المجموع : 4
مِنَ المَرمَرِ المَسنونِ صاغوا مِثالَهُ
مِنَ المَرمَرِ المَسنونِ صاغوا مِثالَهُ / وَطافوا بِهِ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ زُمَر
وَقالوا صَنَعناهُ لِتَخليدِ رَسمِهِ / فَقُلتُ أَلا يَفنى كَما فَنِيَ الأَثَر
وَقالوا نَصَبناهُ اِعتِرافاً بِفَضلِهِ / فَقُلتُ إِذَن مَن يَعرِفِ الفَضلَ لِلحَجَر
وَقالوا غَنِيٌّ كانَ يَسخو بِمالِهِ / فَقُلتُ لَهُم هَل كانَ أَسخى مِنَ المَطَر
وَقالوا قَوِيٌّ عاشَ يَحمي ذِمارَنا / فَقُلتُ لَهُم هَل كانَ أَقوى مِنَ القَدَر
أَكانَ غَنِيّاً أَم قَوِيّاً فَإِنَّهُ / بِمالِكُم اِستَغنى وَقُوَّتِكُم ظَفَر
فَلَم يَتَعَشَّقُكُم وَلا هِمتُم بِهِ / كَما خِلتُمُ لَكِنَّهُ النَفعُ وَالضَرَر
وَلَم تَرفَعوا التِمثالَ لِلبَأسِ وَالنَدى / وَلَكِن لِضَعفٍ في نُفوسِكُم اِستَتَر
فَلَستُم تُحِبّونَ الغَنِيَّ إِذا اِفتَقَر / وَلَستُم تُحِبّونَ القَوِيَّ إِذا اِندَحَر
رَأَيتُكُم لا تَعرِجونَ بِرَوضَةٍ / إِذا لَم يَكُن في الرَوضِ فَيءٌ وَلا ثَمَر
وَلا تَعلِفونَ الشاةَ إِلّا لِتَسمَنوا / وَلا تَقتَنونَ الخَيلَ إِلّا عَلى سَفَر
إِذا كانَ حُبُّ الفَضلِ لِلفَضلِ شَأنُكُم / وَلَم تُخطِؤوا في الحِسِّ وَالسَمعِ وَالبَصَر
فَما بالُكُم لَم تُكرِموا اللَيلَ وَالضُحى / وَلَم تَنصُبوا التِمثالَ لِلشَمسِ وَالقَمَر
كَأَنِّيَ في رَوضٍ أَرى الماءَ جارِياً
كَأَنِّيَ في رَوضٍ أَرى الماءَ جارِياً / أَمامي وَفَوقي الغَيمُ يَجهَدُ بِالنَشرِ
تَوَهَّمتُهُ هَمّاً فَقُلتُ لَهُ اِنجَلي / فَإِنَّ هُمومي ضاقَ عَن وِسعِها صَدري
بِرَبِّكَ سِر حَيثُ الخَليُ فَإِنَّني / فَتىً لا أَرى غَيرَ المَصائِبِ في دَهري
فَأَقشَعَ حَتّى لَم أَشُكَّ بِأَنَّهُ / أَصاخَ إِلى قَولي وَما شَكَّ في أَمري
رَعى اللَهُ ذَيّاكَ الغَمامَ الَّذي رَعى / عُهودي وَأَولاني الجَميل وَلَم يَدرِ
تَظَلَّلتُ بِالأَشجارِ عِندَ اِختِفائِهِ / وَيا رُبَّ طَلٍّ كانَ أَجمَلَ مِن قَطرِ
جَلَستُ أَبُثُّ الزَهرَ سِرّاً كَتَمتُهُ / عَنِ الناسِ حَتّى صِرتُ أَخفى مِنَ السِرِّ
وَلَمّا شَكَوتُ الوَجدَ وَجدي تَمايَلَت / كَأَنَّ الَّذي أَشكوهُ ضَربٌ مِنَ الخَمرِ
وَأَدهَشَها صَبري فَأَدهَشَني الهَوى / دَهِشتُ لِأَنَّ الزَهرَ أَدهَشَها صَبري
وَلَمّا دَرَت أَنّي مُحِبٌّ مُتَيَّمٌ / بَكَت وَبَكاني كُلُّ ضاحِكٍ مُفتَرِ
عَجِبتُ لَها تَبكي لِما بي وَلَم يَكُن / عَجيباً عَلى مِثلي البُكاءُ مِنَ الصَخرِ
كَأَنِّيَ بَدر وَالزُهورُ كَواكِبٌ / وَذا الرَوضِ أُفقٌ ضاءَ بِالبَدر وَالزَهرِ
كَأَنّي وَقَد أَطلَقتُ نَفسي مِنَ العَنا / مَليكٌ لِيَ الأَغصانُ كَالعَسكَرِ المَجرِ
فَما أَسعَدَ الإِنسانَ في ساعَةِ المُنى / وَما أَجمَلَ الأَحلامَ في أَوَّلِ العُمرِ
وَهاتِفَةٍ قَد أَقلَقَتني بِنَوحِها / فَكُنتُ كَمَخمورٍ أَفاقَ مِنَ السُكرِ
تُرى رُوِّعَت مِثلي مِنَ الدَهرِ بِالفِرا / قِ أَم بَدَّلَت مِثلي مِنَ اليُسرِ بِالعُسرِ
بَكَيت وَلَو لَم أَبكِ مِمّا بَكَت لَهُ / بَكَيتُ لِما بي مِن سَقام وَمِن ضَرِّ
وَنَهرٍ إِذا والى التَجَعُّدَ مائُهُ / ذَكَرتُ الأَفاعي إِذ تَلوي عَلى الجَمرِ
تُحيطُ بِهِ الأَشجارُ مِن كُلِّ جانِبٍ / كَما دارَ حَولَ الجيدِ عَقدٌ مِنَ الدُرِّ
وَقَد رَقَمَت أَغضانَها في أَديمَةٍ / كِتاباً مِنَ الأَوراقِ سَطراً عَلى سَطرِ
كَأَنَّ دَنانيراً تَسّاقَطُ فَوقَهُ / وَلَيسَ دَنانيرٌ سِوى الوَرَقِ النَضرِ
كَأَنّي بِهِ المِرآةُ عِندَ صَفائِها / تُمَثِّلُ ما يَدنو إِلَيها وَلا تَدري
فَما كانَ أَدرى الغُصنَ بِالنَظم وَالنَثرِ / وَما كانَ أَدرى الماءَ بِالطَي وَالنَشرِ
ذَرِ المَدح وَالتَشبيبَ بَِلخَمر وَالمَهى / فَإِنّي رَأَيتُ الوَصفَ أَليَقُ بِالشِعرِ
وَما كانَ نَظمُ الشِعرِ دَأبي وَإِنَّما / دَعاني إِلَيهِ الحُب وَالحُبُّ ذو أَمرِ
وَلي قَلَمٌ كَالرُمحِ يَهتَزُّ في يَدي / إِلى الخَيرِ يَسعى وَالرِماحُ إِلى الشَرِّ
وَتَفتَكُ اتيكَ الأَسِنَّةُ في الحَشى / وَيُحيِ الحَشى إِن راحَ يَفتُكُ بِالحِبرِ
إِذا ما شَدا بِالطِرسِ أَذهَبَ شَدوُهُ / هُمومَ ذَوي الشَكوى وَوَقرَ ذَوي الوَقرِ
تَبَختَرَ فَوقَ الطِرسِ يَسحَبُ ذَيلَهُ / فَقالوا بِهِ كِبَرٌ فَقُلتُ عَنِ الكِبَرِ
لِكُلٍّ مِنَ الدُنيا حَبيب وَذا الَّذي / أَشُدُّ بِهِ أَزري وَيَعلو بِهِ قَدري
وَيَبقى بِهِ ذِكرى إِذا غالَني الرَدى / حَسبُ الفَتى ذِكرٌ يَدومُ إِلى الحَشرِ
سَلامٌ عَلَيها طِفلَة وَفَتِيَّةً
سَلامٌ عَلَيها طِفلَة وَفَتِيَّةً / كَزَهرِ الرُبى البَسّامِ باكَرَهُ القَطرُ
كَعابٌ تَلاقى الحُسن وَالفَضلُ عِندَها / كَما يَلتَقي في الصَفحَةِ السَطر وَالسَطرُ
لَها صَولَةُ الأَبطالِ إِن حَمَسَ الوَغى / وَفيها حَياءُ البِكرِ عَمّا بِهِ وَزَرُ
وَفيها مِنَ الشَيخِ الحَكيمِ وَقارُهُ / وَفيها مِنَ الخودِ المَلاحَة وَالطُهرُ
أَلا إِنَّ حُسناً لا يُرافِقُهُ النُهى / وَإِن دامَ يَوماً لا يَدومُ لَهُ قَدَرُ
هِيَ الرَوضُ فيهِ النَبت وَالنَد وَالنَدى / وَفيهِ الشَوادي المُطرِباتُك وَالزَهرُ
هِيَ الشَمسُ تَبدو كُلُّ يَومٍ جَديدَةٍ / يَروحُ بِها لَيل وَيَأتي بِها فَجرٌ
لِكُلِّ فَتاةٍ خِدرُها وَسِوارُها / وَلَكِنَّ هَذي كُلُّ قَلبٍ لَها خِدرُ
يُريدُ سَناها الطَي وَالنَشرَ رَونَقاً / وَيُخلِقُ المُصحَفَ الطَي وَالنَشرُ
أَنيسُ الفَتى إِن غابَ عَنهُ أَنيسُهُ / وَأَنجُمُهُ إِن غابَتِ الأَنجُمُ الزُهرُ
وَسِفرٌ تَلَذُّ المَرءَ مُحتَوَياتُهُ / إِذا لَم يَكُن في البَيتِ ناس وَلا سَفَرُ
إِذا رَضِيَت فَالنورُ في كَلِماتِها / وَإِن غَضِبَت فَهيَ الأَسِنَّة وَالجَمرُ
وَفي كُلِّ حَربٍ يَعقِدُ الحَقُّ فَوقَها / أَكاليلَ نَصرٍ يَشتَهي مِثلَها البَدرُ
وَلا غَرَوَ إِن عَزَّت وَهانَ خُصومُها / فَلِلحَقِّ مَهما جَعجَعَ الباطِلُ النَصرُ
فَكَم مُرجِفٍ أَغراهُ فيها سُكوتُها / فَلَمّا أَهابَت كادَ يَقتُلُهُ الذُعرُ
وَكَم كاشِحٍ غاوٍ أَرادَ بِها الأَذى / ثَنى طَرفَهُ عَنها وَفي نَفسِهِ الضُرُّ
لَها في رُبوعِ الشَرقِ جَيشٌ عَرَمرَمٌ / وَأَعوانُها في الغَربِ لَيسَ لَهُم حَصرُ
وَلَو كانَ في المَرِّخِ أَرض وَأُمَّةٌ / لَكانَ لَها في أَرضِهِ عَسكَرٌ مَجرُ
لِتَسحَبَ ذُيولَ الفَخرِ تيهاً فَوَحدَها / يَحُقُّ لَها مِن بَينِ أَترابِها الفَخرُ
وَلا غَرَوَ إِن أَهدى لَها الشِعرُ وَحيَهُ / فَيا طالَما سارَت وَسارَ بِها الشِعرُ
وَلا غَرَوَ إِن صُغنا لَها النَثرَ حِلَيَةً / فَفي عُنُقُ الحَسناءِ يُستَحسَنُ الدُرُّ
وَإِن يَكُنِ الأَحرارِ مِن نُصَرائِها / فَكَم نَصَرَ الأَحرارَ صاحِبُها الحُرُّ
أَديبٌ عَفيفٌ قَلبُه وَيَراعُهُ / بَغيضٌ إِلَيهِ الطَيش وَالفيش وَالهَجرُ
ثَمان وَعَشر وَهُوَ يَخدُمُ قَومَهُ / أَلا حَبَّذا تِلكَ الثَمانِي وَالعَشرُ
فَفي العُسرِ لَم يَجهَر بِشَكوى لِسانُهُ / وَفي اليُسرِ لَم يَلعَب بِأَعطافِهِ الكِبَرُ
وَشَرُّ المَزايا أَن يُصيبَكَ حادِثٌ / وَتَجهَرَ بِالشَكوى وَفي وُسعِكَ الصَبرُ
أَهَذا كَمَن يُمسي وَيُضحي مُعَربِداً / وَقُدّامُهُ طَبل وَمِن خَلفِهِ زَمرُ
أَهَذا كَمُغتابٍ يَروح وَيَغتَدي / وَفي نُطقِهِ شَر وَفي صَمتِهِ شَرُّ
أَهَذا كَمَفطورٍ عَلى الشَر وَالأَذى / أَحاديثُهُ نُكر وَأَعمالُهُ نُكرُ
أَهَذا كَأَفعى هَمُّها نَفثُ سُمِّها / وَنَهشُ الَّذي تَلقى وَلَو أَنَّهُ صَخرُ
كَمَن يَمشي إِلى الوِزرِ عامِداً / وَيَضحَكُ مُختالاً إِذا مَسَّهُ الوِزرُ
أَهَذا الَّذي قَد حارَبَ المَكرَ جَهدَهُ / كَمَن شابَ فَوداه وَدَيدَنَهُ المَكرُ
إِذا الدَهرُ لَم يَعرِف لِكُلِّ مَكانَهُ / إِذَن قُل لِأَهلِ الدَهرِ قَد فَسَدَ الدَهرُ
وَقَفتُ ضُحىً في شاطِئِ النيلِ وَقفَةً
وَقَفتُ ضُحىً في شاطِئِ النيلِ وَقفَةً / يَضُنُّ بِها إِلّا عَلى النيلِ شاعِرُه
تَهَلَّلَ حَتّى كادَ يَبدو ضَميرُهُ / وَعَبَّسَ حَتّى كادَ يُشَكِّلُ ظاهِرُه
فَثَمَّ جَلالٌ يَملَءُ النَفسَ هَيبَةً / وَثَمَّ جَلالٌ يَملَءُ العَينَ باهِرُه
فَطَوراً أُجيلُ الطَرفَ في صَفَحاتِهِ / وَطَوراً أُجيلُ الطَرفَ فيما يُجاوِرُه
وَأَلحَظُ شَمسَ الأُفق وَهيَ مُطِلَّةٌ / تُسايِرُ فيها ظِلَّها إِذ تُسايِرُه
فَأَحسَبُها فيهِ تُساهِمُني الهَوى / وَتَحسَبُني فيها الغَرامُ أُشاطِرُه
إِذا هِيَ أَلقَت في حَواشيهِ نورَها / رَأى التِبرَ يَجري في حَواشيهِ ناظِرُه
أَطالَت بِهِ التَحديق حَتّى كَأَنَّما / تُحاوِلُ مِنهُ أَن تَبينَ سَرائِرُه
فَيا لَهُما إِلفَينِ باتا بِمَعزِلٍ / يُخامِرُها مِن حُبِّهِ ما يُخامِرُه
يَروحُ النَسيمُ الرَطبُ في جَنَباتِهِ / يُداعِبُهُ طَورا وَطَوراً يُحاوِرُه
وَتَقبُضُ مِن مَبسوطِهِ نَفَحاتُهُ / كَما قَبَضَ الثَوبَ المُطَرَّزَ ناشِرُه
فَيَصدُفُ عَنه وَهوَ داجٍ مُقَطَّبٌ / كَأَنَّ عَدُوّاً بِالنَسيمِ يُحاذِرُه
كَأَنّي بِهِ سِفرٌ تَدانَت سُطورُهُ / أَوائِلُهُ قَد شُكِّلَت وَأَواخِرُه
إِذا ما جَلا لِلناظِرينَ رُموزَهُ / تَجَلّى لَهُم ماضي الزَمان وَحاضِرُه
أَيا نيلُ نَبِّئني أَحاديثَ مَن مَضَوا / لَعَلَّ شِفاءَ النَفسِ ما أَنتَ ذاكِرُه
حَيالَكَ صَبٌّ بِالخُطوبِ مُهَدَّدٌ / جَوانِحُهُ رَهنُ الهُموم وَخاطِرُه
أَطاعَ شُجوناً لَو أَطاعَ فُؤادَهُ / عَلَيها لَفاضَت بِالنَجيعِ مَحاجِرُه
يَحُثُّ إِلَيَّ الدَهرُ كُلَّ رَزيأَةٍ / عَلى عَجَلٍ حَتّى كَأَنِّيَ واتِرُه
وَما أَنا بِالعَبدِ الَّذي يَرهَبُ العَصا / وَلَكِنَّني حُرٌّ تَروعُ بَوادِرُه
أَيا نيلُ فَاِمنَحني عَلى الحَقِّ قُوَّةً / فَما سَوَّدَ الضِرغامُ إِلّا أَظافِرُه
وَهَبنِيَ بَأساً يَسكُنُ الدَهرُ عِندَهُ / فَقَد طالَما جاشَت عَلَيَّ مَناخِرُه
إِذا لَم تَكُن عَونَ الشَجِيِّ عَلى الأَسى / فَخاذِلُهُ فيهِ سَواء وَناصِرُه
قِني البَأس وَاِمنَع شَعبَكَ الضَعفَ يَتَّقي / وَيُنصِفُهُ مِن حُسّادِهِ مَن يُناكِرُه
هُوَ الدَهرُ مِن ضِدَّينِ ذَل وَعِزَّةً / فَمَن ذَلَّ شاكيه وَمَن عَزَّ شاكِرُه
وَلِلقادِرِ الماضي العَزيمَةِ حُلوُهُ / وَلِلعاجِزِ الواهي الشَكيمَةِ حازِرُه
وَما الناسُ إِلّا القادِرونَ عَلى العُلى / وَلَيسَت صُنوفُ الطَيرِ إِلّا كَواسِرُه
أَلَ تَرَ مُنذُ اِستُلينَت قَناتُهُ / تَمَشَّت إِلَيهِ الحادِثاتُ تُساوِرُه
فَأُرهِقَ حَتّى ما يَبينُ كَلامُهُ / وَقُيِّدَ حَتّى لَيسَ تَسري خَواطِرُه
وَلَو مَلَكوا الأَقدارَ اِستَغفَرَ الَّذي / لَهُ المُلكُ يُؤتيهِ الَّذي هُوَ آثِرُه
لَما تَرَكوا شَمسَ النَهارِ يَزورُهُ / سَناها وَلا زَهرُ النُجومِ تُسامِرُه
يُريدونَ أَن يَبقى وَيَذهَبُ مَجدُهُ / وَكَيفَ بَقاءُ الشَعبِ بادَت مَآثِرُهُ
فَغورِسَت في مِصرَ يُسَدِّدُ سَهمَهُ / إِلَيه وَقَنّاصُ الوُحوشِ يُضافِرُه
يَلِجّونَ في إِعناتِهِ فَإِذا شَكا / يَصيحونَ أَنَّ الشَعبَ قَد ثارَ ثائِرُه
لَقَد هَزَأوا لَمّا تَنَبَّهَ بَعضُهُ / فَلِم ذُعِروا لَمّا تَنَبَّهَ سائِرُه
يَقولونَ جانٍ لا يَحُلُّ فِكاكَهُ / وَلَو أَنصَفوهُ حَمَلَ الإِثمَ أَسرُه
عَجِبتُ لِقَومٍ يُنكِرونَ شُعورَهُ / وَهاتا مَجاليه وَتِلكَ مَظاهِرُه
أَلَم يَكُ في يَومِ القَناةِ ثَباتُهُ / دَليلاً عَلى أَن لَيسَ توهى مَرائِرُه
يَعُزُّ عَلى المَصرِيِّ أَن يَحمِلَ الأَذى / وَحاضِرُهُ يَأبى الهَوان وَغابِرُه
لَئِن تَكُ لِلتاريخ وَاللَهِ زينَةٌ / فَما زينَةُ التاريخِ إِلّا مَفاخِرُه
رَعى اللَهُ مِن أَبنائِهِ مَن يَذودُ عَن / حِماه وَمِن أَضيافِهِ مَن يُظاهِرُه
هُم بَعَثوا فِيَّ الحَياةَ جَديدَةً / فَشُدتُ أَواخيه وَعَزَّت أَواصِرُه
وَهُم أَسمَعوا الأَيّامَ صَوتاً كَأَنَّما / هُوَ الرَعدُ تَدوي في السَماءِ زَماجِرُه
وَهُم أَطلَقوا أَقلامَهُم حينَ أَصبَحَت / مُكَبَّلَةً أَقلامُه وَمَحابِرُه
كَذَلِكَ إِن يَعدَم أَخو الظُلمِ ناصِراً / فَلَن يَعدُمَ المَظلومُ حُراً يُناصِرُه