المجموع : 3
جَنابكِ منه تُسْتَفَادُ الفَوائدُ
جَنابكِ منه تُسْتَفَادُ الفَوائدُ / ولِلناسِ بالإحسَانِ منكِ عوائدُ
فَطُوبَى لِمنَ يَسْعَى لِمَشْهَدِكِ الذي / تكَادُ إلى مَغْنَاهُ تَسْعَى المشَاهِدُ
إذَا يمَّمَتْهُ القاصِدُونَ تَيَسَّرَتْ / عليهمْ وإن لم يسألوكِ المقَاصدُ
تحَقَّقَتِ البُشْرَى لَمِنْ هُوَ رَاكِع / يُرَجّي به فضلاً وَمَنْ هُوَ ساجِدُ
فعَفَّرَتِ الشُّبانُ وَالشَّيبُ أوْجُهاً / بهِ والعَذارَى حُسَّرٌ والقَواعِدُ
هُوَ المَنْهَلُ العَذْبُ الكَثِيرُ زِحامُهُ / فَرِدْهُ فمَا مِنْ دُونِ وِرْدِكِ ذائدُ
أَتيْتُ إليه والرَّجاءُ مُحَلّأٌ / فما عُدْتُ إِلَّا والمُحَلَّا وَارِدُ
فيا لَكَ مِنْ يَأْسٍ بَلَغْتُ بِهِ المُنَى / وعُسْرٍ لأَقْفَالِ اليسَارِ مَقالِدُ
أَلَذُّ مِنَ الماءِ الزلالِ مَوَاقِعا / عَلَى كَبِدِ الظَّمْآنِ وَالماءُ بارِدُ
سَلِيلَةَ خَيْرِ العالَمِينَ نَفيسَة / سَمَتْ بِكِ أعراقٌ وطابَتْ محائِدُ
إذا جُحِدَتْ شمسُ النَّهارِ ضِياءها / فَفَضْلُكِ لم يَجْحَدهُ فِي الناسِ جاحِدُ
بآبائِكِ الأطهارِ زُيِّنَتِ العُلا / فحَبَّاتُ عِقْدِ المَجْدِ منهم فَرائِدُ
وَرِثْتِ صفاتِ المصطفى وَعلومَهُ / فَفضْلُكُمَا لولا النُّبُوَّةُ واحِدُ
فلم يَنْبَسِطْ إلَّا بِعِلْمِكِ عالم / وَلم يَنْقَبِضْ إلَّا بِزُهْدِكِ زاهِدُ
مَعارِفُ ما يَنْفَكُّ يفضي بِسِرِّها / إلى ماجِدٍ مِنْ آلِ أحْمَدَ ماجِدُ
يُضيءُ مُحيَّاهُ كأنَّ ثَنَاءَهُ / إلى الصُّبْحِ سارٍ أوْ إلى النَّجْمِ صاعدُ
إذا ما مَضى منهم إِمامُ هُدىً أتى / إِمامُ هُدىً يَدْعُو إِلى اللَّهِ رَاشِدُ
تَبَلَّجَ مِنْ نور النُّبُوَّة وَجْهُهُ / فمنه عليه للعُيُون شوَاهِدُ
وفاضَتْ بِحَارُ العِلْمِ مِنْ قَطْرِ سُحْبِها / عليه فطابَتْ لِلورادِ المَوارِدُ
رَأى زِينَةَ الدُّنيا غُروراً فعافَها / فليس له إلا عَلَى الفضلِ حاسدُ
كأنَّ المعالى الآهلات بِغَيْرِهِ / رُبوعٌ خَلَتْ مِنْ أهلِها وَمَعاهِدُ
إِذَا ذُكِرَتْ أَعمالُه وَعُلومُه / أقَرَّ لهَا زَيْدٌ وَبَكْرٌ وَخالدُ
وَما يَسْتَوِي في الفضلِ حالٍ وَعاطِلٌ / وَلا قاعِدٌ يومَ الوغَى وَمجاهِدُ
فَقُلْ لِبَنِي الزَّهْراء والقَوْلُ قُرْبَةٌ / يَكِلُّ لسانٌ فيهِمُ أوْ حصائدُ
أحَبَّكُمُ قلبي فأصبحَ مَنْطِقِي / يُجادِلُ عنكم حِسْبَةً وَيُجالدُ
وَهل حُبُّكُمْ لِلنَّاسِ إِلَّا عَقِيدةٌ / عَلَى أُسِّهَا في اللَّهِ تُبْنَى القَواعِدُ
وإنَّ اعتقاداً خالياً منْ مَحَبَّةٍ / وَوُدٍّ لكمْ آلَ النبيِّ لفاسِدُ
وإني لأَرْجُو أن سَيُلْحِقني بِكُمْ / وَلائي فَيَدْنُو المَطْلَبُ المُتَبَاعِدُ
فإِنَّ سَراةَ القَوْمِ منهم عَبِيدُهمْ / وإنَّ حُرُوفَ النُّطْقِ منها الزوائِدُ
فَدَتْكُمْ أُناسٌ نازَعُوكُمْ سِيَادةً / فلم أدْرِ ساداتٌ هُمُ أَمْ أسَاوِدُ
أرادوا بكم كَيْدَاً فكادوا نُفُوسَهُمْ / بكم وعَلَى الأَشْقَى تَعودُ المكايِدُ
فإنْ حِيزَتِ الدُّنيا إليهمْ فإنَّ مَنْ / نَفَى زَيْفَهَا سَلْماً إليهم لناقِدُ
ولو أنكم أبناؤُها ما أبَتْكُم / ما كانَ مَوْلودٌ لِيأْباهُ وَالِدُ
إذَا ما تَذَكَّرْتُ القضايا التي جرتْ / أُقِضَّتْ عَلَى جَنْبَيَّ منها المَراقِدُ
وجَدَّدَتِ الذِّكْرَى عَلَي بَلابِلاً / أُكابِدُ منها في الدُّجَى ما أُكابِدُ
أفِي مِثْلِ ذاكَ الخَطْبِ ما سُلَّ مُغْمَدٌ / ولا قامَ في نَصْرِ القَرَابَةِ قاعِدُ
تعاظمَ رُزْءاً فالعُيُونُ شواخِصٌ / لهُ دَهْشَةً وَالثَّاكِلاتُ سَوَامِدُ
وطُفِّفَ يومَ الطَّفِّ كَيْلُ دِمائكم / إذ الدَّمُ جارٍ فيه والدَّمْعُ جَامِدُ
فيا فِتْنَةً بعْدَ النبيِّ بها غَدا / يُهدمُ إيمانٌ وتُبْنَى مساجدُ
وما فتِنَتْ بعدَ ابنِ عِمْرَان قَوْمُهُ / بما عَبَدُوا إِلَّا لِيَهْلِكَ عَابِدُ
كذاكَ أَرادَ اللَّهُ منكُمْ ومِنْهمُ / وليس له فيما يُريدُ مُعانِدُ
وَلو لمْ يكنْ في ذَاكَ مَحْضُ سعادةٍ / لكم دونَهمْ لَمْ يُغْمِدِ السَّيْفَ غامدُ
وَأَنتُمْ أُناسٌ أُذْهِبَ الرِّجْسُ عنهمُ / فليسَ لهم خَطْبٌ وإنْ جَلَّ جاهِدُ
إذا ما رَضُوا للَّهِ أو غَضِبُوا لهُ / تَسَاوَى الأَدَانِي عندَهم والأباعِدُ
وسِيَّان مِنْ جَمْرِ العِدَا مُتَوَقِّدٌ / عَلَى بَهْرَمَانِ الصِّدْقِ منكم وخَامِدُ
وفَدْتُ عليكم بالمَدِيحِ وَكلُّكم / عليه كتابُ اللَّهِ بالمَدْحِ وَافِدُ
وَقد بيَّنتْ لِي هلْ أتَى كَمْ أتَى بهَا / مكارمُ أخْلاقٍ لكم وَمَحَامِدُ
فَلَوْلا تَغضيكم لنا في مديحِكم / لَرُدَّتْ علينا بالعيوبِ القصائدُ
وَلَمْ أَرْتَزِقْ مِنْ غَيْركُمْ بِتِجَارَةٍ / بَضَائِعُهَا عند الأَنامِ كواسِدُ
عَمَدْتُ لِقَوْمٍ منهم فكَأَنَّنِي / عَلَى عَمَدٍ لا يَرْجِعُ القَوْلَ عَامِدُ
أَأَطْلُبُ مِنْ قَوْمٍ سِواكُم مُسَاعِداً / وقد صَدَّهم حِرْمانُهُمْ أنْ يُسَاعِدُوا
وَمَنْ وَجَدَ الزَّنْدَ الذي هُوَ ثاقِبٌ / فلنْ يَقْدَحَ الزَّنْدَ الذي هوَ صالِدُ
وحَسْبِي إذَاً مَدْحُ ابْنَةَ الحَسَنِ التي / لها كَرَمٌ مَجْدٌ طَرِيفٌ وَتَالِدُ
وَإني لمُهْدٍ مِنْ ثَنائي قلائداً / إليها حلالٌ هَدْيُها والقلائدُ
هِيَ العُرْوَةُ الوُثْقَى هيَ الرُّتَبُ العُلا / هِيَ الغايَةُ القُصْوَى لِمَنْ هُوَ قاصِدُ
كأنّي إذا أنشَدْتُ في الناسِ مَدْحَها / لِمَا ضلَّ منْ ذِكْرِ المَكَارِمِ ناشِدُ
أَسَيِّدَتي ها قد رَجَوْتُكِ مُعْلِناً / بمَا أَنَا مِنْ دُرِّ المناقِبِ نَاضِدُ
وَأَعْيُنُ آمالي إليكِ نواظِرٌ / بِمَا أَنَا مِنْ عاداتِ فضلِكِ عائدُ
وَمَا أجْدَبَت قَوْمٌ أتى مِنْ لَدُنْهُمُ / لِمَرْعَى الأماني مِنْ جنابِكِ رائدُ
ولولا نَدَى كَفَّيْكِ ما اخضَرَّ يابِسٌ / وَلا اهتَزَّ مِنْ أَرْضِ المكارِمِ هامِدُ
إلَى اللَّهِ أَشْكُو يا ابنَةَ الحَسَنِ الذي / لَقِيتُ وَإني إنْ شكَوْتُ لحامدُ
وما لِيَ لا أَشْكُو لآلِ مُحَمَّدٍ / خُطُوباً بها ضاقتْ عليَّ المراصِدُ
ومَنْ لصُرُوفِ الدَّهْرِ عَنِّيَ صارفٌ / ومَنْ لهُمُومِ القَلْبِ عَنِّيَ طارِدُ
تَسَلَّطَ شَيْطَانٌ مِنَ النَّفْسِ غَالِبٌ / عَلَيَّ وَشَيْطَانٌ مِنَ البؤْسِ مارِدُ
فيا وَيْحَ قَلْبٍ ما تَزَالُ سماؤُهُ / بها لِشَياطِينِ الخُطُوبِ مقاعِدُ
فيا سامِعَ الشَّكْوَى وَيَا كاشفَ البَلا / إذَا نَزَلَتْ في العالَمِينَ الشَّدَائِدُ
وَيا مَنْ هَدَى الطِّفْلَ الرَّضِيعَ وَلَمْ تَؤُب / إليهِ قُوَى عَقْلٍ وَلا اشْتَدَّ ساعِدُ
وَيا مَنْ سَقَى الوَحْشَ الظِّماءَ وَقد حَمَتْ / مَوَارِدَهَا مِنْ أَنْ تُنالَ المَصَايدُ
وَيا مَنْ يُزَجِّي الفُلْكَ في البَحْرِ لُطْفُهُ / وهنَّ جوَارٍ بَلْ وَهُنَّ رَوَاكِدُ
وَيا مَنْ هُوَ السَّبْعَ الطَّوَابقَ رَافعُ / ومَنْ هُوَ لِلأَرْضِ البسيطةِ ماهِدُ
وَيا مَنْ تُنَادينا خَزَائِنُ فضلِهِ / إلى رِفْدِهِ إِنْ أَمْسَكَ الفضلَ رافِدُ
فلا البابُ من تِلْكَ الخزائن مُغْلَقٌ / وَلا خَيرَ مِنْ تِلْكَ الخزَائن نافِدُ
دَعَوتكَ مِنْ فَقْرٍ إليك وَحاجةٍ / وَكلٌّ بما يَلْقَاهُ لِلصَّبْرِ فاقِدُ
وَأَفضَتْ بما فيها إليكَ ضَمَائِرٌ / وأنتَ عَلَى ما في الضَّمائرِ شاهدُ
دَعَوْنَاكَ مُضْطَرين يا رَبِّ فاسْتَجِبْ / فإِنّكَ لم تُخْلَفْ لَدَيْكَ المواعِدُ
فَلَيْسَ لَنَا غوْثٌ سِوَاكَ وَمَلْجَأٌ / نُراجِعُهُ في كَرْبِنَا وَنُعاوِدُ
فَقَدِّرْ لنا الخيرَ الذي أنتَ أهلُهُ / فما أَحَدٌ عَمَّا تُقَدِّرُ حائدُ
وَصَفْحاً عنِ الذَّنبِ الذي هوَ سائقُ / لِناركَ إِلَّا إنْ عَفَوْتَ وَقائدُ
وَصلْ حَبْلَنَا بالمصطفى إِنَّ حَبْلَهُ / لنا صِلةٌ يَا رَبِّ منكَ وعَائدُ
عليه صلاةُ اللَّهِ ما أُحمِدَ السُّرَى / إليه وَذَلَّتْ لِلْمَطِيِّ فَدَافِدُ
إلهي عَلَى كلِّ الأمورِ لَكَ الحَمْدُ
إلهي عَلَى كلِّ الأمورِ لَكَ الحَمْدُ / فلَيْسَ لِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ نِعَمٍ حَدُّ
لَكَ الأَمرُ مِنْ قَبْل الزَّمانِ وبَعْدَهُ / وَما لكَ قَبْلٌ كالزَّمانِ وَلا بَعْدُ
وحُكْمكَ ماضٍ في الخلائِقِ نَافِذٌ / إذا شئتَ أمراً ليس من كونِهِ بُدُّ
تُضلُّ وتهدي منْ تشَاءُ منَ الوَرَى / وما بِيد الإِنْسَان غَيٌّ ولا رُشْدُ
دَعُوا مَعْشَرَ الضُلَّالِ عَنَّا حديثكم / فلا خَطَأٌ مِنهُ يُجابُ وَلا عَمْدُ
فلو أنكم خَلْقٌ كَريمٌ مُسِخْتُم / بقَوْلِكُم لكن بمَنْ يُمْسَخُ القِرْدُ
أتانَا حديثٌ ما كَرهْنَا بِمِثلِهِ / لكُمْ فِتْنَةً فيها لِمِثلِكُمُ حَصْدُ
غَنِيتُمُ عَنِ التأْويلِ فيه بظاهرٍ / وَمَنْ تَرَكَ الصَّمْصامَ لم يُغْنِهِ الغِمْدُ
وَأَعْشَى ضياءُ الحقِّ ضَعْفَ عُقُولِكم / وشمسُ الضُّحَى تَعْشَى بها الأَعْيُنُ الرُّمْدُ
ولَنْ تُدْرِكُوا بالجَهْلِ رُشْداً وَإِنما / يُفَرِّقُ بَينَ الزَّيْفِ وَالجَيِّد النَّقْدُ
وُعِظْتُمْ فَزِدْتُمْ بالمواعِظِ قَسْوَةً / وَلَيسَ يُفيدُ القدحُ إِن أصلَدَ الزَّندُ
وما ليَّنَت نارُ الحجازِ قُلوبَكُم / وَقد ذابَ مِنْ حرٍّ بها الحَجَرُ الصَّلْدُ
وَما هِيَ إلا عينُ نَارِ جَهنَّمٍ / تَرَدَّدَ مِنْ أَنفاسِها الحرُّ وَالبَرْدُ
أتَتْ بِشُوَاظٍ مُكْفَهِرٍّ نُحَاسُه / فلُوِّحَ منها للضُّحَى والدُّجَى جِلْدُ
فما اسْوَدَّ مِنْ لَيْلٍ غَدَا وَهو أبيَضٌ / وَما ابيضَّ مِنْ صُبْحٍ غَدا وَهْوَ مُسْوَدُّ
تُدَمِّرُ ما تأتي عليه كعاصفٍ / من الرِّيحِ ما إنْ يُسْتَطَاعُ لهُ رَدُّ
تَمُرُّ عَلَى الأرض الشديد اختلافُها / فَتُنْجِدُ غَوْراً أوْ يغورُ بها نَجْدُ
وَتَرْمِي إلى الجوِّ الصُّخورَ كأنّما / بِبَاطِنِهَا غيظٌ على الجَوِّ أَوْ حِقْدُ
وَتَخْشَى بيوتُ النارِ حَرَّ دُخانِها / وَيَزْدَادُ طُغياناً بها الفُرسُ والهِندُ
فلو قَرُبَتْ مِنْ سَدِّ يأْجُوجَ بَعْدَمَا / بَنَى منه ذُو القَرْنَيْنِ دُكَّ بها السَّدُّ
وَلَمَّا أَساءَ الناسُ جِيرةَ رَبِّهمْ / وَلَمْ يَرْعَهَا منهم رئيسٌ وَلا وَغْدُ
أَراهم مَقاماً ليسَ يُرْعَى لِجَارِهِ / ذِمَامٌ وَلَمْ يُحْفَظْ لِساكِنِهِ عَهْدُ
مدينة نارٍ أُحْكِمَتْ شُرُفاتُهَا / وَأَبْراجُهَا والسُّورُ إذْ أُبْدِعَ الوَقْدُ
وَقَدْ أبصرَتْها أَهْلُ بُصْرَى كأنما / هِيَ البَصْرَةُ الجارِي بها الجَزْرُ والمَدُّ
أضاءتْ عَلَى بُعْدِ المَزَارِ لأهلِها / مِنَ الإِبِلِ الأعناقُ وَاللَّيْلُ مُرْبَدُّ
أشارتْ إلى أنَّ المدينةَ قَصْدُها / قرائنُ منها ليسَ يَخْفَى بها القَصْدُ
يَرُوحُ ويغْدُو كلُّ هَوْلٍ وَكُرْبَةٍ / على الناسِ منها إذْ تَرُوحُ وَإذ تَغْدُو
فلمَّا التَجَوْا للمصطفى وَتَحَرَّمُوا / بِسَاحَتِهِ والأمرُ بالناسِ مُشْتَدُّ
أَتَوْا بِشَفِيعٍ لا يُرَدُّ وَلَمْ يَكُنْ / بِخَلْقٍ سوَاهُ ذلك الهَوْلُ يَرْتَدُّ
فَأُطْفِئَتِ النارُ التي وَقَفَ الوَرَى / حَيَارَى لَدَيْهَا لم يُعيدوا ولم يُبْدُوا
فإنْ حَدَثَتْ مِنْ بَعْدِهَا نارُ فِرْيَةٍ / فما ذلك الشيءُ الفَرِيُّ وَلا الإِدُّ
فللَّهِ سِرُّ الكائناتِ وجَهْرُها / فكمْ حِكمٍ تَخْفَى وَكَمْ حِكَمٍ تَبْدُو
وَقِدماً حَمَى مِنْ صاحِبِ الفيلِ بَيْتَهُ / ولمَّا أَتى الحَجَّاجُ أَمْكَنَهُ الهَدُّ
وَللَّهِ سِرٌّ أنْ فَدَى ابنَ خَلِيلِهِ / بِذَبْحٍ وَلَوْ لَمْ يَفْدِهِ شُرِعَ الوَأْدُ
فلا تنْكِرُوا أن يحْرَمَ الحَرَمُ الغِنَى / وَساكِنهُ مِنْ فَخْرِهِ الفَقْرُ وَالزُّهْدُ
وقدْ فُدِيَتْ مِنْ مالِهِ خيرُ أُمَّةٍ / وَلَو خُيِّروا في ذلكَ الأمرِ لَمْ يَفْدُوا
فَوا عَجَباً حتى البِقاعُ كَرِيمَةٌ / لها مثلُ ما للساكِنِ الجاهُ وَالرِّفْدُ
فإنْ يَتَضَوَّع منه طِيبٌ بِطَيْبَةٍ / فما هو إِلَّا المَنْدلُ الرَّطْبُ وَالنَّدُّ
وَإنْ ذَهَبَتْ بالنارِ عنه زَخَارِفٌ / فما ضَرَّهُ منها ذَهابٌ وَلا فَقْدُ
أَلا رُبّما زادَ الحَبيبُ مَلاحَةً / إذَا شُقَّ عنه الدِّرْعُ وَانتَثَرَ العِقْدُ
وكم سُتِرَتْ لِلْحُسْنِ بالحَلْيِ مِنْ حُلىً / وكم جَسَدٍ غَطَّى مَحَاسِنَهُ البُرْدُ
وَأهْيَبُ ما يُلْقَى الحُسامُ مُجَرَّداً / وَرَوْنقُهُ أَنْ يظْهَرَ الصَّفْحُ وَالحدُّ
وَما تلكَ لِلإِسْلامِ إِلَّا بَواعِثٌ / على أنْ يجِلَّ الشَّوْقُ أوْ يَعْظُمَ الوَجْدُ
إلى تُرْبَةٍ ضَمَّ الأَمانَةَ وَالتُّقَى / بها وَالنَّدَى وَالفضْلَ مِنْ أَحْمَدٍ لَحْدُ
إلى سَيِّدٍ لم تأْتِ أُنْثَى بِمِثْلِهِ / وَلا ضَمَّ حِجْرٌ مِثْلُهُ لا وَلا مَهْدُ
وَلَمْ يمشِ في نَعْلٍ وَلا وَطِئَ الثَّرَى / شَبِيهٌ لَهُ في العالَمِينَ وَلا ندُّ
وَلَمْ تَخِدِ الكومُ العتاقُ بمثلِهِ / وَلا عَدَتِ الخَيْلُ المَسَوَّمَةُ الجُرْدُ
عَلِيمٌ كريمُ الخِيمِ ما فوقَ عِلْمِهِ / وَلا مَجْدِهِ عِلْمٌ يُرَامُ وَلا مَجْدُ
نبيُّ هُدىً أَهْدَى به اللَّهُ رَحْمَةً / لنا لَمْ يَنَلْهَا السَّعْيُ منَّا وَلا الْكَدُّ
وبَصَّرَهُ حتى رأى كلَّ غائبٍ / وصار سواءً عندهُ القُرْبُ وَالبُعْدُ
وحتى رأَى ما خَلْفَهُ وَهو مُقْبِلٌ / بِقَلْبٍ تساوَى عندهُ النَّومُ والسُّهْدُ
فيا لَيْلَة أَسْرَى الإِلهُ بِعَبْدِهِ / لقد نالَ فيه ما يُؤَمّلهُ العَبْدُ
وفاءٌ وَلا وعْدٌ وَوُدٌّ ولا قِلىً / وقُرْبٌ ولا بُعْدٌ ووصْلٌ وَلا صَدُّ
وجاءهُم بالبيِّنَاتِ التي بَدَتْ / براهنها كالشَّمسِ لَمْ يُخْفِها الجَحْدُ
وذِكْرٍ حَكَى معْناه في الحُسْنِ لَفْظُهُ / ويُشْبِهُ ماءَ الورْدِ في طِيبِهِ الورْدُ
وقد أُحْكِمَتْ آياتُهُ وتشابَهَتْ / فَلِلْمُبْتَدِي وِرْدٌ وَلِلْمُنْتَهِي وِرْدُ
وإنْ كانَ فيها كالنُّجومِ تَناسخٌ / فطالِعُهَا سَعْدٌ وغاربُها سعْدُ
وَإنْ قَصُرتْ عَنْ شَأْوِهَا كلُّ فِكْرَةٍ / فَلَيْسَتْ يَدٌ للأنْجُمِ الزُّهْرِ تَمْتَدُّ
فلمَّا عَمُوا عنها وصَمُّوا أَراهُم / سُيوفاً لها بَرْقٌ وَخَيْلاً لها رَعْدُ
وَمَنْ لَمْ يَلِنْ منهُ إلى الحَقِّ جانِبٌ / بِقَولٍ أَلانَتْ جَانِبَيهِ القَنا المُلْدُ
وقد يُعْجِزُ الدَّاءُ الدَّواءَ مِن امرِئٍ / وَيَشْفِيهِ مِنْ داءٍ به الكيُّ والفَصْدُ
فَغَالَبَهمْ قَوْمٌ كَأَنَّ سِلاحَهُمْ / نُيُوبٌ وَأظْفَارٌ لهُمْ فَهُمُ أُسْدُ
ثِقاتٌ مِنَ الإِسلامِ إنْ يَعِدُوا يَفُوا / وإنْ يُسْأَلُوا يُهْدُوا وإنْ يُقْصَدُوا يُجْدُوا
وَأَمَّا مَكانُ الصِّدقِ منهم فإنّه / مقالُهُم وَالطَّعْنُ والضَّرْبُ والوعدُ
إذا درَعُوا كانتْ عُيُونُ دُرُوعِهِم / قلوباً لها في الرَّوْعِ مِنْ بَأْسِهِمْ سَرْدُ
يَشُوقُكَ منهم كلُّ عِلْمٍ وَنَجْدَةٍ / تَحَلَّتْ بِكلٍّ مِنهُما الشِّيبُ وَالمُرْدُ
بهاليل أمَّا بَذْلُهُمْ فِي جِهادِهمْ / فأنْفُسُهُم وَالمالُ والنُّصْحُ وَالْحَمْدُ
فللَّهِ صِدِّيقُ النبيِّ الَّذي لهُ / فضائلُ لمْ يُدْرَكْ بِعَدٍّ لها حَدُّ
فإنْ يَتَخَلَّلْ بالعباءَةِ إنه / بذلك في خُلَّاتِهِ العَلَمُ الفَرْدُ
ومَنْ لَمْ يَخَفْ في اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ / وَلَمْ يُعْيِهِ قِسْطٌ يُقامُ وَلا حَدُّ
وَلا راعَهُ في اللَّهِ قَتْلُ شَقِيقِهِ / ألا هكذا في اللَّهِ فلْيَكُن الجَلْدُ
ومنْ جَمَعَ القرآنَ فاجْتَمَعَتْ به / فضائلُ منهُ مِثْلَ مَا اجْتَمَعَ الزُّبْدُ
وجَهَّزَ جَيشاً سار في وقت عُسْرَةٍ / تَعَذَّرَ مِنْ قوتٍ به الصَّاعُ والمُدُّ
وَمَنْ لَمْ يُعَفَّر كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ / جَبينٌ لغيرِ اللَّهِ منه ولا خَدُّ
فَتَى الحَربِ شَيخُ العِلْمِ وَالحِلْمِ وَالحِجَى / عَلِيُّ الذي جَدُّ النبيِّ لهُ جَدُّ
ومَن كانَ مِنْ خيرِ الأَنَامِ بِفَضلِهِ / كهارونَ مِن موسَى وذلِكُمُ الجَدُّ
إذا غَمَزَتْ كَفُّ الخطوبِ قَناتَهُ / تَوَهَّمْتَ أَنَّ الخَطْبَ ليس لهَ زَنْدُ
وإنْ عَجَمَتْ أَفواهُها عُودَ بأْسِهِ / أَفادَتْكَ عِلْماً أنَّ أَفواهَها دُرْدُ
يُوَرِّدُ خَدَّيْهِ الجِلادُ وسَيْفَهُ / فذَاكَ إذَا شَبَّهْتَهُ الأَسَدُ الوَرْدُ
وعِنْدِي لكمْ آل النبيِّ مَوَدَّةٌ / سَلَبْتُمْ بها قلبي وصارَ له عِنْدُ
عَلَى أنَّ تَذْكَارِي لِمَا قدْ أَصابكم / يُجَدِّدُ أَشجاني وإنْ قَدُمَ العَهْدُ
فِدىً لكُم قَوْمٌ شَقُوا وَسَعِدْتُمُ / فدارُهُمُ الدُّنيا ودارُكم الخلدُ
أَتَرجونَ مِن أَبناءِ هِند مَوَدَّةً / وَقَد أَرضَعتهُم دَرَّ بِغضَتِها هِندُ
فَلا قَبِلَ الرَّحْمنُ عُذْرَ عُداتِكم / فإنهم لا يَنْتَهُون وإنْ رُدُّوا
إليكَ رسولَ اللَّهِ عُذْرِي فإنَّني / بِحُبِّكَ في قَوْلِي ألِينُ وَأَشْتَدُّ
فإنْ ضاعَ قَوْلِي في سِوَاكَ ضلالَةً / فما أنَا بالماضي مِنَ القَوْلِ مُعْتَدُّ
وَمَا امْتَدَّ لِي طَرْفٌ ولا لانَ جَانِبٌ / لِغَيْرِكَ إلا ساءني اللِّينُ والمَدُّ
أأشْغَلُ عَنْ رَيْحَانَتَيْكَ قَرِيحَتِي / بِشيحٍ ورَنْدٍ لا نَما الشِّيحُ وَالرَّنْدُ
وأَدْعُو سِفاهاً غيرَ آلِكَ سادتي / وهلْ أنا إنْ وُفِّقتُ إِلَّا لهُمْ عَبْدُ
فلا راحَ مَعنِيّاً بِمَدْحِيَ حاتِمٌ / ولا عُنِيَتْ هند بِحبِّي ولا دَعْدُ
ولا هَيَّجَتْ شَوْقِي ظِباءٌ بِوَجْرَةٍ / ولا بَعَثَتْ وصْفِي نَقَانِقُها الرُّبْدُ
ويا طِيبَ تَشْبِيبي بِطَيْبَةَ لا ثَنَى / عِنانَ لِساني عنكَ غَوْرٌ ولا نَجْدُ
فَهَبْ لِي رسولَ اللَّهِ قُرْبَ مَوَدَّةٍ / تَقَرُّ بِهِ عَيْنٌ وتَرْوَى بِهِ كبدُ
وإني لأَرْجو أنْ يُقَرِّبَني إِلَى / جَنَابِكَ إرُقالُ الرَّكائِبِ والوخْدُ
وَلَولا وُثُوقِي منكَ بالفوزِ في غَدٍ / لما لذَّ لِي يَوْماً شَرابٌ ولا بَرْدُ
عَلَيْكَ صلاةُ اللَّهِ يُضْحِي بطيبَةٍ / لَدَيْكَ بها وفْدٌ ويُمْسِي بها وفْدُ
ودامَتْ كأَنْفَاسِ الوَرَى في تَرَدُّدٍ / عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ التَّحِيَّةُ والرَّدُّ
بِقُبَّةِ قَبْرِ الشَّافِعِيِّ سَفِينَةٌ
بِقُبَّةِ قَبْرِ الشَّافِعِيِّ سَفِينَةٌ / رَسَتْ مِنْ بِنَاءٍ مُحْكَمٍ فَوْقَ جُلْمُودِ
وَمُذْ غاضَ طُوفانُ العُلُومِ بِمَوتِهِ اسْ / تَوَى الفُلْكُ في ذَاكَ الضَّرِيحِ عَلَى الجُودِيِّ