المجموع : 12
تأنَّ ابنَ حربٍ لستَ في مثلها جَلْدا
تأنَّ ابنَ حربٍ لستَ في مثلها جَلْدا / قصاراك أن ترتدَّ حرّانَ أو تَرْدَى
هي الغارةُ الحَرّى فإن شِئتَ فانطلِقْ / وإن شئت فاقعدْ واتّخذْ مضجعاً بَرْدا
جلا السيفُ في بدرٍ لعينك ما جلا / وأبدى لك النَصْرُ المؤزَّرُ ما أبدى
حلفت لئن لم تأتِ طِيبةَ غازياً / لَتجتنبَنَّ الطيبَ والخُرَّدَ المُلْدا
أتغزو رسولَ الله أن هدَّ بأسُه / من الكفر سدّاً ما رأى مثله سدّا
كذلك وعدُ اللهِ لو كنت مؤمناً / لأيقنت أن اللهَ لا يُخلف الوعدا
جَرى طيركُم نحساً ببدرٍ ولن تروا / لكم ما عبدتم غيره طائراً سعدا
أمضَّك وَجدٌ مُتلِفٌ من مُحمدٍ / ولستَ أبا سُفيانَ إن لم تَزِدْ وجدا
رُويداً هداك الله إنّك لن ترى / له في الوغى إن هجتَه للوغى نِدّا
أراك غررت القومَ إذ رحت مُوجفاً / تُخادعهم عن حلفةٍ لم تكن جِدّا
ذهبتَ تقودُ الجندَ يا لك قائداً / ويا للألى سِيقوا إلى يثربٍ جُندا
تُحاول نصراً من حُيَيِّ بن أخطبٍ / وصاحبهِ هيهات زِدتَ المدى بعدا
رُددت عن البابِ الذي جئت طارقاً / فيا لك سهماً ما ملكت له ردّا
وما نِلتَ خيراً إذ أتيت ابن مشكمٍ / وكنت امرأ أعمى الهوى لا يرى رشدا
بعثت على النخل الرجالَ فلم تَدَعْ / لنفسك عزّاً تبتغيه ولا مجدا
شببت بهم ناراً تَراءى لهيبُها / بعينك يُبكي الضال أو يضحكُ الرندا
فوارسُ راحوا خفية في سيوفهم / فما وجدوا سيفاً ولا صادفوا غمدا
يُصيبونها شتّى الجَنى وكأنما / يُصيبون من أعدائهم معشراً لُدّا
تولَّوا سراعاً بعد مقتل معبدٍ / وصاحبهِ والخيلُ تتبعهم جُردا
عليها من الغُرِّ الميامين فتيةٌ / تُبادر وِردَ الموتِ تلتمس الخلدا
دعاها الرسولُ المجتبى فكأنما / دعا عاصفاً صعباً يعدُّ القوى هدّا
مضى ومضوا إثر السراحين ترتمي / إلى شيخها مذعورةٌ تتقي الأسدا
فلما رأى الجدَّ استطار ولم يجد / من الأرض يَهوِي في مساربها بُدّا
يصيح بجند السوء ألقوا بزادكم / وفروا خفافاً لا يكن أمركم إدّا
وطاروا شَعاعاً للسَّويقِ وراءهم / رُكامٌ إلى أعداءِ أربابهم يُهدي
هُمُ رفدوهم كارهين ولو وفوا / بأيمانهم كانوا لأسيافهم رِفدا
إليك ابنَ حربٍ إنّ للحربِ جذوةً / إذا هيّجتْ ذا نجدة زادها وَقدا
هي النصرُ أو عادٍ من الموت واقعٌ / بكل كمِيٍّ لا مفرَّ ولا معدى
فررتَ تخاف الفقد في حَوْمَةِ الوغى / بأيدي الألى يستعذبون بها الفقدا
أفي الحق أن لا تعبدَ الله وحدَه / وتسجدَ للعُزَّى تكونُ لها عبدا
سبيلان شتّى أنت لا بد عالمٌ / إذا ما استنبتَ الرشد أيهما أهدى
رجعتَ مغيظاً لم تنلْ وِتْرَ هالكٍ / ولم تشفِ غيظاً من ذويك ولا حقدا
تصُدُّ قريشٌ عنك مما كذَبْتَها / ومنيّتها يا طولَ همّك لو أجدى
قُلِ الحقَّ ما للعالمين سكينةٌ / على الأرضِ حتى يَعبدُوا الواحدَ الفردا
تَقَدَّمْ فهذا مَطلعُ الحقِّ والهُدَى
تَقَدَّمْ فهذا مَطلعُ الحقِّ والهُدَى / ألستَ تَرى النُّورَ الذي جَاوَزَ المدى
أتيتَ رَسُولَ اللهِ تَتبعُ دِينهُ / وتُؤثِرُ خيرَ الزَّادِ فيمن تَزَوَّدا
لكَ الله يا حجَّاجُ أَمْسَيْتَ مُشْرِكاً / وأصبحتَ تَدعوهُ تَقِيَّاً مُوَحِّدَا
سَيغفِرُ ما أسلفتَ من جَاهليَّةٍ / لَيالِيَ تأبَى أن يُطاعَ وَيُعْبَدَا
سألتَ رسولَ اللهِ ما لو سألتَهُ / سِواهُ لأعطاكَ الحُسَامَ المُهَنَّدَا
تقولُ له دَعْنِي أزوِّرْ مَقَالةً / تَسُوءُكَ إنّي أحذرُ المعشرَ العِدَى
بِمكَّةَ لي مالٌ كثيرٌ مُوزَّعٌ / أخافُ عليهِ أن يضيعَ وَيُفقدا
سأكتمُ إسلامِي وأُوذِيكَ إنّهم / هُمُ القومُ لا يُؤذونَ إلا مَنِ اهْتدَى
وَرُحْتُ تُحابِيهم وتَشْفِي صُدورَهم / بِخرقَاءَ تستهوي الغَبِيَّ المُبَلَّدَا
تقولُ لقد فازَ اليهودُ وأدركوا / على الفاتحينَ الغُرِّ نَصْراً مُؤَيَّدا
أغاروا فَرَدُّوهُم وأمسى مُحَمّدٌ / أسيراً لدى ساداتِهم ليس يُفتَدَى
أبَوْا أن يَذوقَ القتلَ إلا بمكةٍ / وإنّ له عمّا قريبٍ لَمَوْعِدَا
فَطاروا سُروراً واستمرَّ غُواتُهم / يُذِيعُونَهُ زُوراً وإفكاً مُرَدَّدا
وَطَاشتْ عُقُولُ المسلِمينَ فأصبحوا / حَيَارَى يَرَوْنَ العيشَ أَغْبَرَ أَنْكَدَا
وأرضَى الألى ضَلُّوا السَّبيلَ بشيرُهم / لَدُنْ جَمَعوا مِن مالِهِ ما تَبَدَّدا
تَزَوَّدَ همّاً كلُّ من كانَ مُسلِماً / وأَعْيَا على العبّاسِ أن يَتَجَلَّدَا
فَأَرْسَلَ ما هذا الذي أنتَ قائِلٌ / قُلِ الحقَّ يا حَجّاجُ وَانْقَعْ بِهِ الصَّدَى
تَبَارك ربِّي إنّه جَلَّ شأنُهُ / لَحَقٌّ عليهِ أنْ يُعِزَّ مُحَمَّدَا
فقال نَعَمْ عُدْ يا غلامُ وَقُلْ له / أبا الفضلِ أبْشِرْ وانتظِرْ مَقدمي غدا
فأَعتقَ من فَرَطِ السُّرورِ غُلامَهُ / وَرَاجَعهُ مِن أمرِهِ ما تَعَوَّدَا
ووافَاهُ حجّاجٌ بأنباءِ خَيْبَرٍ / فَأمسَى الذي أخفَى من الأمرِ قد بَدَا
وناشَدَهُ أن لا يُذيعَ حَدِيثَهُ / ثَلاثَةَ أيّامٍ حِذاراً مِنَ الرَّدَى
فَلَمّا انقضَتْ رَاعَ الرجالَ بِطَلعَةٍ / تَشُقُّ على الأعداءِ مَرْأَىً ومشهدا
تَدَفَّقَ بِشراً وَجهُهُ وجَرَى السَّنا / على صَفْحَتَيْهِ سَاطِعاً فَتَوقَّدا
يقولونَ لا تحزَنْ فيا للأُلى عَمُوا / ويَا لكَ من حُزنٍ أقامَ وأَقْعَدَا
رماهم بأخبارِ الفُتوحِ فَغَاظَهُم / وَردَّ ذَلِيلاً كُلَّ عاتٍ تَمرَّدا
يَضِجُّونَ أينَ ابنُ العلاطِ أما لنا / إليهِ سَبيلٌ إنّه كان مُفْسِدا
لقد غَرَّنَا كَيْما يَفُوزُ بِمَالِهِ / فحاقَ بنا من إثمِهِ ما تَعَمَّدا
فواهاً لَهُ مِن ماكرٍ لو نُصِيبُه / إِذَنْ لَجَزَيْناهُ الجزاءَ المشَدَّدا
جَزاهُم إلهُ النَّاسِ ما ذنبُ مُسْلِمٍ / كَريمِ السَّجايا ما أَسَاءَ ولا اعْتَدَى
رَأى شَرَّهُمْ فاحتالَ يَحفظُ ماله / عليهِ ويَأْبَى أن يُغادِرَهُ سُدَى
بني مِذْحَجٍ ما ثَمَّ من مُتردّدِ
بني مِذْحَجٍ ما ثَمَّ من مُتردّدِ / هُوَ الدِّينُ أو حدُّ الحُسامِ المُهنَّدِ
ألا فانظروا سيفَ الإمامِ وبأسَهُ / تَرَوْا عَجَباً من مشهدٍ ليس بالدَّدِ
بُلِيتُمْ بمعقودِ اللّواءِ على يدٍ / يَشُدُّ عليها مالكُ المُلكِ باليدِ
بني مِذْحَجٍ ما ظنُّكم بِمُدجَّجٍ / تُعِمِّمُهُ للحربِ كفُّ مُحمّدِ
غزاكم بمن لا تَعرِفُ الحربُ غيرَهم / إذا انتسبَ الأبطالُ في كلِّ مَشهدِ
أصابوا من الأسلابِ والسَّبْي ما ابْتَغوا / وأنتم بمنأَىً بين صَرْعَى وهُجَّدِ
فلما لَقُوكم قال صاحبُ أمرِهم / هُوَ الحقُّ مَن يُؤثِرْهُ يَرشَدْ ويهتدِ
فإن تُسْلِمُوا فالله بيني وبينكم / وإن تُعرِضُوا فالسَّيفُ عَضْبُ المجرَّدِ
صددتم صُدودَ الجاهلينَ وَردَّكم / عَنِ الحقِّ رأيٌ طائشٌ لم يُسدَّدِ
جَرى النّبلُ يَهوِي وَاسْتطارتْ حِجارةٌ / تتابعُ شتَّى بين مَثنىً وموْحَدِ
رَمَيْتُم بها جُندَ النبيِّ وإنّما / رميتم بأحلامٍ عَوازِبَ شُرَّدِ
مضى السّيفُ يَجزيكم على الشرِّ مِثلَهُ / فلا دَمُكم بَسْلٌ ولا هُو مُعتَدِ
فَولّيتمُ الأدبارَ وارتدَّ جَمعُكم / شراذمَ شتَّى كالشَّعاعِ المُبدَّدِ
وآمنَ منكم معشرٌ عادَ جَدُّهم / سعيداً ومن يرغبْ إلى اللهِ يَسْعَدِ
وجاءوا فقالوا هذه صدقاتنا / فَخُذْها بإحسانٍ وإن شئتَ فازْدَدِ
نَدِينُ بأنَّ البِرَّ لا شيءَ مثله / ونبذلُ حقَّ اللهِ غيرَ مُنَكَّدِ
وأنَّا لكم عَونٌ على ما وراءنا / نناجِزُ منهم كلَّ غاوٍ ومُفْسِدِ
وندعو إلى الإسلامِ نَنشرُ نُورَهُ / ونُورِدُ منه قومَنا خيرَ مَورِدِ
لك الشكرُ فَارْجِعْ يا عليُّ مظفَّراً / وبَشِّرْ رسولَ اللهِ يَشكُرْ ويَحْمَدِ
غَوى الناس حَتّى لا صَوابٌ وَلا رُشدُ
غَوى الناس حَتّى لا صَوابٌ وَلا رُشدُ / وَضلّوا فَلا رُسلٌ تُطاعُ وَلا جُندُ
إِذا كُنتَ في أَمرِ النُفوسِ مُشاوراً / فَما لَكَ مِن سَيفٍ تُشاوِرهُ بُدُّ
وَإِنّك إِن أَمعنتَ في نقدِها اِنتَهى / بِكَ الأَمَدُ الأَقصى وَلم يَنتهِ النَقدُ
وَما زِلتُ بِالدُنيا أَعدُّ ذُنوبَها / إِلى أَن تَناهَت هِمّتي وَانقَضى العَدُّ
بُلِيتُ بِمَن تفري الزَواجرُ سَمعَهُ / فَيَطغى وَترميهِ العِظاتُ فَيشتدُّ
يَقولُ غُواةُ الناسِ مَجدٌ وَسُؤدُدٌ / وَلا سُؤددٌ فيما بَدا لي وَلا مَجدُ
أَرى الناسَ أَنداداً وَلا مَجدَ لامرئٍ / إِذا لَم يَكُن كَالدَهرِ لَيسَ لَهُ نِدُّ
بِذلك أَقضي في الصديقِ وَفي العِدى / وَمِثليَ يَدري ما العداوةُ وَالوُدُّ
نَما الناس حَولي مِن مُحِبٍّ وَحاقدٍ / فَما غَرَّني حُبٌّ وَلا هاجَني حِقدُ
بَني النيلِ إِنّي لا أَرى فيهِ مُفرَداً / وَلا أَدّعي أَنّي بِهِ الشاعرُ الفَردُ
وَلَيسَ بِناءُ المَجدِ فيكُم بِقائِمٍ / مَدى الدَهرِ وَالأَخلاقُ تَهوي وَتنهدُّ
كَفى الدَهرَ عَتباً يا بَني النيلِ أَنَّهُ / مَجالُ حَياةٍ للمالكِ أَو لَحدُ
عَتبتُم عَلى الأَيّامِ وَهيَ كَعهدِها / فَلا تعتبُوا حَتّى يَدومَ لَكُم عَهدُ
وَإِن وَثَبَ الضرغامُ لِلصَيدِ عادِياً / فَلا تَعجبوا أَيُّ الضَراغمِ لا يَعدو
وَما اتُّخِذَت لِلّهوِ مِن قَبلِ داحسٍ / رِقاقُ المَواضي وَالمُسوَّمةُ الجُردُ
بني النيلِ جِدُّوا في المَطالب وَاصدُقوا / فَلا مَجدَ حَتّى يَصدُقَ العَزمُ وَالجِدُّ
هوَ البَأسُ حَتّى يَجفُلَ الأَسَدُ الوَردُ / وَيذهلَ عَن حَوبائِهِ الرجلُ الجَلدُ
سَنركبُها رَوعاءَ تَلوِي عِنانَها / وَنَرمي بِها هَوجاءَ لَيسَ لَها ردُّ
وَما هوَ إِلّا أَن يَثورَ غُبارُها / فَلا أُفْقَ إِلّا وهوَ أَقتمُ مُسوَدُّ
بِمِثلِكُما تَعلو الدِيارُ وَتَسعَدُ
بِمِثلِكُما تَعلو الدِيارُ وَتَسعَدُ / وَتَدنو لَها الآمالُ مِن حَيثُ تَبعُدُ
أَبى لَكُما رَعيُ الذِمامِ سِوى الَّذي / يُذاعُ فَيُطرى أَو يُشاعُ فَيُحمَدُ
لِيوميكُما في الحَربِ وَالسلمِ مَشهَدٌ / يَقِرُّ بِعَينَي مَن تَطَلَّعَ يَشهَدُ
لَئِن أَوحَشَ الأَعداءَ سَيفٌ مُجَرَّدٌ / لَقَد آنَسَ الأَوطانَ رَأيٌ مُجَرَّدُ
فَبورِكتُما إِذ تَنفُضانِ يَدَيكُما / مِنَ الأَمرِ لا تَعلو بِأَمرٍ وَأَكمَدُ
أَراهُم عَلى وَخزِ القَريضِ وَوَكزِهِ / وَما فيهِمُ إِلّا ذَليلٌ مُعَبَّدُ
يُساقونَ سَوقَ الحُمرِ لِلسَوطِ ما وَنى / لَدى السَيرِ مِنها فَهيَ في السَهلِ تَجهُدُ
إِلى قاتِمِ الأَعماقِ ما فيهِ مُشرِقٌ / يُضيءُ وَلا مِنهُ إِلى عَلوَ مَصعَدُ
كَأَنّي بِهِم قَد شارَفوهُ فَأَيقَنوا / بِمَوتٍ عَلى أَسرابِهِم يَتَوَرَّدُ
أَسيتُ لِأَوطانٍ أَباحوا ذِمارَها / فَأَيدي العِدى فيها تَعيثُ وَتُفسِدُ
تَبَدَّدَ بَينَ الجُبنِ وَالحِرصِ رَأيُهُم / وَأَضيعُ رَأيَيكَ الَّذي يَتَرَدَّدُ
سَأَبكي عَلى مِصرٍ وَسالِفِ مَجدِها / وَإِن لَم يَكُن لي مِن بَني مِصرَ مُسعِدُ
أَرى اليَومَ مِثلَ الأَمسِ أَو هُوَ أَنكَدُ / فَيا لَيتَ شِعري ما يَجيءُ بِهِ الغَدُ
قِفوا ساعَةً إِنَّ المُحِبَّ لَهُ عَهدُ
قِفوا ساعَةً إِنَّ المُحِبَّ لَهُ عَهدُ / وَلا تَعجَلوا بِالبَينِ إِن لَم يَكُن بُدُّ
أَفي كُلِّ يَومٍ نَحنُ لِلبَينِ وُقَّفٌ / أَما لِلهَوى حَقٌّ وَلا لِلنَوى حَدُّ
تَرامَت بِنا أَحداثُ دَهرٍ نَروضُها / فَتَطغى وَنَرجو أَن تَلينَ فَتَشتَدُّ
صَبَرنا لَها حَتّى إِذا ما تَذَأَّبَت / عَبَأنا لَها بَأساً تُراعُ لَهُ الأُسدُ
رَضينا بِبَعضِ الأَمرِ حَتّى إِذا أَبى / غَضِبنا وَبَعضُ الأَمرِ لَيسَ لَهُ رَدُّ
غَضِبنا فَباتَ الجَيشُ يَرميهِ بأسُهُ / وَباتَ الحُسامُ العَضبُ يَلفِظُهُ الغِمدُ
قِفوا ساعَةً إِنَّ القُلوبَ بِحاجَةٍ / إِلى وَقفَةٍ يَخفى بِها الوَجدُ أَو يَبدو
وَما وَقفَةٌ مِنكُم وَإِن طالَ حينُها / بِشافِيَةٍ ما يُعقِبُ النَأيُ وَالبُعدُ
لَنا ذِمَّةٌ فيكُم وَلِلَهِ ذِمَّةٌ / فَسيروا وَإِن أَدمى جَوانِحَنا الوَجدُ
أَخَذتُم سَبيلَ اللَهِ تَستَبِقونَهُ / إِلى غايَةٍ فيها المَثوبَةُ وَالحَمدُ
هُوَ البَرُّ حَتّى يَفتَدي المَرءُ قَومَهُ / وَحَتّى يُداوي جُرحَ أُمَّتِهِ الفَردُ
وَما العِقدُ إِلّا حَبَّةٌ عِندَ حَبَّةٍ / فَإِن لَم يَكُن سلكٌ يَضُمُّ فَلا عِقدُ
وَأَضيَعُ ما فَوقَ البَسيطَةِ أُمَّةٌ / يُمَزِّقُها جَهلٌ وَيَأكُلُها حِقدُ
إِذا أُمَّةٌ كانَت فِضاضاً قُلوبُها / تَهَدَّمَ عالِي مَجدِها وَكَبا الجَدُّ
سَمِعتُم أَنينَ الآخِذينَ عَلى الثَرى / مَضاجِعَهُم وَالذئبُ مِن حَولِهِم يَعدو
فَما مَلَكَ الفَرشُ الوَثيرُ جُنوبَكُم / وَلا راعَكُم عَيشٌ لَذيذُ الجَنى رَغدُ
حَرامٌ عَلَينا أَن تَنامَ عُيونُنا / وَثَمَّ عُيونٌ ما يُفارِقُها السُهدُ
فَسيروا عَلى نورِ الهِلالِ يَحوطُكُم / مِنَ اللَهِ جُندٌ ما يُغالِبُهُ جُندُ
وَعودوا إِلى أَوطانِكُم في غَضارَةٍ / مِنَ العَيشِ مَقرونٌ بِها العِزُّ وَالمَجدُ
مَضى الرَأيُ حَتّى ما لَنا مُتَرَدَّدُ
مَضى الرَأيُ حَتّى ما لَنا مُتَرَدَّدُ / فَجِدُّوا وَلَمّا يَمضِ لِلجِدِّ مَوعِدُ
هِيَ الحادِثاتُ اِستَوفَضَت تَتَمَرَّدُ / فَلا تَذَرُنَّ اليَومَ يَتبَعُهُ الغَدُ
أَنَسكُنُ وَالأَهرامُ مُرتَجَّةُ الذُرى / وَنَرضى وَأَمرُ النيلِ فَوضى مُبَدَّدُ
رَمى جَدَّهُ قَومٌ تَظَلُّ سِهامُهُم / بِأَحشائِهِ مِنها مُصيبٌ وَمُقصِدُ
إِذا ما اِستَقَرَّت في الجَوانِحِ هاجَها / بُكاءُ الثَكالى وَالرَنينُ المُرَدَّدُ
أَلا إِنَّهُ الشَعبُ الجَريحُ المُصفَّدُ / فَمَن يَكُ ذا جِدٍّ فَقَد أَقصَرَ الدَدُ
لَعَمرُكَ ما يَعتامُ ذو الحَزمِ خُطَّةً / فَيَعمَدُ إِلّا لِلَّتي هِيَ أَرشَدُ
أَما وَالأُسارى اللاعِبينَ لَقَد بَكَت / قُيودُهُمُ اللاتي تُغارُ وَتُحصَدُ
يَرَونَ وُجوهَ الأَمرِ يُمناً وَقَد جَرى / بهِ الطَيرُ نَحساً فَهوَ أَشأَمُ أَنكَدُ
إِذا بَشَّرَ الأَقوامَ بِالوَيلِ صائِحٌ / فَماذا يَقولُ المُنذِرُ المُتَهَدِّدُ
أَبَينا فَما نَرضى مِنَ الأَمرِ ما رَضوا / وَإِنّا لَنَستَعلي فَنَأبى وَنَحرَدُ
أَنُذعِنُ لِلحُكمَينِ أَمّا الَّذي لَهُم / فَجَمٌّ وَأَمّا ما لَنا فَمُصَرَّدُ
عَذيري مِنَ المَحروبِ يُسلِمُ نَفسَهُ / فَلا عِرضُهُ يَبقى وَلا هُوَ يُحمَدُ
حُماةُ الوَغى أَينَ السَلامُ المُوَطَّدُ
حُماةُ الوَغى أَينَ السَلامُ المُوَطَّدُ / وَأَينَ الوَصايا وَالذِمامُ المُؤَكَّدُ
عُهودٌ كَتَضليلِ الأَماني وَراءَها / وُعودٌ كَما طارَ الهَباءُ المُبَدَّدُ
أَطالَت عَناءَ السَيفِ وَالسَيفُ مُغمَدٌ / وَطاحَت بِهِ في الرَوعِ وَهوَ مُجَرَّدُ
زَعَمتُم فَصَدَّقنا وَقُلتُم فَكَذَّبَت / أَفاعيلُ مِنكُم بادِئاتٌ وَعُوَّدُ
كَأَنَّ الوَغى مَلهىً كَأَنَّ الرَدى هَوىً / كَأَنَّ الدَمَ الجاري شَرابٌ مُبَرَّدُ
كَأَنَّ أَنينَ الهالِكينَ مُرَدَّداً / أَهازيجُ في أَسماعِكُم تَتَرَدَّدُ
كَأَنَّ بَني حَوّاءَ تُزجى جُموعُهُم / إِلى حَومَةِ الحَربِ النعامُ المُطَرَّدُ
كَأَنَّ كِتابَ اللَهِ لَغوٌ كَأَنَّكُم / عَلى الناسِ أَربابٌ تُطاعُ وَتُعبَدُ
مَلَأتُم فِجاجَ الأَرضِ ناراً فَلَم تَبِت / مِنَ الخَوفِ إِلّا وَهيَ بِالناسِ مُيَّدُ
فَفي مِصرَ زِلزالٌ وَلِلهِندِ وَقعَةٌ / وَبِالصينِ إِجفالٌ وَلِلشامِ مَوعِدُ
لَئِن كانَ مَتنُ الجَوِّ بالحَتفِ موقَراً / فَإِنَّ عُبابَ البَحرِ بِالهَولِ مُزبدُ
أَبَيتُم فَما يُلفى عَلى الأَرضِ مَهبِطٌ / لِناجٍ وَلا يُلفى إِلى النَجمِ مَصعَدُ
أَماناً حُماةَ السِلمِ لا تَمسَحوا الدُنى / وَلا تَذبَحوا عُمرانَها وَهوَ يولَدُ
عَبَثتُم بِآمالِ الشُعوبِ فَأَبغَضَت / مِنَ العَيشِ ما كانَت تُحِبُّ وَتَحمَدُ
لَئِن ضَجَّتِ الهُلّاكُ مِن نَكَدِ الرَدى / لَعيشُ الأُلى لَم يُطعَموا الهُلَكَ أَنكَدُ
نَبَت بِبَنيها الأَرضُ وَاِجتاحَ أَمنُهُم / حَثيثُ الرَدى يُفني النُفوسَ وَيَحصُدُ
وَجَفَّ مَعينُ المالِ فَالرِزقُ مُعوزٌ / وَإِن أَمعَنَ الساعي إِلى القوتِ يَجهَدُ
تَزولُ تِجاراتُ البِلادِ وَتَنقَضي / وَتَفنى حَضاراتُ الشُعوبِ وَتَنفَدُ
فَواجِعُ هالَ اليَومَ وَالأَمسَ وَقعُها / وَريعَ لَه مِن قَبلِ أَن يولَدَ الغَدُ
تَوَدُّ الدَراري الطالِعاتُ لَوَ اَنَّها / مُحَجَّبَةٌ مِمّا تُراعي وَتَشهَدُ
كَأَنَّ نُجومَ السَعدِ غَضبى عَلى الدُنى / إِذا ضَمَّها يَومٌ مِنَ النَحسِ أُسودُ
كَأَنَّ الدُنى حُمراً وَسوداً مِنَ الوَغى / جَهَنَّمُ تُحمى لِلعُصاةِ وتوقَدُ
كَأَنَّ الأُلى صَبّوا عَلى أَهلِها الرَدى / زَبانِيَةٌ مِنها حَديدٌ وَجَلمَدُ
وَقائِعُ لَم يَشهَد لَها الدَهرُ مَرَّةً / شَبائِهَ تُروى أَو نَظائِرَ تُعهَدُ
لَئِن كانَ هَزلاً ما رَأى الناسُ قَبلَها / فَتِلكَ الَّتي لا هَزلَ فيها وَلا دَدُ
أَقامَت شَياطينُ الحُروبِ مَلاوَةً / تُعِدُّ لَها أَعدادَها ثُمَّ تَحشُدُ
أَجَدَّت فُنوناً مِن سِلاحٍ وَعُدَّةٍ / لَدى مِثلِها تَخبو العُقولُ وَتَخمُدُ
تَظَلُّ الجُيوشُ الغُلبُ مِن فَتَكاتِها / حَيارى يَهُبُّ المَوتُ فيها وَيركُدُ
يَثورُ الرَدى مِنها فَلا القِرنُ باسِلٌ / إِذا جَعَلتَ آجالَهُم تَتَمَرَّدُ
تدينُ الكماةُ الصيدُ طوعاً لحكمها / إذا جعلت آجالُهم تتمرَّدُ
تُقَرِّبُ مِن أَسبابِها وَهيَ نُزَّعٌ / وَتَجمَعُ مِن أَسرابِها وَهيَ شُرَّدُ
فَما لَقِيت نَفسٌ مِنَ الهَولِ مِثلَها / وَلا أَبصَرَت عَينٌ وَلا صافَحَت يَدُ
حُروبٌ يَظَلُّ الدَهرَ يَرزَحُ تَحتَها / عَلى أَنَّهُ ضَخمُ المَناكِبِ أَيِّدُ
يُساقُ إِلَيها ذو البَنينِ فَما لَهُم / سِوى اليُتمِ والٍ بَعدَهُ يَتَفَقَّدُ
يَلوذونَ مِن هَولِ الفِراقِ بِأَعيُنٍ / تَمُجُّ الأَسى مِنهُ تُؤامٌ وَمُفرَدُ
وَضَجَّت بِمَكتومِ الغَليلِ مَروعَةٌ / أَهابَ بِها الداعي فَطاحَ التَجَلُّدُ
إِذا ظَمِئَت عَينٌ إِلى الغَمضِ ذادَها / مِنَ الهَمِّ مُهتاجٌ يَقومُ وَيَقعُدُ
وَإِن هَوَّدَت في الوَجدِ مِنها حُشاشَةٌ / أَلَحَّت عَلَيها لَوعَةٌ ما تُهَوِّدُ
جَرى دَمعُها مِن رَوعَةِ البَينِ فَالتَقى / ذَليقانِ مَسلولٌ وَآخَرُ مُغمَدُ
وَما راعَ وَقعُ السَيفِ وَالحَربُ تَلتَظي / كَما راعَ وَقعُ الدَمعِ وَالبَينُ يَأفَدُ
مَضى لِلوَغى وَالنَفسُ مِن لَوعَةِ النَوى / مُوَلَّهَةٌ وَالقَلبُ حَرّانُ مُكمَدُ
فَلَمّا بَدَت شُمُّ الحُصونِ وَأَشرَقَت / لَياجُ وَماجَ الجَيشُ يَدنو وَيَبعُدُ
تَذَكَّرَ في بَرلينَ أَهلاً وَمَعهَداً / وَقَد شَطَّ مِن بَرلينَ أَهلٌ وَمَعهَدُ
وَلَم يَبقَ إِلّا الحَرب تَهوي رُجومُها / هُوِيّاً تُهالُ الأَرضُ مِنهُ وَترعدُ
تَفَجَّرَتِ النيرانُ مِن كُلِّ قاذِفٍ / بِأَرجائِها وَاِستَجمَعَ الدَمُ يَجمُدُ
وَطارَت بِها الأَرواحُ فَوضى يَضُمُّها / إِلى اللَهِ عَزرائيلُ وَاللَهُ يَرصُدُ
قَذائِفُ مِلءَ الجَوِّ يَرمي حِثاثَها / مِنَ الحَتفِ ذي الأَهوالِ رامٍ مُسَدَّدُ
إِذا ما أَلَمَّت بِالحُصونِ تَطايَرَت / ذُراها العُلى وَاِندَكَّ مِنها المُوَطَّدُ
إِذا جَحَدَت تَدميرَ أُخرى تَهابُها / أَتاها مِنَ التَدميرِ ما لَيسَ يُجحَدُ
إِذا داهَمَتها لَم تُفِدها ضَراعَةٌ / وَلَو خَرَّ عاتيها عَلى الأَرضِ يَسجُدُ
تُحاوِلُ أَسبابَ الفِرارِ لَعَلَّها / تُغاثُ إِذا طارَت سِراعاً وَتُنجَدُ
تَوَدُّ اِرتِياعاً لَو حَوَتها حَمامَةٌ / وَغَيَّبها تَحتَ الجَناحَينِ هُدهُدُ
وَقَد مَلَكَ الآفاقَ نَسرٌ مُحَلِّقٌ / يَطوفُ بِأَكنافِ السُهى يَتَصَيَّدُ
يَشُدُّ عَلَيها بِالحُتوفِ وَلَو غَدَت / تُشَدُّ بِأَسبابِ السَماءِ وَتُعقَدُ
وَأُخرى إِذا زاغَ الرَدى عَن سَبيلِهِ / وَطاحَ بِهِ لَيلٌ مِن الشَكِّ أَربَدُ
أَضاءَت لَهُ سودَ الغَياهِبِ وَاِنبَرَت / عَلى البُعدِ تَهديهِ السَبيلَ وَتُرشِدُ
إِذا ما تَرَدَّت بِالسِلاحِ كَتيبَةٌ / تَكَشَّفَ مِن سَوآتِها المُتَغَمِّدُ
وَإِن أَجمَعَت أُخرى صُدوداً عَنِ الوَغى / أَتَتها خَيالاتُ الوَغى تَتَوَدَّدُ
تُنَبِّهُ مِن لَوعَاتِها وَهيَ هُجَّدٌ / وَتَبعَثُ مِن رَوعَاتِها وَهيَ هُمَّدُ
تَوَدُّ مِنَ السُهدِ المُبَرِّحِ أَنَّها / حَواها مِنَ المَأثورَةِ البيضِ مَرقَدُ
وَيَشتاقُ عانيها مِنَ الأَمنِ نَهلَةً / وَلَو أَنَّ أَطرافَ الأَسِنَّةِ مَورِدُ
بُروكسلُ حامي عَن ذِمارِكِ وَاِثبُتي / فَإِن لَم يَكُن نَصرٌ فَمَجدٌ وَسُؤدُدُ
قِفي وَقفَةَ الجَبّارِ في الحَربِ وَاِصبِري / وَإِن عَضَّ جَنبَيكِ الحِصارُ المُشَدَّدُ
وَلا تُنكري صَوبَ الحَديدِ إِذا اِنهَمى / دِراكاً كَصَوبِ المُزنِ أَو هُوَ أَجوَدُ
فَذَلِكَ مَهرُ الفَتحِ وَالبَأسُ خاطِبٌ / وَتِلكَ حُلاهُ وَالفَخارُ المُقَلَّدُ
وَما اِعتَزَّ هَيّابُ البِلادِ بِحِليَةٍ / وَلَو أَنَّ سَمطَيها جُمانٌ وَعَسجَدُ
فَمِثلُ الَّذي أَبلَيتِ لَم يَروِ مُبرِقٌ / وَمِثل الَّذي أَبلَيتِ لَم يَروِ مُبرِدُ
يَزولُ بَنو الدُنيا جَميعاً وتنقضي / أباطيلها والذكر باقٍ مخلَّدُ
خذي صحفَ التاريخِ بَيضاءَ وَاِكتُبي / مِنَ الفَخرِ ما أُملي عَلَيكِ وَأُنشِدُ
سَنَنتِ لِنامورَ الحِفاظَ كَأَنَّما / تَبيتُ لَهُ الأَقدارُ حيرى تَبَلَّدُ
سَلامٌ عَلى نامورَ وَالنَصرُ مُحنَقٌ / يَكيدُ لَها وَالجَيشُ غَضبانُ يَحقِدُ
دَعاها فَلَم تَحفِل فَنادى فَأَعرَضَت / فَغيظَ فَلَجَّت فَاِنبَرى يَتَهَدَّدُ
فَما فَزِعَت مِمّا يُريدُ وَيَبتَغي / وَلا جَزَعَت مِمّا تُلَقّى وَتوعَدُ
رَماها فَطارَت مُهجَةُ الدَهرِ خيفَةً / وَقَرَّت فَما تَهفو وَلا تَتَمَيَّدُ
ظِماءٌ تُريدُ الرِيَّ مَن ذا يَذودُها
ظِماءٌ تُريدُ الرِيَّ مَن ذا يَذودُها / أَتُوزَعُ والأقوامُ شَتَّى ورُودُها
دَعُوها وبَرْدَ الماءِ تَنْقَعْ به الصَّدَى / ولمّا تَذُبْ أَحْشَاؤُها وكُبودُها
هو الموتُ إن ذِيدَتْ عنِ الوِردِ هيمُها / وظلَّتْ حَيارَى في يَدَيْ من يَقودُها
أَفي العدلِ أن لا ترفعَ الرّأسَ أُمَّةٌ / يُهِيبُ بها الدّاعِي وتأْبَى قُيودُها
أُعِدَّتْ لها الأغلالُ شتّى وإنّما / أُعِدَّتْ لها أكفانُها ولُحودُها
فلا عَدْلَ حتّى تُسْتَردَّ حُقوقُها / ويُقْضَى لها استقِلالُها ووجودُها
إذا لم تَسُدْ مِصرٌ ولم تَحْيَ حُرَّةً / فليس لمِصريٍّ حَياةٌ يُريدها
ولن تُدرِكَ الأقوامُ معنى حياتِها / إذا رُزِئَتْ بالأجنبيِّ يسودها
رَضينا بما سَنَّ الرّئيسُ فإن تكن / له شِرعةٌ عَدْلٌ فتلكَ حُدودها
نُريدُ حياةً في الممالك حُرّةً / تُطالِعُنا بعد النُّحوسِ سُعودُها
لنا شأننا في مصر تبغي بنا العُلَى / فَنقضِي لها أوطارَها ونَزيدُها
سَيُقْضَى لنا إن كان في الأرضِ عادلٌ / بِرَدِّ حُقوقٍ ما يُطاقُ جُحودُها
إلى الغاية القُصوى وإن شِئْتَ فَازْدَدِ
إلى الغاية القُصوى وإن شِئْتَ فَازْدَدِ / وما يك من صعبٍ فذلِّلْ وَمَهِّدِ
هي الهمّةُ أشتدَّت فما من هَوادةٍ / وإن خِيفَ شرُّ الحادثِ المُتشدِّدِ
إلى المظهر الأسمى فما لكَ دُونه / مَعاجٌ ولا للصّحبِ من مُتردَّدِ
إلى ما وَراءَ العزمِ إن لاح مَطلبٌ / هُنالكَ أو شَاقَ المُنَى وجهُ مَقْصِدِ
بنا ظَمَأٌ يا فتحُ ما حان مَوْعِدٌ / من الوِرد إلا ارتدَّ عنه لِمَوْعِدِ
تطاولَ حتّى ما يَبِلُّ غليلَه / سوى الموردِ الأقصى فَكبِّرْ وأوردِ
أَتَفْهَقُ بالرِيِّ الحياضُ لأهلها / ونحن نُعاني غُلَّةَ الحائمِ الصَّدِ
أَغِثنا بِشرْبٍ كالذي ذاق قومُنا / فكان لهم نُوراً به الرُّوحُ تهتدي
له قَطَراتٌ من سنا الوحيِ أشرقتْ / من الحُسنِ إشراقَ الجُمانِ المُنَضَّدِ
تُطالِعُ آفاقَ الحياةِ وتنتحي / ثَواقِبَ ترمي كلَّ أُفقٍ بفَرقَدِ
بهاتيك فاهْدِ القومَ يا فتحُ واتّخذ / لهم في ذُراها مَصْعَداً بعد مَصْعدِ
أَراهم حَيارَى لا يُصيبون هادياً / وفيهم كتابُ اللهِ يا فتحُ فاشْهدِ
تباركتَ رَبِّي أنت علَّمتنا الهُدى / تباركتَ من هادٍ أمينٍ ومُرشِدِ
فتى الفتحِ هذا ما وَرِثْتَ من التُّقَى / عَنِ المُورِثينا كُلَّ مجدٍ وسُؤدُدِ
أرى كُلَّ مِيراثٍ جَليلٍ مُحبَّباً / ولا مثلَ ميراثِ النبيِّ مُحمَّدِ
فذلك كَنزُ الدَّهرِ مَن يَكُ جاهلاً / فعندكَ عِلمُ العبقريَّ المُسَدَّدِ
أقِمْ مِن بناءِ الله كلَّ مُهَدَّمٍ / إذا القومُ هَدُّوا كلَّ عالٍ مُمرَّدِ
أَلستَ ترى القوم الذين تألَّبوا / على دينهِ من خارجيٍّ ومُلحِدِ
أرى أمّةً تأْبَى على كُلّ مُصلِحٍ / وتُلقِي بأيديها إلى كلّ مُفْسِدِ
مُبدَّدَةَ الأهواءِ لم تَسْتَقِمْ على / سبيلٍ ولم تَأخُذْ برأيٍ مُوَحَّدِ
لِكلِّ فريقٍ سامريٌّ يُضلُّه / بعجلٍ تراهُ العينُ في كلّ مَشْهَدِ
كأنّك إذ تبغِي الهُدى أو تقودُها / إلى الحقِّ ترميها بِصَمّاءَ مُؤيِدِ
أَعِدْها إلى الإسلامِ إن كنت تبتغي / لها الرُّشْدَ واصْرِفْها عن الغَيِّ والدَّدِ
أهَبْتَ بها رُدِّي عِنَانكِ وارْجِعي / فان يَكُ منها مَرجِعٌ فكأَنْ قَدِ
دعوتُك ربّي فارزُقِ الفتحَ أُمَّةً / يُريها سجايا الفاتحين فَتَقْتدي
بَنَى كلُّ جيّاشِ القُوى وَوَهتْ يدي / فما أنا بالباني ولا بالمُجدِّدِ
لكَ الأمرُ ما رُشْدُ الشُّعوبِ إذا غَوَتْ / عَليَّ ولا أمرُ الممالكِ في يدي
فلسطينُ صبراً إنّ للفوز مَوْعِدا
فلسطينُ صبراً إنّ للفوز مَوْعِدا / فَإِلَّا تفوزي اليومَ فانتظري غدا
ضمَانٌ على الأقدارِ نصرُ مُجاهدٍ / يرى الموتَ أن يحيا ذليلاً مُعَبَّدا
إذا السّيفُ لم يُسْعِفْهُ أَسْعَفَ نَفْسَهُ / بِبأسٍ يراه السّيفُ حتماً مُجرَّدا
يَلوذُ بِحدَّيْهِ ويمضي إلى الوَغَى / على جانبيهِ من حياةٍ ومن رَدَى
مَنَعْتِ ذِئابَ السُّوءِ عن غِيلِ حُرَّةٍ / سَمَتْ في الضّواري الغُلْبِ جِذماً ومَحْتِدا
لها من ذويها الصّالحين عزائمٌ / تَفُضُّ القُوى فضّاً ولو كُنَّ جلمدا
إذا صدمت صُمَّ الخُطوبِ تَطَايرتْ / لدى الصّدمةِ الأُولى شَعاعاً مُبدَّدا
لكِ اللهُ من مظلومةٍ تشتكِي الأَذَى / وتأبَى عوادِي الدّهرِ أن تبلغَ المَدَى
جَرَى الدّم يسقِي في ديارِكِ واغِلاً / من البَغْي لا يَرْضَى سوى الدّمِ مَوْرِدا
تجرَّعه ناراً وكان يظنُّه / رحيقاً مُصَفَّى أو زُلالاً مُبرَّدا
كذلك يُشقِي وعدُ بِلفورَ مَعْشراً / مناكيدَ لاقوا منه أشقى وأنكدا
نَفَتْهُم فِجاجُ الأرضِ من سوءِ ما جَنَوْا / فجاءوا على ذعرٍ عَباديدَ شُرَّدا
يُريدون مُلكاً في فلسطين باقياً / على الدّهرِ يحمِي شعبَهم إن تمرَّدا
يُديرون في تهويدِها كُلَّ حيلةٍ / ويأبى لها إيمانُها أن تُهوَّدا
بلادٌ أعَزَّتْها سيوفُ مُحمّدٍ / فما عُذرُها ألا تُعِزَّ مُحمَّدا
أفي المسجدِ الأقصَى يَعيثُ الأُلىَ أَبَوْا / سوى المالِ طُولَ الدّهرِ ربّاً ومسجدا
أَحَلُّوا الرّبا فالأرضُ غُبْرٌ وُجوهُها / تُرينا الصّباحَ الطّلقَ أَقْتَمَ أَرْبَدا
تَنُوءُ بأعباءٍ ثِقالٍ من الأَذَى / ويُوشِكُ فيها الخَسفُ أن يتجدَّدا
رموها بخطبٍ هدَّ مِن أهلِها القُوَى / وغَادَرَهُمْ مِلءَ المَصارعِ هُمَّدا
أَيُمْسِي عبيدُ العجلِ للنّاسِ سادةً / وما عرفوا منهم على الدّهر سيّدا
لهم من فِلسطينَ القُبورُ ولم يكن / ثراها لأِهلِ الرِّجسِ مَثوىً ومرقدا
أقمنا لهم فيها المآتِمَ كُلَّما / مَضَى مَشهدٌ مِنهُنَّ أَحْدَثْنَ مَشهدا
فَقُل لِحُماةِ الظُّلمِ من حُلفائهم / لنا العهد نحميهِ ونمضِي على هُدَى
نَرُدُّ على آبائنا ما تَوَارَثَتْ / قَواضبُهم لا نَتَّقِي غارةَ العِدَى
نَضِنُّ بهم أن يُفضَحوا في قُبورِهم / ونحمِي لهم مجداً قديما وسُؤْدُدا
أعندك أنا لم ندع بعدك الوجدا
أعندك أنا لم ندع بعدك الوجدا / وأنا ظننا الصبر يجدي فما أجدى
وهل يملك العاني المروع سلوة / إذا لم يجد من لوعة أو أسى بدا
طوى البين من عهد الأخلاء ما طوى / وأبدى من الوجد المكتم ما أبدى
سل الأربعين السود هل بات فاضل / يرى العيش إلا حالك اللون مسودا
لئن كنت في دنيا المسيئين زاهدا / لقد زدتنا فيها وفي ناسها زهدا
فقدناك أدهى من نحب فجيعة / وأوجع من نرجو البقاء له فقدا
لكل أديب من مصابك شجوه / يطوف به ذكرا وينتابه سهدا
أكنت رسول العبقرية جاءنا / بإنجيلها ثم انثنى يطلب اللحدا
أقمت من الآداب ملكا مخلدا / جمعت له الأخلاق تجعلها جندا
ومن عدم الأخلاق لم يغن عمله / وإن غلب الأقران أو جاوز الحدا
فقل للملوك الجاهلين مكانها / أما تعرفون التاج والسيف والبردا
ذكرتك مرجو المروءة نازعا / إلى الصنع تسديده وتعتدّه مجدا
فتى عربيّ ملء برديه همة / تريك الحسام العضب والأسد الوردا
إذا هجته مستعديا هجت ماجدا / يفض مغاليق الأمور وما استعدى
كريم السجايا لم يخن لصديقه / ذماما ولم ينقض لصاحبه عهدا
أحافظ إن تبعد فشاعر أمة / رمتها خطوب الدهر مغبرة نكدا
وإن يذهب الصوت الذي كان عليا / فمجد بلاد ما استطعنا له ردا
حفظنا لك الآثار جما رفيفها / تجف الليالي وهي مخضرة تندى
يظل عليها الطير في كل صادح / يذكر نجدا كل صب سلا نجدا
فمن عائذ بالبرق يسترجع الهوى / ومن لائذ بالريح يستدفع الصدا
تلقت شعوب الضاد نعيك خشعا / وراحت يهد الحزن أعلامها هدا
لئن بات وادي النيل بعدك جازعا / لقد روعت أنباؤك الصين والهندا
وإن يمس لبنان استبد به الأسى / فقد أصبحت بغداد والهة جدا
وما ملكت صبرا ديار أمية / ولا حملت أرض الحجاز فتى جلدا
ثكالى نظمن الدمع فيك مفصلا / كعهدك قبل اليوم إذ تنظم العقدا
لقد رزئت أم اللغات صديقها / فإن لم تكنه فالأب البر والجدا
مشت تتلوى خلف نعشك كلما / دعا باسمك الداعي أجد لها وجدا
فلما بلغت القبر خرت لوجهها / تضج وتشكو من تباريحها الجهدا
حللت ديار الصامتين فكبروا / وجاءوك يزجي الوفد من حولك الوفدا
رأوا شاعراً ما عز كسرى كعزه / ولا مجد ذي القرنين إذ يرفع السدا
وما الشعر إلا منزل الخلد لامرئ / يريد حياة الذكر أو يؤثر الخلدا
أقم غير مصروف الهوى عن ديارهم / ودع عنك شعبا هازلا ينكر الجدا
توجعت تشكو منه شيمة ظالم / يزيدك هجرا كلما زدته ودا
رويداً فقد فارقت دنياك فائزا / وعفوا فليس الحر من يحمل الحقدا
أما المطايا الواخدات لقد ونت / دموع أطالت خلف أسرابها الوخدا
تساق حرارا من جوى الحزن مثلما / تساق وتحدى في المآقي كما تحدى
تروح وتغدو بالرفاق حثيثة / فما للهوى عنها مراح ولا مغدى
قواطع للقربى طوالع بالأسى / جوامع ما يتركن شيبا ولا مردا
وما المرء ذو الأنداد إن غاله الردى / كمن لا ترى في العالمين له ندا
زن الناس إن كنت اللبيب ولا تكن / كمن يتوخى الغي يحسبه رشدا
وصف ما يعاني النيل من شعرائه / ألم ترهم قلو وإن كثروا عدا
وإن جانب الإنصاف في الحكم ذو هوى / فكن أنت حرا لا تكن للهوى عبدا
وإن نقد الناس الرجال بمشهد / فلا تنطق العوراء تحسبها نقدا
أما تستبين الرشد أقلام فتية / شوارع في الأعراض يجعلنها وردا
تداعت تدير الذم والحمد جهدها / فما صدقت ذما ولا أحسنت حمدا
نزيل البلى عطلت في الترب حكمه / فأصبح لا يستطيع حلا ولا عقدا
يرى فيك إن ناواك روعة غوله / إذا ما عدا أو أنت من غوله أعدى
إذا أكل الدهر الرجال أكلته / وإن وأد الآثار أعجزته وأدا
عليك سلام من أخ لك صادق / يزيدك قربا كلما زدته بعدا
نصيبك مني في الرثاء فريده / وكنت امرءاً في عبقريته فردا