المجموع : 16
وَخَلقٍ غَريبِ الشَكلِ في مصرَ ناشيء
وَخَلقٍ غَريبِ الشَكلِ في مصرَ ناشيء / وَما هُوَ في أَرضٍ سِوى مِصرَ يُوجَدُ
هُوَ السَبُعُ العادي بِنيلِ صَعيدِها / يُقافِصُ مَن للماءِ في النيلِ يقصدُ
وَيخطُفُهُ خَطف العُقابِ لِصَيدها / وَيفصلُه عُضواً فَعُضواً وَيزرَدُ
وَما مِن شُخوصِ النيلِ خَلقٌ لَهُ يَدٌ / وَرجلٌ سواهُ وَهوَ في البَرِ يصعَدُ
وَربَّتَما يَلقى لَدى البر كاسِراً / وَيجري كَمثلِ الطرفِ أَو هُوَ أَزيَدُ
لَهُ ذَنبٌ مُرخىً طَويلٌ يُقيمُهُ / يلُفُّ بِهِ مَن كانَ في الناسِ يفقدُ
وَأَسنانُهُ أُنثى عَلى ذكرٍ أَتَت / لِكَسرِ العِظامِ الصُلبِ مِنها تفقّدُ
وَيحفُرُ في رَملٍ وَيدفنُ بيضَهُ / يُعاهِدُها غِباً إِلى حين تولَدُ
وَلا تَعمَلُ الأَسيافُ فيهِ كَأَنَّما / عَلى جلدِهِ مِنهُ صَفيحٌ مُسرَّدُ
وَلَكنَّ تَحتَ الإبطِ ليِّنَ جلدةٍ / فَمِنها المَنايا دونَهُ تَتَصَعَّدُ
وَلَيسَ لَهُ دُبرٌ فَيُخرِج نَجوَهُ / وَلَكن إِلى حُلقومِهِ يَتَرَدَّدُ
فَيفتَح فاهُ ثُم يَدخُلُ طائِرٌ / فَيلفظ ما قَد كانَ فيهِ يدودُ
فَإِن رامَ إِطباقاً عَليه فَإِنَّه / يَكونُ لسقفِ الحلقِ بِالريشِ يُفصَدُ
وَيقتُلُه الجاموسُ فَهوَ إِذا دَرى / بِهِ فَرَّ مِنهُ وَهوَ في السِبحِ يُجهَدُ
وَيَخدَعُهُ الإِنسانُ حَتّى يَصيدَهُ / وَيَربُطُهُ كَالعَنزِ بِالحَبلِ تُصفَدُ
رَأَيناهُ مَحمولاً عَلى جَمَلٍ وَقَد / أَتَت طرفاهُ الأَرضَ فيها يخددُ
وَللعقلِ في صَيدِ التَماسيحِ صَنعَةٌ / يُرتِّبُها الفكرُ المُصِيبُ فَتُحمَدُ
وَذو العَقلِ مَقدورٌ عَلَيهِ وَقادِرٌ / عَلى كُلِّ ذي روحٍ رَقيبٌ مُؤيدُ
فَلا الطَيرُ في جَوٍّ وَلا الوَحشُ في الفَلا / وَلا سافِحٌ إِلّا لَهُ مُتَرَدّدُ
فَيقهَرهُ قَتلاً وَذَبحاً وَخدمةً / وَفي آخرٍ ذو العَقلِ في الرَمسِ يُلحَدُ
تَعَجَّبَ ناسٌ مِن غَرامي وَمِن وَجدي
تَعَجَّبَ ناسٌ مِن غَرامي وَمِن وَجدي / بِريمَينِ وَالمَعهودُ عِشقُ رَشاً فَردِ
وَقالوا صَواباً لَيسَ قَلبانِ للفَتى / وَلا يُجمعُ السيفان وَيحكَ في غِمدِ
وَما عَلِموا سِرَّ الهَوى وَصُنوفَهُ / وَإِنَّ فُؤادَ الصَّبِّ مُتَّسِعُ الودِّ
تَلوحُ لَنا أَصنافُ حُسنٍ لطيفَةٌ / فيعلَقُ مِنها بِالمناسِبِ وَالقَصدِ
وَأَهدى ليَ المَحبوبُ الأترُجَّ مُحسنا
وَأَهدى ليَ المَحبوبُ الأترُجَّ مُحسنا / فَيا حُسنَهُ مَولىً بِهِ عزَّ عَبدُهُ
ثَمانيَ حَبّاتٍ غَرَسنَ مَحَبَّةً / وَهَيَّجنَ مِن وَجدٍ تَقادَمَ عَهدُهُ
تَجمَّعَ لي المثلانِ لوني وَلَونُها / كَما اِجتَمَعَ الضدّانِ قُربي وَبعدُهُ
وَلَكن حَوى راءً وَجيما حُروفُهُ / فَرَجَّيتُ أَن يَسخُو وَيَذهَبَ ضِدُّهُ
وَجاءَ كَما يُرجَى مِن الصَخر لينُهُ / وَمِن حَرِّ أَنفاسي وَقَلبي بَردُهُ
أُعَلِّلُ قَلبي بِالأَماني وَكَم صدٍ / رَأى الماءَ لَكن لَيسَ يُمكنُ وِردُهُ
فَحَسبيَ مِن وَصلٍ كَلامٌ وَنَظرَةٌ / وَذا غايَة الصَبِّ العَفيفِ وَقَصدُهُ
وَلَم أَرَ مِثلي كانَ أَكتَمَ لِلهَوى / صِيانَةُ حُبِّي إن يُدَنَّسَ بردُهُ
تَمَنَّيتُ تَقبيلَ الحَبيبِ فَجاءَني
تَمَنَّيتُ تَقبيلَ الحَبيبِ فَجاءَني / وَقَبَّلَني في النَومِ ثِنتَينِ في العَدِّ
فَيا طِيبَ ذاكَ اللثمِ عِندي وَبَردَهُ / عَلى كَيدٍ حَرّى تَذوبُ مِن الوَجدِ
وَإِني لَأَرجُو أَن أُقبِّلَ يَقظَةً / فَماً فيهِ شِيبَ الخَمر بِالمِسكِ وَالشهدِ
فَيَقضي ظَمآنٌ مِن الراحِ ريَّهُ / وَيَشهَدُ ثَغراً كَاللآليءِ في العِقدِ
أَقُول لأَصحابي أَلا ماء بارِدٌ
أَقُول لأَصحابي أَلا ماء بارِدٌ / فَقَد قَدَحَت في القَلبِ نارُ زِنادِ
فَجاءُوا بكُوزٍ أَحمَرِ اللَونِ قانيءٍ / وَحافاتُهُ مَطلِيَّةٌ بِسَوادِ
فَقُلتُ عُيونُ الكوزِ سُودٌ لذكرة / عُيون حَبيبٍ باخلٍ بِمِدادِ
وَما لَونُهُ إِلا يُشابه حُمرةً / بِوَجنَةِ مَولىً مالِكٍ لِقِيادِ
أَيا عَجَباً هَذا الجَمادُ محرِّكٌ / رَسيس الهَوى في قَلبِ أَهيمَ صادِ
أَراني مَتى أنظُر لِشَيءٍ أَجِد بِهِ / مشابهَ حسن في الحَبيبِ بِوادِ
يَلَذُّ لِقَلبِي ما يُريدُ حَبيبُهُ / دَوامُ سهادٍ وَالتزامُ وَسادِ
وَتركُ غِذاءٍ غَيرَ ذكرى حَبيبة / فَذاكَ إِلى أُخراه فَضلَةُ زادِ
أَيا ناصِرَ الدينِ اِنفَرَدت بِمَنشأٍ
أَيا ناصِرَ الدينِ اِنفَرَدت بِمَنشأٍ / مِن النَثرِ ما فيهِ انتِقادٌ لِناقِدِ
قَلائد عقيان تُحاكي وَإِنَّهُ / فَرائدُ ياقوتٍ لتلكَ القَلائِدِ
فَرائدُ لَو كانَت تجسَّدُ نُظِّمَت / عُقوداً لأَجيادِ الغَواني النَّواهِدِ
هُوَ الأَدَبُ الغَضُّ الجَنيُّ أَتَت بِهِ / قَريحَةُ فكرٍ واقِدٍ غَيرِ خامِدِ
شَفَعتَ بِها إِحسانَها فَكَأَنَّما / شَفَعتَ الدَراري بِالشُموسِ الخَوالِدِ
خَوالدُ لا تبلى عَلى الدَهرِ جِدَّةً / إِذا تُليَت جاءَت لَكُم بِالمَحامِدِ
سِوارٍ إِلى الآفاقِ يَزهى بِسَمعِها / ذوو النَثرِ مِن نقادِّنا وَالقَصائِدِ
غَدا شافِع في العلمِ وَالفَضلِ واحِداً / فَأَعظِم بِهِ مِن شافِعٍ فيهِ واحِدِ
تَصاوَنَ مَن أَهوى وَصَوني أَورَثا
تَصاوَنَ مَن أَهوى وَصَوني أَورَثا / لِقَلبِيَ ناراً كُلَّ وَقتٍ لَها وَقدُ
كَأَنّي ابنُ داودٍ شَهيدُ ابن جامِعٍ / أَو ابنُ كُليبٍ في هَوى أَسلمٍ يَعدُو
هُما أَظهَرا في الناسِ حُبَّيهِما مَعاً / وَحُبّي مَستورٌ لَدى الناسِ ما يَبدو
عَلى أَنَّني في الحُبِّ ثالِث ثَلاثة / تَوالى عَلَينا الشَوقُ وَالدَّمعُ وَالسُّهدُ
قَضى نَحبَهُ وَجداً وَشَوقاً كِلاهُما / وَضَمَّهُما مِن فَرطِ بَلواهما لَحدُ
فَإِن كُنتُ عَن صَحبي تَراخَت مَنيَّتي / فَحَسبي أَنّي في الوَرى الفَلكُ الفَردُ
وَرِثتُ لَذاذاتِ المحَبّاتِ كُلّها / فَماليَ فيها لا شريكٌ وَلا ضِدُّ
وَحُبّي يَدري أَنَّني صادِقُ الهَوى / كَتُومٌ وَمالي مِن هَوى حُسنِهِ بُدُّ
وَلَمّا طَغى الإِنسانُ سَلَّطَ رَبُّهُ
وَلَمّا طَغى الإِنسانُ سَلَّطَ رَبُّهُ / عَلى نَفسِهِ مِن نَفسِهِ عُضوَهُ الفَردا
فَأَعقَبَهُ ذُلاً وَفَقراً وَأَفرُخاً / صِغاراً ذَوي جُوعٍ يكدُّونَهُ كَدّا
فَأَقبِح بِها مِن شَهوَةٍ كانَ أَصلُها / مُقَدِّمَة الإِستَينِ أَنتَجَتا وُلدا
تَفانَيتُ قِدماً في هَوى كُلِّ أَغيَد
تَفانَيتُ قِدماً في هَوى كُلِّ أَغيَد / لَطيفِ التَثَنّي نادِرَ الحُسنِ مُفرَدِ
وَما عَلِقَت روحي دَنِياً وَإِن يَكُن / جَميلاً وَلَكن ذا جَلالٍ وَسُؤدَدِ
وَكانَ اِبتِدائي أَن هَويتُ محمداً / فَصارَ اِختِتامي في الهَوى بمحمدِ
وَبِالأَعيُنِ السُودِ أُفتُتِنت فيا لَها / سواجي قَد حَرّكنَ شَوقاً لمكمدِ
وَعلّقتُهُ صَعبَ المقادَةِ آبياً / كَثيرَ التَوقي صَيِّنا ذا تَشَدُّدِ
كَريمٌ بِتَأنيسٍ وَتَحديثِ ساعَةٍ / بخيلٌ بِتَقبيلٍ وبِاللَمسِ بِاليَدِ
وَجاذبتُهُ يَوماً فَفَرَّ كَأَنَّهُ / غَزالٌ رَأى منّي اِحتيالَ التَصَيُّدِ
فَلاطَفتُهُ حَتّى اِستَكانَ وَما دَرى / بِأَنَّ الدَنايا لا تَحُلُّ بِمعقَدِ
مُرادِيَ مِنهُ ما يُريدُ وَقَد كَفى / تعهدُّهُ قَلبي بأُنسٍ مُجَدَّدِ
وَرُؤيةُ عَيني البَدرَ عِنديَ طالِعا / وَتَشنيفُهُ سَمعي بدُرٍّ مُنَضَّدِ
وَعلمُ حَبيبي أَنَّني لَستُ تارِكاً / هَواهُ وَلَو أَنّي أَحُلُّ بِملحدي
أُنادِمُ مِنهُ مِلءَ عَيني مَلاحَةً / وَأَلحَظ مِنهُ الشَمسَ حَلَّت بِأَسعَدِ
وَأَقطُفُ مِن آدابِهِ الزَهرَ يانِعاً / وَأشتمُّ رَيحاناً بِخَدٍّ مُوَرَّدِ
وَها أَنا ذا قَد رُحتُ عَنهُ مُوَدِّعا / فَيا لَيتَ شِعري هَل لَهُ بَعدُ أَغتَدي
شَغِفتُ زَمانِي بِالعُلومِ وَلَم يَكُن
شَغِفتُ زَمانِي بِالعُلومِ وَلَم يَكُن / لِروحِيَ مَيلٌ لِلكَواعِبِ عَن قَصدِ
وَجَمَّعتُ مالاً راحَ في غَير لَذةٍ / فَأعقَبَني فَقديهِ وَجداً عَلى وَجدِ
وَأَنتَجت أَفراخاً مَضوا لِسَبيلهم / عَلى حينِ نَقلٍ مِن سَريرٍ وَمِن مَهدِ
وَبُلِّغتُ مِن عُمري ثَمانينَ حِجَّةً / وَثنتينِ أُمسِي دائِماً نائِماً وَحدِي
فَقَلبيَ مُسوَدٌ وَليلي مِثلُهُ / سواداً فَجاءوني بِمسوَدَّةِ الجلدِ
فَصِرنا ثَلاثاً ظُلمَة مَع ظُلمَةٍ / عَلى ظُلمَةٍ تَتلُو لَنا ظُلمةُ اللَحدِ
وَدُنياهُمُ ما نِلتُ مِنها نَعيمَها / وَأَرجُو نَعيماً دامَ في جَنَّةِ الخُلدِ
وَكَلَّفتَني أَمراً لَو انَّ أَقلَّهُ
وَكَلَّفتَني أَمراً لَو انَّ أَقلَّهُ / يكلَّفُهُ ثَهلانُ كادَ يَميدُ
إِعادة ماضٍ وَاستدامَةَ حالَةٍ / وَتحصيلَ آتٍ إِنَّ ذا لَشَديدُ
تَصَرَّفتُ في ماضٍ وَآتٍ وَحاضِرٍ / كَأَني فِعلٌ بانَ عَنهُ جُمُودُ
وَما زالَ بي التَشبيهُ حَتّى تَظافَرَت / مَوانِعُ صَرفٍ ما لَهنَّ مَحيدُ
فَلَيتَ اِنصِرافي في مِكانِ تَصَرُّفي / فَيَنقصُ ذا عَنّي وَذاكَ يَزيدُ
وَقالوا أَبو حَيانَ قَد نالَ رُتبَةً
وَقالوا أَبو حَيانَ قَد نالَ رُتبَةً / سَيركبُ فيها بَغلَةً وَيَزيدُ
وَما كُنتُ أَزهى بِالَّذي صِرت نائِلاً / وَلا أَنا مِمَّن بالبغالِ يَسودُ
تعشقتُه شَيخاً كَأنَّ مَشيبَه
تعشقتُه شَيخاً كَأنَّ مَشيبَه / عَلى وَجنَتيهِ ياسمين عَلى وَردِ
أَخا العَقلِ يَدري ما يراد مِن النهى / أَمنتُ عَلَيهِ مِن رَقيبٍ وَمِن ضدِّ
وَقالوا الوَرى قسمان في شرعة الهَوى / لسود اللحى ناسٌ وَناسٌ إِلى المُردِ
أَلا إِنَّني لَو كُنتُ أَصبو لأمردٍ / صَبَوت إِلى هَيفاءَ مائِسَةِ القَدِّ
وَسود اللحى أَبصَرت فيهم مُشارِكاً / فَأَحبَبتُ أَن أَبقى بِأَبيضهم وَحدي
وَقابلَني في الدَرس أَبيضُ ناعِمٌ
وَقابلَني في الدَرس أَبيضُ ناعِمٌ / وَأَسمرُ لدنٌ أَورثا جسميَ الرَدى
فَذا هَزَّ مِن عطفيهِ رُمحا مُثقفاً / وَذا سَلَّ مِن جفنيه عَضبا مُهندا
أَبو حامِدٍ حَتمٌ عَلى الناسِ حَمدُهُ
أَبو حامِدٍ حَتمٌ عَلى الناسِ حَمدُهُ / لما حازَ مِن علمٍ بِهِ بانَ رُشدُهُ
غَذِيُّ عُلومٍ لَم يَزَل مُنذُ نَشئِهِ / يَلوحُ عَلى أُفقِ المَعارفِ سَعدُهُ
ذَكيٌّ كَأن قَد جاحَمَ النارَ ذِهنُهُ / ذَكاءً وَمِن شَمس الظَهيرةِ وَقدُه
وَمَن حازَ في سِنِّ البُلوغِ فَضائِلاً / زَمانَ اِغتَذى بِالعِيِّ وَالجَهلِ ضِدُّه
هُوَ العلم لا كَالعلم شَيءٌ تُراوِده
هُوَ العلم لا كَالعلم شَيءٌ تُراوِده / لَقَد فازَ باغيه وَأَنجح قاصِدُه