المجموع : 8
بدِين الهوى إِن صحَّ عَقدُك في الهوى
بدِين الهوى إِن صحَّ عَقدُك في الهوى / أعن ملَلٍ في الهجر أم كاشحٍ أَغرَى
ألا قَلَّما يقضِي من الحبِّ حاجةً / مُعنّىً بنفسٍ عُلِّقتْ حاجةً أُخرَى
حلفتُ لئن كان الجفاء لغَدرةٍ / لقد أبصرتْ عينايَ من عينكِ الغدْرا
أقول لطيفٍ منكِ وَسَّدتُ خدَّه / يمينِيَ لمَّا جلَّ عن يدِيَ اليسرَى
نحولي الذي عاينتَ من هجر ليلةٍ / فما ظنُّها بالجسم لو هَجرَتْ عشرا
شواردُ حظٍّ لا يَقِرُّ نَفُورُها
شواردُ حظٍّ لا يَقِرُّ نَفُورُها / ورِبقةُ همٍّ لا يُفكُّ أسيرُها
وصحبةُ أيّام تُعَدُّ حظوظُها / قِصاراً إذا عُدَّتْ طِوالاً شهورُها
ونزعٌ بأطماعٍ ضعافٍ تمدُّها / أمانيُّ لم يَقبَلْ يميناً مُعيرُها
أمرُّ على عَميائها أستذلُّها / وآوِي إلى بَلهائها أستشيرُها
بوارقُ ما للعين إلا وميضُها / ولا للثرى العطشانِ إلا غُرورُها
تعجَّبُ من صبري وعندي خَلوبُها / ومُصعِقُها وعند غيري مَطيرُها
أجِدَّك لم يأنس فمي بثديِّها / فأسألُ عن أخلافها ما دُرورُها
وجاذبتها ثم استمرضرورةً / مَرِيرِي على ما ساءني ومَريرُها
كأنّي إذا لم أقضِ منها لُبانةً / وقد نضَبتْ أوطارُها ونُذورُها
وأنَّى تراني أغسلُ الدمَ موجَعاً / أو العارَ فاعلم ثَمَّ أنى عقيرُها
عطاءٌ على التقتير إلا غديرةً / تزاحَمَ حول الأَربعين قَتيرُها
غرابيبُ من لون الشبيبةِ وُقَّعٌ / أسَفَّ من الأيّام بازٍ يُطيرُها
تُقسِّي القلوبَ بعدها وحشةً لها / كأنَّ قلوبَ الغانيات وُكورُها
تُرِي بوجوهٍ أنها بجمالها / تصيدُ وما الأَشراكُ إلا شعورُها
أجاور في شيبي عيوناً قويةً / على جِزَلِ الشَّيبِ المغالطِ حُورُها
وكلّ بياضٍ فضلةٌ لا يليقُها / إذا لم يكن إلا السواد يَضيرُها
سلا جمرات البين بي كيف دُستُها / يوقَّدُ بالأنفاس تحتي سعيرُها
حملتُ بقلبي منهمُ وهو حَبَّةٌ / ومن عِيسهم ما لا تُقِلُّ ظهورُها
تلفتُّ بالأظعانِ رَفعاً ومَهبِطاً / تعوَّجُ لي أو تستقيمُ سطورُها
بعشواءَ من فرطِ البكاء كأنما / تواعدَ نارُ الحيِّ بَيْناً ونورُها
وفيمن نكِرتُ الحلمَ من جَزعٍ له / صبورُ مقاماتِ الوداع شكورُها
إذا أفحمتني قولةٌ فُصحتْ له / وأقتلُ ألفاظِ الإناثِ ذُكورُها
يدير كؤوساً مُرَّةً من لحاظه / وفي فيه أُخرَى حُلوةٌ لا يُديرُها
من العربيَّاتِ الكرائمِ درّةٌ / تُخاض إليها من تميم بحورُها
تلوم امشاعي في القناعة جالساً / فهل ثورةٌ تُرضِي المَعالي أثورُها
وأوحدني كما تريْنَ وعفَّ بي / فسادُ مودّاتٍ أرَى وفجورُها
وأبناءُ عَلاّتٍ أخوها غنيُّها ال / صريحُ ومولاها الهجينُ فقيرُها
وجوهٌ يصفِّيها النفاقُ وتحتَها / بطائنُ من غِشٍّ يشِفُّ كُدورُها
أضمُّ القوافي لي تفيءُ عليهِمُ / وليس وراء الخِدر إلا نُفورُها
وأوحشتها ممَّن تُقَلِّدُ أنه / سواءٌ حصاها عنده وشذورُها
وأن قياماً بالفِناء لذَودِها / أعزُّ إذا لم يَرعَ خِصباً مسيرُها
أفي نُصرة الأعرابِ من حسدٍ لها / ومنهم بَواديها ومنهم حُضورُها
وفي قومها من فارسٍ للسانها / عدوٌّ فسل في قيصرٍ مَن نصيرُها
لعلَّ غلاماً أدَّبَ الملكُ رأيَهُ / تئِطُّ به أرحَامُها فيُجيرُها
وما ضرَّ في غير الكُفاةِ ارتخاصُها / إذا ما غلَت عند ابن عيسى مهورُها
إذا ما دعتْ أفضى إليه افتراعُها / فكان فتاها مَن أبوه وزيرُها
سعى للمعالي سعيَها وهو يافعٌ / وأَكبرُها من ساد وهو صغيرُها
وهِيبَ وما طَرَّتْ خميلةُ وجهه / وأولَى النصولِ أن يُهابَ طريرُها
أراك وما أسديتَ بعدُ صنيعةً / يقول الرضا عنها ويَشهَدُ زُورُها
تَخالَفُ أقوالٌ عليك اتفاقُها / وتكثُرُ أوصافٌ إليك مصيرُها
لقد فخر النادي أبٌ عَدَلَ ابنَهُ / إذا خاف خجلاتِ الرجالِ فَخورُها
وفي شطَطِ الآمالِ فيك لنفسه / وأكثرُ آمالِ النفوس غُرورُها
لمدَّ على العلياء منك فنالها / يداً يذرَعُ الرمحَ الطويلَ قصيرُها
لكُم وفضةُ الآراءِ تبتَدِهونها / فتُصمِي إذا الآراءُ أشوَى فَطيرُها
وما وهنتْ فيما تُقلِّبُ دولةٌ / وأنتم لها إلا وفيكم جُبورُها
لقد علمتْ كيف اطِّرادُ نظامها / ليالِيَ إذ تُلقَى إليكم أمورُها
إذا ذُكرتْ أَسماؤكم هشَّ تاجُها / لأيّامه منكم وحنَّ سريرُها
حلفتُ بما يحيى الخير أحلَّه / ويوقدُ مما قَلَّدتْهُ ضُفورُها
رَعَوها الربيعَ فالربيعَ وعطَّنوا / عليها إلى أن ضاق عنها سيورُها
تساقُ الشهورَ والليالي هديَّةً / إلى ساعة تُوفَى بجَمْعٍ أُجورُها
ببطحاء لو ما أنبتَ الدمُ روضةً / لروَّضَ من جاري طُلاها صخورُها
لقد سرَّ سمعي ما استطاع مخبِّري / بودِّك والأخبارُ نَزْرٌ سرورُها
سلاماً ووصفاً واشتياقاً بغَيبةٍ / ذكتْ لوعتي منها وشبَّ زفيرُها
فإنّك للآداب والودِّ خاطبٌ / بشيرُ العلا فيما خَطبتَ بشيرُها
فقل كيف تنبو روضةٌ غاضَ برهةً / جدَا الماءِ عنها ثم فاضَ غديرُها
محاسنُ أيقظتَ العلا في طلابها / فقد نام هاديها وقام ضريرُها
فليتك إن كان المبلِّغ صادقاً / أجابك عفواً سهلُها وعسيرُها
فتحتُ لك الأبوابَ عنها وقد أَبَى / زماناً حفيظاها وحُصِّنَ سُورُها
لئن كانت الزَّبَّاءَ عِزّاً ومَنْعَةً / فأنت لها من غير جَدْعٍ قصيرُها
ولولا الودادُ ما بَرزنَ سوامحاً / وقد برَزتْ بالغانيات خدورُها
ولا عاقها في عَرضِها لمعاشرٍ / معارفَها عُجْمُ البصائر عُورُها
إذا اتسعتْ أيمانُها لعطيّةٍ / وراجعت الأخلاقَ ضاقت صدورُها
ولكنّها نفسٌ يطاعُ صديقها / على حُكمها فيها ويُعصَى أميرُها
تَمَلَّ بها لا طيبَ نشرٍ يفوتها / إذا لومستْ ولا جمالَ يبورُها
أزورُ بها دُورَ الملوك طليعةً / ترود لِيَ الأخلاقَ ثم أزورها
وفَسِّحْ لها في زينة الفِصحِ موضعاً / تقوم به تُتْلَى عليك عُشورُها
ونَلْ وأبوك العزَّ ما حنَّ فاقدٌ / وقام على السَّبْع الطِّباقِ مديرُها
وأوفَى بها شُعثٌ لكم يدرسونها / مزاميرَ يستوفي اللُّحونَ زَبورُها
مُكبِّين للأذقانِ يحتضنونها / يصانُ عن الصفح العنيفِ سُفورُها
تفوتكُمُ بالسمع والعينُ ما رأَتْ / ودلَّ على ما في القلوب نذيرُها
فأُقسمُ لو قُضَّتْ ضلوعيَ بعدها / لما التأمتْ إلا عليكم فُطورُها
تَغرَّبْ فبالدار الحبيةِ دارُ
تَغرَّبْ فبالدار الحبيةِ دارُ / وفُكَّ المطايا فالمُناخُ إِسارُ
ولا تسأل الأقدارَ عمّا تجرُّه / مخافةَ هُلكٍ والسلامةُ عارُ
إذا لم يَسعْها الأمنُ في عُقر دارِها / فخاطِرْ بها إنّ العلاءَ خِطارُ
أرى إبِلي تَعصِي الحُداةَ كأنما / بوازلُها تحتَ الحبالِ بِكارُ
تَقامصُ من مسِّ الهوان جُنوبُها / كأنّ الأذى طردٌ لها وعَوارُ
تحَسَّى القذَى المنزورَ من ماءِ أهلِها / وتأبىَ النميرَ العِدَّ وهْو بحارُ
ومذ علِمتْ أن الخَشاشَةَ ذلَّةٌ / ففي خَطْمها من أن تُخَشَّ نفَارُ
لغيري قِرَى ألبانِها ولحومِها / ولاقحةٌ من أُدْمِها وحُوارُ
متى دبَّ ماءُ الضيم فيها فلم تعُدْ / مطىَّ قفار الأرض وهي قِفارُ
وإن لم تُناضِلْ من عقودِ نُسوعِها / نصولٌ نَعَى سيبَ اللِّصابِ تَبارُ
ظرَابُ الغضا من تحت أخفافها سَفاً / يطيشُ وأحقافُ الغويرِ حِفارُ
كأنّ السياطَ يَقتلِعنَ إذا هوت / سفائنَ منها والسرابُ بِحارُ
مُقامي على الزَّوراء وهي حبيبةٌ / مع الظُّلم غَبنٌ للعُلا وخَسارُ
وكم حَلَّةٍ مجفوَّةٍ ولها الهوى / وأُخرَى لها البغضاءُ وهْي تُزارُ
وفي غيرها المجدُ الذي كان مَرّةً / لها شرفٌ في قُربه وفخارُ
إذا حَملتْ أرضٌ ترابَ مذلَّةٍ / فليس عليها للكريم قَرارُ
وكم عزمةٍ مرتاضةٍ قد ركبتُها / فخضْتُ بها الحاجاتِ وهْي غِمارُ
وذي سِنَةٍ فجَّعتُ بالنوم عينَه / وأجفانهُ عَطْفاً عليه طَوَارُ
صَحَا لي وقد ناديتُ من سَكرةِ الكرى / وقد دار في عينيه منه عُقارُ
تنجَّزتُ أقصَى جودهِ وهو كارهٌ / ولم يك للمولَى عليّ خِيارُ
وليلٍ أضافَ الصبحَ تحت جَناحه / وحُصَّ فلم يرفعْهُ عنه مَطارُ
هجمتُ عليه قادحاً ببصيرتي / دُجاهُ وليلُ الزِّبرِقانِ نَهارُ
ومُشتَرفٍ من العفافِ اطّلعتُهُ / وقد نام واشٍ واستقام نَوارُ
فلمَ يَتَوَصَّمْني وسَادٌ علوتُه / بعيبٍ ولم يَشهَدْ عليَّ إِزارُ
وقافيةٍ أسهلتُ مجرَى طريقها / لها في حُلوقِ القائلين عِثارُ
نُضار من القول الذي لم يُرَدْ به / لُجيْنٌ ولم يوجد عليه نُضارُ
إذا ما استبقْن الحسنَ يُبسطْن عن فمي / شَردْنَ فلم يُعلَقْ لهن غُبارُ
يعيّرني قومٌ خلوَّ مَعاطني / وفيهم رُغاءٌ ما اشتَهَوا ونُعارُ
ولا عيبَ أن أهزلتُ وحدي وأَسمنوا / إذا أنا أنجدتُ العلاءَ وغاروا
ولستَ ترى الأجسامَ وهي ضئيلةٌ / نواحلُ إلا والنفوسُ كِبارُ
خفِيتُ ونُوري كامنٌ في قَناعتي / وما كلُّ ما غَمَّ الهلالَ سِرارُ
وكيف أذود النومَ أخشى خَصاصةً / ولي من كلاءاتِ الوزير جِوارُ
ونعماه إن دهري أغار حُماتهُ / على الحُرّ من مسّ الهوانِ تَغارُ
إذا ضمّني مؤيّد الملك مانعاً / فما لدمِ الأيّام عندِيَ ثارُ
نُكولي إذا أمسكتُ أطرافَ حبله / قُوىً وافتقاري في ذَراه يَسارُ
سقى اللّهُ ماءَ النصر كفّاً بنانُها / غصونٌ لها دُرُّ البحار ثِمارُ
وحيَّا على رغم الكواكب غُرَّةً / أسِرَّتُها للمعتفين مَنارُ
ترى الرزق شَفَّافاً وراء ابتسامِها / كما شَفَّ عن لَمع البروق قِطارُ
وزاد انبساطاً في الممالك راحةٌ / يمينُ الحيا إن جاودتْه يَسارُ
من القوم لو طار الفخارُ بمعشرٍ / إلى غايةٍ فوق السماء لطاروا
بَني الملك والدنيا بماءِ شبابها / وأيَّامُها زُغْبٌ تدبُّ صِغارُ
خيامٌ على أطنابها رُخَّجيّةٌ / لها في سماوات الفخار ديارُ
وزيريَّةٌ جَدَّاً فَجدَّاً يَعُدُّها / على المجدِ عرقٌ ضاربٌ ونِجارُ
يُراحُ عليها بالعشيِّ لَبونُها / إذا رُوِّحت على البيوتِ عِشارُ
وشَقَّ دُجُنّاتِ الخطوبِ برأيه / بصيرٌ له سرُّ الغيوب جِهارُ
إذا رَدَّ في أعطافه لحظاتهِ / تشعشَعَ سِربالٌ له وصِدارُ
قريبُ الجَنَى حُلوٌ لأيدي عفاتهِ / وأشوسُ بين العاقرين مُرارُ
إذا ما بدا للعين راقت بشاشةٌ / عليه وراعت هيبةٌ ووقارُ
فيُطمِعُ فيه ثغرُهُ حين يُجتَدَى / ويؤيِسُ منه الأنفُ حين يَغارُ
له اللّهُ من مُلكٍ حميتَ سريرَهُ / وغايتُهُ للطامعين وِجارُ
وقد نام عنه الدافعون وكُشِّفتْ / خَباياه للأبصارِ وهي عَوارُ
مددتَ بباعيْه فلم يُرَ مِعصمٌ / له بارِزاً إلا وأنتَ سِوارُ
وَغرَّ بِك الأعداءَ خُلْقٌ مسامحٌ / لهم وخلالٌ أن رضيتَ خِيارُ
وما علموا أنّ النصولَ شوارعٌ / على عَلَقِ الأكبادِ وهي طِرارُ
فإنَّ رقابَ الأُسْدِ دون عراكها / مصارعُ للآجالِ وهي قِصارُ
وقد جرَّبوا عزميك والجودُ ساكنٌ / على السَّلم والنقعُ الأغَمُّ مُثارُ
وكم لك من يومٍ يَخيمُ شجاعُهُ / ولا يَصِمُ المهزومَ منه فِرارُ
تَناكَرَ عنه المدّعون فلم يكن / سوى اسمك للأبطالِ فيه شِعارُ
وقفتَ له والمرهفاتُ كأنّها / دَبىً فوق بَيْضِ الدارعين مُطارُ
ولو أنَّ حدَّ السيف خانك دونه / وَفَى لك جَدٌّ لم يَعقْه عِثارُ
أَسِلْ مُزنَتَيْ كفَّيْك يَغْرَقْ بها العدا / وَسِمْ باسمك الأعداءَ فاسمُك نارُ
ولا تَلْقَ يومَ الرَّوع إلا مُصالتاً / بجَدِّك إن كلَّت ظُبىً وشِفارُ
فإنّ لجُرحِ السيف لابدَّ ثائراً / له وجراحات الجدود جُبارُ
قضى اللّهُ في حُسَّادِ ملكك أنهم / وَقودٌ وأنّ الغيظَ منك شرارُ
فألسنهُم غَيظاً بواردُ رَطْبَةٌ / وأكبادُهم خلفَ الضلوع حِرارُ
تناهَوْا حِذاراً أن يُعَلَّى حديثُهم / فما بين كلِّ اثنين فيك سِرارُ
ولاموا نجومَ السعدِ جهلاً وإِنما / تدورُ لك الأفلاكُ حيثُ تُدارُ
تُواقِفُ أقدامَ الأسودِ كأنما / جَنابُك عزّاً أن يُرامَ مُغَارُ
وتَخجَلُ من دفع الحقوقِ كأنما / لثامُك من فرط الحياء خِمارُ
أجبْ دعوةً يا سيّد الوزراء لم / تُجبْها قريباً إذ دعتْك مِرارُ
تناديك عن شوق مواقدُ نارها / فؤادي وأنفاسي الحِرارُ أُوارُ
أُدارِيه خوفَ الشامتين وظاهري / قِياسٌ لما في باطني وعِيارُ
إلى كم يُقِلُّ البعدُ ظهرِي وكم يُرَى / لجنبي على جمر الفراق قَرارُ
كأني حيالَ البعدِ بيني وبينكم / يُقدُّ أديمي أو حشايَ تُعارُ
ولَيتَ الزمانَ المطربي باقترابكم / كما زال سُكْرٌ منه زال خُمارُ
يكاد نزاعي نحوكم أن يطيرَ بي / وهل لقصيصٍ في السماءِ مطارُ
وأُطمِعَ قومٌ بعدكم في تهضُّمي / فشنُّوا على أحسابكم وأغاروا
ولم يعلموا مقدارَ عَطفةِ جودكم / عليَّ فلي نقصٌ بهم وضِرارُ
إذا حبسوا الماءَ الذي سُقتموهُ لي / فمن أين تُسقَى سَرحتي وتُمارُ
وقد علموا أن لا ارتجاعَ لنَيْلكم / ولا الثوبُ مما تَلبَسون مُعارُ
عسى اللّهُ أن يقتادَ لي بإِيابكم / فيُدرَكَ من باغي انتقاصِيَ ثارُ
بكلِّ عزيزٍ بذلُها عند قومها / لها مَنصِبٌ مَعْ حُسنِها ونِجارُ
إذا خطَرتْ بين الرُّواةِ حسبتهم / يمانينَ فيما يَحملون عِطارُ
تنِمُّ بما فيها كأنَّ طروسَها / لطائمُ أهدتْها إليك صُحَارُ
تَضوَّعُ رَنداً فارسيَّاً لجنسها / وللعُرْبِ فيها حَنْوَةٌ وعَرارُ
إذا جُلِيَتْ عَطْلَى عليك فَحْليُها / عُلاك وحُسنُ الإستماع نِثارُ
على المهرجان وسمةٌ من جمالها / عَرُوبَةُ منها فاصلٌ وشِيارُ
لئن قَصَّر المقدارُ خَطوِيَ عنكُمُ / فلي غايةٌ في بعثها وقُصارُ
ألا يا خليلي المجتبَى من خُزَيمةٍ
ألا يا خليلي المجتبَى من خُزَيمةٍ / هل اَنتَ أمينٌ إن أمنتَ على سِرِّي
وهل أنت عني إن أمنتَ مبلّغٌ / ألوكةَ عتب ضاق عن حملها صدري
نَشدتُك بالشُّعثِ الدوافعِ من مِنىً / خلاطاً كما خُبِّرتَ عن ليلة القَدرِ
وبالأسود الملثومِ قد ضغطوا به / جنوبَهُمُ والمَشْعَريْنِ وبالحِجْرِ
أكنتَ بسمعي أو أظنُّك سامعاً / بأعجب من أبيات قومك في أمري
يُغارُ على الأموال في كلِّ حِلَّةٍ / وفتيانُ عَوْفٍ قد أغاروا على شعري
سلائبُ لي منهوبةٌ في رحالهم / ينادين بالخيبات من حَلَقِ الأسرِ
مَطارحُ للركبان يقتسمونها / تناقَلُها الأفواهُ مصراً إلى مصر
يغنِّي بها الحادي ويشدو لشَرْبهم / بها المطرب الشادي ويُثني بها المطري
كرائمُ قد أهديتهنَّ تبرُّعاً / لكلّ فتىً لم يَرْعَ لي حُرمةَ الصِّهرِ
هُمُ خطبوها راغبين وسوَّدوا / عليها نفيساتٍ من البذلِ والوفرِ
وكانت على قومٍ ملوكٍ سواهُمُ / تكون مع الجوزاء أو عُنُقِ النسرِ
ممنَّعةً أن تُستباحَ بِخُدعةٍ / ووعدِ بروقٍ أو تُساقَ على قسرِ
فلما غدت مجنوبةً في حبالهم / تواصَوا عليها بالخيانة والغدرِ
كأنهُمُ شَلُّوا بها سَرحَ مهمِلٍ / نفاه الرعاةُ بين بابلَ والعَقْرِ
فعرِّجْ عليهم ثم قل لمفرّج / أترغبُ في مدحي وتزهدُ في شكري
أترضَى بأن أضوَى وكفُّك مخصِبٌ / عشيبٌ وأطوَى من يديك على النحرِ
وتُظلمَ آمالي عليك ومطلبي / ووجهُك من تحت اللثام أخو البدرِ
وقد سارت الأخبارُ أنك خيرهم / قِرىً يوم يبكي الضيفُ من عضَّة القُرِّ
وأعقرُهم للبُزْل والعامُ أشهبٌ / وأوسعُهم خَطّاً لأُثْفِيَّةِ القِدْرِ
تجود فتعطي في الغنى قُدرةَ الغنى / وتجبُرُ أَكسارَ الفقير على الفَقرِ
فما بالُ بِكرٍ حُرّةٍ بعثَتْ بها / إليك القوافي من عَوانٍ ومن بِكرِ
شُغفتَ بها ثم انصرفتَ ملالةً / بوجهك فيها عن جزائي وعن ذكري
وأمهرتموها وارتجعتم صداقَها / فهل تستحلّون النكاح بلا مَهرِ
فأين السماحُ المَزْيَدِيُّ وما ابنتى / أبوكم وبقَّى من علاءٍ ومن فخرِ
وما لم تزالوا تُنفقون على العلا / وتُعطُون من مالٍ ومن نَعَمٍ دَثْرِ
أعذيكُمُ من أن يقالَ عليكُمُ / ثوى مَعَه جودُ الجماعةِ في القبرِ
وحاشاكُمُ من أن تَخيسَ بضائعي / لديكم بما تنمِي البضائعُ للتَّجْرِ
وقد ملأتْ فيكم أَوَابِديَ الملا / وسارت حُداءَ العِيس أو طُعَمَ السَّفرْ
وعندِيَ فيكم ما يسوء عداكُمُ / ويُبقي لكم ما سَرَّكم آخرَ الدهرِ
فإن تقتنوها بالجميل بَنتْ لكم / حصوناً على الأحساب من أنفَس الذُّخرِ
وإن تَغصِبوها تُمسِ في غير حيِّكم / تَشكَّى اضطراراً أو تَكلَّمُ عن عُذرِ
أيا نجمَ عوفٍ يا مفرِّج كربِها / أما آن لي أن يَخجلَ المطلُ من صبري
حملتُ التقاضي عنكُمُ مُهلةً لكم / فأنظرتكم في العسرِ فاقضوا مع اليسرِ
وقل يا رسولي مبلغاً سُفراءَهم / جميعاً وخُصَّ العبدرِيَّ أبا نصرِ
أفي الحقّ أن سوّمتُ بيني وبينكم / خيولَ الأماني ثمّ تقعدُ عن نصري
وأغريتني حتى إذا ما ولَجتُها / تأخّرتَ عنّي والعقابُ على المُغري
أما تذكر العهدَ الذي كان بيننا / بلى تتناساه وأنتَ على ذِكرِ
تنامون عن حقيّ وتُلغون مدحتي / وأنتم حملتم ثِقلَ ذاك على ظهري
فقم يا أبا نصرٍ قيامَ ابن حرّةٍ / بنصرِ صديقٍ أنت أوقعتَهُ حُرِّ
وعد برسولي يحملُ الغُرمَ وافراً / وفز بثنائي فهو أسنَى من الوفرِ
وقل للأمير ابن الأميرِ نصيحةً / تربَّصْ بخيري واحترِس من أذى شَرّي
بطرفك والمسحورُ يُقسم بالسحرِ
بطرفك والمسحورُ يُقسم بالسحرِ / أعمدا رماني أم أصاب ولا يدري
تعرَّضَ بي في القانصين مسدّد ال / إشارة مدلول السهام على النحرِ
رمى اللحظةَ الأولى فقلتُ مجرّبٌ / وكرَّرها أخرى فأحسستُ بالشرِّ
فهل ظنَّ ما قد حرَّم اللّهُ من دمي / مباحاً له أم نام قومٌ على الوِترِ
بنجدٍ ونجدٌ دارُ جودٍ وذمّةٍ / مطالٌ بلا عُسرٍ ومطلٌ بلا عُذْرِ
وسمراءُ ودَّ البدرُ لو حال لونُه / إلى لونها في صبغة الأوجه السُّمرِ
خليليّ هل من وقفةٍ والتفاتةٍ / إلى القبة السوداءِ من جانب الحِجْرِ
وهل مَن أرانا الحجّ بالخَيف عائدٌ / إلى مثلها أو عدَّها حِجَّةَ العمرِ
فللّه ما أوفى الثلاثَ على مِنىً / لأهل الهوى لو لم تحنْ ليلةُ النَّفْرِ
لقد كنتُ لا أوتى من الصبر قبلَها / فهل تعلمان اليومَ أين مضى صبري
وكنتُ ألوم العاشقين ولا أرى / مزيَّةَ ما بين الوصال إلى الهجرِ
فأعدَى إليّ الحبَّ صحبةُ أهله / ولم يدر قلبي أنّ داء الهوى يسري
أيشردُ لبّي يا غزالةَ حاجرٍ / وأنتِ بذات البان مجموعةُ الأمرِ
خذي لحظ عيني في الغُصوب إضافةً / إلى القلب أو ردّي فؤادي إلى صدري
وإلا فظهر الهجر أوطأُ مركباً / إذا خُنتِ واستوطأتِ لي مركبَ الغدرِ
وإني لجلْدُ العزم أملك شهوتي / وأعرف أيّامي وأقوى على سري
وأحمل أثقال الحبيب خفيفةً / ولكنّ حملَ الضيم ثقلٌ على ظهري
ولا يملك المولى وفائي بنَكثه / ولا يشتري معروفَ ودِّيَ بالنّكرِ
ومن دون ضيمي بسطةُ الأرض والسُّرى / وخوض الدياجي وامتعاضُ الفتى الحرِّ
وإنِّي من مولى الملوك ورأيِهِ / وسلطانِهِ بين المجرّةِ والنَّسرِ
فلا أنا مغمودٌ ولا أنا مُسْلَمٌ / وفي سيفه عزِّي وفي يده نصري
تعالى بركن الدين صوتي وشَيَّدتْ / محاسنُهُ وصفي وسار بها ذكري
وكان إليّ الدهرُ بالشرِّ ناظراً / فغمَّض عنّي جودُهُ ناظرَ الدهرِ
وإن كان هذا القولُ قدماً يطيعني / فقد زاد بَسْطاً في لساني وفي فكري
وكنت له نجماً فلما مدحته / كساني سنا إقبالِهِ بُلجةَ الفجر
إليك مليكَ الأرض ألقت ملوكُها اض / طراراً عنانَ النهي في الأرضِ والأمرِ
ودان لك الغُرُّ الميامينُ من بني / بُويْه كما دانَ الكواكبُ للبدرِ
رأوك فتاهم في الشجاعة والندى / وشيخهم المتبوعَ في الرأي والعُمرِ
فأعطوك طوعاً ما تعذَّر منهُمُ / على كلّ باغ بالكراهةِ والقسرِ
نظمتَ لهم عِقدَ العُلا وفضَلتَهم / فأصبحتَ وسْطَ العقدِ في ذلك النحرِ
لكم أوّل الدنيا القديمُ وعنكُمُ / يكون قيامُ الأمرِ في ساعةِ الحشرِ
وما المُلك إلا ما اختبى متمدّحاً / بأيامكم فيه المحجَّلةِ الغُرِّ
ولا الدهر إلا ما تقلَّب صَرفُهُ / على ما قسمتم من يَسارٍ ومن عُسرِ
ولا تطعم الدنيا بنيها سوى الذي / تشيرون من حُلوٍ إليه ومن مرِّ
بكم يصبح الدينُ الحنيفيُّ آمناً / إذا بات مخلوعَ الفؤاد من الذُّعرِ
وما برحتْ أبياتُكم في ابتنائِهِ / دعائم للخَطِّيِّ والقُضُبِ البُتْرِ
وأنت الذي كنت الذخيرةَ منهُمُ / قديماً إذا الرحمنُ بارك في الذُّخرِ
فلو بَقيَ الماضون منهم تمثّلوا / بملكك في مُلكٍ وعصرِك في عصرِ
إذا ما أراد اللّهُ إحياءَ دولةٍ / بغاك بنوها بالخديعةِ والمكرِ
وإن شاءَ في دهماءِ قومٍ إبادةً / رماهم بدُهْمٍ من جيادك أو شُقْرِ
ومن ملَّ طولَ العمرِ والعزِّ قاده / لك الحَيْنُ في حبلِ الشناءةِ والغِمرِ
قسمتَ بكفيّك المنيَّةَ والغنى / للهفانَ يستجدي وغضبانَ يستشري
فأنتَ إذا شِمتَ الظُّبى قاتلُ العدا / وأنت إذا شمت الندى قاتلُ الفقرِ
فلا زال معقوداً عطاؤك بالغنى / ولا زال معقوداً لواؤك بالنصرِ
وزارك بالنيروز أيمنُ قادمٍ / سَرى لك في وفد الرجاء الذي يسري
جديداً على العام الجديد مؤمَّراً / كما أمْرك الماضي على العبدِ والحرِّ
تُزخرَفُ منه الأرضُ من حَلْي روضها / بما كُسيَتْ من صِبغْ أيّامِك الخُضرِ
كأنّ الربيعَ من صِفاتِك يمترِي / وشائعَهُ ومن سجاياك يَستقري
فطاوِلْ به عدَّ السنين مفاوتاً / بعمرك مقدارَ الإحاطةِ والحصرِ
متى تطوِ مُلكاً تنتشرْ لك بعدَهُ / ممالكُ لا تَبلَى على الطيِّ والنشرِ
وحيَّاك منّي بالمديح مبشِّرٌ / خمائل لم تنبتْ على سَبَل القَطرِ
لها مدَدٌ من خاطرٍ غيرِ ناضبٍ / مليءٍ إذا كافَى الصنيعةَ بالشكرِ
خدمتُك منها بالمحصَّنةِ التي / عليها أحامي والمخدَّرةِ البِكرِ
فكرَّمتني لما قبلتَ نكاحَها / وزيَّدتَ في فضلي وضاعفتَ من قدري
وملَّكتني قلباً كريماً ولم أكن / أظنُّ قلوبَ الأسد تُملك بالشِّعرِ
فقمتُ على ظلٍّ من الأنس باردٍ / ومن هيبةِ الملك العقيم على الجمرِ
ولكنّها قد موطلت بمهورها / ولابدّ في عَقد النكاح من المَهرِ
وممّا شجاها أن تضلَّ وسيرُها / مع النجم أو تَظمى على ساحل البحرِ
وخيرُ العطايا ما يُراد به العلا / وما كلُّ جُود باللُّجينِ وبالتبرِ
وما بي إلا أن نسيتَ فراعني / لتعلمَ أنّي من علاك على ذكرِ
وفى لي بك الحظُّ الذي كان يَغدِرُ
وفى لي بك الحظُّ الذي كان يَغدِرُ / وصحَّ لِيَ الدهرُ الذي يتغيَّرُ
وسالمني صرفُ القضاءِ وبيننا / فلولُ المواضي والقنا المتكسّرُ
وحسَّنتُ ظنّي في الزمان وأهلِهِ / فأصبحتُ أرجو وصلَ من كنتُ أحذرُ
وعرَّفَني فيمن رأى غاية العلا / فطالبَها بالسعي كيف يُشَمِّرُ
وكيف يغارُ الحرُّ من ثَلِمْ مجده / فيدعَمه بالمكرماتِ ويعْمرُ
حنوّاً وفي قلب الزمان قساوةٌ / ورَعياً لحقي وابنُ أمّيَ يَخفِرُ
ورفداً هنيئاً تستقلّ كثيرَهُ / وودَّاً وما تُسني من الودّ أكثرُ
عطاؤك كافٍ واعتذارك فضلةٌ / وغيرك لا يعطي ولا يتعذَّرُ
وفيتَ لآباءٍ تكلَّفتَ عنهمُ / فضائلَ ما سنّوا الفخارَ وسيَّروا
كرامٌ طواهم ما طوى الناسَ قبلهم / وأنت لهم من ذلك الطيِّ مُنشِرُ
مَضوا سلَفاً واستخلفوك لذكرهم / خلوداً فلم يُخزِ القديمَ المؤخَّرُ
وأبقَوا حديثاً طيِّباً منك بعدهم / وقد علموا أنّ الأحاديثَ تُؤثَرُ
وزَنَّاهُمُ بالناس بيتاً وأنفُساً / فزلّت موازينٌ وزادوا وثمَّروا
وجئتَ بمعنى زائدٍ فكأنهم / وماقصّروا عن غاية المجد قصّروا
وإن أباً أبقاك مجداً لعقبِهِ / وإن عَبَطتْه ميتةٌ لمعمَّرُ
أقول لركبٍ كالأجادل طوَّحتْ / بهم قامصاتٌ كالأهلة ضُمَّرُ
على قمم البيداء منها ومنهمُ / إذا خفَقَ الآلُ المُلاءُ المنشَّرُ
رمت بهم الحاجاتُ كلَّ مخوفة / إذا سار فيها النجم فهو مغرِّرُ
إذا الليلة العمياءُ منها تصرّمت / تولاّهُمُ يومٌ من التيه أعورُ
رأوا رزقَهم في جانبٍ متعذِّراً / تطاوله أعناقُهم وهي تقصُرُ
خذوا من زعيم الملك عهداً على الغنى / وردُّوا المطايا فاعقلوها وعقِّروا
دعوا جانبَ البَرّ العسوفِ وحوِّموا / على البحر بالآمال فالبحرُ أغزرُ
ولا تحسبوا أفعال قوم ذللتُمُ / عليها كما تُروَى الأسامي وتُذكَرُ
فما كل خضراء من الأرض روضة / تراد ولا كل السحائب تُمطِرُ
ببغداد في دار السلام محجب / على عادة الأقمار يخفى ويظهرُ
إذا كتمته رِقْبةٌ أو مكيدةٌ / وشى بمعاليه العطاء المشهِّرُ
كريم يرى أنّ الغنى تركه الغنى / وأنّ اتقاءَ الفقر بالفقر مُفقرُ
غلامٌ إذا ما عدّ أعداد سنّه / ويومَ قضاء الحزم شيخٌ موقَّرُ
تمرّن طفلاً بالسيادة مرضَعاً / يدرّ عليه خِلفُها ويوفّرُ
له من مقامات الملوك صدورها / يقدِّم فيها إذنَه ويؤخِّرُ
زعيماً على التدبير لا هو حاجةً / يعانُ على أمرٍ ولا هو يؤمَرُ
له من سرايا رأيه ولسانه / إذا نازل الأقرانَ جيشٌ مظفَّرُ
وأهيفُ يفري في العظائم حدُّه / ومنظرُه في العين يضوي ويصغرُ
ترى الرزقَ والآجالَ طوعَ قضيَّةٍ / تُخَطُّ على أمريهما وتُسَطَّرُ
ومرٌّ على الشحناء حلوٌ على الرضا / وللضيم يحلو لي فلا يتمرَّرُ
ضحوكٌ إذا حكمته متطلِّق / وأشوسُ إن نازعته متنمِّرُ
كفى الملك ما استكفت لحاظٌ جفونها / وأغناه ما أغنى عن الكفّ مِنسَرُ
وقام له بالنصح يُثبتُ رجلَه / على زَلِقٍ فيه الفتى يتعثَّرُ
فإن شكرت كفٌّ بلاءَ مهنّدٍ / قضى نذرَها فالملكُ لا شك يشكَرُ
لك اللّه مُولي نعمةٍ ومفيدَها / وغارسَها من حيث تزكو وتُثمرُ
ومستعبداً حُرَّ القلوب وفاؤه / وحرَّ الكلام مالُهُ المتيسّرُ
جرى الخلفُ إلا في علاك فأبصر ال / مقلِّد فيها واستقال المقصِّرُ
وقال بقولي فيك كلُّ محدث / يرى أنني ما قلت إلا وأَخبُرُ
وعنَّفَ قومٌ حاسديك جهالةً / وذمّوا وهم بالحمد أولى وأجدرُ
إذا عرّفوا الفضلَ الذي حسدوا له / فتلك لهم مجدٌ يُعدُّ ومفخرُ
أعاذك من عين الكمال الذي قضى / به لك قسماً فهو يقضي ويقدرُ
ولا غشيت ظلماءُ إلا وفجرُها / برغم العدا عما تُحبّون يُسفرُ
فما تصلح الدنيا ومِن غيرِكم لها / أميرٌ مطاعٌ أو وزيرٌ مدبِّرُ
ولا عُدم المدحُ الموفَّى أجورَه / بكم وهو في قومٍ سواكم مسخَّرُ
مواسمُ في أبياتكم بعراصها / تُحَطُّ وعنها في الثناء تُسَيَّرُ
تناوبكم منه سحائبُ ثَرَّةٌ / تروح على أغراضكم وتُبَكِّرُ
تسوق مطاياها رياح زَكيّةٌ / بما حملت من وصفكم تتعطَّرُ
إذا عرضتها الصُّحْفُ شك رواتُها / أوشيُ حريرٍ أم كلامٌ محبَّرُ
تفيد قلوب السامعين توقُّراً / لها واهتزازاً فهي تصحي وتُسكِرُ
إليك زعيمَ الملك لانتْ رقابُها / وذلَّتْ وفيها عزّةٌ وتغشمُرُ
رأتك لها أهلاً فلان عصيُّها / لديك وقالت في فنائك أُحشَرُ
إذا زارك النيروزُ عُطْلاً فإنه / يُطوَّق من أبياتها ويسوَّرُ
وغاليتَ في أثمانها فشريتَها / ربيحاً فظنّ الغمرُ أنك تخسرُ
إذا المرءُ أعطاني كرائمَ ماله / ليأخذَ شعري فهو منِّيَ أشعرُ
وجاريةٍ بيضاءَ حمراءَ ربما
وجاريةٍ بيضاءَ حمراءَ ربما / تكون غداً سوداءَ إن شئتَ أو صَفْرا
تعيش بخفضٍ ما تمنّت ونعمةٍ / بحيث سواها لو يُرَى فارَقَ العمْرا
سرت تقطع الخَرقَ الوسيعَ وما مشت / ولا ركبت فيهِ سفيناً ولا ظَهْرا
مسربلةً لم تدفع النَّبل دِرعُها / وعُريانةً لم تشكُ قيظاً ولا قُرَّا
تطفَّلَ حتى زفها لك جاهراً / إذا صاعبته عدّ إعسارَها يُسرا
وأعجبه مما يميِّز أنها / إذا هي زادت كبرةً زدته مَهْرا
يحلُّ له منها الحرامُ لمعشر / يكونون في جِنسٍ سوى جِنسها بحرا
أفاق بها من طول سكرته الدهرُ
أفاق بها من طول سكرته الدهرُ / وفُكَّت أمانٍ فيك ماطلها الأسرُ
وأسمحتِ الأيام بعد حِرانها / ونهنهها الوعظُ المكرَّرُ والزجرُ
حملت تمادي غيّها ولَجاجِها / على غاربٍ لم يُدمه الندبُ والعَقْرُ
نَهوض إذا خار الفَقار نجت به / جوارحُ صُمٌّ كلُّها في السرى ظَهرُ
وأرعيتها الإمهال علماً بأنها / إليك وإن طال التنازعُ تضطرُّ
وما فات مطلوبٌ سرى الجد خلفه / وضامِنُه العمرُ المؤخَّر والصبرُ
وقد كنتُ أستبطي القضاءَ وسعيَه / وأعذُله فيما ينوب وما يعرو
ويُقنِطني ما يستقيم ويلتوي / ويُقبِل من أمر عليك ويزوَرُّ
ولم أدر أن الله أخّر آيةً / له بك في إظهار معجزها سرُّ
وأنك مذخور لإحياء دولةٍ / إذا هي ماتت كان في يدك النشرُ
تعاورها شلّ الغواة وطردُهم / تساق على حكم الغِوارِ وتُجترُّ
لها جانب من خوفهم متسهِّلٌ / وآخر يرجو أن تَداركه وعرُ
مزعزعَة أيدي سَبَا بين معشرٍ / همُ غمطوا النعمى وغمطهُمُ كفرُ
ولم أر كالعبد الموسَّم آمناً / يروَّع منه ربُّه الملك الحرُّ
محافرُ أكدت في أكفٍّ تخاذلت / فكان عليها حَثْو ما فَحص الحفرُ
ولما نبت بالملك دارُ قرارِهِ / ومال عليه منهم الفاجرُ الغِرُّ
وسُرِّحَ من مكنونه الخوفُ حائماً / عليه وأبدى من نواجذه الشرُّ
وكوشف حتى لم تحصِّنْه رِقْبةٌ / ولم يبق بابٌ للحياء ولا سِترُ
أتتك به الظلماءُ يركب ظهرَها / على ثقةٍ من غيِّه أنك الفجرُ
يناديك قم هذا أوان انتهازها / فشمِّر لها قد أمكن الخائضَ البحرُ
فما ضرّه خذل الذين وراءه / وقدامه منك الحميَّةُ والنصرُ
تلافيتها بالرأي شنعاءَ لم تَجُزْ / بظنٍّ ولم يُنفَقْ على مثلها فكرُ
دعاك لها يا واحداً وهو واحد / فأصرخه من نصحك الجحفلُ المَجْرُ
وفي الناس من تسري له عزماتُه / بعيداً ولم يُشكَمْ حِصانٌ ولا مُهرُ
وأعزلُ ما مدَّ السلاحَ بَنانُه / تَلاوذُ من فتْكاته البيضُ والسمرُ
وما كان إلا أن وفيتَ بعهده / وأسميتَ حتى مات من خوفك الغدرُ
فكنت عصا موسى هوت فتلقَّفت / بآيتها البيضاءِ ما أفَكَ السِّحْرُ
طلعت لنا بالملك شمساً جديدةً / أعادت بياضَ الحقّ والحقُّ مغبَرُّ
ترحَّلَ في يومٍ من الشرّ عابسٍ / وعاد وقد أعداه من وجهك البشرُ
أضاءت لنا من بعد ظلمتها الدجى / فقلنا الوزير القاسميّ أو البدرُ
وكم مثلها من غُمّةٍ قد فرجتُمُ / ومن دولةٍ هيضت وأنتم لها جَبْرُ
دجَتْ ما دجت ثم انجلت وسيوفُكم / كواكبُ فيها أو وجوهكم الغُرُّ
بكم رُبّ هذا الملكُ طفلاً وناشئاً / فما ضمَّه حصنٌ سواكم ولا حِجرُ
وفيكم نمت أعراقه وفروعه / ورفَّت على أغصانه الورَقُ الخُضْرُ
لكم فيه أيامٌ يزيد بياضُها / نُصوعاً وأيامُ الأعادي بها حُمرُ
يداولُ منكم واحداً بعد واحد / فيُرضيه ما تُملي التجاربُ والخُبرُ
وما تمَّ أمرٌ لستُمُ من وُلاتِهِ / وليس لكم نهيٌ عليه ولا أمرُ
لكم سورةُ المجدِ التليدِ وفيكُمُ / طرائفُ من يفخرْ بها فهِيَ الفخرُ
فيوماً أميراً سيفُه ويمينُه / حمى جانبيه أو حبا الدمُ والقَطرُ
ويوماً وزيراً صدرُه ولسانه / كما اشترط القرطاسُ واقترحَ الصدرُ
هو الشرفُ العِجليُّ يَصدَعُ فَجرُهُ / وتُغني عن الدنيا كواكبُهُ الزُّهرُ
ويستوقف الأسماعَ منشورُ ذكرِهِ / إذا وصم الناسَ الأحاديثُ والذكرُ
فلا يعدَم الدهرُ الفقيرُ إليكُمُ / فتىً منكُمُ في جوده يُنسَخُ الفقرُ
ولا زال مغمورٌ من الفضل دارسٌ / يعود به غضَّاً نوالُكُمُ الغَمْرُ
ومُلِّيتَ أنتَ ثوبَ عزٍّ سحبتَهُ / ولا يُبلِهِ سَحْبٌ عليك ولا جَرُّ
يطول إلى أن لا يُرَى ما يطوله / ويمتدّ فيه العمرُ ما حسُنَ العمرُ
وعذراءَ بكراً من عوارفِ ربّها / حُبيت بها ما كلّ عارفةٍ بِكرُ
رآك الإمامُ كفئَها وقِوامَها / فسيقت وما إلا علاك لها مَهْرُ
لبست بها تاجاً وحصناً حصينةً / وإن لم يصغها لا الحديدُ ولا التِّبرُ
تمنَّى رجالٌ أن يكونوا مكانَها / ففاتت ولم يقدِرْ على مثلها قَدرُ
مشيتَ على بُسطِ الخلافة واطئاً / مكاناً تمنّاه من الفَلَك النَّسرُ
مكاناً زليقاً لو سواك يقومُهُ / هوت رِجلُهُ أو ظَنَّ أن الثرى جَمرُ
وقلب شجاع القلبِ والفمِ باسطاً / لسانَك حيث القولُ محتشمٌ نَزرُ
ولما وَعدتَ بالطروق تشوَّف ال / سريرُ إلى رؤياك واشتاقَك القصرُ
وودّ وليّ الأمر كلَّ صبيحة / لعينيه عن إقبال وجهك تفترُّ
مزايا إذا خاف الكَفورُ سراحَها / فعندك فيها أن يقيِّدك الشكرُ
وقد كنتُ أرجوها وأزجرُ طيرَها / بفألٍ قضى أن لا يخيبَ له زجرُ
وأَنذُر إن أدركتُها فيك منسكاً / أقوم به فاليوم قد وجبَ النذرُ
وفاءً عصى أن يستحيلَ به النوى / وعهداً تعالى أن يغيِّره الهجرُ
وشفعاً لأسلافٍ لديك شفيعها / مطاع وقاضيها له الحكم والأمرُ
وإن مسني لذع الجفاء وطال بي / فربّ جفاءٍ في مدارجه عُذرُ
وقد أمكن الإنصافَ والجودَ فرصةٌ / إذا أعوزتْ في العسر قام بها اليسرُ
وهل ضائعٌ حقيّ ومجدُك شاهدٌ / بفضلي وسلطاني على مالِكَ الشعرُ
أعد نظرةً تشجي الزمان بريقه / يراشُ بها المحصوص أو يُجبر الكسرُ
ووفِّر لها أعواض ما فات إنها / غنيمةُ مجدٍ يُستقَلُّ بها الوفرُ
فما زلتُ ألقَى العُدمَ جذلانَ مهوِناً / بما جرَّ علماً أنّ رأيك لي ذخرُ