن آلِ النَبِيِّ مُقيمَها / لَعاجوا عَليهِ بِالعُهودِ الغَوادِرِ
فَما هَرَقوا في جَمعِها رِيَّ عامِلٍ / وَلا قَطَعوا في عَقدِها شِبعَ طائِرِ
وَقَد مَلَأوا مِنها الأَكُفَّ وَأَهلَها / فَما مَلَأوا مِنها لَحاظَ النَواظِرِ
فَراشوا لَهُم نَبلَ العَداوَةِ بَعدَما / بَرَوها وَكانَت قَبلُ غَيرَ طَوائِرِ
شَهِدتُ لَقَد أَدّى الخِلافَةَ سَيفُهُ / إِلى جانِبٍ مِن عَقوَةِ الدينِ عامِرِ
يُفَرِّقُ ما بَينَ الكُؤوسِ وَشَربِها / وَيَجمَعُ ما بَينَ الطُلى وَالبَواتِرِ
فَيَرفَعُ صَدرَ السَيفِ إِن حَطَّ كَأسَهُ / وَيَمري دِماءَ الهامِ إِن لَم يُعاقِرِ
وَيَنهَضُ مُشتاقاً إِلى مَصرَخِ القَنا / فَيَحسَبُ بُردي فاسِقِ السَيفِ طاهِرِ
مُعَظَّمُ حَيٍّ ما رَمَتهُ هَجيرَةٌ / فَقَعقَعَ في أَعراضِها بِالهَواجِرِ
وَلَمّا طَغَت عَيلانُ في عِشقِ غَيِّها / رَماها مِنَ الكَيدِ الوَحيِّ بِساحِرِ
رَماهُم مِنَ الرُمحِ الطَويلِ بِحالِبٍ / وَمِن شَفرَةِ العَضبِ الحُسامِ بِجازِرِ
وَأَضرَمَ ناراً فَاِستَرابوا بِضَوئِها / وَما هِيَ إِلّا لِلضُيوفِ السَوائِرِ
فَلَمّا تَراخَت في الضَلالِ ظُنونُهُم / تَراخى فَطارَت نارُهُ في العَشائِرِ
وَلَمّا أَروهُ نَفرَةَ العارِ خافَها / وَلو نَفَرَت أَرماحُهُم لَم تُحاذِرِ
فَأَرسَلَها شَعواءَ تَقدَحُ نارَها / عَلى جَنَباتِ الأَمعَزِ المُتَزاوِرِ
شَماطيطَ يُجرونَ الحَديدَ كَأَنَّما / مَشَينَ عَلى مَوجٍ مِنَ اليَمِّ زاخِرِ
عَليها مِنَ البيضِ العَوارِضِ فِتيَةٌ / خِضابٌ قَناّها مِن دِماءِ المَناحِرِ
مَفارِقُ لا يَعلو عَلَيها مُطاوِلٌ / غَداةَ وَغىً إِلا قِباُبَ المَغافِرِ
فَجاؤُوكَ وَالخَيلُ العِتاقُ طَلائِحٌ / تَضاءَلُ مِن عِبءِ الرِماحِ العَواثِرِ
وَما حَرَّكوها لِلطِعانِ كَأَنَّما / زِجاجُ قَناها عُلِّقَت بِالأَشاعِرِ
وَجارَت سِهامُ المَوتِ فيهِم وَإِنَّما / دَليلُ المَنايا في السِهامِ الجَوائِرِ
وَطَأتَهُمُ بِاللاّحِقِيّاتِ وَطأَةً / تُذَلِّلُ خَدَّ الجانِبِ المُتَصاغِرِ
فَأَزعَجتَ داراً مِنهُمُ مُطمَئِنَّةً / وَأَخلَيتَها مِن كُلِّ عافٍ وَسامِرِ
شَنَنتَ بِها الغاراتِ حَتّى تُرابُها / يَثورُ عَلى العاداتِ مِن غَيرِ حافِرِ
وَكُلُّ فَتاةٍ مِن نِزارٍ تَرَكتَها / تَريعُ إِلى ظِلِّ الرُبوعِ الدَواثِرِ
تُحَشَّشُ في أَذيالِها مُستَكينَةً / وَتَحطِبُ ذُلّاً في حِبالِ الغَدائِرِ
وَكُلُّ غُلامٍ مِنهُمُ شامَ سَيفَهُ / رَأى فيهِ وَجهَ الحَقِّ طَلقَ المَناظِرِ
وَلَمّا اِمتَطى ظَهراً مِنَ الغَيِّ كاسِياً / تَنَدَّمَ أَن أَعرى ظُهورَ البَصائِرِ
جَفَتهُ العُلى فَاِنسَلَّ مِن عُقُداتِها / وَما عَلِقَت أَعطافُهُ بِالمَآثِرِ
وَلَو لَم تُمَسَّحِ بِالأَمانِ رُؤوسُهُم / لَما أَنِسَت هاماتُهُم بِالغَفائِرِ
تَفَرَّت قُلوبُ القَومِ حَتّى تَهَتَّكَت / بِما اِستَتَرَت فيهِ بَناتُ السَرائِرِ
أَبا أَحمَدٍ ثِق بِالمَعالي فَإِنَّها / إِذا لَم تُرَع بِالبُخلِ غَيرُ غَوادِرِ
فَما مالُكَ المَدخورُ إِلا لِطالِبٍ / وَلا رَبعُكَ المَعمورُ إِلّا لِزائِرِ
وَلا تَطلُبا ثارَ الرِماحِ وَإِنَّما / دِماءُ المَعالي في رِقابِ الجرائِرِ
جَلَوتَ القَذى عَن مُقلَتَيَّ فَباشَرَت / صَنيعَكَ أَجفاني بِأَلحاظِ شاكِرِ
فَإِن هَزَّ يَوماً فَرعَ مُلكِكَ حاسِدٌ / فَإِنَّ المَعالي مُحكَماتُ الأَواصِرِ
هُوَ العودُ سَهلٌ لِلسَماحِ جَناتُهُ / وَلَكِن عَلى الأَعداءِ وَعرُ المَكاسِرِ
أَذَمَّ عَلى الأَيّامِ مِن كُلِّ حادِثٍ / وَحاطَ جَنابَ الدينِ مِن كُلِّ ذاعِرِ
وَضَمَّ شِفاهَ الوَحشِ حَتّى ظَنَنتُهُ / سَيَصدى صِقالاً في نُيوبِ القَساوِرِ
وَما زالَ يَسمو بِالمعالي كَأَنَّها / تَجُرُّ إِلَيهِ بِالنُجومِ الزَواهِرِ
لَهُ سابِقاتُ القَبلِ في كُلِّ أَوَّلٍ / مَضى وَبَقاءُ البُعدِ في كُلِّ آخِرِ
تَرَفَّعَ في العَلياءِ عَن وَصفِ مادِحٍ / وَرَفَّعتُ عَن مَدحِ المُلوكِ خَواطِري
فَما هُوَ لَولا ما أَقولُ بِسامِعٍ / وَلا أَنا لَولا ما يَمُنُّ بِشاعِرِ
عَقيدَ العُلى لا زِلتَ تَستَعبِدُ العُلى
عَقيدَ العُلى لا زِلتَ تَستَعبِدُ العُلى / وَتُعتِقُ مِنها رِقَّ كُلِّ أَسيرِ
لَئِن خَفَّ مِن ضافي رِدائِكَ عاتِقي / فَوُدُّكَ يَخطو في رِداءِ قَتيري
سَتَعلَمُ أَنَّ الثَوبَ يَدثُرُ رَسمُهُ / وَرَسمُ الهَوى في القَلبِ غَيرُ دَثورِ
فَلا تُشمِتَنَّ الحاسِدينَ فَسِرُّهُم / يَشِفُّ لِظَنّي مِن وَراءِ أُمورِ
سَأُنزِلُ حاجاتي إِذا طالَ حَبسُها
سَأُنزِلُ حاجاتي إِذا طالَ حَبسُها / بِأَبوابِ نُوّامٍ عَنِ الحَمدِ وَالأَجرِ
بِأَروَعَ مَصبوبٍ عَلى قالِبِ الحَيا / وَأَبيَضَ مَطبوعٍ عَلى سِكَّةِ البَدرِ
لَعَمري لَقَد ماطَلتُ لَو دَفَعَ الرَدى
لَعَمري لَقَد ماطَلتُ لَو دَفَعَ الرَدى / مِطالٌ وَقَد عاتَبتُ لَو سَمِعَ الدَهرُ
أَفي كُلِّ يَومٍ أَنتَ غادٍ مُشَيِّعٌ / حَبيباً إِلى دارٍ يُقالُ لَها القَبرُ
لَئِن كانَ لي في كُلِّ ما أَنا تارِكٌ / وَراءَ الثَرى أَجرٌ لَقَد عَظُمَ الأَجرُ
سَقَيتُ أَبا بَكرٍ عَلى البُعدِ وَالنَوى / وَلا بَلَّ هامَ الشامِتينَ بِكَ القَطرُ
أَخي ما أَقَلَّ التابِعيكَ إِلى الثَرى / وَإِخوانُكَ الأَدنونَ مِن قَبلِها كُثرُ
لَقَد كانَتِ النَكراءُ مِنكَ خَليقَةً / وَلا عُرفَ حَتّى يُتَّقى قَبلَهَ النُكرُ
إِلا إِنَّما الماضونَ مِنّا هُمُ الأَولى / أَراحوا وَحَطوا وَالبَواقي هُمُ السَفرُ
نُتَبِّعُهُ أَبصارَنا وَهوَ ذاهِبٌ / كَما مالَ قَرنُ الشَمسِ أَو وَجبَ البَدرُ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ فاتَ بِكَ الرَدى / وَلَم يَبقَ عَينٌ لِلِّقاءِ وَلا أَثرُ
تَناسَيتُ إِلّا باقِياتٍ مِنَ الذِكرِ
تَناسَيتُ إِلّا باقِياتٍ مِنَ الذِكرِ / لَيالِيَنا بَينَ القَرينَةِ وَالغَمرِ
وَكَم زادَني فيها الهَوى عَن جِمامِهِ / وَقارَعَني الغَيرانُ عَن بَيضَةِ الخِدرِ
وَذي دَعَجٍ لا نابِلُ الحَيِّ رايِشاً / وَلا بارِياً يَبري مِنَ الشَرِّ ما يَبري
يُقَلَّبُ لي في مِحجَرَي أُمَّ شادِنٍ / تَجَفَّلُ أَو يَدنو دُنوّاً عَلى ذُعرِ
تَلَقَّيتُ مِن طَرفَيهِ سَهماً وَجَدتُه / يَلَذُّ عَلى عَيني وَيُؤلِمُ في صَدري
فَيا لَكَ مِن رامٍ أَضَمَّ سِهامَهُ / وَإِن نِلنَ مِنّي بِاليَدَينِ إِلى النَحرِ
أَقولُ لِغَيداقٍ وَأَذكَرَني الهَوى / عَلى النَأيِ ما لِلقَلبِ وَيبَكَ وَالذِكرِ
تُذَكِّرُني ما حالَتِ الأَرضُ دونَهُ / أَلا إِنَّما سَوَّلتَ لِلدَمعِ أَن يَجري
وَطَيُّ اللَيالي وَالجَديدُ إِلى بِلىً / وَلَيسَ لِما يَطوي الجَديدانِ مِن نَثرِ
وَشَرُّ الرَفيقَينِ الَّذي إِن أَمَرتَهُ / عَصاكَ وَإِن ما حُطتَهُ الدَهرَ لَم يَدرِ
يُقارِعُني حَتّى إِذا كَلَّ غَربُهُ / نَسينا التَصافي وَاِندَمَلنا عَلى غَمرِ
أَفي كُلِّ يَومٍ أَنتَ ماتِحُ عَبرَةٍ / عَلى طَلَلٍ بِالوِدِّ أَو مَنزِلٍ قَفرِ
وَمُنتَزِحٍ جَمّاتِ عَينَيكَ راجِعاً / إِلى غَزرِ ماءٍ لا بَكِيءٍ وَلا نَزرِ
أَقولُ عَزاءً وَالجَوى يَستَفِزُّهُ / وأَعيا الأَواسي عَيَّ عَظمٍ عَلى وَقرِ
فَلَمّا أَبى إِلّا البُكاءَ رَفَدتُهُ / بِعَينَينِ كانا لِلدَموعِ عَلى قَدرِ
وَقُلتُ لَهُ رُدَّ الجُفونَ عَلى القَذى / وَخَلِّ الجَوى يَمري مِنَ الدَمعِ ما يَمري
قَسَمتُ زَفيرَ الوَجدِ بَيني وَبَينَهُ / دَواليكَ أَقريهِ اللَواعِجَ أَو يَقري
عَشِيَّةَ تَغشاني مِنَ الدَمعِ كَنَّةٌ / كَأَنِّيَ مَرهومُ الإِزارَينِ بِالقَطرِ
فَزِعتُ إِلى فَضلِ الرِداءِ مُبادِراً / تَلَقِّيَ دَمعي أَن يَنُمَّ عَلى سِرّي
كَأَنّي وَغَيداقاً طَريدا مَخافَةٍ / أَصابا دَماً في مالِكٍ وَبَني النَضرِ
نُحَلَّأُ عَن ماءِ الحُلولِ وَنَنثَني / عَلى رَصفِ أَكبادٍ أَحَرِّ مِنَ الجَمرِ
فَأَينَ بَنو أُمَّ المَكارِمِ وَالنَدى / وَآلُ الجِيادِ الغُرِّ وَالجامِلِ الدَثرِ
وَأَينَ الطَوالُ الغُلبُ كانَت سُيوفُهُم / فُرادى عَنِ الأَجفانِ لِلضَربِ وَالعَقرِ
كَأَنَّكَ تَلقى هَجمَةَ الخَطبِ مِنهُمُ / بِزَيدِ القَنا أَو بِالقَلَمَّسِ أَو عُمرو
إِذا عَدِموا أَثروا طِعاناً وَغَيرُهُم / لَئيمُ الغِنى يَومَ الغِنى عاجِزُ الفَقرِ
لَهُم كُلُّ شَهقى بِالنَجيعِ كَما رَغا / قَراسِيَةٌ رَدَّ العَجيجَ عَلى الهَدرِ
لَها رَقَصاتٌ بِالدِماءِ كَأَنَّما / تَشَقَّقُ عَن أَعرافِ أَحصِنَةٍ شُقرِ
تَلَمَّظُ تَلماظَ المَروعِ وَتَنكَفي / جَواشِنُها مِن مُظلِمِ الجالِ ذي قَعرِ
رَموا بِجِباهِ الخَيلِ مَأسَدَةَ الرَدى / وَسَدّوا بِمَربوعِ القَنا طِلَعَ الثَغرِ
وَلَم تَدرِ أَيمانُ القَوابِلِ مِنهُمُ / أَسَلَّت رِجالاً أَم ظُبى قُضُبٍ بُترِ
هُمُ اِستَفرَغوا ما كانَ في البيضِ وَالقَنا / فَلَم يَبقَ إِلّا ذو اِعوِجاجٍ وَذو كَسرِ
قِبابٌ مِنَ العَلياءِ أَعلى عِمادَها / فُحولُ الوَغى بَينَ الزَماجِرِ وَالخَطرِ
بَنوها بِأَيّامِ الطِعانِ وَما بَنَت / لِتَغلِبَ أَيّامُ الطِعانِ عَلى بَكرِ
يَعودونَ قَد رَدّوا العَظيمَةَ عَن يَدٍ / وَقَد أَغلَقوا بابَ الطُلاطِلَةِ البِكرِ
وَغَيَّرَ أَلوانَ القَنا طولُ طَعنِهِم / فَبِالحُمرِ تُدعى اليَومَ لا بِالقَنا السُمرِ
غَدَوا سَهَكى الأَيمانِ مِن صَدَءِ الظُبى / وَراحوا كِراماً طَيِّبي عُقَدِ الأُزرِ
هُمُ الحاجِبونَ العِرضَ عَن كُلِّ سُبَّةٍ / إِذا طَرَقوا وَالآذِنونَ عَلى القَدرِ
وَهُم يُنفِدونَ المالَ في أَوَّلِ الغِنى / وَيَستَأنِفونَ الصَبرَ في أَوَّلِ الصَبرِ
مَليئونَ أَن يُبدوا بِذي التاجِ ذِلَّةً / إِذا كَرُموا في طاعَةِ الجودِ ذي الطِمرِ
إِذا سُؤِلوا لَم يُتبَعوا المالَ وَجمَةً / وَلَم يَدفَعوا في صَفحَةِ الحَقِّ بِالعُذرِ
مِنَ البيضِ يَستامونَ وَالعامُ كالِحٌ / جُدوباً وَمَطّارونَ في الحِجَجِ الغُبرِ
كَأَنَّ عُفاةَ المَرءِ ذي الطَولِ مِنهُمُ / يَمُدّونَ أَوذامَ الدِلاءِ مِنَ البَحرِ
مَغاويرُ في الجُلّى مَغابيرُ لِلحِمى / مَفاريجُ لِلغُمى مَداريكُ لِلوِترِ
سِراعٌ إِلى الوِردِ الَّذي ماؤُهُ الرَدى / إِذا أُرعِدَ النِكسُ الجَبانُ بِلا قُرِّ
وَتَأخُذُهُم في ساعَةِ الجودِ هِزَّةٌ / كَما خايَلَ المِطرابُ عَن نَزوَةِ الخَمرِ
فَتَحسَبُهُم فيها نَشاوى مِنَ الغِنى / وَهُم في جَلابيبِ الخَصاصَةِ وَالفَقرِ
عَظيمٌ عَليهِم أَن يَبيتوا بِلا يَدٍ / وَهَينٌ عَليهِم أَن يَفيئوا بِلا وَفرِ
إِذا نَزَلَ الحَيَّ الغَريبُ تَقارَعوا / عَلَيهِ فَلَم يَدرِ المُقِلَّ مِنَ المُثري
يَميلونَ في شِقِ الوَفاءِ مَعَ الرَدى / إِذا كانَ مَحبوبَ البَقاءِ مَعَ الغَدرِ
حَواقِلَةٌ مِثلُ الصَقورِ وَفِتيَةٌ / إِذا ماحَناني طارِقٌ دَعَموا ظَهري
وَما لَطَموا عَن غايَةِ المَجدِ جَبهَتي / بَلى خَلَعوا عَنّي لِإِدراكِها عُذري
تَوارِكُ لي في حالِ يُسري فَإِن رَأَوا / دُنُوُّي مِنَ الإِملاقِ جاءَ بِهِم عُسري
إِذا أَوهَنَت عَظمي اللَيالي وَجَدتُهُم / بِأَيدي النَدى وَالطَعنِ قَد جَبَروا كَسري
هُمُ أَنهَضوني بَعدَ ما قيلَ لا لَعاً / وَهُم أَغرَموا الأَيّامَ لي ما جَنى عَثري
كَفَوني وَما اِستَكفَيتُهُم مِن ضَراعَةٍ / تَرافُدَ أَيدي الأَبعَدينَ عَلى نَصري
تَرى كُلَّ ذَيّالِ العِطافِ كَأَنَّما / تَفَرَّجَ مِنهُ اللَيلُ عَن قَمَرٍ بَدرِ
لَهُ رائِدٌ يَلقاكَ مِن قَبلِ شَخصِهِ / جَلالاً كَما دَلَّ الضِياءُ عَلى الفَجرِ
يُصَدَّعُ عَنهُ الناظِرونَ كَأَنَّما / يَرَونَ بِهِ ذا لِبدَتَينِ أَبا أَجرِ
لَهُ عَبَقٌ يُغنيهِ عَن طيبِ عِرضِهِ / سُطوعاً مِنَ البانِ المَدينِيِّ وَالعِطرِ
لَقَد أولَعَ المَوتُ الزُؤامُ بِجَمعِهِم / كَأَنَّ الرَدى فيهِم تَحَلَّلَ مِن نَذرِ
وَرَوا كَبِدي في آخِرِ الدَهرِ لَوعَةً / بِما بَرَّدوا قَلبي عَلى أَوَّلِ الدَهرِ
مَضوا فَكَأَنَّ الحَيَّ فَرعُ أَراكَةٍ / عَلى إِثرِهِم عُرّي مِنَ الوَرَقِ النَضرِ
وَأَصبَحَ وِردُ الدَمعِ لِلعَينِ بَعدَهُم / عَلى الغِبِّ إِذ وِردُ الفِراءِ عَلى العَشرِ
وَما تَرَكوا عِندَ الرِماحِ بَقِيَّةً / لِهَزٍّ إِلى يَومِ العَماسِ وَلا جَرِّ
نَبَذتُهُمُ نَبذَ الإِداوَةِ لَم تَدَع / مِنَ الماءِ ما يُعدي عَلى غُلَّةِ الصَدرِ
بَقيتُ مُعَنّىً بِالبَقاءِ خِلافَهُم / وَما بَينَنا إِلّا قُدَيديمَةُ السَفرِ
وَأَغدوا عَلى آثارِهِم وَوَدادَتي / لَوَ أَنَّهُمُ الغادونَ بَعدي عَلى إِثري
وَفي الحَيَّ بَيتي خالِفاً وَكَأَنَّني / مِنَ الوَجدِ يوري بَينَ أَقبُرِهِم قَبري
كَأَنِّيَ مَغلوبٌ عَلى نَصلِ سَيفِهِ / أَقامَ بِلا نابٍ يَروعُ وَلا ظُفرِ
فَما أَتَلافى الغَمضَ إِلّا عَلى قَذىً / وَلا أَتَناسى الوَجدَ إِلّا عَلى ذِكرِ
وَقالوا اِصطَبِر لِلخَطبِ هَيهاتَ إِذ مَضى / مُقَوِّمُ دَرئي وَالمُعينُ عَلى دَهري
وَذي نَضَدٍ لا يَقطَعُ الطَرفُ عَرضَه
وَذي نَضَدٍ لا يَقطَعُ الطَرفُ عَرضَه / إِذا قَيلَ نَجدِيُّ المُباحِ تَغَوَّرا
تَخالُ بِهِ رُكنَي أَبانَ وَشابَةٍ / أَطلاً وَرَجراجاً مِنَ الرَملِ أَعفَرا
إِذا مَدَّ بِالأَعناقِ قَعقَعَ رَعدُهُ / كَعودِ المَلا إِن عَضَّهُ العِبُّ جَرجَرا
كَما اِصطَرَعَت راياتُ قَيسٍ وَخَندَفٍ / عَجالى يَجُدّونَ العَديدِ المُجَمهَرا
إِذا أَجَّ بِالإيماضِ قُلتَ اِبنُ كُفَّةٍ / يُضَرِّمُ بِالغابِ الأَباءَ المُسَعَّرا
تَشَوَّلَ تَشوالَ البُروقِ بِبُرقَةٍ / وَرَجَّعَ قَرقارَ الفَنيقِ بِقَرقَرا
كَأَنَّ بِهِ النَوتِيَّ مِن سَيفِ جُدَّةٍ / عَلى عَجَلٍ يُزجي السَفينَ المُوَقَّرا
لَهُ نَعَراتٌ بَينَ قَوٍّ وَرامَةٍ / وَلا نَعَراتُ الشَيخِ أَوسِ بنِ مَعيَرا
أَبَسَّت بِهِ ريحُ النُعامى مَنيحَةً / كَما جَعجَعَ الوَهمُ الثَفالُ لِيَعقِرا
وَهَوجاءَ في أَشواطِها عَجرَفِيَّةٌ / تَسوقُ مِنَ الغَورِ الغَمامَ الكَنَهوَرا
تَبَعَّقُ بِالأَطباءِ مِن كُلِّ فيقَةٍ / كَمَخضِ الغَريرِيِّ المَزادَ المُوَكَّرا
وَأَقلَعَ إِقلاعَ الظَلامِ وَقَد وَزى / قِلالَ الرَوابي وَالرَكِيَّ المُغَوِّرا
قَضى بِكَ لا ضَنّاً عَليكَ بِمَدمَعي / وَلَكِن رَسيلُ الدَمعِ جادَ وَأَمطَرا
لَقَد ساءَني أَنَّ البَلابِلَ رَوَّحَت / وَأَنَّ مَطالَ الداءِ بَعدَكَ أَقصَرا
تَضَرَّعتُ في أَعقابِ وَجدٍ عَليكُمُ / وَمَن فاتَهُ الإِعذارُ بِالأَمرِ عَذَّرا
وَأَهجُرُكُم هَجرَ الخَلِيِّ وَأَنتُمُ / أَعَزُّ عَلى عَينَيَّ مِن طارِقِ الكَرى
وَلَم أَزجُرِ العَينَ الدُموعَ لِتَنتَهي / وَلَم أَعذُلِ القَلبَ اللَجوجَ لِيَصبِرا
وَقالوا أَرِح قَرحَ الفُؤادِ وَإِنَّما / أَحَبُّ فُؤادَيَّ اِنطَوى دونَهُ البَرى
كَفى جانِبَ القَبرِ الَّذي أَنتَ ضِمنَهُ / زَفيري وَدَمعي أَن يُراحَ وَيُمطَرا
وَما ضَرَّ قَلبي إِذ غَدا مِنكَ آهِلاً / تَأَمُّلُ عَيني مَنزِلاً مِنكَ مُقفِرا
ذَكَرتُكَ وَالأَرضُ العَريضَةُ بَينَنا / وَشَرٌّ عَلى ذي الوَجدِ أَن يَتَذَكَّرا
فَإِن لَم يَزَل قَلبي إِلَيكَ فَقَد هَفا / وَإِن لَم يَزِد دَمعي عَليكَ فَقَد جَرى
أَلا يا لَيالي الخَيفِ هَل يَرجِعُ الهَوى
أَلا يا لَيالي الخَيفِ هَل يَرجِعُ الهَوى / إِلَيكُنَّ لي لا جازَكُنَّ نَدى القَطرِ
فَيا دينَ قَلبي مِن ثَلاثٍ عَلى مِنىً / مَضَينَ وَلَم يُبقينَ غَبرَ جَوى الذِكرِ
وَرامينَ وَهناً بِالجِمارِ وَإِنَّما / رَموا بَينَ أَحشاءِ المُحِبّينَ بِالجَمرِ
رَموا لا يُبالونَ الحَشى وَتَرَوَّحوا / خَليينَ وَالرامي يُصيبُ وَلا يَدري
وَقالو غَداً ميعادُنا النَفرُ عَن مِنىً / وَما سَرَّني أَنَّ اللِقاءَ مَعَ النَفرِ
وَيا بُؤسَ لِلقُربِ الَّذي لا نَذوقُهُ / سِوى ساعَةٍ ثُمَّ البِعادُ مَدى الدَهرِ
فَيا صاحِبي إِن تُعطِ صَبراً فَإِنَّني / نَزَعتُ يَديَّ اليَومَ مِن طاعَةِ الصَبرِ
وَإِن كُنتَ لَم تَدرِ البُكا قَبلَ هَذِهِ / فَميعادُ دَمعِ العَينِ مُنقَلَبُ السَفرِ
خُذا اليَومَ كَفّي لِلبِياعِ عَلى النُهى
خُذا اليَومَ كَفّي لِلبِياعِ عَلى النُهى / فَلَم يَبقَ لِلإِطرابِ عَينٌ وَلا أَثرُ
فَقَد كُنتُ لا أُعطي العَواذِلَ طاعَةً / وَأَعذِرُ نَفسي في التَصابي وَلا عُذرُ
تَقَضَّت لُباناتُ الصِبا وَتَصَرَّمَت / فَلا نَهيَ لِلّاحي عَلَيَّ وَلا أَمرُ
وَلا تَحسِبا أَنّي نَضَوتُ بَطالَتي / نُزوعاً وَلَكِن صَغَّرَ اللَذَةِ الكِبرُ
وَلا أَمتَري أَنَّ الشَبابَ هُوَ الغِنى / وَإِن قَلَّ مالٌ فَالمَشيبُ هُوَ الفَقرُ
أَتَحسِبُ سوءَ الظَنِّ يَجرَحُ في فِكري
أَتَحسِبُ سوءَ الظَنِّ يَجرَحُ في فِكري / إِذاً فَاِحتَوي بي العَجزَ مِن كَنَفِ الصَبرِ
وَعاقَت يَدي عِندَ النِزالِ عَوائِقٌ / عَنِ السَيفِ لا تُدني يَدَيَّ مِنَ النَصرِ
فَلا تَقرِنا ظَنّي بِظَنِّ مُسَفَّهٍ / يَظُنُّ بِوَقعِ الأَثرِ في غُرَّةِ البَدرِ
فَقَلبِيَ يَأبى أَن يُدَنَّسَ سِرُّهُ / بِرَيبٍ وَوُدّي أَن يُعَنَّفَ مِن غَدري
وَقَد جُدتُ بِالنُعمى عَليكَ لِأَنَّني / حَلَلتُ عُرى ضِغنى وَكَفكَفتُ مِن وِتري
وَلَو أَنَّني جازَيتُ قَوماً بِفِعلِهِم / لَأَلبَستُهُم حَلِياً مِنَ البيضِ وَالسُمرِ
وَأَخلاقُنا ماءٌ زُلالٌ عَلى الرَضى / وَإِن أُسخِطَت عادَت عَلى السُخطِ مِن صَخرِ
إِذا ما غَضِبنا كادَتِ الأَرضُ تَنطَوي / حِفاظاً وَيَرمي الأُفقُ بِالأَنجُمِ الزُهرِ
وَما نَحنُ إِلّا عارِضٌ إِن قَصَدتَهُ / لِجودٍ حَباكَ النائِلَ الغَمرَ بِالقَطرِ
وَإِن هُزَّ لِلأَضغانِ عادَت بُروقُهُ / حَريقاً عَلى الأَعداءِ مُضطَرِمَ السَعرِ
غَفَرتُ ذُنوباً مِنكَ أَذكَت عَزايمي / وَكادَ شِهابُ السُخطِ يَطلَعُ مِن صَدري
صَفَحتُ وَقَد كانَ التَغَصُّصُ ذادَني / عَنِ الصَفحِ لَكِن أَنتَ مِن كَرَمِ البَحرِ
وَمَن قَيَّدَ الأَلفاظِ عِندَ نِزاعِها / بِقَيدِ النُهى أَغنَتهُ عَن طَلَبِ العُذرِ
فَرُح غانِماً بِالعَفوِ مِمَّن لَوِ اِنطَوى / عَلى حَنَقٍ ماتَ الحَمامُ مِنَ الذُعرِ
بِكَفِّيَ أَنّى شِئتُ ناصِيَةَ العُلى / أَهُزُّ وَأَعناقُ المَكارِمِ في أَسري
أَلا إِنَّها غَمرُ السَخائِمِ وَالغَمرِ
أَلا إِنَّها غَمرُ السَخائِمِ وَالغَمرِ / جِنايَةُ مَن يَجني بِها ثَمَرَ الدَهرِ
تَحِنُّ الرُبى لِلقَطرِ لا لِغَمامِهِ / وَما تَنفَعُ السُحبُ السَواري بِلا قَطرِ
سَأَهجِرُ أَبكارَ القَوافي فَإِنَّني / أَراها عَلى الأَيّامِ تَقتَصُّ بِالغَدرِ
إِذا ضافَني هَمٌّ أَمَلُّ طُروقَهُ
إِذا ضافَني هَمٌّ أَمَلُّ طُروقَهُ / بِبَعضِ اللَيالي أَو أَضيقُ بِهِ صَدرا
وَلَم أَرَ لي ما يَطرُدُ الهَمَّ مِثلَهُ / سَماعاً يُجَلّي عَن ضَميرٍ وَلا خَمرا
أَقولُ لِنَدمانَيَّ كُرّا إِلى المُنى / وَذِكرِ التَصابي وَاِندُبا ذَلِكَ العَصرا
فَقَد طالَ ما أَحدَثتُ عَهداً بِطيبَةٍ / فَرُدّا عَلَيَّ القَولَ أُحدِث بِهِ ذِكرا
فَما كانَ إِلّا خِلسَةً ثُمَّ إِنَّني / رَأَيتُ يَدي مِمّا عَلِقتُ بِهِ صِفراً
أَرى ماءَ وَجهِ المَرءِ مِن ماءِ عِرضِهِ
أَرى ماءَ وَجهِ المَرءِ مِن ماءِ عِرضِهِ / فَحِذرَكِ لا يَقطُر عَلى العارِ قاطِرُه
فَإِن أَنتَ لَم تَستَبقِ بِالصَونِ بَعضَه / تَتابَعَ مَطلولاً عَلى الذُلِّ سائِرُه
تَنكَّرَ هَذا الناسُ بَعدَكَ لِلنَّدى / وَأَقلَعَ مِن نَوءِ المَكارِمِ ماطِرُه
فَأولاهُمُ بِالحَمدِ مَن لانَ رَدُّهُ / وَمَن حَسُنَت عِلّاتُهُ وَمَعاذِرُه
تَجافَ عَنِ الأَعداءِ بُقيا فَرُبَّما
تَجافَ عَنِ الأَعداءِ بُقيا فَرُبَّما / كُفيتَ وَلَم تَعقُر بِنابٍ وَلا ظُفرِ
وَلا تَبرِ مِنهُم كُلَّ عودٍ تَخافُهُ / فَإِنَّ الأَعادي يَنبُتونَ مَعَ الدَهرِ
دُخولٌ عَلى زُحلوفَةِ الخَطبِ بَعدَما / تَرامَت بِهِم أَرجاءُ مُظلِمَةِ القَعرِ
إِذا شِئتَ أَن تَبقى خَلِيّاً مِنَ العِدى / فَعِش عَيشَ خالٍ مِن عَلاءٍ وَمِن وَفرِ
إِذا أَنتَ أَفنَيتَ العَرانينَ وَالذُرى / رَمَتكَ اللَيالي عَن يَدِ الخامِلِ الغِمرِ
وَهَبكَ اِتَّقَيتَ السَهمَ مِن حَيثُ يُتَّقى / فَمَن لِيَدٍ تَرميكَ مِن حَيثُ لا تَدري
تُحامي عَلى دارِ المَقامِ سَفاهَةً / ضَلالاً إِذا رَأياً وَنَحنُ مَعَ السَفَرِ
وَلَولا هَناةٌ وَالهَناةُ مَعاذِرٌ
وَلَولا هَناةٌ وَالهَناةُ مَعاذِرٌ / لَطارَت بِرَحلي عَنكَ بَزلاءُ ضامِرُ
وَشَيَعتُ أَظعاناً كَأَنَّ زُهاءَها / بِجانِبِ ذي القَلّامِ نَخلٌ مَواقِرُ
مُفارِقَ دارٍ طَأطَأَ الذُلُّ أَهلَها / وَما عِزُّ دارٍ لَيسَ فيها مَعاشِرُ
أَقَمتُ عَلى ما ساءَ أُذناً وَمُقلَةً / يُبَلِّغُني المَكروهَ سَمعٌ وَناظِرُ
أَبيتُ رَميضاً صالِياً حَرَّ زَفرَةٍ / لِلَيلِيَ مِن زَورِ المُلِمّاتِ سامِرُ
أَرِقتُ وَلَم يَأرَق مَعي مَن رَجَوتُهُ / لِيَومي إِذا دارَت عَليَّ الدَوائِرُ
أَقامَ عَلى دارِ القَطيعَةِ وَالقِلى / يُشاوِرُ فيما ساءَني وَيُؤامِرُ
رَمانِيَ عَن قَوسِ العَدوِّ وَقالَ لي / أَمامَكَ إِنّي مِن وَرائِكَ ثائِرُ
وَعِندي لَتَبديلِ الدِيارِ مُناخَةٌ / تُوَقِّعُ ما تُملي عَلَيَّ المَقادِرُ
أَقولُ غَداً وَالشَرُّ أَقرَبُ مِن غَدٍ / أَبى الضَيمُ أَن يَبقى بِعُشِّكَ طائِرُ
فَما أَنتَ نَظّارٌ وَغَيرُكَ رائِحٌ / وَنِضوَكَ مَزمومٌ وَرَحلُكَ قاتِرُ
إِذا لَم يَكُن لي ناصِرٌ مِن عَشيرَتي / فَلي مِن يَدِ المَولى وَإِن ذَلَّ ناصِرُ
وَإِنّي وَإِن قَلّوا لِمُستَمسِكٌ بِهِم / وَقَد تُمسِكُ الساقَ المَهيضَ الجَبائِرُ
وَبَعضُ مَوالي المَرءِ يَغمِزُ عودَهُ / كَما غَمَزَ القِدحَ الخَليعُ المُقامِرُ
وَقَد كانَ مَولى الزِبرِقانِ هَراسَةً / لَها وَاِخِذٌ في الأَخمَصَينِ وَناقِرُ
وَقَد أَكَلَ الجيرانُ قَيسَ بنَ عاصِمٍ / وَجارُ الأَيادِيِّ الحُذافِيِّ واقِرُ
وَقَد كانَ فيها لِلسُمَوأَلِ عُذرَةٌ / وَمَن رامَ عُذراً أَمكَنَتهُ المَعاذِرُ
وَلَكِنَّهُ أَصغى لِما قالَ لائِمٌ / فَأوفى وَلَم يَحفِل بِما قالَ عاذِرُ
فَلا يَغرُرَنكَ اليَومَ ثَغرُ اِبنِ حُرَّةٍ / تَبَسَّمَ لِلأَعداءِ وَالصَدرُ واغِرُ
شَكا الناسَ يَبكي قَلبُهُ وَلِسانُهُ / وَإِن كَتَمَت عَنكَ الدَموعَ النَواظِرُ
تَواكَلَهُ الخُلّانُ حَتّى حُسامُهُ / وَأَعوانُهُ حَتّى الجَنانُ المُوازِرُ
وَما كُنتَ إِلّا كَالمُوارِبِ نَفسَهُ / بَغى وَلَداً وَالعِرسُ جَدّاءُ عاقِرُ
وَهَل يَنفَعَنَّ الطارِقينَ عَلى الطَوى / إِذا غابَ جودُ المَرءِ وَالزادُ حاضِرُ
يَفوزُ الفَتى بِالحَمدِ وَالمالُ ناقِصٌ / وَتَتبَعُ مَوفورَ الرِجالِ المَعائِرُ
وَلَو كُنتُ في فِهرٍ لَقامَ بِنُصرَتي / غُضوبٌ إِذا لَم يَغضَبِ الحَيُّ غائِرُ
وَسَدَّدَ مِن دوني سِناناً كَأَنَّهُ / إِلى الطَعنِ نابٌ يُقلِسُ السُمَّ قاطِرُ
إِذا ضافَتِ الحَيَّ الحَريدَ مُغيرَةٌ / أَدَرَّ عَليها لَقحَةَ الطَعنِ عامِرُ
كَلَيثِ الشَرى ما فاتَ حَدَّ نُيوبِهِ / مِنَ الطُعمِ يَوماً أَدرَكَتهُ الأَظافِرُ
وَيَأبى الفَتى وَالسَيفُ يَحطِمُ أَنفَهُ / وَفي الناسِ مَصبورٌ عَلى السَيفِ صابِرُ
وَلَو بِأَبي العَوّامِ كانَ مُناخُها / لَغامِرَ عَنها اللَوذَعِيُّ المُغامِرُ
وَراحَت طِراباً لَم تُشَمِّس رِحالَها / وَلا نَغَرَت مِنها القُدورُ النَواغِرُ
سَوارِحَ لَم يَدفَع عَنِ الرَعيِ دافِعٌ / لَئيمٌ وَلَم يَنهَر عَنِ الماءِ زاجِرُ
فَتَلتُم عَلى ضَلعاءَ مَنقوضَةِ القِوى / إِذا ما اِستَمَرَّت بِالرِجالِ المَرائِرُ
سَهامُكُمُ في كُلِّ عارٍ سَديدَةٌ / وَسَهمُكُمُ في مَرشَقِ المَجدِ عائِرُ
وَما كُنتُمُ لُجمَ الجَوامِحِ قَبلَها / فَتَثنونَني إِن أَعجَلَتني البَوادِرُ
إِذا ما دُعوا لِليَومِ ذي الخَطبِ أَصفَحوا / صُدورَ الحَرابي أَرمَضَتها الهَواجِرُ
كَأَنَّ بُكوراً مِن نَطاةٍ وَخَيبَرٍ / لَها ناحِطٌ مِنهُم رَميضٌ وَناعِرُ
وَما أَنا إِلّا أُكلَةٌ في رِحالِهِم / لَها الفَمُ إِلّا أَن يَقي اللَهُ فاغِرُ
وَلَولا أَبو العَوّامِ لَم يَملِكوا العُلى / عَلى الناسِ إِلّا أَن تَشِبَّ النَوائِرُ
وَلَم يَرفَعوا بَينَ الغُوَيرِ وَحاجِرٍ / قِبابَهُمُ ما دامَ لِلبُدنِ ناحِرُ
أَرُدَّ عَلى قَومي فُضولَ تَغَمُّدي / وَإِنّي عَلى ما سَاءَ قَومي لَقادِرُ
وَإِنّي لَأَستَأني حُلومَ عَشيرَتي / لِيَعدِلَ مُنآدٌ وَيَرجِعَ نافِرُ
وَأَطلَسَ مَنّاني الكِذابَ وَقالَ لي / لِيَهنِكَ إِحدى اللَيلَتَينِ لَباكِرُ
يُناقِطُ فيها هِجرِسٌ وَهوَ نائِمٌ / وَجُرَّرَ فيها هِجرِسٌ وَهوَ فاتِرُ
تَشَبَّهَ بِالمُجرينَ في حَلبَةِ النَدى / أَقِم وادِعاً يا عَمرُو إِنَّكَ عاثِرُ
وَأَهمَلَها مَرعِيَّةً في ضَمانِهِ / زَمانَ اِدَّعى نِسيانَها وَهوَ ذاكِرُ
رَآها عَلى عِلّاتِها ظَهرَ صَعبَةٍ / تَحادَرُ مِن إِرقاصِها وَتُحاذِرُ
فَأَحجَمَ عَنها هائِباً نَزَواتِها / وَطارَ عَليها الشَحشَحانُ المُخاطِرُ
رَأى سَيفَهُ فيها فَعَضَّ بَنانَهُ / فَأَلّا أَبا الغَلّاقِ كُنتُ تُبادِرُ
يَكِشُّ كَشيشَ البَكرِ في الحَيَّ أُجلِيَت / عَليهِ بَرُمّانَ القُرومُ الخَواطِرُ
تَطاوَحَ وَالأَورادُ تَركَبُ عُنقَهُ / خَواطِرُ ما دونَ الرَدى وَكَواسِرُ
وَإِنّي مَليءٌ إِن بَقيتُ لِعُرضِكُم / بِشَوهِ المَجالي تَحتَهُنَّ النَواقِرُ
عُلالَةُ رُكبانِ الظَلامِ إِذا وَنوا / مِنَ السَيرِ مَرفوعٌ بِهِنَّ العَقائِرُ
قَوارِعُ مَن تَخبِط يَعُد وَهوَ موضَحٌ / أَميمٌ وَمَن تُخطِىء يَبِت وَهوَ ساهِرُ
بَواقٍ بِأَعراضِ الرِجالِ خُدوشُها / كَما رَقَصَت رَقَّ الأَبيلِ المَزائِرُ
حَقيبَةُ شَرٍّ بِئسَ ما اِختارَ رَبُّها / إِذا نُفِضَت عِندَ الإِيابِ المَآزِرُ
نَلُمُّكُمُ وَاللَهُ يَصدَعُ شَعبَكُم / وَلا يَجبُرُ الأَقوامُ ما اللَهُ كاسِرُ
أَحَنَّ إِلى قَومي كَما حَنَّ نازِعٌ / إِلى الماءِ قَد دانى لَهُ القَيدَ قاصِرُ
تَذَكَّرَ جَوناً بِالبِطاحِ تَلُفُّهُ / بِمُنتَضِدِ الدَوحِ الغَمامُ المُواطِرُ
وَجَنَّت عَلَيهِ لَيلَةٌ عَقرَبِيَّةٌ / لَها سائِلٌ في كُلِّ وادٍ وَقاطِرُ
بِأَبطَحَ مِعشابٍ كَأَنَّ نِطافَهُ / دُموعُ العَذارى أَسلَمَتها المَحاجِرُ
يَبيتُ عَلى الماءِ الَّذي في ظِلالِهِ / كِنانَةُ وَالحَيّانِ كَعبٌ وَعامِرُ
لَهُم في كَفافِ الأَرضِ شَرقاً وَمَغرِباً / عَماعِمُ يَبنونَ العُلى وَكَراكِرُ
أَداروا رَحىً بِالأَعوَجِيّاتِ قَمحُها / صُدورُ المَواضي وَالرُؤوسُ النَوادِرُ
هُمُ نَشَطوني مَنشَطَ السِجلِ بَعدَما / تَطاوَحَهُ الجَولانُ وَالقَعرُ غايرُ
وَمَدّوا يَدي مِن بَعدِ ما كانَ مَطرَحي / مِنَ الأَرضِ مَجروراً عَليهِ الجَرائِرُ
وُقوا شَرَّها وَاليَومُ مُستَوجِفُ الحَشا / لَهُ أَبجَلٌ مِن عائِذِ الطَعنِ فائِرُ
وَما غَيرُ دارِ المَرءِ إِلّا مَذَلَّةٌ / وَلا غَيرُ قَومِ المَرءِ إِلّا فَواقِرُ
وَأَخلَيتُ مِن قَلبي مَكاناً لِذِكرِهِم / وَقَد يُذكَرُ البادي وَتُنسى الحَواضِرُ
فَيا عَجَبا مِمّا يَظُنُّ مُحَمَّدٌ
فَيا عَجَبا مِمّا يَظُنُّ مُحَمَّدٌ / وَلَلظَنُّ في بَعضِ المَواطِنِ غَرّارُ
يُقَدِّرُ أَنَّ المُلكَ طوعُ يَمينِهِ / وَمِن دونِ ما يَرجو المُقَدِّرُ أَقدارُ
لَهُ كُلَّ يَومٍ مُنيَةٌ وَطَماعَةٌ / وَنَبذُ قَريضٍ بِالأَمانيِّ سَيّارُ
لَئِن هُوَ أَعفى لِلذِلافَةِ لِمَّةً / لَها طُرَّرٌ فَوقَ الجَبينِ وَأَطرارُ
وَأَبدى لَها وَجهاً نَقيّاً كَأَنَّهُ / وَقَد نُقِشَت فيهِ العَوارِضُ دينارُ
وَرامَ العُلى بِالشِعرِ وَالشِعرِ دائِباً / فَفي الناسِ شُعرٌ خامِلونَ وَشُعّارُ
وَإِنّي أَرى زَنداً تَواتَرَ قَدحُهُ / وَيوشِكُ يَوماً أَن تَشُبَّ لَنا النارُ
رَموا بِمَرامي بَغيِهِم فَاِتَّقَيتُها
رَموا بِمَرامي بَغيِهِم فَاِتَّقَيتُها / وَقُلتُ لَهُم بَيني وَبَينَكُمُ الدَهرُ
كَأَنّي بِكُم لا تَستَطيعونَ حيلَةً / وَلَيسَ لَكُم نَهيٌ يُطاعُ وَلا أَمرُ
وَعَينٌ عَوانٌ بِالدُموعِ وَغَيرُها
وَعَينٌ عَوانٌ بِالدُموعِ وَغَيرُها / مِنَ الدَمعِ يَعرَوري جَوانِبَها بِكرُ
تَمَطَّت بِيَ العُشرونَ حَتّى رَمَينَ بي / إِلى غايَةٍ مِن دونِها يُقطَعُ العُمرُ
يَقولونَ نَم في هِدنَةِ الدَهرِ آمِناً
يَقولونَ نَم في هِدنَةِ الدَهرِ آمِناً / فَقُلتُ وَمَن لي أَن يُهادِنَني الدَهرُ
هَلِ الحَربُ إِلّا ما تَرونَ نَقيصَةً / مِنَ العُمرِ أَو عُدمٌ مِنَ المالِ أَو عُسرُ
فَلا صُلحَ حَتّى لا يَكونَ لِواجِدٍ / ثَراءٌ وَلا يَبقى عَلى وافِرٍ وَفرُ
تَطايَرُ في مَرِّ العَجاجِ كَأَنَّها
تَطايَرُ في مَرِّ العَجاجِ كَأَنَّها / أَجادِلُ حَطَّتها سِغاباً وُكورُها
لَها بَينَ جَنبَي ضَرغَدٍ فَضَرِيَّةٍ / غُرَيريَّةٌ يَهدي الضُيوفَ زَفيرُها