القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صَفِيّ الدِّين الحِلّي الكل
المجموع : 8
لَعَلَّ لَيالي الرَبوَتَينِ تَعودُ
لَعَلَّ لَيالي الرَبوَتَينِ تَعودُ / فَتُشرِقَ مِن بَعدِ الأُفولِ سُعودُ
وَيُخصِبَ رَبعُ الأُنسِ مِن بَعدِ مَحلِهِ / وَيورِقَ مِن دَوحِ التَواصُلِ عودُ
سَقى حَلَباً صَوبُ العِهادِ وَإِن وَهَت / مَواثِقُ مِن سُكّانِها وَعُهودُ
وَحَيّا عَلى أَعلى العَقيقَةِ مَنزِلاً / عُيونُ ظِباءٍ لِلأُسودِ تَصيدُ
إِذا ما اِنتَضَت فيهِ اللِحاظُ سُيوفَها / فَإِنَّ قُلوبَ العاشِقينَ غُمودُ
رَدَدنا بِهِ بيضَ الصِفاحِ كَليلَةً / فَصالَت عَلينا أَعيُنٌ وَقُدودُ
فَلِلَّهِ عَيشٌ بِالحَبيبِ قَضَيتُهُ / فُوَيقَ قُوَيقٍ وَالزَمانُ حَميدُ
بِظَبيٍ مِنَ الأَتراكِ في رَوضِ خَدِّهِ / غَديرُ مِياهِ الحُسنِ فيهِ رَكودُ
تَمَلَّكتُهُ رِقّاً فَكانَ لِحُسنِهِ / هُوَ المالِكُ المَولى وَنَحنُ عَبيدُ
فَكَنتُ اِبنَ هَمّامٍ وَقَد ظَفِرَت يَدي / بِهِ وَدِمَشقٌ في القِياسِ زَبيدُ
إِلى أَن قَضى التَفريقُ فينا قَضاءَهُ / وَذَلِكَ ما قَد كُنتُ مِنهُ أَحيدُ
فَغَيَّبَ بَدراً يَفضَحُ البَدرَ نورُهُ / وَغُصناً يُميتُ الغُصنَ حينَ يَميدُ
وَقَد كُنتُ أَخشى فيهِ مِن كَيدِ حاسِدٍ / وَلَم أَدرِ أَنَّ الدَهرَ فيهِ حَسودُ
فَيا مَن يَراهُ القَلبُ وَهوَ مُحَجَّبٌ / وَتوجِدُهُ الأَفكارُ وَهوَ فَقيدُ
إِذا كُنتَ عَن عَيني بَعيداً فَكُلُّ ما / أُسَرُّ بِهِ إِلّا الحِمامَ بَعيدُ
وَما نابَ عَنكَ الغَيرُ عِندي وَقَلَّما / يَنوبُ عَنِ الماءِ القَراحِ صَعيدُ
إِذا كُنتُ في أَهلي وَرَهطي وَلَم تَكُن / لَدَيَّ فَإِنّي بَينَهُم لَوَحيدُ
وَإِن كُنتَ في قَفرِ الفَلاةِ مُقَرَّباً / إِلَيَّ فَعَيشي في الفَلاةِ رَغيدُ
وَلَو كُنتَ تُشرى بِالنَفيسِ بِذَلتُهُ / وَلَو أَنَّ حَبّاتِ القُلوبِ نُقودُ
وَلَكِنَّ مَن أَودى هَواكَ بِلُبِّهِ / مُريدٌ لِما أَصبَحتُ مِنكَ أُريدُ
جَلَوتَ لَهُ وَجهاً وَقَدّاً مُرَنَّحاً / وَفَرعاً وَفَرقاً وافِرٌ وَمَديدُ
فَشاهَدَ بَدراً فَوقَ غُصنٍ يُظِلُّهُ / دُجىً لاحَ فيهِ لِلصَباحِ عَمودُ
أَقولُ وَقَد حَقَّ الفِراقُ وَأَحدَقَت / مِنَ التُركِ حَولي عِدَّةٌ وَعَديدُ
وَقَد حَجَبَ الظَبيَ الرَقيبُ وَأَقبَلَت / تُمانِعُني دونَ الكِناسِ أُسودُ
وَتَنظُرُني شَزراً مِنَ السُمرِ وَالظُبى / نَواظِرُ إِلّا أَنَّهُنَّ حَديدُ
لَكَ اللَهُ مِن جانٍ عَلَيَّ بِرُغمِهِ / وَمُتَّهَمٍ بِالَغَدرِ وَهوَ وَدودُ
وَمَن باتَ مَغصوباً عَلى تَركِ صُحبَتي / بِنَزعِ مُريدِ الإِنسِ وَهُوَ مَريدُ
مُعَطَّلَةٌ بَينَ السَلُوِّ لِفَقدِهِ / وَقَصرُ غَرامي في هَواهُ مَشيدُ
وَلَم يَبقَ إِلّا حَسرَةٌ وَتَذَكُّرٌ / وَطَيفٌ يُرى في مَضجِعي فَيَرودُ
جَزى اللَهُ عَنّي الطَيفَ خَيراً فَإِنَّهُ / يُعيدُ لِيَ اللَذّاتِ حينَ يَعودُ
سَرى مِن أَعالي الشامِ يَقصِدُ مِثلَهُ / وَنَحنُ بِأَعلى مارِدَينَ هُجودُ
فَقَضَّيتُ عَيشاً لَو قَضَيناهُ يَقظَةً / لَقامَت عَلينا لِلإِلَهِ حُدودُ
وَبَرقٍ حَكى ثَغرَ الحَبيبِ اِبتِسامُهُ / تَأَلَّقَ وَهناً وَالرِفاقُ رُقودُ
يُعَلِّمُ عينَيَّ البُكا وَهُوَ الفُها / وَإِن كانَ دَمعي ما عَليهِ مَزيدُ
كَما عَلِّمَت صَوبَ الحَيا وَهوَ عالِمٌ / يَدُ الصالِحِ السُلطانِ كَيفَ يَجودُ
مَليكٌ إِذا رامَ الفَخارَ سَمَت بِهِ / إِلى الفَخرِ آباءٌ لَهُ وَجُدودُ
إِذا جادَ فَالبيدُ السَباسُبُ أَبحُرٌ / وَإِن صالَ فَالشُمُّ الشَواهِقُ بيدُ
سَماحٌ لَهُ تَحتَ الطِباقِ تَحَذَّرٌ / وَعَزمٌ لَهُ فَوقَ الشِدادِ صُعودُ
لَياليهِ بيضٌ عِندَ بَذلِ هِباتِهِ / وَأَيّامُهُ عِندَ الوَقائِعِ سودُ
يُرَنِّحُهُ سَمعُ المَديحِ تَكَرُّماً / وَإِنَّ لَبيداً عِندَهُ لَبَليدُ
وَقَفتُ وَأَهلُ العَصرِ تَنشُرُ فَضلَهُ / وَيَسأَلُني عَن مَجَدِه فَأُعيدُ
فَقالوا لَهُ حُكمٌ فَقُلتُ وَحِكمَةٌ / فَقالوا لَهُ جَدٌّ فَقُلتُ وُجودُ
فَقالوا لَهُ قَدرٌ فَقُلتُ وَقُدرَةٌ / فَقالوا لَهُ عَزمٌ فَقُلتُ شَديدُ
فَقالوا لَهُ عَفوٌ فَقُلتُ وَعِفَّةٌ / فَقالوا لَهُ رَأيٌ فَقُلتُ سَديدُ
فَقالوا لَهُ أَهلٌ فَقُلتُ أَهِلَّةٌ / فَقالوا لَهُ بَيتٌ فَقلُتُ قَصيدُ
مِنَ القَومِ في مَتنِ الجِيادِ وِلادُهُم / كَأَنَّ مُتونَ الصافِناتِ مُهودُ
غُيوثٌ لَهُم يَومَ الجِيادِ مِنَ الظُبى / بُروقٌ وَمِن وَطءِ الجِهادِ رُعودُ
أَيا مَلِكاً لَو يَستَطيعُ سَمِيَّهُ / تَحَمُّلَهُ ما خالَفَتهُ ثَمودُ
دُعيتَ لِمُلكٍ لا يَؤودُكَ حِفظُهُ / وَإِن كانَ ثِقلاً لِلجِبالِ يَؤودُ
فَقَوَّمتَ زَيغَ الحَقِّ وَهوَ مُمَنَّعٌ / وَقُمتَ بِعِبءِ المُلكِ وَهُوَ شَديدُ
وَسَهَّدتَ في رَعي العِبادِ نَواظِراً / بِها الناسُ في ظِلِّ الأَمانِ رُقودُ
وَأَحيَيتَ أَثارَ الشَهيدِ بِنائِلٍ / مَعَ الناسِ مِنهُ سائِقٌ وَشَهيدُ
فَيا لَكَ سَيفاً في يَدَي آلِ أُرتُقٍ / يُدافِعُ عَن أَحسابِهِم وَيَذودُ
وَيا حامِلَ الأَثقالِ وَهيَ شَدائِدٌ / وَيا مُتلِفَ الأَموالِ وَهِيَ جُنودُ
لَكَ اللَهُ قَد جُزتَ الكَواكِبَ صاعِداً / إِلى الغايَةِ القُصوى فَأَينَ تُريدُ
يُهَنّيكَ بِالعيدِ السَعيدِ مَعاشِرٌ / وَلي كُلَّ يَومٍ مِن هَنائِكَ عيدُ
وَلَو أَنَّ عيدَ النَحرِ نَحرٌ مُجَسَّمٌ / غَدا فيكَ مَدحي وَهوَ فيهِ عُقودُ
وَلَولا هَواكُم ما سَرَت لِيَ مَدحَةٌ / وَلا شاعَ لي بَينَ الأَنامِ قَصيدُ
وَلَمّا جَلَوتُ المَدحَ وَاِرتَحتُ لِلنَدى / وَرُحنا وَكُلٌّ في الطِلابِ مُجيدُ
قَصَدنا المَعاني وَالمَعالي فَلَم أَزَل / أُجيدُ بِأَشعاري وَأَنتَ تَجودُ
يَقولونَ لي قَد قَلَّ نَهضُكَ لِلسُرى / وَما عَلِموا أَنَّ النَوالَ قُيودُ
فَقُلتُ مَلَلتُ السَيرَ مُذ ظَفِرَت يَدي / بِأَضعافِ ما أَختارُهُ وَأُريدُ
لَدى مَلِكٍ كَالرَمحِ أَمّا سِنانُهُ / فَماضٍ وَأَمّا ظِلُّهُ فَمَديدُ
تَنَبَّهَ لي وَالعِزُّ عَنِّيَ راقِدٌ / وَقامَ بِنَصري وَالأَنامُ قُعودُ
فَيا قِبلَةَ الجودِ الَّتي لِبَني الرَجا / رُكوعٌ إِلى أَركانِها وَسُجودُ
لِيَهنِكَ مُلكٌ لا يَزالُ مُخَيِّماً / لَدَيكَ وَذِكرٌ في الأَنامِ شَريدُ
لَئِن بِتَّ مَحسودَ الخِصالِ فَلا أَذىً / كَذا مَن غَدا في الناسِ وَهُوَ فَريدُ
إِذا عَمَّ نورُ البَدرِ في أُفقِ سَعدِهِ / فَما ضَرَّهُ أَنَّ السَماكَ حَسودُ
سَأُثني عَلى نُعماكَ مادُمتُ باقِياً
سَأُثني عَلى نُعماكَ مادُمتُ باقِياً / وَإِن مِتُّ يُثني مَنطِقُ الطِرسِ مِن بَعدي
فَقَد أَودَعَت صَدرَ الطُروسِ بَدائِعي / لِمَجدِكَ ما يَقضي لِذِكرِكَ بِالخُلدِ
وَما زادَني قُربُ الدِيارِ تَلَهُّفاً
وَما زادَني قُربُ الدِيارِ تَلَهُّفاً / عَلَيكُم لِأَنَّ التُربَ شَرٌّ مِنَ البُعدِ
وَلَكِن إِذا الظَمآنُ شاهَدَ مَنهَلاً / عَلى قُربِهِ زادَ الحَنينُ إِلى الوِردِ
عُيونٌ لَها مَرأى الأَحِبَّةِ إِثمِدُ
عُيونٌ لَها مَرأى الأَحِبَّةِ إِثمِدُ / عَجيبٌ لَها في عُمرِها كَيفَ تَرمَدُ
وَعَينٌ خَلَت مِن نورِ وَجهِ حَبيبِها / عَجِبتُ لَها مِن بَعدِهِ كَيفَ تَرقُدُ
وَلي مُقلَةٌ قَد أَنكَرَ الغَمضَ جَفنُها / وَعَرَّفَها صَرفُ النَوى كَيفَ تَسهَدُ
تَراعي النُجومَ السائِراتِ كَأَنَّما / تَمَثَّلَ فيهِنَّ المَليكُ مُحَمَّدُ
تُحاوِلُهُ بَينَ النُجومِ لِأَنَّهُ / لِرُتبَتِهِ فَوقَ الكَواكِبِ مَقعَدُ
مَليكٌ لَوَ اَنَّ الريحَ تُشبِهُ جودَهُ / لَما أَوشَكَت يَوماً مِنَ الدَهرِ تَركُدُ
مُبَدِّدُ شَملِ المالِ وَهوَ مُجَمَّعٌ / وَجامِعُ شَملِ الحَمدِ وَهوَ مُبَدَّدُ
فَلا نَمَّقَ الأَعذارَ يوماً لِسائِلٍ / وَلا قالَ لِلوُفّادِ مَوعِدُكُم غَدُ
دَهَتهُ المَنايا وَهيَ مِن دونِ بَأسِهِ / كَذا الصارِمُ الصَمصامُ يَفنيهِ مِبرَدُ
فَيا مَلِكاً قَد أَطلَقَ الجودُ ذِكرَهُ / وَكُلُّ نَزيلٍ مِن نَداهُ مُقَيَّدُ
لَقَد كُنتَ لِلوُفّادِ وَبلاً وَلِلعَدى / وَبالاً بِهِ تَشقى أُناسٌ وَتَسعَدُ
فَكَم أَنشَأَت كَفّاكَ في المَحلِ عارِضاً / وَخَدُّ الثَرى مِن عارِضِ الخَطبِ أَمرَدُ
وَكَم أَرسَلَت يُمناكَ في الحَربِ لِلعِدى / سَحابَ نَكالٍ بِالصَواهِلِ يَرعُدُ
إِذا ما وَنى مَسراهُ ثِقلاً يَحُثُّهُ / جَوادٌ وَعَضبٌ أَجرَدٌ وَمُجَرَّدُ
فَيَنظِمُ فيها الرُمحُ ما السَيفِ ناثِرٌ / وَيَنثُرُ فيها العَضبُ ما اللَدنُ يَنضِدُ
فَمُفرَدُها مِن نَثرِ سَيفِكَ تَوأَمٌ / وَتَوأَمُها مِن نَظمِ رُمحِكَ مُفرَدُ
وَفي مَعرَكِ الآدابِ كَم لَكَ مَوقِفٌ / لِأَهلِ الحِجى مِنهُ مُقيمٌ وَمُقعَدُ
وَلَم يَبقَ مِن آيِ المَفاخِرِ آيَةٌ / وَلا غايَةٌ إِلّا وَعِندَكَ توجَدُ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ لا زالَ سَرمَداً / كَجودِكَ حَتّى بَعدَ فَقدِكَ سَرمَدُ
فَلَو خَلَّدَ المَعروفُ قَبلَكَ ماجِداً / لَكُنتَ بِإِسداءِ الجَميلِ مُخَلَّدُ
صُروفُ اللَيالي لا يَدومُ لَها عَهدُ
صُروفُ اللَيالي لا يَدومُ لَها عَهدُ / وَأَيدي المَنايا لا يُطاقُ لَها رَدُّ
تُسالِمُنا سَهواً وَتَسطو تَعَمُّداً / فَإِسعافُها عَسفٌ وَإِقصادُها قَصدُ
عَجِبتُ لِمَن يَغتَرُّ فيها لِجَنَّةٍ / مِنَ العَيشِ ما فيها سَلامٌ وَلا بَردُ
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلنَوائِبِ غارَةٌ / يُشَقُّ عَليها الجَيبُ أَو يُلطَمُ الحَدُّ
أَرى كُلَّ مَألوفٍ يُعَجَّلُ فَقدُهُ / فَما بالُ فَقدِ الإِلفِ لَيسَ لَهُ فَقدُ
فَقَدتُ رِجالاً كانَ في البُؤسِ بَأسُهُم / هُوَ الظَهرُ لي وَالباعُ وَاليَدُ وَالزِندُ
يَزيدُهُمُ لَيلُ الخُطوبِ إِذا دَجا / ضِياءً وَحُسنُ الضِدِّ يُظهِرُهُ الضِدُّ
أَرى كُلَّ مَن يَستَخلِصُ الشُكرَ بَعدَهُم / مِنَ الناسِ نَحراً لا يَليقُ بِهِ عِقدُ
لِذاكَ هَجَرتُ الإِلفَ أَعلَمُ أَنَّني / لَكَ السَيفُ لا يُبليهِ إِن بَلِيَ الغِمدُ
وَزُرتُ بِلاداً يُنبِتُ العِزَّ أَرضُها / وَيَنجَحُ في أَبناءِ أَبياتِها العَقدُ
مَخافَةَ أَن أُضحي مِنَ الخَلِّ خالِياً / وَحيداً وَأُمسي عِندَ مَن ما لَهُ عِندُ
وَلَمّا عَطَفتُ العَيسَ آخِرَ رِحلَةٍ / إِلى مَعهَدٍ لي وَالحَبيبُ بِهِ عَهدُ
وَشارَفتُ أَعلامَ الطَويلَةِ ذاكِراً / عُهودَ الصِبا وَالشَيبُ لَمّا يَلُح بَعدُ
سَأَلتُ حِمى الفَيحاءِ ما بالُ رَبعِها / جَديباً وَقَد كانَت نَضارَتُهُ تَبدو
وَما بالُها لَم يُروَ مِن مائِها الصَدى / لِظامٍ وَلا يوري لِقاصِدِها زَندُ
فَقالَت قَضى مَن كانَ بِالسَعدِ لي قَضى / وَصَوَّحَ نَبتُ العِزِّ وَاِنهَدَمَ المَجدُ
فَأَصبَحَ مَجدُ الدينِ في التُربِ ثاوِياً / وَزالَ السَماحُ السِبطُ وَالرَجَلُ الجَعدُ
فَتىً عَلَّمَتهُ غايَةَ الزُهدِ نَفسُهُ / فَأَصبَحَ حَتّى في الحَياةِ لَهُ زُهدُ
وَلَم أَرَ بَدراً قَبلَهُ حازَهُ الثَرى / وَلَم أَرَ بَحراً قَبلَهُ ضَمَّهُ اللَحدُ
سَليلُ صَفِيِّ المُصطَفى وَاِبنُ سِبطِهِ / لَقَد تابَ مِنهُ الأُمُّ وَالأَبُّ وَالجَدُّ
فَصيحٌ إِذا الخَصمُ الأَلَدُّ تَعالَمَت / دَلائِلُهُ كانَت لَهُ الحُجَجُ اللُدُّ
إِذا قالَ قَولاً يَسبُقُ القَولَ فِعلُهُ / فَليسَ لَهُ يَوماً وَعيدٌ وَلا وَعدُ
لَئِن أَخطَأَت أَيدي الرَدى بِمُصابِهِ / لَعَمرُ أَبي هَذا هُوَ الخَطَأُ العَمدُ
مَضى طاهِرَ الأَثوابِ وَالجِسمِ وَالحَشى / لَهُ الشُكرُ دِرعٌ وَالعَفافُ لَهُ بُردُ
وَأَبقى لَنا مِن طيبِهِ طيبَ وُلدِهِ / يَنوبُ كَما أَبقى لَنا ماءَهُ الوَردُ
هُمُ القَومُ فاهوا بِالفَصاحَةِ رُفَّعاً / وَشابَت نَواحي مَجدِهِم وَهُمُ مُردُ
إِذا حَلَّ مِنهُم واحِدٌ في قَبيلَةٍ / يُشارُ إِلَيهِ إِنَّهُ العَلَمُ الفَردُ
كَفاهُم فَخاراً أَنَّهُ لَهُمُ أَبٌ / وَيَكفيهِ أَن أَمسى وَمِنهُم لَهُ وُلدُ
فَيا نازِحاً يُدنيهِ حُسنُ اِدِّكارِهِ / فَفي بُعدِهِ قُربٌ وَفي قُربِهِ بُعدُ
لَكَ اللَهُ كَم أَدرَكتَ في المَجدِ غايَةً / تَقاعَسَ عَن إِدراكِها الأَسَدُ الوَردُ
إِذا اِفتَخَرَ الأَقوامُ يَوماً بِمَجدِهِم / فَإِنَّكَ مِن قَومٍ بِهِم يَفخَرُ المَجدُ
تَعَوَّدَ مَتنَ الصافِناتِ صَغيرُهُم / إِلى أَن تَساوى عِندَهُ السُرجُ وَالمَهدُ
حَموا لِجُنودِ الجَأشِ حَولَ بُيوتِهِم / مِنَ المَجدِ مالَ يَحمِهِ الجَيشُ وَالجُندُ
بُيوتُ كُماةٍ دونَها تُحطَمُ القَنا / وَغاباتُ أُسدٍ دونَها تُفرَسُ الأُسدُ
أَقاموا وَبَردُ العَيشِ عِندَهُمُ لَظىً / وَصالوا وَحَرُّ الكَرَّ عِندَهُمُ بَردُ
وَعَزّوا إِلى أَن سالَمَتهُم نُجومُها / فَلا نَجمَ إِلّا وَهوَ في رَبعِهِم سَعدُ
وَرَثتَ عُلاهُم وَاِقتَدَيتَ بِفَضلِهِم / فَأَنتَ إِذاً نِدَّ الكِرامِ لَهُم نِدُّ
فَإِن شاقَ صَدرُ الخَودِ وَالنَهدُ مَعشَراً / يَشوقُكَ صَدرُ الدِستِ وَالفَرَسُ النَهدُ
فَبِالرَغمِ مِنّي أَن يُغَيّبَكَ الثَرى / وَيَرجَعَ مَردوراً بِخَيبَتِهِ الوَفدُ
وَيُعرِضَ عَن رَدِّ الجَوابِ لِسائِلٍ / وَقَد كُنتَ لَم يَعرَف لِسائِلِكَ الرَدُّ
سَأَبكيكَ جُهدَ المُستَطيعِ مُنَظَّماً / رِثاكَ وَهَذا جُهدُ مَن ما لَهُ جُهدُ
فَإِن رَمِدَت أَجفانُ عَينِيَ بِالبُكا / فَكَم جُلِيَت مِنّا بِكَ الأَعيُنُ الرُمدُ
لَئِن كُنتَ قَد أَصبَحتَ عَنّا مُغَيَّباً / فَقَد نابَ عَنكَ الذِكرُ وَالشُكرُ وَالحَمدُ
وَما غابَ مَن يَقصو وَمَعناهُ حاضِرٌ / وَلازالَ مَن يَخفى وَآثارُهُ تَبدو
وَلَمّا رَأَينا المَنعَ مِنكُم سَجِيَّةً
وَلَمّا رَأَينا المَنعَ مِنكُم سَجِيَّةً / وَمازِلتُ بِالتَكليفِ مُستَفرِغاً جُهدي
عَدَلنا إِلى التَخفيفِ عَنّا وَعَنكُمُ / وَصِرنا نُجازي بِالدُعاءِ عَنِ الوِدِّ
خَلَصنا وَأَسقَطنا التَجَمُّلَ بَينَنا / فَلا سَيِّدي يُعطي وَلا عَبدُهُ يُهدي
كِلانا عَلى ما عَوَّدَتهُ طِباعُهُ
كِلانا عَلى ما عَوَّدَتهُ طِباعُهُ / مُقيمٌ وَكُلٌّ في الزِيادَةِ يَجهَدُ
لَكُم مِنِّيَ الوُدَّ الَّذي تَعهَدونَهُ / وَلي مِنكُمُ الهَجرُ الَّذي كُنتُ أَعهَدُ
لِيَحيى فَمٌ لَو عُلِّقَ المِسكُ فَوقَهُ
لِيَحيى فَمٌ لَو عُلِّقَ المِسكُ فَوقَهُ / لَأَصلَحَهُ وَالضِدُّ يُصلِحُهُ الضِدُّ
تَرى صَحبَهُ الحُضّارَ مِن نَتنِ ريحِهِ / كَأَنَّهُمُ مِن طولِ ما اِلتَثَموا مُردُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025