أَخي إن وردتَ النِّيلَ قبل ورودي
أَخي إن وردتَ النِّيلَ قبل ورودي / فحيِّ ذمامي عندَهُ وعُهُودي
وقبِّلْ ثرىً فيه امتزجنا أُبوَّةً / ونُسلِمُهُ لابنٍ لنا وحفيدِ
أخي إنْ أذانُ الفجر لبَّيتَ صوته / سمِعْتَ لتكبيري ووقعِ سجودي
وما صُغْتَ قولاً أو هتفتَ بآيةٍ / خَلا مَنطقي من لفظها وقصيدي
أخي إنْ حواكَ الصبحُ ريَّانَ مشرقاً / أفقْتُ على يومٍ أغرَّ سعيدِ
أخي إن طواكَ الليلُ سهمانَ سادراً / نبا فيه جنبي واستحالَ رقودي
أخي إنْ شربتَ الماءَ صفواً فقد زكتْ / خمائلُ جنَّاتي وطاب حصيدي
أخي إنْ جفاكَ النهرُ أو جفَّ نبعُهُ / مشى الموتُ في زهري وقصَّفَ عودي
فكيف تُلاحيني وألحاكَ إنني / شهيدكَ في هذا وأنتَ شهيدي
حياتُكَ في الوادي حياتي فإِنما / وُجُودك في هذي الحياة وجودي
أخي إنْ نزلتَ الشاطِئيْن فسَلهما / متى فصلا ما بيننا بحدودِ
رَماني نذيرُ السُّوءِ فيكَ بنبأةٍ / فجَلَّلَ بالأحزان ليلة عيدي
وغامتْ سمائي بعد صفوٍ وأُخرِستْ / مَزاهرُ أحلامي وماتَ نشيدي
غداةَ تمنَّى المستبدُّ فِراقنا / على أرضِ آباءٍ لنا وجدودِ
وزفَّ لنا زيْفَ الأماني عُلالةً / لعلَّ بنا حُبَّ السيادة يُودي
أُخُوَّتُنا فوق الذي مان وادَّعى / وما بيننا من سيِّدٍ ومسودِ
إذا قال الاستقلالُ فاحذره ناصباً / فِخاخَ احتلال كالدهورِ أبيدِ
وكم قبْلُ منَّاني على وفرِ ما جَنَى / بحربين من زرعي وضَرْع وليدي
فلما أتاهُ النصرُ هاجَتهُ شِرَّةٌ / فهمَّ بنكراني ورامَ جُحُودي
ألا سَلهُ ماذا بعد سبعين حِجةً / أأنجز من وعدٍ أفكَّ قيودي
يُبَدِّلُني قيداً بقيدٍ كأنه / مدى الدهر فيها مُبدِئِي ومُعيدي
أخي وكلانا في الأسار مكبَّلٌ / نجُرُّ على الأشواكِ ثُقْلَ حديدِ
إذا لم تُحرِّرنا من الضيم وحدَةٌ / ذَهَبْنا بشملٍ في الحياة بديدِ
وما مصرُ والسودانُ إلَّا قضيَّةٌ / مُوحَّدَةٌ في غايةٍ وجهودِ
سَئمنا هُتافَ الخادعين بعَالمٍ / جديدٍ ولمَّا يأتِنا بجديدِ
وجفَّتْ حشاشاتٌ وُعِدْنَ بمائِهِ / فلما دَنَا أَلفَتْ سرابَ وعودِ
وطال ارتقابُ الساغبين لنارِهِ / على عاصفٍ يرمي الدُّجى بجليدِ
إِذا يَدُنا لم تُذْكِ نارَ حياتنا / فلا تَرْجُ دِفئاً من وميضِ رعودِ
إذا يَدُنا لم تَحْمِ نَبْعَ حياتنا / سرى رِيُّهُ سمّاً بكلِّ وريدِ
سيُجْريهِ ما شاءَتْ مطامعُ قومِهِ / ويحبسُهُ ما شاءَ خَلْفَ سدودِ
وكيف ينام المضعفون وحوْلهم / ظِماءُ نسورٍ أو جياعُ أسودِ
أخي هل شَهِدْتَ النيلَ غضبان ثائراً / يَرُجُّ من الشطآن كلّ مشيدِ
جرى من مَصَبَّيْهِ شُواظاً لنبعِهِ / على نفثاتٍ من دمٍ وصديدِ
وجنَّاتِ نَخْلٍ واجماتٍ كواسفٍ / وأسرابِ طير في الفلاةِ شريدِ
لدى نبأٍ قد رِيعَ من حمله الصَّدى / وضجَّ لهُ الموتى وراءَ لُحودِ
جنوبُكَ فيه والشمال تفزّعا / لتشتيتِ أهلٍ وانقسامِ صعيدِ
أحال ضياءَ الصبح حوليَ ظُلمةً / بها الحزنُ إلْفِي والهناءُ فقيدي
وسَعَّرَ أنفاسي فأطلقتُ نارَها / على الظالِمِ الجبَّار صَوْتَ وعيدِ
أرادكَ مفصومَ العُرى وأرادني / بهدْمِ إِخاءٍ كالجبال مشيدِ
ليأكلَنا من بَعْدُ شِلواً ممزَّقاً / كَطَيرٍ جريحٍ في الشِّباك جهيدِ
تَحايُلُ شيطانِ الأساليب لم يَدَعْ / مجالاً لشيطانٍ بهنَّ مَريدِ
على النيل يا ابن النيل أطلِقْ شراعَنا / وقُلْ لِلياليهِ الهنيّةِ عودي
وأرسلْ على الوادي حمائمَ أيكه / برنّة ولْهى أو شكاة عميدِ
وقل يا عروسَ النبع هاتي من الجنى / ودوري عَلَيْنا بالرحيق وجودي
وَهُبِّي عذارى النخل فرعاءَ وارقصي / بخُضْرِ أكاليلٍ وحُمْرِ عقودِ
ألا يا أخي واملأ كؤوسَ محبَّةٍ / مُقدّسَةٍ موعودةٍ بخلودِ
إذا هي هانتْ فانْعَ للشمس نورَها / وللقمر الساري بروجَ سعودِ
وقُلْ يا سماءَ النيل ويحكِ اقلعي / ويا أرضُ بالشُّمِّ الرواسخ مِيدي
وغيضي عيونَ الماءِ أو فتفجَّري / لَظىً وإِنِ اسطعتِ المزيدَ فزيدي