المجموع : 3
طَرِيقُ الْعُلاَ وَعْرٌ مَطيَّتُهُ الْجِدُّ
طَرِيقُ الْعُلاَ وَعْرٌ مَطيَّتُهُ الْجِدُّ / وهَلْ يَعْتَلي مِنْ غَيْرِهِ البَطَلُ الْفَرْدُ
إِذا وَهَنتْ فِيهِ الْقِلاصُ وَأدْبَرَتْ / فَذاكَ شَديدُ الْحَوْلِ مُحْتَمِلٌ جَلْدُ
يَخُبُّ فَلاَ الأَخْطارُ تَلْوي زِمامَهُ / وَلاَ عَنْ بَعيد الْقَصْدِ يُقْعِدُهُ الْجَهْدُ
سَئِمْتُ حَيَاتِي بَيْنَ قَوْمٍ فَضَائِلي / لَدَيْهِمْ يُغَطِّيها التَّدَابُرُ وَالْحِقْدُ
إِذَا ما بَدَتْ تَرْنُو إِليْهِمْ فَضيلَةٌ / تَصَدَّى لَهَا نَذْلٌ وَكرَّ لَهَا وَغْدُ
إِذَا كَانَ عَيْبِي بَيْنَهُمْ أَنَّنِي فَتىً / صَغِيرٌ وَشَعْرِي بِالشَبِيبة مُسْوَدُّ
فَمَهْلاً أَنَا النَجْمُ الَّذِي يُبْصِروُنَه / صَغِيراً وَيُخْفِي قَدْرَهُ عَنْهُمُ الْبُعُدُ
إِذا صالَ عَزْمِي فَهُوَ سَيْفٌ مُهنَّدٌ / لَهُ الْحِلْمُ وَالإِغْضاءُ مِنْ خُلُقِي غِمْدُ
تَمُدُّ الْمَعالِي نَحْوَ مَجْدِي رِقابَها / وَجُذَّتْ إذَا كَانَتْ لِغَيْريَ تمْتَدُ
ستَنْدُبُنِي الفُصْحَى إذَا مِتُّ قَبْلَها / وَماتَ الَّذي في النَّاسِ لَيْسَ لَهُ نِدُّ
إِذَا قَلَّ مالِي فَالْقَنَاعَةُ ثَرْوَتِي / وَما كُثْرُ قَوْمٍ ما وَرَى لَهُمُ زَنْدُ
وَرُبَّ غَنيٍ في احْتِيَاجٍ إِلَى يَدٍ / تَرُوحُ بما يَحْوي مِنَ الْمَالِ أَو تغْدُو
أَرَى الْمَالَ مِثْلَ الْماءِ يَخْبُثُ رَاكِداً / وَيُزْكِيهِ الاسْتِعْمالُ والأَخْذُ والردُّ
وَكَيْفَ يُفِيدُ الْمالُ وَهْوَ بِحِرْزِهِ / يُحيطُ بِهِ سُورٌ وَيَحْجُزُهُ حَدُّ
وَهَلْ قَطَعَ الصَمْصَامُ في جَوْفِ غمْدِهِ / وَهَلْ طَابَ نَشْراً قَبْلَ إِحْراقِهِ النَدُّ
دَعوْتُ بَيانِي أن يَفيضَ فَأَسْعَدا
دَعوْتُ بَيانِي أن يَفيضَ فَأَسْعَدا / وَنادَيْتُ شِعري أن يُجيبَ فغرَّدا
وأبْدعْتُ نَظْماً كالرَّبيع مفوَّفاً / يُجَمِّلُ عَصْراً كالشَّبابِ مُجدَّدا
وما الشِّعرُ إلاّ تَرْجُمانٌ مُخلَّدٌ / يَقُصُّ على الأجْيالِ مَجداً مُخلَّدا
فَلَولا السَّجايا الغُرُّ ما قال قَائِلٌ / ولولا فؤادٌ ما غَدَا النِّيلُ مُنْشِدَا
فَسَلْسَالهُ أَضْحَى بِنُعْمَاهُ كَوْثَراً / وقِيعَانُه أمستْ بِمَسْعاه عَسْجَدا
مَليكٌ حَبَتْه مِصرُ مَحْضَ وَلاَئِها / صَمِيماً وأوْلَى مِصرَ عِزّاً وسُؤدَدا
أصَالةُ عَزْمٍ أَخْجَلَتْ كلَّ صَارِم / مِنَ البيضِ حَتّى خاف أنْ يَتَجرَّدا
ورَأْيٌ كَوَجْهِ الصُّبْحِ ما ذَرَّ نُوره / على مُدْلَهِمِّ الْخطْبِ حتَّى تَبَدَّدا
ووَجْهٌ كأنوارِ اليَقِينِ رَأيْتُه / فأبْصَرتُ فيه المجْدَ والنُّبْلَ والنَّدَى
أَلَمْ يُعْلِ صَرْحَ العِلْمِ شُمّاً قِبَابُه / تُطَالِعُهَا زُهْرُ الكواكِبِ حُسَّدَا
فَمِنْ مَعْهَدٍ يُبنَى على إِثْرِ مَعْهَدٍ / إلى أنْ غَدَتْ أرضُ الكنَانةِ مَعْهَدا
زُهِينَا على الدُّنْيا بِجامِعَةٍ غَدَتْ / حَدِيثاً بأُذْنِ الشَّرْقِ حُلْواً مُرَدَّدا
تَرُدَّ الشَّبَابَ الغَضَّ حَزْماً وَحِكْمَةً / وتَصْقُلُه صَقْلَ القُيونِ المُهَنَّدا
تُزَوِّدُهُ التَّوفيقَ في كلِّ مَطْلَبٍ / وَمَنْ طَلَبَ العِلْمَ الجلِيلَ تَزَوَّدا
غَدَتْ دَوْحَةً فَيْنَانَةً حُلْوَةَ الْجَنَى / بَعيدَةَ مَدِّ الظِّلِّ فَيَّاحَةَ المَدَى
غَرَسْتَ وهذا فضلُ ما قد غَرَسْتَه / وهذا هوَ الغُصْنُ الذي كان أَمْلَدا
تَعَهَّدْتَه كالزَّارعِ الطَّب نَوْمُه / غِرَارٌ إلى أن يُبْصِرَ الزَّرْعَ أَحْصَدا
بِكَفٍّ من الإِحْسانِ وَالرِّفقِ صُوِّرَتْ / وعَيْنٍ تَرَى في يَوْمها ما تَرَى غَدَا
كَذاكَ ابنُ إسماعيلَ يَنْتَهِبُ المُنَى / دِرَاكاً ويَمْضِي لِلْمَحَامِدِ مُصْعِدَا
وَيُدْرِكُ ما يُعْيِي الْجَحَافِلَ وَحْدَهُ / وَيَبْلُغُ شَأْواً يُعْجِزُ الْجْمعُ مَفْرَدا
وَيَسعى إلى أنْ يُذْهِلَ النَّجْمَ سَعْيُه / ويَبذُلُ حَتى يُدْهِشَ الْجُودَ وَالْجَدا
ويَرْقب رَبَّ العَرْشِ فِيما يُريدُه / ويَنْصُرُ دِينَ الْحَقِّ والنُّورِ والهُدَى
وَأصبحتَ رَمْزاً عالَمِيّاً سَعتْ له / جَهابِذُ أهلِ الأرضِ مَثْنَى وَمَوْحَدا
رُوَيْدَكَ أجهَدْتَ المؤَرِّخَ ما وَنَى / ولا فَارَقَتْ يَوْماً يَرَاعَتُه اليَدَا
هَزَزْتَ إلى التَّأْليفِ كُلَّ مُبَرِّزٍ / أَدِيبٍ إذَا مَا أَرْسلَ الفِكْرَ سدَّدا
فَفَاضَتْ بَجَدْواكَ العقولُ وَبلَّلتْ / بمصْرَ ظمِاءً كان حَرَّقَها الصَّدَى
فَفي كلِّ يومٍ لِلْعُلُومِ مُجَلَّدٌ / حَقيقٌ بما أسْدَيْتَ يَتْلُو مُجلَّدا
سَلوا مكْتَباتِ الْعِلْمِ تَنْطِقُ كُتْبُهَا / بآثارِ مَجْدٍ يَنْتَمِينَ لأَحْمَدَا
وَمَنْ بَيْنِ فَوْقَ العِلمِ وَالعدلِ مُلكَه / رَفيعاًن فَقَدْ أَرسَى الأساسَ وَوطَّدا
بَهْرْتَ رِجالَ العلمِ في الغَرْبِ فَانْثَنَوْا / إليكَ يَسوقونَ الثَناءَ المَنضَّدا
وأَوْلَوْكَ أَلْقَاباً نَواصعَ كالضُّحا / ضِخاماً على آثارِ فَضْلكَ شُهَّدا
وَأصبحتَ رَمْزاً عالَمِيّاً سَعتْ له / جَهابِذُ أهلِ الأرضِ مَثْنَى وَمَوْحَدا
فِخاراً أبا الفارُوقِ لم يَبْقَ مَنهَجٌ / إلى العلمِ إلاّ صار سَهْلاً مُعَبَّدا
تَطَلَّعتِ الآمالُ شرْقاً وَمَغْرِباً / فَلم تَجدِ الآمالُ إِلاّكَ مَعقِدا
وحامَتْ قُلوبُ الشَّعبِ حَولكَ مِثْلمَا / تَحومُ عِطَاشُ الطّيْرِ أَبْصَرنَ مَوْرِدا
فَعِشْ لِبني مِصرٍ غِياثاً وَرحمةً / فآمالهمْ في أن تَعيشَ وَتَسْعَدا
وَعاشَ وَلِيُّ العهدِ قرَّةَ أَعْيُنٍ / وَدامَ مِنَ اللّهِ العزيزِ مُؤَيَّدا
بَكَيْنا النُّضارَ الْحُرّ والحسَبَ العَدَِّا
بَكَيْنا النُّضارَ الْحُرّ والحسَبَ العَدَِّا / بكَيْنا فما أغنَى البكاءُ ولا أجدَى
بكيْنَا لعلَّ الدمعَ يُطفىءُ حُرْقةً / من الشوقِ فاودادت بِتَذْرافِه وقْدا
حُشاشةُ نفسٍ صُوِّرتْ في مدامعٍ / وجَذْوةُ نارٍ في الْحَشا سُمِّيتْ وجدا
ولوعةُ مكلوم الفؤادِ وسادُه / يحنُّ له قُرباً فيوُسِعُه صدّا
يُقلِّبُ طَرْفاً في الظلامِ من الأسى / ويُرسلُ في الآفاق أنفاسَه صهْدا
بكَيْنا وما تبكي الرجالُن وإنما / يعودُ الفتى للطبعِ إن لم يجد بُدّا
هو القَدَرُ الماضي إذا انساب سهمُه / فلن يستطيعَ العالَمون له ردّا
هو الدهرُ ما بضَّتْ بخيرٍ يمينُه / يُجمِّعنا سهواً وينثُرنا عمدا
يُجرِّدُ سيفاً في الظلامِ من الردَى / ويخبِطُ لا يُبقي مليكاً ولا عبدا
مصابٌ أصاب الهاشميةَ سهمُه / وهدَّ من العلياء أركانَها هدَّا
وغال شبابَ المُلكِ في عُنْفُوانِه / وأطفأ نُور الشمسِ واخترم المجدا
وطار بأحلامٍ وفرَّق أنفسا / شَعاعاً ترَى نُورَ السبيلِ وما تُهْدَى
حُشُودٌ على الآلامِ والحزن تلتقي / يقاسمُ حَشْدٌ في رَزيئتهِ حشدا
ففي كلِّ قلبٍ مأتَمٌ ومَناحةٌ / وفي كلِّ دارٍ أنَّةٌ تصدَعُ الصلْدا
وفي كلِّ أرض للعُروبةِ صيحةٌ / إذا ردَّدتها أبكتِ التركَ والهندا
فقدناه ريَّانَ الشبابِ تضوَّعت / شمائلُه مِسكاً وآثارُه نَدّا
فقدناه والأحْداثُ تَغْشَى غُيُومُها / وتنتظمُ الآفاق عابسةً رُبْدا
فقدناه والآمالُ تومي بإِصْبَعٍ / إليه وتمتدُّ العُيونُ له مَدّا
فقدناه أزهَى ما نكونُ بمثله / وأعلَى به كعباً وأقَوى به زَنْدا
فقدناه سيفاً هاشمياً إذا سطت / سيوفُ الليالي كان أرهفَها حدّا
حُسامٌ بكفِّ اللّهِ كان صِيالُه / فأصبحتِ الأرضُ الطهورُ له غِمدا
ورُوحٌ سَرى السارون في نورِ هَدْيه / فلم يُخْطِئوا للمجدِ نَهْجاً ولا قصدا
أطلَّ عليهم من بعيدٍ فشمَّروا / إلى قِمَّةِ الدنيا غَطارِفةً جُردا
إذا بعُدت آمالُهم فتردَّدوا / دعاهم إلى الإقدامِ فاتسقربوا البعدا
يقودُهمُ الغازي إلى خير غايةٍ / فأكْرِمْ به مَلكاً وأكْرِمْ بهم جُندا
نسورٌ إذا طاروا ليومِ كريهةٍ / وإن بطشوا يوم الوغى بطشوا أُسْدا
سَلِ السيفَ عنهم كيف صال بكفِّهم / شُيوخاً لهم قلبُ الجلاميد أو مُرْدا
كأَنَّ غبارَ النصر في لَهَواتِهم / سُلافٌ من الفِرْدوسِ مازجتِ الشّهدا
أولئك أبناءُ الفُتوح التي زها / بها الدين واجتاح الممالكَ وامتدّا
لهم في سِجلِّ المجد أوَّلُ صفحةٍ / كفاتحةِ القرآنِ قد مُلِئت حمدا
ومَن كتب النصرَ المبينَ بسيفهِ / على جَبْهةِ الدنيا فقد كتب الْخُلْدا
حمامةَ وادي الرافديْنِ ترفَّقي / بعثتِ الجوىَ ما كان منه ومَا جَدّا
حنانَكِ إنّ الصبرَ من زينةِ الفتى / إذا غاص في ظلمائِه الأمرُ واشتدّا
طرحنا رِداءَ اليأسِ عنَّا بَوَاسلاً / وإنْ هزّنا يومُ العِراقِ وَإنْ أدّا
حمامةَ وادي الرافدينِ ابعثي الهَوى / حنيناً فما أحلى الحنينَ ومَا أشْدَى
ففي النيل أرواحٌ ترِفُّ خوافقٌ / تقاسمُكِ التاريخَ والدينَ والوُدّا
ظِماءٌ إلى ماءٍ بدِجْلةَ سَلْسَلٍ / تودُّ بنور العين لو رأتِ الوِردا
إذا مسّتِ البأساءُ أذْيالَ دِجلةٍ / قرأتَ الأسَى في صفحةِ النيل والكَمْدا
وَإن طُرِفتْ عينٌ ببغدادَ من قذىً / رأيتَ بمصرٍ أعيناً مُلِئتْ سُهدا
إخاءٌ على الفصحَى توثَّق عَقْدُه / وشُدَّت على الإيمانِ أطرافُه شدّا
لنا في صميمِ المجد خيرُ أبّوةٍ / زُهينا بها أصلاً وتاهت بنا وُلْدَا
مضَى الهاشميُّ السَمْحُ زينُ شبابِه / وأعرقُهم خالاً وَأكرمُهم جدَّا
أطلّت شموسُ الدينِ من حُجُراتِهم / على الكون لا وهْداً ولاَ نجدا
خططنا له لحداً فضاق بنفسهِ / وَإِنّ له في كل جانحةٍ لحدا
فتى تنُبتُ الآمالُ من غيثِ كفِّه / فلله ما أوْلَى وَللّه ما أسْدَى
أتينا إلى بغدادَ والقلبُ واجفٌ / يُهزُّ جَناحاً لا يقَرُّ ولا يَهْدَا
تُطوِّحنا الصحراءُ ليس بعيدُها / بدانٍ وَلم نعرِف لآخرِها حدّا
كأنّ الرمالَ الْجاثماتِ بأرضِها / جِمالٌ أناختْ لا تُساقُ ولا تُحدَى
عددنا بها الساعاتِ حتى تركننا / وقد سئِمتْ منها أصابعُنا عَدّا
أتينا نؤَدَّى للعرُوبةِ حقَّها / يسابقُ وَفْدٌ في تلهُّفِه وَفدا
يُحمِّلنا النيلُ الوفيُّ تحيةً / وَيُهدي من الآمالِ أكرمَ ما يُهدى
عزاءً مضى الغازي كريماً لربِّه / فما أعظمَ الْجلَّي وَما أفدحَ الفقدا
عزاءً ففينا فيصلٌ شِبْلُ فيصلٍ / نَرى في ثنايا وَجهِه الأسدَ الورْدا
له في اسمه أوفَى اتصالٍ بجدِّه / فيا حسنَه فأْلاً ويا صدقَه وعدا
بدا نجمُه في الشرقِ يُمْناً ورحمةً / وأشرق في الأيامِ طالعُه سعدا
عهِدتم إلى عبد الإله وإنه / لأكرمُ من يرعَى القرابةَ والعهدا
إذا رنتِ الآمالُ كان ثِمالَها / وإنْ حارتِ الآراءُ كان لها رُشْدا
سلامٌ على الغازي سلامٌ على الندى / إذا ما بكَى من بعدهِ التِّرْبَ والندَّا