المجموع : 8
أسجن مراد لو تكلم منزل
أسجن مراد لو تكلم منزل / لأخبرتنا عما جرى لمراد
ثلاثون عاماً قد توالته عانياً / بربعك في بث وطول سهاد
يطالع من خلف الستائر ملكه / يخاطبه شوقاً له وينادي
بلادي بلادي إن يحل بيننا النوى / فعندك روحي دائماً وفؤادي
لقد مات مجنياً عليه وما جنى / ولكن لأحرار الملوك أعادي
أيا روح محمود عليك تحية
أيا روح محمود عليك تحية / متى ينقضي ما بيننا زمن البعد
تقدمتني نحو الذين تقدموا / وكنت أرجي أن تعيش المدى بعدي
سأبكي وأبكي غدرة الموت جاهداً / على أن جهد الموت أعظم من جهدي
وأملاً آفاق السماء شكاية / وإن كنت أدري أن ذلك لا يجدي
أسيدتي هل تعرفين مرادي
أسيدتي هل تعرفين مرادي / فهذا فؤادي يا فداك فؤادي
خذيه وإن شئت أقرايه فإنني / كتبت بروحي في آي ودادي
أعيذك أن تجني بقتلي جناية / فيشكوك بعدي أمتي وبلادي
ترفعت عن هذا الهوى في شبيبتي / وهأنا أعطيه لديك قيادي
تجالسني أم لا فأبكي أنا وحدي
تجالسني أم لا فأبكي أنا وحدي / أعني بدمع جف يا غيث ما عندي
أمامك أكباد تذوب حرارة / ودمعي لا يجدي ودمعك قد يجدي
بروحي جنات دهنها جهنم / رأينا الفنا فيها يدب إلى الخلد
عرائس حلتها بليلة عيدها / أكف فزفت بعد ذاك إلى اللحد
فما فاز منها حلف يأس بمأمل / ولا كادج عند القرب يشفي جوى البعد
بدت بسمات ثم أعقبها البكا / كذاك وميض البرق يعقب الرعد
أإن تم نظم العقد وا أتلفت به / جواهره تنحل واسطة العقد
غررنا بأحلام فكانت كواذباً / وسرنا لقصد فانحرفنا عن القصد
وكنا نرجي أن يكون اعتزامنا / لحد فجزناه فصرنا إلى الضد
فيا حسرتا لو تنفع اليوم حسرة / إذن لاشتفت مما ألم بها كبدي
دعوا فسرت في أنفس القوم رعدة / ولا عجب فالرعب مثل الضنى يعدي
فلاحت لهم ذات اللظى مشمعلة / كما لاح قرن الشمس من قمة النجد
تلوح برايات وتدعو بألسن / وتبعث جنداً لا يغالب بالجند
تثير دخاناً في الفضاء وقد زها / تراءى به الأقمار في أوجه ربد
إذا عالجته الريح مد رواقه / وأخفى محيا الملك في ذلك المد
تضم القصور الشم ضمة عاشق / تلاقى بمعشوق هناك على وعد
تلاق وأشهى منه رامية النوى / وعطف وأحلى منه مستطرد الصد
ولما تبدت حمرة الشفق انثنت / عليها فشف الخد عن حمرة الخد
لمن دمن لم يبق في عرصاتها / سوى فحم من مسعر الحجر الصلد
تظل نحيبها البواكي بأدمع / تروي ثراها والدموع من العهد
سلام على تلك الطلول التي عفت / لقد عشت أهديها السلام وأستهدي
سلام على الأم التي في سوادها / بدت لتباكي الولد منها على الولد
سلام على مهد الأعالي الألى مضوا / بناة المعالي بل سلام على مهدي
أسيدتي لا الدهر يسعف مطلبي
أسيدتي لا الدهر يسعف مطلبي / ولا أنت أني حرت بينكما جدا
إذا رمت شيئاً جئتماني بضده / لقد صرت لي ضداً وقد صار لي ضداً
سألتك وداً فاستطبت لي الجفا / وأملت قرباً فراتضى الدهر لي البعدا
تشابهتما جوراً وغدراً وقوة / فصيرته نداً ولم تقبلي ندا
فلا تحرماني لذة من تألم / ولا تسلباني الوجد لن أسلو الوجدا
خذا جسدي والروح فاقتسمهما / ولكن دعا لي وحده ذلك الكبدا
حفظت بها عهداً وأخشى ضياعه / وأني لأُبقي الكبد كي أبقي العهدا
ليالي أبلى من همومي وجددي
ليالي أبلى من همومي وجددي / لك الأمر لا تقوى على رده يدي
فما أرتجي والأربعون تصرمت / ولا عيش إلا ينتهي حيث يبتدي
سكت سكوتاً لا يريك امتداده / فلا خاطري باق ولا الشعر مسعدي
ولا فيّ من روح الشباب بقية / ولست بمشتاق ولست بموجد
حزنت على الماضي ضلالاً ومن يعش / كما عشت لم يحزن ولم يتجلد
ومالي منه خاطر غير أنني / عدلت فلم أفتك ولم أتعبد
سقى الله دارات القرافة ديمة / ترق على قوم هنالك هجد
تعود كل بؤسها ونعيمها / وعشنا على بؤس ولم نتعود
أحن إلى تلك المراقد في الثرى / ولو أستطيع اليوم لاخترت مرقدي
فأنزلت جسمي منزلاً لا يمله / يكون بعيداً عن أعاد وحسد
وما يتمنى الحر في ظل عيشة / تمر لأحرار وتحلو لأعبد
لقد اتعبتني والمتاعب جمة / ميسرة يومي بين أمسي والغد
ألماً يئن أن يستريح مجاهد / ألماً يئن أن يبلغ المنهل الصدى
تزهدت في وصل المعالي جميعها / ومن يطلبها كأطلابي يزهد
وبت تساوت في فؤادي مناهج / تؤدي لخفض أو تؤدي لسؤدد
وأني في بيت صغير مهدم / كأني في قصر كبير مشيد
عفا الله عن قوم أتاني غدرهم / فرب مسيء لم يسء عن تعمد
وكم من نفوس يستطيل ضلالها / ولكم متى ما تبصر النور تهتد
نزعت من الآمال باليأس عائداً / فإن تدنني منها اللبانات أبعد
فلا ترتعي مني بقلب معذب / ولا تنجلي مني لطرف مسهد
فيا ريح إن يعصف بي الشجو سكني / ويا غيث إن يضرمني الوجد أخمد
ويا ساكنات الطير في دولة الدجى / أرى أن دعاك الصبح أن لا تغردي
لدي شكايات وأنت شجية / فإن تستطيبها لشجوك أنشدي
ولا تحسبي التقليد يذهب حسنها / فكم حسنات قد أتت من مقلد
تركت الغنى لا عاجزاً عن طلابه / وأنزلت نفسي من منازل محتدي
وهذي بحمد الله مني براءة / فيا أفق سجلها ويا أنجم أشهدي
شكاية شاك سوف يظهرها غداً
شكاية شاك سوف يظهرها غداً / ترددت الأشجان فيه فردّدا
كسير جناح جاور الروض أزمنا / وبات على خضر الغصون مغردا
جفاه ربيع فانثنى عنهُ وردهُ / فلم يلف إلا بعده الحزن موردا
فيا روض أن يصبح أديمك يابساً / ويمس بك الغصن اللبيس مجردا
وتندب بك الورقاء نوراً وزهرة / ويبك بك الشحرور باناً وأملدا
فدع كل صوت بعد صوتي فإنني / أنا الطائر المحكي والآخر الصدى
سيجدي الأسى لو أن في الموت ما يجدي
سيجدي الأسى لو أن في الموت ما يجدي / فخل فصيح الدمع يبدي الذي يبدي
أيوم علي لو يرد الفتى الردى / فأنت وأيم الله أخلق بالرد
هددت بناء العز فينا ولم نكن / نظن بناء العز يجدر بالهد
نزلت بقوم المجد خطباً فأقبلوا / سهارى حيارى فازعين إلى المجد
وكنا نخاف البعد يوماً وليلة / فكيف وهذا البعد أقصى مدى البعد
أمنفرداً في قبره بعد قصره / لقد كنت تدعي قبل ذلك بالفرد
هجعت هجوعاً لا انتباهة بعده / وخلفت من خلفت إثرك في سهد
لقد كنت بين الصيد طلاع أنجد / فليس لطلاعين بعدك من نجد
فغالب فيك الحزن والحزن غالب / يداهمنا في العين حيناً وفي الكبد
سبقت إلى العلياء جرداً سواهماً / فهلا سبقت الموت يا سابق الجرد
قضى الخير لما أن قضيت وأصبحت / جنود المنايا ساطيات على الجند
سقاك الحيا كنت الحيا لمؤمل / تصوب عليه بالجزيل من الرفد
فصلى عليك الله حيّاّوميتاً / ومتعت بالرضوان في جنة الخلد