القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 17
وَسامِيَةِ الأَلحاظِ لِلصَّيدِ قُرِّبَتْ
وَسامِيَةِ الأَلحاظِ لِلصَّيدِ قُرِّبَتْ / وقد نامَ عنّا الليلُ وانتَبَهَ الفَجرُ
بَكَرنا على أَكتَادِها نَدَّري بِها / طَرائِدَ مَعموراً بِها البَلَدُ القَفرُ
تُسائِلُ عَنها السُّحبَ والتُّربَ جُرأةً / جَوارحُ فَوقَ الراحِ أَعيُنها خُزْرُ
فَوارسُ أُفْدٌ أَقبَلَتْ في جَواشِنٍ / مِنَ الرقمِ لَم تخلق لها البيضُ وَالسُّمرُ
وَغُضْفٌ تَرى آذانَهُنَّ لواحِظاً / بِهنَّ صُرورٌ وهيَ من هبوةٍ غُبْرُ
ومَروٍ عَلا عِندَ النَتاجِ حَديدَةً / نَتَائِجُها مِنهُ إِذا وُضِعت شُقرُ
هَفا بَينَنا مِنها جَناحُ بُوَيْزَةٍ / كَقادِمَةِ العصفورِ طارَ بِها الذُّعرُ
أَقامَ عَلَيها موقِدٌ كِيرَ سَحْرهِ / لِيَصلى لَها حَرّاً وَقَد ثَلجَ الصَّدرُ
رَدَدنا بِها روحاً عَلى شَلوِ أوْرَقٍ / يُبَلبِلُه ريحٌ وَيَضرِبُه قَطرُ
أَقامَت أَثافيهِ مِنَ الدَّهرِ بُرهَةً / عواريَ لم تركبْ رواحِلَها قِدرُ
وَلَمَّا تَلَظَّى جَمرُها وتَجَدَّلَتْ / وَقُصَّتْ بِأَيدِينا ذَوائِبُها الحمرُ
وَنَيْلُوفَرٍ أوْرَاقُهُ مُسْتَديرَةٌ
وَنَيْلُوفَرٍ أوْرَاقُهُ مُسْتَديرَةٌ / تَفَتّحَ فيما بينهنّ لَهُ زَهْرُ
كَما اعتَرَضَتْ خُضرُ التِّرَاسِ وَبَينَها / عَوامِلُ أَرماحٍ أَسِنَّتُها حُمرُ
هُوَ ابْنُ بِلادي كَاغتِرابي اغتِرابُهُ / كِلانا عَنِ الأَوْطانِ أَزْعَجَهُ الدَّهرُ
وَمُطَّرِدِ الأَجزاءِ يَصقُلُ مَتْنَهُ
وَمُطَّرِدِ الأَجزاءِ يَصقُلُ مَتْنَهُ / صَبا أَعْلَنَتْ لِلعَينِ ما في ضَميرهِ
جَريحٌ بِأَطرافِ الحَصى كُلَّما جَرى / عَلَيها شَكا أَوجاعَهُ بِخَريرِهِ
كَأَنَّ حُبَاباً ريعَ تَحتَ حَبَابِهِ / فَأَقبَلَ يُلْقي نَفسَهُ في غَديرِهِ
شَرِبنا على حافاتِهِ دَوْرَ سَكرَةٍ / وأقْتَلُ سُكْراً منه لَحْظُ مديرِهِ
كأَنَّ الدُّجى خَطُّ المَجَرَّةِ بَينَنا / وَقَد كُلّلَتْ حافاتُهُ بِبُدورِهِ
وَقَد لاحَ نَجمُ الصُّبحِ حَتَّى كَأَنَّهُ / مَطرِقُ جَيشٍ مُؤذِنٌ بِأَميرِهِ
كَلِفتُ بِكاساتِ الصّبوحِ مُبَكِّراً / وَكَم بَرَكاتٍ لِلفَتى في بُكورِهِ
هُوَ العيشُ فاغنمْ من زمانك صَفْوَهُ / وَصِدْ قَنَصَ اللَّذَّاتِ قبل مُثيرِهِ
وَزَرقاءَ في لَونِ السَّماءِ تَنَبَّهَتْ
وَزَرقاءَ في لَونِ السَّماءِ تَنَبَّهَتْ / لِتَحبِيكِها ريحٌ تَهُبُّ مَعَ الفَجرِ
يَشُقّ حَشَاها جَدولٌ مُتَكَفّلٌ / بسَقيِ رياضٍ أُلْبِسَتْ حُلَلَ الزَّهرِ
كَما طَعَنَ المِقدامُ في الحَربِ دَارِعاً / بِعَضْبٍ فَشَقَّ الخَصرَ مِنهُ إِلى الخصرِ
يُريكَ رُؤوساً منهُ في جِسمِ حَيَّةٍ / سَعَتْ من حياةٍ في حَدائِقِهِ الخضرِ
فَلا رَوضَةٌ إِلّا استَعارَت لِشُكرِهِ / لسانَ صَباً تَسْري مُطَيَّبَةَ النَّشرِ
نَظَرتُ إلِى حُسْنِ الرِّياضِ وغَيمُها
نَظَرتُ إلِى حُسْنِ الرِّياضِ وغَيمُها / جَرَى دَمْعُهُ مِنهُنَّ في أَعيُنِ الزَّهْرِ
فَلَمْ تَرَ عَيني بَينها كَشَقائِقٍ / تُبَلبِلُها الأَرواحُ في القَضَبِ الخَضرِ
كَما مَشَطَتْ غِيدُ القِيانِ شُعورَها / وَقامَتْ لِرَقصٍ في غَلائِلِها الحُمْرِ
وساقيَةٍ تَسْقي النّدَامَى بمدّها
وساقيَةٍ تَسْقي النّدَامَى بمدّها / كُؤوساً مِنَ الصَّهباءِ طاغِيَةَ السُّكرِ
يُعَوَّمُ فيها كُلُّ جامٍ كَأَنَّما / تَضَمّنَ رُوحُ الشَّمسِ في جَسَدِ البَدرِ
إِذا قَصَدتْ مِنَّا نَديماً زجاجةٌ / تَناوَلَها رِفقاً بِأَنمُلِهِ العَشرِ
فَيَشرَبُ مِنها سَكرَةً عِنَبِيَّةً / تُنَّوِمُ عَيْنَ الصَّحوِ مِنهُ وما يَدري
وَيُرْسِلُهَا في مائِها فيُعِيدُهَا / إِلى رَاحَتي ساقٍ على حُكمِهِ تَجري
جَعَلنا عَلى شُرْبِ العُقَار سَمَاعَنَا / لُحوناً تُغَنّيها الطُّيورُ بِلا شعرِ
وساقيَنَا ماءً ينيلُ بلا يدٍ / وَمَشروبَنَا ناراً تُضيءُ بِلا جَمرِ
سَقانا مَسَرّاتٍ فَكَانَ جَزاؤهُ / عَلَيها لَدَينا أنْ سَقَيناهُ لِلبَحرِ
كَأَنَّا على شَطِّ الخَليجِ مَدائِنٌ / تُسافِرُ فيما بَينَنا سُفُنُ الخَمرِ
وما العَيشُ إلّا في تَطَرُّفِ لَذَّةٍ / وَخَلْعِ عِذَارٍ فيه مُسْتَحْسَنُ العذر
تَغَنَّتْ قيانُ الوُرْقِ في الوَرَق الخُضْرِ
تَغَنَّتْ قيانُ الوُرْقِ في الوَرَق الخُضْرِ / ففجِّرْ ينابيعَ المدام مع الفَجْرِ
وخُذْ من فتاة الغيد راحاً سَبِيئةً / لها قدمٌ في السبق من قِدَم العُمرِ
ولا تشربنْ في كبوةِ الكُوبِ بالفَتى / كَذلِكَ يَجري في مَدى السُّكرِ من يجري
وَإنَّ النَّدى ما زال يَدعو رياضَهُ / إِلَيها النَّدامى وهيَ في حُلَلِ الزَّهرِ
فتجلوهمُ أيدي السقاة عرائساً / ترى الدّرّ أزراراً لأثوابها الحُمرِ
وتحسب إبريق الزجاجة مُغْزِلاً / يُشَوَّفُ في الإِرضاع منه إلى غِفْرِ
ومَشمولَةٍ في كَأسِها اشتَمَلَت على / نُجومِ سُرورٍ بَينَ شُرّابها تسري
تريكَ إذا ما الماءُ لاوَذ صِرفها / تَوَاثُبَ نمْلٍ في زجاجاتها شُقرِ
يفرّ الأسى عن كلّ عضو تحلّهُ / فِرارَ الجبانِ القلبِ عَن مَركَزِ الذمرِ
وأشمطَ خُضْنا نَحوَهُ اللَّيل بِالسُّرى / وقد خاطَ منه النومُ شفراً على شَفرِ
له بيعةٌ ما زال فيها مُحَلِّلاً / حرامَ الرِّبا في بيعهِ التِّبرِ بالتِّبرِ
بَسَطنا لَهُ الآمالَ عِندَ انقِباضِهِ / لأَخذِ عَجوزٍ من بَنيّاتِهِ بِكرِ
مُعَتَّقَةٍ حمراءَ تنْشُرُ فضْلَها / لِخُطّابها في اللَّونِ والطَّعمِ وَالنَّشرِ
إذا شمّها أعطاكَ جُمْلَةَ وصفها / ففي أنفْهِ عِلمُ الفَراسَةِ بالخمرِ
لها قَسْوَةٌ من قلبه مُسْتَمِلّةٌ / لعُنْفِ ندامَاها كذا قَسوةُ الكفرِ
وللَّه ما ينساغُ منها لِشُربها / بِتَسهيل خُلْقِ الماءِ مِن خُلقِها الوعرِ
وقد عَقَدَتْ أيمانُهُ العُذْرَ دونها / فَحَلَّ نَدى أيمانِنا عُقد العذرِ
وأَبرَزَ مِنها في الزُّجاجَةِ جَوهَراً / نُسائِلُهُ بِالشَّمِّ عن عَرَضِ السُّكرِ
تَمَيّعَ منها كالنّضَارِ مُشَجَّراً / وإن كان في ريّاهُ كالعنبر الشَّحري
أدرنا شُعاعَ الشمس منها بأنجُمٍ / نُبَادرُها مملوءةً من يدِ البَدرِ
على حينَ شابتْ لمَّةُ اللَّيل بالسنا / ونَفّرَ عنَّا نَوْمَنَا العودُ بالنقرِ
كَأَنَّ الثرَيَّا في انقضاضِ أُفولِها / وِشاحٌ منَ الظَّلماءِ حلّ عنِ الخصرِ
كَأَنَّ انهِزامَ اللَّيل بعدَ اقتِحامِهِ / تَمَوُّجُ بحرٍ ناقضَ المدَّ بالجزرِ
كَأنَّ عَصَا موسى النبِيَّ بِضَربها / تريكَ من الأظْلام مُنْفَلِقَ البحرِ
كأنّ عَمُودَ الصُّبحِ يُبْدي ضياؤه / لِعَينَيكَ ما في وَجهِ يَحيى منَ البشرِ
رَحيبُ ذُرَى المعروفِ مُستهدَفُ الندى / تَنَدّى الأماني في حدائِقِهِ الخضرِ
تَحَلَّبُ من يُمنَاهُ ثَجاجَةُ النَّدى / وتَنبتُ من ذِكراه رَيحانَةُ الفخرِ
لَهُ سِيرَةٌ في مُلكِهِ عُمَرِيَّةٌ / وكَفٌّ مِنَ الإِعدامِ جابِرَةُ الكَسرِ
بَعيدٌ كَذاتِ الشَّمسِ دانٍ كَنورها / وإن لم تَنل ما نال من شرفِ القدرِ
تُكَفكِفُ عَنهُ سورةَ اللَّحظِ هَيبَةٌ / فَللَّهِ منها ما تَصَوَّرَ في الفِكرِ
كَأَنَّ الزّمانَ الرحبَ من ذكره فَمٌ / ونحنُ لسانٌ فيه ينطقُ بالشكرِ
تَعَوّد منه المالُ بالجود بذْلَةً / لإيسارِ ذي عُسرٍ وإغناءِ ذي فَقرِ
فَإِن أَنت لم تُنفِقْهُ أنفقَ نفسه / وصارَ إِلى ما كانَ تَدري ولَم تدرِ
كَأَنَّ عَطاياهُ وَهُنَّ بدايةٌ / بحورٌ وإن كانت مكاثرةَ القطرِ
هُمامٌ إذا ما همّ أمضى عزائماً / بواترَ للأعْمار بالقُضُبِ البُتْرِ
وصَيّرَ في إقحامهِ مهجَ العدى / تسيلُ على مذلوقةِِ الأسَل السُّمرِ
ينوبُ منابَ السيف في الروع ذكرُهُ / فما ذَكَرٌ ماضٍ يسيلُ منَ الذكرِ
ويَختَطُّ بالخطِّيِّ أرضَ كريهةٍ / يجرّرُ فيها ذيلَ جحْفَله المَجْرِ
ومُقْتَحَمُ الأبطالِ يبرُقُ بالرّدى / وتخفقُ في آفاقه عَذَبُ النصرِ
مُحلّقَةٌ في الجوّ منه قشاعمٌ / كأنَّ شراراً حشْوَ أعيُنِها الخزرِ
تروحُ بِطاناً من لحومِ عداتهِ / فما لقتيلٍ خَرّ في الأرضِ مِن قَبرِ
ويثنى عنِ الضّرْبِ الوجيعِ سُيوفَهُ / منَ الدّمِ حُمْراً في عجاجاته الكُدْرِ
وكم ردّها مَفْلُولَةً حدُّ صبرِهِ / إذا جَزعُ الهيجاءِ فلّ شَبَا الصَّبرِ
فلا تأمَنِ الأعداءُ إملاءَ حِلْمِهِ / بتأخيرِ نزْعِ السَّهم يصدَعُ في الصَّخرِ
إذا لبدَ اللَّيثُ الغضَنفَرُ فارتَقِبْ / له وثبةً فرَّاسةَ النابِ والظُّفرِ
وَرُبَّ شرارٍ لِلعيونِ مَواقعٍ / تحرّكَ للإحراق عن ساكنِ الجمرِ
فيا ابنَ تميمٍ والعُلى مُستَجيبَةٌ / لِكُلِّ امرِئٍ ناداكَ يا مَلكَ العصرِ
ومنْ مالُهُ بالجود يَسرحُ في الورى / طَليقاً وكَم مالٍ مِنَ البخلِ في أسرِ
حَلَلنا بِمَغناكَ الَّذي يُنْبِتُ الغنى / ويُجْري حياةَ اليسرِ في مَيِّتِ العسرِ
وكم عزْمةٍ خضنا بها هَوْلَ لُجّةٍ / كَصارِمِكَ الماضي ونائِلِكَ الغمرِ
وَجَدنا المنى والأمنَ بعد شدائِدٍ / تُقَلِّبُ أفلاذَ القُلُوبِ منَ الذُّعرِ
فَمدحُكَ في الإِحسانِ أطلقَ مِقوَلي / وعندكَ أُفْني ما تبقّى مِنَ العُمرِ
وجدنا المُنى والأمنَ بعدَ شدائدٍ / بِأَكبَرَ لم تَعْلَق بِهِ شِيمَةُ الكبرِ
وفَوزَ أُناسٍ والمَواهبُ قِسمةٌ / بِلَثمِ سَحابٍ من أنامِلِكَ العشرِ
ورفعَ عقيراتِ المدائحِ والعُلى / تَصيخُ إلى شعرٍ تَكلَّمَ بالسِّحرِ
بِمُختَلِفِ الألفاظِ والقصدُ واحِدٌ / كَمُختَلِفِ الأَنفاسِ مِن أرَجِ الزَّهرِ
فَمِن تاركٍ وَكراً إليكَ مُهاجرٍ / وَمِن مُستَقِرٍّ من جنابِكَ في وَكرِ
وَإِن كُنتُ عن مُجْرى السّوابقِ غائباً / فحاضرُ سبقي فيه مع قُرّحِ الخطرِ
وَيُهدي إليكَ البحرُ درَّ مغاصِهِ / وإن لم تقفْ على طَرَفِ العبرِ
حَمَيتَ حِمى العلياءِ في المَلكِ ما سَرى / إلى الحجرِ السّاري وخَيَّمَ بالحِجْرِ
كفَى سيفُكَ الإسلامَ عاديةَ الكُفرِ
كفَى سيفُكَ الإسلامَ عاديةَ الكُفرِ / وَصُلْتَ على العادينَ بالعزِّ والنصرِ
وأصبَحَ قولُ المبطلين مُكذَّباً / ومَدَّ لَكَ الرّحمَنُ في أمَدِ العُمْرِ
وأَينَ الَّذي حَدَّ المُنَجِّمُ كَوْنَهُ / إذا مَرّ لِلصُّوَّامِ عَشْرٌ مِنَ الشَّهرِ
وما قَرَعَ الأسماعَ بالخبرِ الَّذي / أبَى اللَّهُ إلّا أنْ يُكَذَّبَ بالخُبرِ
غَدا الزّيجُ ريحاً في تَناقُضِ عِلمِهِ / وتعديلُهُ عُرفاً أحالَ على نُكْرِ
فهلّا رأى قَطْعاً عليهِ بِسَجْنِهِ / ومَشْياً بدُهْمٍ كانَ بالكَبْوِ والعَثرِ
وإِنَّ عَليّاً يَنْتَضي القُضُبَ الَّتي / يَرُدّ بها مَدّ العُداةِ إلى قَصْرِ
لَقَد ضَلَّ عُبّادُ النُّجومِ وما اهتَدوا / بِبَعثِ رَسولٍ للأَنامِ ولا ذِكرِ
وَكَم مَرَّ في الدُّنيا لَهم مِنْ مُمَخْرِقٍ / مِنَ النَّاسِ مَطوِيِّ الضّلوع على غَمرِ
إذا جالَ في عِلمِ الغيوبِ حَسبْتَهُ / مُسَيلِمَةَ الكذّابَ قامَ منَ القبرِ
أباطيلُ تجري بالحقائقِ بينهم / من الكِذْبِ منهم لا عنِ السبعةِ الزُّهرِ
وميلٌ إليها بالظنونِ وإنّما / يُنَكِّبُ عنها كلُّ يَقظانَ ذو حِجْرِ
وما الشُّهْبُ إلّا كَالمصابيحِ تلتَظي / مَعَ اللّيلِ للساري وتخمدُ في الفجرِ
فَيا أَيُّها المغتَرُّ بالنَّجمِ قُلْ لَنا / أتعلمُ سرّاً فيه من ربّه يَسْري
وبَينَكُما بَوْنٌ بَعيدٌ فما الَّذي / تَقَوّلَهُ الغفرُ اختِلافاً عَنِ الغفرِ
فيا أحْلَمَ الأمْلاكِ عن ذي حِبالَةٍ / وإنْ جاءَ في الأمرِ الَّذي جَدّ بالإمْرِ
تدارك جهولاً ضلّ أو زلّ أوْ به / جُنونٌ فما يَرتابُ للسَّيفِ في النَّحرِ
فَصَيِّرْ جميلَ الصَّفحِ عنهُ عِقابَهُ / فقد جَلّ منكَ القدرُ عن ضَعَةِ القدرِ
سُعودُكَ في نيلِ المُنى لا تَوَقّفَتْ / منَ اللَّهِ تجري لا منَ الشَّمسِ وَالبدرِ
ملكتَ فمهّدتَ الأمورَ مُجَرِّداً / لتمهيدها رأيَ المجرِّبِ لا الغُمْرِ
وَنَظَّمتَ حبّاتِ القُلوبِ مَحَبَّةً / عَلَيكَ وقَد كانَت مباينةَ النَثرِ
لأمرٍ أدَمتَ الحَصرَ في حرْبِ جَرْبةٍ / وما حَرْبُها إلا مُداوَمَةُ الحصرِ
وتَرْكُكَ بالزّرقِ اللّهاذِمِ أهْلَها / وبالبيضِ صَرْعى في الجزيرَة كالجَزْرِ
وما ضُويِقُوا مَن قبلِ هذا وإنّما / بقَدرِ التهابِ النّارِ تَغْليَةُ القِدرِ
بِسَير جُيُوشٍ في البحُورِ إليهِمُ / تُحيطُ بهم زَحْفاً مع المَدّ والجَزْرِ
إِذا انتَقَلتْ بالصَّيدِ قُلتُ تَعَجُّباً / متى انتقل الآجام بالأُسُدِ الهُصْرِ
مجرِّدَةً بيضَ الحتوفِ خوافقاً / بها العَذَباتُ الحمرُ في اللُّجَجِ الخضرِ
وكلّ مُديرٍ يتّقي بمَجاذِفٍ / مُشاكَلَة التَّشبيهِ في الأنمُلِ العشرِ
ترى الشحمَ فوق القارِ منه مُمَيَّعاً / فيا من رأى ليلاً تَسَرْوَلَ بالفجرِ
سَوادُ غُرابٍ في بَياضِ حَمامَةٍ / تَطيرُ بِهِ سَبحاً على الماءِ أو تَجري
قَطَعتَ بِهِم في العيشِ من كلِّ جانِبٍ / فَقَد أَقصروا فيها عنِ النظمِ بالنثرِ
وكم طائرٍ منهم قصصتَ جناحَهُ / فأصبحَ مسجوناً عنِ النَهضِ في الوكرِ
لمّا رأوا أنَّ المخنَّق منهمُ / سَدَدْتَ به مجرى التنفُّسِ في الصدرِ
أنابوا وتابوا عن ذنوبٍ تَقَدّمَتْ / بزعمهمُ من قطعهم سُبُلَ البحرِ
فَإِن نَشَرُوا ما بَينَهمْ لَكَ طاعَةً / وقد طُوِيَت مِنهُم صُدورٌ على غَمرِ
فَعِندَكَ نارٌ تَركَبُ الماءَ نَحوَهمْ / لَها زُنُدٌ يَقدَحنَ مِن زُنُدٍ بُتْرِ
ونبلٌ كنبل الأعْيُنِ النُّجْلِ أُرْسِلَتْ / تطيرُ بريشٍ مُستعار مِنَ النَّسرِ
تُنَصَّلُ للأعْداءِ في الحرب بالرّدى / إذا نُصِّلَتْ هاتيكَ في السلمِ بالسِّحرِ
وَلَن يخدعوا في الحربِ وهوَ مُبيدُهُم / فتىً كان مولوداً مِنَ الحربِ في حِجْرِ
وأَنتَ مِنَ الأَعداءِ أَدهى خديعةً / إذا ما صَدَمْتَ الجَّيشَ في الجَّيشِ بالمَكرِ
وكُنتَ عنِ التَّحريضِ بِالحَزمِ غانِياً / وهل يَعْدَمُ الإحراقَ مُتَّقِدُ الجمرِ
خُلِقْتَ لنا من جَوهَرِ الفضلِ سَيِّداً / وَيُمناكَ من يُمْنٍ وَيُسْراكَ من يُسْرِ
وَعَوّلَ في العسرِ الفَقيرُ على نَدى / يَدَيكَ وَهَل يَغْنى الكسيرُ عَنِ الجبرِ
زَمانُكَ لا يَنفَكُّ يَفتَرِسُ العدى / كذي لِبْدَةٍ مُسْتَعْظَمِ النابِ وَالظفرِ
وطَعْماكَ من شَهدٍ وطابَ لأَهلِهِ / وخُلقاكَ من سَهلٍ عَلَيهِم وَمِن وَعرِ
حَياةَ ابنَ يَحيى للأَعادي مَنِيَّةٌ / وأَعمارُهمْ مَبتُورةٌ مِنهُ بِالعمرِ
لَقَد فَخَرت مِنهُ العلى بِسَمَيْذَعٍ / لإحسانه وَجْهٌ تَبَرْقَعَ بالبِشرِ
بأكبرَ يستخذي له كلّ أكبرٍ / فيُطرِقُ إطراقَ البُغاثَةِ للصَّقرِ
إذا مُدِحَ الأملاك قام بمدحِهِ / لهُ قَدَمُ الدنيا على قَدَمِ الفخرِ
إِلَيكَ امتَطَينا كُلَّ راغٍ بِمَوجِهِ / كَما جَرجَرَ القَرْمُ الحقودُ على المكري
إذا ما طما وامتدّ بالرّيح مدُّهُ / ذَكرنا به فيَّاضَ نائِلك الغمرِ
ولولاك لم نركب غواربَ زاخرٍ / مسنَّمَةً في اللَّحمِ مِنهُ إلى العمرِ
وَإِن فاتَني إِعذارُ شِبليكَ بِالغنى / فإنَّ بترك العزم مُتّضِحَ العُذرِ
ضَعُفتُ عن النّهْضِ القوي زَمَانَةً / وَنُقّلَ بعد الباع خَطوي إِلى شِبرِ
وَإِنّي لأهدي في سُلوكِ غَرائِبي / ومُعجِزِ نَظمي كُلَّ جَوهَرَة بِكرِ
إِذا ما بَنى بَيتاً مِنَ الشِّعرِ مِقوَلي / ثنى نابياً عن هَدْمِهِ معولَ الدَّهرِ
وَما الشِّعرُ ما يخلو من الكَسْرِ وَزْنُهُ / ولكنَّهُ سحرٌ وبابِلُهُ فكري
وَإِنِّي بما فَوقَ المُنى مُوقِنٌ / وكم شَرَقٍ لِلَّيثٍ مِن وابِل القطرِ
خيالُكِ للأَجفانِ مَثَّلهُ الفكرُ
خيالُكِ للأَجفانِ مَثَّلهُ الفكرُ / فعينيَ ملأى بالهوى ويدي صِفْرُ
سَرى والدُّجى الغِربيبُ يُخْفي مكانهُ / فنمّ عليه من تضَوّعها نَشْرُ
وَقَد صَوَّبَ النَّسرُ المُحَلِّقُ تالِياً / أخاه ومات الليل إذْ وُلِدَ الفجرُ
أَلَمَّ بِصَبٍّ لَيسَ يَدري أمِرجَلٌ / يفور بنيرانِ الأسى مِنهُ أو صَدرُ
غَريبٌ جَنى أرْيَ الحياةِ وشَرْيَها / وَيَجني الفَتى بِالعَيشِ ما يَغرِسُ الدَّهرُ
أنازحةَ الدَّارِ الَّتي لا أزورها / إذا لم يُشقَّ البحرُ أو يُقْطَعِ القفرُ
إذا بَعُدَتْ دار الأحبَّةِ بالنوى / فذاك لهمْ هجرٌ وإنْ لم يَكُن هَجرُ
رَحَلتُ ولَم يَرْحَلْ عَشِيَّةَ بيننا / معي برحيل الجِسمِ قَلبٌ ولا صَبرُ
وداءُ خُمار الشّرْبِ سَوفَ يُذيبني / فَقَد نَزَحت في فيكِ غَزرٌ بِهِ الخمرُ
وما زال ماءُ العين في الخدِّ مُعْطِشي / إلى ماءِ وجهٍ في لقائي له بِشْرُ
عَسى البعدُ يَنفي موجِبُ القربِ حكمَه / فعند انقباضِ العُسرِ ينبسطُ اليسرُ
عَسى بينُنا يُبْقي المَوَدَّة بَينَنا / ولا ينتهي منّا إلى أجلٍ عمرُ
فَقُلْ لأناسٍ عرَّسوا بِسَفاقِسٍ / لِطائرِ قَلبي في مُعَرَّسِكم وَكْرُ
وفرخٍ صغيرٍ لا نهوضَ لمثله / يُراطنُ أشكالاً ملاقِطُها صُفْرُ
إذا ما رأَى في الجوِّ ظِلَّ مُحَلِّقٍ / تَرَنَّمَ واهتزَّت قَوادِمُهُ العشرُ
يظنّ أباه واقعاً فإذا أبي / وقوعاً عليه شُبَّ في قلبِهِ الجمرُ
يلذُّ بعيني أن ترى عَينَهُ وأن / يُلَفّ بنحري في التلاقي له نَحْرُ
أَحِنُّ إلى أوطانِكُم وَكَأنَّما / ألاقي بها عَصْرَ الصّبا سُقيَ العصرُ
ولم أرَ أرضاً مثل أرضكمُ التي / يُقبِّلُ ذيلَ القصرِ في شطِّها البحرُ
يمدّ كجيشٍ زاحفٍ فإذا رأى / عَطاءَ عَلِيٍّ كان من مَدّهِ جزرُ
أَما يَخجَلُ البحرُ الأُجاجُ حُلولَه / ببحرٍ فراتٍ ما للجَّتِهِ عَبرُ
جَوادٌ إِذا أَسدى الغنى مِن يَمينِهِ / تَحَوَّلَ عن أَيمانِ قُصّادِهِ الفقرُ
حَمى ثغرَه بالسيف والرمح مُقْدِماً / ويحمي عرينَ القَسْوَرِ النابُ والظفرُ
إذا ما كَسونا المدحَ أوصافَهُ ازدَهى / فَطيّبَ أفواه القوافي له ذكرُ
يَصولُ بِعَضبٍ في الكفاحِ كأنَّه / لِسانُ شواظٍ مِنهُ يَضطَرِمُ الذعرُ
وَتَحسَبُ مِنهُ الريحَ تَغدو بِضَيغَمٍ / على جِسمِهِ نهيٌ وفي يده نَهْرُ
ومُعتَذِرٌ عمّا تنيلُ يمينه / وكلّ المنى في البعض منه فما العذرُ
بصيرٌ بمردي الطعن يُغْري سنانه / بجارحةٍ في طيّها الوِرْدُ والغَمْرُ
يجول فيلقي طعنةً فوق طعنةٍ / فأولاهما كَلْمٌ وأخراهما سَبْرُ
إذا رفعَ المغرورُ للحَيْنِ رأسهُ / يُعَجِّلُهُ من مَدّ عامله قَصْرُ
وهَيجاءُ لا يُفْشي بها الموتُ سرّهُ / إِذا لَم يَكُن بِالضَّرب من بيضها جَهْرُ
تهادى بها جُرْدٌ كأنَّ قتامها / ظلامٌ وأطرافَ القنا أنجمٌ زهرُ
إذا قَدّتِ البيضُ الدروعَ حسِبتها / جداول في الأيمان شُقّتْ بها غُدرُ
فَكَم صافَحَتْ مِنها الحروبَ صفائحٌ / وَفَتْ بحصادِ الهام أوراقها الخضرُ
لِيَهْنِ الرعايا منك عَدلُ سياسَةٍ / ودفعُ خطوبٍ لليالي بها غدرُ
ويسرٌ حَسَمْتَ العُسْرَ عنهم بصنعه / كما حَسَمَ الإسلامُ ما صَنَعَ الكفرُ
فلا زلت تجني بالظبا قِممَ العِدى / وتُثمِرُ في الأيدي بها الأسَل السمرُ
ثلاثةُ أفلاكٍ عن العين مُضمرهْ
ثلاثةُ أفلاكٍ عن العين مُضمرهْ / تدور إذا حرّكتها في حشَا كُرَه
فلا فَلَكٌ إلّا يُخَصُّ بدورةً / موافقةٍ منها الخلافَ مُقَرَّره
وللفلك النّارِيِّ مِنهُنَّ كَفَّةٌ / ترى النّارَ فيها للبخور مُسَعّره
تَمُرُّ على فُرُشِ الحريرِ وغَيرها / وراءَ حجابٍ وهيَ غَيرُ مُؤثِّره
وتبدي دخاناً صاعداً من منَافِسٍ / مُصَنْدَلَةٍ أنْفاسُهُ ومُعنبَرَه
ولم أرَ ناراً تطعم الندّ قبلها / لها فَلَكٌ في الأرض في جَوفِ مجمَرَه
تُلطِّفُ أجْساماً كثافاً بلذعها / فتصعدُ أرواحاً لطافاً مُعَطَّرَه
وتَغشى علِيّاً نَفحةٌ كَثَنائِهِ / مُرَدّدَةٌ في مَدحه ومُكَرَّرَه
هُمامٌ إذا سَلَّ المُهَنَّدَ في الوَغى / وَأَغمَدَهُ في الهامِ بِالضربِ حَمَّرَه
رَزينُ حَصاةِ الحِلمِ شَهمٌ مُهَذَّبٌ / تَرى مِنهُ بَدراً في السريرِ وَقَسوَرَه
بَنى سَعدُه قَصراً على البحرِ سامِياً / فتحسبُهُ من جوهر الحسن صَوّرَه
يُنيرُ على البعدِ ائتِلاقاً كَأَنَّما / على الشطِّ لقى لجُّهُ منه جَوهَرَه
أبَرّ على إيوان كسرى فلو رأى / مراتِبَهُ في الملك منه لأكبَرَه
أبى اللَّه إلّا أَن يَكونَ لك النّصْرُ
أبى اللَّه إلّا أَن يَكونَ لك النّصْرُ / وأن يَهْدِمَ الإيمانُ ما شاده الكفرُ
وأَن يُرجعَ الأَعلاجَ بَعدَ عِلاجها / خَزايا على آثارِها الذُّلُّ والقهرُ
لِيَهنَكَ فتحٌ أولغ السيف فيهمُ / ولاح بِوَجه الدين من ذِكره بِشرُ
بِسَعْدٍ كساكَ اللّهُ منه مهابةً / وإشراقَ نور منه تَقْتَبِسُ الزُّهرُ
ودون مَرَامِ الرّوم فيما سَمَوا له / قلائدُ أعناقٍ هي القُضُبُ البترُ
وخطِّيَّة تختَطُّ مِنهُم حيازِماً / وأحداقها زرقٌ وأجسادها حُمرُ
إذا أُشْرِعَتْ للطّعْنِ سَرتْ كأنَّما / يُشَكُّ بها في كلّ سابقةٍ نَحْرُ
أُشَبِّهُها بالقَطرِ يُبْدي تَألُّقاً / بِأَطرافِ أَغصانٍ يُحاصِرها غُدْرُ
وَسُحْبٌ بأجوافِ الكنائن أُودعت / شآبيبها نبلٌ من الزنج لا قطرُ
وخيلٌ ترى خيلَ العلوجِ مُضافةٌ / إِلَيها حميراً لا الَّتي نتج القَفْرُ
كَأنَّ على العقبانِ مِنها ضَراغماً / فأنيابها عُصْلٌ وأبصارها جَمرُ
وحمرُ دماءٍ كَالخُمورِ الَّتي سقوا / تَحَمّرَ منها في الظبا وَرَقٌ خُضرُ
بَنو الأَصفَرِ اصْفَرَّتْ حَذاراً وُجوههم / فَأَيديهِمُ مِن كُلِّ ما طَلَبوا صِفْرُ
تَنادَوا كَأَسرابِ القَطا في بِلادِهمْ / وكان لهم في كل قاصيةٍ نَفْرُ
ولمّا تناهى جمعُهُمْ ركبوا به / قَرَا زاخِرِ الآذيِّ آفاقُهُ غُبرُ
تَوَلَّتْ جنودُ اللَّهِ بِالرّيحِ حَرْبَهُمْ / وَلَيسَ لِمَخلوقٍ عَلى حَربِها صَبرُ
فَكَم مِن فَريقٍ مِنهُمُ إذ تَفرَّقوا / له غَرَقٌ في زخرةِ الموج أو أسرُ
وظَلَّت سِباعُ الماءِ وهيَ تنوشُهُمْ / فلا شلو منهم في صريحٍ ولا قبرُ
فإن سَلِمَ الشطرُ الَّذي لا سلامةٌ / له من ظُبا الهيجا فقد عطِبَ الشطرُ
أَتَوا بِأَساطيلٍ تَمُرُّ كَأَنَّها / جَرادٌ مُظِلٌّ ضاق عن عرضه البَحرُ
وخيلٍ حَشَوْا منها السفينَ ولم يكنْ / لها في مجالِ الحرب كرٌّ ولا فَرُّ
وَقَد رَكِبتْ فرسانها صَهَوَاتها / فأرْجَلَهُمْ عنها التذلّلُ والذعرُ
سلاهبُ أهدَوْها إليك ولم يكنْ / جزاءٌ لذاكَ من علاك ولا شكرُ
فَسلْ عنهمُ الديماسَ تسمعْ حديثَهمْ / فَهُم بالمواضي في جزيرَتِهِ جَزْرُ
وما غنِموا إلّا مُنىً كَذبتْ لهم / وكان لهم بالقَصْرِ عن نَيلها قصرُ
شَرَوْهُ فباعوا بالرّدى فيه أنفساً / أرِبحٌ لهم في ذلك البيع أم خُسْرُ
وقَد طَمِعوا في الزَّعمِ أن يُثبتوا له / جناحَين يُضْحي مِنهُما وهوَ النّسْرُ
ورامُوا بِهِ صَيْدَ البلادِ وغنمها / فَأَضحى وَقَد قُصَّت خوافِقهُ العشرُ
أُذيقوا به حصراً أذلّ عرامهم / كما ضاق عِندَ المَوتِ عن نَفَسٍ صدرُ
وَجَرَّ إِلَيهم في جِبالٍ مِنَ القَنا / مَناياهُمُ بِالقتلِ جَحفَلُكَ المَجْرُ
وَقائِدُكَ الشَّهمُ الَّذي كان بينَهمْ / صَبيحَةَ لاقاهُم على يده النصرُ
رأوا بأبي إسحقَ سَحْقاً لجمعهم / فإبْرَامُهُمْ نَقْضٌ ونظمهم نَثرُ
ولو لبثوا في ضيقِ حصرهمُ ولمْ / يَطِرْ مِنهُمُ شَوقاً إلى أَجلٍ عُمْرُ
لَقامَ عَلَيهِم مِنجَنيقٌ يُظِلّهُمْ / بِصمّ مرادٍ ما لِما كَسَرَتْ جَبرُ
إذا وُزِنَ الموتُ الزّؤامُ عليهمُ / بكفّة وَزّانٍ مَثاقيلُهُ الصخرُ
فَكَم جَهدُوا أَن يَفتَدوا مِن حِمامِهم / بِأَوزانِهم تِبراً فما قُبِلَ التبرُ
هناك شَفى الإسلامُ منهم غليلَهُ / بِطَعنٍ له بَتْرٌ وضَربٍ له هَبْرُ
وكانوا رأوا مَهْدِيَّتَيْكَ وفيهما / لِعِزِّ العدى أمْرٌ فهالَهُمُ الأمرُ
كَأَنّ بُرُوجَ الجوِّ مِنكَ رَمَتهُمُ / بشُهْبٍ لها نارٌ ولَيسَ لَها جَمرُ
فَما للعلوجِ امتَدَّ في الغيِّ جَهلُهم / أما كانَ فيهم منْ لبيبٍ له حِجْرُ
فَكَم قَسَموا في الظنِّ أَميالَ أَرضِنا / أما كانَ فيهم منْ لبيبٍ له حِجْرُ
ولا وَرَدوا من مائها حَسْوَ طائرٍ / يُبَلّ بهِ منهُ إِذا يَبِس السَّحْرُ
أما فتحتْ منهم بلاداً بلادُنا / بِزَعمهِمُ كُفراً على إِثرِهِ كُفرُ
وكانَت مفاتيحَ البلادِ سُيوفُنا / وأَقفْالها إذ فتحهُنَّ له عُسْرُ
وآذى زجارَ فَتْح رَيّو وقُطْرُها / يَهُدّ قُوَاهُ من صقليّةٍ قطرُ
ألم يسبِ جيشُ الغزو منهم نواعِماً / فَمن ثيِّبٍ تُقْتادُ في إثرها بِكرُ
وَقَوْصَرّةٍ فيها رؤوسُ جدودهم / إلى اليوم ملآن بأفلاقِها العفرُ
فلو تسألُ الريحُ المعاطسَ منهمُ / لأخبرها عَن كُلِّ شلوٍ بها دِفرُ
وَما قَتلوا مِن شِدَّةِ البأسِ أَهلها / ولكنّهم قُلٌّ أحاطَ بهم كثرُ
أَتُعجِمُ نبعَ العربِ عجمٌ ولا يُرَى / لما اشتدّ منها في نَواجِذِها كَسرُ
توالتْ عليها منهمُ كلُّ صيحةٍ / كما رَوَّع الأعيارَ من أسَدٍ زأرُ
فجاءَت رياحٌ والرِّياحُ جيادُها / فَشُدّ منَ الدينِ القويمِ بِها أزرُ
فَأَوَّلُ إِنصافٍ تَولوه كفُّهُمْ / أذى كلّ فظٍّ في سَجِيَّتِه غدرُ
وبادرتِ الإقدام منهم بمقدم / فكم خَبَرٍ عنها يصدِّقه الخبرُ
وَدُهم بني دهمانَ فاض على الوغى / بِكُلِّ فتىً أحلى بسالتِهِ مُرُّ
وشاهَت مِنَ الضُّلّالِ بالعزِّ أَوجُهٌ / عليها بُسُورٌ إِذ تَصَدَّى لَها بترُ
وكرَّت بنو زيدٍ على كلِّ شَيظَمٍ / وَسِرّ المواضي في أكفِّهمُ جهرُ
وجاء ابنُ زيّادٍ بصخر فكافحت / عَنِ الثغر أنيْابٌ فلم يُلْثَم الثغرُ
هِزَبرٌ على بحرٍ منَ الحربِ مُفْعَمٍ / على جِسمه نَهيٌ وفي يده نهرُ
وَقَد حالَ بَينَ الرّومِ والبحرِ فالتَجوْا / إلى القصرِ حتّى جاءَهُم بالرّدى القصرُ
أَعارِبُ جدّوا في جهِادِ أعاجِمٍ / خنازير شَبّتْ حَرْبَها أُسُدٌ هُصرُ
إِذا قيلَ يا أهلَ الحفائظِ أقْبَلَتْ / مُلَبّيَةً فيها غطارِفةٌ غُرُّ
عَلَيهم مِنَ الماذِيِّ كلُّ مُفاضَةٍ / مُكَحّلَةٍ بالنّقع أعيْنُهُا الخزرُ
كتائِبُ من كلّ القبائلِ أقبَلَتْ / لِفَرْضِ جهادٍ ما لِتارِكِهِ عذرُ
أعزّ بهم ذو العرشِ دينَ مُحَمَّدٍ / وَضُمّ عليه من كفالَتِه حجرُ
وفي كلِّ سَيفٍ سايرت منهمُ العِدى / قبائلُ منها أُشْبِعَ السهلَ والوعرُ
إذا ماج بحرٌ في شوانيهمُ بهم / أتى مَدَدٌ منّا فماجَ به البَرُّ
حَمى ابنُ عليٍّ حَوْزَةَ الدين فاحتمى / كمُفْترِسِ الكفّينِ يَدْمى له ظفرُ
مليكٌ له في الملك سيرةُ أكبرٍ / أبى اللَّه أنْ يَختالَ في عِطفِهِ الكبرُ
أبيٌّ كحَدِّ السيفِ من غيرِ نَبْوَةٍ / إذا ما مضَاءُ الذمر قلَّ بِهِ الذَّمرُ
هُوَ النّجْدُ يقري الرمحَ والسيفَ كَفُّهُ / بِعُضوَين يُلْفَى فيهما العمرُ والذكرُ
وما حسَنٌ إلّا مليكٌ مُتَوَّجٌ / أفاضَ الغنى من راحتيه فلا فقرُ
كَأَنَّ حَبِيّاً ساكباً فيضَ ودقهِ / وقَد يَحْتبي منه لقُصّادِهِ البدرُ
إذا ما جَرَى في محفلٍ حُسْنُ ذكره / تَعَلّقَ تشريفاً بأذْيالِهِ الفخرُ
فلا زال والتوحيدُ مُعْتَصِمٌ به / تُزَانُ به الدنْيا ويخدمه الدهرُ
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما / عليكَ من الغزلان وَسْنانُ أحْوَرُ
فَجَفنٌ له عَضْبٌ منَ اللَّحظِ مُرْهَفٌ / وَجَفْنٌ به ماضٍ من الهند مُبْتِرُ
وأمضاهما حدّاً فلا تغتررْ به / غِرَارُ الَّذي فيه من السّحْرِ جَوْهَرُ
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا / وماتَتْ لياليها من العُمْرِ فانْشُرْهَا
وهذا لَعَمْري كلّهُ غيرُ كائنٍ / فأخْرَاكَ وَاصِلهْا ودنياكَ فاهجرها
أرى لك نفساً في هواكَ مقيمةً / وقد طالَ ذا منها لكَ الويلُ فاقْصرها
وكم سيّئاتٍ أُحْصِيَتْ فنسيتَها / وأنتَ متى تقرأ كتابَكَ تذْكرْها
فيا ربِّ إنِّي في الخضوع لقائلٌ / ذنوبي عُيوبي يوْم ألقاك فاسترها
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ / وجارَ زمانٌ كنتَ فيه تُجيرُ
لَقَد أَصبَحَتْ بيضُ الظبا في غمودها / إناثاً لِتَرْكِ الضّرْبِ وهيَ ذُكورُ
تجيءُ خلافاً للأمور أُمُورُنا / وَيَعدلُ دهرٌ في الورى ويجورُ
أَتَيأَسُ في يومٍ يناقضُ أمْسهُ / وَزُهْرُ الدَّراري في البروجِ تَدورُ
وقد تنْتخي الساداتُ بعد خمولها / وَتَخرُجُ مِن بَعدِ الكُسوفِ بُدورُ
لئن كنتَ مقصوراً بدارٍ عَمَرْتَها / فقد يُقْصَرُ الضِّرغامُ وهوَ هَصورُ
أغَرَّ الأَسارى أن يقالَ مُحَمَّدٌ / غريبٌ بأرض المغربَينِ أَسيرُ
تُنافِس مِن أَغلالِها في فكاكها / وَيُقُصَمُ منها بِالمُصابِ ذُكورُ
وكُنتُ مُسجّىً بالظبا من سجونها / بِسورٍ لها إِنَّ السجونَ قُبورُ
إلى اليوْم لم تَذْعَرْ قطا الليل قُرّحٌ / يُغيرُ بها عِندَ الصَّباحِ مُغِيرُ
ولا راحَ نادٍ بِالمكارِمِ للغِنى / يُقَلِّبُه في الرّاحَتَينِ فَقيرُ
لَقَد صُنْتَ دينَ اللَّه خَيرَ صِيانَةٍ / كَأَنَّك قَلبٌ فيه وهوَ ضَميرُ
وَلَمّا رَحلتمْ بالنّدى في أَكُفِّكمْ / وَقُلْقِلَ رَضْوَى مِنكُمُ وثَبيرُ
رَفَعتُ لساني بِالقيامَةِ قَد أَتَت / ألا فانظروا هذي الجبال تسيرُ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ / بِغَيرِ انقِباضٍ مِنكَ يَجْري إلى ذكرِ
لَهَدّ قريضَ الفضلِ ما هدّ من قوى / وَحَلّ به ما حلّ من عُقْدةِ الصّبرِ
وإنّي امْرؤ في خَجْلَةٍ مُسْتَمِرّةٍ / يذوبُ لها في الماءِ جامدةُ الصّخْرِ
أتتني قوافيك التي جَلّ قدرُها / بما نقطةٌ منهنّ مُغْرِقَةٌ بَحْري
لَعَلّك إذ أغنيتي منك بالنّدى / أردتَ الغنى لي من مَديحك بِالفخرِ
لعمريَ إني ما توهّمْتُ ريبةً / فتدفعَ وَجْهَ العُرْفِ عِندكَ بالنكرِ
وطَبعكَ تِبرٌ سحّرَ الفضلُ محْضَهُ / وحاشا له أن يَستَحيلَ مَعَ الدَّهرِ
وَكُنتُ أمَلُّ الجودَ مِنكَ وأَنتَ لا / تَمَلّ عَطاءً منه يأتي على الوَفْرِ
فَكَيفَ أظُنُّ الظنّ غيرَ مُبَرّأٍ / تواضَعَ تيهاً كوكبُ الجوِّ عن قدري
يَخِفُّ على خُدّام مُلْكِك جانبي / كما خَفَّ هُدْبٌ في العيونِ على شُفرِ
إِذا طارَ مِنهُم بِالوصيَّةِ سَوْذَقٌ / فذلك في إفصاحِ منطقه القمري
تُحدّثُ عيني عينَهُ بالّذي يرَى / بوجهكَ لي من حُسنِ مائيّة البِشرِ
لياليَ لا أشْدوكَ إلّا مطَوَّقاً / بنعماكَ في أفنانِ روْضاتِكَ الخُضرِ
وما زالَ صَوْبٌ من نداكَ يَبُلُّني / ويثقلني حَتَّى عَجَزْتُ عَنِ الوكرِ
بَكَيتُ زَماناً كانَ لي بِكَ ضاحكاً / وَكسْرُ جناحي كان عندك ذا جَبْرِ
وأطرَقْتُ لمّا حالتِ الحالُ حَيْرَةً / تَحَيّرَ منها عالمُ النفس في صدري
فخذها كما أدري وإن كلَّ خاطري / وإن لم يكن منها البديعُ الَّذي تدري
وليثٍ مقيم في غياضٍ منيعَةٍ
وليثٍ مقيم في غياضٍ منيعَةٍ / أميرٍ على الوَحشِ المقيمةِ في القَفْرِ
يُوَسِّدُ شبليه لحومَ فَوَارسٍ / ويقطعُ كاللّصّ السبيلَ على السَّفْرِ
هزبْرٌ له في فيه نارٌ وَشَفْرَةٌ / فما يَشتَوي لحم القتيلِ على الجمرِ
سراجاه عيناهُ إذا أظلمَ الدّجى / فإن باتَ يسري باتتِ الوحش لا تسري
له جبهةٌ مثل المجنّ ومعطسٌ / كأنّ على أرجائه صبغةَ الحبرِ
يصلصلُ رعدٌ من عظيمِ زئيره / ويلمع برقٌ من حماليقهِ الحمرِ
له ذَنَبٌ مُسْتَنْبَطٌ منه سَوْطُهُ / ترَى الأرض منه وهي مضروبة الظهرِ
ويضربُ جنبيه به فَكَأنّما / له فيهما طَبْلٌ يَحُضّ على الكرِّ
ويُضْحك في التعبيس فكّيه عن مدى / نيوبٍ صلابٍ ليس تُهتَمُ بالفِهْرِ
يصولُ بكفّ عرْض شبرين عرْضُها / خناجرُها أمضى من القُضُبِ البترِ
يجرّدُ منها كلّ ظُفْرٍ كأنّهُ / هلالٌ بدا للعين في أوّلِ الشهرِ
تظنّ مزارَ البدرِ عنها يعزني
تظنّ مزارَ البدرِ عنها يعزني / إذا غابَ لم يبعد على عين مُبْصِرِ
وبينَ رحيلي والإِيابِ لحاجِها / من الدهر ما يُبْلي رَتيمَةَ خنصرِ
ولا بُدّ من حملي على النفس خُطّةً / تُعلّقُ وردي في اغترابي بمصدري
وتطرَحني بالعزْم من غيرِ فترَةٍ / سفائنُ بيدٍ في سفائن أبحُرِ
وما هيَ إلا النفسُ تفني حياتَهَا / مُصَرَّفةً في كلّ سعيٍ مُقَدَّرِ
أغَرّكِ تلويحٌ بجسمي وإنّني / لكالسيف يعلو متنه غين جوهرِ
وما هيَ إلا لفحةٌ من هواجرٍ / تخلّصْتُ منها كالنّضار المسجَّرِ
وأنكرتِ إلمامَ المشيبِ بلمّتي / وأيّ صباحٍ في دجى غيرِ مسفرِ
وما كان ذا حذرٍ غرابُ شبيبتي / فلمْ طارَ عن شخصي لشخص مُنفِّرِ
وأبقتْ صروفُ الدهرِ منّي بقيّةً / مذكرةً مثلَ الحسام المذكرِ
وما ضَعضَعتني للحوادثِ نَكْبَةٌ / ولا لان في أيدي الحوادث عُنصري
وحمراءَ لم تسمحْ بها نفسُ بائعٍ / لسومٍ ولم تظفرْ بها يدُ مُشتري
أقامتْ مع الأحقابِ حتى كأنّها / خبيئةُ كسرى أو دفينةُ قيصرِ
فلم يبقَ منها غيرُ جزءٍ كأنّهُ / تَوَهُّمُ معنىً دقّ عن ذهن مُفكرِ
إذا قَهقَهَ الإبريقُ للكأس خِلتَهُ / يرجِّعُ صوتاً من عُقابٍ مُصَرْصرِ
وطافَ بها غَمرُ الوشاحِ كأنّما / يقلّبُ في أجفانه طَرْفَ جؤذرِ
قصرتُ بكلٍّ كلَّ يومٍ لهوتُهُ / ومهما يطبْ يومٌ من العيش يقصُرِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025