المجموع : 8
مَطالِعُ سَعدٍ أَم مَطالِعُ أَقمارِ
مَطالِعُ سَعدٍ أَم مَطالِعُ أَقمارِ / تَجَلَّت بِهَذا العيدِ أَم تِلكَ أَشعاري
إِلى سُدَّةِ العَبّاسِ وَجَّهتُ مِدحَتي / بِتَهنِئَةٍ شَوقِيَّةِ النَسجِ مِعطارِ
مَليكٌ أَباحَ العيدُ لَثمَ يَمينِهِ / وَيالَيتَ ذاكَ العيدَ يَبسُطُ أَعذاري
وَيَحمِلُ عَنّي لِلعَزيزِ تَحِيَّةً / وَيَذكُرُ شَيئاً مِن حَديثي وَأَخباري
لِآلِ عَلِيٍّ زينَةُ المُلكِ وِجهَتي / وَإِن قيلَ شيعِيٌّ فَقَد نِلتُ أَوطاري
أَحِنُّ لِذِكراهُم وَأَشدو بِمَدحِهِم / كَأَنّي بِجَوفِ اللَيلِ هاتِفُ أَسحارِ
وَأُنشِدُ أَشعاري وَإِن قالَ حاسِدي / نَعَم شاعِرٌ لَكِنَّهُ غَيرُ مِكثارِ
فَحَسبي مِنَ الأَشعارِ بَيتٌ أَزينُهُ / بِذِكرِكَ يا عَبّاسُ في رَفعِ مِقداري
كَذا فَليَكُن مَدحُ المُلوكِ وَهَكَذا / يَسوسُ القَوافي شاعِرٌ غَيرُ ثَرثارِ
وَيَسلُبُ أَصدافَ البِحارِ بَناتَها / بِنَفثَةِ سِحرٍ أَو بِخَطرَةِ أَفكارِ
مَعانٍ وَأَلفاظٌ كَما شاءَ أَحمَدٌ / طَوَت جَزلَ بَشّارٍ وَرِقَّةَ مَهيارِ
إِذا نَظَرَت فيها العُيونُ حَسِبنَها / لِحُسنِ اِنسِجامِ القَولِ كَالجَدوَلِ الجاري
أَمَولايَ هَذا العيدُ وافاكَ فَاِحبُهُ / بِحُلَّةِ إِقبالٍ وَيُمنٍ وَإيثارِ
وَيَمِّنهُ وَاِنثُر مِن سُعودِكَ فَوقَهُ / وَتَوِّجهُ بِالبُشرى وَمُرهُ بِإِسفارِ
فَلا زالَتِ الأَعيادُ تَبغي سُعودَها / لَدى مَلِكٍ يَسري عَلى عَدلِهِ الساري
وَلا زِلتَ في دَستِ الجَلالِ مُؤَيَّداً / وَلا زالَ هَذا المُلكُ في هَذِهِ الدارِ
قَصَرتُ عَلَيكَ العُمرَ وَهوَ قَصيرُ
قَصَرتُ عَلَيكَ العُمرَ وَهوَ قَصيرُ / وَغالَبتُ فيكَ الشَوقَ وَهوَ قَديرُ
وَأَنشَأتُ في صَدري لِحُسنِكَ دَولَةً / لَها الحُبُّ جُندٌ وَالوَلاءُ سَفيرُ
فُؤادي لَها عَرشٌ وَأَنتَ مَليكُهُ / وَدونَكَ مِن تِلكَ الضُلوعِ سُتورُ
وَما اِنتَقَضَت يَوماً عَلَيكَ جَوانِحي / وَلا حَلَّ في قَلبي سِواكَ أَميرُ
كَتَمتُ فَقالوا شاعِرٌ يُنكِرُ الهَوى / وَهَل غَيرُ صَدري بِالغَرامِ خَبيرُ
وَلَو شِئتُ أَذهَلتُ النُجومَ عَنِ السُرى / وَعَطَّلتُ أَفلاكاً بِهِنَّ تَدورُ
وَأَشعَلتُ جِلدَ اللَيلِ مِنّي بِزَفرَةٍ / غَرامِيَّةٍ مِنها الشَرارُ يَطيرُ
وَلَكِنَّني أَخفَيتُ ما بي وَإِنَّما / لِكُلِّ غَرامٍ عاذِلٌ وَعَذيرُ
أَرى الحُبَّ ذُلّاً وَالشِكايَةَ ذِلَّةً / وَإِنّي بِسَترِ الذِلَّتَينِ جَديرُ
وَلي في الهَوى شِعرانِ شِعرٌ أُذيعُهُ / وَآخَرُ في طَيِّ الفُؤادِ سَتيرُ
وَلَولا لَجاجُ الحاسِدينَ لَما بَدا / لِمَكنونِ سِرّي في الغَرامِ ضَميرُ
وَلا شَرَعَت هَذا اليَراعَ أَنامِلي / لِشَكوى وَلَكِنَّ اللَجاجَ يُثيرُ
عَلى أَنَّني لا أَركَبُ اليَأسَ مَركَباً / وَلا أُكبِرُ البَأساءَ حينَ تُغيرُ
فَكَم حادَ عَنّي الحَينُ وَالسَيفُ مُصلَتٌ / وَهانَ عَلَيَّ الأَمرُ وَهوَ عَسيرُ
وَكَم لَمحَةٍ في غَفلَةِ الدَهرِ نَفَّسَت / هُموماً لَها بَينَ الضُلوعِ سَعيرُ
فَقَد يَشتَفي الصَبُّ السَقيمُ بِزَورَةٍ / وَيَنجو بِلَفظٍ عاثِرٌ وَأَسيرُ
عَسى ذَلِكَ العامُ الجَديدُ يَسُرُّني / بِبُشرى وَهَل لِلبائِسينَ بَشيرُ
وَيَنظُرُ لي رَبُّ الأَريكَةِ نَظرَةً / بِها يَنجَلي لَيلُ الأَسى وَيُنيرُ
مَليكٌ إِذا غَنّى اليَراعُ بِمَدحِهِ / سَرَت بِالمَعالي هِزَّةٌ وَسُرورُ
أَمَولايَ إِنَّ الشَرقَ قَد لاحَ نَجمُهُ / وَآنَ لَهُ بَعدَ المَماتِ نُشورُ
تَفاءَلَ خَيراً إِذ رَآكَ مُمَلَّكا / وَفَوقَكَ مِن نورِ المُهَيمِنِ نورُ
مَضى زَمَنٌ وَالغَربُ يَسطو بِحَولِهِ / عَلَيَّ وَما لي في الأَنامِ ظَهيرُ
إِلى أَن أَتاحَ اللَهُ لِلصَقرِ نَهضَةً / فَفَلَّت غِرارَ الخَطبِ وَهوَ طَريرُ
جَرَت أُمَّةُ اليابانِ شَوطاً إِلى العُلا / وَمِصرٌ عَلى آثارِها سَتَسيرُ
وَلا يُمنَعُ المِصرِيُّ إِدراكَ شَأوِها / وَأَنتَ لِطُلّابِ العَلاءِ نَصيرُ
فَقِف مَوقِفَ الفاروقِ وَاُنظُر لِأُمَّةٍ / إِلَيكَ بِحَبّاتِ القُلوبِ تُشيرُ
وَلا تَستَشِر غَيرَ العَزيمَةِ في العُلا / فَلَيسَ سِواها ناصِحٌ وَمُشيرُ
فَعَرشُكَ مَحروسٌ وَرَبُّكَ حارِسٌ / وَأَنتَ عَلى مُلكِ القُلوبِ أَميرُ
كَأَنّي أَرى في اللَيلِ نَصلاً مُجَرَّدا
كَأَنّي أَرى في اللَيلِ نَصلاً مُجَرَّدا / يَطيرُ بِكِلتا صَفحَتَيهِ شَرارُ
تُقَلِّبُهُ لِلعَينِ كَفٌّ خَفِيَّةٌ / فَفيهِ خُفوقٌ تارَةً وَقَرارُ
يُماثِلُ نَصلي في صَفاءِ فِرِندِهِ / وَيَحكيهِ مِنهُ رَونَقٌ وَغِرارُ
أَراهُ فَتُدنيني إِلَيهِ شَراسَتي / فَيَنأى وَفي نَفسي إِلَيهِ أُوارُ
وَأَهوي بِزَندي طامِعاً في اِلتِقاطِهِ / فَيُدرِكُهُ عِندَ الدُنُوِّ نِفارُ
تَخَبَّطَني مَسٌّ مِنَ الجِنِّ أَم سَرَت / بِأَجزاءِ نَفسي نَشوَةٌ وَخُمارُ
أَرانِيَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمٍ / فَيالَيتَ شِعري هَل يَليهِ نَهارُ
سَأَقتُلُ ضَيفي وَاِبنَ عَمّي وَمالِكي / وَلَو أَنَّ عُقبى القاتِلينَ خَسارُ
وَأُرضي هَوى نَفسي وَإِن صَحَّ قَولُهُم / هَوى النَفسِ ذُلٌّ وَالخِيانَةُ عارُ
فَيا أَيُّها النَصلُ الَّذي لاحَ في الدُجى / وَفي طَيِّ نَفسي لِلشُرورِ مَثارُ
تُرى خَدَعَتني العَينُ أَم كُنتُ مُبصِراً / وَهَذا دَمٌ أَم في شَباتِكَ نارُ
وَهَل أَنتَ تِمثالٌ لِكَيدٍ نَوَيتُهُ / وَذاكَ الدَمُ الجاري عَلَيكَ شِعارُ
فَإِن لَم تَكُن وَهماً فَكُن خَيرَ مُسعِدٍ / فَإِنّي وَحيدٌ وَالخُطوبُ كُثارُ
وَكُن لي دَليلاً في الظَلامِ وَهادِياً / فَلَيلي بَهيمٌ وَالطَريقُ عِثارُ
عَلى الفَتكِ يا دُنكانُ صَحَّت عَزيمَتي / وَإِن لَم يَكُن بَيني وَبَينَكَ ثارُ
فَإِن يَكُ حُبُّ التاجِ أَعمى بَصيرَتي / فَما لي عَلى هَذا القَضاءِ خِيارُ
أَعِرني فُؤاداً مِنكَ يا دَهرُ قاسِياً / لَو أَنَّ القُلوبَ القاسِياتِ تُعارُ
وَيا حِلمُ قاطِعني وَيا رُشدُ لا تَثُب / وَيا شَرُّ ما لي مِن يَدَيكَ فِرارُ
وَيا لَيلُ أَنزِلني بِجَوفِكَ مَنزِلاً / يَضِلُّ بِهِ سِربُ القَطا وَيَحارُ
وَإِن كُنتَ لَيلَ المانَوِيَّةِ فَليَكُن / عَلى سِرِّ أَهلِ الشَرِّ مِنكَ سِتارُ
وَيا قَدَمي سيري حِذاراً وَخافِتي / مِنَ المَشيِ لَو يُنجي الأَثيمَ حِذارُ
وَقَفتُ بِجَوفِ اللَيلِ وَقفَةَ ساحِرٍ / لَهُ الجِنُّ أَهلٌ وَالمَكايِدُ دارُ
إِذا اِشتَمَلَ اللَيلُ البَهيمُ عَلى الوَرى / تَجَرَّدَ لِلإيذاءِ حَيثُ يُثارُ
فَمالي كَأَنّي فاتِكٌ ذو عَشيرَةٍ / خِيارُهُمُ تَحتَ الظَلامِ شِرارُ
إِذا ما عَوى ذِئبُ الفَلا هَبَّ جَمعُهُم / إِلى الشَرِّ وَاِستُلَّت ظُباً وَشِفارُ
أَنا العاشِقُ العاني وَإِن كُنتَ لا تَدري
أَنا العاشِقُ العاني وَإِن كُنتَ لا تَدري / أُعيذُكَ مِن وَجدٍ تَغَلغَلَ في صَدري
خَليلَيَ هَذا اللَيلُ في زَيِّهِ أَتى / فَقُم نَلتَمِس لِلسُهدِ دِرعاً مِنَ الصَبرِ
وَهَذا السُرى نَحوَ الحِمى يَستَفِزُّنا / فَهَيّا وَإِن كُنّا عَلى مَركَبٍ وَعرِ
خَليلَيَ هَذا اللَيلُ قَد طالَ عُمرُهُ / وَلَيسَ لَهُ غَيرُ الأَحاديثِ وَالذِكرِ
فَهاتِ لَنا أَذكى حَديثٍ وَعَيتَهُ / أَلَذُّ بِهِ إِنَّ الأَحاديثَ كَالخَمرِ
أَطَلَّ عَلى الأَكوانِ وَالخَلقُ تَنظُرُ
أَطَلَّ عَلى الأَكوانِ وَالخَلقُ تَنظُرُ / هِلالٌ رَآهُ المُسلِمونَ فَكَبَّروا
تَجَلّى لَهُم في صورَةٍ زادَ حُسنُها / عَلى الدَهرِ حُسناً أَنَّها تَتَكَرَّرُ
وَبَشَّرَهُم مِن وَجهِهِ وَجَبينِهِ / وَغُرَّتِهِ وَالناظِرينَ مُبَشِّرُ
وَأَذكَرَهُم يَوماً أَغَرَّ مُحَجَّلاً / بِهِ تُوِّجَ التاريخُ وَالسَعدُ مُسفِرُ
وَهاجَرَ فيهِ خَيرُ داعٍ إِلى الهُدى / يَحُفُّ بِهِ مِن قُوَّةِ اللَهِ عَسكَرُ
يُماشيهِ جِبريلٌ وَتَسعى وَراءَهُ / مَلائِكَةٌ تَرعى خُطاهُ وَتَخفِرُ
بِيُسراهُ بُرهانٌ مِنَ اللَهِ ساطِعٌ / هُدىً وَبِيُمناهُ الكِتابُ المُطَهَّرُ
فَكانَ عَلى أَبوابِ مَكَّةَ رَكبُهُ / وَفي يَثرِبٍ أَنوارُهُ تَتَفَجَّرُ
مَضى العامُ مَيمونَ الشُهورِ مُبارَكاً / تُعَدَّدُ آثارٌ لَهُ وَتُسَطَّرُ
مَضى غَيرَ مَذمومٍ فَإِن يَذكُروا لَهُ / هَناتٍ فَطَبعُ الدَهرِ يَصفو وَيَكدُرُ
وَإِن قيلَ أَودى بِالأُلوفِ أَجابَهُم / مُجيبٌ لَقَد أَحيا المَلايينَ فَاُنظُروا
إِذا قيسَ إِحسانُ اِمرِئٍ بِإِساءَةٍ / فَأَربى عَلَيها فَالإِساءَةُ تُغفَرُ
فَفيهِ أَفاقَ النائِمونَ وَقَد أَتَت / عَلَيهِم كَأَهلِ الكَهفِ في النَومِ أَعصُرُ
وَفي عالَمِ الإِسلامِ في كُلِّ بُقعَةٍ / لَهُ أَثَرٌ باقٍ وَذِكرٌ مُعَطَّرُ
سَلوا التُركَ عَمّا أَدرَكوا فيهِ مِن مُنىً / وَما بَدَّلوا في المَشرِقَينِ وَغَيَّروا
وَإِن لَم يَقُم إِلّا نِيازي وَأَنوَرٌ / فَقَد مَلَأَ الدُنيا نِيازي وَأَنوَرُ
تَواصَوا بِصَبرٍ ثُمَّ سَلّوا مِنَ الحِجا / سُيوفاً وَجَدّوا جِدَّهُم وَتَدَبَّروا
فَسادوا وَشادوا لِلهِلالِ مَنازِلاً / عَلى هامِها سَعدُ الكَواكِبِ يُنثَرُ
تَجَلّى بِها عَبدُ الحَميدِ بِوَجهِهِ / عَلى شَعبِهِ وَالشاهُ خَزيانُ يَنظُرُ
سَلامٌ عَلى عَبدِ الحَميدِ وَجَيشِهِ / وَأُمَّتِهِ ما قامَ في الشَرقِ مِنبَرُ
سَلوا الفُرسَ عَن ذِكرى أَياديهِ عِندَهُم / فَقَد كانَ فيهِ الفُرسُ عُمياً فَأَبصَروا
جَلا لَهُمُ وَجهَ الحَياةِ فَشاقَهُم / فَباتوا عَلى أَبوابِها وَتَجَمهَروا
يُنادونَ أَن مُنّي عَلَينا بِنَظرَةٍ / وَأَحيي قُلوباً أَوشَكَت تَتَفَطَّرُ
كِلانا مَشوقٌ وَالسَبيلُ مُمَهَّدٌ / إِلى الوَصلِ لَولا ذَلِكَ المُتَغَشمِرُ
أَطِلّي عَلَينا لا تَخافي فَإِنَّنا / بِسِرِّكِ أَوفى مِنهُ حَولاً وَأَقدَرُ
سَلامٌ عَلَيكُم أُمَّةَ الفُرسِ إِنَّكُم / خَليقونَ أَن تَحيَوا كِراماً وَتَفخَروا
وَلا أُقرِئُ الشاهَ السَلامَ فَإِنَّهُ / يُريقُ دِماءَ المُصلِحينَ وَيَهدُرُ
وَفيهِ هَوى عَبدُ العَزيزِ وَعَرشُهُ / وَأَخنى عَلَيهِ الدَهرُ وَالأَمرُ مُدبِرُ
وَلا عَجَبٌ أَن ثُلَّ عَرشُ مُمَلَّكٍ / قَوائِمُهُ عودٌ وَدُفُّ وَمِزهَرُ
فَأَلقى إِلى عَبدِ الحَفيظِ بِتاجِهِ / وَمَرَّ عَلى أَدراجِهِ يَتَعَثَّرُ
وَقامَ بِأَمرِ المُسلِمينَ مُوَفَّقٌ / عَلى عَهدِهِ مُرّاكِشٌ تَتَحَضَّرُ
وَفي دَولَةِ الأَفغانِ كانَت شُهورُهُ / وَأَيّامُهُ بِالسَعدِ وَاليُمنِ تُزهِرُ
أَقامَ بِها وَالعودُ رَيّانُ أَخضَرٌ / وَفارَقَها وَالعودُ فَينانُ مُثمِرُ
وَعَوَّذَها بِاللَهِ مِن شَرِّ طامِعٍ / إِذا ما رَمى إِدوَردُ أَو راشَ قَيصَرُ
وَفيهِ نَمَت في الهِندِ لِلعِلمِ نَهضَةٌ / أَرى تَحتَها سِرّاً خَفِيّاً سَيَظهَرُ
فَتَجري إِلى العَلياءِ وَالمَجدِ شَوطَها / وَيُخصِبُ فيها كُلُّ جَدبٍ وَيَنضُرُ
وَفيهِ بَدَت في أُفقِ جاوَةَ لَمعَةٌ / أَضاءَت لِأَهليها السَبيلَ فَبَكَّروا
فَيالَيتَهُ أَولى الجَزائِرَ مِنَّةً / تُفَكُّ لَها تِلكَ القُيودُ وَتُكسَرُ
وَفي تونُسَ الخَضراءِ يا لَيتَهُ بَنى / لَهُ أَثَراً في لَوحَةِ الدَهرِ يُذكَرُ
وَفيهِ سَرَت في مِصرَ روحٌ جَديدَةٌ / مُبارَكَةٌ مِن غَيرَةٍ تَتَسَعَّرُ
خَبَت زَمَناً حَتّى تَوَهَّمتُ أَنَّها / تَجافَت عَنِ الإيراءِ لَولا كُرومَرُ
تَصَدّى فَأَوراها وَهَيهاتَ أَن يَرى / سَبيلاً إِلى إِخمادِها وَهيَ تَزفِرُ
مَضى زَمَنُ التَنويمِ يا نيلُ وَاِنقَضى / فَفي مِصرَ أَيقاظٌ عَلى مِصرَ تَسهَرُ
وَقَد كانَ مُرفينُ الدَهاءِ مُخَدَّراً / فَأَصبَحَ في أَعصابِنا يَتَخَدَّرُ
شَعَرنا بِحاجاتِ الحَياةِ فَإِن وَنَت / عَزائِمُنا عَن نَيلِها كَيفَ نُعذَرُ
شَعَرنا وَأَحسَسنا وَباتَت نُفوسُنا / مِنَ العَيشِ إِلّا في ذُرا العِزِّ تَسخَرُ
إِذا اللَهُ أَحيا أُمَّةً لَن يَرُدَّها / إِلى المَوتِ قَهّارٌ وَلا مُتَجَبِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى قادَةٍ تَبني وَشَعبٍ يُعَمِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى عالِمٍ يَدعو وَداعٍ يُذَكِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى عالِمٍ يَدري وَعِلمٍ يُقَرَّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى حِكمَةٍ تُملى وَكَفٍّ تُحَرِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلَيكُم فَسُدّوا النَقصَ فينا وَشَمِّروا
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ لا تَترُكوا غَداً / يَمُرُّ مُرورَ الأَمسِ وَالعَيشُ أَغبَرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنَّ بِلادَكُم / تُناشِدُكُم بِاللَهِ أَن تَتَذَكَّروا
عَلَيكُم حُقوقٌ لِلبِلادِ أَجَلُّها / تَعَهُّدُ رَوضِ العِلمِ فَالرَوضُ مُقفِرُ
قُصارى مُنى أَوطانِكُم أَن تَرى لَكُم / يَداً تَبتَني مَجداً وَرَأساً يُفَكِّرُ
فَكونوا رِجالاً عامِلينَ أَعِزَّةً / وَصونوا حِمى أَوطانِكُم وَتَحَرَّروا
وَيا طالِبي الدُستورِ لا تَسكُنوا وَلا / تَبيتوا عَلى يَأسٍ وَلا تَتَضَجَّروا
أَعِدّوا لَهُ صَدرَ المَكانِ فَإِنَّني / أَراهُ عَلى أَبوابِكُم يَتَخَطَّرُ
فَلا تَنطِقوا إِلّا صَواباً فَإِنَّني / أَخافُ عَلَيكُم أَن يُقالَ تَهَوَّروا
فَما ضاعَ حَقٌّ لَم يَنَم عَنهُ أَهلُهُ / وَلا نالَهُ في العالَمينَ مُقَصِّرُ
لَقَد ظَفِرَ الأَتراكُ عَدلاً بِسُؤلِهِم / وَنَحنُ عَلى الآثارِ لا شَكَّ نَظفَرُ
هُمُ لَهُمُ العامُ القَديمُ مُقَدَّرٌ / وَنَحنُ عَلى الآثارِ لا شَكَّ نَظفَرُ
ثِقوا بِالأَميرِ القائِمِ اليَومَ إِنَّهُ / بِكُم وَبِما تَرجونَ أَدرى وَأَخبَرُ
فَلا زالَ مَحروسَ الأَريكَةِ جالِساً / عَلى عَرشِ وادي النيلِ يَنهى وَيَأمُرُ
لَقَد كانَتِ الأَمثالُ تُضرَبُ بَينَنا
لَقَد كانَتِ الأَمثالُ تُضرَبُ بَينَنا / بِجَورِ سَدومٍ وَهوَ مِن أَظلَمِ البَشَر
فَلَمّا بَدَت في الكَونِ آياتُ ظُلمِهِم / إِذا بِسَدومٍ في حُكومَتِهِ عُمَر
رَثاكَ أَميرُ الشِعرِ في الشَرقِ وَاِنبَرى
رَثاكَ أَميرُ الشِعرِ في الشَرقِ وَاِنبَرى / لِمَدحِكَ مِن كُتّابِ مِصرَ كَبيرُ
وَلَستُ أُبالي حينَ أَرثيكَ بَعدَهُ / إِذا قيلَ عَنّي قَد رَثاهُ صَغيرُ
فَقَد كُنتَ عَوناً لِلضَعيفِ وَإِنَّني / ضَعيفٌ وَما لي في الحَياةِ نَصيرُ
وَلَستُ أُبالي حينَ أَبكيكَ لِلوَرى / حَوَتكَ جِنانٌ أَم حَواكَ سَعيرُ
فَإِنّي أُحِبُّ النابِغينَ لِعِلمِهِم / وَأَعشَقُ رَوضَ الفِكرِ وَهوَ نَضيرُ
دَعَوتَ إِلى عيسى فَضَجَّت كَنائِسٌ / وَهُزَّ لَها عَرشٌ وَمادَ سَريرُ
وَقالَ أُناسٌ إِنَّهُ قَولُ مُلحِدٍ / وَقالَ أُناسٌ إِنَّهُ لَبَشيرُ
وَلَولا حُطامٌ رَدَّ عَنكَ كِيادَهُم / لَضِقتَ بِهِ ذَرعاً وَساءَ مَصيرُ
وَلَكِن حَماكَ العِلمُ وَالرَأيُ وَالحِجا / وَمالٌ إِذا جَدَّ النِزالُ وَفيرُ
إِذا زُرتَ رَهنَ المَحبَسَينِ بِحُفرَةٍ / بِها الزُهدُ ثاوٍ وَالذَكاءُ سَتيرُ
وَأَبصَرتَ أُنسَ الزُهدِ في وَحشَةِ البِلى / وَشاهَدتَ وَجهَ الشَيخِ وَهوَ مُنيرُ
وَأَيقَنتَ أَنَّ الدينَ لِلَّهِ وَحدَهُ / وَأَنَّ قُبورَ الزاهِدينَ قُصورُ
فَقِف ثُمَّ سَلِّم وَاِحتَشِم إِنَّ شَيخَنا / مَهيبٌ عَلى رَغمِ الفَناءِ وَقورُ
وَسائِلهُ عَمّا غابَ عَنكَ فَإِنَّهُ / عَليمٌ بِأَسرارِ الحَياةِ بَصيرُ
يُخَبِّرُكَ الأَعمى وَإِن كُنتَ مُبصِراً / بِما لَم تُخَبِّر أَحرُفٌ وَسُطورُ
كَأَنّي بِسَمعِ الغَيبِ أَسمَعُ كُلَّ ما / يُجيبُ بِهِ أُستاذُنا وَيُحيرُ
يُناديكَ أَهلاً بِالَّذي عاشَ عَيشَنا / وَماتَ وَلَم يَدرُج إِلَيهِ غُرورُ
قَضَيتَ حَياةً مِلؤُها البِرُّ وَالتُقى / فَأَنتَ بِأَجرِ المُتَّقينَ جَديرُ
وَسَمَّوكَ فيهِم فَيلَسوفاً وَأَمسَكوا / وَما أَنتَ إِلّا مُحسِنٌ وَمُجيرُ
وَما أَنتَ إِلّا زاهِدٌ صاحَ صَيحَةً / يَرِنُّ صَداها ساعَةً وَيَطيرُ
سَلَوتَ عَنِ الدُنيا وَلَكِنَّهُم صَبَوا / إِلَيها بِما تُعطيهِمُ وَتَميرُ
حَياةُ الوَرى حَربٌ وَأَنتَ تُريدُها / سَلاماً وَأَسبابُ الكِفاحِ كَثيرُ
أَبَت سُنَّةُ العُمرانِ إِلّا تَناحُراً / وَكَدحاً وَلَو أَنَّ البَقاءَ يَسيرُ
تُحاوِلُ رَفعَ الشَرِّ وَالشَرُّ واقِعٌ / وَتَطلُبُ مَحضَ الخَيرِ وَهوَ عَسيرُ
وَلَولا اِمتِزاجُ الشَرِّ بِالخَيرِ لَم يَقُم / دَليلٌ عَلى أَنَّ الإِلَهَ قَديرُ
وَلَم يَبعَثِ اللَهُ النَبِيّينَ لِلهُدى / وَلَم يَتَطَلَّع لِلسَريرِ أَميرُ
وَلَم يَعشَقِ العَلياءَ حُرٌّ وَلَم يَسُد / كَريمٌ وَلَم يَرجُ الثَراءَ فَقيرُ
وَلَو كانَ فينا الخَيرُ مَحضاً لَما دَعا / إِلى اللَهِ داعٍ أَو تَبَلَّجَ نورُ
وَلا قيلَ هَذا فَيلَسوفٌ مُوَفَّقٌ / وَلا قيلَ هَذا عالِمٌ وَخَبيرُ
فَكَم في طَريقِ الشَرِّ خَيرٌ وَنِعمَةٌ / وَكَم في طَريقِ الطَيِّباتِ شُرورُ
أَلَم تَرَ أَنّي قُمتُ قَبلَكَ داعِياً / إِلى الزُهدِ لا يَأوي إِلَيَّ ظَهيرُ
أَطاعوا أَبيقوراً وَسُقراطَ قَبلَهُ / وَخولِفتُ فيما أَرتَئي وَأُشيرُ
وَمِتُّ وَما ماتَت مَطامِعُ طامِعٍ / عَلَيها وَلا أَلقى القِيادَ ضَميرُ
إِذا هُدِمَت لِلظُلمِ دورٌ تَشَيَّدَت / لَهُ فَوقَ أَكتافِ الكَواكِبِ دورُ
أَفاضَ كِلانا في النَصيحَةِ جاهِداً / وَماتَ كِلانا وَالقُلوبُ صُخورُ
فَكَم قيلَ عَن كَهفِ المَساكينِ باطِلٌ / وَكَم قيلَ عَن شَيخِ المَعَرَّةِ زورُ
وَما صَدَّ عَن فِعلِ الأَذى قَولُ مُرسَلٍ / وَما راعَ مَفتونَ الحَياةِ نَذيرُ
لَكَ اللَهُ قَد أَسرَعتَ في السَيرِ قَبلَنا
لَكَ اللَهُ قَد أَسرَعتَ في السَيرِ قَبلَنا / وَآثَرتَ يا مِصرِيُّ سُكنى المَقابِرِ
وَقَد كُنتَ فينا يا فَتى الشِعرِ زَهرَةً / تَفَتَّحُ لِلأَذهانِ قَبلَ النَواظِرِ
فَلَهفي عَلى تِلكَ الأَنامِلِ في البِلى / فَكَم نَسَجَت قَبلَ البِلى مِن مَفاخِرِ
وَيا وَيحَ لِلأَشعارِ بَعدَ نَجِيِّها / وَوَيحَ القَوافي ساقَها غَيرُ شاعِرِ
تَزَوَّدتَ مِن دُنياكَ ذِكراً مُخَلَّداً / وَذاكَ لَعَمري نِعمَ زادُ المُسافِرِ
وَأَورَثتَنا حُزناً عَلَيكَ وَحَسرَةً / عَلى فَقدِ سَبّاقٍ كَريمِ المَحاضِرِ
فَلَم تَثوِيا عَبدَ الحَليمِ بِحُفرَةٍ / وَلَكِن بِرَوضٍ مِن قَريضِكَ ناضِرِ
فَديوانُكَ الرَيّانُ يُغنيكَ طيبُهُ / عَنِ الزَهرِ مَطلولاً بِجودِ المَواطِرِ
فَسامِر أَبا بَكرٍ هُناكَ فَإِنَّهُ / سَيَظفَرُ في عَدنَ بِخَيرِ مُسامِرِ
هَنيئاً لَكَ الدارُ الَّتي قَد حَلَلتَها / وَأَعظِم بِمَن جاوَرتَهُ مِن مُجاوِرِ
عَلَيكَ سَلامٌ ما تَرَنَّمَ مُنشِدٌ / وَقامَ خَطيبٌ فَوقَ هامِ المَنابِرِ