المجموع : 31
لئن رجعت أَيام لَيلى كعهدها
لئن رجعت أَيام لَيلى كعهدها / شكوت إليها بعض ما فعل الهجرُ
وإن فاتَني عصر الشباب الَّذي خلا / فَما فاتَني يوماً لأفراحه الذكر
غَدير أَقام البدر في اللَيل طالِعاً / يطل عليه ثم ينعكس البدر
لَقَد كانَ من لَمياء لي الحسن وحده / وَمنّي للمياء الصبابة وَالشعرُ
لَقَد طلبت أن لا أَبوح بحبها
لَقَد طلبت أن لا أَبوح بحبها / وَلكنني قد بحت حتّى فشا أَمري
فَواللَه ما أَدري إذا ما لقيتها / وَقَد سأَلتني ما يَكون لَها عذري
ذممت سماء ما لها أنجمٌ زهرُ
ذممت سماء ما لها أنجمٌ زهرُ / وأرضاً خلاء ما بها أوجهٌ غرُّ
وَما زلت أعتاد الطواف ببقعة / بها قد تمشى الحسن يخفره الطهر
وقفت حيال الجسر أَقتَحِم الهَوى / وانظر من يدنيه للساحل الجسر
عَلى الجانِب الغَربي من حوض دجلة / بنات خَفاها ثم أبرزها الخدر
فشمت ابتسامات هناك وأدمعاً / يهزان أعصابي كأَنَّهما الشعر
وجوه عليهنَّ الكآبة والأَسى / وأخرى عليهنَّ البشاشة وَالبشر
وَمُضطَرِب يَشكو الحَريق كأَنَّما / بأَثوابه مِمّا يَلي جلدَه جمر
بدا طالِعَا جيدٍ ونحرٍ لزينب / فَما عيب منها ذلك الجيد وَالنحر
تَرى البدر يَبدو مشرقاً فوق دجلة / يطل عليها ثم ينعكس البدر
ذكرتك يا لَيلى بغناء غضة / فَهاجَ غَرامي كله ذلك الذكر
سواء عَلى من باتَ يَرجو حِمامَه / وَقَد حُمَّ يا لَيلى وِصالُك وَالهجر
علمت وَقَد ذقت الهَوى منك وَالنَوى / بأَنَّ الهَوى حلوٌ وأن النوى مر
تَعالي نصب من لذة العمر حظنا / فَقَد يَتَوَلّى ثم لا يَرجع العمر
خذ الحق إن الحق يحسن أَخذه
خذ الحق إن الحق يحسن أَخذه / فَلَيسَ به عيب سوى أنه مر
ومن حاد عَن نهج الطَبيعة لَم يعش / وَمن لَم يدار الدهر ناصبه الدهر
إذا باتَ مَكشوفاً إِلى كل باسط / يداً كان مضياعاً لبيضته الخدر
وَما المَرء إلا روحه فهو وحده / لباب وأما الجسم فهو له قشر
لَقَد وسعت أَرض تقل جسومنا / وأَوسع منها في جماجمنا الفكر
وَقَد سترت لَيلى الحَقيقة وَجهها / وَللعين حظ منه لَو رفع الستر
وَكَم حاول الإنسان كشفاً لسرها / بما حازَ من علم فَما انكشف السر
أَحقاً تَرى أَنَّ الهدى غير ما ندري
أَحقاً تَرى أَنَّ الهدى غير ما ندري / وأَنا جَميعاً في ضلال من الأمرِ
كأَنَّك قلبت الهدى من وجوهه / فَظَهراً إلى بطن وَبطناً إلى ظهرِ
فأَيقنت أن لَيسَ الهدى غير ضلة / وألفيت أن الخير ضربٌ من الشرِّ
لساني عَلى الصمت الطَويل مواظب / وَفي الصدر آراء يضيق بها صَدري
وَقَد كنت لا أَدري حَقيقة ما أَرى / زَماناً وَلا أَدري بأني لا أَدري
يَقولون أَبواب السَماء جميعها / ستفتح للإِنسان في لَيلة القدرِ
فَقلت لهم ماذا سينفع فتحها / إذا لَم يَكن فيها الولوج بذي يسرِ
لَقَد تعبوا دون الوصول إلى المنى / كَذَلك من يمشون في مسلك وعرِ
أقول لشيخ يَجمَع المال دائباً / أَتأَخذ ما جمعت منه إِلى القبرِ
من الجهل لا تذكو ببغداد خلة / وَهَل ينبت الريحان في البلد القفرِ
أَبَت نفس حر أَن تذل لضائِمٍ / وأَحرِ بها أَن لا تذل له أَحرِ
سيخفق في الأمر الَّذين تعجّلوا / وَيأَكل أَهل الصبر من ثمر الصبرِ
لَقَد كانَ في بَغداد للشؤم يأَمرُ
لَقَد كانَ في بَغداد للشؤم يأَمرُ / عَلى فرقة من فيلق الترك جعفرُ
وَكانَ له زوج وكان ركونُه / إليها كَثيراً فهي تنهى وَتأمر
تسمى زليخاً وَهيَ شمطاءُ فظةٌ / من الناس طراً بالقَساوة تذكر
وكانَ له منها فتاة جَميلةٌ / قَد اِشتَهَرَت واسم الجَميلةِ دلبر
وَجارية في بيته شركسيةٌ / تسمى سُليمى وَهيَ عَذراءُ معصر
مهفهفة رود كأن قوامها / قضيب من الليمون غضٌّ منوَّر
لها نظر كالسيف ماض غرارُهُ / وَوجه كمثل الزهر أَو هو أَزهر
تكاد بفرع طال منه غدائرٌ / ثلاثٌ إذا ما أَسبلتهنَّ تعثر
تَفوق عَلى بنت الأمير بحسنها / وأخلاقها فيما يقال وَيخبر
وَقَد جاءَ أن البنت دلبر نابها / عياء من الجدريّ بالمَوت ينذر
فأنشب فيها الداء أَظفار فتكه / وأعجز من قد كان في الطب يمهر
فَماتَت به في ميعة من شبابها / وَسيقت إلى حيث الأكابر تقبر
إلى حيث لا يرجى مآب لراحل / إليه وَهَل من مورد الموت مصدر
وإن الَّذي قاسَت زليخا من الأسى / عَلى دلبرٍ فوق الَّذي يُتصور
بكتها سليمى بالدموع غَزيرة / وَباتَ عليها قلبُها يتفطر
وَلكن بكاها المستمر لحزنها / عَلى دلبرٍ ما كانَ يُجدي وَيثمر
فإن زليخا كلما بصرت بها / أحست بنار في الجوانح تسعر
فتسخط إذ لا شيء يوجب سخطها / وَتشتمها في وجهها وَتحقِّر
وَترفسها من غير ذنب برجلها / وَتوجع ضرباً بالعصا وَهيَ تصبر
لَقَد أَشفق الخدامُ في القصر كلهم / عليها ولكن من عَلى المنع يجسر
أَبت أن تراها كل يوم جميلة / وَدلبر تبلى في التراب وَتدثر
تَموت بريعان الشَبيبة بنتُها / وَتَحيا سليمى في محاسن تكثر
تَقول أَلا لَيتَ المَنايا تجنبت / فَتاتيَ واحتلت بمن تتخير
وَلَيتَ المَنايا ما تخرَّمْنَ دلبراً / وَغلْنَ سليمى فهي بالموت أَجدَر
وَهَل ذنب هَذا الدهر إذ غال دلبراً / وأَبقى سليمى في الحَياة يُكفَّر
حَياة سليمى بعد ميتة دلبرٍ / من الدهر ذنبٌ فادح لَيسَ يغفر
فدى دلبراً بل ساعةً من حَياتها / كمثل سليمى أَلفُ بنتٍ وأكثر
وَظَنيَ أَنَّ الموت قد كانَ قاصِداً / سليمى فَقالَت إنني أنا دلبر
وَتلك سليمى وَهي تومي لدلبرٍ / فخذها ورح يا موت إنك تقهر
سليمى خدعت الموت حتى دللته / عَلى دلبرٍ إن الَّذي جئت منكر
سأجزيك شراً بِالَّذي قد عملته / من الشر إني يا سليمي لأقدر
أشوه وَجهاً طالَما بجماله / فتنت عيوناً نحو وجهك تنظر
فيصبح منك الوجه قد زالَ حسنه / جَميعاً وَمنه الناس أجمع تسخر
وَصاحَت بخدامٍ لديها فجندلوا / سليمى كشاةٍ بالقساوة تجزر
فقصت زليخا فرعها من أصوله / وَكانَ يَزور الأرض ساعة ينشر
وَنتفت الأهداب منها وحلَّقت / حواجبَ زجاً راق منهن منظر
سمعت عويلاً في دجى اللَيل راعني / وَعلَّ به روعَ الملائكِ أَكبر
فَساءلتُ ما هَذا العويل فقيل لي / فؤادٌ بإيقاع الأذى يتكسَّر
وَقَد كانَت الدار الَّتي نزلوا بها / عَلى دجلة حيث المياه تحدَّر
سليمى اِرتقَت في سطحها بعد هجعة / من الناس في الأطراف وَاللَيل مقمر
تفكِّر في اللَيل الَّذي ازدان جوه / بما فيه من نجمٍ يغيب وَيظهر
وإشراق وجه الماء بالبدر لامعاً / عليه من الأنوار ثوبٌ محبَّر
كأَنَّ الصبا ما أَولع النفس بالصبا / عَلى الماء آلافاً من الماس تنثر
رأَت كل شيء في الطَبيعة غيرها / جميلاً به تجلى العيون وَتبهر
وَلكنها دون الخَليقة كلها / من الوجه يُمحَى حسنُها وَيُغيَّر
أَأَهرب من وجه الرَزايا إِلى الفلا / إلى الغاب إن الغاب لا شك أستر
وَلكنني لا أَهتَدي لسَبيله / فهَل من دَليل لي لدى اللَه يؤجر
وَهب أن لي ذاكَ الدَليل وأنني / هربت فهَل يألو عَن البحث جعفر
إذا ظفرت بي عنده يد سيدي / فإن زليخا من عذابيَ تكثر
وأحسن منه اللوذ بالموت إنه / عَلى غيره عند الضَرورة يؤثر
فإن المَنايا لا يرجعنني إلى / زليخا وإن كانَت بذلك تأمر
أموت أَجل إني أَموت فَفي الردى / نَجاتي الَّتي ما زلت فيها أفكِّر
ألا أَيُّها البدر المنور إنني / سأبلى وَبَعدي هَكَذا أَنتَ تسفر
لأنت سَعيدٌ أيُّها البدر فالتمِعْ / كَما شئتَ لا زالَت بك الأَرض تزهر
فَما لزليخا أَيُّها البدر سلطة / عليك وَلا إن رقت يا بدر توتر
وَداعا فإني أَيُّها البدر لا ترع / إلى الموت من هَذا المَكان سأطفر
وَبعدئذٍ جازى الإلهُ بعدله / بيوتاً بإيقاع الجرائر تعمر
رمت نفسها في دجلة فاِختفت بها / كأن لم تكن شيئاً على الأرض يذكر
تفكرت في أَمر الحَياة فَما الَّذي / تعلمت منه أيها المتفكِّر
تَرى زهرة قد أعجب العين لونها / وفاح لها في الروض عَرفٌ معطر
تهب عليها الريح من بعد ساعة / فتسقط من أَوراقها وَتُبعثر
وَتبصر عصفوراً تزين ريشه / يغرد في عالي الغصون وَيصفر
فَيَلقاه صقر ذو مخالب أَجدَلٌ / فيخطفه من قبل ما هو يشعر
وَمِمّا يسلِّي النفس منيَ علمُها / بأن بقاء الشيء لا يتيسر
فيردى الَّذي قد كانَ للغير مردياً / وَيقهر من قد كانَ لِلناس يقهر
وَلَم تكن الأشياء تفنى وإنما / إلى صورة من صورة تتغير
لأنت جَدير بالظهور عَلى العدى
لأنت جَدير بالظهور عَلى العدى / وَأَنتَ بتأييد الخلافة أَجدَرُ
جهادك يفشي البرقُ أخبار نصره / وَفوزك في كل الجَرائد ينشر
وَفعلك في الأفواه يتلى وَفي الوَرى / يشيع وَفي التاريخ بعدك يذكر
يود العلى والحق أَنَّك كلما / تقابل أعداء السلامة تظهر
إليك عيون المسلمين بأسرهم / عَلى بعدهم في الشرق وَالغرب تنظر
لَقَد صَحَّ أن الضعف ذل لأهله / وأن عَلى الأرض القويّ مسيطر
وأن اقتحام الهول أقصر مسلك / إلى المَجد إلا أنه متوعر
هيَ الحَرب تعلي أُمةً فتزيدها / نشاطاً وَتُشقي أمة وَتؤخر
وَلا حكم إلا للأسنة وَالظُبى / وَللنار فهي اليوم تنهى وتأمر
وَشتان بين الجند قد هبَّ زاحفاً / وَجند تولى وَهو بالخزي يعثر
وَما هذه في الدهر أَول مَرَّة / رأى الحق فيها الظالِمون فأنكروا
بغوا مرة من بعد أخرى فَنالهم / أذى البَغي وَالتاريخ أَمر مكرر
لَقَد جاسَ جيش الحق أرض عدوه / كَما غاصَ في صَدرٍ طوى الحقدَ خنجر
لَقَد عشت عمراً أَنتَ فيه ظهيرُ
لَقَد عشت عمراً أَنتَ فيه ظهيرُ / لمن عاشَ بين الناس وَهوَ فَقيرُ
بكفك مصباحٌ من العلم ساطعٌ / به لعقول الناشئين تنير
وَقَد كنت حراً في حَياتك مصلحاً / تَدور مَع الإنصاف حيث يَدور
وَكنت لأصحاب الزعامَة واعظاً / تذكرهم أن الحَياة غرور
وَقفت أَمام الظلم ترغم أَنفه / وأنتَ على الإرغام أنتَ قَدير
دَعاكَ الردى أن صِر فصرت إلى الردى / إلى حيث كل العالمين يصير
فأطبقت منك العين إطباق راقد / تَثور شَظاياه وَلَيسَ يَثور
كانك لم تغضب عَلى الغاضِب الَّذي / يَطول عَلى إخوانه وَيَجور
كانك من أَجل المحاماة لم تقف / شجاعاً بحيث النائبات تَدور
أَفِدنا بأسرار الحياة درايةً / فأنت بأسرار الحَياة خَبير
كأني بالأيام بعدك أَثمرت / صلاحاً إليه أَنتَ كنت تشير
تنبهت الأذهان غبّ هجوعها / وَقَد حدثت بعد الأمور أُمور
كأني بصرح الأمن شِيد بربوة / إلى جانبيها روضة وَغَدير
كأني بحسناء المساواة قَد بَدَت / وَلَيسَ عَلَيها برقع وَستور
وَددت لَو اَنِّي اليَوم مثلك ميت / فَلَم ترَ عيني من يضير يضير
فإن يك أَمر قد تحسَّن مرة / فَقَد قبحت من بعد ذاكَ أُمور
أَتَت دون فعل الخير حتى أَزحنه / شرورٌ عَلى آثارهن شرور
تضمن منك القبر لَو يَعلَم القَبرُ
تضمن منك القبر لَو يَعلَم القَبرُ / أَديباً بكاه الناس وَالعلمُ وَالشعرُ
بكاه الندى لما أصيب به الندى / بكاه الحجى والمجد والحسب الوفر
وَقفت عَلى قبر طوى أَقربَ الورى / إِليَّ وَدمع الحزن من أَعيني نثر
على جدث موفٍ جديد ترابه / هناك هناك الجود والنائل الغمر
هناك هناك العلم والفهم والنهى / هناك هناك الفضل والصدق والبشر
هناك أخي عبد الغنيّ مغيَّب / هناك شقيقي مؤنسي صاحبي البَر
فَيا قَبر أَنتَ اليوم أَكرم بقعة / من الأرض ذاتَ العرض فيها اِنطوى حر
ليَ الويل من رزء عظيم أصابني / وكسرٍ على الأيام ليس له جبر
فيا لهوَ أفراح الليالي وطيبها / ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
لعمري قد اِجتثت يَدُ المَوت دوحةً / تَسامَت الى العلياء أغصانها الخضر
مضى من بهِ قد كان يسترُّ صحبُه / فهل بعده يسترُّ من كان يسترُّ
لقد مات من قد كان للجود موئلا / لقد مات من قد كان يحيا بهِ البر
لَقَد ماتَ مَن قَد ماتَ عزي لموته / وَماتَ عزائي وَالسَكينة وَالصبر
لِنَفسي إذا ناجيت نَفسي ضراعة / وأَوجه آمالي الَّتي بطلت غبر
وفي القلب حرٌّ فاض دمعي لأجلهِ / على أن دمعي لا يبوح بهِ الحرّ
ذخرت لهذا أدمعي ولمثله / فواخجلي في الرزء إن نفد الذخر
لعمرك ما موت اللئام خسارة / ولكن موت الأكرمين هو الخُسر
يقتّلنا ريب المنون وما له / سلاح ولا ناب هناك ولا ظفر
أتعلم هذي الناس أن حياتهم / إلى الموت مهما التذ صاحبها جسر
وأن رضا الأيام عنهم خديعة / وأن مصافاة الليالي لهم مكر
نعم جهلوا والجهل عذر مصيرهم / ولو علموا ما اغتر من كان يغتر
أَعبد الغنيّ اسمع إذا كنتَ سامعاً / نداء أَخٍ قد نابه بعدك الضر
نداءَ أخ ذم الحياة لأنها / إذا لم تكن يسراً لحاملها عسر
نداء أَخ قد زارَ قبرك سائِلاً / لتخبره هَل صان أَوصالك القبر
أَم القبرِ لَم يحفظك حتى مشى البلى / إلى ذلك الخد الَّذي دونه الزهر
بِنَفسيَ يا عبد الغنيّ وأسرتي / وَفاؤُك وَالحسنى عفافك وَالطهر
على بُرحاءَ الشوق منا هجرتنا / وزدت على ما ليس يبلغه الهجر
يعز عَلَينا أَن يلم بك الرَدى / وَيذبل ذاكَ الزهر وَالورق النضر
لقد طفت عشراً حول قبرك لاثماً / تراباً عليهِ ما له قبل ذا قدرُ
وأجريت من عيني دموعاً مصونة / بها ابتل مني الخد والجيد والنحر
فأعززت تُرباً كان قبلك صاغرا / وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
قضى اللَه رب الناس فينا بفرقة / ولِلّه رب الناس فيما قضى الأمر
رحلت عَن الدُنيا وَخلفت للأسى / أَخاً لك حلو العيش في فمه مر
أَخاً لك أَبكي الدهر بعدك عينَه / وَقَد كانَ قبلاً فيك يضحكه الدهر
أَخاً لك لا شمس الضحى في نهاره / تضيء وَلا في لَيله الأنجم الزهر
إذا ما نهارى جاء ساورني الأسى / وإن جنَّ ليلي فالأسى عسكر مجر
وَما كانَ منك العمر قد بلغ المدى / وَلكنما الأيام شيمتها الغدر
تعاقب أيامي برغم فتمِّحي / ولا ينمحي من لوح فكري لك الذكر
قسمت الأسى بين المساء وصبحها / فهذا له شطر وهذا له شطر
لذكراك في قَلبي ومن يأْسَ يدّكرْ / جوىً هُوَ مثل الجمر أَو دونه الجمر
يَذوب بِصَدري القَلب من حرّ ما به / وَذلك دَمعي لا بكيّ وَلا نزر
بكيتك حتى صار يرحمني البكا / وترحمني البلوى ويرحمني الضر
يَقولون صبراً يا جَميل عَلى الَّذي / أَصابك من رزء وأنى لي الصبر
ولو أن أحزاني بدجلة ما جرت / ولو أنها بالصخر لانفطر الصخر
ولو أنها بالبر زلزل عرضه / ولو أنها بالبحر لاضطرب البحر
وما أنس لا أنس اجتماعاتنا التي / بها العيش قرت عينه فهي العمر
وَكُنّا غصوناً أَنتَ زهرة روضها / وَكُنّا نجوماً أَنتَ من بينها البدر
لقد كنت للقطر العراقي سؤدداً / وفخراً لو ان القطر دام له الفخر
وإذ صرَّح الناعي له بوفاته / وقد راعني من أجل ما قاله الذعر
خررت مكباً وانتفضت بجملتي / كما انتفض العصفور بلله القطر
وقلت كما الطائيُّ قال بعصره / كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
عذرت عيوناً فاض للرزءِ ماؤها / وليس لعين لم يفض ماؤها عذر
فيا لك من خطب يضل له الهدى / ويا لك من كرب يضيق به الصدر
ويا لك من رزءٍ له بتُّ واجما / وبات فؤادي فيه يعروه ما يعرو
ثقيل على روحي سماع نعيه / فيا لت سمعي كان عنه به وقر
وحين أتوا بالنعش من ضيعة له / توُفىَ فيها صدَّق الخبرَ الخبر
فقام عويلٌ للنساءِ وضجة / لها ارتجفت أرض المنازل والجدر
وصكت وجوه لم تكن قبلُ لطمت / وأُرخى منها في مناكبها الشعر
فقمنا حوالي نعشه نندب العلى / ونبكيه طول الليل حتى بدا الفجر
ولما غسلناه وتمَّ جهازه / وأُودع تابوتاً يجلله ستر
رفعناه بالأيدي وفوق خدودنا / وفوق تراقينا مدامعنا نثر
مشى من صنوف الناس إذ ذاك خلفه / بكاةً ألوفٌ ليس يحصيهم الحصر
ولما وصلنا الأعظمية ضحوة / دفناه في قبر أتم له الحفر
نظرت بإمعان إلى قعر قبره / إذا عرضه شبران بعدهما فتر
وأبنا إلى بغداد والناس ألسن / تكرّر أوصافاً له كلها غرُّ
وقمنا بمرسوم العزاء لأجلهِ / ثلاثة أيام بها يقرأ الذكر
فجاء إلينا الناس من كل وجهة / يعزوننا في قولهم لكم الصبر
ويتلون الروح التي أمس قد نأت / فواتح يهدى في تلاوتها الأجر
أيأمرني بالصبر قوم على الأسى / وقد أهلكت أهل الليالي وهم كثر
وقد غالت الإخوان إلا أقلهم / كأنهمُ ما ساعدوني ولا سروا
دهتهم فرادى واحداً بعد واحدٍ / كأن الليالي عند أهلي لها وتر
أرى الموت وثاباً عَلَى كل موسر / وكل فقير فات مجهوده اليسر
فقد نزع المثرين من عقرِ مالهم / كأنهمُ من قبل ذلك لم يثروا
وغال أناساً مدقعين فلم يكن / ثقيلاً وإن الموت يحمده الفقر
فيا موت زر أهل التعاسة إنه / عظيم لدى من زرت منهم لك الشكر
لنا من حياة في تضاعيفها الأذى / طريق إلى الراحات مسلكه وعر
أَفي أَول الأيام مسكنك القَصرُ
أَفي أَول الأيام مسكنك القَصرُ / وَفي آخر الأيام منزلك القبرُ
عداك البلى يا من مَشى يطلب البلى / وَحيا محياك الوضاءة وَالبشر
يَقولون صبراً يا جَميل عَلى الَّذي / دهاكَ وَما لا أَستَطيع هُوَ الصبر
ذممت نهاري بعد صحبي وَلَيلَتي / فَلا أوجهٌ غرٌّ وَلا أَنجمٌ زهر
وَلا خير في لَيل توارَت نجومه / وَلا في نهار ما به أَوجه غر
لَقَد كانَ وجه الورد عند اِنفتاحه / جَميلاً كَما نَهوى وَطابَ له النشر
قد افترّ ثغر الروض يبسم للحيا / إذا ما بكى وَالأقحوان هُوَ الثغر
فَيا لَيتَني قد كنت أَعرف جيداً / بأي مَكان بعدهم ينبت الزهر
وَما أنضر العشب الَّذي كان نابتاً / بروضته لَو كانَ يعهده القطر
رَجاءٌ لهونا برهةً بابتسامه
رَجاءٌ لهونا برهةً بابتسامه / وَيأسٌ عبوس فاِنقضى هَكَذا العمرُ
ركبت عباب البحر وَالريح زعزع / عَلى زورق في اللَيل فاِضطرب البحر
حياة الفَتى جسر إلى ميتة الفَتى / وَلا بد من يوم به يعبر الجسر
وَللناس في دار البلى كل راحة / وَقَد عاقهم عنها الحَياة وَلَم يدروا
بعين الفَتى ما عاش تحلو حياته / وَلَو أنَّ ذاكَ العيش في فمه مر
سأَرحل عن بَغداد رحلة مزمع / إلى مصر في يوم وإن بعدت مصر
فَلا العلم يا بَغداد فيك مبجَّل / وَلا الشعر يا بَغداد فيك له قدر
ألا ما أَقل الصحب في محنة الفَتى / على أنهم في يوم نعمته كثر
وَما اِخترع الإنسان آلات فتكه / بآخر إلا وَالحياة هي العذر
عليك اللَيالي قد قَضَت أن تبيت في / قَرارة سيل الرزء يعروك ما يَعرو
كأنك في وادي الحوادث صخرة / تصارعها الأمواج وَالريح وَالدهر
تمر عليه صادمات لصدره / وَيثبت صبّاراً عَلى مرها الصخر
لَقَد حلَّقت خَمسون طيارة مَعاً / تزمجر فاِستولى عَلى البلد الذعر
لَقَد سَئمت دنياي نَفسي فإنها
لَقَد سَئمت دنياي نَفسي فإنها / لمنزلة لي دون منزلة القبر
فَما أَنا في قَبري أحس ببعض ما / أحس به في جنب دنياي من شر
لَقَد سامني دَهري بِبَغداد ذلةً
لَقَد سامني دَهري بِبَغداد ذلةً / وَماذا عَسى في مصر أَن يفعل الدهر
وظنيَ أَني سَوفَ ألقى حفاوة / يَطول عَلى الأيام مني لها الشكر
وأَما الألى ما إِن لهم من حَقيقة / فَلا خيرهم خير وَلا شرهم شر
لَقَد ضَرَّ أَعدائي بِمالي وَمَنصبي / وأَما بِعِرضي أَو بجاهي فَما ضروا
وَقفت أَمام السيل ينطح جبهتي / بمنتصف الوادي كَما وقف الصخر
إذا لَم يذد عَن نفسه بلسانه / فَقُل ليَ ماذا يَفعَل الشاعر الحر
هُوَ البحر لا يَبقى عَلى حالة له / فطوراً به مدٌّ وَطوراً به جزر
لَقَد هاجَ فيَّ الشعرَ ذكرُ أحبتي
لَقَد هاجَ فيَّ الشعرَ ذكرُ أحبتي / وأحسن شعر قيل ما هاجه الذكرُ
وَما الشعر إلا بالمَعاني الَّتي له / إذا كبر المعنى به كبر الشعر
كأنيَ من حبي لِلَيلى ومن نوىً
كأنيَ من حبي لِلَيلى ومن نوىً / نأت بيَ عن لَيلى أبيتُ على جمر
ويحدث عندي ذكر ليلى صبابةً / فماذا ترى لي محدثاً عندها ذكري
أحبك يا لَيلى على السخط والرضى / وأهواك يا ليلى على الوصل والهجر
لعلك يا ليلى إذا متُّ آسياً / تمرين يوماً بعد ذكري على قبري
تريدين مني الشعر يا ابنة يعرب / وإنك أنت الشعر أو قبلة الشعر
ونحن بأرض جمَّة شعراؤُها / ولما يُجِدْ في الشعر منهم سوى النزر
كثار لعمري المعجبون بشعرهم / وليس الألى قد برزوا فيه بالكثر
وما كل من قد غاص في البحر طالباً / ليخرج منه الدر يظفر بالدر
ويرزي بفحل الشعر ناسٌ حسادةً / أولئك فحل الشعر أيضاً بهم يزرى
ويدري غواة الشعر من هو مفرد / ولكنَّ من لم يغو بالشعر لا يدري
وليس المجيد المستقل مقلداً / ولا ذا مغالاة يبالغ في الأمر
وليس بسبّاقٍ سوى الشاعر الَّذي / إذا قال كان الشعر ضرباً من السحر
وهل عُدَّ يوماً غير ذي عبقرية / من الشعراء المستقلين في الفكر
ومن كانَ حراً في شعور يبثه / قريضاً يفك الشعر من ربقة الأسر
إذا الشعر لم يوقظ أناساً من الكرى / فَلَيسَ عليه وهو قد هزَّ من وزر
إذا كان من بحر الطبيعة يستقي / فَلَيسَ إلى التَقليد للشعر من فقر
تكاد على طول الجفاء ومضِّه / تَموت السَجايا الغرّ في الشاعر الحر
أدير بروض الشعر يا قوم أبصاري
أدير بروض الشعر يا قوم أبصاري / فأنظر أشواكاً بجانب أزهارِ
وما الشعر يخشى في العراق معارضاً / ولكنما أنصاره غير أنصار
وليس على ليل قد اسودَّ فحمه / ملام ولكنَّ الملام على الساري
وَللشعر إما قيل بالحق قيمة / وإن كانَ في بغداد لَيسَ له شاري
إذا لم يبث الشعر إحساس أهله / فَلَيسَ خليقاً أَن يفوز بإكبار
وأحسن شعر ما يتم انطباقه / على الأمر أو يبدي الخيال بمقدار
وأحسن منه حكمة عربية / تدور على الأَفواه كالمثل الجاري
ويكدر ماء الشعر بعد صفائه / ويصفو لمن يُعْنَى به بعد أكدار
سيأتي زَمان فيه للشعر دولة / فتخبر فيه القوم من أنا آثاري
اذا أَنا لم أَتبع شعوراً يجيش بي / فكيف إذا حاولتُ أنظم أَشعاري
أَقول لمن يزري على الشاعر الَّذي / له الحق جماً أن يكون هو الزاري
تريد مَع التقليد في الشعر جدة / وما زند أصحاب التقاليد بالواري
أراك بإيعاز الجهالة ساعياً / لتحويل ماء عن مجاريه موار
وكم تدعي بالشعر علما ونقده / وأَنتَ عن العلم الَّذي تدعي عاري
تريد بظفر منك تمزيق جلده / فهل لك عند الشعر ويحك من ثار
لعلك لا تدري بانك واقف / بليل وقد أَدجى على جرف هاري
أرى الناس في الآداب فوضى فما بهم / جريءٌ يعز الحق منها بإظهار
وإني دريت الحال ثم ذممته / فهل أَنتَ يا من جاء يحمده داري
إذا كان شعري لا يلاقي حفاوة / فَلَيسَ على شعري هنالك من عار
بل العار كل العار يلحق معشراً / أبوا لفساد الذوق أنساً بأفكاري
أَرى فلقاً يَمحو الدجى ثم لا أَدري
أَرى فلقاً يَمحو الدجى ثم لا أَدري / أَمطلع فجر ذاكَ أَم مطلع الشعر
أَم اليوم قد هبت ترحب دجلةٌ / ببلبلها الغرّيد بالشاعر الحر
كأَنَّ شعاع النجم والنجم طالع / يضيء جميلاً بعض أَخلاقه الغر
قد اخضلَّ روض الشعر حتى حمدته / وَحَتى رأَيت الزهر يبسم للزهر
ترنم يَشدو بلبل فوق أيكه / وَيهتف صبحاً بين أَغصانه الخضر
وإني لأطري الشعر منه يهزني / وأي امرئٍ للشعر إن هُزَّ لا يطري
وَما الشعر إلا ما اِنطوى لفظه على / شجيٍّ من الإحساس أو مطلب بكر
ولا هو إلا بالجناحين طائر / وكل جناح منه يظهر في شطر
وإن البيان العذب للبّ خالب / ولكن بعض الشعر ضرب من السحر
وإني لتعروني من الشعر هزةٌ / كأَنَّ بِجسمي كهربائية تسري
لَقَد طالَ ليلُ اليأس حتىّ أملني / وَلا بد لليل الَّذي طالَ من فجر
إلى أَن بدا صبح فغرد بلبل / وشبب في نهد من الروض بالزهر
بغناء جادتها من الليل مزنة / فَعادَت بها الأزهار باسمة الثغر
جرى شعراء العصر في حلبة لهم / فجاء أمام الكل ذو غرة يجري
لَقَد غمطوا بغدادَ في شعرائها / وَقالوا جلال الشعر أَجمع في مصر
من الناس مَن يدري وَلَيسَ بقائلٍ / حذاراً ومنهم من يقول ولا يدري
يَقولون إنا للحقيقة نَبتَغي / ومن يك أَهلاً للحقيقة يستقر
أَأَحكم بين المدعين بباطل / فأَحمل أَوزاراً ينوء بها ظهري
ورب ظلام في الحياة مخيم / أشدُّ على الإنسان من ظلمة القبر
وإني بمعروفٍ لأَعتز أنه / أَخو ثقة والحر يعتز بالحر
كلانا يريد الحق فيما يَقوله / وإني وإياه إلى غاية نجري
فخذ بيدي اللهم في كل دعوة / وَهَذا أَخي معروف اشدد به أزري
إذا قلتَ شعراً ذاع في كل جانب / كأَنَّ أَثير الكون واسطة النشر
أزحتَ بنور منك ظلمةَ ليله / فَماذا به أَبقيتَ للأَنجم الزهر
أحييك يا مصر الجَميلة يا مصرُ
أحييك يا مصر الجَميلة يا مصرُ / بشعر يزكيه شعوريَ والفكرُ
بشعر كتغريد العنادل مطربٍ / تعي الأذن ما يعني فينشرح الصدر
بشعر إليه النفس تلقي قيادها / تخال به سحراً وليس به سحر
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه / فَلَيسَ خَليقا أن يقال له شعر
تحيَّة شيخ شاب أكثر رأسه / وَلما تشب منه الصبابة والذكر
تحيَّة من قد جاء أرضك ينضوى / إلى راية في وجهها كتب النصر
إلى راية خضراء كالنبت زانها / هلال به قد حق للعرب الفخر
إلى بلد يَلقى به الحق ذادةً / وَينعم في أكنافه الشاعر الحر
إلى بقعة فيها الأديب مكرم / وأرض عليها ينبت الأدب النضر
قصدت بسيري مصر حتى وصلتها / ولا بد من مصر وإن بعدت مصر
وإن العراق اليوم كالبحر مائج / به تعبث الأنواء والمد والجزر
طغى ثم غاض البحر من بعد ما طغى / وَلَيسَ بما في نفسه يعلم البحر
وَكابدت في تلك الربوع تعاسةً / وَليلاً تثير الشجوَ أَنجمُه الزهر
فَيا لَك من ليل كأَنَّ نجومه / عيون إلى وجهي لها نظر شزر
لَقَد طالَ حتى خلته غير منقضٍ / وَحتى كأَنَّ الليل لَيسَ له فجر
وَلِلَّه ما كابدته من تعصب / يقبِّحه من راض أخلاقه العصر
يَلومون من يأبى سوى العقل هادياً / وَيَرمون بالكفر امرأً ما به كفر
وَضاقَت بنا بغداد حتى كأَنَّها / على رَحَبٍ فيها لأبنائها قبر
وأما أحبائي هناك فقد قضوا / سوى النزر منهم لَو يَعيش ليَ النزر
أراد العدى أن يرهقوني بمكرهم / وإن سلاح العاجزين هو المكر
وَما أَنا من يجزي القَبيح بمثله / على أن بعض الشر يدفعه الشر
تجنبتهم من قبل أن يفرخ القلى / وَقاطعتهم من قبل أن يفدح الأمر
وَكَم وعدوا أن ينصفوني فما وفوا / وكم حلفوا أن يصدقوني فما بروا
نصحت فَلَم أَسمَع كلامي كأَنَّما / بآذان قومي حين أنصحهم وقر
وَلَولا شباب أيدوني بنصرهم / لما كانَ للكسر الَّذي هاضني جبر
على الصبر يا نفسي الكئيبة عوِّلي / فَلا عسر إلا سوف يعقبه يسر
وَمن حاد عن نهج الحقيقة لم يعش / ومن لم يدار الدهر ناصبه الدهر
تعلق بأهداب الطبيعة تنتفع / هناك هناك الجود والنائل الغمر
صبرت على ضيمي ببغداد حقبةً / فما سرت إلا بعد أن نفد الصبر
وَفي الأرض للرواد مرعىً وموردٌ / وفي الأرض منأىً عن مكان به ضر
وقد يبخل الإنسان في وفره على / أَخيه الَّذي أكدى ولا يبخل القطر
وقد ذقت حلو العيش دهراً ومره / إلى أن تساوى في فمي الحلو والمر
نزلت بوادي النيل أنقع غلتي / فَزالَ بماء النيل عن كبدي الحر
نزلت به بعد الفرات ودجلة / أعلُّ فأنسانيهما ماؤه الغمر
ذوت دوحة بالأمس كانَت تظلني / إذا صخدتني الشمس أفنانها الخضر
لَقَد قطعوا أغصانها وفروعها / فَلَم يَبقَ ذاكَ الفيء والورق النضر
وَلَو أن في بغداد حراً أَعزها / ولكنما بغداد لَيسَ بها حر
سوى نفر ليسوا قليلاً بعلمهم / أضاء بنور العصر منهم بها الفكر
أولئك يعتز العراق بصدقهم / ويسعد في الآتي بمسعاهم القطر
خذ الحق إن الحق يحسن أَخذه / فَليسَ به عيب سوى أنه مر
وإن طريق المجد في كل بقعة / قَريب على من سار لكنه وعر
وَلما وصلت الثغر كان لحسنه / بِوَجهي وقد أَحببته يبسم الثغر
وَها أَنا ذا ألقى بمصر رعاية / فمنها ليَ النعمى ومني لها الشكر
لَقَد سر قَلبي أن في مصر أُمةً / تمتع باستقلالها فلها الأمر
وَقَد جاهدت مصر الفتية دونه / وَبعد جهاد طال قد أَفلحت مصر
فأكرم بقوم ناضلوا عن حقوقهم / وأَشجع بقوم لا يروعهمُ الذعر
وَقوم إلى استقلال أوطانهم سعوا / أولئك فوق الأرض يبقى لهم ذكر
وَفي مصر آداب وتلك ثمارها / لأبناء مصر ثم للعرب الفخر
فَيا مصر أَنت اليوم أَكرم بقعة / حماها من الأطماع أَبناؤُها الغر
تحررت لما شئت أَن تتحرري / وَلَيسَ على حال يَليق بك الأسر
يَموت أناس في سبيل حقوقهم / وَلَيسَ يموت الحق فهو له العمر
أَردتَ لهم خيراً فجازوك بالشر
أَردتَ لهم خيراً فجازوك بالشر / كَذاك يجازَى الخير في غالب الأمر
إلى البلد الحر ارتحل غير قافلٍ / فَقَد يَستَريح الحر في البلد الحر
لعلكِ يا لَيلى إذا مت نازحاً / ستهدين من بعد سلاماً إِلى قَبري
يقولون إن الدهرُ يصلح فاسداً
يقولون إن الدهرُ يصلح فاسداً / فما حيلةٌ الإنسان إن فسد الدهرُ
لنا قدمٌ في الحكم تعوزها الخطى / وحرية في القول يعوزها الجهرُ