القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أُسامَة بنُ مُنْقِذ الكل
المجموع : 27
أيرجعُ لي شرخُ الشبابِ وعصرُه
أيرجعُ لي شرخُ الشبابِ وعصرُه / وكيفَ رجوعُ اللّيلِ قَد لاحَ فَجرُهُ
رداءٌ قشيبٌ حالَ حالِكُ لونِهِ / وأنْهَجَهُ طيُّ الزّمان ونَشْرُهُ
وكنتُ به كلَّ الضّنِينِ فبزَّهُ ال / مشيبُ فَويحَ الشّيبِ لاَ دَرّ دَرُّهُ
فيا سعدُ كَم أحسنتَ بي قبلَ هذه / فدونَك بِرّا خالِصاً لكَ شُكرُه
تَراءَ معي داراً بأكثِبة الحِمَى / فقد رانَ من دمعي على العين سِتْرُهُ
فإن تَكُ أطلالِي فَقِف بي بِرَبْعها / لأُبرِدَ قلبا قد توهَّج جَمرُهُ
وأُفرغَ فيها قَطرَ دَمعٍ يُغيرُه / إذا جَادَها من صيِّبِ الغِيثِ قَطرُهُ
وعاهدتُ قلبيَ أنّه لِيَ مُنجِدٌ / متى خُنْتُمُ والآنَ قَد بان غَدرُهُ
وأبدى الهوى منهُ تَجَهّمَ خَاذِلٍ / فمَن خَانَني مِن بَعدِه قَام عُذْرُهُ
وقد كان سُكرُ الحُبّ يهفو بلبِّه / وما خِلتُه يبقى مع الغَدرِ سُكْرُهُ
ولم أَتَّبعْ ضَنّاً بكم سَقَطَاتِكُم / لأسبُرَكُم والكَلْمُ يُدميه سَبْرُهُ
ولكن أرَانِيها اشتهارُكُمُ بها / وهل يَخْتفي في حِندس اللّيل بَدْرُهُ
دعانِي إلى هَجري بثينةَ حِقبةً
دعانِي إلى هَجري بثينةَ حِقبةً / من الدّهر خَوفي هَجَرها آخرَ الدّهرِ
ولا بأسَ بالهِجرانِ ما لم يكن قِلىً / ولا الصّدِّ ما لم يُبدِهِ المرءُ عن غَدْرِ
تَناءَوْا وما شطّت بنا عنهمُ الدّارُ
تَناءَوْا وما شطّت بنا عنهمُ الدّارُ / ومالَت بهم عَنّا خُطوبٌ وأقدارُ
همُ جِيرَتي والبعدُ بيني وبينَهم / وأعجبُ شيءٍ بُعدُ مَن هُوَ لي جارُ
لهم مِنّيَ العُتْبى إذا ما تجرّمُوا / وبَذْلُ الرّضا إن أنصفوني أو جارُوا
أجيرةَ قَلبي والّذين هَواهمُ / تَوافقَ إعلانٌ عليه وإسرارُ
تظنّونَ أنّ الصّبرَ يُنجدُ بَعدكم / على بُعدِكُم هَيهاتَ صَبْريَ غَرّارُ
إذا عنّ ذِكراكُم عرَتْنِيَ سَكرةٌ / كأنّي سَقاني البابليَّةَ خَمّارُ
حفِظتُ هَواكُم حِفظَ جَفْنٍ لمُقْلَةٍ / وضاعتْ مودَاتٌ لديكم وأسْرارُ
وعارٌ بِكُم أن تعترِيكُم ملالةٌ / وحاشَى هواكُمْ أن يُدنِّسَه العارُ
أعاتِبُكم أرجو عواطفَ وُدِّكمْ / وفيكُم على ما أوجبَ العتبَ إصرارُ
ومن عجبٍ أنّي أرِقْتُ لراقِدٍ / وألزَمني حفظَ المودّة غدّارُ
أحينَ استَرَقَّ القلبَ واقتادَني الهَوى / وأسلَمَني من حُسن صبريَ أنصارُ
تَصدّى لصدّي واعترتْهُ ملالةٌ / قَضَتْ بِبعادي والملالاتُ أطوارُ
فهلاّ ودمِعي ما اريقَت جِمَامُهُ / وقَلبِيَ لم تُسعَرْ بأرجائِه النّارُ
أطاعَ الهَوى من بَعدِهم وعصَى الصّبرُ
أطاعَ الهَوى من بَعدِهم وعصَى الصّبرُ / فليسَ له نهيٌ عليهِ ولا أَمرُ
وعاودَهُ الوجدُ القديمُ فشَفَّهُ / جَوىً ضاقَ عن كِتمانِهِ الصّدرُ والصبّرُ
كأنَّ النّوى لَم تخْتَرِم غيرَ شَملِه / ولم يَجْرِ إلاّ بالّذي ساءَه القَدْرُ
وهل لِبَني الدّنيا سرورٌ وإنّما / هو العيشُ والْبُؤسَى أو الموتُ والقبرُ
وكلُّ اجتماعٍ مُرصَدٌ لتَفَرِّقٍ / وكلُّ وِصالٍ سوف يَعقُبه هجرُ
وما يدفعُ الخطْبَ المُلِمَّ إذا عرا / سوى الصّبرِ إلاّ أنَّهُ كاسمِهِ صبرُ
أسكَّانَ أكنافِ العواصِم دعوةً / بِفِيَّ بَروداً وهي في كَبِدي جمرُ
لقد أظلمتْ دُنيايَ بعد فِراقِكمْ / فكلُّ زَمانِي ليلةٌ ما لَها فَجْرُ
أُعاتِبُ أيّامِي عليكُمْ ومَالَها / ولا لِلَّيالِي في الّذي بيننا عُذْرُ
لقد صَدَّعَتْ بعد التّفَرّق شَملَنا / كصَدْعِ الصّفا ما إنْ له أبداً جبْرُ
وما زالَ صرفُ الدّهر يسعى بِبَينِنا / فلمّا انقضَى ما بيننا سكَنَ الدّهرُ
فويحَ زمانٍ فرّقتَنا صرُوفُه / أكانَ عليهِ في تَفرُّقِنا نَذْرُ
إذا عنَّ ذِكراكُم نَبا بِيَ مَضجَعي / كأنّ فِراشِي حالَ من دُونِه الجَمْرُ
فأُذهَلُ حتى لا أجيبَ منادِياً / وأُبهتُ لا عُرفٌ لديّ ولا نُكْرُ
وأرمِي فِجاجَ الأرضِ نحوَ بِلادكم / بطرفٍ كليلٍ دمعُه بَعدَكم قَطرُ
أراقَ جِمامَ الدمعِ فيكُم فإن دعَا / بهِ الوجدُ لبّى وهو مُستكرهٌ نَزْرُ
وجَانبَ طِيبَ النّومِ بعد فِراقِكُم / فما تَلتقي منه على سِنَةٍ شُفْرُ
عسَى نظرةٌ منكُم يُميطُ بهَا القَذَى / وهيهاتَ عَرضُ الأرضِ من دِونِكُم سِترُ
وإن وَعَدَتْني باقترابِكُمُ المُنَى / نَهَتْنَي عَنْ تَصدِيقِ موعِدها مصرُ
وكيفَ بكُم والدّهرُ غيرُ مُساعدٍ / ودونَكُمُ الأعداءُ واللّجَجُ الخُضَرُ
مهالكُ لو سَارت بها الريحُ عاقَها ال / وَجَى وثَناها عن تَقَحُّمِها الذُّعرُ
ولم يبقَ إلا ذِكرُ ما كانَ بَينَنا / ولا عَجَبٌ للدّهرِ أن يُدْرَسَ الذّكرُ
وروعةُ شوقٍ تَعتريني إليكُمُ / كما انتَفَضَ العصفورُ بلَّلَهُ القَطْرُ
فيا رَوعتي لا تَسكُنِي بعد بُعدِهِمْ / ويا سلوةَ الأيّامِ موعدُكِ الحَشْرُ
أأحبَابنَا ما أشتكِي بعد بُعدِكُمْ
أأحبَابنَا ما أشتكِي بعد بُعدِكُمْ / سوى أنَّنِي باقٍ ولُبِّيَ حَاضرُ
وما هكذَا يَقضِي وفَائِي وإنّما / جَرَتْ بهواها لا هَوايَ المقادِرُ
وقد كان للبَينِ المُشِتِّ أوائلٌ / وليس له حتّى المماتِ أواخرُ
إلى اللهِ أشكُو فُرقةً دَمِيَتْ لها
إلى اللهِ أشكُو فُرقةً دَمِيَتْ لها / جُفوني وأذكَتْ بالهمومِ ضَميرِي
تَمادَتْ إلى أنْ لاَذَتِ النّفسُ بالمنى / وطارتْ بها الأشواقُ كلَّ مَطِيرِ
لمّا قضَى اللهُ اللّقاءَ تعرَّضَتْ / مساءةُ دهري في طريقِ سُروري
وجَدَّدَ وَجْدِي بعدما كان قد عفَا
وجَدَّدَ وَجْدِي بعدما كان قد عفَا / وراجَعَني حِلمي ووَازَرَني صَبْرِي
هتوفُ الضّحى مفجوعةٌ بأليفِها / تُهَيِّجُ أشجانَ الفؤادِ وما تَدْرِي
ولو أنّها إذْ أعْولَتْ فاضَ دمعُها / لقلتُ هي الخنساءُ تَبكِي على صَخْرِ
ولكنّها لم تُذْرِ دمعاً وأدمُعي / إذا قُرِنت بالقَطر زادت على القَطرِ
ولو أسعَفتني مُقلتَايَ بِقَطْرَةٍ
ولو أسعَفتني مُقلتَايَ بِقَطْرَةٍ / شفَتْ داءَ أحشائي ولو أنَّها قطْرُ
غَرضتُ من الهِجران والشملُ جامعٌ
غَرضتُ من الهِجران والشملُ جامعٌ / ولم يتعمّدْنَا بفُرقَتِنا الدّهرُ
فلمّا تفرّقنا وشطّت بنا النّوَى / تمنّيتُ لو دامَ التّجاوُرُ والهجرُ
أَأحبابَنا خطبُ التّفرقِ شاغلٌ
أَأحبابَنا خطبُ التّفرقِ شاغلٌ / عَن العَتب لكنْ جَاشَ بالكَمَدِ الصّدرُ
لأَسرَعَ ما حُلُتم عن العَهدِ بَعدَما / تَصرّمَ في حِفزي وِدادِكُمُ العُمرُ
ولا عجَبٌ أنتُم بنُو الدّهرِ مثلُهُ / عُهودُكُم غّدْرٌ ووُدّكمُ خَتْرُ
كأنّكُمُ الدنيا تمدُّ رجاءَنَا / بزُخْرُفها والموتُ فيها لَنا قَصرُ
مَلِلتُم فَمِلُتم نحوَ داعِيةِ القِلَى / وخُنتُم فَدنتُم بالّذي شَرَعَ الغَدرُ
وأنساكُمُ حفظَ العهودِ مَلالُكُمْ / كما قد تُنَسّي لبّ شَاربِها الخمرُ
وإنّى لَتَثْينيني إليكم حَفِيظَتي / إذا ما ثَناكُم عن مُحافَظتِي الغُمْرُ
وأُكذِبُ رأيَ العَينِ فيكُم وإنّكُمْ / لَتقضُون في هَجرِي بما خَيّل الفِكْرُ
أُسَاهِلُ فيما رَابَ منكم ودُونَ ما / أُؤَمّل من إنصافِكُم مسلكٌ وَعرُ
لهِجتُم بهجرِي والدّيارُ قريبةٌ / وما قربُ دارٍ حالَ من دونِها الهَجرُ
وأَغْضَى تَجنّيكُم جُفونِي على القَذَى / إلى أن تقضّى ذلك الزّمنُ النّضْرُ
فلمَّا تَفرّقْنَا أتتني قَوارضٌ / بها ينفُضُ الأحْلاَسَ في السّفَرِ السَّفْرُ
أَسَرّكُمُ أَن خِلتُمُ الدّهْرَ ساءَنا / وقَرّتْ بِنا لا قَرَّتِ الأعينُ الخُزرُ
وجاهَر بالشّحناءِ قومٌ عهدتُهُم / يَسوءُهم لَو لَم أغِبْ عنهُمُ الجَهرُ
وأَصغيتُمُ إذْ لم تقولُوا وطَالَما / تعرّضَ في الأسماعِ من ذكريَ الوَقْرُ
يُكاثِرُ مَاءُ الرّزمِ عند ادّكَارِكُم
يُكاثِرُ مَاءُ الرّزمِ عند ادّكَارِكُم / دُمُوعي ولكنْ ذَا بَرودٌ وذي قِطْرُ
ولَو لَم أُعِرْها بَعدَكم كلّ من بَكَى / لأعظَمها عَن أن يُكاثِرَهَا القَطرُ
تُذكِّرُهُ أحبَابَه الأنجُم الزّهرُ
تُذكِّرُهُ أحبَابَه الأنجُم الزّهرُ / فيَا وَيحَه ماذَا به صنعَ الذِكرُ
همُ مثلُها بُعداً ونوراً ورفعةً / ولكنْ لَها إذْ شُبّهت بهِمُ الفَخْرُ
وقد كنتُ أشكُو هجرَهُم في دُنوّهم / فمن ليَ لَو دام التّدانِي والهجرُ
سَقَى مصرَ جودُ الصّالِح الملْكِ إنّه / هُو الوابلُ المُحيِي البريّةِ لا القَطرُ
ففيها كرامٌ أسْعَرُوا بِجَوانِحي / ببعْدِهُمُ جمراً به يُحرَق الجَمرُ
ومِن عادتِي اُلصَّبرُ الجميلُ ولَيس لِي / عَلَى بُعدِهِم لا درَّ درُّ النّوى صَبرُ
إذا ما أمينُ الدّينِ عنَّ ادِّكارُهُ / ذُهِلتُ كأنّي خَامَرَتْ لُبِّيَ الخمرُ
يذكّرُنِيهِ الفاضلُون وإن غَدَوْا / جَداوِلَ إن قِيسُوا به وهو البحرُ
إذا حضَر النّادِي فَرضْوَى رجاحَةً / وإن قَال فالدّرّ المنظّمُ والسّحرُ
ويعجِبُنِي منه تدفّقُ عِلمِه / وأعجبُ منه كيف يجمعهُ صَدرُ
تناءت بنا الدّارَانِ والوُدُّ مُصْقِبٌ / فللقُربِ شطرٌ والبِعادُ له شطرُ
كأنّ الليالِي إذْ قضَت بِفِراقِنا / قَضى جَورُها أن ليس تَجمعنا مِصرُ
أُحِلُّ بها إن غابَ عنها وإن أَغِبْ / يحِلُّ بها فاعجبْ لما صنعَ الدّهرُ
فليت تلاقِينا ولو بعضَ سَاعةٍ / يُحَمُّ وشِيكاً قبل أن ينفَدَ العمرُ
لأحظَى بِرؤياهُ وأشكرَ مَنَّهُ / وإن لم يقُم عَنّي بواجِبِه الشُّكرُ
كفَى حزَناً أنّي مقيمٌ ببلدةٍ
كفَى حزَناً أنّي مقيمٌ ببلدةٍ / يُعلّلُني بعدَ الأحبّةِ دَاهِرُ
يحدّثُني ممّا يُجمّعُ عقلُه / أحاديثَ منها مستقيمٌ وجَائِرُ
لقد ولّى زمانٌ نحنُ فيه / فُسقياً للحِمَام به ورُعيَا
إسارٌ بين أتراكٍ ورُومٍ / وفقدُ أحبّةٍ ورِفاقُ شَعَيا
شَبيهةَ حبّاتِ القُلوبِ لك الهَوى
شَبيهةَ حبّاتِ القُلوبِ لك الهَوى / وهل لفؤادٍ عن سُويدائِهِ صَبرُ
على نَحْرِكِ الدّاجِي زهَا الدُّرُّ مثلما / زَهَتْ في دياجي اللّيل أنجمُهُ الزُّهْرُ
لأَنتِ شَبابٌ ما يَشينُ سوادَه / بياضُ مشيبٍ والشّبابُ هو العمْرُ
لقد أكثرَ اللُّوَّامُ فِيكِ وجهلُهم / إذا عنّفونِي في هواكِ هو العُذْرُ
أظَنَّ العِدَا أنَّ ارتحالِيَ ضائِري
أظَنَّ العِدَا أنَّ ارتحالِيَ ضائِري / ضَلالاً لِمَا ظَنَّوا وهل يكسُدُ التَّبرُ
وما زَادنِي بُعدِي سِوَى بُعدِ همّةٍ / كما زاد نُوراً في تباعُدِه البَدرُ
ولو كانَ في طُولِ الثَّواء فضيلةٌ / لما انتقلتْ في أفْقِها الأنجمُ الزُّهْرُ
ولو لَزِمت أغمادَها البيضُ ما انجَلتْ / بها غَمَراتُ الحربِ واتَّضَحَ النّصرُ
وهلْ في ارتحالي عن بلادٍ تنكّرتْ / لِمثليَ أو للسّاكِنينَ بها فَخرُ
وإنّ بلاداً ضاق عنّي فضاؤُها / لأرحَبُ من أكنافِها للعُلا فِترُ
وأرضاً نَبَتْ بي وهي آهِلَةُ الرُّبى / هي القَفرُ لاَ بل دُون وحشتها القَفْرُ
وهل يُنكرُ الأعداءُ فضلِي وإنّه / لأَسْيَرُ ذِكراً أن يوارِيَهُ الكَفْرُ
ألستُ الذي ما زال كهلاً ويافعاً / له المُكْرَماتُ الغُرُّ والنّائلُ الغَمْرُ
وخائضَ وقْعَاتٍ بوارقُها الظُّبَا / ووابلُ هاتِيكَ البروقِ دمٌ هَمْرُ
يهولُ الرّدى منّى تَقحُّمِيَ الرّدى / ويَعتادُه من جأشيَ الرابطُ الذُّعرُ
ولو حكَمَتْ بيني وبَينهُم الظُّبَا / رضيتُ بما تَقضي المهنَّدَةُ البُتْرُ
ولكنْ تولَّى الحاكمانِ قضاءَنا / فكان أبُو مُوسى لنا ولهمُ عمرُو
تَصامَمْتُ عن لَومِ العذولِ كأنَّما
تَصامَمْتُ عن لَومِ العذولِ كأنَّما / رَمى الوجدُ يومَ البينِ سمعِيَ بِالوَقْرِ
وقد كنتُ معذوراً بآنِفةِ الصِّبَا / فهَل ليَ بعد الشَّيبِ في الجهلِ مِن عُذرِ
وغيرُ ملومٍ مدلجٌ ضلَّ إِنما / يُلام إذا ما ضَلَّ في وضَحِ الفَجرِ
أرَى العينَ تَستحلِي الكَرى وأَمَامَها
أرَى العينَ تَستحلِي الكَرى وأَمَامَها / كَرىً ليس تَقضِيهِ إلى داعِيَ الحشْرِ
وليس ينامُ الخائفون فمالَهَا / تَنَامُ على عُظْمِ المخافةِ والذُّعْرِ
لك الحمدُ يا مولايَ كمْ لكَ منّةً
لك الحمدُ يا مولايَ كمْ لكَ منّةً / عليَّ وفضلاً لا يقومُ بهِ شُكْرِي
نزلتُ بهذا المسجدِ العامَ قافلاً / من الغَزْوِ موفورَ النّصيبِ من الأجرِ
ومنهُ رحلتُ العِيسَ في عامِيَ الَّذي / مضَى نحوَ بيت اللهِ ذي الرِّكنِ والحجْرِ
فأدّيتُ مفروضِي وأسقَطْتُ ثِقْلَ ما / تحمَّلْتُ من وِزْرِ السّنينَ على ظَهْرِي
إلى اللهِ أشكُو رَوعَتي ورزِيَّتي
إلى اللهِ أشكُو رَوعَتي ورزِيَّتي / وحُرقَةَ أحشائي لفَقْدِ أبي بَكرِ
خَلا ناظِري مِنه وكان سوادَهُ / ولم يَخْلُ من حزني ووجدي به صَدْري
خَشِيتُ عليه اليُتْمَ لكنَّ ثُكْلَهُ / ولوعَتَه لم يخطُرَا لي على فِكْرِ
فيا ليتَه لاقى الذي كنتُ أختَشي / عليه وأنّي دونَهُ صاحبُ القَبْرِ
فما في حياتي بعدَهُ ليَ راحَةٌ / فيا طولَ حُزني إن تطاولَ بي عُمري
ولم تُسْلِني الأيَّامُ عنهُ وإنَّما / سُلُوِّي بما أرجو من الأجْرِ في الصَّبْرِ
أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ لو أعتبَ الدّهرُ
أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ لو أعتبَ الدّهرُ / وأستنجِدُ الصّبرَ الجميلَ ولا صَبرُ
وأسألُ عن نَهجِ السُّلُوِّ وقد بَدا / لعَينَيَّ إلاّ أنّ مسلَكه وَعرُ
وكيف التَّسلِّي والحوادثُ جمَّةٌ / إذا ما انقَضى أمرٌ يسوءُ أتى أمرُ
رمَتْنِيَ في عشْرِ الثّمانينَ نكبةٌ / من الثُّكل يُوهي حملُها مَن له عَشْرُ
على حين أفْنى الدّهرُ قَومي ولم تزلْ / لهم ذِروةُ العلياءِ والعَدَدُ الدَّثْرُ
إذا حاربُوا فالأسْدُ تحمي عَرينَها / وإن سالَموا كان التَّبتُّلُ والذِّكرُ
تُبيحُ وتَحمي منذ كانت سُيوفُهُم / يُباحُ بها ثَغْرٌ ويُحمى بها ثَغْرُ
مَضَوْا وانطَوَتْ دُنياهُمُ وتَصَرّمَتْ / كأنَّهُمُ ما عُمِّرُوا ولَها نَشْرُ
فلم يَبقَ إلاّ ذكرُهم وتأسُّفي / عليهم ولَن يبقى التأسُّفُ والذِّكرُ
وأصبحتُ لا آلٌ يُلبُّون دعوتي / ولا وطنٌ آوي إليهِ ولا وَفْرُ
كأنّيَ مَن غير التُّرابِ فليسَ لي / من الأَرضِ ذاتِ العرضِ دونَ الوَرى شِبرُ
رُزئتُ أبا بكرٍ على شَغَفي بهِ / فيا لَهْفَتا ماذا جَني الحادِثُ البِكْرُ
لِسبعٍ مَضتْ من عُمرهِ غالَه الرّدى / وكنتُ أُرجِّي أن يطولَ به العُمْرُ
وقلتُ عتيقٌ من خُطوبِ زَمانِهِ / عتيقٌ بهذا يخبرُ الفأْلُ والزَّجْرُ
فعاجلَه قَبلَ التَّمام حِمامُهُ / ولا عجبٌ قد يُخْضَدُ الغُصُنُ النَّضْرُ
ويأمُرني فيه الأخِلاّء بالأُسى / وهَيهاتَ مالي بالأُسى بَعده خُبْرُ
يَقولون كَم هَذا البكاءُ ولو بَدا / ضَميرُ الّذي بي رَقَّ لي وبَكى الصّخْرُ
وكنتُ أظنُّ الدّمعَ يُبْرِدُ غُلَّتِي / إلى أن بَدا لي أنّ دمعَ الأسى جَمْرُ
أبا بَكر ما وجدي عليك بمنْقَضٍ / طَوالَ اللّيالي ما انقَضى اليومُ والشَّهرُ
أطلْتَ عليَّ اللّيلَ حتَّى كأنَّما / زَمانيَ ليلٌ كلُّه مالَه فَجرُ
وإنّي لأسْتَدعي الكَرى وهْو نافرٌ / به من جُفوني أن يُلِمَّ بها ذُعرُ
لعلَّ خَيالاً منك يَطرقُ مضجَعي / فأشكو إليه ما رَماني به الدَّهرُ
تُمثِّلُكَ الأفكارُ لي كلَّ لَيلةٍ / وتُؤنِسُني أشباهُكَ الأنجمُ الزُّهرُ
إذا لجَّ بي شوقٌ أتيتُكَ زائراً / فأرجِعُ كالمخبولِ دَلَّهَهُ السِّحرُ
وما القُربُ من قبرٍ أجَنَّكَ نَافِعي / إذا كانَ فيما بَينَنا للثَّرى سِترُ
أقولُ لنفسي حينَ جدَّ نِزاعُها / عليكِ بِحُسنِ الصَّبرِ إنْ أمكنَ الصَّبرُ
ألسنا بَني المَوتى إليهم مآلُنا / بلا مِرْيَةٍ والفرعُ يَجذبُه النَّجْرُ
فنحن كَسَفْرٍ عرَّسوا ووَراءَهم / رِفاقٌ إذا وافَوْهُمُ رحَلَ السّفْرُ
من الأرضِ أُنْشِئْنا وفيها مَعادُنا / ومِنها يكون النّشْرُ والبعثُ والحَشرُ
هي الأُمُّ لا بِرَّ لديها وردَّنا / إلى بطنها بعد الوِلادِ هو البِرُّ
ثَكولٌ ولا دمعٌ لها إثرَ هالكٍ / وكلُّ رَقوبٍ ثاكلٍ دمعُها هَمْرُ
أضلَّ الورى حبُّ الحياةِ فحازِمٌ / خبيرٌ سواءُ في الضَّلالةِ والغِرُّ
فَلا يأمنَنْ غَدْرَ اللياليَ آمِنٌ / وإن أمْهَلَتْه إنَّ إِمْهالَها خَتْرُ
تُعيرُ وبالقَسرِ العنيفِ ارتجاعُها / ولا خَيرَ في عاريَّةٍ ردَّها القَسْرُ
ونحنُ عليها عاكِفون وليسَ في / مواهِبِها عُقبى تَسرُّ ولا يُسرُ
فما بالُنا في سَكرةٍ من طِلابِها / ومَنْ نالَها مِنَّا يَزيدُ بهِ السُّكرُ
مَضى من مَضى مِمَّن حَبَتْهُ فأكثرَتْ / وراحَتُه من كلِّ ما جَمَعت صِفْرُ
وما نالَ أيَّامَ الحياةِ من الغِنى / عن الفقْرِ في يومِ المَعادِ هو الفَقْرُ
يُحاسَبُ عن قِطميرِه ونَقيرِهِ / ولم يَتَّبِعْهُ منه كُثرٌ ولا نَزْرُ
وهذا هو الخُسرُ المبينُ فما لنا / حِراصٌ على أمرٍ عَواقِبهُ خُسْرُ
وقد كان في آبائِنا زاجرٌ لنا / يُبصِّرُنا لو كان يردعُنا الزَّجرُ
تفانَوْا فبطنُ الأرضِ مِن بعدِ وحشَةٍ / بهم آهِلٌ مستأنِسٌ وخَلا الظَّهرُ
وقد دَرَسَتْ آثارُهم وقبورُهم / كما دَرسوا فيها فليسَ لها أُثْرُ
فهل ليَ في هَذي المواعِظِ واعِظٌ / يُبَرِّدُ ما يُخفي من الكَمَدِ الصّدرُ
يَحُثُّ على الصّبرِ الجميلِ فإِنَّه / يُنالُ به حُسنُ المعوضَةِ والأجرُ
ومَن نَزعَتْ أيدي المنيةِ مِن يَدي / هو الذُّخرُ لي في يومِ يَنْفَعُني الذُّخرُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025