المجموع : 81
أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ
أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ / وهنَّ بأقران الهوى ظَفراتِ
ضعُفنَ وكان الضعفُ منهنَّ قوةً / فهنَّ على الألبابِ مقتدراتُ
ومُنتقباتٌ بالضياءِ وضاءةً / كما هنَّ بالظَّلْماء مُعتجراتُ
خُلقن من الأضداد فاسودَّت الذُّرا / سوادَ الدجى وابيضَت البَشَراتُ
ومِسْنَ وكثبانُ المآزر رُجَّحٌ / وقضبانُ ما وُشِّحن مُضْطمِراتُ
بَكَرْنَ على باكورتي فابتكرنَها / وهن لها إذ ذاك مُبتكِراتُ
كِلانا اجتنى ما يشتهي من خليله / فأغصانُ ما نهواهُ مُنهَصِراتُ
ذَكَرتُ الصبا وهناً فلا الوجْدُ مُقْلِعٌ / لشيء ولا الأحشاءُ مُصطبراتِ
غليلٌ أبى أن يُطفِئَ الدمعُ نارَهُ / ويُضرمهُ أن تَعصِب الزفراتُ
ألا إنما الدنيا الشبابُ وإنما / سرور الفتى هاتيكمُ السّكراتُ
ولا خيرَ في الدنيا إذا ما رعيتَها / وقد أيبستْ أجنابُها الخَضِراتُ
نُراعُ إذا لاحت نجومُ مشيبنا / كأن نجوم الليل مُنكدراتُ
وتنفطرُ الأكبادُ عند شُمولهِ / كأنّ الطِّباق السبع منفطرات
سيُنسيك أيامَ الشباب وبردَها / فتىً ما جدٌ أيامُه سَبِراتُ
مواصلةٌ آصالُها غُدواتها / من اللاءِ لم تُخْلق لها جمراتُ
ولم تُسلِكَ الأيامُ عن زهَرَاتها / بمثل فتىً أخلاقه زَهراتُ
كمثل أبي العباس إن كان مثلُهُ / وهل مثلُه دامت له الخيَراتُ
أخو السَّرو من آل الفرات وكلُّهُمْ / سَراةٌ ولكن للسَّراةِ سَراةُ
يدُ الله يا آل الفرات عليكُمُ / وأيديكُمُ بالعرفِ منهمراتُ
تَحلّ أياديكم بحقٍ وإنها / لديكم بلا حق لمُحتقَراتُ
أيادٍ بوادٍ لا تُفيق وشايةً / بأيدِ انتهاءٍ وهي مُستتَراتُ
قِرىً لكُم تُخْفونه وهو ظاهرٌ / سجاياكُمُ قِدْماً به يَسراتُ
وكيف بأن يخفَى قِراكم وإنما / بلادُ بني الدنيا لكم حَجَراتُ
أزَرتُمْ قراكم كلّ قومٍ فجاءهم / هنيئاً ولم تُقطع له القَفراتُ
جريتُم مع السُّبَّاق في كل حلبةٍ / فجئتم ولم تُرْهِقْكُمُ الفَتراتُ
رَجَحْتُمْ على أكفائكُم إذ وُزِنتُمُ / وهل يستوي الآلاف والعَشَراتُ
لنا أثرَاتٌ دونكم بثرائكم / ولكن لكم بالسؤدد الأَثراتُ
حلمتم وفيكم مَنعةٌ فأكفُّكم / قوادر لا يعجزنَ مُغتفِراتُ
أَكفٌّ عن الهافينَ طرّاً صوافحٌ / وهنَّ من الباغين مُنتصراتُ
كأنكُمُ ليناً وحدّاً مَناصلٌ / لها الصفحاتُ المُلس والشَّفراتُ
إذا افتخرَ السادات يوماً سكتُّمُ / ولم تَسكُتِ الأحلامُ والأَمرات
وما فَخْرُ قومٍ والمَفاخرُ كلُّها / بهم عند ذكر الفخر مُفتخِراتُ
لهم شِيمٌ إنْ لم تكن أزليةً / فإن بحارَ الأرض مُحتفَراتُ
مفجَّرةٌ قبل السؤال وبعدَهُ / صوافي جِمام الماء لا كَدِراتُ
تكلَّمُ عنكم ما تبين صنائعٌ / سُترنَ وهُنَّ الدهرَ مُشتهراتُ
ومنكم أبو العباس ذاك الذي لهُ / تقاصَرُ في أبدانها القَصَراتُ
فتىً لا قضاياه علينا بوادرٌ / ولا الجود منه باللُّهى خَطَراتُ
ولكن قضاياه سدادٌ وَجُودُهُ / ينابيع بالمعروف مُنفجراتُ
هو المرءُ يسعى والمساعي ثقليةٌ / ويسبِقُ والأنفاس مُنبهراتُ
له ضحكاتٌ حين يُسألُ حاجةً / إذا كثُرت من غيرِهِ الضَّجراتُ
يقول ويُولي منّةً بعد مِنَّةٍ / فيُطنبُ والأقوالُ مُختصراتُ
فلو أُنزلتْ بعد النبيِّينَ سورةٌ / إذاً أنزلت في مدحهِ سُوراتُ
جرى وجرتْ أقلامُهُ خيلَ حَلْبةٍ / وأقلامُ قومٍ عنده حُمُراتُ
نصيحاً إذا غشَّ الولاةَ كفاتُهم / وفيِّاً إذا ما خيفَتِ الغدراتُ
أميناً على مالِ الملوكِ وفيئِهِم / وسوقِهمُ ليست له حثَراتُ
ضليعاً إذا ما اسْتُحْمِلَ الخطبَ ناهضاً / بأعبائه ليست له عثراتُ
يُرَوِّي فَتُسْتَلُّ السيوفُ ولم تزلْ / له هَدآتٌ غِبَّها نَفَرَاتُ
وكم هَدآتٍ للأرِيبِ أَريبةٍ / يخالُ الأعادي أنها فَتَرَاتُ
أخُو الفِكَر اللَّائي إذا فِكَرُ الوَرَى / تَنَاسَتْ هُدَاها فهي مدَّكِرَاتُ
لقد خِيرَ فيه للوزير ولم يزلْ / أبو الصقر مختاراً له الخِيرَاتُ
به تَتَعَرَّى المرْهَفَاتُ وتارةً / تَسَتَّرُ والأغمادُ منحَسِرَاتُ
أمنْتُ ولو غاض الفراتُ من الصَّدَى / لأنك لي يا ابن الفرات فُراتُ
ترى الدَّهْرَ مُرْتَاعاً إذا ما تَتَابَعتْ / إلى صَرْفه من أحمدٍ نظراتُ
مُحَاذَرةً ممن إذا ما تحرَّرتْ / عوارفُهُ زالتْ بها النَكِراتُ
أساءتْ ليَ الأيامُ يا ابن مُحَرَّرٍ / وهُنَّ إليَّ الآنَ مُعْتذِراتُ
رأَينَ مطافي حول حقْوَيْكَ عائذاً / فهنَّ لما أبصرنَهُ حَذِراتُ
وأَوْعدتُهَا تَنْكِيرَكَ النُّكْرَ صادقاً / فقلت رُوَيْداً تَنْجَلي الغمراتُ
إلى الله أشكُو سوءَ رَأْيٍ مُؤَمَّلٍ / معارفُ شِعْرِي عنْده نَكِرَاتُ
وقدْ كنتُ منْ حرمانه في بَليَّةٍ / فقد أرْدفَتْ حرمانَهُ الحَسَراتُ
توَالتْ على العافينَ آلاءُ عُرْفِهِ / وأخْفَقْتُ والآمالُ مُنْتظِرَاتُ
فأَنَّى أَثاب الثَيِّبات ولم يُثِبْ / عَذارَى ولم تُفْضَضْ لها عُذُراتُ
أعِذْ كلماتي فيه من قول قائلٍ / أرى شَجَراتٍ ما لها ثَمراتُ
أمُنْطَوِيَاتٌ دون كَفِّي صِلاتُهُ / وأسرابُ مدْحي فيه منتشرات
أرى الشعر يُحْيي المجد والبأْس والندى / تُبَقِّيهِ أرواحٌ لها عَطراتُ
وما المجد لولا الشِّعْرُ إلا مَعاهدٌ / وما النَّاسُ إلا أعْظمٌ نَخِراتُ
وقد صُغْتُ ما التيجانُ أشباهُ بعضِهِ / وقد حِكْتُ ما أشْباهُهُ الحَبِراتُ
تَربصتَ بي رَيْبَ المنونِ تجرُّني
تَربصتَ بي رَيْبَ المنونِ تجرُّني / على مَطْلك الممدودِ عصراً إلى عصرِ
وأعْطيتني زاد المسافر عالماً / بقلةِ ما أبقى مطالُك من عمري
ومثل امرئٍ أفنى مطالك عمرَهُ / كفاه لعمري مثل نائلك النزرِ
وكم حاجبٍ غضبانَ كاسرِ حاجبٍ
وكم حاجبٍ غضبانَ كاسرِ حاجبٍ / محا الله ما فيه من الكسر بالكسرِ
عبوسٍ إذا حييتهُ بتحيةٍ / فيا لك من كِبْرٍ ومن منطقٍ نَزْرِ
يظل كأن الله يرفع قدرَهُ / بما حطّ من قدري وصغَّرَ من أمري
إذا ما رآني عاد أعمى بلا عمىً / وصَمَّ سميعاً ما بأُذْنيه من وقرِ
أزفُّ إليك البكر ما زُفّ مثلها / فيدفع منها في الترائب والنحرِ
ولو أنه خلّى إليك سبيلها / قررتَ بها عيناً وأثخنتَ في المهرِ
ومن شِيمِ الحجابِ أن قلوبهم / قلوب على الأحرار أقسى من الصخرِ
وأنهمُ لو ملِّكوا القَطر أو وَلُوا / خزائنهُ خافوا النفاد على القطرِ
يخافون أن يحظى سواهم بحظهم / فهم من سؤال السائلين على وحرِ
فلو حلَّؤوني عن شريعة جدولٍ / عذرتُ ولكن حلَّؤوني عن البحرِ
فإن كان لي قَدْرٌ لديك تُسِرُّهُ / فعرّفهُمُ ما لي لديك من القدرِ
ألا ربما سؤتُ الغيورَ وساءني
ألا ربما سؤتُ الغيورَ وساءني / وبات كلانا من أخيه على وحرِ
وقبَّلتُ أفواهاً عِذاباً كأنها / ينابيع خمرٍ حُصِّبت لؤلؤ البحرِ
مدحتُ أبا العباس أطلب رِفْدَهُ
مدحتُ أبا العباس أطلب رِفْدَهُ / فخيَّبني من رفده وهجا شعرِي
فهبنيَ قد أعفيتُه من مَثوبتي / أيُغضي له شعري على مضض الوِترِ
سيبريه شعري حسبَ ما كان راشهُ / ولا خير في شعرٍ يَريش ولا يبري
وإني عليم أنّ فَرْيَ أديمه / يسيرٌ عليه ما غدا سالمَ الوَفْرِ
ومُستصرخي بعد الخليفة صِنْوه
ومُستصرخي بعد الخليفة صِنْوه / أبو أحمد المحمودُ في البدو والحضرِ
فمن مُبَلِغٌ عني موفقَ هاشمٍ / قريعَ بني العباس ذا المجد والفخرِ
وصاحب عهد المسلمين الذي غدا / يُخاف ويُرجَى للعظيم من الأمرِ
يميناً لئن أنتم خذلتم وليَّكم / لتُسْتَفْسَدَنَّ الأولياءُ يد الدهرِ
إذا كان خذلانُ النصير جزاءَهُ / فماذا يرجِّي باذلُ النصر في النصرِ
أتثمِر إسلامَ النصير وليَّهُ / وقايتُهُ إياهُ بالصدر والنحرِ
أبى ذاك أن الرَّيع يشبه بَذْرَهُ / وذلك أن الريع من جوهر البَذْرِ
وغدرُ وليِّ المرء بالمرء فاتحٌ / لشيعته الوافين باباً إلى الغدرِ
هززتك فاغضبْ غضبةً جعفريةً / تكون على الأعداء راغية البَكرِ
ولا تَلْهُ عن إصراخ داعيك بالتي / يسير بها الركبان في البر والبحرِ
تُنافسني في مُؤخِر البِكْر سادراً
تُنافسني في مُؤخِر البِكْر سادراً / وأنت على القَيْدوم من ذِروة البكْرِ
ألا ليت شعري لمْ مطلتَ مثوبتي / ولم تُؤتَ من بخلٍ ولم تؤت من عسر
إخالك إذ جوَّدتُ فيكَ مَدائحي / منعت ثوابي حاسداً لي على شعري
أتحسُدني تجويد رَيْطٍ نسجتُهُ / لتلبسه يا للعجيب من الأمرِ
تذكرْ هداك الله أني مادح / وأنك ممدوح فلا تعدُ بي قدري
ينافس في الشعر النظيرُ نظيره / وجلّ ملوك الناس عن ذلك النّجر
وما يتجارَى الشاعران لغايةٍ / وراء اعتفاءِ الفضلِ من سيدٍ غَمر
وأنت الذي تعفو العُفاة فُضوله / ويُجري إلى معروفه الشعرَ من يجري
فمالك يا هذا نفستَ خَسيستي / وأنت مع الشمس المنيرة والبدر
عليك بإغناء الفقير وجَبْره / وفكِّ الأسير المستكين من الأسر
عليك بفتق الحادثاتِ ورَتقها / وتضريمِ نارِ الحرب بالبيضِ والسُّمر
عليك بأفعال الملوك وخلِّني / وتقريظ ما تأتي من العُرف والنكر
فحسبُ المساعي كلها بك ساعياً / وحسبك وصفي ما تَريش وما تبري
أقول وتعطي نائلاً بعد نائلٍ / فتغرِف من بحر وأقلع من صخر
إذا الشاعر الرومي أطرى أميره / فناهيك من مُطرَىً وناهيك من مطري
وما لمديحي في ثناك زيادةٌ / سوى أنني نظّام لؤلؤكِ النّثرِ
يضِنُّ أبو عيسى علينا بقطنةٍ
يضِنُّ أبو عيسى علينا بقطنةٍ / كأن أبا إسحاقَ ليس بحاضرِ
وفي جودِ إبراهيم طال بقاؤه / لنا عِوض مُعتاضُهُ غير خاسِر
إليك أبا عيسى بقطنك إننا / لنا سيدٌ مستأثِر بالمآثر
أبت لابن حماد مساعيه أن يُرى / إذا ابتدر الساعون غيرَ مبادر
كريم يرى الأموال شرّ ذخيرةٍ / بعينٍ ترى المعروف خير الذخائر
تناولني منه ببرٍّ شكرتُهُ / عليه ولم يطلب به شكر شاكر
رأى نِيقا يستقرق النعتَ كله / جميلاً محيّاه حميد المخابرِ
تضن به الأم الرؤوم على ابنها / وإن كان مأمولاً لسدّ المفاقرِ
له نَفَسٌ قبلَ المذاقِ كأنما / بديهته أنفاسُ غيداءَ عاطرِ
تحيةُ مُشتمٍّ مَلذَّةُ طاعمٍ / إذا ملكتهُ الكفُّ نزهة ناظر
فأهداه لي أهدى له الله نعمةً / محصَّنةً من سوء دَوْر الدوائر
وكنت أخا ضَعفٍ فأنهض مُنَّتي / وما زال معروفاً بأيمن طائر
وإني لأرجو منه قطناً لكسوتي / وأي كريمٍ مُطعِمٍ غيرُ ساتر
وما لأبي عيسى هنالك مِنَّةٌ / ولكنْ لإبراهيم تاجُ المفاخر
فتىً حل من بيت الحُلُومة والتقى / وبذل العطايا منزلاً غير داثر
محلاً إذا وافاه للرِّفد وفده / رأى خير معمورٍ وأفضل عامر
فتى لا تراه فاخراً بمكانه / على أنه فوق النجوم الزواهر
وما وضعْته همةٌ دون مَفْخرٍ / ولكنها أعلتْه فوق المفاخرِ
إذا شِيمُ الأحرار حالت فأصبحت / إماءً أبى منهن غيرَ الحرائرِ
أخا ثقتي أعزِزْ عليّ بنوبةٍ
أخا ثقتي أعزِزْ عليّ بنوبةٍ / مَنَاكَ بها صَرْفُ القضاء المقدَّرُ
أُصبتَ وما للعبد عن حكم ربّهِ / مَحيصٌ وأمر الله أعلى وأقهر
وقد مات من لا يخلُف الدهر مثلهُ / عليك من الأسلاف والحقُّ يبهر
أبٌ بعد أمٍ برَّة وأقاربٌ / مضوا سُرُجاً في ظلمة الليل تَزْهَر
فنمتَ ولم تهجر شرابك بعدهمْ / وكم تهجر النفس الزلالَ وتسهر
تعزيتَ عمن أثمرتْك حياتُهُ / ووشْكُ التعزي عن ثمارك أجدر
لأن احتيال الدهرِ في ابنٍ وفي ابنةٍ / يسيرٌ وكرُّ الدهر شيخيك أعسر
تعذّر أن نعتاض من أمهاتنا / وآبائنا والنسلُ لا يتعذر
إلى أن يقيم الله يومَ حسابهِ / فيُلقون والأرواح تُطوَى وتنشر
فلا تهلِكن حزناً على ابنة جنةٍ / غدتْ وهي عند الله تُحبَى وتحبر
لعل الذي أعطاك سِتر حياتها / كساها من اللحد الذي هو أستر
وفي الماء طهر ليس في الطهر مثله / ولَلتُرب أحياناً من الماء أطهر
ولن تُخبَر الأنثى طوال حياتها / ولكنها بعد المنية تخبر
وليس بمأمونٍ عليها عِثارُها / مدى الدهر أو يقضى عليها وتُقبر
وكم من أخي حريةٍ قد رأيتُهُ / بنار ذوي الأصهار يُكوَى ويُصهر
فلا تتهم لله فيها ولايةً / ولا نظراً فالله للعبد أنْظَر
وأنت وإن أبصرت رشدك كلّهُ / فذو المنظر الأعلى برشدك أبصر
ولن يعوزَ الوهّابَ إخلافُ فارسٍ / فصبراً فإن البَرَّ من يتصبر
وفي العيش مُحْلَولٍ وفي العيش مُمقرٌ / وللدهر معروفٌ وللدهر منكَر
وما هذه الدنيا بدار إقامةٍ / ولكنما الدنيا مجازٌ وَمَعْبر
جزى القاسم الحسنى محسِّنُ وجهِهِ
جزى القاسم الحسنى محسِّنُ وجهِهِ / وجاعِلُهُ ممن يُطيب ويُكْثِرُ
فتى لا يَعُدُّ العطر ضربةَ لازبٍ / ولكنه من نفسه متعطِّرُ
أخو طِيرة لا يكره الله مثلها / ولكنها مما يُحَب ويؤثرُ
إذا نحن قلنا المدح فيه فإنه / من المدح ما لم يَجزه متطيِّر
وإن مديحاً لا يُثاب لنُدبةٌ / لميْتٍ وإن لم يُقبرِ الميتَ مُقْبر
ولو أصبح الممدوح حياً تخيَّرتْ / له نفسُه ما يصطفي المتخير
ومن خِيَرِ الأشياء باقٍ تحوزُهُ / بفانٍ إذا ما اسْتثَبتَ المتبصِّر
وخِلٍّ كخِلْم السوء أنكرتُ ودَّهُ
وخِلٍّ كخِلْم السوء أنكرتُ ودَّهُ / وخُلَّته أنْ نال من وجهيَ الكُبْرُ
يظل يُراعيني بعينَيْ شَناءةٍ / يدل على بَغْضائها النظر الشَّزرُ
رأى الدهر قد أودى بماء شبيبتي / فأنكر مني الشيبَ إنكارهُ النُّكرُ
كأنا تعاقدْنا الخلالة بيننا / على أنني بَسْلٌ على الدهر أو حِجْرُ
ضمنتُ له أن لا أخون فظنني / ضمنتُ له أن لا يخوننيَ الدهرُ
تجاهل أحداث الزمان وإنه / ليعلم حقاً أن قصري له قصرُ
وخِلٍّ كخِلْم السوء أنكرتُ ودَّه
وخِلٍّ كخِلْم السوء أنكرتُ ودَّه / وخُلَّته أن نَكّر الدهر منظري
يظل يُراعيني بعينَي شناءةٍ / ويُعرِضُ عن ودي بخدٍ مُصعّر
كأنا تعاقدنا الخلالة بيننا / لوجهٍ طرير أو لخلْقٍ مصوَّر
رأى الدهر قد أودى بماء شبيبتي / فأنكر من أحداثهِ غيرَ منكر
ولم تر خلم السوء تمنح وصلها / خليلاً فترعاهُ على حين مَكبر
ومن لم يزلْ بالحادثات معيِّراً / فَوشكان ما يُلْحقْنَه بالمعيَّر
ومهما شكا الشاكون من جور دهرهم / فليس مُريباً معشراً دون معشر
وإني وإنْ جفني تقادم عهده / لأمضي مضاءَ المَشرفيِّ المذكَّر
مدحت سليمان المُغلّبَ مدحةً
مدحت سليمان المُغلّبَ مدحةً / تجاوزُ قدرَ العبد لو كان يشكُرُ
فَعُمِّيَ عنهُ ناظراه كأنهُ / بعوراءِ عيْنَيْ جَدِّه ظلّ ينظر
وما كان مدحي من طريدِ هزيمةٍ / على عقبيه سَلْحُه بعدُ يقطُر
شننتُ عليه حلةً ليس عيبها / سوى أنها ظلت تطول ويقصر
أرقتُ كأني بتُّ ليلي على الجمرِ
أرقتُ كأني بتُّ ليلي على الجمرِ / أُراعي كرىً بين السّماكين والنَّسْرِ
كرىً طار عن عيني فحلَّق صاعداً / فأتبعتُه طرفي فأمعنَ في النَّفر
ولِمْ لا وخنزير مهينٌ يُهينني / فيُغضِي على لؤمٍ وأُغضي على قَسْر
سأشكو إلى مستنكرِ النُّكر قاسمٍ / فينظر في أمري بناظرتَيْ صقر
أقاسمُ قد أنفدتُ كلّ وسيلةٍ / وأنفقت ما أثّلتُ من تالد الصبر
على أنك المرء الذي جَبَرتْ به / يدُ الله أوصالَ الكسير من الكسر
وإني الذي لم يُبقِ في الجُهدِ غايةً / لتجبره لوجدتَ للكسر بالجبر
وجشَّمتُ نفسي فيك كلّ عظيمةٍ / إلى أن تكفَّفتُ الشفاعةَ من عمرو
فكان جوابي أنْ حُجبتُ وهكذا / يكونُ جوابَ المبتغي الغوثَ من قبر
وإنّ فقيراً عدّ عَمْراً لفقره / مسدَّاً لذو فقرين فقر على فقر
ففقرٌ من العقل المُسدَّد للهدى / وفقرٌ من المال المشدِّد للأزر
وما كان إلّا القبرَ خبثَ طويَّة / ونَوماً عن الحمد المُجمَّل والأجر
فيا مَنْ رأى مثلي وعمرٌو يردّهُ / بصغرٍ ألا تبكي بذي لجةٍ غَمر
أيحجبني عمرٌو فلا يُحْجَب الحيا / ولا ترتمي الآفاق بالجمر والصخر
ألا ترجُف الدنيا وتهوِي جبالُها / وتخبو مصابيحُ السماء إلى الحشر
بلى قد خبتْ لكن سَطَوْتَ على الدجى / بغرتك المقدوحِ منها سنا الفجر
وقد حجب الله الحيا غيرَ عصمةٍ / بكفَّيك تُغني المقحِطين عن القَطر
تفكرتُ من عمرو وفيّ وفيكُم / فأحسست في الأحشاء جمراً على جمر
وما قصمتْ مذ كنتُ ظهري مصيبةٌ / وطَغْوَى أبي الخُرطوم قاصمة الظهر
أيركب عمرو في الزنوج ولم يزل / يبيت عروساً للزنوج بلا مهر
ويحجب مثلي مستطيلاً بعزكم / وإمدادِكم إياه بالجاه والوفر
عفا اللَّهُ ما أسلفتَهُ من كبيرةٍ / سواها فقد غطّت على الشمس والبدر
وُتِرتُ بوتر فيك لا أستقيده / ولو أنني استنجدت بالصبر والنصر
ولا سِلمَ حتى تُستَرد ظُلامتي / وإلّا فأيقنْ أنّنا فِيئَتا ثغر
ولا حرب إلا عَتبُ نفسٍ كريمةٍ / على سيدٍ في رأيه قال بالظَّفر
تخطى بنُعماه الجسيمة عاتقي / إلى أنْف عمرو تلك آبدةُ العصر
وليس شفائي قتل عمرٍو لأنه / يُراح به من ذلك الجبل الوعر
وما راحتي في طرحهِ ثقلَ أنفه / وما دَركي في أن يُفكّ من الأسر
ولكنْ شفائي أن يطول بقاؤه / بحيث يراني ذا ثَراءٍ وذا وفر
عليّ لَبوسٌ قاسميٌّ من الرضا / وطوق من النعمى وتاجٌ من الفخر
ألا يا لَقومٍ من عَذيريَ من عمرو / غدا ثعلباً يستطعِم الموت من بَبْرِ
عزمت على طيِّ الأهاجيِّ مُنعماً / عليه ومثلي جاد بالصفح والغَفرِ
فعاود ما أنكرت منه بقَطعه / كلامَ شفيعي كاده الله ذو المكرِ
ومن عاد عدنا طالبين بحقنا / ولابد للمستنبِط الماء من حفر
فلا يتعرضْ لي بكيدٍ يخاله / خفيّاً فينكأ فيه بالضرس والظُّفر
لعمرو اليد المقروف شري بظُفرِها / لقد غُرِّرت تغرير قارفة البَثْر
سقى الله بستان الأنيقة منظراً / ومختبراً سُقياً من الدمع والخمر
لعهدي بها يوماً وقد بصُرت به / فقالت تعالى مالكُ الخلق والأمر
ولو لم تألّف قلبَها ببنانها / وقد ريع من عمرو لَطار من الصدر
على أنها قالت دعوه حيالنا / ففي وجهه ملهى عن النَغْم والزمر
دعوا الفيل ذا الخُرطوم يفرح ساعةً / بخُرطومه المقبوح لا وجهه النضر
دعوه يذكِّرنا نكيراً ومُنكراً / وصيحة إسرافيلَ في صِبْحَةِ النشر
دعوه نرددْ لحظَنا فيه إنه / من النُّزَه المغفولِ عنهن في القفر
وما مثلُهُ يبقى علينا لأنه / لنا من هدايا الدهر ذي الغدر والختر
وغنّته صوتاً طيباً وهْو قولها / لصفعُ أبي الخرطوم أحلى من القَمْر
عشقنا قفا عمرٍو وإن كان وجهُهُ / يذكِّرنا قبح الخيانة والغدرِ
فتى وجهُهُ كالهجر لا وصلَ بعدهُ / وأما قفاه فهْو وصل بلا هجرِ
وغنَّتْه صوتاً ثانياً وهْو قولها / طربت إلى أنف صبور على النقرِ
رأى أنفُ عمرو أن يطول كطوله / لنذرٍ جرى منه فزاد على النذر
وعوَّجَ من عمرو تمكُّنُ خبلهِ / كما عوجت كفُّ الصبي من السطر
وغنّته صوتاً ثالثاً وهو قولها / غدا أنف عمرو وهو نهْد على قعر
ولُوِّيَ عمرو لَيَّ لَبلابِ غيضةٍ / وطال فما يَفنى بذرع ولا حزر
إذا ما مشى عمرو ولجّ اضطرابه / فعيناه في شطرٍ ورجلاه في شطر
ثلاثة أصواتٍ تغنت مُجيدةً / بهن لعمرو وهو أفرد من وتر
ولو أنها عاشت قليلاً لأسمعت / طنين قفاه كلّ مستحكم الوَقْر
وذلك جهرُ الحب والشوقُ سرُّهُ / ولا خير في عشق يكون بلا جهر
وكم من ضَروط قد أسال مُخاطها / هواها أبا الخرطوم غَزْراً على غزر
وقد لقبوه نهر بوقٍ تعسفاً / وفي الوغد أشباه من البوق والنهر
فلِلْقدِّ منه طولُ نهرٍ معوَّجٍ / وللأنف منه نغْمة البوق في الكفر
ويا عجباً من أن عمراً مُنادَمٌ / وأني مدحور ألوفٌ مع الدحر
ولو قيل شبِّهْ ريق ظبي تُحبهُ / لشبّهه المخبول بالسمن والتمر
أيا فيل بغداذ إذا عاج خطمُهُ / وخنزير كلواذى إذا عتّ في الجَعْر
ويا مُرزِم القصر المُعجَّب أهله / وحاشاه لا حاشاك يا بومة القصر
أترغم أنفي وهو أنف مكرَّمٌ / وأنفُك أولى بالختان من البظر
وتعقِر قدري مستخفاً بحاجتي / رويدك إن القتل أدهىَ من العقر
منحتُكها يا ابن الوزير تَعلَّةً / وزاداً خفيفاً للمقيمين والسَّفْر
فدونَكها في جوع شهرِك بلُغةً / وفاكهةً تكفيك فاكهة الشهرِ
وطالعْ هلال الصوم في وجه نعمةٍ / مجددةٍ زهراءَ بل نعمٍ عشر
فأنت إذا ما تمَّ أروعُ منظراً / وأعلى مكاناً منه عند أخي حِجر
وكل هلالٍ فهْو غرةُ شهرِهِ / ووجهك فينا غرةُ الشهر والدهر
ومستخبرٍ بالغيب عنك أجبتهُ / وما منطقٌ زكّاه معناك بالنزرِ
فقلت ولم أظلم لك الحق نُقرة / مقالةَ صدق لا يُنهنَه بالزجر
فتى حظه في الصُّنع والعُرف وافرٌ / فلا الصنع في حَظْر ولا العرف في حصر
هو البحر إن يصبح من الله مدُّهُ / ففي الله يمسي جَزْرُه ساعة الجزر
وما جزره إلا استفاضةُ فضله / على ساكني بدو وفي قاطني حَضْر
يفيض إذا فاضت يد الله جارياً / على عادتيه غير ملح ولا كَدر
مُدالاً مُديلاً كلّ يومٍ وليلةٍ / مُنالاً منيلاً زاكيَ الرَّيع والبذر
يناهزه الساقي قريباً مُجمُّهُ / ويسبُرهُ الداهي بعيداً على السبر
متى جئتَ ممتاراً فناهيك من فتى / وإن جئت مرتاداً فناهيك من حَبر
ألم ترني في ظلّ نعمة قاسمٍ / قشرت العصا للمعتدي أيما قشر
وما حار لي حاشاه بل كان سيداً / أبى لي أن يدعونني شحمة الصّهر
ومالي عديدٌ حاضرٌ غير أنني / أروحُ وأغدو في عديدٍ به دَثر
تضيّفتهُ أحلى من الشهد مَرفِداً / وجاورته أحمى حَمِيّاً من الدَّبْر
وسيماً قسيماً يطرِف العينَ نورُهُ / حكيماً عليماً ثابت الجاه والزّبر
تُباكي يداه الغيثَ طوراً وتارةً / يضاحك فوهَ البرقِ عن لؤلؤ حَدْرِ
إذا باع تَجرُ الحمد إياه حَمدَهُم / فقد ربحتْ ربحَ الغنى صفقةُ التجرِ
يروقك من جدٍّ له وفكاهةٍ / بأحسنَ من وجهٍ وأرشق من خصر
ويهوي إليه كل قلبٍ بُودهِ / هُوِيّ القُطاميِّ الغريب إلى الوكر
لذلك أضحى فضّلَ الله نشرَهُ / كتفضيله عَرْف النحور على القبر
وحسبُك أن ألقى عليك اختياره / إمامٌ أطاعتْهُ القلوب بلا قهر
لقاء عليٍّ فيه عند اختبارهِ / وحزم أبي حفص وعدل أبي بكر
وما لمديحي في ثناك زيادةٌ / سوى أنني نظّام جوهرِك النثرِ
أقول وتعطي نائلاً بعد نائلٍ / فأقطعُ من صخرٍ وتغرفُ من بحرِ
ولا تُغفلْن أمراً وهى منه جانب
ولا تُغفلْن أمراً وهى منه جانب / فيتبعَه في الوَهْي لاشك سائرُهْ
إذا طَرَفٌ من حبلك انحلّ عقدُهُ / تداعت وشيكاً بانتقاضٍ مرائرُهْ
إذا اختطّ قومٌ خِطةً لمدينةٍ
إذا اختطّ قومٌ خِطةً لمدينةٍ / تقاضتهمُ أضعافَها للمقابِر
وفي ذاك ما ينهاهُمُ أن يشيّدوا / وأن يقتنوا إلا كزاد المسافرِ
حريث نبيطيٌّ مسمَّى بحرثهِ
حريث نبيطيٌّ مسمَّى بحرثهِ / رآهُ مُسمِّيه صغيراً فصغَّرا
إذا ما عَواريُّ الهجاء تعذَّرتْ / فقُلْ فيه ما فيه فلن يتعذرا
يسيرٌ على هاجيهِ وُجدانُ سبِّهِ / وأعسرُ ما في سبِّهِ أن يُسيَّرا
وذلك أن الله أخمل ذكرهُ / وأعطاهُ من شُنْع المخازي وأكثرا
وكم مثلِهِ من خاملٍ قد كسوتُه / رداءً جديد الطُّرتيْن محبَّرا
فأضحى تراءاهُ العيون نباهةً / ألا ساء زِيّاً للفَخور ومَفْخرا
تشير إليه كلُّ كفٍّ بُسبّةٍ / كما ناهدتْ أيدي الحجيج المُجمَّرا
وماءٍ جلتْ عن حُرِّ صفحته القذى
وماءٍ جلتْ عن حُرِّ صفحته القذى / من الريحِ معطارُ الأصائل والبُكرِ
به عَبَق مما تَسحَّب فوقه / نسيمُ الصّبا تجري على النوْر والزهر
ألا بكرتْ حَرَّى الملامِ تَسعَّرُ
ألا بكرتْ حَرَّى الملامِ تَسعَّرُ / وبئس صبوح المرء لومٌ مبكِّرُ
توعّدُني بالشيب أنْ قد أظلني / وما ذكَّرتني غير ما كنت أذكر
فقلت لها والمرء حامٍ ومانعٌ / شريعتهُ ما أمكن القولَ مصدر
ألا الآن إذ لم تبقَ إلا عُلالتي / أُبادر شيبي بالملاهي وأبدُر
نهتني فزادتني حفاظاً على الصبى / ألا ربما ينهى الجهولُ فيأمر
ترى شبهَ الآساد فيهم مبيّناً
ترى شبهَ الآساد فيهم مبيّناً / ولكنهم أدهَى دهاء وأنكرُ
وجوههُمُ عند اللقاء وجوهها / وألحاظهم ألحاظها حين تنظرُ
هُمُ هيَ لولا إرْبُهم وحلومهم / لهم منظر منها مَهيبٌ ومخبر
لهم عُدّة تكفيهُمُ كل عُدّةٍ / بناتُ المنايا والحِنيُّ المدثّر
هي القوةُ الحق المسمّاة قوة / بتسمية القرآن فيما يفسَّر
يُزلّون عن أكباد كل حَنِيّة / خِفافاً مع الآجال تعلو وتقصر
نواها نواهم في الرمايا كأنما / مواقعُها فيما يشاؤون يُقدَر
لها ألسُنٌ ما تستفيق لهاتها / يكاد لُعاب الموت منهن يقطر
ظِماء إلى وِرد الدماء نواهلٌ / لها مورد من غير مأتاهُ نَصدُر
يولي المُولّي منهُمُ وهْو مانعٌ / حقيقتهُ لم يخزَ منه المذمَّر
يليك بحدّ شائك وهْو مقبلٌ / يليك بحد مثله حين يدبر
هو النار من أي النواحي غشيتَها / تلقَّاك منها جانب يتسعَّر
أو الرمحُ ذو النصلين كيف رهِقتهُ / رِهقت حِمام الموت أو يتأخر
تكون له إجفالةٌ ثم كَرّةٌ / يدمّر فيها سادراً ما يدمَّر
كذلك تلقى الليث فضلَ شهامةٍ / تكون له إجلاءة ثم يَعْكُر
تِراكُهُمُ ما تاركوك غنيمةٌ / شهيدي رسول الله والحقُّ يبهر
فإن كنت منهم جاهلاً أو مُغمَّراً / وهل من نثاهم جاهل أو مغمَّر
فسائل بهم أعداءهم أو ديارهم / تخبِّرك إن لم يبق منهم مخبِّر