المجموع : 32
ودُرّةِ نَوْرٍ في غِلافِ زَبَرْجَدٍ
ودُرّةِ نَوْرٍ في غِلافِ زَبَرْجَدٍ / كما لاحَ في الخَضْراءِ لألاءُ فَرقَدِ
كأنّ فَتاةً جاءَها منْ خَليلِها / كِتابٌ بشَكْوى الحُبِّ منْ غيرِ موْعِدِ
فلَفّتْ بمُخْضَرِّ البُرودِ بَنانَها / بُروراً وإجْلالاً عن اللّمْسِ باليَدِ
لمَنْ طَلَلٌ نائِي المَزارِ بَعيدُهُ
لمَنْ طَلَلٌ نائِي المَزارِ بَعيدُهُ / وعهْدٌ كَريمٌ لا يُذَمُّ حَميدُهُ
عَفا غَيْرَ نُؤْيٍ كالسِّوارِ ومَوْقِدٍ / كَما جَثَمَتْ بيضُ الحَمامِ وسُودُهُ
إذا أخْلَفَ الغيْثُ الأباطِحَ والرُّبا / فتَسْكابُ دَمْعِ المُقلَتَيْنِ يَجودُهُ
مَحَلٌّ لسُعْدَى والزّمانُ مُساعِدٌ / وجَفْنُ اللّيالي لا يَريمُ هُجودُه
وقَفْنا بهِ عُوجَ المَطيِّ كأنّهُ / عَليلٌ ومُجْتازُ الرِّكابِ يَعودُهُ
فلَوْلا نَسيمٌ رَدّ رَجْعَ جَوابِنا / فسَكّنَ منْ حَرِّ الأُوامِ بَرُودُهُ
لَما حَمَلتْ منّا الضّلوعُ غَرامَها / ولا كانَ هَذا الشّوقُ يَخْبو وَقودُهُ
وتاللّهِ لوْلا أنّةٌ تُشْهِرُ الجَوى / فأضْحى وسرُّ الحُبِّ بادٍ جُحودُهُ
لآثَرْتُ كَتْمَ الوجْدِ بيْنَ جَوانِحي / وبلّغْتُ في القَلْبِ الهَوى ما يُريدُهُ
خَليليَّ ما للرّكْبِ لا يَشْتَكي الوَجى / وما لِبِساطِ القَفْرِ يُطْوى مَديدُهُ
يحُثُّ جَناحَ السّيْرِ حتّى كأنّما / رَجاءُ أميرِ المُسْلِمينَ يَقودُهُ
أظنُّ ديارَ الحَيِّ منّا قَريبةً / وظمْآنُ هَذا البُعْدِ حانَ وُرودُهُ
وإلاّ فَما بالُ النّسيمِ كأنّما / أكبّتْ على النّارِ الكِباءَ هُنودُهُ
تأَرّجَ في الآفاقِ مَسْرَى هُبوبِهِ / كَما حَمَلَتْ عنْهُ الثّناءَ وُفودُهُ
وما بالُ هذا العِيسِ لا تَسْأمُ السُّرَى / كَما جُهِّزَتْ عنْدَ المَغارِ جُنودُهُ
أميرٌ كَفى الإسْلامَ كلَّ عَظيمةٍ / وقدْ شابَ منْ طولِ العَناءِ وَليدُهُ
وقادَ الى إصْراخِهِ كُلَّ سابِحٍ / مُعوّذَةٍ أنْ لا تُحَطَّ لُبودُهُ
وألّفَ أسْرارَ النّفوسِ على الُدَى / فأوْشَكَ منْ وَقدِ الشَّتاتِ خُمودُهُ
ولمّا عرَتْ هَذي الجَزيرةَ نَبْوَةٌ / وعُطِّلَ منْ فَرْضِ الجِهادِ أكيدُهُ
وأصْبَحَ ثَغْرُ الثّغْرِ بعْدَ ابتِسامِهِ / ولوْلا دِفاعُ اللّهِ فُضّتْ عُقودُهُ
تَبارَكَ آلُ النّصْرِ حِفْظَ ذَمائِهِ / فأعْقَبَ صِدّيقَ الجَلالِ شَهيدُهُ
وأنْجَبَهُ للدّينِ يحْمي ذِمارَهُ / كما أنْجَبَتْ لَيْثَ العَرينِ أسودُهُ
فقامَ بأمْرِ اللهِ ناصِرُ دينِهِ / ولا عِبْءَ يَثْني عَزْمَهُ ويُؤودُهُ
وأسْلكَ نهْجَ الحقِّ مَنْ حادَ بعْدَما / تُنوسِيَ ذِكْراهُ وضَلَّ سديدُهُ
إذا عُدِّدَ الأمْلاكُ مَجْداً ومَحْتِداً / فيُوسُفُ أنْصارُ النّبيّ جُدودُهُ
وإنْ قَعَدوا منْ دونِ مبْلَغِ غايةٍ / تَدانَى لهُ منْ كلِّ قَصْدٍ بَعيدُهُ
وأيُّ فؤادٍ مِنْهُمُ غيْرُ خافِقٍ / إذا خَفَقَتْ أعْلامُهُ وبُنودُهُ
لهُ فَتَكاتٌ ما تَجفُّ ظُباتُها / وعزْمُ اقْتِدارِ ما تُحَلُّ عُقودُهُ
ورأيٌ يَمُدُّ الشّمْسَ نوراً ومَشْهَداً / ملائِكَةُ السّبْعِ الطِّباقِ شُهودُهُ
فلِلنّاسِ في يومِ العَطاءِ هِباتُهُ / وللّهِ في اللّيلِ الطّويلِ هُجودُهُ
يَميناً لَما الأنْواءُ إلا يَمينُهُ / وما الجُودُ إلا ما سَقَى الأرْضَ جودُهُ
أميرَ العُلَى لوْلاكَ أصْبَحَ رَبْعُها / خَلاءً ودِينُ اللهِ وَاهٍ عَمودُهُ
ولَكِنْ نَهَجْتَ العَدْلَ منْ بعْدِ فتْرَةٍ / وقدْ دَرَسَتْ آثارُهُ وعُهودُهُ
وبَدّدْتَ شمْلَ الكُفْرِ بعْدَ ائتلافِهِ / فأضْحَى عَميداً في الرُّغامِ عَميدُهُ
وجاهَدْتَهُ في اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ / فأذْعَنَ عاصِيهِ وذلّ عَنيدُهُ
فمُلْكُكَ مَنْصورُ اللِّواءِ سَعيدُهُ / وظِلُّكَ خفّاقُ الرواقِ مَديدُهُ
وسيْفُكَ مرْهوبُ الغِرارِ حَديدُهُ / وسَيْبُكَ مسْكوبُ النّوالِ عَتيدُهُ
فلوْلاكَ لمْ تنْهَلَّ بالغَيْثِ ديمةٌ / ولا راقَ من زَهْرِ الرِّياضِ مَجودُهُ
وأخْفَقَ مسْعَى كلِّ آمِلِ غايَةٍ / وأخْلَقَ منْ عَصْبِ الزّمانِ جَديدُهُ
هَنيئاً لكَ العيدُ الذي أنْتَ عِيدُهُ / وفي اللهِ ما تُبْديهِ أو ما تُعيدُهُ
أتَيْتَ المُصَلّى والجُنودُ رَوائِحٌ / تَغَصُّ بِها أغْوارُهُ ونُجودُهُ
وقد أبْصَرَتْ منْكَ النّواظِرُ مِلأَها / جَمالاً تَمُدُّ النَّيِّراتِ سُعودُهُ
وآيةُ نَصْرٍ في حِجابِ مهابَةٍ / تُدافِعُ عنْ دينِ الهُدى مَنْ يَكيدُهُ
فلمّا قَضَيْتَ النّحْرَ أقْبَلْتَ راضِياً / عنِ اللهِ تُعْلي ذِكْرَهُ وتُشيدُهُ
وأوْرَدْتَنا منْ جُودِ كفّيْكَ مَوْرِداً / يبَرِّدُ غُلاّتِ الظِّماءِ بَرودُهُ
وألْبَسْتَنا الآلاءَ بِيضاً سَوابِغاً / فزادَكَ مِنْها اللهُ ما تَسْتَزيدُهُ
زَمانُكَ أفْراحٌ لدَيْنا وأعْيادُ
زَمانُكَ أفْراحٌ لدَيْنا وأعْيادُ / فعِيدٌ ونَيْروزٌ سَعيدٌ وميلادُ
تَزورُكَ أثناءَ الزّمانِ كأنّها / عُفاةٌ تُرجّي راحَتَيْكَ وقُصّادُ
فتُهْدي الى كُلٍّ مَقالاً يَخُصُّهُ / فمِنّا لَها دُرٌّ ومنْهُنّ أجْيادُ
لقدْ عمّ منْكَ الرّفْدُ مَنْ جاءَ قاصِداً / نَوالَكَ حتّى للمَواسِمِ إرْفادُ
غُصونُ المُنى تُدْني إليْكَ قِطافَها / وللدّهْرِ إسْعافٌ إليْكَ وإسْعادُ
تعلّمَ من أخْلاقِكَ العدْلَ في الوَرى / فلِلْعُدْمِ إعْدامٌ وللْجودِ إيجادُ
إذا رُمْتَ صَعْباً أو طَلَبْتَ مُمَنّعاً / فجَدُّكَ يدْعو بالصِّعابِ فتَنْقادُ
مَقامُك حيثُ السُّحْبُ هاميةُ النّدى / مَقيلٌ لإصْباحِ السُّرى فيهِ إحْمادُ
تُؤمِّلُهُ الرُّوَادُ إنْ أخْلَفَ الحَيا / وتَنْجَعُهُ الرُّكْبانُ إنْ نَفِدَ الزّادُ
وتَهْوى قُلوبُ المُعْتَفينَ لظِلِّه / فتُعْمَلُ أقْتابٌ إلَيْهِ وأقْتادُ
سَلَلْتَ حُسامَ العَضْدِ والقُطْرُ راجِفٌ / وللرّوْعِ إنبْراقٌ علَيْهِ وإرْعادُ
وقُدْتَ إلَيْهِ الُرْدَ والنصْرُ خافِقٌ / يَرِفُّ علَيْها والملائِكُ أعْدادُ
فَما عاقَها عنْ نَيْلِها القَصْدَ عائِقٌ / ولا عَزّها يوْماً منَ اللهِ إمْدادُ
وجاهَدْتَ أحْزابَ الضّلالةِ جاهِداً / فلَمْ يُغْنِهِمْ منْ حَدِّ سيْفِكَ ما كادوا
ولاذوا الى السِّلْمِ اسْتِلاماً ورَهْبَةً / وقد شارَفوا وِرْدَ المنيّةِ أو كادُوا
فألّفْتَ ما بيْنَ الظُّبى وجُفونِها / وقد أوْحَشَتْ مِنْهُمْ جُفونٌ وأغْمادُ
وأجْمَمْتَ حدّ السّيفِ عنْ مُهَجاتِهِمْ / وقد طالَ منْهُمْ في سُؤالِكَ تَرْدادُ
وأحْصَنُ دِرْعٍ أيْقَنوا بدِفاعِهِ / لِبأسِكَ إذْعانٌ إلَيْهِ وإخْلادُ
فمهّدْتَ بالسِّلْمِ البِلادَ لأهْلِها / فللأمْنِ إصْدارٌ علَيْكَ وإيرادُ
وأصْبَحَتِ الأدْراعُ وهْيَ مَدارعٌ / وأزْرادُ أوْزارِ الوَغَى وهْيَ أبْرادُ
أَيوسُفُ حسْبُ القوْلِ فيكَ وإنْ عَلا / قُصورٌ فما إنْ يَحصُرُ القَطْرَ تَعْدادُ
توَقّلْتَ أهْضابَ الجَلالِ وأحْرَزْتَ / لكَ الحمْدَ آباءٌ كِرامٌ وأجْدادُ
وأمْلاكُ صِدْقٍ إنْ عَرا الناسَ رائِعٌ / منَ الخطْبِ جَدّوا أو عَرَتْ أزْمَةٌ جادُوا
مَقاماتُهُمْ بِيضٌ وحُمْرُ قِبابِهِمْ / يَرِفُّ بِها هَدْيٌ ويَشْرُقُ إرْشادُ
تَحُفُّ بِها الجُرْدُ العِتاقُ ودونَها / لِباغِي القِرى نارٌ تُشِبُّ وإيقادُ
وأنْديَةٌ يَنْتابُها البأسُ والنَّدى / فيُخْلَفُ إيعادٌ ويُنْجَزُ مِيعادُ
ولَمْ تأْلُ سَبْقاً في اقْتِفاءِ سَبيلِهِمْ / فصُلْتَ كَما صالُوا وسُدْتَ كَما سادُوا
حَديثٌ لهُ في المَشْرَفيِّ رِوايَةٌ / وعنْدَ العَوالي السّمْهَريّةِ إسْنادُ
فَدُمْ تُذْعِرُ الأعْداءَ في شَعَفاتِها / وتَنْقُضُ ما شَدّوا وتَعْمُرُ ما شادُوا
ويَهْنِيكَ نَيْروزٌ سَعيدٌ قدِ انْقَضى / أتَتْكَ على آثارِهِ منْهُ أعْدادُ
أتاكَ على عِلْمٍ بجُودِكَ في الوَرى / فأمّلَ منْ جَدْواكَ ما هوَ يَعْتادُ
وما هوَ إلا رائِدٌ لبَشائرٍ / فلازالَ يَحْدوها إليْكَ ويَقْتادُ
أدِرْها فوجْهُ الصُّبْحِ قد كادَ أن يَبْدو
أدِرْها فوجْهُ الصُّبْحِ قد كادَ أن يَبْدو / وفي كلِّ غُصْنٍ ساجِعٌ غَرِدٌ يَشْدو
وخُذْها على آسِ الرّياضِ ووَرْدِهِ / فهَذا عِذارٌ للرِّياضِ وذا خَدُّ
كأنّ سَقيطَ الطّلِّ في الرّوْضِ والصَّبا / تَهاداهُ طِفْلٌ والخُزامَى لهُ مَهْدُ
كأنّ لِطافَ القُضْبِ منْ فوْقِ وَرْدِها / مَراوِدُ تَسْتَشْفي بِها أعْيُنٌ رُمْدُ
كأنّ نَضيرَ الغُصْنِ جيدٌ مُنعَّمٌ / يرفُّ منَ الزّهْرِ الجَنيِّ بهِ عِقْدُ
كأنّ انْسِيابَ النّهْرِ بيْنَ ظِلالِها / حُسامٌ صَقيلٌ والظِّلالُ لهُ غِمْدُ
كأنّ الصَّبا عنْدَ الهُبوبِ تحيّةٌ / بطَيِّبها تخْتَصُّ أنْدَلُسَ الهِنْدُ
فبادِرْ الى اللّذّاتِ منْ قَبْلِ فوْتِها / فمَهْما تولّتْ ساعَةٌ ما لَها رَدُّ
نَبا الجَنبُ منّي عنْ وَثيرِ مِهدِهِ
نَبا الجَنبُ منّي عنْ وَثيرِ مِهدِهِ / وحالَف منّي الجَفْنَ طولُ سُهادِهِ
وممّا شَجاني والشّجونُ كثيرةٌ / ولا غَرْوَ أن يَشْقَى امْرُؤٌ ببِعادِهِ
تذكّرْتُهُ فرْخَ القَطاةِ فأسْرعَتْ / دُموعيَ تهْمي ويْلَها لانْفِرادِهِ
وما حالُ جِسْمٍ ظاعِنٍ حالَ بينَهُ / قَضاءٌ جَرى حَتْمًا وبيْنَ فُؤادِهِ
إذا شِئْتُ أن أحْظى إليْهِ بنظْرَةٍ / تُسكِّنُ ما أوْرى الجَوى منْ زِنادِهِ
جعَلْتُ كِتابي ناظِري ولَحَظْتُهُ / بناظِرَةٍ منْ طِرْسِهِ ومِدادِهِ
سَميَّ الأبِ الأحْنى وأيُّ وَسيلَةٍ / تَخُصُّكَ منْ قَلْبي بمَحْضِ وِدادِهِ
أعِنْدَكَ عبْدَ اللهِ عِلْمٌ بأنّني / رَمى الصّبْرُ منّي للأسى بقِيادِهِ
وقد كانَ يَشْفيني الخَيالُ إذا سرَى / وكيْفَ لجَفْني في الهَوى برُقادِهِ
تَناءَيْتُ عنْ دارِ النّعيمِ لشِقْوَتي / وأسْكَنَني الرّحْمانُ شرَّ بِلادِهِ
بمُنْقَطِع الرّملِ الذي مَنْ ثَوى بهِ / فقدْ بانَ في الدُّنْيا ضَلالُ ارْتيادِهِ
مَجالٌ لأفْراسِ الرِّياحِ إذا جَرَتْ / فليْسَ بِخالٍ ساعَةً منْ طِرادِهِ
أُعانِيهِما بحْرَيْنِ بحْراً منَ العِدَى / لهُ ثَبَجٌ من بَيْضِهِ وصِعادِهِ
وبَحْراً من الماءِ الأُجاجِ تَروعُنا / رَوائِعُ من أهْوالِهِ في اشْتِدادِهِ
عَسى اللهُ يُدْني ساعَةَ القُرْبِ واللِّقا / ويَجْعَلُ جُهْدي في سَبيلِ جِهادِهِ
ثَنى الصّعْدَةَ السّمْراءَ منْ لِينِ قَدِّهِ
ثَنى الصّعْدَةَ السّمْراءَ منْ لِينِ قَدِّهِ / وجَرّدَ منْ أجْفانِهِ سَيْفَ خَدِّهِ
وأقْبَلَ في جَيْشٍ منَ الحُسْنِ رائِعٍ / ترَى العَرَبَ العَرْباءَ منْ دونِ بَنْدِهِ
فمِن ثُعَلِ الزّوْراءِ لمحَةُ طَرْفِهِ / ومنْ مُضَرِ الحَمْراءِ صَفْحَةُ خدِّهِ
ولاحَتْ لهُ في حوْمَةِ القَلْبِ فتْكَةٌ / تعجَّلَ نصْرَ اللهِ فيها لوَعْدِهِ
فحكّمَ سيْفَ اللحْظِ في عسْكَرِ الهَوى / فكَمْ مُهْجةٍ مطْلولَةٍ فوقَ خدِّه
وكم منْ فُؤادٍ ضاعَ في مأزَق الهَوى / فَقيداً وقد أبْلَى بمَبْلَغِ جُهْدِهِ
وأشْكَلَ فيها موْتُهُ منْ حَياتِهِ / فعُمِّرَ في حُكْمِ الغَرامِ لفَقْدِهِ
بنَفْسي حِجازيُّ الجَمالِ إذا انْتَمى / تَطأْطَأَتِ العُلْيا لعِزّةِ مجْدِهِ
تبسَّمَ عنْ دُرٍّ منَ السِّمْطِ رائِقٍ / تأنّقَ صُنْعُ اللهِ في نَظْمِ عِقْدِهِ
ثَناياهُ قد أبْدَتْ مَعالِمَ بارِقٍ / وأنْفاسُهُ أبْدَتْ نَواسِمَ نجْدِهِ
وأعْطافُهُ تبْدو علَيْها إذا انْثَنى / شَمائِلُ منْ بانِ الحِجازِ ورَنْدِهِ
تفَجَّرَ منْ عيْنِ الجَمالِ بمَوْرِد / تَحومُ القُلوبُ الهِيمُ منْ دونِ وِرْدِهِ
يَلوحُ على أزْرارِهِ قَمَرُ الدُّجى / ويَمْرَحُ غُصْنُ البانِ في طيِّ بُرْدِهِ
ويحْتالُ أثْناءَ الذُّوابَةِ هازِئاً / كما اخْتالَ سيْفٌ في حَمائِلِ غِمْدِهِ
لَئِنْ قَلِقَتْ أعْطافُهُ في وِشاحِهِ / فكمْ أقْلَقَتْ قلْبَ المَشوقِ بوَجْدِهِ
وإنْ كَحَلَ السِّحْرُ المُبينُ جُفونَهُ / فكَمْ كحِلَتْ طَرْفُ المُعنّى بسُهْدِهِ
وقالوا عِذارٌ قلْتُ لا بَلْ صَحيفةٌ / عَقَدْتُ لهُ فيه وَثيقَةَ وُدِّهِ
وشَى صَفحَةَ الخدِّ الصّقيلِ فزانَها / كما زانَ صَفْحَ السّيْفِ وشْيُ فِرِنْدِهِ
فَيا لابِساً شَعْرَ الذُّؤابَةِ ناسِكاً / ليُخْبِرَ في وَصْلي بمَذْهَبِ زُهْدِهِ
ركِبْتُ طَريقَ الصّبْرِ وهْيَ مَفازَةٌ / ليَ اللهُ منْ غَوْلِ الطّريقِ وبُعْدِهِ
مَواقيتُ هَجْرٍ أرْبَعونَ قَضيْتُها / فَيا مَنْ لصَبْري منْ بُلوغِ أشُدِّهِ
إذا حَمَلَتْ طَلَّ الغَمامَةِ أدْمُعي / رَوى القلبُ منّي في الهَوى سِقْطُ زَنْدِهِ
سَقى اللهُ عهْدَ القُرْبِ أفْضَلَ ما سَقى / عُهودَ الهَوى العُذْريِّ منْ صَوْبِ عهْدِهِ
ويوْماً على رَغْمِ الوُشاةِ اخْتَلَسْتُهُ / جَهَرْتُ بشُكْرِ اللهِ فيهِ وحَمْدِهِ
تَناعَسَ جَفْنُ الدّهْرِ عنّيَ قاصِداً / ورُبّتَما نالَ امْرؤٌ فوْقَ قَصْدِهِ
وحَلّ عَميدُ البيْتِ بيْتيَ زائِراً / كما حلّ بدْرُ التِّمِّ في بَيْتِ سَعْدِهِ
فيا لَيْتَ قومِي يعْلَمونَ بأنّني / ظَفِرْتُ على يأسي بجَنّةِ خُلْدِهِ
فقبّلْتُ في لَيلِ الذّؤابَةِ وجْهَهُ / وعُذْتُ بذاكَ النّورِ منْ ليْلِ صَدِّهِ
وعاطَيْتُهُ حَمْراءَ في لونِ أدْمُعي / إذا سَكَبَتْ ذوْبَ العَقيقِ لبُعْدِهِ
وقلْتُ لِساقِيها وللأُنْسِ طاعَةٌ / تحَكَّمُ في هَزْلِ الحَديثِ وجدِّهِ
أدِرْها فَرَوْضُ الخَدِّ أخْضَلَهُ الحَيا / وحَفَّ طِرازُ الآسِ منْ حوْلِ وَرْدِهِ
فناوَلَها مَمْزوجَةً برُضابِهِ / ولوْ أنّني أنْصَفْتُ قُلْتُ بشُهْدِهِ
فلمّا بدَتْ للرّاحِ فيهِ ارْتياحَةٌ / ومالَتْ شَمالٌ للشَّمولِ بقَدِّهِ
توسّدَ أضغاثَ الرَّياحينِ وانْثَنى / يغِطُّ غَطيطَ الطِّفْلِ منْ فوْقِ مَهْدِهِ
فبايَعْتُ سُلْطانَ العَفافِ ولمْ أُجِزْ / على فِكْرَتي إلا الوَفاءَ بعَهْدِهِ
أبا الشّرف الأرْضَى تلطَّفْ بأنْفُس / غَزاها غَرامٌ أصْبَحَتْ نهْبَ جُنْدِهِ
ترفَّقْ وعَلِّلْها بأيْسَرِ نائِلٍ / يَحوطُ ذَماها كالسَّلامِ ورَدِّهِ
وإنْ أنْتَ لم تَفْعَلْ فما أنْتَ في الوَرى / بأوّلِ موْلَى جارَ في حُكْمِ عبْدِهِ
مَقامُكَ مرْفوعٌ على عَمَدِ السّعْدِ
مَقامُكَ مرْفوعٌ على عَمَدِ السّعْدِ / وحمْدُكَ مسْطورٌ على صُحُفِ المجْدِ
وحُبُّكَ أشْهى في القُلوبِ منَ المُنى / وذِكْرُكَ أحْلى في الشِّفاهِ منَ الشّهْدِ
كرُمْتَ إلى أنْ كادَ يَسْألُكَ الحَيا / وصُلْتَ إلى أنْ هابَكَ السّيْفُ في الغِمْدِ
وجَمَّعَ فيكَ اللّهُ مُفْتَرِقَ العُلى / وشتّى المَعاني الغُرِّ في عَلَمٍ فَرْدِ
وأحْيَيْتَ آثارَ الخَلائِفِ سابِقاً / جِيادَ المَدى فِيما تُعيدُ وما تُبْدي
ولا مِثْلَ شَفّافِ الضِّياءِ بَنَيْتَهُ / على الطّائِرِ الميْمونِ والطّالِع السّعْدِ
توشّحَ منْ زُهْرِ النّجومِ قِلادَةً / ومنْ قَلَقِ الإصْباحِ أصْبَحَ في بُرْدِ
مَقامُ النّدى والبأسِ والعدْلِ والتّقى / ومُسْتَوْدَعُ العَلْياءِ والشّرَفِ العِدِّ
دَحَيْتَ من الزُّلِّيجِ صفْحَةَ أرْضِهِ / بلَوْنَيْنِ مُبْيَضِّ الأديمِ ومُسْوَدِّ
كَما رُقِمَ الكافورُ بالمِسْكِ والتَقَتْ / ذَوائِبُ منْ شَعْرٍ أثِيثٍ على خدِّ
وأرْسَلْتَ فيها جَدْوَلَ الماءِ سائِلاً / كما سُلّ مَصْقولُ الغِرارَيْنِ منْ غِمْدِ
تقابَلَ بَيْتاهُ وقد أبْرزَتْهُما / منَ الدِّينِ والدُّنْيا عُلاكَ على حَدِّ
فألْبَسْتَ هذا حُلّةَ المُلْكِ والغِنى / وألْبَسْتَ هذا شَمْلَةَ النُّسْكِ والزُّهْدِ
وكَمْ عِبْرَةٍ أبْدَيْتَ تلْعَبُ بالنُّهى / فتَنْحَرِفُ الأذْهانُ منّا عنِ القَصْدِ
فكمْ غادَةٍ تخْتالُ تحتَ منصَّةٍ / مُعَصْفَرَةِ السِّرْبالِ مصْقولَةِ الخَدِّ
منَ الصُّفْرِ إلا أنّها عرَبيّةٌ / إذا اجْتُلِيَتْ فيها سِماتُ بَني سَعْدِ
حبَتْها دمَشْقُ الشّامِ كلَّ زُجاجَة / أرَقّ منَ الشّكْوى وأصْفى منَ الوُدِّ
رأيْنا بِها كُرْسيَّ كِسْرَى وتاجَهُ / نُلاحِظُهُ عَيْناً على قِدَمِ العَهْدِ
وكمْ رامِحٍ للفُرْسِ فيها ونابِلٍ / وراحٍ نُعاطِيها مُهَفْهَفَةَ القَدِّ
ومِنْ سُرُرٍ مَرْفوعَةٍ وأرائِكٍ / كما رقَمَتْ أيْدي الغَمامِ صَبا نَجْدِ
يُذكِّرُ مَرآها قُلوبَ أولِي النُّهى / بما وُعِدَ الأبْرارُ في جنّةِ الخُلْدِ
حَدائِقُ دِيباجٍ سَقَتْها منَ الحَيا / سَحائِبُ أفْكارٍ مهنّأةِ الوِرْدِ
فَما شِئْتَهُ منْ نَرْجِسٍ وبنَفْسَجٍ / وآسٍ وسُوسانٍ نَضيرٍ ومنْ وَرْدِ
وهَبّتْ رِياحُ النّصْرِ في جَنَباتِها / فأنشأنَ سُحْبَ العَنْبَرِ الوَرْدِ والنَّدِّ
مَطارِدُ فُرْسانٍ ومَجْرَى سَوابِحٍ / ومَكْنِسُ غِزْلان وغابَةُ ذي لِبْدِ
تكنّفَها عدْلُ الخليفَةِ يوسُفٍ / فترْعَى الظِّباءُ العُفْرُ فيها معَ الأُسْدِ
إمامُ هُدىً منْ آلِ سَعْدٍ نِجارهُ / ونَصْرُ الهُدى مِيراثُهُ لبَني سَعْدِ
مآثِرُهُ تلْتاحُ في أفُقِ العُلى / وآثارُهُ تسْتَنُّ في سُنَنِ الرُّشْدِ
فتُلْحَظُ منْ أنْوارِهِ سورَةُ الضُّحى / وتُحْفَظُ منْ آثارِهِ سورَةُ الحَمْدِ
منَ النَّفَرِ الوُضّاحِ والسّادةِ الأُلى / يُغيثونَ في الجُلّى ويوفونَ بالعَهْدِ
إذا حدّثوا تَرْوي الرّواةُ حَديثَهُمْ / عنِ الأسْمَرِ الخَطّيّ والأبيَضِ الهِنْدي
أَناصِرَ دين اللهِ وابْنَ نَصيرِهِ / على حينَ لا يُغْني نَصيرٌ ولا يُجْدي
طَلَعْتَ على الدُّنيا بأيْمَنِ غُرّةٍ / أضاءَ بِها نورُ السّعادَةِ في المَهْدِ
وكمْ رصَدَتْ منّا العُيونُ طُلوعَها / فحُقِّقَ نصْرُ اللهِ في ذلكَ الرّصْدِ
وقَتْ بَيْتَكَ المعْمورَ منْ كلِّ حادِثٍ / عِنايَةُ مَنْ يُغْني عنِ الآلِ والجُنْدِ
تهنّأ بهِ الأيّامَ دانِيَةَ الجَنى / وصافِحْ بهِ الآمالَ منْظومَةَ العِقْدِ
ودونَكَها منْ بَحْرِ فِكْري جَواهِرا / تُقَلَّدُ في نَحْرٍ وتُنْظَمُ في عِقْدِ
يَقومُ بآفاقِ البِلادِ خَطيبُها / يُتَرْجِمُ عنْ حُبّي ويُخْبِرُ عنْ وُدّي
ركَضْتُ لَها خيْلَ البَديهَةِ جاهِداً / وأسْمَعْتُ آذانَ المَعالي على بُعْدِ
فجاءَتْ وفي ألْفاظِها لَفَفُ الكَرى / سِراعاً وفي أجْفانِها سِنَةُ السُّهْدِ
تَقولُ رُواةُ الشِّعْرِ عنْدَ سَماعِها / تُرَى هلْ لِهذا النّدِّ في الأرضِ من نِدِّ
رَعى اللهُ قُطْراً أطْلَعَتْكَ سَماؤُهُ / وبورِكَ في مَوْلىً كريمٍ وفِي عبْدِ
دَعاها تَشِمْ آثارَ نجْدٍ فَفي نجْدِ
دَعاها تَشِمْ آثارَ نجْدٍ فَفي نجْدِ / هَوىً هاجَ منْها ذِكْرُهُ كامِنَ الوَجْدِ
ولا تَصْرِفاها عنْ وُرودِ جِمامِهِ / فكَمْ شرِقَتْ بالرّيقِ في موْرِدِ الجُهْدِ
يُذيب بُراها الشّوْقُ لوْلا مَدامِعٌ / تَحُلُّ عُراها في المَحاجِرِ والخَدِّ
وتصْبو الى عهْدٍ هُنالِكَ سالِفٍ / فتُبْدي منَ الشّوْقِ المبرِّحِ ما تُبْدي
حمَلْنَ نَشاوَى منْ سُلافِ صُبابَةٍ / تَميلُ بهِمْ ميْلَ المُنعّمَةِ المُلْدِ
إذا هبّ هَفّافُ النّسيمِ تَساقَطوا / فكَفٌّ الى قلْبِ وأخْرى على خَدِّ
نَشَدْتُكُما باللّهِ هلْ تُبْصِرانِها / مَعالِمَ محّتْها الغَمائِمُ منْ بَعْدي
عَفَتْ غيرَ سُفْعٍ كالحَمامِ جَواثِمٍ / وغيْرَ جِدارٍ مثْلِ حاشيَةِ البُرْدِ
وموْقِدِ نارٍ يسْتَطيرُ رَمادُهُ / ونُؤْيِ كَما دارَ السِّوارُ على الزَّنْدِ
وغيْرِ ظِباءٍ في رُباها كَوانِسٍ / تفَيّأْنَ في أفْيائِها دوْحَةَ الرّنْدِ
قِفوا نتَشَكّى ما نُلاقي منَ الهَوى / ونُنْحي على يوْمِ الرّحيلِ ونسْتَعْدي
ونُهْدي الى الأجْفانِ إثْمِدَ تُرْبِها / فَما اكْتَحَلَتْ منْ بَعْدِهِ بسِوى السُّهْدِ
سنَسْألُ عنْ سُكّانِها نَفسَ الصَّبا / لعلّ نسيمَ الرّيحِ يُخْبِرُ عنْ هِنْدِ
إذِ العيْشُ غضٌّ والشّبيبَةُ وارِفٌ / جَناها وشَمْلُ الحَيِّ مُنْتَظِمُ العِقْدِ
مَفارِقُ ما راعَ البَياضُ سَوادَها / وأفْئِدَةٌ لمْ تَدْرِ ما ألَمُ الصّدِّ
ووَصْلٍ كأنّا منْهُ في سِنَةِ الكَرى / وعَيْشٍ كأنّا منْهُ في جنّةِ الخُلْدِ
مَرابِعُ أُلاّفي وعهْدُ أحِبّتي / سَقى اللهُ ذاكَ العهْدَ مُنْسَكِبَ العِهْدِ
وجادَ بهِ منْ جُودِ يوسُفَ ساجِمٌ / مُلِثُّ هَمولٌ دونَ برْقٍ ولا رَعْدِ
إمامُ هُدىً منْ آلِ سَعْدٍ نِجارُهُ / ونصْرُ الهُدى مِيراثُهُ لبَني سَعْدِ
مآثِرُهُ تلْتاحُ في صُحُفِ العُلَى / وآثارُهُ تسْتَنُّ في سُنَنِ الرُّشْدِ
إذا هَمَّ أمْضى اللهُ في الأرضِ حُكْمَهُ / وما لِقَضاءِ اللهِ في الأرضِ منْ رَدِّ
أقولُ لرَكْبٍ ينْتَحي طُرُقَ السُّرى / ويَخْبِطُ في جُنْحٍ منَ الليْلِ مرْبَدِّ
تَهادَى مَطاياهُ التّهائِمُ والرُّبى / ويَرْمي بهِ غوْرَ الفَلاةِ الى نَجْدِ
وقد أخْلَفَ الغيْثُ السَّكوبُ دِيارَها / وأفْضى بِها هزْلُ السِّنينَ الى جِدِّ
ولمْ يُبْقِ منْهُ الأزْلُ غيرَ حُشاشَةٍ / تُنازِعُها اللَّأْواءُ في العَظْمِ والجِلْدِ
أرِيحُوا فقَدْ يمّمْتُمْ حَضْرَةَ النّدى / وأوْرَدْتُمُ في مَوْرِدِ الرِّفْقِ والرِّفْدِ
بحيثُ بُلوغُ القَصْدِ ليسَ بنازِحٍ / لراجٍ ولا بابُ الرّجاءِ بمُنْسَدِّ
ولُذْتُمْ منَ الدّهْرِ الظَّلومِ بناصِرٍ / يَرُدُّ شَباةَ الدّهْرِ مَفْلولَةَ الحَدِّ
بهِ جمَعَ اللهُ القُلوبَ على الهُدَى / وأذْهَبَ ما تُخْفي الصّدورُ منَ الحِقْدِ
وأحْيَى رُسومَ الفَضْلِ وهْيَ دَوارِسٌ / وأطْلَعَ منْ نورِ الهِدايَةِ ما يَهْدي
فَما روْضَةٌ بالغَوْرِ عاهَدَها الحَيا / وحُلّتْ حُبا الأنْواءِ في ذلكَ العِقْدِ
وحَجّبَها عنْ ناظِرِ الشّمْسِ فانْثَنَتْ / تسَتّرُ في ظِلٍّ منَ الغَيْمِ مُمْتَدِّ
وبَثَّ نَسيمُ الرّوضِ فيها تحيّةً / قَريبَةَ عهْدٍ باجْتِيازٍ على الهِنْدِ
وفَضّ فَتيتَ المِسْكِ في جَنَباتِها / فأرْعَفَ آنافَ الشّقائِقِ والوَرْدِ
بأعْطَرَ عَرْفاً منْ أريجِ ثَنائِهِ / إذا نشَرَتْ آثارَهُ صُحُفُ الحَمْدِ
أنَاصِرَ دينِ اللهِ وابْنَ نَصيرِهِ / على حينَ لا يُغْني نَصيرٌ ولا يُجْدي
طَلَعْتَ على الدّنْيا بأيْمَنِ غُرّةٍ / أضاءَ بها نورُ السّعادَةِ في المَجْدِ
وكمْ رصَدَتْ منّا العُيونُ طُلوعَها / فحُقِّقَ نصْرُ اللهِ في ذلِكَ الرّصْدِ
ولمّا عرَتْ هَذي الجَزيرَة روْعَةٌ / وأصْبَحَ فِيها الرُّعْبُ مُلْتَهِبَ الوَقْدِ
وأوْجَفَ خوْفُ الكُفْرِ شُمَّ هِضابِها / تَدارَكْتَ منْها كُلَّ واهٍ ومُنْهَدِّ
هزَزْتَ الى إعْزازِها كُلَّ ذابِلٍ / وقُدْتَ الى إصْراخِها كُلَّ ذي لِبْدِ
وشِمْتَ سُيوفَ الحقِّ واللهُ ناصِرٌ / وجهّزْتَ قبلَ الجيْشِ جيْشاً منَ السّعْدِ
وقُلْتَ لنَفْسِ العَزْمِ هُبّي وشَمّري / وهَذا أوانُ الشَّدِّ في اللهِ فاشْتَدّي
ولوْ لمْ تَقُدْ جيْشاً كَفَتْكَ مَهابَةٌ / منَ اللهِ تُغْني عنْ نَصيرٍ وعنْ جُنْدِ
ولكِنْ جَنَبْتَ الجُرْدَ قُبّاً بُطونُها / فأقْبَلْنَ أسْراباً كمِثْلِ القَطا تَرْدي
وما راعَ مَلْكَ الرّومِ إلا طُلوعُها / بَوارِقَ تُدْعَى بالمُطهّمَةِ الجُرْدِ
وغاباً منَ الخَطّيِّ تحْتَ ظِلالِهِ / أُسودٌ منَ الأنْصارِ تفْتِكُ بالأُسْدِ
فلمّا اسْتَفَزّ الذُّعْرُ منْكَ فُؤادَهُ / وحقّقَ معْنى الفَضْلِ في ذلِكَ الحَدِّ
وما بَرِحَتْ واللهُ ناصِرُ دينِهِ / قضاياهُ في عَكْسٍ لدَيْكَ وفي طَرْدِ
رَمى بِيَدِ الإذْعانِ للسِّلْمِ رَهْبَةً / وخاطَبَ يسْتَدْعي رِضاكَ ويسْتَجْدي
فرُحْمى لحَيٍّ لمْ تُجِرْهُ فإنّهُ / فَريدٌ وإنْ أضْحى منَ القوْمِ في عَدِّ
وأصْرَخَ نصْرُ اللهِ دعْوَةَ صارخٍ / طوَيْتَ لهُ تحْتَ الدُّجى شُقّةَ البُعْدِ
وبُشْرى لأرْضٍ قد سَلَكْتَ بأهْلِها / منَ السَّنَنِ الأرْضى على واضِحِ القَصْدِ
جمَعْتَ بِها الأهْواءَ بعْدَ افْتِراقِها / فأصْبَحَ فيها الضِدُّ يأنَسُ بالضِّدِ
ويَهْديكَ هَذا العِيدُ أسْعَدُ وافِدٍ / أتاكَ معَ النّصْرِ العَزيزِ على وعْدِ
طَوى البُعْدَ عنْ شوْقٍ وحطّ رِكابَهُ / بِبابِكَ بابِ الجودِ في جُمْلَةِ الوَفْدِ
فأوْلَيْتَنا في ظِلِّه كلَّ نِعْمَةٍ / هيَ القَطْرُ لا يُحْصى بحَصْرٍ ولا عَدِّ
وفاضَتْ بهتّانِ النّدى منْكَ راحَةٌ / هيَ البحْرُ لا ينْفَكُّ حِيناً عنِ المَدِّ
ودونَكَها منْ بَحْرِ فِكْري لآلِئا / تُقلِّدُ في نحْرِ وتُنْظَمُ في عِقْدِ
يَسيرُ بِها رَكْبُ النّسيمِ إذا سَرَتْ / سِراعُ المَطايا في ذَميلٍ وفي وَخْدِ
تَقومُ بآفاقِ البِلادِ خَطيبَةً / تُتَرْجِمُ عنْ حُبّي وتُخْبِرُ عنْ وُدّي
كأنّ العِراقِيّينَ عنْدَ سَماعِها / وقدْ غصّ حفْلُ القَوْمِ نحْلٌ على شُهْدِ
يَقولونَ إنْ هبّتْ منَ الَمْدِ نفْحَةٌ / فليْسَ لِهذا النّدِّ في الأرْضِ منْ نِدِّ
سَقى اللهُ قُطْراً أطْلَعَتْكَ سَماؤُهُ / وبورِكَ في موْلى كَريمٍ وفي عَبْدِ
قِفا فاسْأَلا في ساحَةِ الأجْرَعِ الفَرْدِ
قِفا فاسْأَلا في ساحَةِ الأجْرَعِ الفَرْدِ / مَعالِمَ محّتْها الغَمائِمُ منْ بَعْدي
وجرّتْ علَيْها الرّامِساتُ ذُيولَها / على أنّها تزْدادُ طِيباً على البُعْدِ
وعُوجا علَيْها فاسْأَلا عنْ أنيسِها / وإنْ كانَ تسْآلُ المَعالِمِ لا يُجْدي
ولكنّها نَفْسٌ تَجيشُ ونَفْثَةٌ / تُروِّحُ منْ بَثٍّ وتُطْفِئُ منْ وَجْدِ
مَرابِعُ أُلاّفِي وعهْدُ أحِبّتي / سَقى اللهُ ذاكَ العَهْدَ مُنْسَكِبَ العِهْدِ
وجادَ بِها منْ جودِ كفِّ محمّدٍ / مُلِثٌّ هَمولٌ دونَ بَرْقٍ ولا رَعْدِ
وإنّ أحَقَّ الغيْثِ أنْ يَرْوِيَ الثّرَى / لَغَيْثٌ زكيٌّ صابَ منْ مَنْشإِ المجْدِ
إمامُ هُدىً منْ آلِ سَعْدٍ نِجارُهُ / ونَصْرُ الهُدى ميراثُهُ لبَني سعْدِ
غَمامُ نَدىً جادَ البِلادَ فأصْبَحَتْ / تُجرِّرُ ذيْلَ الخصْبِ والعِيشةِ الرّغْدِ
وفرْعٍ زدكيٍّ منْ أصولٍ كريمَةٍ / حَباها كما قُدَّ الشِّراكُ منَ الِجلْدِ
فتُلْحَظُ منْ أنْوارِهِ سورَةُ الضُّحى / وتُحْفَظُ منْ آثارِهِ سورَةُ الحَمْدِ
منَ النَّفَرِ الوضّاحِ والسّادَةِ الأُلى / يُغيثونَ في الجُلّى ويوفونَ بالعَهْدِ
محمّدُ قد أحْيَيْتَ دينَ محمّدٍ / وأنْجَزْتَ من نصْرِ الهُدَى سابِقَ الوَعْدِ
طَلَعْتَ على الدُّنْيا بأيْمَنِ غُرّةٍ / أضاءَ بها نورُ السّعادَةِ في المَهْدِ
وكمْ رصَدَتْ منّا العُيونُ طُلوعَها / فحُقِّقَ نصْرُ اللهِ في ذلِكَ الرّصْدِ
هَنيئاً لمُلْكٍ فاتَحَتْكَ سُعودُهُ / وعِزٍّ على الأيّامِ مُنْتَظِمِ العِقْدِ
وعُقْدَةِ مُلْكٍ كانَ ربُّكَ كالِئاً / لَها وأصيلُ السّعْدِ يُغْني عنِ النّقْدِ
جمَعْتَ بِها الأهْواءَ بعْدَ افتِراقِها / فقَدْ كانَ فيها الضِّدُّ يأنَسُ بالضِّدِّ
أمَوْلايَ هَذا الأمْرُ جِدٌّ وإنّما / يَليقُ بِه مَنْ عامَلَ الجِدَّ بالجِدِّ
ودونَكَها منْ ناصِحِ الجيْبِ مُخْلِصٍ / وصيّةَ صِدْقٍ أعْرَبَتْ لكَ عنْ وُدِّ
أفِضْ في الرّعايا العَدْلَ تحْظُ بحُبِّها / وحَكِّمْ علَيْها الحَقَّ في الحَلِّ والعَقْدِ
وما منْ يَدٍ إلا يَدُ اللهِ فوقَها / ومنْ شِيَمِ الموْلَى التّلطُّفُ بالعَبْدِ
فكُنْ لهُمْ عَيْناً على كلِّ حادِثٍ / وكُنْ فيهمُ سمْعاً لدَعْوَةِ مُسْتَعْدي
وأنْتَ ثِمالُ اللّهِ فابْسُطْ نَوالَهُ / إذا بسَطَ المُحْتاجُ راحةَ مُسْتَجْدي
وأوْجِبْ لأرْبابِ السّوابِقِ حقَّها / ولا تمْنَعِ المعْروفَ مَنْ لكَ منْ جُنْدِ
همُ الحَدُّ في نحْرِ العدوِّ وهلْ تَرى / دِفاعاً لمَنْ يَلْقى العدوَّ بِلا حدِّ
وشاوِرْ أولي الشّورى إذا عنّ مُعْضِلٌ / فمَنْ أعْملَ الشّورى فَما ضَلّ عنْ قَصْدِ
وكُنْ بكِتابِ اللهِ تأتَمُّ دائِماً / هوَ الحقُّ والسّورُ المُبينُ الذي يَهْدي
ألا لا يَرُعْ منّا الزّمانُ عِصابَةً / مؤكَّدَةَ الميثاقِ مرْهَفةَ الحدِّ
تُقابِلُ أمْرَ اللهِ بالبِشْرِ والرِّضى / وتلْقى الذي ترْضاهُ بالشُّكْرِ والحمْدِ
وتَخْلُفُ فيمَنْ خلّفَتْهُ مُلوكُها / برَعْي الذِّمامِ الحُرِّ والحِفْظِ للعَهْدِ
وما هيَ إلا أنْفُسٌ مُسْتَعارةٌ / ولابدّ يوْماً للعَواريِّ منْ رَدِّ
غَنينَا عنِ البحْرِ الذي غاضَ بالحَيا / وعنْ كوْكَبِ العَلْياء بالقَمَرِ السّعْدِ
حياةٌ جَناها النّهْرُ منْ شجَرِ الرّدى / سَريعاً ووِجْدانٌ تكوّنَ عنْ فَقْدِ
وسَيْفانِ هَذا سَلَّهُ الدّهْرُ ماضِياً / صَقيلاً وهَذا رَدُّهُ الدّهْرُ في غِمْدِ
وقَتْ مُلْكَكَ المَحْروسَ منْ كُلِّ حادِثٍ / عِنايَةُ مَنْ يُغْني عن الآلِ والجُنْدِ
ودونَكَها منْ بحْرِ فِكري جَواهِراً / تُقلَّدُ في نَحْرٍ وتُنْظَمُ في عِقْدِ
رَكَضْتُ بِها خيْلَ البَديهَةِ جاهِداً / وأسْمَعْتُ آذانَ المَعاني على بُعْدي
فَجاءَتْ وفي ألْفاظِها لَفَفُ الكَرى / سِراعاً وفي أجْفانِها سِنَةُ السُّهْدِ
وإنّي وإنْ أطْنَبْتُ فيكَ لَقاصِرٌ / ومَنْ ذا يُطيقُ الرّمْلَ بالحَصْرِ والعَدِّ
أَهاجَتْكَ ذِكْرى منْ خَليطٍ ومَعْهَدِ
أَهاجَتْكَ ذِكْرى منْ خَليطٍ ومَعْهَدِ / سمَحْتَ لَها بالدّمْعِ في كلِّ مَشْهَدِ
وعادَكَ عِيدٌ منْ تذَكُّرِ جِيرَةٍ / نأَوْا بالذي أسْأَرْتَهُ منْ تجَلُّدِ
حَنانَيْكَ في نَفْسٍ شَعاعٍ ومُهْجَةٍ / إذا لمْ يحِنْ منْ بعْدِهِمْ فكأنْ قَدِ
فكَمْ دونَهُمْ منْ مَهْمَةٍ ومَفازَةٍ / وأثْباجِ بحْرٍ زاخِرِ اللُّجِّ مُزْبِدِ
كأنْ لم يكُنْ منْ قبْلِ يومِكَ عاشِقٌ / ولا واقِفٌ بالرَّبْعِ وقْفَةَ مُكْمَدِ
ولا سألَ الأطْلالَ بعْدَ قَطينِها / فعيّتْ جَواباً بعْدَ طولِ ترَدُّدِ
ومُسْتَنْصَرٍ منْ دَمْعِهِ غيْرُ ناصِرِ / ومُسْتَنْجَدٍ منْ ضُرِّه غيْرُ مُنْجِدِ
سوى عَبْرَةٍ تحْدو ثِقالَ سَحابِها / إذا ما ونَتْ ريحُ الزّفيرِ المُصَعّدِ
أسَى النّفْسِ لا يَقْوى على ردِّ فائِتٍ / فإنْ شِئْتَ فلْتُقْلِلْ وإنْ شِئْتَ فازْدَدِ
وما رَجُلُ الدّنْيا سوى متَقَطِّنٍ / لنَكْرانِها ماضٍ مَضاءَ المُهَنَّدِ
إذا أقْبَلَتْ بالخيْرِ لمْ تسْتَفزَّهُ / وإنْ كان معْتَدّاً بهِ ضُرَّ مُعْتَدي
فَلا تَقْنَ ما يَجْني علَيْكَ ذَهابُهُ / وإنْ كان مُعْتَدّاً بهِ ضُرَّ مُعْتَدي
وخُذْ ما بِهِ جادَ الزّمانُ مُسامِحاً / ولا تَتْرُكْ يوْمَ السّرورِ الى غَدِ
وسِرْ في مَراحِ اللهِ مُقْتَصِرَ الخُطى / وكُنْ لنَوالِ اللّهِ مُنْبَسِطَ اليَدِ
وإنْ راعَ دهْرٌ أو تنَكّرَ حادِثٌ / فلُذْ بحِمى منْ عامِرِ بْنِ محمَّدِ
فتَى الحَيّ منْ هِنْتاتَةٍ جيرَةِ الهُدى / وخيرَةِ أصْحابِ الإمامِ المُوَحِّدِ
وكوْكَبُ أفْقِ الغَرْبِ لمْ يَبْقَ بعْدَهُ / وبعْدَ ابْنِهِ منْ كوْكَبٍ متوقِّدِ
رَحيبُ مَجالِ الفَضْلِ يَكْلَفُ بالعُلى / فَما هوَ بالمُصْغي لقَوْلِ المُفَنِّدِ
ويَطْوي بُرودَ الُلْكِ فوقَ خلائِقٍ / تُناسبُ خُلْقَ النّاسِكِ المتزهِّدِ
ومُشْتَغِلٍ بالحَزْمِ يَقْدَحُ زَنْدُهُ / إذا اشْتَغَلَ الأمْلاكُ باللّهْوِ والدَّدِ
وضافِي لِباسِ المَجْدِ بالفَضْلِ مُكْتَسٍ / وبالفَخْرِ مُعْتَمٍّ وبالحَمْدِ مرْتَدي
وتَحْتَمِلُ الرُّكْبانُ طيبَ حَديثِهِ / فيأتيكَ بالأخبارِ مَنْ لم تُزَوِّدِ
ومُرْتَقِبُ الإقْبالِ في كلِّ وجْهَةٍ / وأمْرٍ ولِلصّنْعِ الجَميلِ معوَّدِ
فوَاللّهِ ما نَدْري أيُمْنُ نَقيبَةٍ / ترِفُّ علَيْهِ أمْ سَعادةُ موْلِدِ
تُساسُ بهِ الأقْطارُ بعْدَ ارْتِجاجِها / وتَدْنو لهُ الأوْطارُ بعْدَ تبَعُّدِ
لهُ جبَلٌ في مُلْتَقَى الهوْلِ عاصِمٌ / يُناولُ مَنْ يحْتَلّهُ النّجْمَ باليَدِ
ورأيٌ إذا ما جُهِّزَتْ عنْهُ رايَةٌ / كَفى سعْدُها عنْ كُلِّ جُنْدٍ مجَنَّدِ
يَرى الأمْرَ في أعْجازِهِ وصُدورِهِ / بعيْنِ البَصيرِ الألْمَعيِّ المُسَدَّدِ
ألَيْسَ منَ القوْمِ الذينَ عُلاهُمُ / مُخلَّدَةٌ واسْتَشْهِدِ الكُتْبَ تَشْهَدِ
مآثِرُهُمْ في الدّينِ غيْرُ خَفيّةٍ / فهُمْ كالنّجومِ الزّاهِراتِ لمُهْتَدي
خَلائِفُ عبْدِ المؤْمِنِ المَلِكِ الذي / بسِرٍّ من المَهْديِّ قدْ كانَ يهْتَدي
ودوّخَ أكْنافَ البَسيطَةِ بعْدَهُ / وأعْلَنَ بالتّوْحيدِ في كُلِّ مسْجِدِ
فأبْناؤهُ منْ بعْدِهِ أعْمَلوا الظُّبى / وأمْضَوْا سُيوفَ اللّهِ في كلِّ مُلْحِدِ
فسَلْ إنْ أرَدْتَ الأرْكَ إذ غصّتِ الرُّبى / بكُلِّ عَميدٍ بالرَّغامِ موَسَّدِ
فمَنْ ذالَهُ كالقوْمِ إنْ شِئْتَ في نَدىً / وبأسٍ وفي فضْلٍ وفي صِدْقِ مَشْهَدِ
لَئِنْ زيّنوا الدُّنْيا بزُهْرِ وُجوهِهِمْ / لقدْ زيّنوا بالذِّكْرِ كلَّ مُجلَّدِ
وأبْقَوْا ثَناءً عاطِراً فكأنّما / نَسيمُ الصَّبا هبّتْ على الزّهْرِ النّدي
أبا ثابِتٍ لازالَ سَعْدُكَ ثابِتاً / وجودُكَ يَرْوي وِرْدُهُ غُلّةَ الصّدِي
ولازِلْتَ قُطْباً تَسْتَديرُ بهِ العُلى / كما دارَتِ الأفْلاكُ حوْلَ المُحَدَّدِ
رفَعْتَ بِناءَ المُلْكِ لمّا تَمايَلَتْ / دَعائِمُهُ فوْقَ الأساسِ الموطَّدِ
وأصْرَخْتَهُ لمّا دَعاكَ على النّوى / وواصَلَ ترْجيعَ النِّداءِ المَرَدَّدِ
بكُلِّ صَقيلِ المتْنِ سالَ خَليجُهُ / ولكنّ حُكْمَ القَيْنِ قال لهُ اجْمُدِ
يُري بنُحولِ الحَدِّ شيمَةَ عاشِقٍ / ويُكْذِبُ خَدّاهُ بخَدٍّ مُورَّدِ
ومُلْتَفِتٍ عنْ أزْرَقِ اللّحْظِ قدْ حَكى / بهِ العَلَقُ المُحْمَرُّ مُقْلَةَ أرْمَدِ
شَكا مَرَهَ الألْحاظِ في حوْمَةِ الوَغى / فوافاهُ مُلْتَفُّ الغُبارِ بإثْمِدِ
وكُلُّ شَهيرِ العِتْقِ أشْرَفَ جيدُهُ / وقامَ على مَلْمومَةٍ منْ زَبَرْجَدِ
تألّقَ عنْ بَرْقِ الدُّجنّة كلّما / تبسَّمَ في قِطْعٍ منَ اللّيلِ أرْبَدِ
إذا ما تغنّى بالصّهيلِ مرَجِّعاً / سمِعْتَ بهِ صوْتَ الغَريضِ ومَعْبَدِ
وجدّدْتَ نصْرَ الجِدِّ في ابْنِ ابْنِهِ الذي / رعَيْتَ لهُ حقَّ الذِّمامِ المؤَكَّدِ
ولمْ تأتِ بِدْعاً بالوَفاءِ وإنّما / شفَعْتَ الذي أسْلَفْتَ في القوْمِ منْ يَدِ
ويأبَى لكَ المجْدُ الذي أنْتَ أهْلُهُ / على الدّهْرِ إلا أنْ تُتَمِّمَ ما بُدِي
وعُدْتَ يجُرُّ المُلْكُ خلْفَكَ ذَيْلَهُ / وفي حُكْمِكَ العُلْيا تَروحُ وتَغْتَدي
ويَعْتَدُّ منْكَ المُلْكُ والدِّينُ والوَرى / بكافِي الدّواهِي والهُمامِ المؤيَّدِ
وسوّغكَ العَقْدُ السّعيدُ مسَرّةً / وهنّأَكَ الإمْلاكُ أعْذَبَ موْرِدِ
شَدَدْتَ بصِهْرِ المُلْكِ أزْرَ مَجادَةٍ / تَوارَثْتَها عنْ أوْحَدٍ بعْدَ أوْحَدِ
ومِثْلُكَ مَنْ يَرْمي بهمَّتِهِ العُلى / ويَرْفَعُ أعْلامَ الثّناءِ المُجَدَّدِ
ويُحْيي منَ التّوْحيدِ رسْماً يُعيدُهُ / لخَيْرِ اجْتِماعِ الشّمْلِ بعْدَ تبدُّدِ
عَقيلَةُ مُلْكٍ فُزْتَ منْها بطائِلٍ / عَزيزٍ على نفْسِ الكَريمِ المُمَجَّدِ
يُزرُّ علَيْها هوْدَجُ المُلْكِ هالَةً / يَدورُ علَيْها كُلُّ غَفْرٍ وفَرْقَدِ
فلوْ أنْصَفَتْ فوْقَ العُيونِ ابْتَغَوْا لَها / طَريقاً فتَمْشي فوْقَ صَرْحٍ مُمَرَّدِ
وفي نِسْبَةِ الأشْياءِ يظْهَرُ حُسْنُها / موحَّدَةٌ زفّتْ لخَيْرِ موَحِّدِ
فهنّأكَ اللهُ الإيابَ ولا انْقَضَتْ / سُعودُكَ تَتْرى بيْنَ مَثْنى ومَوْحَدِ
وقابِلْ صَنيعَ اللّهِ فيكَ بشُكْرِهِ / وراقِبْهُ حالَ السِّرِّ والجَهْرِ تُحْمَدِ
فَيا هَضْبَةَ العُلْيا ويا مُزْنَةَ النّدى / ويا مَفْخَرَ الدُّنْيا ويا قَمَرَ النّدي
ويا عُدّةَ المُلْكِ المَرينيِّ كلّما / اسْتَجارَ بهِ في الأمْسِ واليوْمِ والغَدِ
ركَضْتُ إليْكَ الجُرْدَ أفْلي بها الفَلا / وأذْرَعُ منْها فَدْفَداً بعْدَ فَدْفَدِ
يَطيرُ بِها الشّوقُ الحَثيثُ فيَنْبَري / لمثْواكَ فيها كلُّ سَهْمٍ مُسَدَّدِ
ولوْ هاجَ عزْمي منْ سِواكَ وصاحَ بي / لآثَرْتُ سِيما العاجِزِ المُتَبَلِّدِ
وما كُنْتُ أرْضى أنْ أنالَ ذَريعَةً / أُكِدُّ لها نَفْسي وأُكْذِبُ مَقْصَدي
وأقْتَحِمُ الأخْطارَ والأرضُ تلْتَظي / وألْتَهِمُ الأقْطارَ والهَوْلُ يغْتَدي
ولوْ أنّ شمْسَ الجوِّ أو قَمَر الدُّجى / يعودانِ لي هَضْبَيْ نُضارٍ وعسْجَدِ
ولكنّهُ وُدٌّ وحُسْنُ تَخيُّرٍ / قضى لكَ منّي بالثّناءِ المُخَلَّدِ
جعلْتُكَ بيْنَ النّاسِ حظّي الذي سمَتْ / لإحْرازِهِ نفْسي وطَبْعيَ مُنْجِدي
وحرَّكَ عزْمي أنْ أزورَكَ قاعِداً / على فُرُشِ العِزِّ الأصيلِ المُجَدَّدِ
ليَخْلُصَ تأمِيلي إلَيْكَ ووِجْهَتي / ويَبْرأُ عزْمي منْ سِواكَ ومَقْصَدي
فلا تَنْسَ لي هَذا الذِّمامَ فإنّهُ / لَخيْرُ ذِمامٍ قد وصَلْتُ به يَدي
أجازَ عُلاكَ اللهُ منْ كُلِّ حادِثٍ / ولازِلْتَ في سَعْدٍ على الدّهْرِ مُسْعِدِ
وأحْيَى أبا يَحْيَى لعَيْنِكَ قُرّةً / قَريعُكَ في حَزْمٍ وعزْمٍ وسُؤدَدِ
مؤمَّلَ أبْنائي ومَظْهرَ دعْوَتي / ولوْلا اتّقائي عتْبَهُ قُلْتُ سيّدي
ولازِلْتَ تجْني كلّما اشْتَجرَ الوَغى / جنَى النّصْرِ منْ غرْسِ القَنا المُتقصِّدِ
وكثّرَ منْ حُسّادِكَ اللّهُ إنّهُ / إنِ اللّهُ أنْمى خيْرَهُ لكَ تُحْسَدِ
وقائِلَةٍ صِفْ لي فَدَيْتُكَ رِحْلَةً
وقائِلَةٍ صِفْ لي فَدَيْتُكَ رِحْلَةً / عُنيتَ بِها يا شِقّةَ القَلْبِ منْ بَعْدي
فقُلْتُ خُذيها منْ لِسانِ بَلاغةٍ / كما نُظِمَ الياقوتُ والدُّرُّ في عِقْدِ
سَميَّ خَليلَ اللّهِ أحْيَيْتَ مُهْجَتي
سَميَّ خَليلَ اللّهِ أحْيَيْتَ مُهْجَتي / وعاجَلَني منْكَ الصّريخُ على بُعْدي
فإنْ عشْتُ أُبْلِغْ فيكَ نفْسي عُذْرَها / وإنْ لمْ أعِشْ فاللهُ يجْزيكَ منْ بَعْدي
أرِقْتُ فجُنْحُ اللّيلِ قُيِّدَ خَطْوُهُ
أرِقْتُ فجُنْحُ اللّيلِ قُيِّدَ خَطْوُهُ / فلَهْفي على الجَفْنِ القَريحِ المُسَهَّدِ
وما بُليَتْ نفْسُ امْرئٍ متطرِّفٍ / بأوْحَشَ منْ عَبْدٍ عَبوسٍ مُقَيَّدِ
دَعانا الى بُنْيُونُشٍ وهْيَ جنّةٌ
دَعانا الى بُنْيُونُشٍ وهْيَ جنّةٌ / شَريفٌ تولّى اللهُ تطْهيرَ مجْدِهِ
فأذْكَرَنا مَثْواهُ بالجنّةِ التي / وِعِدْنا بِها واللهُ مُنْجِزُ وَعْدِهِ
نَعيماً ورَيْحاناً ورَوْحاً وكُلُّ ما / يُعَدُّ لمَنْ حاباهُ سابِقُ سَعْدِهِ
فقُلْنا ظَفِرْنا اليوْمَ منْ أجْلِ أحْمَدٍ / بِهَذي ونرْجو تلْكَ منْ أجْلِ جَدِّهِ
تعجّلْتُ وخْطَ الشّيبِ في زَمَنِ الصِّبا
تعجّلْتُ وخْطَ الشّيبِ في زَمَنِ الصِّبا / لخَوْضي غِمارَ الهَمِّ في طَلَبِ المَجْدِ
فمَهْما رأيْتُمْ شَيْبَةً فوْقَ مَفْرِقي / فلا تُنْكِروها إنّها شَيْبَةُ الحَمْدِ
أُجِلُّكَ عنْ عتْبٍ يَغُضُّ منَ الوُدِّ
أُجِلُّكَ عنْ عتْبٍ يَغُضُّ منَ الوُدِّ / وأُكْرِمُ وجْهَ العُذْرِ فيكَ عنِ الرّدِّ
ولكنّني أُهْدي إلَيْكَ نَصيحَتي / وإنْ كُنْتُ قدْ أهْدَيْتُها ثمّ لمْ تُجْدِ
إذا مِقْوَلُ الإنسانِ جاوَزَ حَدَّهُ / تحوّلَتِ الأغْراضُ منْهُ الى الضِّدِّ
فأصْبَحَ منْهُ الجدُّ هَزْلاً مُذمَّماً / وأصْبَحَ منْهُ الهَزْلُ في صورَةِ الجِدِّ
فَما اسْطَعْتُ قَبْضاً للعِنانِ فإنّهُ / أحَقُّ السّجايا بالعَلاءِ وبالمَجْدِ
رَفَلْتُ بابْراهِيم في حُلَلِ السّعْدِ
رَفَلْتُ بابْراهِيم في حُلَلِ السّعْدِ / وأُفْرِدْتُ بالفَخْرِ المُؤَثَّلِ والمَجْدِ
تبنّى حُسامَ النّصْرِ منّيَ مُرْضَعاً / وعُوِّصْتُ حِجْرَ المُسْتَعينِ منَ المَهْدِ
فجِئْتُ مَرينيَّ المَضا لمَنِ انْتَضى / وإنْ كنْتُ مَنسوبَ النِّجارِ الى الهِنْدِ
وكمْ رِيءَ منْ نَجْلٍ أبَرَّ بفَضْلِهِ / علَى الوالِدِ المَشْهورِ بالفَضْلِ والجَدِّ
نشَدْتُكَ هلْ أبْصَرْتَ قَبْلي أوْ بَعْدي
نشَدْتُكَ هلْ أبْصَرْتَ قَبْلي أوْ بَعْدي / مُقوَّرَةً قوْراءَ كالقَمَرِ السّعْدِ
رَحيبَةَ أكْنافٍ ضَمينَةَ أنْعُمٍ / تدُلُّ على الفَخْرِ المُؤَثَّلِ والمَجْدِ
يُبَشِّرُ بالشّمْلِ الجَميع قُدومُها / وتأْتي معَ العيْشِ الخَصيبِ على وعْدِ
تُمَدُّ بِباسْمِ اللّهِ في كُلِّ مشْهَدِ / وتُرْفَعُ بعْدَ الشُّكْرِ للّهِ والحَمْدِ
وتَخْلُفُ جَوْدَ الغيْثِ إنْ أخْلَفَ الحَيا / وتَكْفُلُ للعافِينَ بالرِّفْقِ والرِّفْدِ
تَرَى فوقَها الطّيْفورَ أسْتاذَ حَلْقَةٍ / مَعاني حُروفِ الحَلْقِ منْ بعْضِ ما يُبْدي
إذا ما ابْنُ مُسْدٍ أُسْنِدَتْ عنْهُ نِعْمَةٌ / رأيْتَ أكُفَّ القوْمِ تُلْحِمُ أو تُسْدي
توارَثَها الموْلى أبو سالِمٍ الرّضَى / عنِ الوالِدِ الموْلَى المُقَدَّسِ والجَدِّ
علِيِّ بْنِ عُثْمانَ بْنِ يعْقوبَ يا لَها / مَفاخِرَ قدْ أرْبَتْ علَى الحَصْرِ والعَدِّ
أدامَ لكَ اللّهُ البَقاءَ وأصْبَحَتْ / مَكارِمُهُ نُوراً على علَمٍ فَرْدِ
كُماشِيُّكُمْ منْ أجْلِهِ انْكَمَشَ السّعْدُ
كُماشِيُّكُمْ منْ أجْلِهِ انْكَمَشَ السّعْدُ / إذا ما اطّرَحْتُمْ شُؤْمَهُ أُنْجِزَ الوعْدُ
ومَنْ لمْ تكُنْ منْ قبْلُ للسّعْدِ عنْدَهُ / مَخيلَةُ نُجْحٍ كيْفَ تُرْجى لهُ بعْدُ
وتَصْريفُهُ المَشْؤومُ فَلْتَتَذكّروا / وما قُلْتُ إلا بالذي علِمَتْ سعْدُ
شُغِلْتُ بيوْمِ العرْضِ عمّنْ وسيلَتي
شُغِلْتُ بيوْمِ العرْضِ عمّنْ وسيلَتي / الى اللّهِ يوْمَ العرْضِ رحْمَةُ جدِّهِ
وإنْ كُنْتُ قد قصّرْتُ في فرْضِ برِّهِ / فوَاللهِ ما قصّرْتُ في رَعْيِ عهْدِهِ
ولا جهِلَتْ نفْسي أياديَ التي / جعلْتُ لِساني بعْدَها رهْنَ حَمْدِهِ
وإنْ ضاقَ وُسْعي عنْ قِيامي ببَعْضِها / فَما ضاقَ عنْ عُذْرٍ لَها وُسْعُ مَجْدِهِ