المجموع : 6
عدتنا عواد من تناء ومن هجر
عدتنا عواد من تناء ومن هجر / فمالي في صون الصبابة من عذر
تمادت عقابيل الغرام وأقصرت / على مضض الشكوى مساعدة الصبر
وبي من تباريح الجوى وعذابه / لهيب أتى من حيث أدري ولا أدري
إذا قلتُ إن الدمع يطفىء صوبه / ولوعي استمرّت عنده غلّة الصدر
وكيف التصابي بعد شيب إضاء لي / بفوديّ منه مطلع الأنجم الزهر
وفاء من الأيام أصبح غدرةً / ووصل من الأحباب آخر إلى هجر
عماء لنفس الدهر من بعد اما انتحت / نوائبهُ نفس المكارم بالغدر
رزينا فتى قد كان يخشى ويرتجى / إذا اشتدت اللاواء للخير والشر
غمام ندى ينشقّ عن مومض اللهى / ونور علا يفترّ عن روضه النضر
فتى كان يستحي من الجود أن يُرى / له فضل وفر لم يذل بالندى الوفر
ثوى إذ ثوى في لحده الباس والندى / فلم يبقى من يحمي ذمارا ولا يقري
لئن وترته الحادثات فلم تزل / تبيت الليالي للكرام على وتر
وإن أسلمته للمنون فطالما / غدا جاره الأقصى يجير على الدهر
وإن اقفرت منه المغاني فذكره / تغنى به الركبان في المهمة القفر
طوت شخصه كفّ المنايا فنشّرت / أحاديث من ذكراه طيبة النشر
تمثلهُ الأحزان عندي فأنثني / أناجيه من فرط الصبابة بالفكر
وما أحد حال التباعد دونهُ / يأبعد ممن قد تغيّب في القبر
مضى الملك نور الدين فانثلّ مجدنا / وولى فولّت بهجة الزمن النضر
مضى من به كان المغور في الضحى / يقضي كراه والمقرس في الفجر
الان استراح الركب من دأب السرى / إليه وأسماع المطيّ من الزجر
وقرّت بمثواها الصوارم والقنا / وعطّلت الجرد المذاكي من الضجر
ونكّر وجه العرف في الناس وانطوت / على الرغم منهم ألسن النظم والنثر
وقد أصبح الفادي ينادي أخا السرى / أيسنا فلا أغدو لبر ولا تسري
سقاني الردى خمرا وهذا خماره / وأيّ خمار لا يكون مع الخمر
تقطّمت الآمال لما تواصلت / بمصرعة في الشامتين قوى البشر
وأسى ممرّ المجد منفصم العُرى / وعاد التئام الدين منثغرا الثغر
مصاب تروّى الجوّ منه حدادهُ / فلم يبد منه ضوء شمس ولا بدر
فويل لم الدافتيه عشيّة / لقد غيبوا تحت الثرى سنة الفجر
ولو انصفوه لم بوسّد سوى العلا / ضريحا ولا هالوا عليه سوى الأجر
سقته على طول التباعد بيننا / سحائب عز من مدامعيَ الغزر
وقد كان يسقى جودهُ مسبل الحبا / فها أنا استسقى له مسبل القطر
وما كنت أرجو أن تكون مشيدةً / مراثيه بين الورى ألسن الشعر
يُبكيّه مرتاع الصباح وطارق ال / ظلام ومنجور يرصيه للنصر
ومغترب شطت به غربةُ النوى / ومختبط أودت به صفقة العسر
فأيّ ضريح قد حواه لقد حوى / على الضنك منه مجمع البر والبحر
وكان زماني قد علا بي وصانني / فكنتُ أصونُ النفس عن عمل الشعرِ
ولكن أتانا فادح جلّ رزؤهُ / فاورث أهل الألاض قاصمة الظهر
فأيّ لسان لا يقول ومدمعٍ / على مثلها ما عاش بعدك لا يجري
فلو أن حيا يدفع الموق دونه / بهنديّة بيض وخطيّة سمر
لذاد المنايا عنه كل سميدعٍ / يعُدّ العلا في الكرّ والعار في الغرّ
ابيّون لا يستخذؤون لحادثٍ / ملمّ ولا يستنزلون على القسر
ولو أنّه يفدى لفدّته أنفس / مكرّمة والنفس من أعظم الذخر
ولكنّه الموت الذي لسهامهِ / نوافذُ تصمي ذا الثراء وذا الفقر
لقالكم من عاثرين ولا لما / لغيركم من عاثر بظبا الدهر
أمسعود لا زالت سعودك تعتلي / مؤبّدةً مرّ الليالي على الدهر
مليك الورى والصبر منكبك الذي / تلوز به في موطن النفع والضر
تعز فإن السيف يمضي وإن نبا / به مضرب ما دام يؤثر بالأمر
فقد حقّقت فيك الظنون فاصبحت / من الخبر المأثور عنك على خبر
ولا غرو أن تقفوا أباك متابعا / لتلك الأيادي البيض والشيم الغر
فذو المجد من تسمو نوازع همّه / على هامة العيوق أو قمة النسر
تهنّابك الدنيا جميعا وأهلُها / فيا مورد الضاوي ويا قمر السفر
لك الدولة الغراء والملك بعدما / خصصت من الرحمانِ بالجدّ والنصر
وركناك بدر الدين من سيف عزمه / يفلّ شبا الأيام إن خيف من ضرّ
ونصر نفيس الدين موفيك ودّه / وموليك محض النصح في السر والجهر
فذا كعلي للنبي وصيّهُ / وهذا له في الرأي مثل أبي بكر
وها ابن دنيجير يفضّل مدحكم / وينظمهُ بين البريّة كالدر
ولي لكم في كل شرف ومغربٍ / وراجيكم في القلّ منه وفي الكثر
فلا انفك جيد المجد منكم مطوقاً / بجدّ مخوف البائس متّبَعِ الأمر
بقاء الندى في أن يدوم لك المدى / وعُمر المعالي أن تمتّع بالعمر
ترُى زائري طيف الخيال الذي سرى
ترُى زائري طيف الخيال الذي سرى / وكيف يزور الطيف من منع الكرى
وهل يكتمن سر الهوى ذو صبابةٍ / غدا دمعه عما يجنّ مخبّرا
متى زام كتمان الهوى ثم جفنهُ / عليه بدمع كلما كفّه جرى
ومن عجب ماء الجفون يريقه / من القلب فأرجمرها قد تسعّرا
وأعجب منه من ألين وكلّما / أرفّ له ذلّا سطا وتجبّرا
تجملني ما لا أطيق من الأسى / ويوهمني أني اجترمت ليهجرا
سقى الله عهدا كان لي بوصاله / ولم يبق منه غير أن أتذكّرا
وروّى ديارا لحي من أبرق الحمى / غمام غراليه محلّلةُ العُرى
لياليّ لا ودّ مشوب ولا جوىً / مذيب ولا عرف الوصال تنكّرا
ولم ترتقب فيه رقيبا وعيشُنا / غدا عوده غضّ النضارة وأخضرا
وقد كنت ألقى منه ظبيا مهلّلا / فقد صرت ألقى كالح الوجه قسورا
فيا ممرضي كن لي طبيبا من الجوى / فقلبتي من آلام حبّك ما برى
حرمت جفوني لذّة الغمض بالجفا / ونمت أحق أن تنام وأسهرا
فديتك في خبّيك قلّ تصبّري / وليس معين لي عليك فأنصرا
أظنّك مالأت الزراق فإن سطا / سطوت وإما جرت عاند وافترى
ولست بمن يخشى الزمان وفعلهُ / إذا أنا لاقيتُ النقيبَ المعمّرا
فتى مالهُ وقف على الجود إذ غدا / تهلّله والبشر منه مبشّرا
فرد منهلا من جود كفّيه ترمو / بمالٍ وعلمٍ أغنيا معدم الورى
إذا قستمُ بالغيب صوب يمنه / كذبتم ولكن جوده راح أكثرا
وهذا بمالٍ كفّه ظلّ ماطراً / وذاك بماء صوبهُ راح ممطرا
قد اشتركا في جود كفّيه ذو الفنى / وذو الفقر لم يخصص بجدواه معسرا
كذاك شعاع الشمس ماضّ موضعاً / من الأرض لكن نورها عمّم الثرى
غذي بلبان الجود كهلا ويافعا / فلا غرو أن أولى العطايا وكثّرا
حليم إذا طاشت حلوم كثيرة / عظيم إذا راح العظيم مصغّرا
وقور إذا ما الدهر أخنت صروفهُ / رزين إذا ما طاش في أسّه حرى
يجيع كريمات النضار ويشتري / عقائل تتلى الدهر يا نعم ما اشترى
أبا طالبٍ لو كل منت شعرة / تبثّ مديحاً فيك كنت به حرى
ولو شئت أن أحصي أياديك بالني / بعثت بها نحوي لرحت مقصّرا
ولكن بذلت الجهد فيك عساك أن / ترى العذر في التقصير حقّا فتعذرا
وماذا عسى ربّ المديح بقوله / وقد أنزل الله الكتاب المسوّرا
وما قد طوي عن كلّ صاحب مدحة / أتاكم به نصّ الكتاب فنثّرا
أيا جائداً في دسّته البحر مفعم / ويا ماجداً تلقاه في السرج قسورا
إذا ما رأى القصاد يومك أبيضاً / رأى يومك الأعداء في الحرب أحمرا
ولو لم يكن للّه فيك سريرة / لما كان وجه الملك نحوك أسفرا
ومن ذا يروم الفخر غيرك إن دعا / دعوت الرسول المصطفى ثمّ حيدرا
فهذا هدى للخلق بعد ضلالةٍ / وذاك من الإشراك والكفر أنذرا
بخوت بكم يا آل طه وفي الدنا / أرى كل معسور بكم قد تحسرا
فمنك جمال الدين لم أرج مطلبا / من الجود إلا عدت حقّا مظفّرا
ولولاك لم أظهر بلادي ولم يكن / بها مسكني فافعل برأيك ما ترى
بقيت لإبقاء المكارم كائناً / لك اللّه عونا في الإقامة والسُرى
صدرت ولم أنقع بكم غلّة الصدر
صدرت ولم أنقع بكم غلّة الصدر / وهجّر في قلبي لهيب من الهجر
وبنتم وصبري فاغتديت من الأسى / يجرّعني التذكار كأسا من الصبر
أسرتم وقد سرتم فؤادا لبعدكم / يقلّبهُ فرط الغرامِ على الجمر
وغادرتموني يوم منعرج اللوى / كئيبا وجزتم بالوفاء إلى العذر
عزيري من اللاحي يلوم وما درى / بعذري وقد أميت حلف الهوى الفدري
إذا ما أدار الكاس للّوم عربدَت / صبابة اشواقي إليكم من السكر
ولم يستلب لبّي سوى صرف حبّكم / وما خامرت عقلي سلاف من الخمر
ومما شجاني خاطر الريح إذا سرى / ينشرّ من مغناكم طبّب النشر
فأعملت عزمي وارتحلت أريدكم / ومن عجب أن رحت أسري إلى أسري
فلا درّ درّ البين قد ظلت بعده / تقيّض لي الأحزان من حيث لا أدري
فواللّه ثم الله حلفة صادق / بريرٍ وزور القول يدعى من الكفر
لما راق لي من بعد مغترب النوى / بكم نظرة في منظر بهج نضر
أبحتم حمى قلبي فاصبح بعدكم / يشُكّ باطراف المثقّفة السمر
وألزمتموني الصوم عن طيب وصلكم / أيتبع ذاك الصوم في الحبّ بالفطر
وإني أصلّي كلّ وقتٍ بذكركم / وأتبع شفعي في صلاتي بالوتر
وليس يصحّ الصوم إلّا بنيّةٍ / ولا يقبل الله الصلاة بلا طهر
سلو البان عمن بان من بعد بعدكم / تجلّده فاعتاض عن ذاك بالفكر
ففي الحي صب كلما عن ذكركم / بكاه فأغنى الأرض عن وابل القطر
له كبد حرّى تجنّ صبابة / تحنّ لعلويّ البروق التي تسري
أسكان سلع إن خلا منكم اللوى / فلم يخل قلبي من هواكم ولا سرّي
لكم من ودادي مثل مالي من الندى / بكفّ بهاء الدين والنائل الغمر
فتى إن دجت عندي الخطوب تكشّفت / بمعروفه عن كلّ واضحة الثغر
إذا جئتهُ تلقى سرّة وجهه / مهلّلةً أبهى من الشمس والبدرِ
يكادُ محيّاه حياء وسؤدداً / يصوب الحيا منه بمثعنجر البشر
أحاديثُ جود عنه تروى وإنما / مواهبهُ تروي بها غلّة الصدر
إذا سمعت أخباره في مكارم / أبرّ على تعدادها طيّب الخبر
فقد كفّ كفّ الخطب إذ فكّ بالندى / ذوي العسر لمّا اوثقتهم يد الأسر
بنور الهدى من صفحه وصفيحه / غدا جاره القاصي يجير على الدهر
وعلمي يظنّ كاذب خال أنه / تبالغ في أوصافه السن الشعر
ولم يدر أن الله أودع مدهم / بسؤددهم والمجد في محكم الذكر
أليس رسول الله باذخ مجدهم / وفخرهم بين الورى منتهى الفخر
ومن يك نجلا للنبي وصنوه / وبضعته الزهراء والأنجم الزهر
فلا يستطيع ذو فخار فخارهُ / ولو أنّه يرقى على قمّة النسر
ايا ابنَ الأعالي من أباطح مكةٍ / ويا ابن الصفا والبيت والركن والحجز
بأيّ مديح أرقضي لك بعدما / ملكت زمام القول في النظم والنثر
إليك مقاليدُ العلوم فكلّما / حصرت فإنّي طالب الوصف بالحصر
وماذا عسى شكري يحيط بكنهه / وسؤددكَ العالي يجلّ عن الشكرِ
ولكن قبيحُ أن أضنّ بمدحة / وقد غمرت كفاك بالجود والبر
وإني إذا ناديت مدحا أجابني / بديع القوافي منه ممتثلا أمري
فأنظم منه كلما جل قدرهُ / فتحدي به الركبان في المهمة القفر
وقد خطبت منك المعالي مدائحاً / مهرن فجلّت عن قليل من المهر
فخذها دنينيرية إنّ ربّها / يؤمّلمك قبل المات وفي الحشر
وعش يستفيد الناس علمك والندى / فما الرزق إلا في أناملك العشر
أجل قد تمادى الأمر وانصرم العمر
أجل قد تمادى الأمر وانصرم العمر / ولم يأتني من نحوكم أبدع بر
أأحبابنا شطت بكم غربة النوى / وما لفؤادي عن لقائكم صبر
هبوا لجفوني الغمض عليّ أرى لكم / خيالا فقد أودى بيَ البين والهجر
وقلبي غدا من لوعة البين والأسى / كئيبا وحلوا العيش من بعدكم مرّ
فيا حبّذا وفد من الريح إن سرت / ركائب في أرجائها منكم نشر
ويا حبّذا دار بمنعجر اللوى / لكم قد محا آياتها المور والقطر
إذا ما ذكرت العيش فيها فلن يرى / لماء جفون لا يفض بها عذر
وإنّي لتحدوني إليكم صبابة / إذا لاح برق أو بدا طلل قفر
فإن بعدّت بيني وبين مراركم / يد الدهر إن الدهر ثميته الغدر
وإن غبتم عن ناظريّ فإنما / تمثلكم عندي المودة والذكر
سقى داركم سح السحاب فطالما / سقتها وقد ضنّ الحيا أدمع غزر
فما الوجد إلا ما أعانيه فيكم / فتلزمني منه الصبابة والفكر
ويا العيش إلا قينة ومدامة / معتّقة من قبل أن يخلق الدهر
مشعشعة تبدي لنا ما نسرّهُ / ونخفي الذي تبدى فينتهك الستر
فقم واغتنم كاساتها في دجنّة / من الليل لم يقطن لظلمائها الفجر
تخال بها الجوزاء طالب حاجة / يمدّ ذراعا ما له أنمل عشر
كأن الثريا فيه قوم تجمعوا / لرأي فلا خلف لديهم ولا نكر
وذو الرمح في جو السماء كأنّه / مغامس حرب لا يزايلهُ الكرّ
تظنّ بها لعبوق مقلة حاسد / وعين رقيب ليس يشغله أمر
وفي الأفق الشرقي زهر كأنها / وجوه ندامى جمّعت شملهم خمر
كأن بها المريخ في الغرب جذوة / من النار لم تسعر لأنوار هاجمر
وتحسب أن النسر ينقضّ طالبا / لصيد كأنّ النسر في حاله النسر
وكيوان في أعلى المطالع خاطبا / على مشهد من شانه الحمد والشكر
يقول لهم بدر السماء تعذّرت / مطالعه من قبل أن تضف الشهر
فقالوا له قولا يصيخ ذوو الحجا / إليه ولا ما قال زيد ولا عمرو
إذا ما ابن عبد الله أحمد أشرقت / اسرته لم تطلع الشمس والبدر
فتى جاد حتى أخجل المزن كفّه / وأولى ندىً في لقد عجز البحر
يرى في فناء المال تعمير مجده / فيرغب حقا أن يدوم له العمر
فلا فخر إلا لآمرني شاد مجده / ولا مجد إلا ما يسيره الشعر
حمى العرض في دنياه بالعرض الذي / يجود به حتى انتهى عنده الفخر
لقد كتبت أفعالك الفرا سطرا / بطرس العلى قد صغر الخبر الخبر
طريقتك المثلى ورأيك والهدى / وصدرك لا الدنيا وجودك لا القطر
لك الفتكات البيض إذ شهدت بها / مهنّدة بيض وخطيّة سمرُ
لدى موقف لو أن قلبا كجلمد / من الصخر يوم الروع لم يحوه ضدر
أزلت به هام الكماة عن الطلى / بسيقك طورا أو يزيلها الذعر
عجبت لو قد الصارم العضب في الوغى / بكفلك مشبوبا وفي كفك البحر
يد جمعت بين الردى والندى فقد / تقسم منها اللوى النفع والضر
أنالتك أبكا المناقب عزمة / سمت للعلى والمجد أو همة بكر
لسان المعالي بامتداحك ناطق / ويعجز عن أوصافك النظم والنثر
تشرّفت الكاسات حين لمستها / بكفّك لما أن تشرّفت الخمر
ولو لا خلاف الله قلت معظما / لكم حلّت الصهباء بل وجب السكر
أيا أسد الدين اسمع لي قصيدة / هي الدر حقا خاض في بحره الفكر
وقابل سؤالي بالجواب فإنني / غدوت بقلب في جوانحهِ جمر
نوالك قد عم الورى غير إنّني / غدوت وكفّي من عطاياكم صفر
نوالك بحر للورى منك مدّه / ومالي به إلا الملوحة والجزر
إلام أرى عرضي لديك ممزّقاً / بكل جهول ماله في الورى قدر
وإني لأستحيي المروءة أن أرى / حقيرا وأرضى عن صغير به كبر
لكم من ثنائي كل يوم وظيفة / وورد مديحي كل وقت لكم بثر
ومالي من ذنب سوى أن حبكم / توطد في قلبي فقابله الهجر
ذا نعمة منكم أتتني فإنّني / حقيق بها أهل وعادتك البر
وإن أنا لم اشكر صنيعك مادحا / ظلام وماوا في على أفق فجر
فما ولدتني يوم ذلك حرّة / ولا قام عني من بني آدم حر
وما يذكر الإنسان إلا بجوده / ومن لم يجد لا ينثني وله ذكر
وقد آن ترحالي إلى من بما لهم / لنا أسهم شتّى وأوطانهم وكر
فإن كنت عوني في المسير فسامع / مدائح قلّت في جوائزها مصر
أودع إذ روحي أودع بعدكم / وأرحل لا ذهره لديّ ولا فكر
سرور الموالي في بقائك سرئد / وعمر المعالي أن يطول لك العمر
إذا شكرت زهر الرياض يد الحيا
إذا شكرت زهر الرياض يد الحيا / فشكري لما أولتني راح أزيرا
وأيّ امرئٍ أثنى عليه وإنني / إذ أعدّ لي فخرا عددت محمدا
ويكفيك شكري إن شكرتك في الورى / فمجد الفتى بالشكر راح مخلدا
ففخرك يا رب المفاخر شائع / بأنك قد قلّدتني منعما يدا
وعندك من غزر المروة شيمة / شريت بها من سائر الناس اعبدا
فقد صرت من حسن الضيقة منكمُ / أحبّك حتى كدت أن
إذا اهتزّ للجدوى اهتزاز مهنّد
إذا اهتزّ للجدوى اهتزاز مهنّد / فأيّة وفرٍ لم يذل بالندى الوفر
صفوح عن الجاني وأكرم شيمة / له حين يلقى بالتهلّل والبشر
محبته فرض على كل مسلم / وبغضته في الخلق ضرب من الكفر
وأقسم أن الله يقبل في الورى / شفاعتهُ يوم القيامة في الحشر
ألم تر أن الله أوجب أمرهُ / وأوحى إلينا أن أطيعوا أولي الأمر
فتى ملكه عدل وصحبته هدىً / ورؤيتهُ ريّ ومسعاه في برّ
فمن أنقذ الإسلام بن بعد ما وهى / بهنديّة بيض وخطيّةٍ سمرِ
وىساد غيل في ظهور صلادمٍ / تعدّ العلى في الكر والعار في الفر
وآمن سرب المسلمين وغيرهُ / تقاعس عن ذبء وأعجز عن نصر
ومن جرّ جيش المشرقين بعزمة / أضاءت فكانت للورى سنّة الفجر
وأنقذ دمياطا ومصرا وأهلها / وقد كان أشفى المشركين على مصر
وتعقب عقبان الفلا إثر جيشه / دراكاً على عقبان راياته الصفر
قراهنّ أشلاء الأعادي تؤومها / إذا وضعَ الهنديّ يوما على نحر
وكم وقفة للّه ينجاب ليلها / وقد اسلم الكفار للقتل والأسر
وكم يوم حرب فلّ بالسيف غربهُ / يبِرّ على بدر وناهيك من بدر
وأيّة علم لم يقم حججا على / مسائله مستئجات من الفكر
إذا صرفت للمشكلات وحلّها / قوى نفسه جلّى العظيم من الأمر
تصانيفه في الدين تُعجزُ مالكا / وفي النحو والآداب فاقت أبا عمرو
هناوً بنى بالملك الذي / كسبتم به في الناس فخرا على فخر
وإن كنتم للناس شهر صيامهم / ولكن فيكم ليلة القدر
اليك مليك المسلمين توجّهت / بخائب عزم نهو انعمكم تسري
أبعد انقطاعي تسع عشرة حجّة / إلى بابكم أهدي الثمين من الشكر
أؤمّل ملكا غيركم بمدائح / مهرن فجلّت عن قليل من المهر
نهاني الحجار الشيب عن كلّ فعلةٍ / يهون بها فصلي وينخطّ من قدري
أسيّركم في الأرض شرقا ومغرباً / بمدح ونت عن مثله غاية السعر
يسيربكم إ أنتم آمنو السرى / وتيك مدى الأيام في البدو والحضر
فصن ماء وجهي أن يراق إلى فتى / سواك وبدّل عسر حالي باليسر
فلا انفك هذا الدهر منك متوجاً / بملك مخوف البأس مستنزل البر
بقيت لإبقاء المكارم والندى / وعشت لتعمير السيادة والفخر