المجموع : 8
لَعَلَّ لَيالي الرَبوَتَينِ تَعودُ
لَعَلَّ لَيالي الرَبوَتَينِ تَعودُ / فَتُشرِقَ مِن بَعدِ الأُفولِ سُعودُ
وَيُخصِبَ رَبعُ الأُنسِ مِن بَعدِ مَحلِهِ / وَيورِقَ مِن دَوحِ التَواصُلِ عودُ
سَقى حَلَباً صَوبُ العِهادِ وَإِن وَهَت / مَواثِقُ مِن سُكّانِها وَعُهودُ
وَحَيّا عَلى أَعلى العَقيقَةِ مَنزِلاً / عُيونُ ظِباءٍ لِلأُسودِ تَصيدُ
إِذا ما اِنتَضَت فيهِ اللِحاظُ سُيوفَها / فَإِنَّ قُلوبَ العاشِقينَ غُمودُ
رَدَدنا بِهِ بيضَ الصِفاحِ كَليلَةً / فَصالَت عَلينا أَعيُنٌ وَقُدودُ
فَلِلَّهِ عَيشٌ بِالحَبيبِ قَضَيتُهُ / فُوَيقَ قُوَيقٍ وَالزَمانُ حَميدُ
بِظَبيٍ مِنَ الأَتراكِ في رَوضِ خَدِّهِ / غَديرُ مِياهِ الحُسنِ فيهِ رَكودُ
تَمَلَّكتُهُ رِقّاً فَكانَ لِحُسنِهِ / هُوَ المالِكُ المَولى وَنَحنُ عَبيدُ
فَكَنتُ اِبنَ هَمّامٍ وَقَد ظَفِرَت يَدي / بِهِ وَدِمَشقٌ في القِياسِ زَبيدُ
إِلى أَن قَضى التَفريقُ فينا قَضاءَهُ / وَذَلِكَ ما قَد كُنتُ مِنهُ أَحيدُ
فَغَيَّبَ بَدراً يَفضَحُ البَدرَ نورُهُ / وَغُصناً يُميتُ الغُصنَ حينَ يَميدُ
وَقَد كُنتُ أَخشى فيهِ مِن كَيدِ حاسِدٍ / وَلَم أَدرِ أَنَّ الدَهرَ فيهِ حَسودُ
فَيا مَن يَراهُ القَلبُ وَهوَ مُحَجَّبٌ / وَتوجِدُهُ الأَفكارُ وَهوَ فَقيدُ
إِذا كُنتَ عَن عَيني بَعيداً فَكُلُّ ما / أُسَرُّ بِهِ إِلّا الحِمامَ بَعيدُ
وَما نابَ عَنكَ الغَيرُ عِندي وَقَلَّما / يَنوبُ عَنِ الماءِ القَراحِ صَعيدُ
إِذا كُنتُ في أَهلي وَرَهطي وَلَم تَكُن / لَدَيَّ فَإِنّي بَينَهُم لَوَحيدُ
وَإِن كُنتَ في قَفرِ الفَلاةِ مُقَرَّباً / إِلَيَّ فَعَيشي في الفَلاةِ رَغيدُ
وَلَو كُنتَ تُشرى بِالنَفيسِ بِذَلتُهُ / وَلَو أَنَّ حَبّاتِ القُلوبِ نُقودُ
وَلَكِنَّ مَن أَودى هَواكَ بِلُبِّهِ / مُريدٌ لِما أَصبَحتُ مِنكَ أُريدُ
جَلَوتَ لَهُ وَجهاً وَقَدّاً مُرَنَّحاً / وَفَرعاً وَفَرقاً وافِرٌ وَمَديدُ
فَشاهَدَ بَدراً فَوقَ غُصنٍ يُظِلُّهُ / دُجىً لاحَ فيهِ لِلصَباحِ عَمودُ
أَقولُ وَقَد حَقَّ الفِراقُ وَأَحدَقَت / مِنَ التُركِ حَولي عِدَّةٌ وَعَديدُ
وَقَد حَجَبَ الظَبيَ الرَقيبُ وَأَقبَلَت / تُمانِعُني دونَ الكِناسِ أُسودُ
وَتَنظُرُني شَزراً مِنَ السُمرِ وَالظُبى / نَواظِرُ إِلّا أَنَّهُنَّ حَديدُ
لَكَ اللَهُ مِن جانٍ عَلَيَّ بِرُغمِهِ / وَمُتَّهَمٍ بِالَغَدرِ وَهوَ وَدودُ
وَمَن باتَ مَغصوباً عَلى تَركِ صُحبَتي / بِنَزعِ مُريدِ الإِنسِ وَهُوَ مَريدُ
مُعَطَّلَةٌ بَينَ السَلُوِّ لِفَقدِهِ / وَقَصرُ غَرامي في هَواهُ مَشيدُ
وَلَم يَبقَ إِلّا حَسرَةٌ وَتَذَكُّرٌ / وَطَيفٌ يُرى في مَضجِعي فَيَرودُ
جَزى اللَهُ عَنّي الطَيفَ خَيراً فَإِنَّهُ / يُعيدُ لِيَ اللَذّاتِ حينَ يَعودُ
سَرى مِن أَعالي الشامِ يَقصِدُ مِثلَهُ / وَنَحنُ بِأَعلى مارِدَينَ هُجودُ
فَقَضَّيتُ عَيشاً لَو قَضَيناهُ يَقظَةً / لَقامَت عَلينا لِلإِلَهِ حُدودُ
وَبَرقٍ حَكى ثَغرَ الحَبيبِ اِبتِسامُهُ / تَأَلَّقَ وَهناً وَالرِفاقُ رُقودُ
يُعَلِّمُ عينَيَّ البُكا وَهُوَ الفُها / وَإِن كانَ دَمعي ما عَليهِ مَزيدُ
كَما عَلِّمَت صَوبَ الحَيا وَهوَ عالِمٌ / يَدُ الصالِحِ السُلطانِ كَيفَ يَجودُ
مَليكٌ إِذا رامَ الفَخارَ سَمَت بِهِ / إِلى الفَخرِ آباءٌ لَهُ وَجُدودُ
إِذا جادَ فَالبيدُ السَباسُبُ أَبحُرٌ / وَإِن صالَ فَالشُمُّ الشَواهِقُ بيدُ
سَماحٌ لَهُ تَحتَ الطِباقِ تَحَذَّرٌ / وَعَزمٌ لَهُ فَوقَ الشِدادِ صُعودُ
لَياليهِ بيضٌ عِندَ بَذلِ هِباتِهِ / وَأَيّامُهُ عِندَ الوَقائِعِ سودُ
يُرَنِّحُهُ سَمعُ المَديحِ تَكَرُّماً / وَإِنَّ لَبيداً عِندَهُ لَبَليدُ
وَقَفتُ وَأَهلُ العَصرِ تَنشُرُ فَضلَهُ / وَيَسأَلُني عَن مَجَدِه فَأُعيدُ
فَقالوا لَهُ حُكمٌ فَقُلتُ وَحِكمَةٌ / فَقالوا لَهُ جَدٌّ فَقُلتُ وُجودُ
فَقالوا لَهُ قَدرٌ فَقُلتُ وَقُدرَةٌ / فَقالوا لَهُ عَزمٌ فَقُلتُ شَديدُ
فَقالوا لَهُ عَفوٌ فَقُلتُ وَعِفَّةٌ / فَقالوا لَهُ رَأيٌ فَقُلتُ سَديدُ
فَقالوا لَهُ أَهلٌ فَقُلتُ أَهِلَّةٌ / فَقالوا لَهُ بَيتٌ فَقلُتُ قَصيدُ
مِنَ القَومِ في مَتنِ الجِيادِ وِلادُهُم / كَأَنَّ مُتونَ الصافِناتِ مُهودُ
غُيوثٌ لَهُم يَومَ الجِيادِ مِنَ الظُبى / بُروقٌ وَمِن وَطءِ الجِهادِ رُعودُ
أَيا مَلِكاً لَو يَستَطيعُ سَمِيَّهُ / تَحَمُّلَهُ ما خالَفَتهُ ثَمودُ
دُعيتَ لِمُلكٍ لا يَؤودُكَ حِفظُهُ / وَإِن كانَ ثِقلاً لِلجِبالِ يَؤودُ
فَقَوَّمتَ زَيغَ الحَقِّ وَهوَ مُمَنَّعٌ / وَقُمتَ بِعِبءِ المُلكِ وَهُوَ شَديدُ
وَسَهَّدتَ في رَعي العِبادِ نَواظِراً / بِها الناسُ في ظِلِّ الأَمانِ رُقودُ
وَأَحيَيتَ أَثارَ الشَهيدِ بِنائِلٍ / مَعَ الناسِ مِنهُ سائِقٌ وَشَهيدُ
فَيا لَكَ سَيفاً في يَدَي آلِ أُرتُقٍ / يُدافِعُ عَن أَحسابِهِم وَيَذودُ
وَيا حامِلَ الأَثقالِ وَهيَ شَدائِدٌ / وَيا مُتلِفَ الأَموالِ وَهِيَ جُنودُ
لَكَ اللَهُ قَد جُزتَ الكَواكِبَ صاعِداً / إِلى الغايَةِ القُصوى فَأَينَ تُريدُ
يُهَنّيكَ بِالعيدِ السَعيدِ مَعاشِرٌ / وَلي كُلَّ يَومٍ مِن هَنائِكَ عيدُ
وَلَو أَنَّ عيدَ النَحرِ نَحرٌ مُجَسَّمٌ / غَدا فيكَ مَدحي وَهوَ فيهِ عُقودُ
وَلَولا هَواكُم ما سَرَت لِيَ مَدحَةٌ / وَلا شاعَ لي بَينَ الأَنامِ قَصيدُ
وَلَمّا جَلَوتُ المَدحَ وَاِرتَحتُ لِلنَدى / وَرُحنا وَكُلٌّ في الطِلابِ مُجيدُ
قَصَدنا المَعاني وَالمَعالي فَلَم أَزَل / أُجيدُ بِأَشعاري وَأَنتَ تَجودُ
يَقولونَ لي قَد قَلَّ نَهضُكَ لِلسُرى / وَما عَلِموا أَنَّ النَوالَ قُيودُ
فَقُلتُ مَلَلتُ السَيرَ مُذ ظَفِرَت يَدي / بِأَضعافِ ما أَختارُهُ وَأُريدُ
لَدى مَلِكٍ كَالرَمحِ أَمّا سِنانُهُ / فَماضٍ وَأَمّا ظِلُّهُ فَمَديدُ
تَنَبَّهَ لي وَالعِزُّ عَنِّيَ راقِدٌ / وَقامَ بِنَصري وَالأَنامُ قُعودُ
فَيا قِبلَةَ الجودِ الَّتي لِبَني الرَجا / رُكوعٌ إِلى أَركانِها وَسُجودُ
لِيَهنِكَ مُلكٌ لا يَزالُ مُخَيِّماً / لَدَيكَ وَذِكرٌ في الأَنامِ شَريدُ
لَئِن بِتَّ مَحسودَ الخِصالِ فَلا أَذىً / كَذا مَن غَدا في الناسِ وَهُوَ فَريدُ
إِذا عَمَّ نورُ البَدرِ في أُفقِ سَعدِهِ / فَما ضَرَّهُ أَنَّ السَماكَ حَسودُ
سَأُثني عَلى نُعماكَ مادُمتُ باقِياً
سَأُثني عَلى نُعماكَ مادُمتُ باقِياً / وَإِن مِتُّ يُثني مَنطِقُ الطِرسِ مِن بَعدي
فَقَد أَودَعَت صَدرَ الطُروسِ بَدائِعي / لِمَجدِكَ ما يَقضي لِذِكرِكَ بِالخُلدِ
وَما زادَني قُربُ الدِيارِ تَلَهُّفاً
وَما زادَني قُربُ الدِيارِ تَلَهُّفاً / عَلَيكُم لِأَنَّ التُربَ شَرٌّ مِنَ البُعدِ
وَلَكِن إِذا الظَمآنُ شاهَدَ مَنهَلاً / عَلى قُربِهِ زادَ الحَنينُ إِلى الوِردِ
عُيونٌ لَها مَرأى الأَحِبَّةِ إِثمِدُ
عُيونٌ لَها مَرأى الأَحِبَّةِ إِثمِدُ / عَجيبٌ لَها في عُمرِها كَيفَ تَرمَدُ
وَعَينٌ خَلَت مِن نورِ وَجهِ حَبيبِها / عَجِبتُ لَها مِن بَعدِهِ كَيفَ تَرقُدُ
وَلي مُقلَةٌ قَد أَنكَرَ الغَمضَ جَفنُها / وَعَرَّفَها صَرفُ النَوى كَيفَ تَسهَدُ
تَراعي النُجومَ السائِراتِ كَأَنَّما / تَمَثَّلَ فيهِنَّ المَليكُ مُحَمَّدُ
تُحاوِلُهُ بَينَ النُجومِ لِأَنَّهُ / لِرُتبَتِهِ فَوقَ الكَواكِبِ مَقعَدُ
مَليكٌ لَوَ اَنَّ الريحَ تُشبِهُ جودَهُ / لَما أَوشَكَت يَوماً مِنَ الدَهرِ تَركُدُ
مُبَدِّدُ شَملِ المالِ وَهوَ مُجَمَّعٌ / وَجامِعُ شَملِ الحَمدِ وَهوَ مُبَدَّدُ
فَلا نَمَّقَ الأَعذارَ يوماً لِسائِلٍ / وَلا قالَ لِلوُفّادِ مَوعِدُكُم غَدُ
دَهَتهُ المَنايا وَهيَ مِن دونِ بَأسِهِ / كَذا الصارِمُ الصَمصامُ يَفنيهِ مِبرَدُ
فَيا مَلِكاً قَد أَطلَقَ الجودُ ذِكرَهُ / وَكُلُّ نَزيلٍ مِن نَداهُ مُقَيَّدُ
لَقَد كُنتَ لِلوُفّادِ وَبلاً وَلِلعَدى / وَبالاً بِهِ تَشقى أُناسٌ وَتَسعَدُ
فَكَم أَنشَأَت كَفّاكَ في المَحلِ عارِضاً / وَخَدُّ الثَرى مِن عارِضِ الخَطبِ أَمرَدُ
وَكَم أَرسَلَت يُمناكَ في الحَربِ لِلعِدى / سَحابَ نَكالٍ بِالصَواهِلِ يَرعُدُ
إِذا ما وَنى مَسراهُ ثِقلاً يَحُثُّهُ / جَوادٌ وَعَضبٌ أَجرَدٌ وَمُجَرَّدُ
فَيَنظِمُ فيها الرُمحُ ما السَيفِ ناثِرٌ / وَيَنثُرُ فيها العَضبُ ما اللَدنُ يَنضِدُ
فَمُفرَدُها مِن نَثرِ سَيفِكَ تَوأَمٌ / وَتَوأَمُها مِن نَظمِ رُمحِكَ مُفرَدُ
وَفي مَعرَكِ الآدابِ كَم لَكَ مَوقِفٌ / لِأَهلِ الحِجى مِنهُ مُقيمٌ وَمُقعَدُ
وَلَم يَبقَ مِن آيِ المَفاخِرِ آيَةٌ / وَلا غايَةٌ إِلّا وَعِندَكَ توجَدُ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ لا زالَ سَرمَداً / كَجودِكَ حَتّى بَعدَ فَقدِكَ سَرمَدُ
فَلَو خَلَّدَ المَعروفُ قَبلَكَ ماجِداً / لَكُنتَ بِإِسداءِ الجَميلِ مُخَلَّدُ
صُروفُ اللَيالي لا يَدومُ لَها عَهدُ
صُروفُ اللَيالي لا يَدومُ لَها عَهدُ / وَأَيدي المَنايا لا يُطاقُ لَها رَدُّ
تُسالِمُنا سَهواً وَتَسطو تَعَمُّداً / فَإِسعافُها عَسفٌ وَإِقصادُها قَصدُ
عَجِبتُ لِمَن يَغتَرُّ فيها لِجَنَّةٍ / مِنَ العَيشِ ما فيها سَلامٌ وَلا بَردُ
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلنَوائِبِ غارَةٌ / يُشَقُّ عَليها الجَيبُ أَو يُلطَمُ الحَدُّ
أَرى كُلَّ مَألوفٍ يُعَجَّلُ فَقدُهُ / فَما بالُ فَقدِ الإِلفِ لَيسَ لَهُ فَقدُ
فَقَدتُ رِجالاً كانَ في البُؤسِ بَأسُهُم / هُوَ الظَهرُ لي وَالباعُ وَاليَدُ وَالزِندُ
يَزيدُهُمُ لَيلُ الخُطوبِ إِذا دَجا / ضِياءً وَحُسنُ الضِدِّ يُظهِرُهُ الضِدُّ
أَرى كُلَّ مَن يَستَخلِصُ الشُكرَ بَعدَهُم / مِنَ الناسِ نَحراً لا يَليقُ بِهِ عِقدُ
لِذاكَ هَجَرتُ الإِلفَ أَعلَمُ أَنَّني / لَكَ السَيفُ لا يُبليهِ إِن بَلِيَ الغِمدُ
وَزُرتُ بِلاداً يُنبِتُ العِزَّ أَرضُها / وَيَنجَحُ في أَبناءِ أَبياتِها العَقدُ
مَخافَةَ أَن أُضحي مِنَ الخَلِّ خالِياً / وَحيداً وَأُمسي عِندَ مَن ما لَهُ عِندُ
وَلَمّا عَطَفتُ العَيسَ آخِرَ رِحلَةٍ / إِلى مَعهَدٍ لي وَالحَبيبُ بِهِ عَهدُ
وَشارَفتُ أَعلامَ الطَويلَةِ ذاكِراً / عُهودَ الصِبا وَالشَيبُ لَمّا يَلُح بَعدُ
سَأَلتُ حِمى الفَيحاءِ ما بالُ رَبعِها / جَديباً وَقَد كانَت نَضارَتُهُ تَبدو
وَما بالُها لَم يُروَ مِن مائِها الصَدى / لِظامٍ وَلا يوري لِقاصِدِها زَندُ
فَقالَت قَضى مَن كانَ بِالسَعدِ لي قَضى / وَصَوَّحَ نَبتُ العِزِّ وَاِنهَدَمَ المَجدُ
فَأَصبَحَ مَجدُ الدينِ في التُربِ ثاوِياً / وَزالَ السَماحُ السِبطُ وَالرَجَلُ الجَعدُ
فَتىً عَلَّمَتهُ غايَةَ الزُهدِ نَفسُهُ / فَأَصبَحَ حَتّى في الحَياةِ لَهُ زُهدُ
وَلَم أَرَ بَدراً قَبلَهُ حازَهُ الثَرى / وَلَم أَرَ بَحراً قَبلَهُ ضَمَّهُ اللَحدُ
سَليلُ صَفِيِّ المُصطَفى وَاِبنُ سِبطِهِ / لَقَد تابَ مِنهُ الأُمُّ وَالأَبُّ وَالجَدُّ
فَصيحٌ إِذا الخَصمُ الأَلَدُّ تَعالَمَت / دَلائِلُهُ كانَت لَهُ الحُجَجُ اللُدُّ
إِذا قالَ قَولاً يَسبُقُ القَولَ فِعلُهُ / فَليسَ لَهُ يَوماً وَعيدٌ وَلا وَعدُ
لَئِن أَخطَأَت أَيدي الرَدى بِمُصابِهِ / لَعَمرُ أَبي هَذا هُوَ الخَطَأُ العَمدُ
مَضى طاهِرَ الأَثوابِ وَالجِسمِ وَالحَشى / لَهُ الشُكرُ دِرعٌ وَالعَفافُ لَهُ بُردُ
وَأَبقى لَنا مِن طيبِهِ طيبَ وُلدِهِ / يَنوبُ كَما أَبقى لَنا ماءَهُ الوَردُ
هُمُ القَومُ فاهوا بِالفَصاحَةِ رُفَّعاً / وَشابَت نَواحي مَجدِهِم وَهُمُ مُردُ
إِذا حَلَّ مِنهُم واحِدٌ في قَبيلَةٍ / يُشارُ إِلَيهِ إِنَّهُ العَلَمُ الفَردُ
كَفاهُم فَخاراً أَنَّهُ لَهُمُ أَبٌ / وَيَكفيهِ أَن أَمسى وَمِنهُم لَهُ وُلدُ
فَيا نازِحاً يُدنيهِ حُسنُ اِدِّكارِهِ / فَفي بُعدِهِ قُربٌ وَفي قُربِهِ بُعدُ
لَكَ اللَهُ كَم أَدرَكتَ في المَجدِ غايَةً / تَقاعَسَ عَن إِدراكِها الأَسَدُ الوَردُ
إِذا اِفتَخَرَ الأَقوامُ يَوماً بِمَجدِهِم / فَإِنَّكَ مِن قَومٍ بِهِم يَفخَرُ المَجدُ
تَعَوَّدَ مَتنَ الصافِناتِ صَغيرُهُم / إِلى أَن تَساوى عِندَهُ السُرجُ وَالمَهدُ
حَموا لِجُنودِ الجَأشِ حَولَ بُيوتِهِم / مِنَ المَجدِ مالَ يَحمِهِ الجَيشُ وَالجُندُ
بُيوتُ كُماةٍ دونَها تُحطَمُ القَنا / وَغاباتُ أُسدٍ دونَها تُفرَسُ الأُسدُ
أَقاموا وَبَردُ العَيشِ عِندَهُمُ لَظىً / وَصالوا وَحَرُّ الكَرَّ عِندَهُمُ بَردُ
وَعَزّوا إِلى أَن سالَمَتهُم نُجومُها / فَلا نَجمَ إِلّا وَهوَ في رَبعِهِم سَعدُ
وَرَثتَ عُلاهُم وَاِقتَدَيتَ بِفَضلِهِم / فَأَنتَ إِذاً نِدَّ الكِرامِ لَهُم نِدُّ
فَإِن شاقَ صَدرُ الخَودِ وَالنَهدُ مَعشَراً / يَشوقُكَ صَدرُ الدِستِ وَالفَرَسُ النَهدُ
فَبِالرَغمِ مِنّي أَن يُغَيّبَكَ الثَرى / وَيَرجَعَ مَردوراً بِخَيبَتِهِ الوَفدُ
وَيُعرِضَ عَن رَدِّ الجَوابِ لِسائِلٍ / وَقَد كُنتَ لَم يَعرَف لِسائِلِكَ الرَدُّ
سَأَبكيكَ جُهدَ المُستَطيعِ مُنَظَّماً / رِثاكَ وَهَذا جُهدُ مَن ما لَهُ جُهدُ
فَإِن رَمِدَت أَجفانُ عَينِيَ بِالبُكا / فَكَم جُلِيَت مِنّا بِكَ الأَعيُنُ الرُمدُ
لَئِن كُنتَ قَد أَصبَحتَ عَنّا مُغَيَّباً / فَقَد نابَ عَنكَ الذِكرُ وَالشُكرُ وَالحَمدُ
وَما غابَ مَن يَقصو وَمَعناهُ حاضِرٌ / وَلازالَ مَن يَخفى وَآثارُهُ تَبدو
وَلَمّا رَأَينا المَنعَ مِنكُم سَجِيَّةً
وَلَمّا رَأَينا المَنعَ مِنكُم سَجِيَّةً / وَمازِلتُ بِالتَكليفِ مُستَفرِغاً جُهدي
عَدَلنا إِلى التَخفيفِ عَنّا وَعَنكُمُ / وَصِرنا نُجازي بِالدُعاءِ عَنِ الوِدِّ
خَلَصنا وَأَسقَطنا التَجَمُّلَ بَينَنا / فَلا سَيِّدي يُعطي وَلا عَبدُهُ يُهدي
كِلانا عَلى ما عَوَّدَتهُ طِباعُهُ
كِلانا عَلى ما عَوَّدَتهُ طِباعُهُ / مُقيمٌ وَكُلٌّ في الزِيادَةِ يَجهَدُ
لَكُم مِنِّيَ الوُدَّ الَّذي تَعهَدونَهُ / وَلي مِنكُمُ الهَجرُ الَّذي كُنتُ أَعهَدُ
لِيَحيى فَمٌ لَو عُلِّقَ المِسكُ فَوقَهُ
لِيَحيى فَمٌ لَو عُلِّقَ المِسكُ فَوقَهُ / لَأَصلَحَهُ وَالضِدُّ يُصلِحُهُ الضِدُّ
تَرى صَحبَهُ الحُضّارَ مِن نَتنِ ريحِهِ / كَأَنَّهُمُ مِن طولِ ما اِلتَثَموا مُردُ