أَغمدان ما يُبكيكَ يا كَعبةَ الهُدى
أَغمدان ما يُبكيكَ يا كَعبةَ الهُدى / وَفيم الأَسى يا هَيكل الفَضلِ وَالنَدى
عذرتُكَ لَو أَصبَحتَ وَحدَكَ مُبتلىً / أَغمدان صَبراً لَست بِالخَطب أَوحَدا
لَئن ماتَ يا غَمدان جبرٌ فَشدَّما / أَعدَّ رِجالاً للحياةِ وَجنّدا
أَتَبكي عَلى جَبر وَحَولك جنده / عَزاؤك فيمن راحَ حَولك وَاِغتَدى
لِبانيك روحٌ ما يَزال يمدُّهُم / وَظلُّك مَمدود عَلى الدَهرِ سرمدا
وَيا مَن رَأى أَركانَكَ الشمَّ في الرُبى / تَبَوّأنَ مِن جَناتِ لبنان مقعدا
حنوتَ عَلى أُمِّ اللُغات فَصُنتَها / وَكُنتُ لَها الصرحَ المَنيعَ الممرَّدا
وَكانَ لَها جبرٌ أَميناً وَحامياً / إِذا ما بَغى الباغي عَلَيها أَو اِعتَدى
وَللعلم في لُبنان شيدت مَعاهِدٌ / فَلَم تبقِ أَيدي الجَهلِ مِنهن مَعهَدا
وَأَقبحُ مِما قَد جَنَوهُ اِعتذارهم / فَقالوا يَضيعُ المالُ في رفعِها سُدى
وَقَد زَعموها تُنفِدُ المالَ كَثرةً / فَهَل ترَكوا مالاً هُناكَ فَينفدا
مَصابيحُ إِن هم أَطفَأوها فَإِنَّها / حَباحبُ شؤمٍ كَم أَضلّت مَن اِهتَدى
وَما لَهفي إِلّا عَلى ساعَةٍ بِها / صدقنا العدا لا باركَ اللَهُ في العِدا
فَكَم مِن يَدٍ بَيضاءَ للعَرب عِندَهُم / وَمن لكَ بِالحَرّ الَّذي يَحفظ اليَدا
لَئن خلّفوا لُبنان يخبط في الدُجى / فَغمدان يا لُبنان ما اِنفَكَّ فَرَقَدا
طَريقُ الرَدى مَهما يَطل يَلقه الرَدى / قَصيراً وَإِن يَوعُر يَجِدهُ ممهدا
وَمَوت الفَتى تَحني الثمانون ظَهرَه / كَمَوت الفَتى في ميعةِ العُمر أَمرَدا
حَياتك يا إِنسان شَتّى ضروبها / تَحيط بِها شَتى ضُروب مِن الرَدى
وَما قَهَرَ المَوتَ القَويَّ سِوى امرئٍ / يَخلِّفُ بَينَ الناس ذكراً مخلّدا
يخلّف طيبَ الذكر لا كَالَّذي قَضى / وَخلّف وَعداً في فَلسطين أَنكَدا
فَأَبكى بِهِ قَوماً وَأَضحك أُمة / أَبى اللَهُ إِلّا أَن تَهيمَ تَشَرُّدا
وَلَكنَّ خَيرَ الناسِ مِن كَفَّ شَرَّه / عَن الناس أَو أَغنى الحَياةَ وَأَسعَدا
كَجَبرٍ وَعبد اللَه طابَ ثَراهُما / وَلا زالَ فَوّاح الشَذى ريِّق النَدى
عَلى خَير ما نَرجوه كانَ كِلاهُما / جِهاداً وَإِسعاداً وَغَيباً وَمَشهَدا
وَهاما هياماً في هَوى مَضرية / كَما اِنقَطَعا دَهراً لَها وَتَجَرَّدا
فَكَم نَشَرا مِن ذَلِكَ الحُسن ما اِنطَوى / وَكَم آيةٍ في ذَلِكَ السحر جَدَّدا
بَلاغَتها اِفتنّت بجبرٍ وَآثرت / فَصاحتها البُستانَ ظلاً وَموردا
إِذا لُغَةٌ عَزَّت وَلَو ضيم أَهلها / فَقَد أَوشَك اِستقلالهم أَن يَوطّدا
لجبرٍ يَدٌ عِندي تَأَلَّقُ كَالضُحى / وَقَلَّ لَها شكراً رثائيكَ مُنشِدا
غَشيتك في دارٍ بِبَيروت لِلنَدى / وَلِلأَدب العالي فِناءً وَمُنتَدى
وَحفَّ ذَويكَ البشرُ مِن كُلِ جانِبٍ / وَبَينَ أَسارير الوُجوه تَرَدَّدا
وَآنستَ بي مِن فَيض نورك لَمحةً / فَأَعليتَ مِن شَأني مَعيناً وَمرشدا
لَقَد كُنتَ بي بَرّاً فيا بِرَّ والدٍ / توسّمَ خَيراً في ابنه فَتَعَهّدا
وَيا حسرتا أَضحي بِنعماكَ نائِحاً / وَكُنتُ بِها مِن قبل حينٍ مغرِّدا
عَجبتُ لَها مِن همةٍ كانَ مُنتَهى / حَياتك فيها حافِلاً مثلَ مبتدا
فَيا لُغتي تيهي بجبرٍ عَلى اللُغى / وَيا وَطَني ردِّد بآثاره الصَدى