القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَحمود سامِي البارُودِي الكل
المجموع : 11
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا لا أَوَدُّهُ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا لا أَوَدُّهُ / وَأَيُّ امْرِئٍ يَقْوَى عَلَى الدَّهْرِ زَنْدُهُ
أَحَاوِلُ وَصْلاً والصُّدُودُ خَصِيمُهُ / وَأَبْغِي وفَاءً والطَّبِيعَةُ ضِدُّهُ
حَسِبْتُ الْهَوَى سَهْلاً وَلَمْ أَدْرِ أَنَّهُ / أَخُو غَدَرَاتٍ يَتْبَعُ الْهَزْلَ جِدُّهُ
تَخِفُّ لَهُ الأَحْلامُ وَهْيَ رَزِيْنَةٌ / وَيَعْنُو لَهُ مِنْ كُلِّ صَعْبٍ أَشَدُّهُ
وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّ الْفَتَى وَهْوَ عَاقِلٌ / يُطِيعُ الْهَوَى فِيمَا يُنَافِيهِ رُشْدُهُ
يَفِرُّ مِنَ السُّلْوَانِ وَهْوَ يُرِيحُهُ / وَيَأْوِي إِلى الأَشْجَانِ وَهْيَ تَكدُّهُ
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا حاكِمٌ غَيْرُ عَادِلٍ / إِذا رامَ أَمْراً لَم يَجِدْ مَنْ يَصُدُّهُ
لَهُ مِنْ لَفِيفِ الْغِيدِ جَيْشُ مَلاحَةٍ / تُغِيرُ عَلى مَثْوى الضَّمائِرِ جُنْدُهُ
ذَوَابِلُهُ قَامَاتُهُ وسُيُوفُهُ / لِحَاظُ الْعَذَارَى والْقَلائِدُ سَرْدُهُ
إِذَا مَاجَ بِالْهِيفِ الْحِسَانِ تَأَرَّجَتْ / مَسَالِكُهُ واشْتَقَّ فِي الْجَوِّ نَدُّهُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لا تَذُوبُ حَصاتُهُ / غَرَاماً وَطَرْفٍ لَيْسَ يُقْذِيهِ سُهْدُهُ
بَلَوْتُ الْهَوَى حَتَّى اعْتَرَفْتُ بِكُلِّ مَا / جَهِلْتُ فَلا يَغْرُرْكَ فالصَّابُ شَهْدُهُ
ظَلُومٌ لَهُ في كُلِّ حَيٍّ جَرِيرَةٌ / يَضِجُّ لَهَا غَوْرُ الْفَضَاءِ وَنَجْدُهُ
إِذَا احْتَلَّ قَلْباً مُطْمَئِنَّاً تَحَرَّكَتْ / وَسَاوِسُهُ في الصَّدْرِ واخْتَلَّ وَكْدُهُ
فَإِنْ كُنْتَ ذَا لُبٍّ فَلا تَقْرَبَنَّهُ / فَغَيْرُ بَعيدٍ أَنْ يُصِيبَكَ حَدُّهُ
وَقَدْ كُنْتَ أَوْلَى بِالنَّصِيحَةِ لَوْ صَغَا / فُؤَادِي وَلَكِنْ خَالَفَ الْحَزْمَ قَصْدُهُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَقُودُهُ / فَيُوشِكُ أَنْ يَلْقَى حُسَاماً يَقُدُّهُ
لَعَمْرِي لَقَدْ وَلَّى الشَّبَابُ وَحَلَّ بِي / مِنَ الشَّيْبِ خَطْبٌ لا يُطَاقُ مَرَدُّهُ
فَأَيُّ نَعِيمٍ فِي الزَّمَانِ أَرُومُهُ / وَأَيُّ خَلِيلٍ لِلْوَفَاءِ أُعِدُّهُ
وَكَيْفَ أَلُومُ النَّاسَ فِي الْغَدْرِ بَعْدَمَا / رَأَيْتُ شَبابِي قَدْ تَغَيَّرَ عَهْدُهُ
وَأَبْعَدُ مَفْقُودٍ شَبَابٌ رَمَتْ بِهِ / صُرُوفُ اللَّيَالِي عِنْدَ مَنْ لا يَرُدُّهُ
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ صَادِقٍ أَسْتَعِينُهُ / عَلَى أَمَلِي أَوْ نَاصِرٍ أَسْتَمِدُّهُ
صَحِبْتُ بَنِي الدُّنْيا طَوِيلاً فَلَم أَجِدْ / خَلِيلاً فَهَلْ مِنْ صَاحِبٍ أَسْتَجِدُّهُ
فَأَكْثَرُ مَنْ لاقَيْتُ لَمْ يَصْفُ قَلْبُهُ / وَأَصْدَقُ مَنْ وَالَيْتُ لَمْ يُغْنِ وُدُّهُ
أُطَالِبُ أَيَّامِي بِما لَيْسَ عِنْدَها / وَمَنْ طَلَبَ الْمَعْدُومَ أَعْيَاهُ وجْدُهُ
فَمَا كُلُّ حَيٍّ يَنْصُرُ الْقَوْلَ فِعْلُهُ / وَلا كُلُّ خِلٍّ يَصْدُقُ النَّفْسَ وَعْدُهُ
وَأَصْعَبُ مَا يَلْقَى الْفَتَى فِي زَمَانِهِ / صَحَابَةُ مَنْ يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ فَقْدُهُ
وَلِلنُّجْحِ أَسْبَابٌ إِذَا لَمْ يَفُزْ بِها / لَبِيبٌ مِنَ الْفِتْيَانِ لم يُورِ زَنْدُهُ
وَلَكِنْ إِذَا لم يُسْعِدِ الْمَرءَ جَدُّهُ / عَلَى سَعْيِهِ لَمْ يَبْلُغ السُّؤْلَ جِدُّهُ
وَمَا أَنَا بِالْمَغْلُوبِ دُونَ مَرامِهِ / وَلَكِنَّهُ قَدْ يَخْذُلُ الْمَرْءَ جَهْدُهُ
ومَا أُبْتُ بِالْحِرْمَانِ إِلَّا لأَنَّنِي / أَوَدُّ مِنَ الأَيَّامِ مَا لا تَوَدُّهُ
فَإِنْ يَكُ فَارَقْتُ الرِّضَا فَلَبَعْدَمَا / صَحِبْتُ زَماناً يُغْضِبُ الْحُرَّ عَبْدُهُ
أَبَى الدَّهْرُ إِلَّا أَنْ يَسُودَ وَضِيعُهُ / وَيَمْلِكَ أَعْنَاقَ الْمَطَالِبِ وَغْدُهُ
تَدَاعَتْ لِدَرْكِ الثَّأْرِ فِينَا ثُعَالُهُ / وَنَامَتْ عَلى طُولِ الْوَتِيرَةِ أُسْدُهُ
فَحَتَّامَ نَسْرِي فِي دَيَاجِير مِحْنَةٍ / يَضِيقُ بِهَا عَنْ صُحْبَةِ السَّيْفِ غِمْدُهُ
إِذَا المَرءُ لَمْ يَدْفَعْ يَدَ الجَوْرِ إِنْ سَطَتْ / عَلَيْهِ فَلا يَأْسَفْ إِذَا ضَاعَ مَجْدُهُ
وَمَنْ ذَلَّ خَوْف الْمَوْتِ كَانَتْ حَيَاتُهُ / أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنْ حِمَامٍ يَؤُدُّهُ
وَأَقْتَلُ دَاءٍ رُؤْيَةُ العَيْنِ ظَالِماً / يُسِيءُ وَيُتْلَى في الْمَحَافِلِ حَمْدُهُ
عَلامَ يَعِيشُ الْمَرءُ فِي الدَّهْرِ خَامِلاً / أَيَفْرَحُ فِي الدُّنْيَا بِيَوْمٍ يَعُدُّهُ
يَرَى الضَّيْمَ يَغْشَاهُ فَيَلْتَذُّ وَقْعَهُ / كَذِي جَرَبٍ يَلْتَذُّ بِالْحَكِّ جِلْدُهُ
إِذَا الْمَرءُ لاقَى السَّيْلَ ثُمَّتَ لَمْ يَعُجْ / إِلَى وَزَرٍ يَحْمِيهِ أَرْدَاهُ مَدُّهُ
عَفَاءٌ عَلَى الدُّنْيَا إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَعِشْ / بِهَا بَطَلاً يَحْمِي الْحَقِيقَةَ شَدُّهُ
مِنَ الْعَارِ أَنْ يَرْضَى الفَتَى بِمَذَلَّةٍ / وَفِي السَّيْفِ ما يَكْفِي لأَمْرٍ يُعِدُّهُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ لا أَسْتَكِينُ لِصَوْلَةٍ / وإِنْ شَدَّ سَاقِي دُونَ مَسْعَايَ قِدُّهُ
أَبَتْ لِيَ حَمْلَ الضَّيْمِ نَفْسٌ أَبِيَّةٌ / وقَلْبٌ إِذَا سِيمَ الأَذَى شَبَّ وَقْدُهُ
نَمَانِي إِلَى الْعَلْيَاءِ فَرْعٌ تَأَثَّلَتْ / أَرُومَتُهُ فِي الْمَجْدِ وافْتَرَّ سَعْدُهُ
وَحَسْبُ الْفَتَى مَجْداً إِذَا طالَبَ الْعُلا / بِمَا كَانَ أَوْصَاهُ أَبُوهُ وَجدُّهُ
إِذَا وُلِدَ الْمَوْلُودُ مِنَّا فَدَرُّهُ / دَمُ الصِّيدِ والْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ مَهْدُهُ
فَإِنْ عاشَ فَالْبِيدُ الدَّيَامِيمُ دَارُهُ / وإِنْ مَاتَ فَالطَّيْرُ الأَضَامِيمُ لَحْدُهُ
أَصُدُّ عَنِ الْمَرْمَى الْقَريبِ تَرَفُّعَاً / وأَطْلُبُ أَمْرَاً يُعْجِزُ الطَّيْرَ بُعْدُهُ
وَلا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ تَلاعَبُ بِالْقَنَا / أُسُودُ الْوَغَى فيهِ وتَمْرَحُ جُرْدُهُ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ النَّواظِرِ بَرْقُهُ / وَيَقْرَعُ أَصْدَافَ الْمَسَامِعِ رَعْدُهُ
تُدَبِّرُ أَحْكَامَ الطِّعَانِ كُهُولُهُ / وَتَمْلِكُ تَصْرِيفَ الأَعِنَّةِ مُرْدُهُ
قُلُوبُ الرِّجَالِ الْمُسْتَبِدَّةِ أَكْلُهُ / وَفَيْضُ الدِّماءِ الْمُسْتَهِلَّةِ وِرْدُهُ
أُحَمِّلُ صَدْرَ النَّصْلِ فِيهِ سَرِيرَةً / تُعَدُّ لأَمْرٍ لا يُحَاوَلُ رَدُّهُ
فإِمَّا حَيَاةٌ مِثْلُ ما تَشْتَهِي الْعُلا / وإِمَّا رَدىً يَشْفِي مِنَ الدّاءِ وَفْدُهُ
سَرَى الْبَرْقُ مِصْرِيَّاً فَأَرَّقَنِي وَحْدِي
سَرَى الْبَرْقُ مِصْرِيَّاً فَأَرَّقَنِي وَحْدِي / وَأَذْكَرَنِي ما لَسْتُ أَنْسَاهُ مِنْ عَهْدِ
فَيَا بَرْقُ حَدِّثْنِي وَأَنْتَ مُصَدَّقٌ / عَنِ الآلِ والأَصْحَابِ مَا فَعَلُوا بَعْدِي
وَعَنْ رَوْضَةِ الْمِقْيَاسِ تَجْرِي خِلالَها / جَدَاوِلُ يُسْدِيهَا الْغَمَامُ بِمَا يُسْدِي
إِذَا صَافَحَتْهَا الرِّيْحُ رَهْواً تَجَعَّدَتْ / حَبَائِكُهَا مِثْلَ الْمُقَدَّرَةِ السَّرْدِ
وَإِنْ ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّهَا / مَنَاصِلُ سُلَّتْ لِلضِّرَابِ مِنَ الْغِمْدِ
نَعِمْتُ بِهَا دَهْراً وَمَا كُلُّ نِعْمَةٍ / حَبَتْكَ بِهَا الأَيَّامُ إِلَّا إِلَى الرَّدِّ
فَوَا أَسَفَا إِذْ لَيْسَ يُجْدِي تَأَسُّفٌ / عَلَى مَا طَواهُ الدَّهْرُ مِنْ عَيْشِنَا الرَّغْدِ
إِذِ الدَّهْرُ سَمْحٌ وَاللَّيالِي سَمِيعَةٌ / وَلَمْيَاءُ لَمْ تُخْلِفْ بِلَيَّانِها وَعْدِي
فَتَاةٌ تُرِيكَ الشَّمْسَ تَحْتَ خِمَارِهَا / إِذَا سَفَرَتْ وَالْغُصْنَ فِي مَعْقِدِ الْبَنْدِ
مِنَ الفَاتِنَاتِ الْغِيدِ لَوْ مَرَّ ظِلُّهَا / عَلَى قَانِتٍ دَبَّتْ بِهِ سَوْرَةُ الْوَجْدِ
فَتَاللهِ أَنْسَى عَهْدَها ما تَرَنَّمَتْ / بَنَاتُ الضُّحَى بَيْنَ الأَرَاكَةِ والرَّنْدِ
حَلَفْتُ بِمَا وَارَى الْخِمَارُ مِنَ الْحَيَا / وَمَا ضَمَّتِ الأَرْدَانُ مِنْ حَسَبٍ عِدِّ
وبِاللُّؤْلُؤِ الْمَنْضُودِ بَيْنَ يَواقِتٍ / هِيَ الشَّهْدُ ظَنَّاً بَلْ أَلَذُّ مِنَ الشَّهْدِ
يَمِيناً لَوِ اسْتَسْقَيْتَ أَرْضاً بِهِ الْحَيَا / لَخَاضَ بِهَا الرُّعْيَانُ فِي كَلإٍ جَعْدِ
لأَنْتِ وَأَيُّ النَّاسِ أَنْتِ حَبِيبَةٌ / إِلَيَّ وَلَوْ عَذَّبْتِ قَلْبِيَ بِالصَّدِّ
إِلَيْكِ سَلَبْتُ الْعَيْنَ طِيبَ مَنَامِهَا / وفِيكِ رَعَيْتُ النَّجْمَ فِي أُفْقِهِ وَحْدِي
وَذَلَّلْتُ هَذِي النَّفْسَ بَعْدَ إِبائِها / وَلَوْلاكِ لَمْ تَسْمَحْ بِحَلٍّ وَلا عَقْدِ
فَحَتَّامَ تَجْزِينِي بِوُدِّيَ جَفْوَةً / أَمَا تَرْهَبِينَ اللهَ فِي حُرْمَةِ الْمَجْدِ
سَلِي عَنِّيَ اللَّيْلَ الطَّوِيلَ فَإِنَّهُ / خَبِيرٌ بِمَا أُخْفِيهِ شَوْقاً وَمَا أُبْدِي
هَلِ اكْتَحَلَتْ عَيْنَايَ إِلَّا بِمَدْمَعٍ / إِذَا ذَكَرَتْكِ النَّفْسُ سَالَ عَلَى خَدِّي
أُصَبِّرُ عَنْكِ النَّفْسَ وَهْيَ أَبِيَّةٌ / وَهَيْهَاتَ صَبْرُ الظَّامِئَاتِ عَنِ الْوِرْدِ
كَأَنِّي أُلاقِي مِنْ هَوَاكِ ابْنَ خِيسَةٍ / أَخَا فَتَكَاتٍ لا يُنَهْنَهُ بِالرَّدِّ
تَنَكَّبَ مُمْسَاهُ وَأَخْطَأَ صَيْدَهُ / فَأَقْعَى عَلَى غَيْظٍ مِنَ الْجُوعِ وَالْكَدِّ
لَهُ نَعَراتٌ بِالْفَلاةِ كَأَنَّها / عَلَى عُدَوَاءِ الدَّارِ جَلْجَلَةُ الرَّعْدِ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ الظَّلامِ بِأَعْيُنٍ / تَطِيرُ شَراراً كَالسُّقَاطِ مِنَ الزَّنْدِ
كَأَنَّهُمَا مَاوِيَّتَانِ أُدِيرَتَا / إِلَى الشَّمْسِ فَانْبَثَّا شُعَاعاً مِنَ الْوَقْدِ
فَهَذَا الَّذِي أَلْقَاهُ مِنْكَ عَلَى النَّوَى / فَرَاخِي وَثَاقِي يَا بْنَةَ القَوْمِ أَوْ شُدِّي
هُوَ الْبَيْنُ حَتَّى لا سَلامٌ وَلا رَدُّ
هُوَ الْبَيْنُ حَتَّى لا سَلامٌ وَلا رَدُّ / وَلا نَظْرَةٌ يَقْضِي بِهَا حَقَّهُ الْوَجْدُ
لَقَدْ نَعَبَ الْوَابُورُ بِالْبَيْنِ بَيْنَهُمْ / فَسَارُوا وَلا زَمُّوا جِمَالاً وَلا شَدُّوا
سَرَى بِهِمُ سَيْرَ الْغَمَامِ كَأَنَّمَا / لَهُ فِي تَنَائِي كُلِّ ذِي خُلَّةٍ قَصْدُ
فَلا عَيْنَ إِلَّا وَهْيَ عَيْنٌ مِنَ الْبُكَى / وَلا خَدَّ إِلَّا لِلدُّمُوعِ بِهِ خَدُّ
فَيَا سَعْدُ حَدِّثْنِي بِأَخْبَارِ مَنْ مَضَى / فَأَنْتَ خَبِيرٌ بِالأَحَادِيثِ يَا سَعْدُ
لَعَلَّ حَدِيثَ الشَّوْقِ يُطْفِئُ لَوْعَةً / مِنَ الْوَجْدِ أَوْ يَقْضِي بِصَاحِبِهِ الْفَقْدُ
هُوَ النَّارُ في الأَحْشَاءِ لَكِنْ لِوَقْعِهَا / عَلَى كَبِدِي مِمَّا أَلَذُّ بِهِ بَرْدُ
لَعَمْرُ الْمَغَانِي وَهْيَ عِنْدِي عَزِيزَةٌ / بِسَاكِنِهَا مَا شَاقَنِي بَعْدَهَا عَهْدُ
لَكَانَتْ وَفيهَا مَا تَرَى عَيْنُ نَاظِرٍ / وَأَمْسَتْ وَمَا فِيها لِغَيْرِ الأَسَى وَفْدُ
خَلاءٌ مِنَ الأُلافِ إِلَّا عِصَابَةً / حَدَاهُمْ إِلَى عِرْفَانِهَا أَمَلٌ فَرْدُ
دَعَتْهُمْ إِلَيْهَا نَفْحَةٌ عَنْبَرِيَّةٌ / وَبِالنَّفْحَةِ الْحَسْنَاءِ قَدْ يُعْرَفُ الْوَرْدُ
وَقَفْنَا فَسَلَّمْنَا فَرَدَّتْ بِأَلْسُنٍ / صَوَامِتَ إِلَّا أَنَّهَا أَلْسُنٌ لُدُّ
فَمِنْ مُقْلَةٍ عَبْرَى وَمِنْ لَفْحِ زَفْرَةٍ / لَهَا شَرَرٌ بَيْنَ الْحَشَا مَا لَهُ زَنْدُ
فَيَا قَلْبُ صَبْرَاً إِنْ أَلَمَّ بِكَ النَّوَى / فَكُلُّ فِراقٍ أَوْ تَلاقٍ لَهُ حَدُّ
فَقَدْ يُشْعَبُ الإِلْفَانِ أَدْنَاهُمَا الْهَوَى / وَيَلْتَئِمُ الضِّدَّانِ أَقْصَاهُمَا الْحِقْدُ
عَلَى هَذِهِ تَجْرِي اللَّيَالِي بِحُكْمِها / فَآوِنَةً قُرْبٌ وَآوِنَةً بُعْدُ
وما كُنْتُ لَوْلا الْحُبُّ أَخْضَعُ لِلَّتي / تُسِيءُ وَلَكِنَّ الْفَتَى لِلْهَوى عَبْدُ
فَعُودِي صُلْبٌ لا يَلِينُ لِغَامِزٍ / وَقَلْبِيَ سَيْفٌ لا يُفَلُّ لَهُ حَدُّ
إِبَاءٌ كَمَا شَاءَ الفَخَارُ وَصَبْوَةٌ / يَذِلُّ لَهَا في خِيسِهِ الأَسَدُ الْوَرْدُ
وَإِنَّا أُنَاسٌ لَيْسَ فِينَا مَعَابَةٌ / سِوَى أَنَّ وادِينَا بِحُكْمِ الْهَوَى نَجْدُ
نَلِينُ وإِنْ كُنَّا أَشِدَّاءَ لِلْهَوَى / وَنَغْضَبُ في شَرْوَى نَقِيرٍ فَنَشْتَدُّ
وَحَسْبُكَ مِنَّا شِيمَةٌ عَرَبِيَّةٌ / هِيَ الْخَمْرُ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ دُونِها حَرْدُ
وَبِي ظَمأٌ لَمْ يَبْلُغِ الْماءُ رِيَّهُ / وَفِي النَّفْسِ أَمْرٌ لَيْسَ يُدْرِكُهُ الْجَهْدُ
أَوَدُّ وَما وُدُّ امْرِئٍ نَافِعٌ لَهُ / وإِنْ كانَ ذَا عَقْلٍ إِذَا لم يَكُنْ جَدُّ
وَمَا بِيَ مِنْ فَقْرٍ لِدُنْيَا وإِنَّمَا / طِلابُ الْعُلا مَجْدٌ وإِنْ كَانَ لِي مَجْدُ
وَكَمْ مِنْ يَدٍ لِلَّهِ عِنْدِي وَنِعْمَةٍ / يَعَضُّ عَلَيْهَا كَفَّهُ الْحاسِدُ الْوَغْدُ
أَنَا الْمَرْءُ لا يُطْغِيهِ عِزٌّ لِثَرْوَةٍ / أَصَابَ وَلا يُلْوِي بِأَخْلاقِهِ الْكَدُّ
أَصُدُّ عَنِ الْمَوفُورِ يُدْرِكُهُ الْخَنَا / وَأَقْنَعُ بِالْمَيْسُورِ يَعْقُبُهُ الْحَمْدُ
وَمَنْ كَانَ ذَا نَفْسٍ كَنَفْسِي تَصَدَّعَتْ / لِعِزَّتِهِ الدُّنْيَا وذَلَّتْ لَهُ الأُسْدُ
وَمَنْ شِيَمِي حُبُّ الْوَفاءِ سَجِيَّةً / وَما خَيْرُ قَلْبٍ لا يَدُومُ لَهُ عَهْدُ
وَلَكِنَّ إِخْوَاناً بِمِصْرَ وَرُفْقَةً / نَسُونَا فَلا عَهْدٌ لَدَيْهِمْ ولا وَعْدُ
أَحِنُّ لَهُمْ شَوْقاً عَلَى أَنَّ دُونَنَا / مَهامِهَ تَعْيَا دُونَ أَقْرَبِها الرُّبْدُ
فَيَا ساكِنِي الْفُسطَاطِ ما بالُ كُتْبِنَا / ثَوَتْ عِنْدَكُمْ شَهْراً وَلَيْسَ لها رَدُّ
أَفِي الْحَقِّ أَنَّا ذاكِرُونَ لِعَهْدِكُمْ / وَأَنْتُمْ عَلَيْنَا لَيْسَ يَعْطِفُكُمْ وُدُّ
فَلا ضَيْرَ إِنَّ الله يُعْقِبُ عَوْدَةً / يَهُونُ لَهَا بَعْدَ الْمُواصَلَةِ الصَّدُّ
جَزَى اللهُ خَيْرَاً مَنْ جَزانِي بِمِثْلِهِ / عَلَى شُقَّةٍ غَزْرُ الحَيَاةِ بِهَا ثَمْدُ
أَبِيتُ لِذكْراكُمْ بِها مُتَمَلْمِلاً / كَأَنِّي سَلِيمٌ أَوْ مَشَتْ نَحْوَهُ الْوِرْدُ
فَلا تَحْسَبُونِي غَافِلاً عَنْ وِدَادِكُمْ / رُوَيداً فَمَا فِي مُهْجَتِي حَجَرٌ صَلْدُ
هُوَ الْحُبُّ لا يَثْنِيهِ نَأْيٌ وَرُبَّما / تَأَرَّجَ مِنْ مَسِّ الضِّرَامِ لَهُ النَّدُّ
نَأَتْ بِيَ عَنْكُمْ غُرْبَةٌ وتَجَهَّمَتْ / بِوَجْهِيَ أَيَّامٌ خَلائِقُهَا نُكْدُ
أَدُورُ بِعَيْنِي لا أَرَى غَيْرَ أُمَّةٍ / مِنَ الرُّوسِ بِالْبَلْقَانِ يُخْطِئُهَا الْعَدُّ
جَوَاثٍ عَلَى هَامِ الْجِبَالِ لِغَارَةٍ / يَطِيرُ بِهَا ضَوْءُ الصَّبَاحِ إِذَا يَبْدُو
إِذَا نَحْنُ سِرْنَا صَرَّحَ الشَّرُّ بِاسْمِهِ / وَصَاحَ الْقَنَا بِالْمَوْتِ واسْتَقْتَلَ الْجُنْدُ
فَأَنْتَ تَرَى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ كَبَّةً / يُحَدِّثُ فيها نَفْسَهُ الْبَطَلُ الْجَعْدُ
عَلَى الأَرْضِ مِنْها بِالدِّمَاءِ جَدَاوِلٌ / وَفَوْقَ سَرَاةِ النَّجْمِ مِنْ نَقْعِهَا لِبْدُ
إِذَا اشْتَبَكُوا أَوْ رَاجَعُوا الزَّحْفَ خِلْتَهُمْ / بُحُوراً تَوَالَى بَيْنَها الْجَزْرُ والْمَدُّ
نَشُلُّهُمُ شَلَّ الْعِطَاشِ وَنَتْ بِهَا / مُرَاغَمَةُ السُّقْيَا وَمَاطَلَهَا الْوِرْدُ
فَهُمْ بَيْنَ مَقْتُولٍ طَرِيحٍ وَهَارِبٍ / طَلِيحٍ وَمَأْسُورٍ يُجَاذِبُهُ الْقِدُّ
نَرُوحُ إِلَى الشُّورَى إِذَا أَقْبَلَ الدُّجَى / وَنَغْدُو عَلَيْهِمْ بِالمَنَايَا إِذَا نَغْدُو
وَنَقْعٍ كَلُجِّ الْبَحْرِ خُضْتُ غِمَارَهُ / ولا مَعْقِلٌ إِلَّا الْمَنَاصِلُ وَالْجُرْدُ
صَبَرْتُ لَهُ والْمَوْتُ يَحْمَرُّ تَارَةً / وَيَنْغَلُّ طَوْراً فِي الْعَجَاجِ فَيَسْوَدُّ
فَمَا كُنْتُ إِلَّا اللَّيْثَ أَنْهَضَهُ الطَّوَى / ومَا كُنْتُ إِلَّا السَّيْفَ فَارَقَهُ الْغِمْدُ
صَؤُولٌ وَلِلأَبْطَالِ هَمْسٌ مِنَ الْوَنَى / ضَرُوبٌ وقَلْبُ الْقِرْنِ في صَدْرِهِ يَعْدُو
فَمَا مُهْجَةٌ إِلَّا وَرُمْحِي ضَمِيرُهَا / ولا لَبَّةٌ إِلَّا وَسَيْفِي لَهَا عِقْدُ
وَمَا كُلُّ ساعٍ بَالِغٌ سُؤْلَ نَفْسِهِ / وَلا كُلُّ طَلاَّبٍ يُصَاحِبُهُ الرُّشْدُ
إِذَا الْقَلْبُ لَمْ يَنْصُرْكَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ / فَمَا السَّيْفُ إِلَّا آلَةٌ حَمْلُهَا إِدُّ
إِذَا كَانَ عُقْبَى كُلِّ شَيءٍ وَإِنْ زَكَا / فَنَاءٌ فَمَكْرُوهُ الْفَنَاءِ هُوَ الْخُلْدُ
وَتَخْلِيدُ ذِكْرِ الْمَرءِ بَعْدَ وَفاتِهِ / حَيَاةٌ لَهُ لا مَوْتَ يَلْحَقُها بَعْدُ
فَفِيمَ يَخَافُ الْمَرْءُ سَوْرَةَ يَوْمِهِ / وفي غَدِهِ ما لَيْسَ مِنْ وَقْعِهِ بُدُّ
لِيَضْنَ بِيَ الْحُسَّادُ غَيْظاً فَإِنَّنِي / لِآنافِهِمْ رَغْمٌ وَأَكْبَادِهِمْ وَقْدُ
أَنَا القائِلُ الْمَحْمُودُ مِنْ غَيْرِ سُبَّةٍ / وَمِنْ شِيمَةِ الْفَضْلِ الْعَدَاوَةُ وَالضَّدُّ
فَقَدْ يَحْسُدُ الْمَرْءُ ابْنَهُ وَهْوَ نَفْسُهُ / وَرُبَّ سِوَارٍ ضَاقَ عَنْ حَمْلِهِ الْعَضْدُ
فَلا زِلْتُ مَحْسُوداً عَلَى الْمَجْدِ والْعُلا / فَلَيْسَ بِمَحْسُودٍ فَتىً ولَهُ نِدُّ
أَرَاكَ الْحِمَى شَوْقِي إِلَيْكَ شَدِيدُ
أَرَاكَ الْحِمَى شَوْقِي إِلَيْكَ شَدِيدُ / وصَبْرِي وَنَوْمِي في هَوَاكَ شَريدُ
مَضَى زَمَنٌ لَمْ يَأْتِنِي عَنْكَ قَادِمٌ / بِبُشْرَى ولَمْ يَعْطِفْ عَلَيَّ بَرِيدُ
وَحِيدٌ مِنَ الْخُلانِ في أَرْضِ غُرْبَةٍ / أَلا كُلُّ مَنْ يَبْغِي الْوَفَاءَ وَحِيدُ
فَهَلْ لِغَرِيبٍ طَوَّحَتْهُ يَدُ النَّوَى / رُجُوعٌ وَهَلْ لِلْحَائِمَاتِ وُرُودُ
وَهَلْ زَمَنٌ وَلَّى وَعَيْشٌ تَقَيَّضَتْ / غَضَارَتُهُ بَعْدَ الذَّهَابِ يَعُودُ
أُعَلِّلُ نَفْسِي بِالقَدِيمِ وَإِنَّما / يَلَذُّ اقْتِبَالُ الشَّيءِ وَهْوَ جَدِيدُ
وَمَا ذِكْرِيَ الأَيَّامَ إِلَّا لأَنَّها / ذِمَامٌ لِعِرْفَان الصِّبَا وَعُهودُ
فَلَيْسَ بِمَفْقُودٍ فَتىً ضَمَّهُ الثَّرَى / وَلَكِنَّ مَنْ غَالَ الْبِعَاد فَقِيدُ
أَلا أَيُّها الْيَوْمُ الَّذِي لَمْ أَكُنْ لَهُ / ذَكُوراً سِوَى أَنْ قِيلَ لِي هُوَ عِيدُ
أَتَسْأَلُنَا لُبْسَ الجَدِيدِ سَفَاهَةً / وَأَثْوابُنَا ما قَدْ عَلِمْتَ حَدِيدُ
فَحَظُّ أُناسٍ مِنْهُ كَأْسٌ وَقَيْنَةٌ / وَحَظُّ رِجالٍ ذُكْرَةٌ وَنَشِيدُ
لِيَهْنَ بِهِ مَنْ باتَ جَذْلانَ نَاعِماً / أَخَا نَشَوَاتٍ ما عَلَيْهِ حَقُودُ
تَرَى أَهْلَهُ مُسْتَبْشِرينَ بِقُرْبِهِ / فَهُمْ حَوْلَهُ لا يَبْرَحُونَ شُهُودُ
إِذَا سارَ عَنْهُمْ سَارَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ / وَإِنْ عَادَ فِيهِمْ عَادَ وَهْوَ سَعِيدُ
يُخَاطِبُ كُلاً بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ / فَمُبْدِئُ شكُرٍْ تَارَةً وَمُعِيدُ
فَمَنْ لِغَرِيبٍ سَرْنَسُوفُ مُقَامُهُ / رَمَتْ شَمْلَهُ الأَيَّامُ فَهْوَ لَهِيدُ
بِلادٌ بِهَا ما بِالْجَحِيمِ وإِنَّما / مَكَانَ اللَّظَى ثَلْجٌ بِهَا وَجَلِيدُ
تَجَمَّعَتِ الْبُلْغارُ وَالرُّومُ بَيْنَها / وزَاحَمَهَا التَّاتَارُ فَهْيَ حُشُودُ
إِذَا رَاطَنُوا بَعْضاً سَمِعْتَ لِصَوْتِهِمْ / هَدِيداً تَكَادُ الأَرْضُ مِنْهُ تَمِيدُ
قِبَاحُ النَّوَاصِي وَالْوُجُوهِ كَأَنَّهُمْ / لِغَيْرِ أَبِي هَذَا الأَنَامِ جُنُودُ
سَواسِيَةٌ لَيْسُوا بِنَسْلِ قَبيلَةٍ / فَتُعْرَف آباءٌ لَهُمْ وجُدُودُ
لَهُمْ صُوَرٌ لَيْسَتْ وُجُوهاً وإِنَّما / تُنَاطُ إِلَيْهَا أَعْيُنٌ وَخُدودُ
يَخُورُونَ حَولِي كَالْعُجُولِ وَبَعْضُهُمْ / يُهَجِّنُ لَحْنَ الْقَوْلِ حِينَ يُجِيدُ
أَدُورُ بِعَيني لا أَرَى بَيْنَهُمْ فَتىً / يَرُودُ مَعِي في الْقَوْلِ حَيْثُ أَرُودُ
فَلا أَنَا مِنْهُمْ مُسْتَفِيدٌ غَرِيبَةً / وَلا أَنَا فِيهِمْ ما أَقَمْتُ مُفِيدُ
فَمَنْ لِي بِأَيَّامٍ مَضَتْ قَبْلَ هَذِهِ / بِمِصْرَ وَعَيْشِي لَوْ يَدُومُ حَمِيدُ
عَسَى اللهُ يَقْضِي قُرْبَةً بَعْدَ غُرْبَةٍ / فَيَفْرَحَ بِاللُّقْيا أَبٌ وَوَليدُ
تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَكَيْفَ أُعِيدُهُ
تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَكَيْفَ أُعِيدُهُ / وَقَدْ سَارَ فِي وادِي الْفَنَاءِ بَرِيدُهُ
أُحَاوِلُ مِنْهُ رَجْعَةً بَعْدَ ما مَضَى / وذَلِكَ رَأْيٌ غَابَ عَنِّي سَدِيدُهُ
فَمَا كُلُّ جَفْرٍ غَاضَ يَرْتَدُّ نَبْعُهُ / وَلا كُلُّ سَاقٍ جَفَّ يَخْضَرُّ عُودُهُ
فَإِنْ أَكُ فَارَقْتُ الشَّبَابَ فَقَبْلَهُ / بَكَيْتُ رَضَاعاً بَانَ عَنِّي حَمِيدُهُ
وَأَيُّ شَبَابٍ لا يَزُولُ نَعِيمُهُ / وَسِرْبالِ عَيْشٍ لَيْسَ يَبْلَى جَدِيدُهُ
فَلا غَرْوَ أَنْ شَابَتْ مِنَ الْحُزْنِ لِمَّتِي / فَإِنِّيَ فِي دَهْرٍ يَشِيبُ وَلِيدُهُ
يُهَدِّمُ مِنْ أَجْسَادِنَا مَا يَشِيدُهُ / وَيَنْقُصُ مِنْ أَنْفَاسِنَا مَا يَزِيدُهُ
أَرَى كُلَّ شَيءٍ لا يَدُومُ فَمَا الَّذِي / يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ حُبِّ مَا لا يُفِيدُهُ
وَلَكِنَّ نَفْساً رُبَّمَا اهْتَاجَ شَوْقُهَا / فَحَنَّتْ وَقَلْباً رُبَّمَا اعْتَادَ عِيدُهُ
فَوَا حَسْرَتَا كَمْ زَفْرَةٍ إِثْرَ لَوْعَةٍ / إِذَا عَصَفَتْ بِالْقَلْبِ كادَتْ تُبيدُهُ
أَحِنُّ إِلَى وادِي النَّقَا ويَسُرُّنِي / عَلَى بُعْدِهِ أَنْ تَسْتَهِلَّ سُعُودُهُ
وَأَصْدُقُهُ وُدِّي وإِنْ كُنْتُ عَالِماً / بِأَنَّ النَّقَا لَمْ يَدْنُ مِنِّي بَعِيدُهُ
مَعَانُ هَوىً تَجْرِي بِدَمْعِي وِهَادُهُ / وتُشْرِقُ مِنْ نِيرانِ قَلْبِي نُجُودُهُ
تَضِنُّ بِإِهْدَاءِ السَّلامِ ظِباؤُهُ / وتُكْرِمُ مَثْوَى الطَّارِقِينَ أُسُودُهُ
تَسَاهَمَ فِيهِ الْبَأْسُ والْحُسْنُ فَاسْتَوَتْ / ضَرَاغِمُهُ عِنْدَ اللِّقَاءِ وغِيدُهُ
تَلاقَتْ بِهِ أَسْيَافُهُ وَلِحَاظُهُ / وَمالَتْ بِهِ أَرْمَاحُهُ وقُدُودُهُ
فَكَمْ مِنْ صَرِيعٍ لا تُدَاوَى جِرَاحُهُ / وَكَمْ مِنْ أَسِيرٍ لا تُحَلُّ قُيُودُهُ
وَفي الْحَيِّ ظَبْيٌ إِنْ تَرَنَّمْتُ بِاسْمِهِ / تَنَمَّرَ وَاشِيهِ وَهَاجَ حَسُودُهُ
تَهِيمُ بِهِ أَسْتَارُهُ وخُدُورُهُ / وَتَعْشَقُهُ أَقْرَاطُهُ وَعُقُودُهُ
تَأَنَّقَ فِيهِ الْحُسْنُ فَامْتَدَّ فَرْعُهُ / إِلَى قَدَمَيْهِ واسْتَدَارَتْ نُهُودُهُ
فَلِلْمِسْكِ رَيَّاهُ ولِلْبَانِ قَدُّهُ / وَلِلْوَرْدِ خَدَّاهُ وَللظَّبْيِ جِيدُهُ
فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ يَا صَاحِ بِالْهَوَى / فَإِنَّ الرَّدَى حِلْف الْهَوَى وَعَقِيدُهُ
وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَرْهَبُ المَوْتَ إِنْ سَطَا / إِذَا لَمْ تَكُنْ نُجْلَ الْعُيُونِ شُهُودُهُ
أَفُلُّ أَنَابِيبَ الْقَنَا ويَفُلُّني / قَوَامٌ تَنَدَّتْ بِالْعَبِيرِ بُرُودُهُ
فَإِنْ أَنَا سَالَمْتُ الْهَوَى فَلَطَالَمَا / شَهِدْتُ الْوَغَى وَالطَّعْنُ يَذْكُو وَقُودُهُ
وَتَحْتَ جَنَاحِ الدِّرْعِ مِنِّي ابْنُ فَتْكَةٍ / مُعَوَّدَةٌ أَلَّا تُحَطَّ لُبُودُهُ
إِذَا حَرَّكَتْهُ هِمَّةٌ نَحْوَ غايَةٍ / تَسَامَى إِلَيْهَا فِي رَعِيلٍ يَقُودُهُ
ومُعْتَرَكٍ لِلْخَيْلِ فِي جَنَبَاتِهِ / صَهِيلٌ يَهُدُّ الرَّاسِيَاتِ وَئِيدُهُ
بَعِيدِ سَماءِ النَّقْعِ يَنْقَضُّ نَسْرُهُ / عَلَى جُثَثِ الْقَتْلَى ويَنْغَلُّ سِيدُهُ
تَرِفُّ عَلَى هَامِ الكُمَاةِ سُيُوفُهُ / وَتَخْفُقُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بُنُودُهُ
إِذَا اشْتَجَرَتْ فِيهِ الرِّماحُ تَراجَعَتْ / سَوَافِرَ عَنْ نَصْرٍ يُضِيءُ عَمُودُهُ
تَقَحَّمْتُهُ والرُّمْحُ صَدْيانُ يَنْتَحي / نِطافَ الْكُلَى والْمَوْتُ يَمْضِي وَعِيدُهُ
فَمَا كُنْتُ إِلَّا الْغَيثَ طَارَتْ بُروقُهُ / ومَا كُنْتُ إِلَّا الرَّعْدَ دَوَّى هَدِيدُهُ
أَنَا الرَّجُلُ الْمَشْفُوعُ بِالْفِعْلِ قَوْلُهُ / إِذَا ما عَقِيدُ الْقَوْمِ رَثَّتْ عُقُودُهُ
تَعَوَّدْتُ صِدْقَ الْقَوْلِ حَتَّى لَوَ انَّنِي / تَكَلَّفْتُ قَوْلاً غَيْرَهُ لا أُجِيدُهُ
أُضَاحِكُ وَجْهَ الْمَرْءِ يَغْشَاهُ بِشْرُهُ / وأَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ تَغْلِي حُقُودُهُ
وَمَنْ لَمْ يُدارِ النَّاسَ عَادَاهُ صَحْبُهُ / وَأَنْكَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَسُودُهُ
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ أَسْتَعِينُ بِقُرْبِهِ / عَلَى أَمَلٍ لَمْ يَبْقَ إِلَّا شَرِيدُهُ
أُحَاوِلُ وُدَّاً لا يُشَانُ بِغَدْرَةٍ / ودُونَ الَّذِي أَرْجُوهُ مَا لا أُرِيدُهُ
سَمِعْتُ قَدِيماً بِالْوَفَاءِ فَلَيْتَنِي / عَلِمْتُ عَلَى الأَيَّامِ أَيْنَ وُجُودُهُ
فَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْلِكْ صَدِيقاً فَإِنَّني / لِنَفسِي صَدِيقٌ لا تَخِيسُ عُهُودُهُ
وَحَسْبُ الفَتَى مِنْ رَأْيِهِ خَيْرُ صَاحِبٍ / يُوازِرُهُ فِي كُلِّ خَطْبٍ يَؤُودُهُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرءِ مِنْ بَدَهَاتِهِ / نَصِيرٌ فَأَخْلِقْ أَنْ تَخِيبَ جُدُودُهُ
وإِنِّي وَإِنْ أَصْبَحْتُ فَرْدَاً فَإِنَّنِي / بِنَفْسِي عَشِيرٌ لَيْسَ يَنْجُو طَرِيدُهُ
وَلِي مِنْ بَدِيعِ الشِّعْرِ مَا لَوْ تَلَوْتُهُ / عَلَى جَبَلٍ لانْهَالَ فِي الدَوِّ رَيْدُهُ
إِذَا اشْتَدَّ أَوْرَى زَنْدَةَ الْحَرْبِ لَفْظُهُ / وَإِنْ رَقَّ أَزْرَى بِالْعُقُودِ فَرِيدُهُ
يُقَطِّعُ أَنْفَاسَ الرِّياحِ إِذَا سَرَى / وَيَسْبِقُ شَأْوَ النَّيِّرَيْنِ قَصِيدُهُ
إِذَا ما تَلاهُ مُنْشِدٌ في مَقَامةٍ / كَفَى الْقَوْمَ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ نَشِيدُهُ
سَيَبْقَى بِهِ ذِكْرِي عَلَى الدَّهْرِ خَالِداً / وذِكْرُ الْفَتَى بَعْدَ الْمَمَاتِ خُلُودُهُ
تَرَحَّلَ مِنْ وَادِي الأَرَاكَةِ بِالْوَجْدِ
تَرَحَّلَ مِنْ وَادِي الأَرَاكَةِ بِالْوَجْدِ / فَبَاتَ سَقِيماً لا يُعِيدُ وَلا يُبْدِي
سَقِيماً تَظَلُّ الْعَائِدَاتُ حَوَانِياً / عَلَيْهِ بِإِشْفَاقٍ وَإِنْ كَانَ لا يُجْدِي
يَخَلْنَ بِهِ مَسَّاً أَصَابَ فُؤَادَهُ / وَلَيْسَ بِهِ مَسٌّ سِوَى حُرَقِ الْوَجْدِ
بِهِ عِلَّةٌ إِنْ لَمْ تُصِبْهَا سَلامَةٌ / مِنَ اللهِ كَادَتْ نَفْس حَامِلِهَا تُرْدِي
وَمِنْ عَجَبِ الأَيَّامِ أَنِّي مُولَعٌ / بِمَنْ لَيْسَ يَعْنِيهِ بُكَائِي وَلا سُهْدِي
أَبِيتُ عَلِيلاً في سَرَنْدِيبَ سَاهِرَاً / أُعَالِجُ مَا أَلْقَاهُ مِنْ لَوْعَتِي وَحْدِي
أَدُورُ بِعَيْنِي لا أَرَى وَجْهَ صَاحِبٍ / يَرِيعُ لِصَوْتِي أَوْ يَرِقُّ لِمَا أُبْدِي
وَمِمَّا شَجَانِي بَارِقٌ طَارَ مَوْهِناً / كَمَا طَارَ مُنْبَثُّ الشَّرَارِ مِنَ الزَّنْدِ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ الدُّجُنَّةِ ضَوْؤُهُ / فَيَنْسِلُهَا مَا بَيْنَ غَورٍ إِلَى نَجْدِ
أَرِقْتُ لَهُ وَالشُّهْبُ حَيْرَى كَلِيلَةٌ / مِنَ السَّيْرِ وَالآفَاقُ حَالِكَةُ الْبُرْدِ
فَبِتُّ كَأَنِّي بَيْنَ أَنْيَابِ حَيَّةٍ / مِنَ الرُّقْطِ أَوْ في بُرْثُنَيْ أَسَدٍ وَرْدِ
أُقَلِّبُ طَرْفِي وَالنُّجُومُ كَأَنَّها / قَتِيرٌ مِنَ الْيَاقُوتِ يَلْمَعُ فِي سَرْدِ
وَلا صَاحِبٌ غَيْرُ الْحُسامِ مَنُوطَةٌ / حَمَائِلُهُ مِنِّي عَلَى عَاتِقٍ صَلْدِ
إِذَا حَرَّكَتْهُ رَاحَتي لِمُلِمَّةٍ / تَطَلَّعَ نَحْوِي يَشْرَئِبُّ مِنَ الْغِمْدِ
أَشَدُّ مَضَاءً مِنْ فُؤَادِي عَلَى الْعِدا / وَأَبْطَأُ نَصْرِي عَلَى الشَّوْقِ مِنْ فِنْدِ
أَقُولُ لَهُ وَالْجَفْنُ يَكْسُو نِجَادَهُ / دُمُوعاً كَمُرْفَضِّ الْجُمَانِ مِنَ الْعِقْدِ
لَقَدْ كُنْتَ لِي عَوْنَاً عَلَى الدَّهْرِ مَرَّةً / فَمَا لِي أَرَاكَ الْيَوْمَ مُنْثَلِمَ الْحَدِّ
فَقَالَ إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ سَوْرَةَ الْهَوَى / وَأَنْتَ جَلِيدُ الْقَوْمِ مَا أَنَا بِالْجَلْدِ
وَهَلْ أَنَا إِلَّا شِقَّةٌ مِنْ حَدِيدَةٍ / أَلَحَّ عَلَيْهَا الْقَيْنُ بِالطَّرْقِ وَالْحَدِّ
فَمَا كُنْتُ لَوْلا إِنَّنِي وَاهِنُ الْقُوَى / أُعَلَّقُ فِي خَيْطٍ وَأُحْبَسُ في جِلْدِ
فَدُونَكَ غَيْرِي فَاسْتَعِنْهُ عَلَى الجَوَى / وَدَعْنِي مِنَ الشَّكْوَى فَدَاءُ الْهَوَى يُعْدِي
خَلِيلَيَّ هَذَا الشَوْقُ لا شَكَّ قَاتِلِي / فَمِيلا إِلَى الْمِقْيَاسِ إِنْ خِفْتُمَا فَقْدِي
فَفِي ذَلِكَ الْوَادِي الَّذِي أَنْبَتَ الْهَوَى / شِفَائِي مِنْ سُقْمِي وَبُرْئِيَ مِنْ وَجْدِي
مَلاعِبُ لَهْوٍ طَالَمَا سِرْتُ بَيْنَهَا / عَلَى أَثَرِ اللَّذَّاتِ فِي عِيشَةٍ رَغْدِ
إِذَا ذَكَرَتْهَا النَّفْسُ سَالَتْ مِنَ الأَسَى / مَعَ الدَّمْعِ حَتَّى لا تُنَهْنَهُ بِالرَّدِّ
فَيَا مَنْزِلاً زَقْرَقْتُ ماءَ شَبيبَتِي / بِأَفْنَائِهِ بَيْنَ الأَرَاكَةِ والرَّنْدِ
سَرَتْ سَحَراً فَاسْتَقْبَلَتْكَ يَدُ الصَّبَا / بِأَنْفَاسِهَا وَانْشَقَّ فَجْرُكَ بِالْحَمْدِ
وَزَرَّ عَلَيْكَ الأُفْقُ طَوْقَ غَمَامَةٍ / خَضِيبَةِ كَفِّ الْبَرْقِ حَنَّانَةِ الرَّعْدِ
فَلَسْتُ بِنَاسٍ لَيْلَةً سَلَفَتْ لَنَا / بِوَادِيهِ والدُّنْيَا تَغُرُّ بِمَا تُسْدِي
إِذِ الْعَيْشُ رَيَّانُ الأَمَالِيدِ وَالْهَوَى / جَدِيدٌ وَإِذْ لَمْيَاءُ صَافِيَةُ الْوُدِّ
مُنَعَّمَةٌ لِلْبَدْرِ مَا فِي قِنَاعِهَا / وَلِلْغُصْنِ ما دَارَتْ بِهِ عُقْدَةُ الْبَنْدِ
سَبَتْنِي بِعَيْنَيْهَا وَقَالَتْ لِتِرْبِهَا / أَلا مَا لِهَذا الْغِرِّ يَتْبَعُنِي قَصْدِي
وَلَمْ تَدْرِ ذَاتُ الخَالِ وَالْحُبُّ فَاضِحٌ / بِأَنَّ الَّذِي أُخْفِيهِ غَيْرُ الَّذِي أُبْدِي
حَنَانَيْكِ إِنَّ الرَّأْيَ حَارَ دَلِيلُهُ / فَضَلَّ وَعادَ الْهَزْلُ فِيكِ إِلَى الْجِدِّ
فَلا تَسْأَلِي مِنِّي الزِّيَادَةَ في الْهَوَى / رُوَيْداً فَهَذَا الْوَجْدُ آخِرُ مَا عِنْدِي
وَهَأَنَا مُنْقَادٌ كَمَا حَكَمَ الْهَوَى / لأَمْرِكِ فَاخْشَيْ حُرْمَةَ اللهِ وَالْمَجْدِ
فَلَوْ قُلْتِ قُمْ فَاصْعَدْ إِلَى رَأْس شَاهِقٍ / وَأَلْقِ إِذَا أَشْرَفْتَ نَفْسَكَ لِلْوَهْدِ
لأَلْقَيْتُهَا طَوْعاً لَعَلَّكِ بَعْدَها / تَقُولِينَ حَيَّا اللهُ عَهْدَكَ مِنْ عَهْدِ
سَجِيَّةُ نَفْسٍ لا تَخُونُ خَلِيلَهَا / وَلا تَرْكَبُ الأَهْوَالَ إِلَّا عَلَى عَمْدِ
وَإِنِّي لَمِقْدَامٌ عَلَى الْهَوْلِ وَالرَّدَى / بِنَفْسِي وَفِي الإِقْدَامِ بِالنَّفْسِ مَا يُرْدِي
وَإِنِّي لَقَوَّالٌ إِذَا الْتَبَسَ الْهُدَى / وَجَارَتْ حُلُومُ الْقَوْمِ عَنْ سَنَنِ الْقَصْدِ
فَإِنْ صُلْتُ فَدَّانِي الْكَمِيُّ بِنَفْسِهِ / وَإِنْ قُلْتُ لَبَّانِي الْوَلِيدُ مِنَ الْمَهْدِ
وَلِي كُلُّ مَلْسَاءِ الْمُتُونِ غَرِيبَةٍ / إِذَا أُنْشِدَتْ أَفْضَتْ لِذِكْرِ بَنِي سَعْدِ
أَخَفُّ عَلَى الأَسْمَاعِ مِنْ نَغَمِ الْحُدَا / وَأَلْطَفُ عِنْدَ الْنَّفْسِ مِنْ زَمَنِ الْوَرْدِ
مُخَدَّرَةٌ تَمْحُو بِأَذْيَالِ حُسْنِهَا / أَسَاطِيرَ مَنْ قَبْلِي وَتُعْجِزُ مَنْ بَعْدِي
كَذَلِكَ إِنِّي قَائِلٌ ثُمَّ فَاعِلٌ / فِعَالِي وَغَيرِي قَدْ يُنِيرُ وَلا يُسْدِي
خَلِيلَيَّ هَلْ طَالَ الدُّجَى أَمْ تَقَيَّدَتْ
خَلِيلَيَّ هَلْ طَالَ الدُّجَى أَمْ تَقَيَّدَتْ / كَوَاكِبُهُ أَمْ ضَلَّ عَنْ نَهْجِهِ الْغَدُ
أَبِيتُ حَزِيناً فِي سَرَنْدِيبَ سَاهِراً / طِوَالَ اللَّيَالِي وَالْخَلِيُّونَ هُجَّدُ
أُحَاوِلُ مَا لا أَسْتَطِيعُ طِلابَهُ / كَذَا النَّفْسُ تَهْوَى غَيْرَ مَا تَمْلِكُ الْيَدُ
إِذَا خَطَرَتْ مِنْ نَحْوِ حُلْوَانَ نَسْمَةٌ / نَزَتْ بَيْنَ قَلْبِي شُعْلَةٌ تَتَوَقَّدُ
وَهَيْهَاتَ مَا بَعْدَ الشَّبِيبَةِ مَوْسِمٌ / يَطِيبُ وَلا بَعْدَ الْجَزِيرَةِ مَعْهَدُ
شَبَابٌ وَإِخْوَانٌ رُزِئْتُ وِدَادهُمْ / وَكُلُّ امْرِئٍ فِي الدَّهْرِ يَشْقَى وَيَسْعَدُ
وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ أَعِيشَ بِغُرْبَةٍ / يُعَلِّلُنِي فِيهَا خُوَيْدِمُ أَسْوَدُ
أَرَى نَفْحَةً دَلَّتْ عَلَى كَبِدِي الْوَجْدَا
أَرَى نَفْحَةً دَلَّتْ عَلَى كَبِدِي الْوَجْدَا / فَمَنْ كَانَ بِالْمِقْيَاسِ أَقْرَبَكُمُ عَهْدَا
مَلاعِبُ آرامٍ وَمَجْرَى جَدَاوِلٍ / وَمُلْتَفُّ أَفْنَانٍ تَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَا
إِذَا انْبَعَثَتْ فِيهِ النَّسَائِمُ خِلْتَهَا / تُنِيرُ عَلَى مَتْنِ الْغَدِيرِ بِهِ بُرْدَا
كَأَنَّ الصَّبَا تُلْقَى عَلَيْهِ إِذَا جَرَتْ / مَسَائِل فِي الأَرْقَامِ أَوْ تَلْعَبُ النَّرْدَا
أَقَامَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ فِي حَجَراتِهَا / وَأَسْدَى لَهَا مِنْ نِعْمَةِ النِّيلِ مَا أَسْدَى
فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ صَبْوَةٍ كَانَ لِي بِهَا / رَوَاحٌ إِلَى حُسَّانَةِ الْجِيدِ أَوْ مَغْدَى
إِذِ الدَّهْرُ لَمْ يُخْفِرْ ذِمَاماً وَلَمْ يَخُنْ / نِظَاماً وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى ذِي هَوىً حِقْدَا
تَدُورُ عَلَيْنَا بِالأَحَاظِي شُمُوسُهُ / وَتُمْسِي عَلَيْنَا طَيْرُ أَنْجُمِهِ سَعْدَا
وَيَا رُبَّ لَيْلٍ لَفَّنَا بِرِدَائِهِ / عِناقاً كَمَا لَفَّ الصَّبَا الْبَانَ وَالرَّنْدَا
وَلَثْمٍ تَوَالَى إِثْرَ لَثْمٍ بِثَغْرِهَا / كَما شَافَهَ الْبازِي عَلَى ظَمَأٍ وِرْدَا
فَتَاةٌ كَأَنَّ اللهَ صَوَّرَ لَحْظَهَا / لِيَهْتِكَ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ بِهِ عَمْدَا
لَهَا عَبَثَاتٌ عِنْدَ كُلِّ تَحِيَّةٍ / تَسُوقُ إِلَيْهَا عَنْ فَرائِسِها الأُسْدَا
إِذَا انْفَتَلَتْ بِالْكَأْسِ خِلْتَ بَنَانَها / تُدِيرُ عَلَيْنَا مِنْ جَنَى خَدِّهَا وَرْدَا
وَمَا أَنْسَهُ لا أَنْسَ يَوْماً تَسَابَقَتْ / بِهِ عَبْرَتَاهَا وَالنَّوَى تَصْدَعُ الصَّلْدَا
فَلَمْ أَرَ لَحْظاً كَانَ أَقْتَلَ بَاكِياً / وَأَمْضَى الظُّبَا فِي الْفَتْكِ ما سَالَ إِفْرِنْدَا
حَرَامٌ عَلَى الْعَيْنَيْنِ إِنْ لم تَسِلْ دَمَاً / عَلَى بَيْنِهَا وَالْقَلْب إِنْ لَمْ يَذُبْ وَقْدَا
فَيَا قَلْبُ مَا أَشْجَى إِذَا الدَّارُ بَاعَدَتْ / وَيَا دَمْعُ مَا أَجْرَى وَيَا بَيْنُ مَا أَرْدَى
وَيَا صَاحِبِي الْمَذْخُورَ لِلسِّرِّ إِنَّنِي / ضَلَلْتُ فَهَلْ مِنْ وَثْبَةٍ تُكْسِبُ الْحَمْدَا
حَلَفْتُ بِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ نِقَابُهَا / وَيَا لَكَ حَلْفاً مَا أَرَقَّ وَمَا أَنْدَى
بِأَلَّا تَفِيئَ الْعَيْنُ عَنْ سُنَّةِ الْبُكَى / وَأَلَّا تَرِيعَ النَّفْسُ إِنْ لَمْ تَمُتْ وَجْدَا
وَكَيْفَ يُفِيقُ الْقَلْبُ مِنْ سَوْرَةِ الْهَوَى / وَقَدْ مَدَّهُ سِحْرُ الْعُيُونِ بِمَا مَدَّا
وَمَا كُنْتُ لَوْلا الْعَذْلُ أُبْدِي خَفِيَّةً / وَلَكِنْ تَوَالِي الْقَدْحِ يَسْتَرعِفُ الزَّندَا
وَمَنْ لِي بِأَنَّ الْقَلْبَ يَكْتُمُ وَجْدَهُ / وَكَيْفَ تُسَامُ النَّارُ أَنْ تَكْتُمَ النَّدَّا
فَلا وَصْلَ إِلَّا ذُكْرَةٌ تَبْعَثُ الأَسَى / عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لا تُطِيق لَهُ رَدَّا
أَبِيتُ قَرِيحَ الْجَفْنِ لا أَعْرِفُ الْكَرَى / طَوالَ اللَّيَالِي والْجَوانِحُ لا تَهْدَا
فَيَأَيُّهَا النُّوَّامُ والشَّوْقُ عَازِرٌ / أَلا أَحَدٌ يَشْرِي بِغَفْوَتِهِ السُّهْدَا
لَقَدْ ذَلَّ مَنْ يَبْغِي مِنَ النَّاسِ نَاصِراً / وَقَد خَابَ مَنْ يَجْنِي مِنَ الأَرْقَمِ الشَّهْدَا
فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعْ بِشِيمَةِ صَاحِبٍ / فَمَنْ ظَنَّ خَيْرَاً بِالزَمَانِ فَقَدْ أَكْدَى
فَقَدْ طَالَمَا جَرَّبْتُ خِلاً فَمَا رَعَى / وَحِلْفاً فَمَا أَوْفَى وَعَوْنَاً فَمَا أَجْدَى
وَمَا النَّاسُ إِلَّا طَالِبٌ غَيْرُ وَاجِدٍ / لِمَا يَبْتَغِي أَوْ وَاجِدٌ أَخْطَأَ الْقَصْدَا
فَلا تَحْسَبَنَّ النَّاسَ أَبْنَاءَ شِيمَةٍ / فَمَا كُلُّ مَمْدُودِ الْخُطَا بَطَلاً جَعْدَا
لَقَدْ طَالَ عَهْدِي بِالشَّبَابِ وَإِنَّهُ
لَقَدْ طَالَ عَهْدِي بِالشَّبَابِ وَإِنَّهُ / لأَدْعَى لِشَوْقِي أَنْ يَطُولَ بِهِ عَهْدِي
تَبِيتُ عُيُونٌ بِالْكَرَى مُطْمَئِنَّةً / وَعَيْنَايَ فِي بَرْحٍ مِنَ الدَّمْعِ وَالسُّهْدِ
فَلَيْتَ الَّذِي حَازَ الشَّبِيبَةَ رَدَّهَا / وَلَيْتَ الَّذِي أَهْدَى لَنَا الشَّيْبَ لَمْ يُهْدِ
كَأَنِّي وَقَدْ جَاوَزْتُ سِتِّينَ حِجَّةً / مَسَحْتُ بِهَا عَنْ نَاظِرِي سِنَةَ الْفَهْدِ
فَسُحْقاً لِدَارٍ لا يَدُومُ نَعِيمُها / وَتَبَّاً لِخِلٍّ لا يَدُومُ عَلَى الْعَهْدِ
وَكَيْفَ يَلَذُّ الْمَرْءُ بِالْعَيْشِ بَعْدَمَا / رَأَى أَنَّ سُمَّ الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ الشَّهْدِ
إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَضِدِّهَا / سِوَى مُهْلَةٍ فَاللَّحْدُ أَشْبَهُ بِالْمَهْدِ
وَلِلْمَوْتِ أَسْبَابٌ يَنَالُ بِهَا الْفَتَى / فَمَنْ بَاتَ في نَجْدٍ كَمَنْ بَاتَ فِي وَهْدِ
وَكُلُّ امْرِئٍ فِي النَّاسِ لاقٍ حِمَامَهُ / فَسِيَّان رَبُّ الْعَيْرِ وَالْفَرَسِ النَّهْدِ
وَلَوْلا ارْتِيَاعُ النَّفْسِ مِنْ صَوْلَةِ الرَّدَى / لَمَا عَفَّ عَنْ طِيبِ النَّعِيمِ أَخُو زُهْدِ
فَدَعْ مَا مَضَى واصْبِرْ عَلَى حِكْمَةِ الْقَضَا / فَلَيْسَ يَنَالُ الْمَرْءُ مَا فاتَ بِالْجَهْدِ
وَلا تَلْتَمِسْ مِنْ غَيْرِ مَوْلاكَ هَادِياً / إِذَا اللهُ لَمْ يَهْدِ الْعِبَادَ فَمَنْ يَهْدِي
إِذَا افْتَقَرَ الْمَرْءُ اسْتَهَانَ بِفَضْلِهِ
إِذَا افْتَقَرَ الْمَرْءُ اسْتَهَانَ بِفَضْلِهِ / ذَوُو قُرْبِهِ وَاسْتَهْجَنَتْهُ الأَبَاعِدُ
فَإِنْ قَالَ حَقَّاً كَذَّبُوهُ وَإِنْ أَبى / مُجَارَاتَهُمْ في الْغَيِّ قَالُوا مُعَانِدُ
فَحُجَّتُهُ مَطْلُولَةٌ وَهْيَ حَقَّةٌ / وَمَنْطِقُهُ مُسْتَكْرَهٌ وَهْوَ قَاصِدُ
فَحَافِظ عَلَى مَا نِلْتَ بِالسَّعْيِ مِنْ غِنىً / فَبِالْمَالِ لا بِالْفَضْلِ تَعْنُو الْمَقَاصِدُ
بَلِينَا وَسِرْبالُ الزَّمَانِ جَدِيدُ
بَلِينَا وَسِرْبالُ الزَّمَانِ جَدِيدُ / وَهَلْ لامْرِئٍ في الْعَالَمِينَ خُلُودُ
قَضَى آدَمٌ في الدَّهْرِ وَهْوَ أَبُو الْوَرَى / وَكُلُّ الَّذِي مِنْ صُلْبِهِ سَيبِيدُ
فَلا تَبْكِ مَيْتاً حَانَ يَوْمُ رَحِيلِهِ / فَلِلْمَوْتِ مَا يَمْضِي الْفَتَى وَيَرُودُ
وَلا تَلْتَمِسْ أَمْرَاً يَزِيدُكَ يَقْظَةً / فَلَيْسَ لإِدْرَاكِ اليَقِينِ مَزِيدُ
دَعِ الْفَلَكَ الدَوَّارَ يَجْرِي وَلا تَسَلْ / أَفَوَّزَ كَهْلٌ أَمْ أَهَلَّ وَلِيدُ
فَمَا هَذِهِ الدُّنْيَا وَإِنْ جَلَّ قَدْرُهَا / سِوَى مُهْلَةٍ نَأْتِي لَهَا وَنَعُودُ
تَبُوخُ بِهَا الأَنْفَاسُ وَهْيَ نَسَائِمٌ / وَتَعْفُو بِهَا الأَبْدَانُ وَهْيَ صعِيدُ
فَيَا ضَارِباً فِي الأَرْضِ يَرْتَادُ غَايَةً / رُوَيْدَكَ إِنَّ الْفَوْزَ مِنْكَ بَعِيدُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025