المجموع : 8
ومشتملٍ بالحسن أحوى مهفهف
ومشتملٍ بالحسن أحوى مهفهف / قضى رجع طرفي من محاسنه الوطرْ
فأبصرتُ أشباه الرياض محاسناً / وفي خده جرحٌ بدا منه لي أثرْ
فقلتُ لجلاسي خذوا الحذر إنما / به وَصَبٌ من أسهم الغنج والحوَرْ
ويا وجنة قد جاورتْ سيف لحظه / ومن شأنها تدمى من اللمح بالبصرْ
تخيْلَ للعينين جرحاً وإنما / بدا كلفٌ منه على صفحة القمرْ
نعم قرّت العينان وانشرح الصدرُ
نعم قرّت العينان وانشرح الصدرُ / وقد لاح في وجه الإمام لنا البدرُ
سرينا بليل التيه يكذب فجره / فلما تجلّى فجره صدق الفجرُ
أغرّ المحيّا بالحياء مقنّعٌ / زهاه الكلامُ الحرُّ والنَّسَبُ الحرُّ
إمامُ الهدى قد خصّه بخلافةٍ / إلهٌ له في خلقه النهي والأمرُ
ذروني فإني بالعلاء خبيرُ
ذروني فإني بالعلاء خبيرُ / أَسيرُ فإِنّ النَّيِّراتِ تسيرُ
فكم بتُّ أطوي الليل في طلب العُلا / كأني إلى نجْمِ السماء سفيرُ
بعزمٍ إذا ما الليل مَدَّ رِواقَه / يكر على ظلمائه فينيرُ
أخو كلف بالمجد لا يستفزه / مِهاد إذا جَنَّ الظلامُ وثيرُ
إذا ما طوى يوماً على السر كشحه / فليس له حتّى المَمَاتِ نشورُ
وإنّي وإن كنت الممنّعَ جارُهُ / لتسبي فؤادي أعين وثغورُ
وما تعتريني فترة في مدى العلا / إلى أن أرى لحظاً عليه فتورُ
وفي السرب من نجد تعلقت ظبيةً / تصول على ألبابنا وتُغيرُ
وتمنع ميسور الكلام أخا الهدى / وتبخل حتى بالخيال يزورُ
أسكان نجد جادها واكِفُ الحيا / هواكم بقلبي مُنجدٌ ومغيرُ
ويا ساكناً بالأجْرَعِ الفرد من مِنًى / وأيسير حظّ من رضاك كثيرُ
ذكرتك فوق البحر والبعد بيننا / فمدّتهُ من فيض الدموع بحُورُ
وأومض خفّاق الذؤاية بارقٌ / فطارت بقلبي أَنَّةٌ وزفيرُ
ويهفو فؤادي كلما هبّت الصِّبا / أما لفؤادي في هواك نصيرُ
ووالله ما أدري أَذِكرُكَ هزّني / أَمِ الكأسُ ما بين الخيام تدورُ
فمن مبلغٌ عنّي النوى ما يسوءها / ولَلبين حكم يعتدي ويجورُ
بأنا غدا أو بعده سوف نلتقي / ونمسي ومنّا زائر ومزورُ
إلى كم أرى أكني ووجدي مصرّحٌ / وأُخفي اسْمَ من أهواه وهو شهيرُ
أمنجدّ آمالي ومغليَ كاسدي / ومصدر جاهي والحديث كثيرُ
أَأَنْسى ولا أَنْسى مجالسك التي / بها تلتقيني نَضْرَةٌ وسرورُ
نزورك في جنح الظلام وننثني / وبين يدينا من حديثك نورُ
على أنني إن غبتُ عنك فلم تغبْ / لطائفُ لم يُحْجَبُ لَهنَّ سفورُ
نَروح ونغدو كل يوم وعندها / رواحٌ علينا دائمٌ وبكورُ
فظلُّك فوقي حيثما كنتُ وَارِفٌ / وموردُ آمالي لديك نميرُ
وعذراً فإني إن أطلْتُ فإِنما / قصارايَ من بعد البيان قصورُ
وعذراً فإني إن أَطلْتُ فإنما / قصارايَ من بعد البيان قصورُ
طعامُك من دار النعيم بعثْتَهُ
طعامُك من دار النعيم بعثْتَهُ / فشرَفتَه من حيث أدري ولا أدري
بهضبة نعمى قد سمونا لأوجها / فصِدْنا بأعلاها الشّهيَّ من الطَّيرِ
وقوراءَ قد دُرْنا بهالة بدرها / كما دارت الزُهرُ النجومُ على البدر
وقد حُمِلَتْ فوق الرؤُوس لأنها / هديَّة مولى حلّ في مفرق الفخر
فما شئت من طعم زكيِّ مهنِّاً / وما شئت من عَرْف ذكي ومن نشر
فلو أنها قد قُدِّمتْ لخليفةٍ / لأَعْظمها قَدْراً وبالغ في الشكر
وكم لك من نُعمى عليّ عميمةٍ / يقلُّ لأدناها الجميلُ من الذكر
فلا زلت يا مولى الملوك مُبَلَّغاً / أمانيَّ ترجوها إلى سالف الدهرِ
أحافد عبد التين يملأُ بطنَه
أحافد عبد التين يملأُ بطنَه / من التين والمسوا لهم في غيرِ
لقد كنتُ قبل اليوم فيكَ مُحَيَّراً / إلى أن هديت الفكر مِنِّيَ للسيرِ
فقد طبت من طير العصير بنسبة / فخرت بها بين القضاة على الغير
فأنتَ إذاً من ذرق جدك نابتٌ / كما تنبت الأشجار من ذرق الطيرِ
أمولاي تقبيلي ليمناك شاقني
أمولاي تقبيلي ليمناك شاقني / ولا ينكر الظمآنُ شوقاً إلى البحر
ولما رأيت الدهر ماطلني بها / وشوَّقني من حيث أدري ولا أدري
بعثت لك الزهر الجنيِّ لعلّه / يقبّلها عني ثغور من الزهرِ
أما وانصداع النور من مطلع الفجر
أما وانصداع النور من مطلع الفجر /
لك الله من فذ الجلالة أوحد / تطاوعه الآمال في النهي والأمر
لك الله من فذ الجلالة أوحد / تطاوعه الآمال في النهي والأمر
لك القلم الأعلى الذي طال فخره / على المرهفات البيض والأسَل السُّمُرِ
تُقلِّد أجياد الطروس تمائماً / بصنفَيْ لآلٍ من نظام ومن نثر
تهيَّبَكَ القرطاس فاحْمَرَّ إذ غدا / يُقِلُّ بحوراً من أناملِكَ العَشْرِ
كأنّ رياض الطَرس خدُّ مورّدٌ / يُطَرْزه وشيُ العذار من الحِبْرِ
فشارة هذا الملك رائقة الحُلى / بألوية حمر وبالصُّحف الحمرِ
فما روضة غناء عاهدها الحيا / تحوك بها وشيَ الربيع يدُ القطرِ
تُغني قيانُ الطيَر في جنباتها / فيرقص غصن البان في حُلَلٍ خضرِ
تمد لأَكواس العَرار أناملاً / من السَّوسن الغضِّ المختَّم بالتَّبرِ
ويحرس خدَّ الورد صارمُ نهرها / ويُمنع ثغر النّوْر بالذابل النضرِ
يفاخر مرآها السماء محاسِناً / وتُزري نجوم الزَهر منها على الزُّهر
إذا مسحت كفُّ الصِّبا جفن نَوْرها / تنفّس ثغر الزهر عن عنبر الشَّحْرِ
بأعطرَ من رَيَّا ثنائكَ في السُّرى / وأبهرَ حُسناً من شمائلك الغُرِّ
أما وانصداع النور من مطلع الفجر /
لك الله من فذ الجلالة أوحد / تطاوعه الآمال في النهي والأمر
وإن كَلَح الأبطال في حومة الوغى / ترقرق ماء البشر في صفحة البدرِ
لك الحسب الوضاح والسؤدد الذي / يضيق نطاق الوصف فيه عن الحصرِ
تشرَّف أفقٌ أنت بدرُ كماله / فغرناطةٌ تختال تيهاً على مصرِ
تَكلَّلَ تاجُ الملك منك محاسناً / وفاخرت الأملاكَ منك بنو نصرِ
بعزمة مضمون السعادة أوحد / وغرّة وضّاح المكارم والنّجرِ
طوى الحيفُ منشورَ اللواء مؤيداً / فعزّ حمى الإسلامِ بالطّيِّ والنَشرِ
ومدَّ ظلالَ الأمن إذ قصر العدا / فيُتُلى سناءُ الملك بالمدّ والقصرِ
إذا احتفل الإيوان يوم مشورة / ومضطرب الآراء من كل ذي حجرِ
صدعتَ بفضل القول غَيْرَ منازَع / وأطلعتَ آراءً قُبِسْنَ من الفجر
فإِنْ تظفرِ الخَيْلُ المغيرة بالضحى / فعن رأيك الميمون تظفر بالنَّضْرِ
فلا زلتَ للعلياء تحمي ذمارها / وتسحب أذيال الفخار على النَّسرِ
وللعلم فخر الدين والفتك بالعدا / بأوْتَ به يا ابن الخطيب على الفخرِ
فيهنيك عيدُ الفطر من أنت عيده / ويُثني بما أوليتَ من نِعَمِ غُرِّ
أما وانصداع النور من مطلع الفجر /
لك الله من فذ الجلالة أوحد / تطاوعه الآمال في النهي والأمر
وسَوَّغتني الآمال عذباً مسلسلاً / وأسميت من ذكري ورفَّعت من قدري
فدهريّ عيد بالسرور وبالمنى / وكلّ ليالي العمر لي ليلةُ القدرِ
فأصبحت مغبوطاً على خير نعمة / يقلّ لأدناها الكثير من الشكرِ
أرقتُ لبرق مثل جفنيَ ساهراً
أرقتُ لبرق مثل جفنيَ ساهراً / ينظِّم من قطر الغمام جواهرا
فيبسم ثغرُ الرَّوض عنه أزَاهرا / وصبحٍ حكى وجه الخليفة باهرا
تجسّم من نور الهدى وتجسّدا /
شفانيَ معتلُّ النسيم إذا انبرى / وأسند عن دمعي الحديث الذي جرى
وقد فتَقَ الأرجاءَ مسكاً وعنبرا / كأنَّ الغني بالله في الروض قد سرى
فهَبَّتْ به الأرواح عاطرة الرَّدا /
عذيريَ من قلبِ إلى الحسن قد صبا / تُهّيجُهُ الذكرى ويصبو إلى الصّبا
ويُجري جيادَ اللهو في ملعب الصَّبا / ولولا ابن نصرٍ ما أفاق وأعتبا
رأى وجههُ صبح الهداية فاهتدى /
إليك أمير المسلمين شكايةٌ / جنى الحسنُ فيها للقلوب جنايةُ
وأعظم فيها بالعيون نكايةً / وأطلع في ليل من الشَّعر آيةُ
محيَّاً جميلاً بالصَّباح قد ارتدى /
بهديك تُهدى النيرات وتهتدي / وأنوارُها جدوى يمينك تجتدي
وعدلك لأملاك أوضح مرشد / بآثاره في مشكل الأمر تقتدي
فما بال سلطان الجمال قد اعتدى /
تحكم منا في نفوسٍ ضعيفةِ / وسلَّ سيوفاً من جفونٍ نحيفة
ألمْ يدر أَنَّا في ظلال خليفةِ / ودولةِ أمن لا تُراع منيفةِ
بها قد رسَا دِينُ الهوى وتمهَّدَا /
خذوا بدم المشتاق لحظاً أراقَهُ / وبرقاً بأعلام الثنية شاقَهُ
وإن كلفوه فوق ما قد أطاقَهُ / يُبثُّ حديثاً ما ألذَّ مساقَهُ
خليفتنا المولى الإمامَ محمّدا /
تقلَّد حكم العدل ديناً ومذهبا / وجَوْرَ الليالي قد أزاح وأذهبا
فيا عجباً للشوق أذكى وألهبا / وسلَّ صباحاً صارم البرق مُذْهبا
وقد بات في جفن الغمامة مُغمدا /
يذكّرني ثغراً لأسماء أشنبَا / إذا ابتسمت تجلو من الليل غَيهبا
كَعزْم أمير المسلمين إذا اجتبى / وأجرى به طِرفاً من الصبح أشهبا
وأصدر في ذات الإله وأوردا /
فسبحان من أجرى الرياح بنصرِهِ / وعطَّر أنفاسَ الرياض بشكرهِ
فبرد الصِّبا يُطوى على طيب نَشرهِ / ومهما تجلّى وجهُهُ وسط قصرِه
ترى هالةٌ بدرُ السماء بها بدا /
إمامٌ أفادَ المعلُواتِ زمانَهُ / فما لحقت زُهْرُ النجوم مكانَهُ
ومدَّ على شرقٍ وغربٍ أمانَهُ / ولا عيب فيه غير أن بنانَهُ
تُغرِّقُ مُستجديه في أبحر الندى /
هو البحرُ مدَّ العارضَ المتهلِّلاَ / هو البدر لكن لا يزال مُكمَّلا
هو الدهر لا يخشى الخطوب ولا ولا / هو العَلمُ الخفّاق في هضبة العُلا
هو الصّارم المشهور في نصرة الهدى /
أما والذي أعطى الوجودّ وجَودَهُ / وأوسع من فوق البسيطة جودَهُ
لقد أصحب النصرَ العزيزَ بنودَهُ / ومدَّ بأملاك السماء جنودَهُ
وأنجز للإسلام بالنصر موعدا /
أَمَوْلاي قد أَنْجحَتَ رأياً ورايةً / ولم تُبْقِ في سبق المكارم غايَةً
فتهدي سجايا كابن رشد نهايةً / وإن كان هذا السعدُ منك بدايةً
سيبقى على مر الزمان مخلَّدا /
سعودك تُغني عن قراع الكتائبِ / وجودك يُزري بالغمام السواكبِ
وإن زاحمتها شهبها بالمناكب / ووجهك بدر المنتدى والمواكبِ
وقد فَسَحَتْ في الفخر أبناؤك المدى /
بنوك كأمثال الأنامل عِدَّةً / أُعِدَّتْ لما يخشى من الدهر عُدةً
وزيد بهم بُرْدُ الخلافة جدَّةً / أطالَ لهم في ظل ملكك مُدَّةً
إلهٌ يُطيل العمر منك مؤبدَا /
بدروٌ بأوصاف الكمال استقلَّتِ / غمامٌ بفيّاض النوال استهلَّتِ
سيوفٌ على الأعداء بالنصر سُلَّتِ / نجومٌ بآفاق العلاء تجلَّتِ
ولاحت كما شاءت سعودُكَ أَسْعُدا /
وإن أبا الحجاج سيفُك مُنْتَضى / وبدرٌ بآفاق الجمال تعَرَّضا
بنورك يا شمسَ الخلافة قد أضا / ورَاقت على أعطافه حُلل الرضا
فحلَّ محلاًّ من عُلاك ممهَّدا /
مليك له تعنو الملوكُ جلالةً / يُجرِّرُ أذيال الفخار مُطالةً
وتفْرَقُ أسدُ الغاب منه بسالةً / وترضاه نصَار الرسول سُلالةً
فأبناؤه طابوا فروعاً ومحتدا /
أزاهر في روض الخلافة أينعَتْ / زواهرُ في أفق العلاء تطلّعَتْ
جواهرُ أغيتْ في الجمال وأبدعتْ / وعن قيمة الأعلاق قدراً ترفَعَتْ
يسرُّ بها الإسلام غيباً ومشهدا /
بعهدِ وليِّ العهد كُرِّمَ عهدُهُ / وأنجز في تخليد ملكك وعْدُهُ
تنظَّمَ منهم تحت شملك عِقدُهُ / وأورثهم فخراً أبوهُ وجَدُّهُ
فأعلى علياً حين أحمدَ أحمدا /
ونجلُك نصرٌ يقتفي نجل رسمِه / أمير يزينُ العقلَ راجحُ حِلْمِهِ
أتاك بنجلٍ يُستضاءُ بنجمِهِ / لحب رسول الله سَمَاهُ باسمِهِ
وباسمكَ في هذي الموافقة اقتدى /
أقمتَ بإعذار الإمارة سنةً / وطوَّقت من حلي بفخرك مِنّةً
وأسكنتها في ظل بِرِّك جَنَّةً / وألحفتَها بُردَ امتنانك جُنَّةً
وعَمّرْتَ منها بالتلاوة مسجدا /
فلله عيناً من رآهم تطلَّعُوا / غصُوناً بروض الجود فيك ترعرعُوا
وفي دوحة العلياء منك تفرعُوا / ملوكٌ بجلبابِ الحياء تقنعُوا
أضاء بهم من أفق قصرك منتدى /
وقد أشعروا الصبر الجميلَ نفوسَهُمْ / وأضْفَوُا به فوق الحلي لبوسَهُمْ
وقد زيّنوا بالبِشر فيه شموسَهُمْ / وعاطَوْا كؤوس الأُنس فيه جليسَهُمْ
وأبْدَوْا على هوْل المقام تجلُّدا /
شمائلُ فيهم من أبيهم وَجَدِّهِمْ / تُفَصَّلُ آيُ الفخر فيها بحمدِهِمْ
وتنسبها الأنصار قدماً لسعدِهِمْ / تضيءُ بها نوراً مصابيح سعدِهِمْ
ولمْ لا ومن صحب الرسول توقّدا /
فوالله لولا سنةٌ قد أقَمتَها / وسيرة هديٍ للنّبِيّ علمتَها
وأحكامُ عدل لجنود رسمتها / لجالتْ بها الأبطال تقصد سمتَها
وتترك أوصال الوشيج مُقصَّدا /
ويا عاذراً أبدى لنا الشرعُ عُذْرَهُ / طرقت حمى قد عظم الله قدرَهُ
وأجريت طيباً يحسد الطيبُ نشرَهُ / لقد جئت ما تستعظم الصيدُ أمرَهُ
وتفديه إن يقبلْ خليفتها فدا /
رعى الله منها دعوة مستجابةً / أفادت نفوسَ المخلصين إنابةً
ولم تُلفِ من دون القبول حجابةً / وعاذرها لم يُبدِ عذراً مهابةً
فأوجب عن نقص كمالاً تزيّدا /
فنقص كمال المال وفرُ نصابِهِ / وما السيف إلا بعد مشق ذبابِهِ
وما الزهر إلا بعد شق إهابهِ / بقطع يراع الخط حُسْنُ كتابِهِ
وبالقص يزدادُ الذُبالُ توقدَا /
ولَمَّا قَضَوْا من سنّة الشَّرع واجبا / ولم نلق من دون الخلافة حاجبا
أفضنا نهني منك جذلان واهبا / أفاض علينا أنعُماً ومواهبا
تعوّد بذل الجود فيما تَعَوَّدا /
هنيئاً هنيئاً قد بلغت مؤمَّلاً / وأطلعت نوراً يبهر المتأمْلا
وأحرزت أجر المنعمين مكمَّلا / تبارك من أعطى جزيلاً وأجملا
وبلّغ فيك الدينّ والملك مقصدا /
ألا في سبيل العز والفخر موسِمُ / يظل به ثغر المسرّة يبسِمُ
وعَرفُ الرضى من جوه يتنسَّمُ / وأرزاق أرباب السعادة تقسمُ
ففي وصه ذهن الذكي تبلّدا /
وجلَّلت في هذا الصنيع مصانعا / تمنّى بدورُ التِّمِّ منهم مطالعا
وأبديت فيها للجمال بدائعا / وأجريتَ للإحسان فيها مشارعا
يودُّ بها نهرُ المجرّةِ موردا /
وأجريت فيها الخيل وهي سوابقُ / وإن طَلَبَتْ في الرَّوْع فهي لواحقُ
نجومٌ وآفاق الطراد مشارقُ / يفوتُ المتاحَ الطرف منها بوارقُ
إذا ما تُجاري الشّهبَ تستبق المدى /
وتطلعُ في ليل القتام كواكبا / وقد وردت نهرَ النهار مشاربا
تقودُ إلى الأعداءِ منها كواكبا / فترسم من فوق التراب محاربا
تحورُ رؤوسُ الروم فيهنَّ سجُدا /
سوابحُ بالنصر العزيز سوانحُ / وهُنَّ لأبواب الفتوح فواتحُ
تقود إليك النصرَ والله مانحُ / فما زلت بابَ الخير والله فاتح
وما تم شيء قد عدا بعدما بدا /
رياحٌ لها مثنى البروق أَعنّةٌ / ظِباءٌ فإن جَنَّ الظلام فجِنَّةٌ
تقيها من البدر المتمَّم جُنَّةٌ / وتُشرع من زُهر النجوم أسِنَةٌ
فتقذف شهبَ الرَّجم في أثغر العدا /
فأشهبُ من نسل الوجيه إذا انتمى / جرى فشأى شُهبَ الكواكب في السّما
وخلّف منها في المقلَّد أنجما / تردَّى جمالاً بالصباح ورُبمَّا
يقول له الإصباح نفس لك الفدا /
وأحمرُ قد أذكى به البأسُ جمرةً / وقد سلب الياقوت والوردّ حمرةً
أدار به ساقٍ من الحرب خمرةً / وأبدى حباباً فوقها الحسن غُرَّةً
يزيد بها خداً أسيلاً مورّدا /
وأشقرُ مهما شعشع الركضُ برقَهُ / أعار جوادَ البرق في الأفق سبقَهُ
بدا شفقاً قد جلّل الحسنُ أفقَهُ / ألمْ تَرَ أن الله أبدع خلقَهُ
فسال على أعطافه الحسنُ عسجدا /
وأصفرُ قد ودَّ الأصيلُ جمالَهُ / وقد قدَّ من بُرد العشيّ جِلالَهُ
إذا أسرجوا جِنحَ الظلام ذبالَهُ / فَغُرَّتُهُ شمسُ تضيء مجالَهُ
وفي ذيله ذيلُ الظلام قد ارتدى /
وأدهمُ في مسح الدُّجى متجردُ / يجيشُ بها بحرٌ من الليل مُزبدُ
وغُرَّتُه نَجمٌ به تتوقَّدُ / له البدرُ سرجٌ والنجوم مُقَلَّدُ
وفي فلق الصبح المبين تقيَّدا /
وأبيضُ كالقرطاس لاح صباحُهُ / على الحسن مغداه وفيه مراحُهُ
وللظّبَياتِ الآنساتِ مِراحُهُ / تراه كنشوانٍ أمالَتْهُ راحُهُ
وتحسبهُ وسطَ الجمال مُعربدا /
وذاهبةٌ في الجَوْ مِلْءَ عِنانِها / وقد لَفَعَتْها السُّحبُ بُرد عَنانِها
يفوت ارتداءَ الطَّرف لمح عِيانِها / وخَتَّمت الجوزاءُ سبط بنانِها
وصاغت لها حَلْيَ النجوم مقيّدا /
أَراها عمودُ الصبح عُلْوَ المصاعدِ / وأوهمها قربَ المدى المتباعدِ
ففاتته سبقاً في جال الرواعد / وأتحفتِ الكفَّ الخضيب بساعِدِ
فطوّقتِ الزُّهرَ النجومَ بها يدا /
وقد قذفتها للعصيّ حواصبُ / قد انتشرت في الجوِّ منها ذوائبُ
تزاوَرُ منها في الفضاء حبائبُ / فبينهما من قبل ذاك مناسبُ
لأَنهما في الروض قبلُ توَلّدا /
بناتٌ لأم قد حَبينَ لرَوْحها / دعاها الهوى من بعد كتم لبَوْحِها
فأقلامُها تهوي لخطِّ بلَوْحِها / فبالأمس كانت بعض أغصان دَوْحِها
فعادت إليها اليومَ من بعدُ عُودِّا /
ويا رُبَّ حصن في ذراها قد اعتلى / أنارتْ برُوجُ الأفق في مظهر العلا
بروجَ قصور شِدْتَها متطوّلا / فأنشأت برجاً صاعداً متنزَّلا
يكون رسولاً بينها متردِّدا /
وهل هي إِلاّ هالةٌ حولَ بدرِها / يصوغُ لها حلياً يليق بنحرِها
تطوّر أنواعاً تشيد بفخرِها / فحِجْل برجليها وشاحُ بخصْرِها
وتاجٌ بأعلى رأسها قد تنضّدا /
أراد استراقَ السّمع وهو ممنَّعُ / فقامَ بأذيال الدُّجى يتلفَّعُ
وأصغى لأخبار السّما يتسمّعُ / فأتبعَه منها ذوابل شرَّعُ
لتقذفه بالرعب مثنى ومَوْحَدا /
وما هو إلاَّ قائمٌ مدَّ كفَّهُ / ليسأَلَ من ربِّ السَّموات لُطفَهُ
لمولَى تولاّه وأحكم رصفَهُ / وكلّف أربا البلاغة وصفهْ
وأكرم منه القانت المتهجِّدا /
ملاقي ركب من وفود النواسمِ / مقبّلَ ثغر للبروق البواسم
مختِّمَ كفٌّ بالنجوم العوائمِ / مُبلِّغَ قصد من حضور المواسمِ
تجدده مهما صنيع تجدَّدا /
ومضطربٌ في الجو أثبت قامةً / تقدمٍ يمشي في الهواء كرامَةً
تطلَّع في غصن الرشاء كمامةً / وتحسبه تحت الغمام غمامةً
يسيل على أعطافها عَرَقُ الندى /
هوى واستوى في حالة وتقلّبَا / كخاطف برق قد تألَق خُلَّبَا
وتحسبه قد دار في الأفق كوكبَا / ومهما مشى واستوقف العقل معجبا
تُقَلِّب فيه العين لحظاً مردْدا /
لقد رام يرقى للسماء بسلَّم / فيمشي على خطَّ به متوهِّم
أجِلْ في الذي يُبديه فكر توسُّمِ / ترى طائراً قد حلّ صورة آدمِي
وجنَّا بمهواة الفضاء تمرَّدا /
ومنتسب للخال سمُّوْه مُلْجَما / له حَكَماتٌ حكمُها فاه أَلْجما
تخالَفَ جنساً والداه إذا انتمى / كما جنسُهُ أيضاً تخالف عنهما
عجبت له إذ لم يلدَّ تولّدا /
ثلاثتها في الذكر جاءت مُبينةً / من اللاء سَمَاها لنا اللهُ زينةً
وأنزل فيها آية مستبينةً / وأودع فيها للجهول سكينةً
وآلاءهُ فيها على الخلق بدَّدا /
كسوْه من الوشي اليماني هودجا / يمدُّ على ما فوقَه الظلَّ سَجْسَجَا
وكم صورةٍ تجلى به تهر الحجى / وجزل وقود ناره تصدع الدجى
وقلب حسودٍ غاظ مذكيه موقدا /
وما هي لا مظهر لجهادِهِ / أَرَتْنا بِها الأفراح فضل اجتهادهِ
ملاعبها هزَّت قدود صعادِهِ / وأذكرت الأبطال يوم طرادِهِ
فما ارتَبْتَ فيه اليومَ صدَّقتَهُ غدا /
أَلاَ جدَّدَ الرحمن صنعاً حضرتَهُ / ودوحَ الأماني في ذراه هصرتَهُ
بقصرٍ طويلُ الوصف فيه اختصرتَهُ / يقيّدُ طِرفَ الطَّرف مهما نظرتَهُ
ومن وجد الإحسان قيداً تقيّدا /
دعوتَ له الأشراف من كل بلدةٍ / فجاءوا بآمالٍ لهم مستجدّةِ
وخصّوا بألطافٍ لديه معدّةِ / أيادٍ بفيّاض الندى مستمدّةِ
فكلُّهُمُ من فضله قد تزوَّدَا /
وجاءتك من آل النَّبِيّ عصابةٌ / لها في مرامي المكرمات إصابةٌ
أحبتك حباً ليس فيه استرابةٌ / ولبَت دواعي الفوز منها إجابةٌ
وناداهُمُ التخصيص فابتدروا النّدا /
أجازوا إليك البحر والبحرُ يزخَرُ / لبحر سماح مَدُّهُ ليس يجزرُ
فروّاهُمُ من عذب جودك كوثرُ / ووالَيْتَ من نُعماك ما ليس يُحْصَرُ
وعظّمتَهم ترجو النَّبيَّ محمَّدا /
عليه صلاةُ الله ثم سلامُهُ / به طاب من هذا النظام اختتامُهُ
وجاء بحمد الله حلواً كلامُهُ / يعز على أهل البيان مرامُهُ
وتمسي له زُهر الكواكب حُسَّدا /
أبثُّ به حادي الركاب مشرِّقا / حديث جهادٍ للنفوس مشوّقا
رميتُ به من بالعراق مفوّقا / وأرسلت منه بالبديع مطوقا
حماماً على دَوح الثناء مغرّدا /
ركضتُ به خيلَ البيان إلى مدى / فأحرزتُ فضلَ السبق في حلبة الهدى
ونظّمتُ من نظم الدراري مقلَّدا / وطوّقتُ جيد الفخر عِقداً منضدا
وقمتُ به بين السِّمَاطين مِنشدا /
نسقْتُ من الإحسان فيه فرائدا / وأرسلتُ في روض المحاسن رائدا
وقلّدتُ عِطف الملك منه قلائدا / تعوّدتُ فيه للقبول عوائدا
فلا زلت للفعل الجميل معوِّدا /
ولا زلت للصنع الجميل مجدّدا / ولا زلت للفخر العظيم مخلدا
وعُمِّرتَ عُمراً لا يزال مجدَّدا / وعُمِّرتَ بالأبناء أوحدا أوحدا
وقرَتْ بهم عيناك ما سائق حدا /