القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ هانِئ الأَندَلُسِي الكل
المجموع : 5
تقول بنو العبّاس هل فُتحتْ مِصرُ
تقول بنو العبّاس هل فُتحتْ مِصرُ / فقُل لبَني العباسِ قد قُضيَ الأمْرُ
وقد جاوزَ الاسكندريّةَ جوهَرٌ / تُطالعُه البُشرَى ويقْدُمُه النَّصْر
وقد أوفَدَتْ مصْرٌ إليه وفُودَهَا / وزِيدَ إلى المعقود من جِسرِها جسر
فما جاء هذا اليومُ إلاّ وقد غدَتْ / وأيديكُمُ منها ومِنْ غَيرِها صفْر
فلا تُكثِروا ذكرَ الزمان الذي خلا / فذلك عصْرٌ قدْ تَقَضّى وذا عَصْر
أفي الجيش كنتمْ تمْترونَ رُويدكمْ / فهذا القنا العرّاصُ والجحفلُ المَجْر
وقد أشرَفَتْ خيلُ الإله طوالِعاً / على الدين والدنيا كما طَلَعَ الفجر
وذا ابنُ نبيِّ اللّه يطلُبُ وِتْرَهُ / وكانَ حَرٍ أن لا يضيعَ له وِتر
ذَرُوا الوِرْدَ في ماء الفُراتِ لخيلِهِ / فلا الضَّحلُ منه تمنعون ولا الغَمر
أفي الشمس شكٌّ أنها الشمسُ بعدما / تجلَّتْ عِياناً ليس من دونها سِتر
وما هي إلاّ آيةٌ بعْد آيةٍ / ونُذْرٌ لكم إن كان يغنيكم النُّذر
فكونوا حصيداً خامدينَ أوِ ارعَوُوا / إلى مَلِكٍ في كفِّه الموتُ والنشر
أطِيعوا إماماً للأئمّةِ فاضِلاً / كما كانتِ الأعمالُ يَفضُلُها البِرُّ
رِدُوا ساقياً لا تَنزِفونَ حِياضَهُ / جَموماً كما لا تَنزِفُ الأبحُرَ الذَّرُّ
فإن تتبعوه فهو مولاكمُ الّذي / له برسولِ اللّه دونكمُ الفخر
وإلاّ فبعُداً للْبَعِيدِ فبينَهُ / وبينكُمُ ما لا يُقرِّبُهُ الدّهر
أفي ابنِ أبي السِّبْطَينِ أم في طليقكم / تنَزَّلَتِ الآياتُ والسُّوَرُ الغُرُّ
بَني نَتْلَةٍ ما أورَثَ اللّهُ نَتْلَةً / وما نسَلَتْ هل يستوي العبدُ والحُرُّ
وأنّى بهذا وهي أعْدَتْ برِقِّهَا / أباكم فإياكم ودعوىً هي الكُفر
ذرُوا الناسَ رُدُّوهم إلى من يَسوسهم / فما لكمُ في الأمرِ عُرْفٌ ولا نُكْرُ
أسَرْتُمْ قُروماً بالعراق أعِزَّةً / فقد فُكَّ من أعناقهم ذلك الأسر
وقد بزَّكم أيامَكُم عُصَبُ الهُدى / وأنصارُ دينِ اللّهِ والبِيضُ والسُّمر
ومُقْتَبَلٌ أيامُه متهلِّلٌ / إليه الشبابُ الغَضُّ والزَّمنُ النَّضر
أدارَ كما شاءَ الوَرَى وتحيَّزَتْ / على السّبعةِ الأفلاكِ أنمُلُه العَشر
أتدرونَ مَن أزكى البريّةِ منَصِباً / وأفضلُها إنْ عُدِّدَ البدْوُ والحضْر
تَعالَوا إلى حُكّام كلِّ قَبيلةٍ / ففي الأرض أقيالٌ وأنْديةٌ زُهْر
ولا تَعْدِلوا بالصِيدِ من آلِ هاشمٍ / ولا تتْرُكوا فِهرْاً وما جمعَتْ فِهْر
فجيئوا بمن ضَمَّتْ لُؤيُّ بن غالبٍ / وجيئوا بمن أدتْ كِنانَةُ والنَّضْر
ولا تَذَرُوا عليا مَعَدٍّ وغيرِهَا / لِيُعْرَفَ منكم مَن له الحقُّ والأمر
ومن عجَبٍ أنَّ اللسانَ جرَى لهمْ / بذكرٍ على حين انقضَوا وانقضى الذكر
فبادُوا وعفّى اللّهُ آثارَ مُلكِهِمْ / فلا خَبَرٌ يلقاكَ عنهمْ ولا خُبْر
ألا تِلكمُ الأرضُ العريضةُ أصحبتْ / وما لبني العبّاس في عرضِها فِتر
فقد دالتِ الدنيا لآل محمّدٍ / وقد جرَّرت أذيالَها الدولةُ البِكر
ورَدَّ حقوقَ الطالبيّينَ مَن زكَتْ / صنائعُه في آلهِ وزكا الذُّخر
مُعِزُّ الهُدَى والدين والرَحِمِ التي / به اتَّصَلتْ أسبابُها ولهُ الشُّكْر
مَنِ انتاشَهُم في كلِّ شرقٍ ومَغربٍ / فبُدّلَ أمْناً ذلك الخوْفُ والذُّعْرُ
فكُلُّ إمَامِيٍّ يجيءُ كأنّمَا / على يدِهِ الشِّعْرَى وفي وجهه البدر
ولمّا تولّتْ دولةُ النُّصْبِ عنهمُ / تولّى العمى والجهلُ واللؤمُ والغدرُ
حقوقٌ أتَتْ من دوِنها أعصُرٌ خلتْ / فما ردَّهَا دَهْرٌ عليهم ولا عصر
فجرَّدَ ذو التّاج المقاديرَ دونها / كما جُرِّدتْ بِيضٌ مضاربُها حُمرُ
فأنْقَذَهَا من بُرْثُنِ الدّهرِ بعدما / تَواكَلَها القِرْسُ المُنَيَّب والهصرُ
فأجرْى على ما أنْزَلَ اللهُ قَسْمَها / فلم يُتَخَرَّمْ منهُ قُلٌّ ولا كُثْر
فدونكموها أهلَ بيتِ محمدٍ / صَفَتْ بمُعِزّ الدين جمّاتُها الكُدر
فقد صارتِ الدنيا إليكم مصيرَها / وصار له الحمدُ المضاعَفُ والشكر
إمامٌ رأيْتُ الدِّينَ مُرْتَبِطاً بِهِ / فطاعتُهُ فوزٌ وعِصْيانُهُ خُسْر
أرى مدحَهُ كالمدح للهِ إنّهُ / قُنوتٌ وتسبيحٌ يُحَطُّ به الوِزر
هو الوارثُ الدُّنيا ومن خُلقتْ لهُ / من الناس حتى يلتقي القُطرُ والقُطر
وما جهِلَ المنصورُ في المهدِ فضلَهُ / وقد لاحتِ الأعلامُ والسِّمَةُ البَهر
رأى أن سيُسْمَى مالكَ الأرض كلها / فلمّا رآهُ قال ذا الصَّمَدُ الوَتْر
وما ذاكَ أخذاً بالفِراسة وَحدَها / ولا أنّه فيها إلى الظنِّ مضطَرُّ
ولكنًّ موجوداً من الأثَر الذي / تَلقَّاهُ من حِبرٍ ضَنينٍ به حِبْر
وكنزاً من العِلم الرُّبوبيِّ إنّهُ / هو العلمُ حقّاً لا القِيافةُ والزَّجْر
فبشر به البيتَ المحرَّمَ عاجِلاً / إذا أوجفَ التطوافُ بالناس والنَّفر
وها فكأنْ قد زارَهُ وتَجانَفَتْ / به عن قصور المُلك طَيْبةُ والسُّرُّ
هل البيتُ بيتُ اللهِ إلاّ حريمُهُ / وهل لغريبِ الدار عن دارِه صَبر
منازلُهُ الأولى اللَّواتي يشُقْنَهُ / فليس له عنهُنَّ معْدىً ولا قصْر
وحيثُ تلَقّى جدُّهُ القدسَ وانتحَتْ / له كلماتُ اللهِ والسرُّ والجَهرُ
فإن يَتَمَنَّ البيتُ تلك فقد دَنَتْ / مواقيتُها والعُسرُ من بعدهِ اليُسر
وإن حَنَّ من شوْقٍ إليكَ فإنّهُ / لَيوجَدُ من رَيّاكَ في جوِّه نَشْر
ألستَ ابنَ بانيهِ فلو جئتَهُ انجَلَتْ / غواشيه وابيضَّتْ مناسكهُ الغُبْر
حبيبٌ إلى بطحاءِ مكّةَ موسِمٌ / تُحيّي مَعَدّاً فيه مكّةُ والحِجْر
هناك تُضيءُ الأرضُ نوراً وتلتقي / دُنُوّاً فلا يَستبعِدِ السَّفَرَ السَّفْر
وتدري فُروضَ الحجِّ من نافِلاتِهِ / ويمتازُ عندَ الأمَّةِ الخَيرُ والشرُّ
شهِدتُ لقد أعززتَ ذا الدينَ عزَّةً / خَشِيتُ لها أن يَستبِدَّ به الكِبْر
فأمضَيتَ عَزماً ليس يَعصيك بعدَه / من الناس إلاّ جاهلٌ بك مغترُّ
أُهنّيكَ بالفتْحِ الذي أنا ناظِرٌ / إليه بعَينٍ ليسَ يُغمِضُها الكفْر
فلم يَبقَ إلا البُردُ تَتْرَى وما نأى / عليكَ مدىً أقصى مواعيده شَهر
وما ضَرَّ مصراً حينَ ألقَتْ قِيادَهَا / إليكَ أمَدَّ النّيلُ أم غالَهُ جَزْر
وقد حُبِّرَتْ فيها لك الخُطَبُ التي / بدائعُها نَظْمٌ وألفاظُها نَشْر
فلم يُهَرَقْ فيها لذي ذمَّةٍ دمٌ / حرامٌ ولم يُحمَلْ على مسلِمٍ إصْر
غدا جوهرٌ فيها غمامةَ رحمَةٍ / يَقي جانبَيها كلَّ حادثةٍ تَعْرُو
كأنّي به قد سارَ في الناس سيرةً / تَوَدُّ لها بغْدادُ لو أنّها مِصْر
وتحسُدُهَا فيه المشارقُ أنّهُ / سواءٌ إذا ما حلَّ في الأرض والقَطر
ومن أين تَعْدوهُ سياسةُ مثلِها / وقد قُلِّصَتْ في الحربِ عن ساقِه الإزر
وثُقِّفَ ثَثْقيفَ الرُّدَيْنيِّ قبلَهَا / وما الطِّرْفُ إلاّ أن يُهذِّبَهُ الضُّمر
وليسَ الذي يأتي بأوَّل ما كفى / فشُدَّ به مُلْكٌ وسُدَّ به ثَغر
فما بمداه دون مَجدٍ تَخَلُّفٌ / ولا بخُطاهُ دونَ صالحةٍ بُهْر
سننْتَ له فيهم من العدلِ سُنَّةً / هي الآيةُ المُجْلى ببُرْهَانِها السّحر
على ما خلا من سنَّةِ الوحي إذْ خلا / فأذيالُها تضفو عليهم وتنجّرُّ
وأوصيتَهُ فيهم برِفقكَ مُرْدَفاً / بجودكَ معقوداً به عهدُك البَرُّ
وصاةً كما أوصى بها اللهُ رُسْلَهُ / وليس بأُذنٍ أنت مُسْمِعُها وَقْر
وثنَّيْتَها بالكُتْبِ من كلِّ مُدْرَجٍ / كأنَّ جميعَ الخيرِ في طَيّهِ سَطْر
يقولُ رجالٌ شاهَدوا يوم حكمِهِ / بِذا تُعْمَرُ الدُّنيا ولو أنّها قَفْر
بِذا لا ضِياعٌ حَلَّلوا حُرُماتِهَا / وأقطاعَها فاستُصفيَ السَّهْلُ والوعْر
فحسبُكمُ يا أهلَ مِصرٍ بعَدْلِهِ / دليلاً على العدل الذي عنه يَفترُّ
فذاك بيانٌ واضحٌ عن خليفةٍ / كثيرُ سواهُ عند معروفه نَزْر
رضينا لكُمْ يا أهلَ مِصرٍ بدولَةٍ / أطاعَ لنا في ظلِّها الأمْنُ والوَفْر
لكُمْ أُسْوةٌ فينا قديماً فلم يكنْ / بأحوالنا عنكم خَفاءٌ ولا سَتر
وهل نحنُ إلاّ مَعشَرٌ من عُفاتِهِ / لنا الصافناتُ الجُردُ والعَكَرُ الدَّثْر
فكيْفَ مَوالِيهِ الّذينَ كأنّهُمْ / سَماءٌ على العافينَ أمطارُهَا التِّبْر
لَبِسْنا به أيّامَ دهرٍ كأنّمَا / بها وَسَنٌ أو مالَ مَيلاً بها السُّكْر
فيا مالِكاً هَديُ الملائكِ هَديُهُ / ولكنّ نَجْرَ الأنْبياء له نَجر
ويا رازقاً من كفِّهِ نَشَأ الحَيَا / وإلاّ فمِنْ أسرارِها نَبَعَ البحر
ألا إنّما الأيامُ أيامُكَ الّتي / لك الشَّطرُ من نعمائها ولنا الشَّطر
لك المجد منها يا لك الخيرُ والعُلى / وتَبقى لنا منها الحَلوبةُ والدَّرُّ
لقد جُدْتَ حتى ليس للمالِ طالِبٌ / وأنفقْتَ حتى ما لمُنْفِسَةٍ قَدْر
فليسَ لمن لا يرتقي النجمَ هِمَّةٌ / وليس لمن لا يستفيدُ الغِنى عُذر
وَدِدتُ لجِيلٍ قد تقَدَّمَ عصرُهم / لوِ استأخروا في حَلبة العُمرِ أو كروا
ولو شَهِدوا الأيامَ والعيشُ بعدهم / حدائقُ والآمالُ مونِقَةٌ خُضْر
فلو سَمِعَ التثويبَ مَن كان رِمَّةً / رُفاتاً ولبّى الصوتَ مَن ضَمَّه قَبر
لناديتُ من قد ماتَ حيَّ بدولةٍ / تُقامُ لها الموتى ويُرتَجَعُ العمر
ألا هكذا فَلْيُهْدِ مَن قاد عسكرا
ألا هكذا فَلْيُهْدِ مَن قاد عسكرا / وأوردَ عن رأي الإمام وأصدَرا
هديَّةُ مَن أعطى النَّصيحةَ حقّها / وكانَ بما لم يُبصِرِ الناسُ أبصَرا
ألا هكذا فلتُجْلَبِ العِيسُ بُدَّناً / ألا هكذا فلتُجنَبِ الخيلُ ضُمَّرا
مُرَفَّلَةً يسْحبنَ أذيالَ يُمنَةٍ / ويركُضْنَ ديباجاً وَوَشْياً مَحبَّرا
تَراهُنَّ أمثالَ الظباءِ عَواطِياً / لَبِسنَ بِيبَرينَ الربيعَ المُنَوَّرا
يُمَشِّينَ مشيَ الغانياتِ تهادياً / عليهنَّ زِيُّ الغانِياتِ مُشَهَّرا
وجَرَّرنَ أذيالَ الحِسان سوابغاً / فعلَّمْنَ فيهنَّ الحِسانَ تَبختُرا
فلا يَستُرَنَّ الوَشيُ حُسنَ شِياتِها / فيَسْتُرَ أحلى منه في العين منظَرا
تَرى كلَّ مكحول المدامعِ ناظِراً / بمقلةِ أحوى ينفُضُ الضَّأل أحورا
فكمْ قائِلٍ لمّا رآها شوافِناً / أمَا تركوا ظَبياً بتَيماءَ أعفرا
وما خِلتُ أنَّ الروْضَ يختالُ ماشِياً / ولا أن أرَى في أظهُرِ الخيل عَبقرا
غداةَ غدتْ من أبلقٍ ومُجَزَّعٍ / ووردٍ ويَحمومٍ وأصدى وأشقرا
ومن أدرَعٍ قد قُنِّعَ الليلَ حالكاً / على أنّه قد سُرْبلَ الصبحَ مُسفِرا
وأشعلَ ورديٍّ وأصفرَ مُذْهَبٍ / وأدهمَ وضّاحٍ وأشهبَ أقمرا
وذي كُمْتَةٍ قد نازَعَ الخمرَ لونَها / فما تدَّعيهِ الخمرُ إلاّ تنمَّرا
محجَّلَةً غُرّاً وزُهراً نواصعاً / كأنَّ قُباطِيّاً عليها مُنشَّرا
ودُهْماً إذا استقبلْنَ حُوّاً كأنّما / عُلِلنَ إلى الأرساغ مسكاً وعنبرا
يُقِرُّ بعيني أن أرى من صِفاتِها / ولا عجبٌ أن يُعجِبَ العينَ ما تَرى
أرى صُوَراً يستعبدُ النفسَ مثلُها / إذا وجدتْهُ أو رأتْهُ مُصَوَّرا
أُفَكِّهُ منها الطَّرْفَ في كلِّ شاهِدٍ / بأنَّ دليلَ اللّهِ في كلِّ ما برا
فأخلِسُ منها اللحظَ كلَّ مُطَهَّمٍ / ألَذَّ إلى عينِ المُسَهَّدِ مِن كرَى
وكلَّ صَيودِ الإنسِ والوحش ثم لا / يُسائلُ أيٌّ منهُمُ كان أحضَرا
تَوَدُّ البُزاةُ البِيضُ لوْ أنّ قوتَها / عليه ولم تُرْزَقْ جَناحاً ومِنْسَرا
وَوَدَّتْ مهاةُ الرَّمل لو تُركتْ لهُ / فأعطَتْ بأدنَى نظرةٍ منه جُؤذَرا
ألا إنّما تُهدَى إلى خير هاشمٍ / وأفضلِ مَن يَعلو جَواداً ومنبَرا
مَنِ استَنَّ تفضيلَ الجِياد لأهلِها / فأوطأهَا هامَ العِدى والسَّنوَّرا
وجَلَّلَها أسلابَ كلِّ مُنافِقٍ / وكلِّ عنيدٍ قد طغى وتجبَّرا
وقلَّدها الياقوتَ كالجمرِ أحمراً / يُضيءُ سَناهُ والزُّمرُّدَ أخضرا
وقَرَّطَها الدُّرَّ الذي خُلقَتْ لهُ / وِفاقاً وكانتْ منه أسْنى وأخْطرا
فكم نظمِ قُرطٍ كالثُّريّا مُعَلَّقٍ / يزيدُ بها حُسناً إذا ما تمَرمَر
وكم أُذُنٍ من سابحٍ قد غدتْ بهِ / يُناطُ عليها مُلْكُ كِسرى وقيصرا
تحلّى بما يستغرِقُ الدهرَ قيمةً / فتختالُ فيه نخوةً وتكبُّرا
وما ذاك إلاّ أن يُخاضَ بها الرَّدى / فتَنهَشَ تِنّيناً وتَضْغَمَ قَسْوَرا
فطَوراً تُسقّى صافيَ الماءِ أزرقاً / وطَوراً تُسقّى صائكَ الدمِ أحمرا
لذاك ترى هذا النُّضارَ مُرصَّعاً / عليها وذاكَ الأتْحميَّ مُسيَّرا
إذا ما نَسيجُ التِّبرِ أْضحى يُظلُّها / أفاءَ لها منْهُ غماماً كَنَهْوَرا
وأهْلٌ بأنْ تُهْدَى إليه فإنّهُ / كَناها وسمّاها وحَلّى وسَوَّرا
وأسكنَها أعْلى القِبابِ مَقاصِراً / وأحسنَها عاجاً وساجاً ومَرْمَرا
وبَوَّأها من أطَيبِ الأرضِ جَنّةً / وأجرى لها من أعذبِ الماءِ كوثرا
يُجِدُّ لها في كلِّ عامٍ سُرادقاً / ويَبني لها في كلِّ عَلياء مَظهرا
ألا إنّما كانت طلائعُ جوهَرٍ / ببعضِ الهدايا كالعُجالةِ للقِرى
ولو لم يُعجِّلْ بعضَها دون بعضِها / لضاقَ الثَّرى والماءُ طُرْقاً ومعبَرا
أقولُ لِصَحْبي إذ تلقَّيْتُ رُسْلَهُ / وقد غَصَّتِ البيَداءُ خُفّاً ومَنسِرا
وقد مارَت البُزلُ القناعيسُ أجبُلاً / وقد ماجَتِ الجُرْدُ العناجيجُ أبحُرا
فطابَتْ ليَ الأنْباءُ عنهُ كأنّهُ / لَطائمُ إبْلٍ تحملُ المِسكَ أذفَرا
لعَمري لئن زانَ الخلافةَ ناطِقاً / لقد زانَ أيّامَ الحروبِ مُدبِّرا
تَضِجُّ القَنَا منْهُ لمَا جَشَّمَ القَنَا / وتَضْرَعُ منه الخيلُ والليل والسُّرَى
هو الرمحُ فاطعنْ كيفَ شئتَ بصدره / فلن يَسأمَ الهيجا ولن يتكسَّرا
لقد أنجَبَتْ منه الكتائبُ مِدْرَهاً / سريعَ الخُطى للصّالحاتِ مُيسَّرا
وصَرَّفَ منه الملكُ ما شاء صارماً / وسهماً وخَطّيّاً ودِرعاً ومِغفرا
ولم أجدِ الإنسانَ إلاّ ابنَ سعيهِ / فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهِمَّةِ العَلياءِ يُرقى إلى العلى / فمن كان أرقى هِمّةً كان أظهرا
ولم يتَأخَّرْ مَن يريد تقدُّماً / ولم يتَقَدَّمْ من يريد تأخُّرا
وقد كانتِ القوّادُ من قبلِ جوهرٍ / لَتَصْلَحُ أن تسعَى لِتخدمَ جوهرا
على أنهم كانوا كواكبَ عصرهم / ولكن رأينا الشمسَ أبهى وأنوَرا
فلا يُعْدِمَنَّ اللّهُ عبدَكَ نَصْرَه / فما زالَ منصورَ اليدَين مُظفَّرا
إذا حاربتْ عنهُ الملائكةُ العِدى / ملأنَ سماءَ اللّه باسمكَ مُشعَرا
وما اخترْتَه حتى صفا ونفى القَذى / بلِ اللّهُ في أُمِّ الكتابِ تخيَّرا
ووكَّلْتَهُ بالجيشِ والأمْرِ كلِّهِ / فوكَّلت بالغِيلِ الهِزَبرَ الغضَنفرا
كأنّكَ شاهدْتَ الخفايا سوافراً / وأعجلتَ وجهَ الغيبِ أن يتَستَّرا
فعُرِّفْتَ في اليْوم البصيرَةَ في غدٍ / وشاركتَ في الرَّأي القضاءَ المقدَّرا
وما قِيسَ وَفُر المال في كلِّ حالةٍ / بجودك إلاّ كان جودُكَ أوفرا
فلا بُخُلٌ يا أكرمَ النّاس مَعشَراً / وأطيَبَ أبناءِ النبيِّينَ عُنصُرَا
فإنّك لم تترُكْ على الأرْض جاهِلاً / وإنّك لم تترُكْ على الأرْض مُعسِرا
ألا انظُرْ إلى الشمس المنيرةِ في الضحَى / وما قَبضَتْهُ أو تَمُدُّ على الثرى
فأثْقَبُ منها نارُ زَنْدِكَ للقِرى / وأشهرُ منها ذِكرُ جودك في الورى
بلغتُ بك العليا فلم أدنُ مادحاً / لأسألَ لكنّي دنوتُ لأشكُرا
وصدَّقَ فيكَ اللّهُ ما أنا قائِلٌ / فلستُ أُبالي مَن أقَلَّ وأكثرا
ما شِئتَ لا ما شاءَتِ الأقْدارُ / فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
وكأنّما أنْتَ النبيُّ مُحمّدٌ / وكأنّما أنصارُكَ الأنصارُ
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرُنَا بهِ / في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ
هذا إمامُ المتَّقينَ ومَنْ بهِ / قد دُوِّخَ الطُّغيانُ والكُفّار
هذا الّذي تُرْجَى النجاةُ بحُبِّهِ / وبه يُحَطُّ الإصْرُ والأوزار
هذا الذي تُجدي شفاعتُه غداً / حقّاً وتخمُدُ أنّ تراهُ النّار
من آل أحمدَ كلُّ فخْرٍ لم يكُنْ / يُنْمَى إليهم ليس فيه فَخار
كالبدرِ تحتَ غَمامةٍ من قَسطَلٍ / ضَحْيانُ لا يُخفيهِ عنك سِرار
في جَحْفَلٍ هَتَمَ الثنايا وَقْعُه / كالبحر فهو غُطامِطٌ زَخّار
غَمَرَ الرِّعانَ الباذخاتِ وأغرَقَ ال / قُنَنَ المُنيفةَ ذلك التَّيّار
زَجِلٌ يُبِرِّحُ بالفضاءِ مَضِيقُهُ / فالسهْلُ يَمٌّ والجبِالُ بحار
للّه غزْوَتُهم غداةَ فراقسٍ / وقد استُشِبَّتْ للكريهةِ نار
والمُستظِلُّ سماؤهُ من عِثْيَرٍ / فيها الكواكبُ لَهْذمٌ وغِرار
وكأنَّ غَيضاتِ الرِّماحِ حدائقٌ / لُمَعُ الأسِنّةِ بينها أزهار
وثمارُها من عِظْلِمٍ أو أيْدَعٍ / يَنَعٍ فليس لها سواه ثِمار
والخيلُ تَمْرَحُ في الشَّكيمِ كأنّها / عِقبانُ صارَةَ شاقَها الأوكار
من كلِّ يعْبوبٍ سَبوحٍ سلْهَبٍ / حَصُّ السّياطِ عِنانُه الطيّار
لا يَطّبيهِ غيرُ كَبّةِ مَعْرَكٍ / أو هَبْوَةٌ من مَأقِطٍ ومَغار
سَلِطُ السنابك باللُّجَينِ مُخَّدمٌ / وأُذيبَ منْه على الأديم نُضار
وكأنَّ وفْرَتَهُ غَدائِرُ غادةٍ / لم يَلْقَها بُؤسٌ ولا إقْتار
وأحَمُّ حَلْكُوكٌ وأصفرُ فاقِعٌ / منها وأشهبُ أمهقٌ زَهّار
يَعْقِلنَ ذا العُقّال عن غاياتِهِ / وتقولُ أن لنْ يَخطُرَ الأخطار
مَرّتْ لغايتِها فلا واللّهِ ما / عَلِقَتْ بها في عَدْوِها الأبصار
وجَرَتْ فقلتُ أسابحٌ أم طائرٌ / هَلاّ استشَارَ لوَقعِهِنَّ غُبار
من آلِ أعوَجَ والصريح وداحسٍ / فيهنَّ منْها مِيسَمٌ ونِجار
وعلى مَطاها فِتيَةٌ شِيعيّةٌ / ما إن لها إلاّ الوَلاءَ شِعار
مِن كلِّ أغلبَ باسلٍ مُتخَمِّطٍ / كاللَّيْثِ فهو لقِرنه هَصّار
قَلِقٌ إلى يوم الهِياجِ مُغامرٌ / دَمُ كلِّ قَيْلٍ في ظُباهُ جُبار
إنْ تخْبُ نارُ الحْرب فهو بفتكِهِ / مِيقادُهَا مِضرَامُها المِغْوار
فأداتُهُ فَضْفاضَةٌ وتَريكَةٌ / ومثقَّفٌ ومُهنَّدٌ بتّار
أُسْدٌ إذا زارت وِجارَ ثعالِبٍ / ما إنْ لهَا إلاّ القلوبَ وِجار
حَفّوا براياتِ المُعِزِّ ومَن بهِ / تَسْتَبشِرُ الأملاكُ والأقطار
هل للدُّمستق بعد ذلك رَجْعَةٌ / قُضِيَتْ بسيفك منهمُ الأوطار
أضْحَوْا حصِيداً خامدين وأقفرتْ / عَرَصَاتُهُمْ وتعطّلَتْ آثار
كات جِناناً أرضُهم معروشةً / فأصابها من جيشه إعصار
أمْسَوْا عشاءَ عروبةٍ في غِبطةٍ / فأناخَ بالموْتِ الزّؤامِ شِيار
واستقطع الخَفَقانُ حَبَّ قلوبهم / وجلا الشرورَ وحُلَّتِ الأدعار
صدعت جيوشُك في العجاج وعانشتْ / ليلَ العَجاجِ فوِرْدُها إصدار
ملأوا البلادَ رغائباً وكتائباً / وقواضباً وشوازباً إن ساروا
وعواطفاً وعوارفاً وقواصفاً / وخوانِفاً يشتاقُها المِضمار
وجَداولاً وأجادلاً ومَقاولاً / وعواملاً وذوابلاً واختاروا
عكسوا الزّمانَ عَواثنِاً ودواخنِاً / فالصُّبْحُ ليلٌ والظَّلامُ نهار
سفَرُوا فأخلتْ بالشموس جباهُهُمْ / وتَمَعْجَرَتْ بغَمامها الأقمار
ورَسَوْا حِجىً حتى استُخِفَّ متالعٌ / وهَمَوا نَدىً فاستحيتِ الأمطار
وتَبَسَّموا فزَها وأخصَبَ ماحِلٌ / وافترَّ في رَوضاتِه النُّوّار
واستبسلوا فتخاضَعَ الشُّمُّ الُّذرَى / وسَطَوْا فذَلَّ الضيغمُ الزَّأآر
أبناءَ فاطمَ هل لنا في حشرِنا / لَجَأٌ سواكم عاصم ومجار
أنتم أحِبّاءُ الإلهِ وآلُهُ / خُلفاؤهُ في أرضهِ الأبرار
أهلُ النبوَّةِ والرِّسالةِ والهُدى / في البيّناتِ وسادةٌ أطهار
والوحيِ والتّأويلِ والتَّحريمِ وال / تحليلِ لا خُلْفٌ ولا إنكار
إن قيل مَن خيرُ البريّة لم يكُنْ / إلاّكُمُ خَلْقٌ إليه يُشار
لو تلمسونَ الصَّخرَ لانبجستْ بهِ / وتفجَّرَتْ وتدفّقَتْ أنهار
أو كان منكُمْ للرُّفاتِ مُخاطِبٌ / لَبَّوا وظنّوا أنّه إنشار
لستَمْ كأبناء الطليقِ المُرتدي / بالكُفْرِ حتى عضَّ فيه إسار
أبناءَ نتْلَةَ ما لكم ولمعشرٍ / هُمْ دوحةُ اللّهِ الذي يختار
رُدُّوا إليهم حقَّهم وتنكَّبوا / وتَحَمَّلوا فقد استحمَّ بَوار
ودَعوا الطّريق لفضلهم فهم الأُلى / لهُمُ بمَجْهَلةِ الطريقِ مَنَار
كم تَنهضُونَ بعبءِ عارٍ واصِمٍ / والعارُ يأنَفُ منكُمُ والنَار
يُلهِيهِمُ زَمْرُ المثاني كلّما / ألهاكُمُ المَثْنِيُّ والمِزْمار
أمُعِزَّ دينِ اللّه إنّ زمانَنا / بكَ فيه بَأوٌ جَلَّ واستكبار
ها إنّ مَصَر غداةَ صرْتَ قَطينَها / أحْرَى لتحسدها بك الأقطار
والأرضُ كادت تفخَرُ السبْعَ العلى / لولا يُظِلُّكَ سقفُها المَوّار
والدّهرُ لاذَ بحَقوَتيكَ وصرفُه / ومُلوكُهُ وملائكٌ أطوار
والبحرُ والنِّينانُ شاهدةٌ بكم / والشّامخاتُ الشُّمُّ والأحجار
والدَّوُّ والظُّلمانُ والذُّؤبانُ وال / غِزلانُ حتى خِرنِقٌ وفُرار
شرُفت بك الآفاقُ وانقسمت بك ال / أرزاقُ والآجالُ والأعمار
عطِرت بك الأفواه إذ عذبت لك ال / أمواه حينَ صَفَتْ لكَ الأكدار
جلَّتْ صِفاتُكَ أن تُحَدَّ بِمقوَلٍ / ما يصْنعُ المِصْداقُ والمِكثار
واللّهُ خصَّكَ بالقُرانِ وفضلِه / واخجلتي ما تَبلُغُ الأشعار
قِفا فلأمْرٍ ما سَريْنا وما نَسْري
قِفا فلأمْرٍ ما سَريْنا وما نَسْري / وإلاّ فمشياً مثلَ مشْي القطا الكُدري
قِفا نتَبَيَّنْ أينَ ذا البرْقُ منهُمُ / ومن أين تسري الرّيح عاطرةَ النَّشْر
لعلَّ ثرَى الوادي الذي كنتُ مرّةً / أزورُهُمُ فيه تَضَوَّعَ للسَّفْر
وإلاّ فذا وادٍ يسيلُ بعنبرٍ / وإلاّ فما تدري الرِّكابُ ولا ندري
أكُلَّ كِناسٍ في الصَّريمِ تظنّه / كِناسَ الظباء الدُّعج والشُدَّن العُفر
فهَلْ علِموا أنّي أسِيرٌ بأرْضِهِمْ / وما لي بها غَيرُ التعسُّفِ منْ خُبرِ
ومن عجَبٍ أنّي أُسائلُ عنهمُ / وهُمْ بينَ أحْناءِ الجوانجِ والصدر
ولي سَكَنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ / فيبعُدُ عن عيني ويقرُبُ من فِكري
إذا ذكرَتْهُ النفسُ جاشتْ لذكرهِ / كما عثَرَ السّاقي بكأسٍ من الخمر
ولم يُبْقِ لي إلاّ حُشاشَةَ مُغْرَمٍ / طوَى نفَسَ الرَّمضاءِ في خلل الجمر
وما زِلْتُ تَرميني الليّالي بنَبْلِها / وأرمي اللّيالي بالتجلُّدِ والصَّبرِ
وأحملُ أيّامي على ظَهرِ غادةٍ / وتَحْمِلُني منها على مركَبٍ وعر
وآليْتُ لا أُعطي الزّمانَ مَقادَةً / إلى مثلِ يحيَى ثمّ أُغضي على وَتْرِ
وأنْجَدَني يحيَى على كلِّ حادثٍ / وقلَّدَني منه بصَمصَامتَيْ عَمْرِو
وخوَّلَني ما بينَ مَجدٍ إلى لُهىً / وأورثَني ما بينَ عُقْرٍ إلى عُقْرِ
حَللْتُ به في رأس غُمْدانَ مَنعةً / وتوَّجني تاجاً من العِز والفخر
وما عبِتُهُ إلاّ بأني وصَفتُهُ / وشبّهْتُهُ يوماً من الدهرِ بالقَطر
وما ذاكَ إلاّ أنّ ألسُنَنا جَرَتْ / على عادةِ التشبيه في النظمِ والنثر
فلا تسألاني عن زماني الذي خَلا / فوَالعصْرِ إني قبل يحيَى لفي خُسر
وحسبي بجَذْلانٍ كأنّ خِصالَهُ / أكاليلُ دُرٍّ فوقَ نَصْلٍ من التّبر
رقيقِ فِرِندِ الوجهِ والبِشرِ والرِّضَى / صقيلِ حواشي النفس والظرفِ والشعر
فيا ابنَ عليٍّ ما مدحتُك جاهِلاً / فإنكّ لم تُعدَلْ بشَفْعٍ ولا وَتْر
ويا ابنَ عليٍّ دُمْ لمَا أنْتَ أهْلُهُ / فأهْلٌ لعَقْدِ التاجِ دونَ بني النضر
فتىً عندهُ البيتُ الحرامُ لآمِلٍ / ولي منه ما بينَ الحَجون إلى الحِجر
ولمّا حططتُ الرَّحْلَ دون عِراصِهِ / أخذتُ أمانَ الدهر من نُوَب الدهر
وكادَ نَداهُ لا يَفي بالّذي جَنى / عليَّ من الإثم المُضاعَفِ والوِزْر
وذلكَ أني كنْتُ أجْحَدُ سَيْبَه / ومعروفَه عندي لعجزي عن الشكر
إذا أنا لم أقدِرْ على شُكْرِ فضْلِهِ / فكيْفَ بشكْرِ اللّه في موضعِ الحَشْر
حَنيني إليْهِ ظاعِناً ومُخيِّماً / وليسَ حنينُ الطيرِ إلاّ إلى الوكْرِ
فما راشتِ الأملاكُ سَهماً يَريشُه / وما بَرَتِ الأملاكُ سَهماً كما يَبري
فقد قيَّدَ الجُرْدَ السوابقَ بالرُّبَى / وقطَّعَ أنفاسَ العناجيج بالبُهْر
فيا جبلاً من رحمةِ اللّه باذِخاً / إليه يفِرُّ العُرْفُ في زمَن النُّكر
فداؤكَ حتى البدرُ في غَسَق الدُّجى / منيراً وحتى الشمس فضْلاً عن البدر
سلَبْتَ الحُسامَ المَشرَفيَّ خِصالَهُ / فهزَّتُهُ فيه ارتعادٌ من الذُّعر
ولو قيل لي مَنْ في البرِيّةِ كلِّها / سِواكَ على علمي بها قلتُ لا أدري
ألستَ الذي يَلْقى الكتائبَ وحدَهُ / ولو كُنَّ من آناءِ ليلٍ ومن فَجْرِ
ولو أنّ فيها رَدْمَ يأجوجَ من ظبىً / مُشَطَّبَةٍ أو مِن رُدَيْنِيّةٍ سُمْر
فرِفْقاً قَلِيلاً أيها الملِك الرِّضَى / بنفسك واتركْ منك حظّاً على قَدْر
فذاكَ وهذا كلُّهُ أنت مُدرِكٌ / فأشفقْ على العَليا وأشفِق على العمر
فبالسَّعْي للعَليا يُشادُ بناؤهَا / وفي اللهوِ أيضاً راحةُ النفس والفكر
ومن حقِّ نفسٍ مثل نفسك صَونُها / ليوم القَنا الخطِّيِّ والفتكةِ البِكر
ولو لم تُرِحْ صِيدُ الملوكِ نفوسَها / وَنَينَ لما حُمِّلْنَ من ذلك الإصر
غَضارةُ دنيا واعتدالُ شَبيبَةٍ / فما لك في اللذّاتِ واللهوِ من عُذر
ولا خيرَ في الدّنيا إذا لم يفُزْ بها / مليكٌ مُفَدّىً في اقتِبالٍ من العمر
ألا انْعَمْ بأيّامٍ ألَذَّ من المُنى / تحلَّتْ بآدابٍ أرَقَّ من السَّحر
فرغت من المجد الذي أنت شائد / فجرَّ ذيول العيش في الزمن النضر
لَتَهدا جِيادٌ ليس تنفكُّ من سُرىً / ويسكُنُ غمضٌ ليس تنفكُّ من نَفر
ومثلُك يدعو المرهَفَ العضْبَ عزمُه / وتدعُو هواه كلَّ مُرهَفَةِ الخَصر
وما زلت تروي السيف في الرَّوع من دمٍ / فحقُّك أن تَرْوي الثرى من دم الخمر
وتنعَمَ بالبِيض الأوانسِ كالدُّمى / وتَرفُلَ من دُنياكَ في حُلَلٍ خُضر
وإنَّ التي زارتك في الحِذْرِ مَوْهِناً / أحَقُّ المَها بالخُنزُوانةِ والكِبر
يَوَدُّ هِرقَلُ الرّوم ذو التاج أنّه / يَنالُ الذي نالتْه من شرفِ القدر
حَباكَ بها مَن أنتَ شطرُ فؤادِهِ / وما شطْرُ شيءٍ بالغنيِّ من الشطر
أخوكَ فلا عَينٌ رأتْ مثلَهُ أخاً / إذا ما احتبى في مجلس النهي والأمر
وقد وقعَتْ منك الهديّةُ إذ أتَتْ / مواقعَ برد الماء من غَلَل الصدر
فمِن مَلِكٍ سامٍ إلى مَلِكٍ رِضىً / تهادتْ ومن قَصرٍ مُنيفٍ إلى قَصر
فما هي إلاّ السعدُ وافقَ مطلعاً / وما هي إلاّ الشمسُ زُفَّت إلى البدر
ستَنمي لك الأقيالُ من آلِ يعرُبٍ / ذوي الجفنات البِيضِ والأوجُه الغُرِّ
وقُلتُ لِمُهديها إليك عقيلةً / مُقابَلَةَ الأنسابِ مُعرَقَةَ النَّجر
حبوْتَ بها من ليس في الأرض مثلُه / لجيشٍ إذا اصْطكَّ العِرابُ ولا ثَغر
فيا جعفر العَلياء يا جعفرَ النّدى / ويا جعفرَ الهيجاء يا جعفرَ النصر
لَنِعْمَ أخاً في كلِّ يوْم كريهَةٍ / تصولُ بهِ غيرَ الهِدانِ ولا الغَمر
كبدر الدجى كالشمس كالفجر كالضحى / كصرف الردى كالليث كالغيث كالبحر
لَعمري لقد أُيّدتَ يومَ الوغى به / كما أُيِّدتْ كفّاكَ بالأنمل العَشر
لذلك ناجى اللّهَ موسى نبيُّهُ / فنادى أن اشرح ما يَضيقُ به صدري
وَهَبْ لي وَزيراً من أخي أستعِنْ به / وشُدَّ به أزري وأشركْه في أمري
لنِعْمَ نِظامُ الأمرِ والرُّتَبِ العُلى / ونِعْمَ قِوامُ المُلكِ والعسكر المَجر
إليك انتمى في كلِّ مجدٍ وسودَدٍ / ويكفيه أن يُعزَى إليك من الفخر
وخلفَك لاقى كلَّ قَرْمٍ مُدَجَّجٍ / ومن حِجرِك اقتاد الزمانَ على قَسر
فما جالَ إلاّ في عجاجك فارساً / ولا شَبَّ إلا تحتَ راياتك الحُمر
قررتَ به عيناً وأنتَ اصطنَعْتَهُ / وشِدْتَ له ما شِدتَ من صالح الذكر
فما مثلُ يحيَى من أخٍ لك تابِعٍ / ولا كبَنِيهِ من جَحاجِحَةٍ زُهر
ولستَ أخاه بل أباهُ كفلتَهُ / وآوَيتَهُ في حالةِ العُسْرِ واليُسر
يَوَدُّ عليٌّ لو يَرى فيهِ ما تَرَى / لِيعلَمَ آيَ النَّصْلِ والصارم الهَبر
إذاً قامَ يُثْني بالذي هو أهلُهُ / عليه ثَناءً واستهلَّ من العَفْر
وما كنتُ أدري قبل يحيَى وجعفَرٍ / بأنَّ ملوكَ الأرض تُجمَعُ في عَصر
عجِبْتُ لهذا الدهرِ جادَ بجعْفَرٍ / ويحيَى وليس الجودُ من شِيَمِ الدهر
وما كانتِ الأيامُ تأتي بمثلكم / قديماً ولكن كنتُمُ بَيْضَةَ العُقر
وما المدحُ مدحاً في سواكم حقيقةً / وما هو إلا الكفرُ أو سببُ الكفْر
ولو جاد قومٌ بالنفوس سماحةً / لَما منعتْكُمْ شيمةُ الجود بالعمر
إذا ما سألتُ اللّهَ غيرَ بقائكُمْ / فلا بؤتُ بالإخلاصِ في السرِّ والجَهر
أأدعو إلهي بالسّعادةِ عندكُمْ / وأنتم دَراريُّ السعود التي تَسري
أأبغي لديه طالباً ما كفيتَهُ / وأسألُهُ السُّقيا ودجلةُ لي تجري
لَعمري لقد أجرَضْتموني بنَيلكُم / وحمّلْتُموني منه قاصمةَ الظَّهر
أُسِرْتُ بما أسديتُمُ مِن صَنيعةٍ / وما خِلتُكُمْ ترضَوْنَ للجارِ بالأسْرِ
فمهلاً بني عَمّي وأعيانَ مَعْشَري / وأملاكَ قومي والخضارمَ من نجري
فلا تُرهِقُوني بالمزيدِ فحسبُكمْ / وحسبي لديكُم ما ترَوْنَ من الوَفرِ
أسَرَّكُمُ أنّي نهضْتُ بلا قُوىً / كما سَّركم أنّي اعتذرتُ بلا عذر
وإنّي لأسْتَعفيكُمُ أن ترونَني / سريعاً إلى النُّعمى بطيئاً عن الشكر
فإنْ أنا لم أستحيِ ممَا فعلتُمُ / فلستُ بمستحيٍ من اللؤمِ والغَدْر
على نفرٍ ضربُ المئينَ ولم أزَل
على نفرٍ ضربُ المئينَ ولم أزَل / بِحَمدِكَ مثلَ الكسرِ يُضرَبُ في الكسرِ
وقد كان لي منه شفيع مشفع
وقد كان لي منه شفيع مشفع / به يمحق الله الذنوب ويغفر
فهل يقبل الصوم الذي أنا صائم / لبعدي عنه أو أثاب فأوجر
لقد ود هذا الشهر أن دام سرمدا / عليك دراكا يتبع العصر أعصر
كما ود هذا الشهر لو لم يفز به / سواك حنيف في العباد مطهر
وجددته وهو الجديد بقاؤه / وواصلت منه كل ما كنت تهجر
وانك لو لم تعتد لبنائه / بنته الليالي والقضاء المقدر
لئن كان اكبارا يعظم شأنه / فكل عظيم عند قدرك يصغر
فما للعلى من خلفه متقدم / وما للعلى من بعده متأخر
كأن الكحيل الجون والروض وقد / مجامره مسك عليها وعنبر
وأكثر من ألبانها من يخصها / اذا جاءها عاف من الناس مقتر
يفرقها في الجود ألفا لواحد / ورعيانها فيها وما ينتظر
وما مثلها مما تعاظم في الندى / ولا غيرها مما يقل ويكثر
فيا مالكا لم يعلم الناس كنهه / وفي خلقه علم عليه مستر
ويا شرفا لا يستخص قبيله / ويا مثلا في الغابرين يسير
أرى الناس أفواجا أليك كأنما / من الزاب بعث أو من الزاب محشر
لأنت لمن قد مزق الدهر شمله / ومعشره بالبين أهل ومعشر
وما للندى والبذل تمدح انما / مدحناك للحق الذي ليس ينكر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025