القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 10
لقد بتّ مطروف النواظر بالسُّهد
لقد بتّ مطروف النواظر بالسُّهد / تقلّبني فوق الفراش يد الوجْد
تساورني رقشاء من لاعج الجوى / ويَقدَح في قلبي الأسى واري الزند
فأرقب تغوير النجوم بمقلةٍ / ترقرق فيها الدمع منفرط العِقد
أقول وفرع الليل أسحم والأسى / يذِبّ دبيب السمّ في العظم والجلدٍ
متى يسفر الصبح الذي أنا راقب / أليس قميص الليل عنه بمنقدّ
إلى أن رأيت الفجر قد لاح خيطه / كما أصلت السيف الجزار من الغمد
فما أنا إلا غفوة فخيالة / لدى العالم العلويّ في ربوة الخلد
رأيت كأني قمت حول سرادق / من النور مرفوع الدعائم ممتدّ
أقاموا لواء الحمد فوق عماده / وخطّوا على حافاته سورة الرعد
وقد أشرقت ملء السموات حوله / قناديل خضر تستنير بلا وقد
وقد لاح لي محمود شوكت جالساً / به فوق كرسي الجلالة والمجد
وفي يد ه سيف أُجيد صقاله / على أنه من صّنعة الله لا الهند
وفي الرأس تاج بالثناء مرصّع / فويق جبين مشرق بسنى الحمد
وقد جلّلته بردة سندسيّة / ومن تحتها دِرعِ إلهية السرد
وبين يديه زهرة من ملائك / مجنّحِة الأيدي غرانقةٍ مُرد
تُهنّئه بالفوز طوراً وتارة / تُحييّه بالغضّ الطريّ من الورد
وقد قام من حول السرادق موكب / عظيم به اصطفّت أُلوف من الجند
فلما رآني واقفاً بحياله / وقد كنت بين الجند معتزلاً وحدي
أشار أن أقرب يا رصافي مالنَا / نراك وحيداً قد وقفت على بعد
فجئت وجسمي قد تغشتّه رجفة / كما يرجف المقرور من شدة البرد
فقمت لديه وانحنيت أمامه / فقبلت بالتعظيم حاشية البرد
فقال لقد آنستَ إذ جئت أننا / عهدناك في زُوّارنا مخلص الود
ولا ترتجف هوّن عليك فإنما / نزلت قرين الأمن في منزل السعد
فأبلغ تحياتي إلى الوطن الذي / سعيتُ إلى اعلائه باذلاً جُهدي
وقل لبنيه إنني لست حاقداً / عليهم فمثلي لا يميل إلى الحقد
وإني لما أن تمثلت قائماً / بديوان ذي العرش الذي جلّ عن ند
طلبت لهم عفواً من الله سابغاً / وقلت له يا رب لا تُخزهم بعدي
ويا رب إني قد قصدت نجاحهم / فحقق لهم يا ربّ ما كان من قصدي
وإني لأرجو منك مرحمة لهم / وإن قتلوني ظالمين على عمد
فإني أرى موتي بخدمة أمتي / حياةً به طعم الشهادة كالشهد
ألا فاهدهم يا ربّ للمجد والعلا / فما من مضلٍ في الأنام لمن تهدي
وقال أتدري من هم الجند إنّهم / من استشهدوا في حرب أعدائنا اللد
ألم ترهم دامين حتى كأنما / تسربل كلٌ لبدة الأسَد الورد
فسوف بحول الله أرأب صدعهم / وأغزو العدى فيهم على الضمّر الجرد
وإذنّ في الحيّ المؤذَن غدوةً / فأيقظني التكبير من سنةٍ الرقد
فقمت وبي من خشية الله رعدة / وأحسست من رؤياي بَرداً على كبدي
وأصبحت لم أملك بوارد عبرةٍ / تخُطّ سطور الدمع في صفحة الخد
سأبكي وأستبكي الجيوش على فتىً / فقدناه فقد الغيث في الزمن الصلد
فتىً كان في أفق الوزارة كوكباً / به في دحبى الخطب الخلافة تستهدي
وقد كان في وجه الخطوب تبسماً / إذا عبّست يوماً بأوجهها الرُّبد
وما مات محمود الخصال وإنما / تنقّل من هذا الفناء إلى الخلد
لئن غَيبت عنا مرائية في الثرى / فما غُيّبت عنا معاليه في اللحد
وما هو إلا السيف قد كان مصلتاً / على الدهر وهو اليوم قد قرّ في الغمد
سيبقى له الذِكر الجميل مؤّبداً / تَمُرّ به الأيام حالية الأيدي
لعمرك لو كانت حديداً جسومنا
لعمرك لو كانت حديداً جسومنا / لأبلته من كرّ الليالي مبارد
فكيف ولسنا بالحديد وإنما / جوارحنا هذي الدماء الجواسد
إذا ما افتكرنا في الحياة واصلها / وغايتها هانت علينا الشدائد
وماذا عسى يجدي التوّجع والأسى / من الموت إذ كلْ على الموت وارد
نعين منايانا علينا بحزننا / فيقرب من آجالنا المتباعد
وليس برزءٍ أن نرى المرء هالكاً / إذا حييت بالذكر منه المحامد
بل الرزء كلّ الرزء أن يذهب الفتى / وليس له من بعده الدهر حامد
ويدفن في التراب اسمه دفن جسمه / فلم يتفقّده من الناس فاقد
ومن تفن بعد الموت آثار مجده / فآثار روحي الخالديّ خوالد
فتى غمدت منه المنون مهنّداً / وأيّ حسام ماله الدهر غامد
يعدّ بألف من رجال زمانه / على أنه في الألمعّية واحد
لقد بقيت للخالديين بعده / مناقب غرّ دونهنّ الفراقد
وكم حبّرت أقلامه من صحائف / بجيد العلا من درّهن قلائد
نماه إلى المجد الصراع متمماً / به فخره السيف الآلهيّ خالد
دعانا ابن جبر أن نلّم بذكره / لدى محفل قد ضّمنا وهو حاشد
فقمنا لذكرى مجده بعد موته / نباهي به أحياءنا ونماجد
ونستشهد الدنيا على حسناته / وقد كثرت فيها عليها الشواهد
وإني وإن لم أحظ منه برؤية / ليشهد لي من عادل فيه شاهد
ألا يا ابن جبر أنت أيقظت للعلا / عواطف كانت وهي فينا رواقد
فقلت اذكروا يا قوم فضل رجالكم / ففي ذكر فضل الغابرين فوائد
وسيروا على آثارهم واهتفوا بها / لينشط كسلان وينهض قاعد
ففي الغرب أموات أقيمت لذكرهم / تماثيل في كل البلاد أوابد
أعادل قد أنهضت للعلم جثّماً / فأنت لنا في نهضة العلم قائد
أقمت لذكرى الخالديّ مقامةً / بها حسنت للقوم منك المقاصد
وجاهدت في إنهاض حيّ بميّت / فجهدك في إنهاض قومك جاهد
ذكر ت مزاياه وذكرتنا به / وهل يذكر الأمجاد إلاّ الأماجد
فسعيك مشكور ورأيك صائب / وفعلك محمود وسيرك راشد
سكنّا ولم يسكن حَراكُ التبدّد
سكنّا ولم يسكن حَراكُ التبدّد / مواطنَ فيها اليوم أيمن من غد
عفا رسم مَغنَى العز منها كما عفت / لخولة أطلال ببرقة ثهمد
بلاد أناخ الذُلُّ فيها بكلكل / على كل مفتول السِبالَيْن أصيد
معاهد عنها ضلٌ سابق عزّها / فهل هو من بعد الضلالة مهتد
أحاطت بها الأرزاء من كل جانب / إلى أن محتها معهداً بعد معهد
وخَلَّق في آفاقها الجور بازياً / مُطِلاًّ عليها صائتاً بالتَهَدُّد
ويَنقضُّ أحياناً عليها فتارةً / يروح وفي بعض الأحايين يغتدى
فيخطَف أشلاءً من القوم حيَّةً / ولم يُقِدِ المقتول منها ولم يَدِ
ويرمي بها في قعر أظلم موحشٍ / به أين تسقطْ جذوة الروح تَخمَد
هو السجن ما أدراك ما السجن أنه / جلاد البلايا في مضيق التَجَلُّد
بناء محيط بالتعاسة والشقا / لظلم برئٍ أو عقوبة مُعتد
زُر السجن في بغداد زورة راحم
زُر السجن في بغداد زورة راحم / لتَشهَد للأنكاد أفجع مشهد
محلّ به تهفو القلوب من الأسى / فإن زرتَه فاربط على القلب باليد
مربَّع سور قد أحاط بمثله / محيط بأعلى منه شِيدَ بقرمد
وقد وصلوا ما بين ثان وثالث / بمعقود سقف بالصخور مُشيَّد
وفي ثالث الأسوار تشجيك ساحةٌ / تمور بتيّار من الخسف مُزبِد
ومن وسط السور الشَماليّ تنتهي / إليها بمسدود الرتاجين مُوصَد
هي الساحة النكراء فيها تلاعبَتْ / مخاريق ضيم تخلِط الجِدّ بالدَد
ثلاثون متراً في جدار يحيطها / بسمكٍ زهاءِ العشر في الجو مُصعِد
تواصلت الأحزان في جنباتها / بحيث متى يبَلَ الأسى يَتَجدَّد
تَصَعَّدَ من جوف المراحيض فوقها / بخار إذا تَمرُرْ به الريح تَفْسُد
هناك يودّ المرء لوقاءَ نفسَه / وأطلقها من أسر عيشٍ مُنكَّد
فقف وسطها وانظر حوالَيْك دائراً / إلى حُجَر قامت على كل مُقْعَد
مقابر بالأحياء غصَّتْ لُحُودُها / بخمس مئين أنفس أو بأزيد
وقد عَمِيَتْ منها النوافذ والكُوى / فلم تكتحل من ضوء شمس بمروَد
تظنّ إذا صدرَ النهار دخلتَها / كأنّك في قِطع من الليل أسود
فلو كان للعُبّاد فيها إقامةٌ / لصلَّوا بها ظهراً صلاة التَهَجُّد
يزور هبوبُ الريح إلاّ فناءها / فلم تَحْظَ من وصل النسيم بمَوْعد
تَضيق بها الأنفاس حتى كأنما / على كل حيزوم صفائح جَلْمَد
وحتى كأن القوم شُدَّتْ رقابهم / بحبل خِناق مُحكَم الفتل مُحصَد
بها كل مخطوم الخشام مذلّلٍ / متى قِيد مجروراً إلى الضيم ينقد
يَبيت بها والهمّ ملءُ إهابه / بليلةِ مَنْبُول الحشا غير مُقصَد
يُميت بمكذوب العزاء نهاره / ويحيي الليالي غيرَ نوم مُشَرَّد
يَنُوءُ بأعباء الهوان مقيَّداً / ويكفيه أن لو كان غير مقيّد
وتَقْذِفهم تلك القبور بضغطها / عليهم لحرّ الساحة المتوقِّد
فيرفع بعض من حصير ظلالةً / ويجلس فيها جلسة المتعبّد
وليس تقيه الحرّ إلا تَعِلّةً / لنفس خلت من صبرها المتبدّد
وبالثوب بعض يستظِلُّ وبعضهم / بنسج لعاب الشمس في القَيْظ يرتدي
فمن كان منهم بالحصير مُظَّللاً / يعدّونه ربّ الطِراف الممدّد
تراهم نهار الصيف سُفْعاً كأنهم / أثافيّ أصلاها الطُهاة بمَوْقِد
وجوه عليها للشُحوب ملامح / تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقد عمّهم قَيد التعاسة مُوثَقاً / فلم يتميّز مُطلَق عن مقيّد
فسيّدهم في عيشه مثل خادم / وخادمهم في ذُلّةِ مثل سيّد
يخوضون في مستنقع من روائح / خبائثَ مهما يَزْدَدِ الحرُّ تَزْدَد
تدور رؤس القوم من شمّ نَتْنها / فمَن يك منهم عادم الشمّ يُحسَد
تراهم سكارى في العذاب وما هم / سكارى ولكن من عذاب مُشدَّد
وتحسبَهم دوداً يعيش بحمأة / وما هو من دود بها متولِّد
ألا رب حرّ شاهد الحكم جائراً / يقود بنا قَوْد الذَلول المعبَّد
فقال ولم يَجهَر ونحن بمنتدىً / به غير مأمون الوشاية ينتدى
على أي حكم أن لأية حكمة / ببغداد ضاع الحقُّ من غير منشد
فأدنيت للنجوى فمي نحو سمعه / وقلت لأن العدل لم يتبغدد
رعى الله حيّاً مستباحاً كأنه / من الذُعر أسراب النَعام المطرَّد
وما صاحب البيت الحقير بناؤها / بأفزع من ربّ البّلاط الممرَّد
وما ذاك إلاّ أنهم قد تخاذلوا / ولم ينهضوا للخصم نهضة مُلِبد
فناموا عن الجُلَّى ونمتُ كنومهم / سوى نَوْحةٍ مني بشعر مغرِّد
وهل أنا إلا من أولئك أن مشوا / مشيت وأن يَقعُد أولئك أقعد
وكمُ رمتُ أيقاظاً فأعيا هُبُوبُهم / وكيف وعزم القوم شارب مُرقِد
نهوضاً نهوضاً أيها القوم للعلا / لتبنوا لكم بنيان مجدٍ مُوَطَّد
تقدمنا قوم فأبْعَدَ شوطُهم / وقد كان عنا شوطهم غيرَ مُبْعِد
وسدّ علينا الاعتشافُ طريقَنا / فأجحف بالغَوْريّ والمتنجِّد
أفي كل يوم يزحف الدهر نحونا / بجندٍ من الخطب الجليل مجنَّد
فيا ربّ نَفِّس من كروب عظيمة / ويا ربّ خفّف من عذاب مشدَّد
لعمرك أن الحرّ لا يتقيّد
لعمرك أن الحرّ لا يتقيّد / ألا فليقل ما شاء في المٌفنِّد
إذا أنا قصّدت القصيد فليس لي / به غيرَ تبيان الحقيقة مَقصد
نَشدت بشعري مطلباً عَزّ نَيْله / وأن هان عند الشعر ما كنت أنشُد
فللنجم بعدٌ دون ما أنا ناشد / وللدُرّ قدر دون ما أنا مُنشِد
وكم جَنَّبَتْني عزّة النفس مَنهَلاً / يطيب به لكن مع الذُل مَوْرد
وما أنا إلاّ شاعر ذو لُبانة / أنواح بها حيناً اغَرِّد
ولي بين شِدْقَيَّ في الهَرِيتين صارم / بُسَلّ على الأيام طوراً ويُغْمَد
ولا عجب أن عابني الشاعر الذي / يقول سخيف الشعر وهو مُقلِّد
فإن ابن بُرد وهو أكبر شاعر / تَنَقَّصه في الشعر حَمّاد عَجْرد
تعوّدت تصريحي بكل حقيقة / وللمرء من دنياه ما يتعوَّد
إذا رُمْتُ نُصحاً جئت بالنصح واضحاً / وما كان من شأني الكلام المُعَقَّد
وقد أبصر الداء الدفين الذي بنا / كما أبصر الأمواه في التُرب هدهد
يقولون لي استنهض إلى العلم قومنا / بشعر معانيه تُقيم وتُقْعد
أما علموا أن الحياة بعصرنا / مدارس في كل البلاد تُشيَّد
وما ينفع القول الذي أنت قائل / إذا لم يكن بالفعل منك يؤيَّد
فيا قومنا أن العلوم تجدّدت / فإن كنتم تهوَوْنا فتجدّدوا
وخلّوا جمود العقل في أمر دينكم / فإن جمود العقل للدين مُفسِد
وإن شئتم في العيش عزّاً فأقدموا / فكم نيل بالإقدام عزٌّ وسؤدد
وأمضوا سديد الرأي دون تردُّد / فما يَبْلُغ الغايات من يتردّد
ولا تقبلوا قَيْداً بقول مجرّد / فما قَيَّد الأحرار قول مجرّد
وأطلالِ علم لا تزال شواخصاً / تُذكر بالعهد القديم وتشهد
أراها فأبكي وهي رهنُ يد البلى / بدمع كما ارفَضّ الجُمان المُنضّد
وما أنا سالٍ عهدها حين لم تَسِل / دموعي ولكنّي امرؤ مُتجلِّد
فإن تُكبِوا تبديد دمعي لأجلها / فإن دمي من أجلها سيُبَّدد
ومعهد علم أسسته عِصابة / من القوم تسعَى للنجاح وتَجْهَد
شباب مشَوا للمكرمات بعَزْمة / تقاعس عنها الكواكب المتوقّد
سأستودع الأيام كل قصيدة / يَطيب لهم فيها الثناء المُخَلَّد
أقول لهم قولاً به أستزيدهم / وأشكرهم شكراً جزيلاً وأحمدَ
أما وخلالٍ فيكم عربية / وذا قَسَمٌ لو تعلمون مؤكَّد
يسُرّ العلا أن ينَهض القوم للعلا / وأن يَجْمَعَ الشبان للعلم معهد
تُريد ليَ الأيام أن أتقيّد
تُريد ليَ الأيام أن أتقيّد / وأطلُب فيها أن أكون المُجِّددا
وتقعد بي دون المدى في خطوبها / وغاية همّ النفس أن أبلغ المدى
كفى بصريح العقل قيداً لمطلَق / من الناس يَبغي أن يكون مقيَّدا
لعمر الهدى أن النُهى ليس من صُوىً / سواها لمن ضلّوا الطريق إلى الهدى
فما بال هذا العقل أمسى معطَّلاً / لدينا كأن الله أوجده سُدى
أيُخلقنا كرّ الجديدَيْن ضِلّةً / ولم نتقمّص فيهما ما تِجدّدا
فيا مُنجِدي فيما أريد من العلا / ولولا العلا لم أطلُب الدهرَ منجدا
أعنّي على ما لو تحقَّق كونُه / لما كان لي بل للأناسِيّ مُسعدا
تَجهّز من الحُسنى بما أنت قادر / عليه ولا تَقبل سوى العقل مُرشدا
وأحسِن إلى من قد أساء تكرُّماً / وإن زاد بالإحسان منك تمرُّدا
وحِبَّ الذي عاداك ان رمت قتله / فإني رأيت الحبّ أقتل للعدى
فليس مُضرّاً بالعلا في الذي أرى / على كلّ حال أن تحبّ من اعتدى
إذا دُفِع الشرُّ القبيحُ بمثله / تَحصَّل شرّ ثالث وتَوَلَّدا
وأمست دواعي الشرّ ذات تسَلسُل / مَديد وصار الشرّ في الناس سرمدا
فما الرأيُ عندي أن تمّحضت الوغى / سوى أن يَظَلَّ السيف في الغِمْد مُغمَدا
وأن تُجمِع الدنيا على ردّ طامع / أشار إلى أسيافه مُتَهدِّدا
فإن كان هذا في العصور التي خَلَت / عسيراً ففي هذا الزمان تمهّدا
فإنّ جميع الأرض أمست كبلدة / بها كل جمع عُدَّ في الحكم مفردا
ولي خُلُق يأبى عليّ انطباعه / على الخير تسليمي إلى الشرّ مِقْوَدا
واضرب عن جهل الجهول ولم أكُنْ / لأضرب في الأيام للغدر موعدا
إذا أيقظتني للعِداء اعتداءة / شربت لها من خالصِ العَفوِ مُرْقِدا
وتكرهُ نفسي كل عبد مُذَلَّل / فقد كرِهت حتى الطريق المُعبَّدا
إذا ما اتَّقَت نفس رداها بذِلّة / فعنديَ نفس تتّقي الذُلّ بالردى
ولو طلَبت نفسي الغنى بامتهانها / لأصبحتُ في المثرين أطولهم يدا
ولكنّني آليتُ أن لا أذيقَها / من العيش إلاّ ما استُطِيب وحُمّدا
سجَّية نفس لم أحُل عن عهودها / وأن لامني الأعمى عليها وفنّدا
وما ضرّني إذ عضّني مُتشادق / شَحا بفم قد كان في العضّ أدردا
ولي وطن أفنَيْت عمري بحبّه / وشتَّتُّ شملي في هواه مُبدّدا
ولم أر لي شيئاً عليه وإنما / عليّ له في الحبّ أن أتشدّدا
تعلَّقته منذ الصبا مُغرَماً كما / تعلّق ليلى العامريُّ مُعَمَّدا
وسَيَّرت فيه الشعر فخراً فطالما / شدوت به في مَحفِل القوم منشدا
وكم رام اسكاتي أناس أبى لهم / خَنى الطبع إلاّ أن يروا لي حُسّدا
ومن عجب أن يَعشَقَ الروض بلبل / ويمنعه ذِبّانه أن يُغرِّدا
وما الناس إلاّ اثنان في الشرق كلِّه / جهول تَلَهّى أو حليم تَبَلَّدا
ولم أر مثل الفضل في الشرق مُخفِقاً / ولا مثل جدّ المرء للمرء مُسعدا
تأمَّل قليلاً في بَنيه مفكّراً / لتَشهد منهم للعجائب مَشهدا
فتُبصِرَ أيقاظاً يُطيعون هُجَّداً / وتبصرَ أحراراً يخافون أعُبدا
وكم فأرة في الشرق تُحسَب هرّة / وكم عَقعَق في الشرق سُميَ هدهدا
ألا ربّ شاك قال لي وهو آسف / أما آن للتهذيب أن يتبغددا
فقلت له أبْشِر بخير فإنه / ببغداد للتهذيب اسس منتدى
أما آن أن يَغْشى البلاد سُعُودها
أما آن أن يَغْشى البلاد سُعُودها / ويذهبَ عن هذي النيام هُجُودها
متى يتأتَّى في القلوب انتباهها / فَينْجاب عنها رَيْنُها وجمودها
أما أسدٌ يَحمي البلاد غَضَنْفَر / فقد عاث فيها بالمظالم سِيدها
برئت إلى الأحرار من شرّ أمّةٍ / أسيرةِ حكام ثِقالٍ قُيودها
سقى الله أرضاً أمْحَلت من أمانها / وقد كان رُوّاد الأمان تَرودها
جرى الجور منها في بلاد وسيعة / فضاقت على الأحرار ذَرْعاً حدودها
عجبت لقوم يخضعون لدولة / يسوسهم بالمُوبِقات عميدها
وأعجب من ذا أنهم يَرْهبونها / وأموالها منهم ومنهم جنودها
إذا وُلَيِت أمر العباد طُغاتُها / وساد على القوم السَراةِ مَسُودها
وأصبح حُرُّ النفس في كل وِجهة / يُرَدّ مُهاناً عن سبيل يُريدها
وصارت لئام الناس تعلو كرامها / وعاب لبيداً في النشيد بليدها
فما أنت إلاّ أيها الموت نعمةٌ / يعِزّ على أهل الحِفاظ جُحودها
ألا إنما خرّية العيش غادة / مُنى كل نفس وصلها ووفودها
يُضيء دُجُنّات الحياة جبينها / وتبدو المعالي حيث أتْلِع جيدها
لقد واصلت قوماً وخلّت وراءها / إناساً تَمَنّى الموت لولا وُعودها
وقد مَرِصت أرواحنا في انتظارها / فما ضرّها والهفتا لو تعودها
بني وطني مالي أراكم صبرتم / على نُوَب أعيا الحُصاةَ عديدها
أما آدكم حَمل الهوان فإنه / إذا حُمّلَتْه الراسيات يؤودها
قعدتم عن السعي المؤدّي إلى العلا / على حين يُزري بالرجال قُعودها
ولم تأخذوا للأمر يوماً عَتاده / فجاءت أمور ساء فيكم عَتيدها
ألم تَرَوُا الأقوام بالسعي خَلَّدت / مآثر يستقصي الزمان خلودها
وساروا كراماً رافلين إلى العلا / بأثواب عزّ ليس يبْلى جديدها
قد اسْتَحْوَذَت يا لَلخسار عليكم / شياطين إنْس صال فيكم مرَيدها
وما اتّقدت نار الحّمية منكم / لفقد اتحاد فاستطال خُمُودها
ولولا اتحاد العُنصُرَيْن لما غدا / من النار يَذْكوا لو علمتم وَقودها
إذا جاهل منكم مشى نحو سُبَّةٍ / مشى جمعكم من غير قصد يُريدها
كأنكم المِعزى تهاوَيْن عندما / نزا فنزت فوق الجبال عَتُودها
وماثَلَّة قد أهملتها رُعاتها / بمأسدة جاعت لعشرٍ أسودها
فباتت ولا راع يحامي مراحها / فرائس بين الضاربات تُبيدها
بأضيعَ منكم حيث لاذو شهامة / يذبّ الرزايا عنكم ويذودها
أتطمع هذي الناس أن تبلغ المُنى / ولم تُورَ في يوم الصدام زُنودها
فهل لمَعَت في الجوّ شعلة بارق / وما ارتجست بين الغيوم رعودها
وأدخِنة النيران لولا اشتعالها / لم تمّ في هذا الفضاء صعودها
وإن مياه الأرض تَعْذُب ما جرت / ويُفْسدها فوق الصعيد ركودها
ومن رام في سوق المعالي تجارة / فليس سوى بيض المساعي نقودها
سل الإنكليزي الذي لم يزل له
سل الإنكليزي الذي لم يزل له / بدست وزير الداخلية مقعد
أ أنت وزير أم عميد وزارة / نراك إليها كل يوم تَرَدَّد
فها أنت مُلقاة إليك أمورنا / تحلّ لنا ما شئت منها وتعقد
وتأخذ منا راتباً كموظف / وهذا لعمر الله أنكى وأنكد
أنحمل منك اليوم عبء تحكُّم / وندفع فيه الأجر منّا وننقد
وما شأن ذيّاك السفير الذي له / على الجانب الغربيّ قصر مشيّد
وكانت لكم من قبل فينا استثارة / فزالت ولكن دام منكم ترصُّد
تبّدلتم استقلالنا بانتدابكم / ولكن على وجه لنا هو مُعبِد
خلقتم لنا من كل عهد مموَّهٍ / قيوداً بها استقلالنا يتقيّد
إلى أن غدا استقلالنا ضُحكة الورى / به ساخرٌ كلُّ امرئ ومندِّد
وصار كسيفٍ قاطعٍ في أكُفكم / يجرّد للإرهاب طوراً ويُغمَد
غَرَرتم به الأغرار والله شاهد / على أنه في الحكم لفظ مجرّد
وهل يستقل الشعب في أمر نفسه / إذا لم يكن في حكمه يتفرّد
فما هو إلاّ المَيْن منكم أعانكم / عليه رجال خائنون وأيّدوا
وما سكت الأحرار عن مخزياتكم / فكم أبرقُوا غيظاً عليكم وأرعدوا
ولا تعجبوا أن يمقت الشعب دأبكم / فيظهر وهو الساخط المتمرِّد
رويداً فإن رمتم من الشعب ودّه / فخلُّوا له الأمر الذي يتقلّد
وكونوا له عوناً على ما يَهُبّه / يكن لكم عوناً على ما يهدِّد
وإلاّ فأنتم ظالمون وإنما / أخو الظلم مأخوذ بما يتعمّد
إذا شئت أن تسري بكافرة الصوى
إذا شئت أن تسري بكافرة الصوى / يدوّي بقطريها هزيم الرواعد
وتذهب محيار الظلام تخبّطاً / وتعثر في ظلماءها بالجلامد
وتمشي فما تدري إلى قعر هّوة / تروح بها أم للمدى المباعد
فطالع أراجيف الجرائد أنني / أرى الويل كل الويل بين الجرائد
جرائد في دار الخالافة أضرمت / لهيب خلاف بينها غير خامد
ولم كيفها هذا الخلاف وإنما / أطافت بنقص للحقيقة زائد
فما بين مكذوب عليه وكاذب / وما بين مجحودٍ عليه وجاحد
ترى في فَروق اليوم قرّاء صحفها / فريقين من ذي حجةٍ ومعاندٍ
جدال على مرّ الجديدين دائم / بتفنيد رأيٍ أة بتزيف ناقد
فذائد سهم عن رميّ يردّه / وآخر رام سهمه نحو ذائد
وهذا إلى هذي وذاك لغيرها / من الصحف يدعو آتياً بالشواهد
وما هي إلاّ ضجّة كل صائت / بها مدّ للدنيا حبالة صائد
أضاعوا علينا الحق فيها تعمّداً / وعقبى ضياع الحق سود الشدائد
ولم أر شيئاً كالجرائد عندهم / مبادئه منقوضة بالمقاصد
يقولون نحن المصلحون ولم أجد / لهم في مجال القول غير المفاسد
وكيف بين الحق من نفثاتهم / وكلّ له في الحق نفثة مارد
فاياك أن تغير فيهم فكلهم / يجرّ إلى قرصيه نار المواقد
وكن حائداً عنهم جميعاً فإنما / يضلىّ امرؤٌ عن غيّهم غير حائد
على رسلكم يا قوم كم تسمعوننا / مقالة محقودٍ عليه وحاقد
ألا فارحموا بالصفح عن نهج صحفكم / فقد أوردتنا اليوم شرّ الموارد
وما الصحف إلاّ أن تدور بنهجها / مع الحق أنّي دار بين المعاهد
وأن تنشر الأقوال لا عن طماعة / فتأتي بها مشحونةً بالفوائد
وأن لا تعاني غير نشر حقائق / وتنوير أفكار وانهاض قاعد
أتبغون في تلفيقها نفع واحد / وتغضون عن اضرارها ألف واحد
ألا أن صحف القوم رائد نجحهم / وما جاز في حكم النهى كذب رائد
لعمري أن الصحف مرآة أهلها / بها تتجلى روحهم للمشاهد
كما هي ميزان لوزن رقيّهم / وديوان أخلاق لهم وعوائد
ألا تنظرون الغرب كيف تسابقت / به الصحف في طرق العلا والمحامد
بها يهتدي القرّاء للحق واضحاً / كما يهتدي الساري بضوء الفراقد
ولكن أبى الشرق التعيس تقدّماً / مع الغرب حتى في شؤون الجرائد
فلا تحملوا حقداً على ما أقوله / فإني عليكم خائف غير حاقد
وما هي إلاّ غيرة وطنيّة / فإن تجدوا منها فلست بواجد
أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة
أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة / نهوضيّةٌ فيها طموح إلى المجد
ففي مصر شيدت للعلوم معاهد / على اسس التحليل والبحث والنقد
فلم تتّخذ غير التجارب منهجاً / لتحقيقها من جوهر العلم ما يجدي
وفي الأفق التركيّ سارت غلى العلا / جيوش بأعلام التجدّد تستهدى
وفي الهند قامت للتحرّر ثورة / سياسية عزلاء قائدها غندي
وفارس حلّت عقدة من جمودها / وحنّت بمسعاها إلى سالف العهد
وفي الصين حرب نارها وطنيّة / تزيد بمرّ الدهر وقداً على وقد
وبغداد بين الأجنبيّ وبينها / مزيد صراع في السياسة مشتدّ
على أن حول النيل مثل صراعنا / ولكنّه بين الحكومة والوفد
ولم تخل من أعشابها بتجّدد / على جدبها أرض الحجاز ولا نجد
زمان أتى من كل قوم بنهضةٍ / سياسية حتى أتت نهضة الكرد
تباشير صبح لاح بعد نحوسةٍ / مشيراً إلى ما نرتجيه من السعد
فيا وفد مصر أنتم خير شاهد / على يقظة في الشرق وارية الزند
لقد جئتم روّاد علم وحكمة / فحيّيتمو أزكى التحيّات من وفد
ترودون أهل العلم مرعىً ومنزلاً / وتجتنبون الهزل في معرض الجد
وقد زرتمو دار السلام زيارة / ستذكرها الأقلام بالشكر والحمد
ومن ذكرها في كل عصر وموطن / ستستنشق الأيام أطيب من ورد
وتمتدّ بين النيل منها ودجلة / مدى الدهر أسباب التعارف والودّ
سلام على مصر التي أرسلت بكم / فطاحل علم لا تحيد عن القصد
لكم عند أهل الرافدين تجلّة / على قدر ما للرافدين من الرفد
يا دار قسطنطين أنت فريدة / في الحسن لولا جوّكِ المتقلّب
لقد اجتوَيتك لا لفقد محاسن / لكن هواؤك عارم متذبذب
أبداً سماؤك وجهها متلوّن / فأراه يبسم تارة ويقطّب
وأرى هواءك ناضحاً برطوبة / همم الرجال بها تجفّ وتنضب
تسري الرطوبة منه بين عروقهم / فتكاد من أعصابهم تتحلّب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025