المجموع : 14
إذا ما جيوشُ القُرِّ جاءتْ فَرُمْ لها
إذا ما جيوشُ القُرِّ جاءتْ فَرُمْ لها / كمينا بأضعاف اللِّباس المحدَّد
ولا تُبعِد الكانونَ عنك فإنه / لأَمْنَعُها دِرْعا وَأَمْضَى مُهَنَّدِ
فما البرد إلا الليثُ يَلْقَى بعزمِه / جيوشاً وَيَخْشَى قُرْبَ أَصْغَرِ مَوْقِد
كأنّ جيوشَ الفحمِ من فوقِ جَمْرِه
كأنّ جيوشَ الفحمِ من فوقِ جَمْرِه / وقد جُمعا فاسْتُحْسِن الضِّدُّ بالضِّدِّ
غَدائرُ خَوْدٍ فَرَّقَتْها وقد بَدتْ / على خَفَرٍ من تحتها حمرةُ الخَدِّ
فلما تناهَى صبغهُ خِلتُ أنه / فصوصُ عَقيقٍ أو جَنَى زَهَر الورد
إلى أنْ حَكَى بعدَ الخمودِ رمادُها / غبارا من الكافور في قِطَع النَّدِّ
كأَنّ نجوم الليل لما تَبلَّجتْ
كأَنّ نجوم الليل لما تَبلَّجتْ / تَوَقُّدُ جَمْرٍ في سَواد رمادِ
حكى فوق مُمتدِّ المَجَرّةِ شكلُها / قَواقعَ تطفو فوقَ لُجَّةِ وادِ
وقد سَبَحتْ فيه الثُّرَيا كَأنها / بَنيقةُ وَشْىٍ في قميصِ حِداد
ولاحتْ بنو نَعْشٍ كتنقيطِ كاتبٍ / بيُسْراه للتعليم هيئةَ صاد
إلى أنْ بدا وجهُ الصباح كأنه / رداءٌ عروسٍ فيه صِبْغُ جِساد
نَحا البَيْنُ في تشتيتِ شَمْلي مَقاصِدا
نَحا البَيْنُ في تشتيتِ شَمْلي مَقاصِدا / فسَدَّد رَمْيا نافِذا ليس نافِذا
كأنّ فؤادي بينهم تحتَ أسهمٍ / تُشمِّر عند الرَّمْىِ منها الحَدائدا
رَمانِي فأَصْمانِي وأَغْرَق نَزْعَه / وكَرَّر حتى كَلَّ كَفّا وساعِدا
وسَدَّ الفضا بالنَّبْلِ حتى أعَادَني / أَسيرا إليها أَيْنَما كنتُ حائدا
وما أنا إلا السيف فارَقَ غِمْدَه / ولمْ يْلفِ بعدَ الضربِ والقَطْع غامِدا
فوارَتْه أَصْداءُ النَّدَى فأَعَدْنَه / كما غادر الدهرُ الطُّلولَ البَوائدا
كأنَّ الليالي أَقْسمتْ بأَلِيَّةٍ / تؤكدها أنْ لستُ للثغرِ عائدا
ولا نَظرتْ عيني إلى الروضةِ التي / تَحوك يدث الأَنْواءِ فيها مَجاسِدا
ولا ارتضتُ في تلك الرياضِ كعادةٍ / عَدَتْني ولا شاهدتُ تلك المشاهدا
فيا حَبَّذا ذاك الخليجُ الذي له / من الحُسْن ما يُلهِى عن الشُّرْب وارِدا
وقد راقَ لما رقَّ عذبُ زُلالِه / فأصبح ملآنَ المَواردِ زائدا
تَرى منه تحتَ الريح دِرْعا وجَوْشنَا / وسيفا بلا غمد إذا كان راكدا
كأن الصَّبا لما أَثارتْ حَبابه / تُمرُّ على سيفٍ حديدٍ مباردا
تُرى جاورت أرضَ السوارى فَرائِدٌ / من القَطْر عادت في النبات فرائدا
وهل أظهرت في ظاهر الحسن روضة / إلى ربوة ابن العاص منه فصاعدا
إلى جانبَي قصرِ الدخان مغربا / إلى المُقْس رَوى العهدُ تلك المعَاهِدا
وهل قَلدتْ جِيد القليدة بعدنا / يدُ الغيثِ من زَهْرِ الربيع قلائِدا
منَابِت أزهارٍ يكرر نشرُها / على القْطرِ شكراً ذائعا ومَحامدا
تخطّ يد الأَنواءِ فيها صَحائفا / فيُنْشِدها راوِى النسيمِ قَصائدا
فللهِ ذاك الروضُ للغيثِ مادِحا / وللهِ ذاك الغيث للروض رافِدا
كنوز بَدَتْ لولا ذبولٌ يُصيبُها / لأَصبحَ ما عند الصَّيارفِ كاسِدا
كأن الأَقاحي والبَهار دراهمٌ / خِلال دنانيرٍ تُقابل ناقِدا
وللسَّوْسَن المفتوحِ أبواقُ فضة / تُقابل من حمرِ الشَّقيق مَطارِدا
فلم أرَ جمرا قبله مُتلهِّبا / إذا لمستْه الكفُّ أَلفَتْه باردا
وإن نَثرتْ أوراقَه الريحُ خِلْتَها / قُصاصةَ حُمْرِ اللاّذِ صِيغَتْ رَفائدا
شُنوف عقيقٍ صِيغَ من سبج لها / مَعاليقُ ما باشَرْن فيها مَعاقدا
فَرَاشٌ على أجسادها الدمُ جاسِدا / وقد قَرَّ في قِمّاتِها القارُ جامدا
مَواطِنُ صيدٍ بين وَحْشٍ وطائرٍ / وحيتان لُجٍّ ما تُخيِّب صائدا
يُقابل منها كلَّ جنسٍ بآلةٍ / فما فات مطرودٌ هنالك طارِدا
تُبكِّر في أَرزاقِها وهْي رزقنا / غَدَوْنا له نعتَدُّ تلك المَكايدا
فلم يَبْدُ قرنُ الشمسِ إلا وبيننا / شُموسٌ لها جَمْرٌ تُبيد الأَوابدا
وفي كل قُتْرٍ للقُتار رَوائحٌ / تَفوح فتَسْتَدْنِي على البُعْد رائِدا
لقد مَلَك الإسكندرُ الأرضُ وانقضى / وأَبَقى له الإسكندريةَ شاهدا
فَدَلَّتْ بما فيها على عُظم مُلْكه / وأَبقتْ له ذِكْرا مع الدهر خالدا
بباطِنِها أضعافُ ما فوقَ ظهرِها / من الحِكَم اللاتي بلغْنَ الفَراقِدا
رحلتُ إلى الفُسْطاط عنها بِغرَّةٍ / فها أنا في قيدِ النَّدامة واجدا
كآدمَ والشيطانِ لما اسْتَزلَّة / عن الخُلْد للدنيا الدَّنية حاسدا
فها أنا باكٍ مثل ما كان باكيا / مُكابِد ما كان قبلي مُكابِدا
أَسيرُ اغترابٍ واشتياقٍ كأنني / أُصارع أُسْدا منهما وأَساوِدا
أأحبابَنا بالثَّغْرِ ما كانَ من بَعْدِي
أأحبابَنا بالثَّغْرِ ما كانَ من بَعْدِي / تُراكم وإنْ طالَ البعادُ على العَهْدِ
فإني وإنْ شَطّتْ بيَ الدارُ عنكمُ / مقيمٌ على فَرْطِ الصَّبابةِ والوَجْد
إذا نَسَمتْ من ذلك القُطْرِ شَمْأَلٌ / تَرَشَّفْتُها رَشْفَ النَّزيفِ من الثَّمْد
لأَلْقَى من الإسكندرية نَشْوةً / أَغُضُّ بها ما بين جنبىَّ من وَقْد
وأُودعُ هَبّات الجنوب تحيتي / فهل بَلَّغَتْكم ما أقول على البُعْد
سَقَى اللهُ أيامي بها الغُرَّ وابِلا / كدمعي على ما فات من عيشِها الرَّغْد
فكم لي بها مِنْ زَوْرةٍ جَدَّدتْ رِضاً / بَديها على غيرِ انتظارٍ ولا وعد
وفي جانَبيْ ذاك الخليج مَرابعٌ / سحبت بها ذيل الصِّبا والصِّبا بُرْدِى
إذا سَرَحتْ فيها الرياحُ تَحدَّثت / لدينا بأسرارِ الرياحين والورد
وَينسِجُ فوقَ الماءِ فيه نَسيمُها / حَبيكا حَكي مستحكم الزَّرَد السَّرْد
وآصالُنا في ساحل البحر نَعْتلى / به الرملَ ما بين الكَثيب إلى الوَهد
نُغازل من غِزْلانه كل سانحٍ / له مُقْلةٌ عاداتُها قَنَص الأُسْد
حَكتْ بيننا ألأمواجُ أَثْقالَ رِدْفِه / فآوِنةً تُخفِى وآونةً تُبْدى
هو الماءُ فوقَ الماءِ هذا نَعافُه / أُجاجا وهذا فيه أَحْلى من الشهد
إذا قابل التيارُ هِيفَ قدودِها / أَرتْنا فِعالَ الريحِ بالقُضُب المُلْدِ
ليالٍ وأيامٌ تَقضَّت كأَنها / جواهرُ نَظْمٍ خانَها العَقْدُ من عِقْد
أأحبابنا بالثغرِ إني وإنْ نأتْ
أأحبابنا بالثغرِ إني وإنْ نأتْ / بيَ الدارُ عنكم ما استحلْتُ عن العهدِ
وقد لامَنِي العُذّالُ فيكم وَأَكْثَروا / فما غَيَّروني بالمَلامِ عن الودّ
إذا كَشفوا عن صِدْقِ كلِّ مودةٍ / فإن ودادَ الناسِ بعضُ الذي عندي
لكم في فؤادي منزلٌ غيرُ نازحٍ / ولو أنني خلفَ العِراقِ أو الهند
لقد أَبْعَدُوني عنكمُ فَقرُبْتمُ / وإنْ أَكثَروا بُعْد قَرُبتم على البُعْد
فو اللهِ ما ساعدتُ من لام فيكمُ / وإني لأُخْفِي منكمُ فوق ما أُبدي
ولو رُمْتُ أن أنساكمُ ذَكَّرتْ بكم / محاسنُ فعلٍ مثل منتظِم العِقد
برئتُ إذاً من نَخْوةٍ ومروءةٍ / إذا لم اقابلها بواجبها عندي
وإني لأَسْتهدِي الرياحَ نَسيمَكم / فأَنْشَقُ منها مثل مُفتِتح الورد
هل الموتُ إلا دونَ ما أنا واردُ
هل الموتُ إلا دونَ ما أنا واردُ / وإنْ كنتُ أَسْتحِلي بكم ما أُكابِدُ
وإني ليَعْروني غرامٌ تُذيبُني / حَرارتُه والماءُ بالقُرِّ جامد
وأَعطش حتى لا أُفيق من الظما / وقد طَفَحتْ مما بكيتُ المَوارد
أَيَحسبُ فيك اللومُ أني سمعتُه / إذاً بَخِلتْ كفِّى بما أنا واجد
وأنكرتُ فضلَ الأفضلِ الملكِ الذي / يداهُ لأَجْياد الملوكِ قلائد
لعلَّ زمانِي بالعُذَيْبِ يعودُ
لعلَّ زمانِي بالعُذَيْبِ يعودُ / فيَقربَ قُرْبٌ أو يَصُدَّ صدودُ
فأُبصِر كُثبانا وهنَّ رَوادفٌ / عليهن أغصانٌ وهن قُدود
وأَقطِف ورد الخدِّ وهْو مُضرَّجٌ / وأَجنِي أَقاحَ الثَّغْرِ وهْو بَرود
وأُبدِي ذراعي للعناقِ ذَريعةً / فَتَنْهى عن الإفراط فيه نُهود
ويَسْرِي إليّ البدرُ وهْو مُمنَّع / ويغدو إليّ الظبيُ وهْو شَرود
وأُعطي يمينَ اللهوِ فَضْلةَ مِقْوَدي / وأَغْدو وأغصانُ الشَّبيبِة غِيدُ
وأُكبر مقدارِ الهوى عن كبيرة / وأحمِي عفافي دونَها وأَذود
غَداةَ أُلبِّي الحبَّ من غيرِ ريبةٍ / على أنّ شيطانَ الغرام مَريد
وليل تَخطَّتْ بي سُوَيدا فؤادِه / عَزائمُ شوقٍ والنجومُ رُكود
أَخوض غِمارا من عَجاج ظلامِه / بحيث تقول الجنُّ أين تريد
ظلامٌ كأَحْداقِ الجآذرِ لونُه / دَجَا فضياءُ النارِ ليس يفيد
تَعسفتُه سَعْيا على غيرِ منهجٍ / وكُدْر القَطا عن أَخْمَصَيَّ تَحيد
فبادرَ عَدْوِي من بني الغاب أَهْرَتٌ / عظيمُ القَراعَبْلُ الذراعِ عَنود
أخو حَنَقٍ غَصَّ الفَلا بزئيرِه / له وَثْبةٌ في سيرِه ووَئيد
فأَلْجمتُه عَضْبَ الغِرارين كاسرا / هو الموتُ لولا أنْ يقال حديد
إذا مَجَّه الغِمدُ اسْتنارَ كأنه / شبابٌ له بعد الهُدوء وقُود
فشَتَّتُّ من شِطْرَيْه شَمْلا بضربةٍ / لها عادةٌ لا تبتدى فتعود
وسرتُ وصِنْوِى حافزٌ من صبابةٍ / يسوق اعتزامي تارة ويقود
إلى أنْ تراءتْ مُضْرَماتٌ شَواسع / كما حَدَّقتْ تحتَ الظلام أُسود
تلوح وتخبو مثلَ غَمْضٍ تَعافُه / عيون لها من حولهن هُجود
أمامَ خِباءٍ حَفَّه كلُّ طالبٍ / دمى فله حرصٌ عليه شديد
إذا صافحتْ أجفانَه سِنةُ الكَرَى / نَقتْها لذكرى خَطْرةٍ فتَحيد
وإنّ هبَّ معتلُّ النسيم تَيقَّظوا / كما تُوقظ الخُلْدَ الحَذورَ رُعود
قَدِ اسْتَلأَموا فالمُرْهَفات سواعدٌ / لأَيمانِهم والسابغاتُ جلود
بحيث أُراعى غِرَّةَ القومِ منهم / إذا عَنَّ طَرْفٌ أو تَرنَّح جيدُ
حِذارا على سِرِّ ابنةِ القومِ يغتدى / لمعدومه بين الوُشاة وُجود
أدبٌ دَبيبَ الفجرِ أولَ وقِته / وأسَعى كسَعْىِ الظلِّ وهْو مديد
إلى أن دخلتُ الخِدْرَ حَبْوا كما دَنا / إلى ثَلَّةِ الراعي المُهوِّم سِيدُ
فَقبّلتُ مثلَ الشمسِ لا بل كَمالُها / على الشمس والبدر المنير يزيد
كتقبيل أفواه الملوك مهابةً / ثرى باب دارِ المُلْك وهْو بعيد
يقينا بأن الأَعْوَجيات فوقَه / تسير بشاهِنْشاهَ ثم تعود
وأن الحَيا والبِرّ والجود والندى / عطاياه أو مِلْكٌ له وعبيد
هو الناسُ طُرّا في اعتزامٍ وقُدرةٍ / وفي الجود والفضلِ العَميم وَحيد
إذا خَطَرتْ ذكراه أرضاً وإنْ نأتْ / فأَملاكُها عند السماع سُجود
لكلِّ تَغالٍ في تَعالٍ نهايةٌ / وكلٌّ لأَدْنَى ما بناهُ صَعيد
أفاض على الدنيا سَوابغَ عدله / ففي كل يوم للسعادة عيد
فيا بْنَ مغيثِ المُلْك بالرأيِ والقَنا / فقَصْدُك للنوعين منه سَديد
أبوك الذي شد الخلافةَ بعد ما / تَزعزع منها بالنفاق عمود
وَبيَّضَ مُسْودَّ الليال بعَدْلِه / وأيامُها من قبلِ ذلك سود
فقَوَّم معوجَّ الليالي بعدله / وذلَّل صعبَ الدهر وهْو كَنود
فأَبقاكَ للدنيا وللدين عصمةً / تجرِّد حَرْبا فيهما وتُجيد
فتُعدم حىَّ الظلم عِند وجوده / وتُحيِي دفينَ العدل وهْو فقيد
وتُنصف إلا في العَطايا فظُلْمُها / بتَشْتيتِ شَمْلِ المال منك أكيدِ
إليك وعنك الناسُ آتٍ وراحلٌ / فقَصْدُك بين البِيدِ ليس يَبيد
يُبشر ماضٍ قادما عنك بالغنى / ويَلْقى وفودا من نَداك وفود
لمدحِك بين النظم والنثر بهجةٌ / تَجمَّل منها خطبةٌ وقَصيد
صِفاتُك تَهْدى المادحين لنَظْمِها / فكلُّ أديبٍ قال فيك مُجيد
ولو سَكتوا قامتْ مَعاليك شاعرا / فصيحاً له بين الأَنام نشيد
ففي كل فعلٍ من فِعالك مُعْجِزٌ / له من ضرورات العِيان شهود
فيوماك يومٌ بالنوال مُدَيِّم / ويومُ وغى فيه يَشيب وليد
ترى العزم في حرب وجودٍ شريعةً / تَجرَّم وعدٌ عندها ووعيد
نوالُك من قبلِ المسائِل سائل / وصَيْدُك من قبلِ التَّلبُّثِ صِيد
ورُسْلُ المَنايا والمُنَى طوعُ ما تَرَى / لها في البَرايا رائدٌ وبريد
فجودٌ عَميمٌ يُنبِت العزّ والغنى / وعزمٌ له هامُ الكُماةِ حَصيد
فيا نفس هذا أولُ العهدِ بالعُلَى / ويا حظّ هذا الوعدُ أنْ سأَسود
وهذا المقام الأَشرف الأَمجد الذي / له كنتُ أسعىَ جاهِدا وأَرود
وهذا الجَناب الأَفْضلىُّ يَكُنُّنى / ذَرى ظِلَّه إني إذاً لسعيد
فيا دهر مَهْلا ما بقي فيَّ مَطْمعٌ / لحادثةٍ تنَتْاشُنى فتَؤود
ألستُ بدار المُلْك وهْي التي بها / لمالِك رِقِّ المالِكين خُلود
سآخذ ثأري من صروفِك عنوةً / أَقِدْني وإلا صَرْفُه سيُقيد
فلا زالتِ الأَقدارُ تجرِى بأمره / تَصاريفُها والحادثاتُ جنود
ولا زال محسودا لعَيْنٍ فإنه / عَلا مُرتقيً لم يَرْقَ فيه حسود
فسيحَ مَجالِ العِزّ يَصْحب عُمْرَه / بقاءٌ على مرِّ الزمان جديد
أما والذي قد قَدَّر البعدَ بيننا
أما والذي قد قَدَّر البعدَ بيننا / وعَذَّبني بالشوقِ وهْو شديد
وخَصَّكُم بالصبر دُوني وخَصَّني / بحزنٍ عليكم يبتدى ويعود
وصَيَّرني مهما شَممت نَسيمكم / أَشُدُّ لقلبي راحتي وأَميد
لقد ذاب قلبي في دُموعي عليكمُ / على أنه في النائبات حَديد
فياليتَ شِعْري هل على ما لقيتُه / وكابدتُ من جَوْرِ الفراق مزيد
لَئِنْ عاد ذاك العيشُ أو عاد بعضُه / وهَيْهاتَ منه إنني لسعيد
على أنها الأَقْدار قد تُبعد الفتى / قريباً وقد تُدْنِيه وهْو بعيد
لقد كان ذاك الثغرُ بالقربِ جَنّة / نَعِمنا به لو كان فيه خلود
بِكم آلَ وَحْيِ اللهِ يفتخرُ المجدُ
بِكم آلَ وَحْيِ اللهِ يفتخرُ المجدُ / وفيكم يَسوغ المدحُ والشكر والحمدُ
وما يَنتهِي فيكم ثَنا الشعرِ غايةً / ولكنه حَسْبُ الذي يبلغُ الجُهْد
إذا أنزل اللهُ الكتابَ بمَدْحِكُم / فكم قَدْرُ ما يأتِي به شاعرٌ بَعْدُ
إليكَ أميرَ المؤمنين تَشوَّقْت / معانٍ وألفاظٌ كما انْتَظمَ العِقْد
فجاءتْ كما مر النسيم على ندى ال / رياضِ فحَيّا وَفْده الآسُ والوَرْد
حلاوتُها شِيبَتْ بعطرٍ كأنما / تنافس في ألفاظها المِسْك والشهد
فقد سَمِعتْها الصُّمُّ من كلِّ أَخْرسٍ / وأَبْصَرها في حِنْدِسِ الظُّلَمِ الخُلْد
وذكرُك أَعْلَى قَدْرَها فتشرَّفتْ / ولولا الحسامُ العَضْبُ ما حُلِّى الغِمْد
ومعنى كتاب الله شَرَّف صُحْفَه / فقُبِّلَ منها الحبر والطِّرْس والجلد
تَهنَّ أميرَ المؤمنين خلافةً / تَشيب أَعاديها وأيامُها مُرْد
فإنْ يتأخر خيرُها فهْو أولٌ / وبعد توالى الزَّنْد يَضْطرِم الوَقْد
وما الناسُ إلا كالدُّجَى وصَباحُها / أَئِمَّتها والشمسُ آخرُ ما يبدو
إذا الآمر المنصور كان لأُمةٍ / فلا عَدَمٌ يَقِضى عليها ولا فَقْد
فمَنْ عاش أَحْياهُ نَداهُ ومن يَمُتْ / على حبه طَوْعا فمسكنُه الخُلْد
إمامٌ تَبدَّى للوَرىمن جبينه / ضياءٌ به تُشْفَى بَصائرُها الرُّمْد
هو المَفصِد الأقصى هو الغاية التي / بها صَحَّ للمُستمسِك الفوزُ والسعد
هو الحُجَّة العظمى هو الغاية التي / تَأَتَّي به للمبُصِر الحَلُّ والعَقْد
أَطاعْته أسرارُ القلوبِ ديانةً / فما لامرىءٍ لم يعتقد حُبَّه رُشْد
فيا بْنَ رسولِ الله هذا أَوانُكم / وُعِدتم به والآن يُنْتَجَز الوعد
ستأخذ للإِسلام ثاراته التي / تَقادمَ للكفرِ اللعينِ بها العهد
كما فعلتْ في يوم بدرٍ سيوفُكم / وفي الشِّرْك من دُونِ القَليبِ لهاوِرْد
لك العَزَمات النافذات إذا انْبَرتْ / إلى مَقْصِدٍ لم تمنعِ البيضُ والسَّرْد
وإنْ خَفَتْ راياتُك الحمر سّبَّحتْ / لنَصْرِك أَعلاها ملائكةٌ جُنْد
وخَطِّيةٌ سُمْر وبيض صَوارمٌ / ومَسْرودةٌ زَغْفٌ ومُقْرَبة جُرْد
وقوم مَناياهم مُناهم إذا اقتضتْ / رضاك وفي طِيب الحياةِ لهم زُهْد
فقد شامَ منك الشامُ بَرْقا سيحتوِي / على مُلْك قُسْطَنْطِينَ من سَيْلِه مَدّ
تزلزل ما خلفَ الفرنجِة هيبةً / له فروَاسِيها تَحِزُّ وَتَنْهَدّ
وللهِ سرٌّ فيك حانَ ظهورُه / ليُوقنَ مرتابٌ ويرجعَ مُرتدّ
غمرتَ جميعَ الخَلْق بالعدل فانتهى / عنِ الوَحْش والطيرِ الكواسِرُ والأُسْدُ
ولو أَسعدتْها من بِساطك خلوةٌ / لَقَبَّله من كل جنسٍ لها وفد
وهَذبتَ أفعالَ الزمانِ وأهله / فلا خَطَأٌ فيما يَضُرُّ ولا عَمْد
لقد غادرتْ آثارُ عزمِك سِنْبِسا / نذيرا لمن قد غَرَّه الجمعُ والحَشْد
ولما طغى شيطانُها وتأكدتْ / بذاك عليها حُجَّةٌ ما لها رَد
خَرقَت بأطرافِ القَنا في قلوبها / مَسالكَ حتى ليس يَسْكُنها الحقد
فقد شكرتْ آثارَ سيِفك فيهمُ / قَشاعُم تَتْلوها مُحَلْحَلة عِقْد
فمَن عاش منهم بالفرارِ فإنما / حُسامُك موتٌ فوقَه حيثُما يَغْدو
لقد كان في أَفْياء عدلِك مَرْتَعٌ / لهم فيه لو لم يَغْدروا عيشةٌ رَغْد
وفي العدل إصلاحُ الخليقةِ كلِّها / ولكنْ من بينها يَفْسد الوغد
ولو لم تُغِثْهم رحمةٌ نَبوية / تَوارثَها منكم عن الوالدِ الوُلْد
لَما عاش من أحياءِ سِنْبِسَ واحدٌ / ولو عاش أفنى عمَره القيد والقِدّ
فإنْ عاوَدوا فالعَيْر يأتي بنفسه / ليَفْرِسه في خِيسه الأسد الوَرْد
لأَنَتَ الإمامُ الآمر العادل الذي / به يُعضَد الدينُ الحَنيف ويَشْتدُّ
له أَرْبَعٌ في الناس نِيطَتْ بأَرْبعٍ / فما لامرىءٍ عنها فكاكٌ ولا بُدّ
فطاعتُه فرضٌ وخدمته تُقىً / ونُصرته دِين ومَرْضاته جَد
لك الأرضُ مُلْكٌ باكتسابٍ ومَوْرثٍ / وما حَملتْ مالٌ ومن جَمعتْ عَبدُ
ثناؤك ما تُهدى الرياضُ لناشِقٍ / ولولاه ما فاح الخُزام ولا الرَّنْد
ونورك ما يُهدى الصباح لناظرٍ / ولولاه ضلّ الناس وامتنع القصْد
فضائلك الدُّرّ الذي لو تجسَّمتْ / قلائده لم يبق في الأرض مسْوَدّ
وهَيْهاتَ أنْ يستكمِلَ الوصفُ بعضها / إذا ما تَناهَى أو يحيطَ به حَد
وكيف يُكالُ البحرُ أم كيف تُوزَن ال / جبالُ وهل تُحْصَى الرمالُ وتَنْعَدّ
وغيرُ غريبٍ منك فضلٌ وإنما / حَياتُك دُنْياهُ وراحُتك المَهْد
سَينفُق مدحى فيك علما بأنه / إليك انتهى في جوهر الحِكَم النَّقْد
أجاد ابنُ هاني في المُعِزِّ مَدائحا / هَداه إليها ذلك الفضلُ والمجد
وقد جاد مَدْحِي فيك لما رأيتُ ما / رأى فاسْتَوىَ المدْحَان والإبنُ والجَدّ
ليَهْنِكَ عيدٌ جاء شوقاً لنظرةٍ / إليك له من أَجْلِها سنةٌ يَغْدو
يُفيد بها منك الذي جَلَّ قَدْرُه / فَضائلَ شتى ماله غيرَها وُكْد
فيُبِصر وجهاً كلُّ نورٍ شُعاعُه / ويلثم كفّا كلُّ جودٍ لها زَنْد
ويبدو له منك الكمالُ الذي حَوَى / مَحاسنَ لا تُحْصَى على أنه فَرْد
ويَعلم أنّ اللهَ شَرَّف أرضَه / بكَوْنِك فيها فاعْتَلَىَ الكوكبَ الوَهْد
هَنيئاً لعيدِ الفِطْر أنّك سامعٌ / تُهنَّى به لفظاً يُصيخ له الصَّلْد
تَهُزّ القَوافِي منك رَضْوى وَيَذْبُلا / كما اهتز من ريح الصَّبا القُضُب الملد
فلا زلتَ تَلْقَى كلَّ عيدٍ وموسمٍ / ومُلكُك بالتوفيق والسعد مُشتَدّ
ودمتَ لها مستقبِلا ومُشَيِّعا / بَقاءً يُبيد الحاسِدين ويَمْتدّ
سلامٌ على الثَّغْرِ الذي طال عنهدُه
سلامٌ على الثَّغْرِ الذي طال عنهدُه / سلامٌ يَرِثُّ الدهرُ وهْو جديد
فكم لي فيه من غُدْوةٍ وعَشيةٍ / صَفا العيشُ لي فيهنّ كيفَ أُريد
شبابٌ وأَحبابٌ وعيش كأنه / أميرٌ على الأيام وهْي جنود
أُراسل من أَهْوَى حديثا وما له / سوى غمز أجفان العيون بَريد
وكم خُلْسة للَّثْم فيها كأنها / على طمأٍ عذبُ المذاق بَرود
ثغورٌ بذاك الثغر تَحِكي أَقاحَه / إذا لمحتْه الشمسُ وهْو يَميد
بَعُدْتَ على رغمي فكيف تَلَذُّلي / حياةٌ ولو طالتْ وهنّ بعيد
ليالٍ كأبياتِ المعاني بديعةٌ / وسائرُ عمري بعدهنّ قَصيد
أأحبابنا هل الليالي التي مضت
أأحبابنا هل الليالي التي مضت / لنا قبل رَوْعاتِ الفِراقِ مَعاد
وهل يمتلى قلبي سرورا بنظرةٍ / فتَرْقَا دموعٌ أو يقرَّ فؤاد
صحبتُ بناتِ الدهرِ حتى أَرَيْنَنى
صحبتُ بناتِ الدهرِ حتى أَرَيْنَنى / عجائبَ شتى ليس يَحصُرها العَدُّ
فنعمتُها بؤس وفَرْحَتها أسًى / وصِحتُها سقم وإعطاؤها ردّ
تفيد أخا الجهل الغِنى وهْو وادِع / وذو الفهم دونَ القوتُ يتْحِفُه الكَدّ
ولى همةٌ تبِغى النجوم وحالةٌ / تُصحِّفُ ما تَبْغيه فهْي لها ضِد
إذا رفعتْني تلك تَخْفِض هذه / فكلٌّ تَناهَى في إرادته الجِد
فما حالُ شخصٍ بين هاوٍ وصاعدٍ / وليس له من واحدِ منهما بُدّ
تَوالتنىَ الأرزاءُ حتى كأنما / فؤادى لكَفَّيْ كلِّ لاطمةٍ خد
توَالَى عليّ الغدرُ منكم وأخْلقتْ
توَالَى عليّ الغدرُ منكم وأخْلقتْ / حَبائلُ ودي وانقضى منكم وَجْدِي
وقد كنتُ أُغِضي جفنَ عِيني على القَذَى / حِفاظا وأُخفِي منكمُ بعضَ ما أُبدي
إلى أنْ أفادتْني التجاربُ والنُّهى / سبيلَ التسلِّى فاستمرّ بها قَصْدي
ليَهْنِ فؤادي أنه قد سَلاكمُ / وآمَن من خوف القَطيعةِ والصَّدَّ