القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 7
أخي وجمالُ الشعر ما أنت ناثرٌ
أخي وجمالُ الشعر ما أنت ناثرٌ / علىَّ كأني هادمٌ للقياصرِ
كأني نبّثى لم يدنَّس خياله / وقربانه للفكرِ لا للشعائر
ذكرتكَ في وَجدي غريباً موزَّعاً / كأنك حِررٌ لي أمامَ المخاطر
وقد جئتَ تحبوني ضيافة مشفقٍ / لدى كنفٍ حول الطبيعة ساحر
وياليتني من يستطيع إجابة / وينعم في غابٍ من الناس ساخرِ
أعيشُ أبيعُ الخلق بالبخسِ حكمتي / وقلبي وإن ينبض بأحلام ثائر
وما كان لي حلمٌ ووهمٌ أبيعهُ / سوى المثلِ الأعلى المرَّنحِ خاطريَ
تعاليتُ عن أرجاس دُنيا خسيسةٍ / وإن عشتُ مهموماص بسحق الصغائر
وواعجبي والمرجفونُ تآمروا / حيالي عيشيِ بينهم عَيش طاهرِ
كأنَّي نبعٌ شامخٌ متفجرٌ / ومُكتسحٌ في وثبهِ كلَّ غامرش
أذابَ سناءَ الشمسِ طىَّ صفائِه / وزكَّت معانيه تبسُّمَ عاطرِ
وأنفقتُ عمري في المحبةِ للورى / فلم القَ إلا غادراً بعد غادر
وياما أقلَّ الأوفياءَ بعالمٍ / تواروا به واستعذُبوا جحدَ ناكر
هنيئاً لك الشَّهدُ النميرُ مسلسلاً / كأنَّ به تُروَى ملاحمُ شاعرِ
هنيئاً لك الجُّو الطليقُ كأنه / عوالمُ لم تُفسد بباغٍ وفاجرِ
هنيئاً لك الفكرُ الذي أنتَ مبدعٌ / كأنَّك في الفردوسِ رب المشاعرِ
هنيئاً لك الصحبُ الذين توافدوا / ليغتنموا ما صغتهُ من جواهر
ويا ليتني من يضمنُ القوتَ وحدَه / فلستُ أُبالي بعدَه ما مصائري
فإني غنىُّ في يقيني وهَّمتي / وإن ظَنَّها الجَّهالُ هَّمة عاثرِ
وكم كائدٍ حولي يُرتِّلَ حمدهُ / ويرفع من قدرى على كل قادر
ويطعنني في الخلفِ وهو مُقِّبلٌ / يَراعي كأني سخرةٌ للمقادر
كأن جزاءَ الألمعية حَتلتها / وتكبيلها فيما حَبت من مآثرِ
نواغض قد خَّلفتها غير آسف / فألفيتها حولى تُنغِّصُ حاضري
وما هي إلاّ من نتائج موطن / أفدّيهِ مهما عقَّني في شواعري
تَتَّبعنيِ أفرادُه في صلالهم / وشايعهم أمثالهم في المهاجر
وإن كان عزّاني على البؤسِ أنني / أعيشُ بأرضٍ حُّظها للمغامر
بنوها بنو العلياء لم ألق منهمو / سوى كِّل إكبارٍ برغم المكابرِ
فيا خِّلىَ الحرَّ الأبى وتوأمي / بروحي وتفكيري بيومي وغابري
كفانيَ أن ألقاكَ مُنعَّماً / ولو فترةً يا ساهراً غيرَ ساهرِ
فكم من ليالٍ قد قتلتَ بلاونى / لمحيا جسومٍ أو لمحيا ضمائر
ولم يَشقَ إلاّ اثنان أنت ومبضعٌ / حوى فنِّ جبار لحرب الجبابر
لعلى متى ألقاكَ ألمحُ ومضةَ / بعينيكَ نَمَّت عن شُجون العباقرِ
وَنمَّت عن الفجر الجديد لشاعر / وَنمت عن الخلاَّق خلفَ المظاهرِ
أَزود مُنها خاطري ومشاعري / وأبدأ عُمراً راضياً عن مآثري
أفى العرسِ تُنعى يالها قسوةَ القدر
أفى العرسِ تُنعى يالها قسوةَ القدر / ولكن هي الدنيا تُعَّلمُ من غَدر
ولم ترحم الُّدولاتِ يوماً فهل لها / بأن تُنقذَ الفردَ العظيمَ من الغير
وكنتُ على وعدٍ لألقاكَ مثلما / ألاقي بشاشاتِ الصبَّاحةِ والزَّهر
لأنعمَ بالحلوِ الحديثِ مُرنَّقاً / وبالحبِّ موفوراً وبالرّاحِ والثمر
وأقتبسَ المعنى الثمينَ ذخيرةً / إذا شحَّ ودُ الناسِ أو خاطري افتقر
وأشهدَ أوراقَ الخريف مجانياً / من الجَّنة الفيحاءِ لا ذابلِ الشجر
وما كنتُ أدرى أن موتكَ سابقي / وإن كنتَ لم تَبرحَ على الوعدِ تنتظر
وما رخُصت يوماً بقربك لحظةٌ / بذلتَ لإسعادي ولا مَسَّها الضجر
فها أنا من يلقاكَ والدمعُ خانقي / وما لي ابتسامٌ كابتسامكَ مدُخُّر
تجَّلى على الوجهِ الحبيبِ بوَسنةٍ / هي الرَّاحةُ الكبرىِ لمن كَّدهُ السفر
نَداماكَ جاؤا جازعين وطالما / بِشعرِكَ كانوا الطائفينَ على السمر
يطوفون سكرَى حول نعشكَ في الأَسى / وبالأمس كنتَ الشعرَ يُسكرُ من سكر
رأيتَ بعين الرُّوحِ عُقباكَ إنَّما / أَبيتَ عزيزاً أن تكون على حَذرَ
وَخَلفتناَ لم نفقد الفنَّ وحدَه / بل الرجلَ الفذَّ الذي قلبهُ انفطر
وفي هيكلِ الحبِّ السماوىِّ نَفحهُ / وُشعلتهُ الُمثلىَ تَضئُ لمن عَبرَّ
وفي ذّمةِ الرحمنِ نورٌ أذابه / على الطِّرسِ أو نورٌ على العالم ابتكر
وما كان بالتهويلِ والرَّوعِ فَنُّهُ / ولكنَّه نبعٌ تَسلسلَ وازدهر
وكل الذي أسدى سَجيِّةٌ نفسهِ / وليس مُعاراً من فَلاة ولا حَضر
أَبيتُ الربا إلاَّ ربا الوقتِ عنده / فمن زاره يَغنىَ ومن فَاتَهُ خَسر
كانَّ السنينَ الخمسَ خمسون حجَّةً / بصحبتهِ أو كالخضمِ إذا غَمر
عرفتُ بها الانسانَ في ملكوتة / مَلاكاً وقد عادَى الصغائرَ واحتقر
وأَنشقنيِ عَرفَ التسامي إباؤهُ / وأشعرني بالجاهِ ما صاغ من درُر
لقد عبدوا الأصنامَ وهي سواخرٌ / لغفلتهم أضعافَ ما عبدوا البقر
وَعُّجوا بشكواهم وهم من بِذلِّهم / جحيمٌ اعُّدوه وفي جُبنهمِ سقر
وما ندرةٌ إلا هديةُ رحمةٍ / إلى الخلقِ فاغتيلَ الحنانُ الذي نَدرَ
وقد بَذرَ الحبَّ المصفىَّ لعالمٍ / شقىٍ كأنَّ الله من قلبه بَذَر
ولم يصطحب إلاّ السُّهادَ ببحثه / كذاك النجوم الزُّهرُ تصطحبُ السَّهر
لئن لم يَنل من عمره غيرَ ذكره / فإنَّ أَجلَّ العمرِ ما شَعَّ بالذِّكر
يُصلى عليه المسلمون كأنّه / ولُّى وفي بُرديهِ عثمانُ أو عمر
وتبكى له الصُّلبانُ حتىّ كأنّما / بذبحته كان الفداءَ لمن كَفر
ويعرفه الانسانَ من كل مِلَّةٍ / أخاه فِمن وجدانِه ذاقَ واعتصره
ولم يشرح الانجيلَ إلا خلالُه / ولا كُتب الأديانِ دونَ الذي سَطر
وما قيمةٌ الانسانِ إلاّ بقلبه / فينبضُ بعد الموت في كلّ ما خطر
كذلك غَنَّتنا القرونُ التي مضت / وغنت لنا الافلاكُ إن ليلنا اعتكر
فكيفَ بِمن لمَ يعرف الموتَ طبعهُ / وعاشَ جمالاً للحياة بما نَشر
وكيف بِمن أنفاسُه علويَّةٌ / تَشرَّبها من حولنا كل ما نَضر
إذا قيل يوم الذكر هذا فإنَّه / تضمَّخَ أضعافاً بذكركَ لِلعصر
وما الفاتحُ الغلاّبُ بالنارِ ذكرهُ / بأخلد من لحنٍ تأجَّجَ وانتصر
صديقي الُمسَّجى أي رُزءٍ لعالمٍ / سيبقى على الآباد يَشقىَ ويحتضر
وَيَفنىَ مراراً حين يُبنىَ مكَّرراً / وقد خُلطت فيه الخرائبُ والصُّور
وكان وما زالت معاليه هُوةص / وكان ولم يبرح إذا اكتملَ اندثر
وكان ولم ينفكَّ ماساةَ مسرحٍ / يُهدّمه الباني وتملؤهُ العبر
وهلَ ثمَّ معنىً للنبوغ بأَوِجهِ / يُساقُ إلى الموتِ المحَّتم والحفر
أم الموتُ ميلادُ الحياةِ غنيةً / بما كسبتهُ من تُراثٍ ومن فِكر
وأنك أنتَ العبقري بروِحه / تُحدِّثُ من نَاجَى وُتلهم من شعر
ومنبركُ الحُّر المطل على الُّدَنا / تَفَّردَ لم تحجبه شمسٌ ولا قَمر
عجائبُ ضاقَ العقلُ عنها ببحثه / وَزلَّ خيالُ الشعر فانبتَّ وانكسر
أِجبنيِ كما عوّدتني في صراحةٍ / وفي نظرةٍ نفاذةٍ حلفَ ما استتر
فما كان هذا الصمتُ صمتاً لخاطري / أذا شئت أن تُوحى وتُصدَقني الخبر
وإلاَّ فوا حُزني المضاعفَ عندما / يُرَدِ نجائي كالجريحِ الذي عثر
ويا وحشتي في غُربتيَّ وقلما / أرى غير من باهىَ على الشرِّ وابتدر
عزاء بنى حدَّادِ والخطبُ خطبنا / جميعاً وخطب الألمعيةِ والبشر
ومن ذا يُعزّى في النبيين آلهم / وينسى شعوباً حُّظها اليأسُ والخطر
فما كان هذا النبل ملكاً لأمةٍ / ولا لغةٍ عزّت ولا مرسلٍ ظهر
ولكنه ملكٌ لآفاق نفسه / ومن بعضها أسنى العواطفِ والوتر
غفرنا ذنوبَ الدهر إلاَّ ذنوَبه / على المبدعِ الفنانِ لو أنه غفر
عزاءً لنا جمعاً عراءً فإنما / إذا الشعب لم يُنصف نوابغه انتحر
وما كانت الُقربى الوشيجةَ وحدَها / فبين دموعِ الناسِ ما خَلقَ المطر
وليست دموعٌ تُبذل اليوم حوله / دموعكمو بل ِ من معانيه ما انتثر
ومن ذا الذي منا يؤبن فضله / بأبلغَ من نفحِ الخمائلِ والنَّهر
ومن خطراتِ النور تُضفى حَنانَها / فيلثمها في بِرَّها التربُ والحجر
ومن كلِّ حسنٍ في الوجودُ مؤصلٍ / يجاوبُه بالرُّوح والسمعِ والبصر
ولم أَلقهُ يوماً وكلي حيالَه / خُشوعٌ كحالي اليومَ لا أملكُ النظر
وليس جلالُ الموتِ ما هو قاهري / ولكن جلالٌ في تساميه ما قَهر
لمن رَقرقَ الشعرَ العصىَّ جداولاً / من السحر والآىَ الطهورةِ في سُور
ومن كان أدنى فضله يَبهرُ النُّهى / ويُخفى حياءً منه أضعافَ ما بهر
ومن دمعةُ العاصي عليه كدمعتي / كأني جزءُ منه بد بُتَّ فانشطر
أراني صديقي في وقوفي مؤبناً / أخادعُ نفسي في صفاتك والأثر
وإلاّ فما عذري ومثلكَ من أتى / إلى هذه الأطلال من سدُمٍ أَخر
وليس رثائي غيرَ رمزٍ لوحشتي / فشأنُك بين العبقريةِ والقدر
ومن كان من نورٍ وعطرٍ حياتُه / فغايته التخليدُ في نوره العطر
تعالى على الشكر الحميم بعيشهِ / وفي الموت لا يعينهِ تأبينُ من شَكر
ولكنما يعنيه ثأرٌ على المدى / من الظلم والُّظلامِ والبطشِ والبطر
لئن جادَ بالشعر الرقيقِ أغانياً / فمن خلفها الآلام تقدح بالشرر
لقد عاش عيش التضحياتِ وموته / حياةٌ لمن يحيا وإلهامُ من ثأر
شِربنا مُذاب النار بعد فكاكها
شِربنا مُذاب النار بعد فكاكها / فقهقت الأكوابُ في وثبةِ الجمر
وأحرجت الأقزامَ حتى تلعثموا / ورَّوعت الظُّلامَ في غضبةِ الحر
نعم ظلموها من سنينٍ بحبسها / ولم يعلموا فالخمرُ روحٌ لمن يدري
ولما زأرنا قيل سَكري تخبطوا / وما نحن من يعنو إلى اللهوِ والسكر
ولكننا ثُرنا على الضيم والقذى / كما ثارت الأكوابُ بالسُّخط والثأر
وما أُهدرت إلاّ وفي دمنا لها / حقوق وأحكامٌ على الجبنِ والغدر
وما كان نخبَ اللهوِ كأسُ شريفةٌ / ولكنه رمزُ التطلع للفجر
أشعةُ شمسٍ تلكَ أم رجعُ أشعاري
أشعةُ شمسٍ تلكَ أم رجعُ أشعاري / يعودُ إلى قلبي بحبٍ وأسرار
وما هذه الذّراتُ تَخفقُ مِلأها / جواهُر أم هذى شراراتُ أفكاري
بلى هيَ من ناري وُنوري تبددت / وقد رقصت في الشمس رقصةَ فُجَّار
مضت نحوَ من أهوى وعادت كأنَّها / وقد عبثت حولى ضحية خَمَّار
إذَن أنتِ مثلي يا صغيرةُ إنَّما / أنا الُمثقلُ العاني بسجني وأوزارى
ولا شئَ أقسى من ضميرٍ مبكتٍ / بريئاً فما ساواه طُغيانُ جبار
سَأرسُفُ في هذا الحديدِ مكفراً / وقد كنتُ قبلاً رافلاً بين أزهار
وهيهاتَ أن ألقى الهناءة والرضى / ستلقى وقد كَفرتَ بالسجن عن ذنبك
لقيتَ جزاءً للغرور قضت به / شريعةُ حُبِّ حين أعرضتُ عن حُبِّك
أنظر إلى الكوةِ تَلقَ النورَ يحملني إليكَ / النورُ فيهِ الآنَ من ظِلِّ الشجر
صورٌ تراوغُني وترقص فوق ميتِ الحائطِ / وكأنّما هذى الظِّلالُ بها مآلي قد عَثر
فهوت مُضَّرجةً كآمالي بذلِّ القانطِ / بَادِر إذن وهَلمَّ يا أملي إلى حسن الفرار
إِنيّ لأفضحُ نفسي أينما ذهبت / بي المسالكُ حينَ الحب يُغري بي
فذاكَ صوتي وأنفاسي وناظرتي / تَشى بقلبي فَتفضي بي لتعذيبي
كيفَ الفرارُ أَفق يا غُّربلَ سفهٌ / أن لا أفرَّ ولو ضيعتُ آمالي
لا يقبلُ الظلم حي في مشاعره / سِرُّ الحياةِ ولا يرضَى بأغلالِ
إِضحكي يا شجوني / ولتنم يا غرام
ولتثر يا جنوني / في هوى الانتقام
وما انتقامي بسيفٍ لي أجردُهُ / بل باليراعةِ يخشاها المعاونَا
صبراً إذن يا ابن عبدوسٍ فيومَ غدٍ / ستكرعُ السم إذ تَلقَى ابن زيدونا
ستكرع السم شِعراً ماله مَثلٌ / بالسخر بُضحكُ أحجاراً وباكينا
يا من تطاولَ للفنانِ يرهقهُ / بالمالِ والُّزور لم تَدرِ المحِّيينا
مهما نَأَوا لم يكن للنأى تفرقهٌ / بل البعادُ يزيدُ القربَ تمكينا
يا سارقَ الوردة الحسناء تحسبها / مالاً خَسئتَ فما تدرى الريَّاحينا
لُقِّبت بالفأرِ لم يُنصفكَ من وصفوا / فالفأرُ يكدحُ مقهوراً ومغبونَا
وأنتَ تعبث بالألبابِ آمنةً / مُزينِّاً سَرقةَ الألبابِ تزيينا
لا يَسرِقُ الوردَ إلاّ آثمٌ أَشرٌ / لم يعتنق قلبه لطفاً ولا دينا
في حين قد يسرِقُ الخبزَ الذي غدرت / به الحياةُ وأشقته أفانينا
وناهبُ المالِ في الإجرام منزلةً / أسمىَ من الناهبِ الُمفنى أمانينا
اذن حبيبيَ عجِّل لا تُطل قلقي / إنيّ لأرقبُ في شوقٍ تلاقينا
شوقٌ تَرفَّعَ عن تكييف واصفه / حِسَّاً ومعنىَ وألفاظاً وتبيينا
تراني حين تَنشدني /
نعم تراني اذا أقدمتَ دونَ وَنَىً / على الفرار إلى حُلمي الى فِتنيِ
أنا التي ألهمتكَ الفنَّ نشوتُها / ولن يُقَّيدَ في سجنٍ ولا زمن
عَجِّل وَدبِّر سبيلاً للفرار غداً / ولا تُبال بأحقادٍ ولا فِتنِ
فالناسُ مُذ خُلقوا أعداءُ من نَبغوا / وَهُم عبيدُ لدى الأصنام والدِّمنِ
كأنكَ لم تقرن بمجدٍ مؤصل
كأنكَ لم تقرن بمجدٍ مؤصل / وكنت خيالاً أو أقلَّ معارا
وكنا اعتززنا بالذي قد وهبته / فكيف تولى ما وهبتَ وبارا
وكنا اذا ما أظلمَ الحظ حولنا / نظرنا إلى ما حزتهُ فأنارا
وكنا نرى مصر شعارك أو نرى / لمصر الذي أديتَ صارَ شعارا
وكنا نراهُ الربحَ والمجدَ والغنى / فكيف غدا وهماً لنا وخسارا
وكيف ولم تعبث به يدُ مصطفى / ولا أهله الاطهارُ حين توارى
وكيف وذاتُ الصون زينبُ لم تزل / تضيفُ إليه بالنوالِ مِرارا
غَدت هي أمَّ المؤمنين بفضلها / وأخلاقُها الزهراءُ ليس تُبارى
وهذا المليكُ الشهمُ باركَ سعيها / وباركَ سعياً للرئيس جهارا
ورف لها التقدير عطفاً مسوغاً / ولا بدعَ مذ كانت لمصر فَخارا
ولا غرو إذ صلى الرئيسُ لحفظه / وأزجى دُعاءً قد أضاءَ منارا
وقبلَ أعتاباً طهرنَ زكيةً / تركنَ عقولَ الأوفياءِ سُكارى
وكيف وما في مصر إلا عدالةٌ / لفاروق أنىَّ حلَّ أو هو سارا
تيمنت الدنيا بطلعته كما / تفيض علينا راحتاه نضارا
فكيف إذن ولِّى لمصر رجاؤها / كما روعَ الطيرُ الأمين فطارا
لقد ضاق عقلي عن تعرفِ خطبها / وأعجزتُ عن فحصٍ يزيح ستارا
وأغلب ظني أنَّ عقلك وحده / كفيلٌ إذا عقلٌ كعقليَ ثارا
ولي منزل لقّنته سر عزلتي
ولي منزل لقّنته سر عزلتي / فباركها ثم استحال شعارا
ومدّ لفيف الكرم حتى رأيته / ستائر غنّتها الظلال مرارا
وحفت به الأشجار ملء حنوها / تخبئه مهما أطل جهارا
كأن لها فيه كنوزا ثمينة / وليست سوى حبي لهن توارى
فيا مستحم الطير إن تفش سرنا / عذرتك كم طير لديك تبارى
وأيّ خفاء نستطيع وهذه / حليك تعلو في الهواء نثارا
وحان كسوف الشمس لكنما أبى / لها الطير عذرا حين حط وطارا
وراح يعبّ الماء سكران بالهوى / كما عبّ في عيد الربيع سكارى
تنوعت الأحجام من كل صبغة / جواهر أو كالنور رف وثارا
وبعثرت الماء الضحوك للهوها / فردته مجنونا فطار شرارا
فيا شمس غيبي أو أطلي فإننا / نرى ضوءك الوهاج كان معارا
وقد وحدتنا في تصوفنا منى / تفيض ضياء في القلوب ونارا
عزاء بهذا الموت يا من فدى مصرا
عزاء بهذا الموت يا من فدى مصرا / ومن عيشه ذكرى وومن موته ذكرى
صديق الصبا ماذا غنمنا من الصبا / وما غمرنا إلا مغارمنا تترى
ولم يبق فينا منصفا غير ميتة / أتالتك مجدا لا يباع ولا يشرى
سقطت كجنديّ شهيد مماته / حياة لعمري حرة تخلد الفكرا
ومت عزيزا في الدفاع لأمّة / أنابتك عنها في ملماتها الكبرى
إذا سقط الجندي في ساحة الوغى / فأيّ قصيد بعد هذا به يطرى
كأن مماتا ذقت أبلغ حجّة / وأوقع في تفنيد متهم مصرا
ولو أن نارا من بيانك أشعلت / ركاما من الإسعاف خصّ به الأسرى
فيا مدرة الأحرار عمرك كله / خطاب مدو بالحقيقة لا يغرى
فلم تدر معنى الجبن يوما ولا الهوى / ولم ترض يوما في اتباعهما عذرا
ولم تهو للطاغوت يوما مصليا / وكنت لي الخل المدافع والبرا
وأنحى عليّ الصاغرون فزدتني / ولاء وقد كفرت من خص بي الكفرا
وبجّلتني حتى كأنّك تابعي / ولست الذي صالت مواهبه دهرا
سجية نفس حرة ليس تمتري / كذاك النبيل الحر من يكرم الحرا
ومهما اختلفنا كنت ترفع قدرتي / إلى قدرك العالي فتخلق لي قدرا
وما كنت من بالي الخفافيش مرّة / ولا الصقر مجتاحا ولا الجارح النسرا
ولكنما باليت بالحق وحده / ولم تخش دون الحق في شدة أمرا
وأشغلت بالإنسان فردا وأمة / ويا لجهود منك لم تعرف الحصرا
وأشغلت بالفكر النزيه محررا / وكل الذي جافاه صورته نكرا
كأن خراب الكون رهن بذلة / يصاب بها العقل الذي عز واستذرى
حرام على عيني الدموع فإنها / شفاء وحزني قد يموت ولا يبرا
حرام على شعري رثاؤك قادرا / فإن الرثاء الفخم قد يلد الصبرا
حرام على نثري البيان وهذه / صحائفك الشماء آيتك الأخرى
لقد كنت من شخصت داءك أولا / فكنت كأني لاحد يفتح القبرا
ومرت سنون لالتياعي عديدة / وفي كل عام كنت أستبق العمرا
إلى أن أتى العام الذي ران نصره / ولكن حكم الموت قد صحب النصرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025