القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 12
تأنَّ ابنَ حربٍ لستَ في مثلها جَلْدا
تأنَّ ابنَ حربٍ لستَ في مثلها جَلْدا / قصاراك أن ترتدَّ حرّانَ أو تَرْدَى
هي الغارةُ الحَرّى فإن شِئتَ فانطلِقْ / وإن شئت فاقعدْ واتّخذْ مضجعاً بَرْدا
جلا السيفُ في بدرٍ لعينك ما جلا / وأبدى لك النَصْرُ المؤزَّرُ ما أبدى
حلفت لئن لم تأتِ طِيبةَ غازياً / لَتجتنبَنَّ الطيبَ والخُرَّدَ المُلْدا
أتغزو رسولَ الله أن هدَّ بأسُه / من الكفر سدّاً ما رأى مثله سدّا
كذلك وعدُ اللهِ لو كنت مؤمناً / لأيقنت أن اللهَ لا يُخلف الوعدا
جَرى طيركُم نحساً ببدرٍ ولن تروا / لكم ما عبدتم غيره طائراً سعدا
أمضَّك وَجدٌ مُتلِفٌ من مُحمدٍ / ولستَ أبا سُفيانَ إن لم تَزِدْ وجدا
رُويداً هداك الله إنّك لن ترى / له في الوغى إن هجتَه للوغى نِدّا
أراك غررت القومَ إذ رحت مُوجفاً / تُخادعهم عن حلفةٍ لم تكن جِدّا
ذهبتَ تقودُ الجندَ يا لك قائداً / ويا للألى سِيقوا إلى يثربٍ جُندا
تُحاول نصراً من حُيَيِّ بن أخطبٍ / وصاحبهِ هيهات زِدتَ المدى بعدا
رُددت عن البابِ الذي جئت طارقاً / فيا لك سهماً ما ملكت له ردّا
وما نِلتَ خيراً إذ أتيت ابن مشكمٍ / وكنت امرأ أعمى الهوى لا يرى رشدا
بعثت على النخل الرجالَ فلم تَدَعْ / لنفسك عزّاً تبتغيه ولا مجدا
شببت بهم ناراً تَراءى لهيبُها / بعينك يُبكي الضال أو يضحكُ الرندا
فوارسُ راحوا خفية في سيوفهم / فما وجدوا سيفاً ولا صادفوا غمدا
يُصيبونها شتّى الجَنى وكأنما / يُصيبون من أعدائهم معشراً لُدّا
تولَّوا سراعاً بعد مقتل معبدٍ / وصاحبهِ والخيلُ تتبعهم جُردا
عليها من الغُرِّ الميامين فتيةٌ / تُبادر وِردَ الموتِ تلتمس الخلدا
دعاها الرسولُ المجتبى فكأنما / دعا عاصفاً صعباً يعدُّ القوى هدّا
مضى ومضوا إثر السراحين ترتمي / إلى شيخها مذعورةٌ تتقي الأسدا
فلما رأى الجدَّ استطار ولم يجد / من الأرض يَهوِي في مساربها بُدّا
يصيح بجند السوء ألقوا بزادكم / وفروا خفافاً لا يكن أمركم إدّا
وطاروا شَعاعاً للسَّويقِ وراءهم / رُكامٌ إلى أعداءِ أربابهم يُهدي
هُمُ رفدوهم كارهين ولو وفوا / بأيمانهم كانوا لأسيافهم رِفدا
إليك ابنَ حربٍ إنّ للحربِ جذوةً / إذا هيّجتْ ذا نجدة زادها وَقدا
هي النصرُ أو عادٍ من الموت واقعٌ / بكل كمِيٍّ لا مفرَّ ولا معدى
فررتَ تخاف الفقد في حَوْمَةِ الوغى / بأيدي الألى يستعذبون بها الفقدا
أفي الحق أن لا تعبدَ الله وحدَه / وتسجدَ للعُزَّى تكونُ لها عبدا
سبيلان شتّى أنت لا بد عالمٌ / إذا ما استنبتَ الرشد أيهما أهدى
رجعتَ مغيظاً لم تنلْ وِتْرَ هالكٍ / ولم تشفِ غيظاً من ذويك ولا حقدا
تصُدُّ قريشٌ عنك مما كذَبْتَها / ومنيّتها يا طولَ همّك لو أجدى
قُلِ الحقَّ ما للعالمين سكينةٌ / على الأرضِ حتى يَعبدُوا الواحدَ الفردا
تَقَدَّمْ فهذا مَطلعُ الحقِّ والهُدَى
تَقَدَّمْ فهذا مَطلعُ الحقِّ والهُدَى / ألستَ تَرى النُّورَ الذي جَاوَزَ المدى
أتيتَ رَسُولَ اللهِ تَتبعُ دِينهُ / وتُؤثِرُ خيرَ الزَّادِ فيمن تَزَوَّدا
لكَ الله يا حجَّاجُ أَمْسَيْتَ مُشْرِكاً / وأصبحتَ تَدعوهُ تَقِيَّاً مُوَحِّدَا
سَيغفِرُ ما أسلفتَ من جَاهليَّةٍ / لَيالِيَ تأبَى أن يُطاعَ وَيُعْبَدَا
سألتَ رسولَ اللهِ ما لو سألتَهُ / سِواهُ لأعطاكَ الحُسَامَ المُهَنَّدَا
تقولُ له دَعْنِي أزوِّرْ مَقَالةً / تَسُوءُكَ إنّي أحذرُ المعشرَ العِدَى
بِمكَّةَ لي مالٌ كثيرٌ مُوزَّعٌ / أخافُ عليهِ أن يضيعَ وَيُفقدا
سأكتمُ إسلامِي وأُوذِيكَ إنّهم / هُمُ القومُ لا يُؤذونَ إلا مَنِ اهْتدَى
وَرُحْتُ تُحابِيهم وتَشْفِي صُدورَهم / بِخرقَاءَ تستهوي الغَبِيَّ المُبَلَّدَا
تقولُ لقد فازَ اليهودُ وأدركوا / على الفاتحينَ الغُرِّ نَصْراً مُؤَيَّدا
أغاروا فَرَدُّوهُم وأمسى مُحَمّدٌ / أسيراً لدى ساداتِهم ليس يُفتَدَى
أبَوْا أن يَذوقَ القتلَ إلا بمكةٍ / وإنّ له عمّا قريبٍ لَمَوْعِدَا
فَطاروا سُروراً واستمرَّ غُواتُهم / يُذِيعُونَهُ زُوراً وإفكاً مُرَدَّدا
وَطَاشتْ عُقُولُ المسلِمينَ فأصبحوا / حَيَارَى يَرَوْنَ العيشَ أَغْبَرَ أَنْكَدَا
وأرضَى الألى ضَلُّوا السَّبيلَ بشيرُهم / لَدُنْ جَمَعوا مِن مالِهِ ما تَبَدَّدا
تَزَوَّدَ همّاً كلُّ من كانَ مُسلِماً / وأَعْيَا على العبّاسِ أن يَتَجَلَّدَا
فَأَرْسَلَ ما هذا الذي أنتَ قائِلٌ / قُلِ الحقَّ يا حَجّاجُ وَانْقَعْ بِهِ الصَّدَى
تَبَارك ربِّي إنّه جَلَّ شأنُهُ / لَحَقٌّ عليهِ أنْ يُعِزَّ مُحَمَّدَا
فقال نَعَمْ عُدْ يا غلامُ وَقُلْ له / أبا الفضلِ أبْشِرْ وانتظِرْ مَقدمي غدا
فأَعتقَ من فَرَطِ السُّرورِ غُلامَهُ / وَرَاجَعهُ مِن أمرِهِ ما تَعَوَّدَا
ووافَاهُ حجّاجٌ بأنباءِ خَيْبَرٍ / فَأمسَى الذي أخفَى من الأمرِ قد بَدَا
وناشَدَهُ أن لا يُذيعَ حَدِيثَهُ / ثَلاثَةَ أيّامٍ حِذاراً مِنَ الرَّدَى
فَلَمّا انقضَتْ رَاعَ الرجالَ بِطَلعَةٍ / تَشُقُّ على الأعداءِ مَرْأَىً ومشهدا
تَدَفَّقَ بِشراً وَجهُهُ وجَرَى السَّنا / على صَفْحَتَيْهِ سَاطِعاً فَتَوقَّدا
يقولونَ لا تحزَنْ فيا للأُلى عَمُوا / ويَا لكَ من حُزنٍ أقامَ وأَقْعَدَا
رماهم بأخبارِ الفُتوحِ فَغَاظَهُم / وَردَّ ذَلِيلاً كُلَّ عاتٍ تَمرَّدا
يَضِجُّونَ أينَ ابنُ العلاطِ أما لنا / إليهِ سَبيلٌ إنّه كان مُفْسِدا
لقد غَرَّنَا كَيْما يَفُوزُ بِمَالِهِ / فحاقَ بنا من إثمِهِ ما تَعَمَّدا
فواهاً لَهُ مِن ماكرٍ لو نُصِيبُه / إِذَنْ لَجَزَيْناهُ الجزاءَ المشَدَّدا
جَزاهُم إلهُ النَّاسِ ما ذنبُ مُسْلِمٍ / كَريمِ السَّجايا ما أَسَاءَ ولا اعْتَدَى
رَأى شَرَّهُمْ فاحتالَ يَحفظُ ماله / عليهِ ويَأْبَى أن يُغادِرَهُ سُدَى
بني مِذْحَجٍ ما ثَمَّ من مُتردّدِ
بني مِذْحَجٍ ما ثَمَّ من مُتردّدِ / هُوَ الدِّينُ أو حدُّ الحُسامِ المُهنَّدِ
ألا فانظروا سيفَ الإمامِ وبأسَهُ / تَرَوْا عَجَباً من مشهدٍ ليس بالدَّدِ
بُلِيتُمْ بمعقودِ اللّواءِ على يدٍ / يَشُدُّ عليها مالكُ المُلكِ باليدِ
بني مِذْحَجٍ ما ظنُّكم بِمُدجَّجٍ / تُعِمِّمُهُ للحربِ كفُّ مُحمّدِ
غزاكم بمن لا تَعرِفُ الحربُ غيرَهم / إذا انتسبَ الأبطالُ في كلِّ مَشهدِ
أصابوا من الأسلابِ والسَّبْي ما ابْتَغوا / وأنتم بمنأَىً بين صَرْعَى وهُجَّدِ
فلما لَقُوكم قال صاحبُ أمرِهم / هُوَ الحقُّ مَن يُؤثِرْهُ يَرشَدْ ويهتدِ
فإن تُسْلِمُوا فالله بيني وبينكم / وإن تُعرِضُوا فالسَّيفُ عَضْبُ المجرَّدِ
صددتم صُدودَ الجاهلينَ وَردَّكم / عَنِ الحقِّ رأيٌ طائشٌ لم يُسدَّدِ
جَرى النّبلُ يَهوِي وَاسْتطارتْ حِجارةٌ / تتابعُ شتَّى بين مَثنىً وموْحَدِ
رَمَيْتُم بها جُندَ النبيِّ وإنّما / رميتم بأحلامٍ عَوازِبَ شُرَّدِ
مضى السّيفُ يَجزيكم على الشرِّ مِثلَهُ / فلا دَمُكم بَسْلٌ ولا هُو مُعتَدِ
فَولّيتمُ الأدبارَ وارتدَّ جَمعُكم / شراذمَ شتَّى كالشَّعاعِ المُبدَّدِ
وآمنَ منكم معشرٌ عادَ جَدُّهم / سعيداً ومن يرغبْ إلى اللهِ يَسْعَدِ
وجاءوا فقالوا هذه صدقاتنا / فَخُذْها بإحسانٍ وإن شئتَ فازْدَدِ
نَدِينُ بأنَّ البِرَّ لا شيءَ مثله / ونبذلُ حقَّ اللهِ غيرَ مُنَكَّدِ
وأنَّا لكم عَونٌ على ما وراءنا / نناجِزُ منهم كلَّ غاوٍ ومُفْسِدِ
وندعو إلى الإسلامِ نَنشرُ نُورَهُ / ونُورِدُ منه قومَنا خيرَ مَورِدِ
لك الشكرُ فَارْجِعْ يا عليُّ مظفَّراً / وبَشِّرْ رسولَ اللهِ يَشكُرْ ويَحْمَدِ
غَوى الناس حَتّى لا صَوابٌ وَلا رُشدُ
غَوى الناس حَتّى لا صَوابٌ وَلا رُشدُ / وَضلّوا فَلا رُسلٌ تُطاعُ وَلا جُندُ
إِذا كُنتَ في أَمرِ النُفوسِ مُشاوراً / فَما لَكَ مِن سَيفٍ تُشاوِرهُ بُدُّ
وَإِنّك إِن أَمعنتَ في نقدِها اِنتَهى / بِكَ الأَمَدُ الأَقصى وَلم يَنتهِ النَقدُ
وَما زِلتُ بِالدُنيا أَعدُّ ذُنوبَها / إِلى أَن تَناهَت هِمّتي وَانقَضى العَدُّ
بُلِيتُ بِمَن تفري الزَواجرُ سَمعَهُ / فَيَطغى وَترميهِ العِظاتُ فَيشتدُّ
يَقولُ غُواةُ الناسِ مَجدٌ وَسُؤدُدٌ / وَلا سُؤددٌ فيما بَدا لي وَلا مَجدُ
أَرى الناسَ أَنداداً وَلا مَجدَ لامرئٍ / إِذا لَم يَكُن كَالدَهرِ لَيسَ لَهُ نِدُّ
بِذلك أَقضي في الصديقِ وَفي العِدى / وَمِثليَ يَدري ما العداوةُ وَالوُدُّ
نَما الناس حَولي مِن مُحِبٍّ وَحاقدٍ / فَما غَرَّني حُبٌّ وَلا هاجَني حِقدُ
بَني النيلِ إِنّي لا أَرى فيهِ مُفرَداً / وَلا أَدّعي أَنّي بِهِ الشاعرُ الفَردُ
وَلَيسَ بِناءُ المَجدِ فيكُم بِقائِمٍ / مَدى الدَهرِ وَالأَخلاقُ تَهوي وَتنهدُّ
كَفى الدَهرَ عَتباً يا بَني النيلِ أَنَّهُ / مَجالُ حَياةٍ للمالكِ أَو لَحدُ
عَتبتُم عَلى الأَيّامِ وَهيَ كَعهدِها / فَلا تعتبُوا حَتّى يَدومَ لَكُم عَهدُ
وَإِن وَثَبَ الضرغامُ لِلصَيدِ عادِياً / فَلا تَعجبوا أَيُّ الضَراغمِ لا يَعدو
وَما اتُّخِذَت لِلّهوِ مِن قَبلِ داحسٍ / رِقاقُ المَواضي وَالمُسوَّمةُ الجُردُ
بني النيلِ جِدُّوا في المَطالب وَاصدُقوا / فَلا مَجدَ حَتّى يَصدُقَ العَزمُ وَالجِدُّ
هوَ البَأسُ حَتّى يَجفُلَ الأَسَدُ الوَردُ / وَيذهلَ عَن حَوبائِهِ الرجلُ الجَلدُ
سَنركبُها رَوعاءَ تَلوِي عِنانَها / وَنَرمي بِها هَوجاءَ لَيسَ لَها ردُّ
وَما هوَ إِلّا أَن يَثورَ غُبارُها / فَلا أُفْقَ إِلّا وهوَ أَقتمُ مُسوَدُّ
بِمِثلِكُما تَعلو الدِيارُ وَتَسعَدُ
بِمِثلِكُما تَعلو الدِيارُ وَتَسعَدُ / وَتَدنو لَها الآمالُ مِن حَيثُ تَبعُدُ
أَبى لَكُما رَعيُ الذِمامِ سِوى الَّذي / يُذاعُ فَيُطرى أَو يُشاعُ فَيُحمَدُ
لِيوميكُما في الحَربِ وَالسلمِ مَشهَدٌ / يَقِرُّ بِعَينَي مَن تَطَلَّعَ يَشهَدُ
لَئِن أَوحَشَ الأَعداءَ سَيفٌ مُجَرَّدٌ / لَقَد آنَسَ الأَوطانَ رَأيٌ مُجَرَّدُ
فَبورِكتُما إِذ تَنفُضانِ يَدَيكُما / مِنَ الأَمرِ لا تَعلو بِأَمرٍ وَأَكمَدُ
أَراهُم عَلى وَخزِ القَريضِ وَوَكزِهِ / وَما فيهِمُ إِلّا ذَليلٌ مُعَبَّدُ
يُساقونَ سَوقَ الحُمرِ لِلسَوطِ ما وَنى / لَدى السَيرِ مِنها فَهيَ في السَهلِ تَجهُدُ
إِلى قاتِمِ الأَعماقِ ما فيهِ مُشرِقٌ / يُضيءُ وَلا مِنهُ إِلى عَلوَ مَصعَدُ
كَأَنّي بِهِم قَد شارَفوهُ فَأَيقَنوا / بِمَوتٍ عَلى أَسرابِهِم يَتَوَرَّدُ
أَسيتُ لِأَوطانٍ أَباحوا ذِمارَها / فَأَيدي العِدى فيها تَعيثُ وَتُفسِدُ
تَبَدَّدَ بَينَ الجُبنِ وَالحِرصِ رَأيُهُم / وَأَضيعُ رَأيَيكَ الَّذي يَتَرَدَّدُ
سَأَبكي عَلى مِصرٍ وَسالِفِ مَجدِها / وَإِن لَم يَكُن لي مِن بَني مِصرَ مُسعِدُ
أَرى اليَومَ مِثلَ الأَمسِ أَو هُوَ أَنكَدُ / فَيا لَيتَ شِعري ما يَجيءُ بِهِ الغَدُ
قِفوا ساعَةً إِنَّ المُحِبَّ لَهُ عَهدُ
قِفوا ساعَةً إِنَّ المُحِبَّ لَهُ عَهدُ / وَلا تَعجَلوا بِالبَينِ إِن لَم يَكُن بُدُّ
أَفي كُلِّ يَومٍ نَحنُ لِلبَينِ وُقَّفٌ / أَما لِلهَوى حَقٌّ وَلا لِلنَوى حَدُّ
تَرامَت بِنا أَحداثُ دَهرٍ نَروضُها / فَتَطغى وَنَرجو أَن تَلينَ فَتَشتَدُّ
صَبَرنا لَها حَتّى إِذا ما تَذَأَّبَت / عَبَأنا لَها بَأساً تُراعُ لَهُ الأُسدُ
رَضينا بِبَعضِ الأَمرِ حَتّى إِذا أَبى / غَضِبنا وَبَعضُ الأَمرِ لَيسَ لَهُ رَدُّ
غَضِبنا فَباتَ الجَيشُ يَرميهِ بأسُهُ / وَباتَ الحُسامُ العَضبُ يَلفِظُهُ الغِمدُ
قِفوا ساعَةً إِنَّ القُلوبَ بِحاجَةٍ / إِلى وَقفَةٍ يَخفى بِها الوَجدُ أَو يَبدو
وَما وَقفَةٌ مِنكُم وَإِن طالَ حينُها / بِشافِيَةٍ ما يُعقِبُ النَأيُ وَالبُعدُ
لَنا ذِمَّةٌ فيكُم وَلِلَهِ ذِمَّةٌ / فَسيروا وَإِن أَدمى جَوانِحَنا الوَجدُ
أَخَذتُم سَبيلَ اللَهِ تَستَبِقونَهُ / إِلى غايَةٍ فيها المَثوبَةُ وَالحَمدُ
هُوَ البَرُّ حَتّى يَفتَدي المَرءُ قَومَهُ / وَحَتّى يُداوي جُرحَ أُمَّتِهِ الفَردُ
وَما العِقدُ إِلّا حَبَّةٌ عِندَ حَبَّةٍ / فَإِن لَم يَكُن سلكٌ يَضُمُّ فَلا عِقدُ
وَأَضيَعُ ما فَوقَ البَسيطَةِ أُمَّةٌ / يُمَزِّقُها جَهلٌ وَيَأكُلُها حِقدُ
إِذا أُمَّةٌ كانَت فِضاضاً قُلوبُها / تَهَدَّمَ عالِي مَجدِها وَكَبا الجَدُّ
سَمِعتُم أَنينَ الآخِذينَ عَلى الثَرى / مَضاجِعَهُم وَالذئبُ مِن حَولِهِم يَعدو
فَما مَلَكَ الفَرشُ الوَثيرُ جُنوبَكُم / وَلا راعَكُم عَيشٌ لَذيذُ الجَنى رَغدُ
حَرامٌ عَلَينا أَن تَنامَ عُيونُنا / وَثَمَّ عُيونٌ ما يُفارِقُها السُهدُ
فَسيروا عَلى نورِ الهِلالِ يَحوطُكُم / مِنَ اللَهِ جُندٌ ما يُغالِبُهُ جُندُ
وَعودوا إِلى أَوطانِكُم في غَضارَةٍ / مِنَ العَيشِ مَقرونٌ بِها العِزُّ وَالمَجدُ
مَضى الرَأيُ حَتّى ما لَنا مُتَرَدَّدُ
مَضى الرَأيُ حَتّى ما لَنا مُتَرَدَّدُ / فَجِدُّوا وَلَمّا يَمضِ لِلجِدِّ مَوعِدُ
هِيَ الحادِثاتُ اِستَوفَضَت تَتَمَرَّدُ / فَلا تَذَرُنَّ اليَومَ يَتبَعُهُ الغَدُ
أَنَسكُنُ وَالأَهرامُ مُرتَجَّةُ الذُرى / وَنَرضى وَأَمرُ النيلِ فَوضى مُبَدَّدُ
رَمى جَدَّهُ قَومٌ تَظَلُّ سِهامُهُم / بِأَحشائِهِ مِنها مُصيبٌ وَمُقصِدُ
إِذا ما اِستَقَرَّت في الجَوانِحِ هاجَها / بُكاءُ الثَكالى وَالرَنينُ المُرَدَّدُ
أَلا إِنَّهُ الشَعبُ الجَريحُ المُصفَّدُ / فَمَن يَكُ ذا جِدٍّ فَقَد أَقصَرَ الدَدُ
لَعَمرُكَ ما يَعتامُ ذو الحَزمِ خُطَّةً / فَيَعمَدُ إِلّا لِلَّتي هِيَ أَرشَدُ
أَما وَالأُسارى اللاعِبينَ لَقَد بَكَت / قُيودُهُمُ اللاتي تُغارُ وَتُحصَدُ
يَرَونَ وُجوهَ الأَمرِ يُمناً وَقَد جَرى / بهِ الطَيرُ نَحساً فَهوَ أَشأَمُ أَنكَدُ
إِذا بَشَّرَ الأَقوامَ بِالوَيلِ صائِحٌ / فَماذا يَقولُ المُنذِرُ المُتَهَدِّدُ
أَبَينا فَما نَرضى مِنَ الأَمرِ ما رَضوا / وَإِنّا لَنَستَعلي فَنَأبى وَنَحرَدُ
أَنُذعِنُ لِلحُكمَينِ أَمّا الَّذي لَهُم / فَجَمٌّ وَأَمّا ما لَنا فَمُصَرَّدُ
عَذيري مِنَ المَحروبِ يُسلِمُ نَفسَهُ / فَلا عِرضُهُ يَبقى وَلا هُوَ يُحمَدُ
حُماةُ الوَغى أَينَ السَلامُ المُوَطَّدُ
حُماةُ الوَغى أَينَ السَلامُ المُوَطَّدُ / وَأَينَ الوَصايا وَالذِمامُ المُؤَكَّدُ
عُهودٌ كَتَضليلِ الأَماني وَراءَها / وُعودٌ كَما طارَ الهَباءُ المُبَدَّدُ
أَطالَت عَناءَ السَيفِ وَالسَيفُ مُغمَدٌ / وَطاحَت بِهِ في الرَوعِ وَهوَ مُجَرَّدُ
زَعَمتُم فَصَدَّقنا وَقُلتُم فَكَذَّبَت / أَفاعيلُ مِنكُم بادِئاتٌ وَعُوَّدُ
كَأَنَّ الوَغى مَلهىً كَأَنَّ الرَدى هَوىً / كَأَنَّ الدَمَ الجاري شَرابٌ مُبَرَّدُ
كَأَنَّ أَنينَ الهالِكينَ مُرَدَّداً / أَهازيجُ في أَسماعِكُم تَتَرَدَّدُ
كَأَنَّ بَني حَوّاءَ تُزجى جُموعُهُم / إِلى حَومَةِ الحَربِ النعامُ المُطَرَّدُ
كَأَنَّ كِتابَ اللَهِ لَغوٌ كَأَنَّكُم / عَلى الناسِ أَربابٌ تُطاعُ وَتُعبَدُ
مَلَأتُم فِجاجَ الأَرضِ ناراً فَلَم تَبِت / مِنَ الخَوفِ إِلّا وَهيَ بِالناسِ مُيَّدُ
فَفي مِصرَ زِلزالٌ وَلِلهِندِ وَقعَةٌ / وَبِالصينِ إِجفالٌ وَلِلشامِ مَوعِدُ
لَئِن كانَ مَتنُ الجَوِّ بالحَتفِ موقَراً / فَإِنَّ عُبابَ البَحرِ بِالهَولِ مُزبدُ
أَبَيتُم فَما يُلفى عَلى الأَرضِ مَهبِطٌ / لِناجٍ وَلا يُلفى إِلى النَجمِ مَصعَدُ
أَماناً حُماةَ السِلمِ لا تَمسَحوا الدُنى / وَلا تَذبَحوا عُمرانَها وَهوَ يولَدُ
عَبَثتُم بِآمالِ الشُعوبِ فَأَبغَضَت / مِنَ العَيشِ ما كانَت تُحِبُّ وَتَحمَدُ
لَئِن ضَجَّتِ الهُلّاكُ مِن نَكَدِ الرَدى / لَعيشُ الأُلى لَم يُطعَموا الهُلَكَ أَنكَدُ
نَبَت بِبَنيها الأَرضُ وَاِجتاحَ أَمنُهُم / حَثيثُ الرَدى يُفني النُفوسَ وَيَحصُدُ
وَجَفَّ مَعينُ المالِ فَالرِزقُ مُعوزٌ / وَإِن أَمعَنَ الساعي إِلى القوتِ يَجهَدُ
تَزولُ تِجاراتُ البِلادِ وَتَنقَضي / وَتَفنى حَضاراتُ الشُعوبِ وَتَنفَدُ
فَواجِعُ هالَ اليَومَ وَالأَمسَ وَقعُها / وَريعَ لَه مِن قَبلِ أَن يولَدَ الغَدُ
تَوَدُّ الدَراري الطالِعاتُ لَوَ اَنَّها / مُحَجَّبَةٌ مِمّا تُراعي وَتَشهَدُ
كَأَنَّ نُجومَ السَعدِ غَضبى عَلى الدُنى / إِذا ضَمَّها يَومٌ مِنَ النَحسِ أُسودُ
كَأَنَّ الدُنى حُمراً وَسوداً مِنَ الوَغى / جَهَنَّمُ تُحمى لِلعُصاةِ وتوقَدُ
كَأَنَّ الأُلى صَبّوا عَلى أَهلِها الرَدى / زَبانِيَةٌ مِنها حَديدٌ وَجَلمَدُ
وَقائِعُ لَم يَشهَد لَها الدَهرُ مَرَّةً / شَبائِهَ تُروى أَو نَظائِرَ تُعهَدُ
لَئِن كانَ هَزلاً ما رَأى الناسُ قَبلَها / فَتِلكَ الَّتي لا هَزلَ فيها وَلا دَدُ
أَقامَت شَياطينُ الحُروبِ مَلاوَةً / تُعِدُّ لَها أَعدادَها ثُمَّ تَحشُدُ
أَجَدَّت فُنوناً مِن سِلاحٍ وَعُدَّةٍ / لَدى مِثلِها تَخبو العُقولُ وَتَخمُدُ
تَظَلُّ الجُيوشُ الغُلبُ مِن فَتَكاتِها / حَيارى يَهُبُّ المَوتُ فيها وَيركُدُ
يَثورُ الرَدى مِنها فَلا القِرنُ باسِلٌ / إِذا جَعَلتَ آجالَهُم تَتَمَرَّدُ
تدينُ الكماةُ الصيدُ طوعاً لحكمها / إذا جعلت آجالُهم تتمرَّدُ
تُقَرِّبُ مِن أَسبابِها وَهيَ نُزَّعٌ / وَتَجمَعُ مِن أَسرابِها وَهيَ شُرَّدُ
فَما لَقِيت نَفسٌ مِنَ الهَولِ مِثلَها / وَلا أَبصَرَت عَينٌ وَلا صافَحَت يَدُ
حُروبٌ يَظَلُّ الدَهرَ يَرزَحُ تَحتَها / عَلى أَنَّهُ ضَخمُ المَناكِبِ أَيِّدُ
يُساقُ إِلَيها ذو البَنينِ فَما لَهُم / سِوى اليُتمِ والٍ بَعدَهُ يَتَفَقَّدُ
يَلوذونَ مِن هَولِ الفِراقِ بِأَعيُنٍ / تَمُجُّ الأَسى مِنهُ تُؤامٌ وَمُفرَدُ
وَضَجَّت بِمَكتومِ الغَليلِ مَروعَةٌ / أَهابَ بِها الداعي فَطاحَ التَجَلُّدُ
إِذا ظَمِئَت عَينٌ إِلى الغَمضِ ذادَها / مِنَ الهَمِّ مُهتاجٌ يَقومُ وَيَقعُدُ
وَإِن هَوَّدَت في الوَجدِ مِنها حُشاشَةٌ / أَلَحَّت عَلَيها لَوعَةٌ ما تُهَوِّدُ
جَرى دَمعُها مِن رَوعَةِ البَينِ فَالتَقى / ذَليقانِ مَسلولٌ وَآخَرُ مُغمَدُ
وَما راعَ وَقعُ السَيفِ وَالحَربُ تَلتَظي / كَما راعَ وَقعُ الدَمعِ وَالبَينُ يَأفَدُ
مَضى لِلوَغى وَالنَفسُ مِن لَوعَةِ النَوى / مُوَلَّهَةٌ وَالقَلبُ حَرّانُ مُكمَدُ
فَلَمّا بَدَت شُمُّ الحُصونِ وَأَشرَقَت / لَياجُ وَماجَ الجَيشُ يَدنو وَيَبعُدُ
تَذَكَّرَ في بَرلينَ أَهلاً وَمَعهَداً / وَقَد شَطَّ مِن بَرلينَ أَهلٌ وَمَعهَدُ
وَلَم يَبقَ إِلّا الحَرب تَهوي رُجومُها / هُوِيّاً تُهالُ الأَرضُ مِنهُ وَترعدُ
تَفَجَّرَتِ النيرانُ مِن كُلِّ قاذِفٍ / بِأَرجائِها وَاِستَجمَعَ الدَمُ يَجمُدُ
وَطارَت بِها الأَرواحُ فَوضى يَضُمُّها / إِلى اللَهِ عَزرائيلُ وَاللَهُ يَرصُدُ
قَذائِفُ مِلءَ الجَوِّ يَرمي حِثاثَها / مِنَ الحَتفِ ذي الأَهوالِ رامٍ مُسَدَّدُ
إِذا ما أَلَمَّت بِالحُصونِ تَطايَرَت / ذُراها العُلى وَاِندَكَّ مِنها المُوَطَّدُ
إِذا جَحَدَت تَدميرَ أُخرى تَهابُها / أَتاها مِنَ التَدميرِ ما لَيسَ يُجحَدُ
إِذا داهَمَتها لَم تُفِدها ضَراعَةٌ / وَلَو خَرَّ عاتيها عَلى الأَرضِ يَسجُدُ
تُحاوِلُ أَسبابَ الفِرارِ لَعَلَّها / تُغاثُ إِذا طارَت سِراعاً وَتُنجَدُ
تَوَدُّ اِرتِياعاً لَو حَوَتها حَمامَةٌ / وَغَيَّبها تَحتَ الجَناحَينِ هُدهُدُ
وَقَد مَلَكَ الآفاقَ نَسرٌ مُحَلِّقٌ / يَطوفُ بِأَكنافِ السُهى يَتَصَيَّدُ
يَشُدُّ عَلَيها بِالحُتوفِ وَلَو غَدَت / تُشَدُّ بِأَسبابِ السَماءِ وَتُعقَدُ
وَأُخرى إِذا زاغَ الرَدى عَن سَبيلِهِ / وَطاحَ بِهِ لَيلٌ مِن الشَكِّ أَربَدُ
أَضاءَت لَهُ سودَ الغَياهِبِ وَاِنبَرَت / عَلى البُعدِ تَهديهِ السَبيلَ وَتُرشِدُ
إِذا ما تَرَدَّت بِالسِلاحِ كَتيبَةٌ / تَكَشَّفَ مِن سَوآتِها المُتَغَمِّدُ
وَإِن أَجمَعَت أُخرى صُدوداً عَنِ الوَغى / أَتَتها خَيالاتُ الوَغى تَتَوَدَّدُ
تُنَبِّهُ مِن لَوعَاتِها وَهيَ هُجَّدٌ / وَتَبعَثُ مِن رَوعَاتِها وَهيَ هُمَّدُ
تَوَدُّ مِنَ السُهدِ المُبَرِّحِ أَنَّها / حَواها مِنَ المَأثورَةِ البيضِ مَرقَدُ
وَيَشتاقُ عانيها مِنَ الأَمنِ نَهلَةً / وَلَو أَنَّ أَطرافَ الأَسِنَّةِ مَورِدُ
بُروكسلُ حامي عَن ذِمارِكِ وَاِثبُتي / فَإِن لَم يَكُن نَصرٌ فَمَجدٌ وَسُؤدُدُ
قِفي وَقفَةَ الجَبّارِ في الحَربِ وَاِصبِري / وَإِن عَضَّ جَنبَيكِ الحِصارُ المُشَدَّدُ
وَلا تُنكري صَوبَ الحَديدِ إِذا اِنهَمى / دِراكاً كَصَوبِ المُزنِ أَو هُوَ أَجوَدُ
فَذَلِكَ مَهرُ الفَتحِ وَالبَأسُ خاطِبٌ / وَتِلكَ حُلاهُ وَالفَخارُ المُقَلَّدُ
وَما اِعتَزَّ هَيّابُ البِلادِ بِحِليَةٍ / وَلَو أَنَّ سَمطَيها جُمانٌ وَعَسجَدُ
فَمِثلُ الَّذي أَبلَيتِ لَم يَروِ مُبرِقٌ / وَمِثل الَّذي أَبلَيتِ لَم يَروِ مُبرِدُ
يَزولُ بَنو الدُنيا جَميعاً وتنقضي / أباطيلها والذكر باقٍ مخلَّدُ
خذي صحفَ التاريخِ بَيضاءَ وَاِكتُبي / مِنَ الفَخرِ ما أُملي عَلَيكِ وَأُنشِدُ
سَنَنتِ لِنامورَ الحِفاظَ كَأَنَّما / تَبيتُ لَهُ الأَقدارُ حيرى تَبَلَّدُ
سَلامٌ عَلى نامورَ وَالنَصرُ مُحنَقٌ / يَكيدُ لَها وَالجَيشُ غَضبانُ يَحقِدُ
دَعاها فَلَم تَحفِل فَنادى فَأَعرَضَت / فَغيظَ فَلَجَّت فَاِنبَرى يَتَهَدَّدُ
فَما فَزِعَت مِمّا يُريدُ وَيَبتَغي / وَلا جَزَعَت مِمّا تُلَقّى وَتوعَدُ
رَماها فَطارَت مُهجَةُ الدَهرِ خيفَةً / وَقَرَّت فَما تَهفو وَلا تَتَمَيَّدُ
ظِماءٌ تُريدُ الرِيَّ مَن ذا يَذودُها
ظِماءٌ تُريدُ الرِيَّ مَن ذا يَذودُها / أَتُوزَعُ والأقوامُ شَتَّى ورُودُها
دَعُوها وبَرْدَ الماءِ تَنْقَعْ به الصَّدَى / ولمّا تَذُبْ أَحْشَاؤُها وكُبودُها
هو الموتُ إن ذِيدَتْ عنِ الوِردِ هيمُها / وظلَّتْ حَيارَى في يَدَيْ من يَقودُها
أَفي العدلِ أن لا ترفعَ الرّأسَ أُمَّةٌ / يُهِيبُ بها الدّاعِي وتأْبَى قُيودُها
أُعِدَّتْ لها الأغلالُ شتّى وإنّما / أُعِدَّتْ لها أكفانُها ولُحودُها
فلا عَدْلَ حتّى تُسْتَردَّ حُقوقُها / ويُقْضَى لها استقِلالُها ووجودُها
إذا لم تَسُدْ مِصرٌ ولم تَحْيَ حُرَّةً / فليس لمِصريٍّ حَياةٌ يُريدها
ولن تُدرِكَ الأقوامُ معنى حياتِها / إذا رُزِئَتْ بالأجنبيِّ يسودها
رَضينا بما سَنَّ الرّئيسُ فإن تكن / له شِرعةٌ عَدْلٌ فتلكَ حُدودها
نُريدُ حياةً في الممالك حُرّةً / تُطالِعُنا بعد النُّحوسِ سُعودُها
لنا شأننا في مصر تبغي بنا العُلَى / فَنقضِي لها أوطارَها ونَزيدُها
سَيُقْضَى لنا إن كان في الأرضِ عادلٌ / بِرَدِّ حُقوقٍ ما يُطاقُ جُحودُها
إلى الغاية القُصوى وإن شِئْتَ فَازْدَدِ
إلى الغاية القُصوى وإن شِئْتَ فَازْدَدِ / وما يك من صعبٍ فذلِّلْ وَمَهِّدِ
هي الهمّةُ أشتدَّت فما من هَوادةٍ / وإن خِيفَ شرُّ الحادثِ المُتشدِّدِ
إلى المظهر الأسمى فما لكَ دُونه / مَعاجٌ ولا للصّحبِ من مُتردَّدِ
إلى ما وَراءَ العزمِ إن لاح مَطلبٌ / هُنالكَ أو شَاقَ المُنَى وجهُ مَقْصِدِ
بنا ظَمَأٌ يا فتحُ ما حان مَوْعِدٌ / من الوِرد إلا ارتدَّ عنه لِمَوْعِدِ
تطاولَ حتّى ما يَبِلُّ غليلَه / سوى الموردِ الأقصى فَكبِّرْ وأوردِ
أَتَفْهَقُ بالرِيِّ الحياضُ لأهلها / ونحن نُعاني غُلَّةَ الحائمِ الصَّدِ
أَغِثنا بِشرْبٍ كالذي ذاق قومُنا / فكان لهم نُوراً به الرُّوحُ تهتدي
له قَطَراتٌ من سنا الوحيِ أشرقتْ / من الحُسنِ إشراقَ الجُمانِ المُنَضَّدِ
تُطالِعُ آفاقَ الحياةِ وتنتحي / ثَواقِبَ ترمي كلَّ أُفقٍ بفَرقَدِ
بهاتيك فاهْدِ القومَ يا فتحُ واتّخذ / لهم في ذُراها مَصْعَداً بعد مَصْعدِ
أَراهم حَيارَى لا يُصيبون هادياً / وفيهم كتابُ اللهِ يا فتحُ فاشْهدِ
تباركتَ رَبِّي أنت علَّمتنا الهُدى / تباركتَ من هادٍ أمينٍ ومُرشِدِ
فتى الفتحِ هذا ما وَرِثْتَ من التُّقَى / عَنِ المُورِثينا كُلَّ مجدٍ وسُؤدُدِ
أرى كُلَّ مِيراثٍ جَليلٍ مُحبَّباً / ولا مثلَ ميراثِ النبيِّ مُحمَّدِ
فذلك كَنزُ الدَّهرِ مَن يَكُ جاهلاً / فعندكَ عِلمُ العبقريَّ المُسَدَّدِ
أقِمْ مِن بناءِ الله كلَّ مُهَدَّمٍ / إذا القومُ هَدُّوا كلَّ عالٍ مُمرَّدِ
أَلستَ ترى القوم الذين تألَّبوا / على دينهِ من خارجيٍّ ومُلحِدِ
أرى أمّةً تأْبَى على كُلّ مُصلِحٍ / وتُلقِي بأيديها إلى كلّ مُفْسِدِ
مُبدَّدَةَ الأهواءِ لم تَسْتَقِمْ على / سبيلٍ ولم تَأخُذْ برأيٍ مُوَحَّدِ
لِكلِّ فريقٍ سامريٌّ يُضلُّه / بعجلٍ تراهُ العينُ في كلّ مَشْهَدِ
كأنّك إذ تبغِي الهُدى أو تقودُها / إلى الحقِّ ترميها بِصَمّاءَ مُؤيِدِ
أَعِدْها إلى الإسلامِ إن كنت تبتغي / لها الرُّشْدَ واصْرِفْها عن الغَيِّ والدَّدِ
أهَبْتَ بها رُدِّي عِنَانكِ وارْجِعي / فان يَكُ منها مَرجِعٌ فكأَنْ قَدِ
دعوتُك ربّي فارزُقِ الفتحَ أُمَّةً / يُريها سجايا الفاتحين فَتَقْتدي
بَنَى كلُّ جيّاشِ القُوى وَوَهتْ يدي / فما أنا بالباني ولا بالمُجدِّدِ
لكَ الأمرُ ما رُشْدُ الشُّعوبِ إذا غَوَتْ / عَليَّ ولا أمرُ الممالكِ في يدي
فلسطينُ صبراً إنّ للفوز مَوْعِدا
فلسطينُ صبراً إنّ للفوز مَوْعِدا / فَإِلَّا تفوزي اليومَ فانتظري غدا
ضمَانٌ على الأقدارِ نصرُ مُجاهدٍ / يرى الموتَ أن يحيا ذليلاً مُعَبَّدا
إذا السّيفُ لم يُسْعِفْهُ أَسْعَفَ نَفْسَهُ / بِبأسٍ يراه السّيفُ حتماً مُجرَّدا
يَلوذُ بِحدَّيْهِ ويمضي إلى الوَغَى / على جانبيهِ من حياةٍ ومن رَدَى
مَنَعْتِ ذِئابَ السُّوءِ عن غِيلِ حُرَّةٍ / سَمَتْ في الضّواري الغُلْبِ جِذماً ومَحْتِدا
لها من ذويها الصّالحين عزائمٌ / تَفُضُّ القُوى فضّاً ولو كُنَّ جلمدا
إذا صدمت صُمَّ الخُطوبِ تَطَايرتْ / لدى الصّدمةِ الأُولى شَعاعاً مُبدَّدا
لكِ اللهُ من مظلومةٍ تشتكِي الأَذَى / وتأبَى عوادِي الدّهرِ أن تبلغَ المَدَى
جَرَى الدّم يسقِي في ديارِكِ واغِلاً / من البَغْي لا يَرْضَى سوى الدّمِ مَوْرِدا
تجرَّعه ناراً وكان يظنُّه / رحيقاً مُصَفَّى أو زُلالاً مُبرَّدا
كذلك يُشقِي وعدُ بِلفورَ مَعْشراً / مناكيدَ لاقوا منه أشقى وأنكدا
نَفَتْهُم فِجاجُ الأرضِ من سوءِ ما جَنَوْا / فجاءوا على ذعرٍ عَباديدَ شُرَّدا
يُريدون مُلكاً في فلسطين باقياً / على الدّهرِ يحمِي شعبَهم إن تمرَّدا
يُديرون في تهويدِها كُلَّ حيلةٍ / ويأبى لها إيمانُها أن تُهوَّدا
بلادٌ أعَزَّتْها سيوفُ مُحمّدٍ / فما عُذرُها ألا تُعِزَّ مُحمَّدا
أفي المسجدِ الأقصَى يَعيثُ الأُلىَ أَبَوْا / سوى المالِ طُولَ الدّهرِ ربّاً ومسجدا
أَحَلُّوا الرّبا فالأرضُ غُبْرٌ وُجوهُها / تُرينا الصّباحَ الطّلقَ أَقْتَمَ أَرْبَدا
تَنُوءُ بأعباءٍ ثِقالٍ من الأَذَى / ويُوشِكُ فيها الخَسفُ أن يتجدَّدا
رموها بخطبٍ هدَّ مِن أهلِها القُوَى / وغَادَرَهُمْ مِلءَ المَصارعِ هُمَّدا
أَيُمْسِي عبيدُ العجلِ للنّاسِ سادةً / وما عرفوا منهم على الدّهر سيّدا
لهم من فِلسطينَ القُبورُ ولم يكن / ثراها لأِهلِ الرِّجسِ مَثوىً ومرقدا
أقمنا لهم فيها المآتِمَ كُلَّما / مَضَى مَشهدٌ مِنهُنَّ أَحْدَثْنَ مَشهدا
فَقُل لِحُماةِ الظُّلمِ من حُلفائهم / لنا العهد نحميهِ ونمضِي على هُدَى
نَرُدُّ على آبائنا ما تَوَارَثَتْ / قَواضبُهم لا نَتَّقِي غارةَ العِدَى
نَضِنُّ بهم أن يُفضَحوا في قُبورِهم / ونحمِي لهم مجداً قديما وسُؤْدُدا
أعندك أنا لم ندع بعدك الوجدا
أعندك أنا لم ندع بعدك الوجدا / وأنا ظننا الصبر يجدي فما أجدى
وهل يملك العاني المروع سلوة / إذا لم يجد من لوعة أو أسى بدا
طوى البين من عهد الأخلاء ما طوى / وأبدى من الوجد المكتم ما أبدى
سل الأربعين السود هل بات فاضل / يرى العيش إلا حالك اللون مسودا
لئن كنت في دنيا المسيئين زاهدا / لقد زدتنا فيها وفي ناسها زهدا
فقدناك أدهى من نحب فجيعة / وأوجع من نرجو البقاء له فقدا
لكل أديب من مصابك شجوه / يطوف به ذكرا وينتابه سهدا
أكنت رسول العبقرية جاءنا / بإنجيلها ثم انثنى يطلب اللحدا
أقمت من الآداب ملكا مخلدا / جمعت له الأخلاق تجعلها جندا
ومن عدم الأخلاق لم يغن عمله / وإن غلب الأقران أو جاوز الحدا
فقل للملوك الجاهلين مكانها / أما تعرفون التاج والسيف والبردا
ذكرتك مرجو المروءة نازعا / إلى الصنع تسديده وتعتدّه مجدا
فتى عربيّ ملء برديه همة / تريك الحسام العضب والأسد الوردا
إذا هجته مستعديا هجت ماجدا / يفض مغاليق الأمور وما استعدى
كريم السجايا لم يخن لصديقه / ذماما ولم ينقض لصاحبه عهدا
أحافظ إن تبعد فشاعر أمة / رمتها خطوب الدهر مغبرة نكدا
وإن يذهب الصوت الذي كان عليا / فمجد بلاد ما استطعنا له ردا
حفظنا لك الآثار جما رفيفها / تجف الليالي وهي مخضرة تندى
يظل عليها الطير في كل صادح / يذكر نجدا كل صب سلا نجدا
فمن عائذ بالبرق يسترجع الهوى / ومن لائذ بالريح يستدفع الصدا
تلقت شعوب الضاد نعيك خشعا / وراحت يهد الحزن أعلامها هدا
لئن بات وادي النيل بعدك جازعا / لقد روعت أنباؤك الصين والهندا
وإن يمس لبنان استبد به الأسى / فقد أصبحت بغداد والهة جدا
وما ملكت صبرا ديار أمية / ولا حملت أرض الحجاز فتى جلدا
ثكالى نظمن الدمع فيك مفصلا / كعهدك قبل اليوم إذ تنظم العقدا
لقد رزئت أم اللغات صديقها / فإن لم تكنه فالأب البر والجدا
مشت تتلوى خلف نعشك كلما / دعا باسمك الداعي أجد لها وجدا
فلما بلغت القبر خرت لوجهها / تضج وتشكو من تباريحها الجهدا
حللت ديار الصامتين فكبروا / وجاءوك يزجي الوفد من حولك الوفدا
رأوا شاعراً ما عز كسرى كعزه / ولا مجد ذي القرنين إذ يرفع السدا
وما الشعر إلا منزل الخلد لامرئ / يريد حياة الذكر أو يؤثر الخلدا
أقم غير مصروف الهوى عن ديارهم / ودع عنك شعبا هازلا ينكر الجدا
توجعت تشكو منه شيمة ظالم / يزيدك هجرا كلما زدته ودا
رويداً فقد فارقت دنياك فائزا / وعفوا فليس الحر من يحمل الحقدا
أما المطايا الواخدات لقد ونت / دموع أطالت خلف أسرابها الوخدا
تساق حرارا من جوى الحزن مثلما / تساق وتحدى في المآقي كما تحدى
تروح وتغدو بالرفاق حثيثة / فما للهوى عنها مراح ولا مغدى
قواطع للقربى طوالع بالأسى / جوامع ما يتركن شيبا ولا مردا
وما المرء ذو الأنداد إن غاله الردى / كمن لا ترى في العالمين له ندا
زن الناس إن كنت اللبيب ولا تكن / كمن يتوخى الغي يحسبه رشدا
وصف ما يعاني النيل من شعرائه / ألم ترهم قلو وإن كثروا عدا
وإن جانب الإنصاف في الحكم ذو هوى / فكن أنت حرا لا تكن للهوى عبدا
وإن نقد الناس الرجال بمشهد / فلا تنطق العوراء تحسبها نقدا
أما تستبين الرشد أقلام فتية / شوارع في الأعراض يجعلنها وردا
تداعت تدير الذم والحمد جهدها / فما صدقت ذما ولا أحسنت حمدا
نزيل البلى عطلت في الترب حكمه / فأصبح لا يستطيع حلا ولا عقدا
يرى فيك إن ناواك روعة غوله / إذا ما عدا أو أنت من غوله أعدى
إذا أكل الدهر الرجال أكلته / وإن وأد الآثار أعجزته وأدا
عليك سلام من أخ لك صادق / يزيدك قربا كلما زدته بعدا
نصيبك مني في الرثاء فريده / وكنت امرءاً في عبقريته فردا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025