القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 19
ألا ليت عيشاً ماضياً عنكِ بالحِمى
ألا ليت عيشاً ماضياً عنكِ بالحِمى / وإنْ لم يَعُدْ ماضٍ عليكِ يعودُ
ويا زَوْرَنا لمّا سمحتَ بزَوْرةٍ / سمحتَ بها وهْناً ونحنُ هُجُودُ
على غفلةٍ جاء الكرى باعثاً لنا / بلا موعدٍ والزّائرون هُمُودُ
فيا مرحباً بالطّارِقي بعد هَجْعَةٍ / تَقَرُّ به الأحلامُ وهْوَ بعيدُ
وعلّمَني كَيفَ المُحالُ لقاؤُهُ / وَأنّى اِلتِقاءٌ وَاللّقاءُ كَؤودُ
وَما نحنُ إلّا في إسارِ عَدَامةٍ / وعند كَرانا أنّ ذاك وجودُ
عَصيتُك وَالأنفاسُ منِّي هواجِرٌ
عَصيتُك وَالأنفاسُ منِّي هواجِرٌ / فَكَيفَ ترجّيني وقيظُك باردُ
صحبتُ السُّرى حتى كسانِي ثِيابه / ونَظْم دَراريهِ عليَّ قلائِدُ
أُعانقُ سُمراً غيرُهنّ من الدُّمى / وألثِمُ بيضاً غيرُهنّ الخَرائِدُ
ولي حاجةٌ عند الأسنّةِ والظُّبا / تَهُمُّ بها نفسِي فأين المساعدُ
تُعافُ لها الآمالُ وهْيَ نوافقٌ / وينفُقُ فيها الموتُ والموتُ كاسدُ
إِذا لاكتِ الهيجاء فيها نفوسَنا / فَلَيسَ يَفوت الشّرطَ إلّا المُجالِدُ
مُرادِيَ أنْ تستَلّنِي في مُلِمّةٍ / فَإنّي حُسامٌ صانَهُ عنك غامِدُ
فتىً يلبسُ الإقدامَ والصّبرُ جازعٌ / ويكرع ماءَ الصَفْحِ والحلمُ حاقدُ
وكم لِيَ من يومٍ عصبتُ به الرّدى / وسمرُ العوالِي للنُّفوسِ تُراودُ
وَما ضَرّ قَولُ الكاشِحينَ وإنّما / كلامُ الأعادي للمعالِي مَقالِدُ
بقلبي غرامٌ ليس يَشفيه مَنْ أرى / ألا كلُّ ما يشفي المريض العوائدُ
وما ضرّني أنِّي خَليٌّ منَ الغِنى / وَوَفْرُ العُلا عندِي طريفٌ وتالِدُ
بياضك يا لون المشيبِ سوادُ
بياضك يا لون المشيبِ سوادُ / وَسُقمُك سقمٌ لا يكادُ يُعادُ
فقَد صِرتُ مَكروهاً على الشّيبِ بَعدَما / عَمِرْتُ وما عند المشيبِ أُرادُ
فلِي من قلوبِ الغانياتِ ملالةٌ / ولي من صلاحِ الغانياتِ فسادُ
وَما لي نَصيبٌ بَينهنّ وَلَيسَ لي / إذا هنّ زوّدن الأحبّةَ زادُ
وَما الشّيبُ إلّا توأَمُ الموتِ للفتى / وعيشُ امرئٍ بعد المشيبِ جهادُ
رأينا بوادي الرِّمثِ ظَبْيَ صريمةٍ
رأينا بوادي الرِّمثِ ظَبْيَ صريمةٍ / فصاد قلوباً لم يصِدْهنَّ صائدُ
تَقلّد حُسناً زانهُ في قُلوبنا / وَأَعيننا ما لم تزنهُ القلائدُ
وَلمّا طلبنا الوصلَ لم يكُ وصْلهُ / لطالبهِ إلّا السُّها والفراقدُ
وَما ثغرُهُ إلّا حَصىً من غمامةٍ / وَما فَرعه في العينِ إلّا أساودُ
وَقالوا لِقَلبي خَلِّ عنهُ وَقارَه / وَما قادَه إلّا الصَّبابةُ قائدُ
وَما يَلتَقي سالٍ وَصبٌّ إذا اِستوى / فَتىً غيرُ ذِي وَجْدٍ وَمَنْ هو واجدُ
وَلَمّا تفرَّقنا كما شاءَتِ النّوى
وَلَمّا تفرَّقنا كما شاءَتِ النّوى / تبيّنَ حبٌّ خالصٌ وتودُّدُ
كأنِّي وقد سارَ الخليطُ عشيّةً / أخو جِنَّةٍ ممّا أقومُ وأقعُدُ
أفِي كلِّ يومٍ لي مُنىً أستجدّها
أفِي كلِّ يومٍ لي مُنىً أستجدّها / وأسبابُ دنياً بالغرُورِ أودُّها
ونفسٌ تنزّى ليتها في جوانحٍ / لذِي قوَّةٍ يَسطيعها فيردّها
تَعامَهُ عَمْداً وهْيَ جِدُّ بصيرةٍ / كما ضلّ عن عشواءَ باللّيل رُشدُها
إذا قلتُ يوماً قد تناهى جِماحُها / تجانَفَ لِي عن منهجِ الحقِّ بعدُها
ولي نَقْدُها من كلِّ شرٍّ وربّما / يكون بخيرٍ لا توفّيه وعدُها
وَأَحْسَبُ مَولاها كَما يَنبغي لَها / وَأنِّيَ من فَرْطِ الإطاعةِ عبدُها
ترى في لساني ما تشاءُ من التُّقى / ومِنْ حَسَناتٍ ثمّ فعلِيَ ضدُّها
وأهوى سبيلاً لا أرى سالكاً بها / كأنِّيَ أقلاها وَغيري يَوَدُّها
وأنسى ذنوباً لِي أتتْ فات حصرُها / حسابي وربّي للجزاءِ يعُدُّها
أقِرُّ بها رَغماً وليس بنافعِي / وَقَد طويتْ صُحْفُ المعاذير جَحْدُها
وَلَمّا تَراءَتْ لي مَغبَّةُ قبحِها / وَعُرِّيَ عن دارِ المُجازاةِ بُرْدُها
تَندّمتُ لمّا لَم تَكُن لي نَدامةٌ / فَألّا وفى كفّي لو شئتُ ردّها
ولم أرَ كالدّنيا تصدّ عن الّذي / يَوَدُّ محبوها فيحسُنُ صدُّها
وتسقيهمُ منها الأُجاجَ مُصَرَّداً / وكيف بها لو طاب للقومِ عِدُّها
تعلّقتُها وَرْهاءَ للخَرْقِ نسجُها / وللمنع ما تُعطي وللحلِّ عقدُها
يُدالُ الهوى فيها مِراراً من الحِجى / ويقتادُها صُغْراً كما شاء وغْدُها
وما أنصَفتنا تظهِرُ الصَّفحَ كلَّهُ / لجانٍ وفيما لا ترى العينُ حِقْدُها
أراها على كلِّ العيوبِ حبيبةً / فيا لقلوبٍ قد حشاهنَّ وُدُّها
وحبُّ بنِي الدّنيا الحياةَ مسيئةً / بهمْ ثَلْمَةٌ بالنّفسِ أعوَزَ سدُّها
أَلا يا أُباةَ الضّيمِ كيف اِطّباكُمُ / وغيرُكُمُ يغترّه الرِّفْدُ رِفدُها
وَكَيفَ رَجَوتمْ خيرَها وإزاءَكمْ / طلائحُ أرْداهنّ بالأمس كدُّها
وقد كنتمُ جرّبتُمُ غِبّ نفعِها / وجرّعكم كأسَ المراراتِ شَهدُها
تَعاقَبَ فيكمُ حرُّها بعد بَردها / فما ضرّها لو حرُّها ثمَّ بردُها
وَلَو لَم تُنِلْكمُ كارِهينَ نَعيمها / لَما ضَرّكم كلَّ المضرّةِ جَهدُها
سَقَى اللَّهُ قلباً لم يَبتْ في ضلوعِهِ / هواها لم يطرقْ نواحيهِ وَجْدُها
ولم يَخشَ منها نحسَها فيبيتُهُ / عَلى ظَمأٍ إلّا مُحيّاهُ سعدُها
تخفّف مِن أزوادها مِلءَ طوقِهِ / فَهانَ عليهِ عندَ ذلك فَقدُها
سَئِمتُ مقامِي في الغبينةِ مُغْمَدا
سَئِمتُ مقامِي في الغبينةِ مُغْمَدا / يُراوحني فيها الملامُ كما غدا
ألا إنّ جارَ الذُلَّ مَن بات يتّقِي / سِناناً طَريراً أو حساماً مُهنّدا
وما خِيفةُ الإنسان إلّا غباوةٌ / وخوفُ الرّدى للمرءِ شرٌّ من الرّدى
تركتُ الهُوَيْنَى للرَّدِيِّ وإِنّنِي / إذا غار مُغترٌّ بها كنتُ مُنجِدا
وأيُّ مُرادٍ لم أنَلْهُ بعزّةٍ / فأنفسُ حظِّي منه أنْ يتبعّدا
وما شَعَفِي بالحرب إلّا لأنّنِي / أرى السّيفَ أهدى والكريهة أقصَد
سَقى اللَّهُ قلبِي ما أعَفَّ عن الهوى / وأَقْسى على نأْيَ الحبيبِ وأجْلدا
وَإنِّي مَتى ضنَّ الصّديقُ بقربهِ / أكنْ منه أسخى بالبِعاد وأجْوَدا
أرى الهمَّ يرميني إلى كلِّ غايةٍ / ومَن لِي بأَنْ ترضى همومِيَ مَقصَدا
لَعَلِّيَ أنْ ألْقى مِنَ النّاسِ واحداً / يكون على حُرِّ المطالبِ مُسعِدا
وهيهاتَ أعيا العزُّ كلَّ مُغامرٍ / وأفْنى على الدّنيا مسوداً وسيّدا
وسرٍّ حجبتُ النّاسَ عنه كأنّما / قذفتُ به في لُجّة البحر جَلْمدا
وداريتُ عنه صاحبِي وهْوَ دائبٌ / يُنازعهُ عَرضُ الحديثِ إذا بدا
عذوليَ ما أخشى جنايةَ كاشحٍ / إذا الحزمُ وارانِي خفيتُ عن العِدى
لَحا اللَّهُ هَذا الدّهرَ تأتِي حظوظُهُ / خطاءً ويَغشى ضيمُه متعمّدا
إذا نِلْتُ منه اليومَ حالاً حميدةً / أَبى فَتقاضاني اِرتجاعتها غدا
تنقّلنا الأيّامُ عن كلِّ عادةٍ / وتُبدلنا من موردِ العيشِ مورِدا
ولو كنت موفورَ الحياةِ من الأذى / على نَبَواتِ الدّهرِ كنتُ مخلَّدا
وهوّنَ ما ألْقى من الدّهرِ أنّه / تعمّدنِي بالغدر فيمن تعمّدا
وليستْ حياةُ المرءِ إلّا شرارةً / ولابدَّ يوماً أنْ تناهى فتخمُدا
أمَا ووجيفِ العِيسِ تنضو شفاهُها / لُغاماً تُحَلّاهُ الأزمّةُ مُزبِدا
وَنَهضةِ أَبناءِ اللقاءِ لخُطّةٍ / تجرُّ مَماتاً أو تقلِّدُ سُؤْدُدا
لَقد ألْصَقَتْنِي بالحسين خلائقٌ / أَعَدْنَ قديمَ المجدِ غضّاً مجدّدا
هو المرءُ إنْ قلَّ التقدّم مُقدِمٌ / وإِنْ عزّ زادٌ في العشيرةِ زوّدا
أَبِيٌّ على قولِ العواذلِ سمعُهُ / إِذا أَعرضوا دونَ الحفيظة والنّدا
وأرْوَعَ من آل النبيِّ إذا اِنتَمى / أصابَ عليَّاً والداً ومحمّدا
كرامٌ سَعَوا للمجد من كلِّ وُجهةٍ / كما بسطوا في كلّ مكْرُمةٍ يدا
وَما فيهمُ إلّا فَتىً ما تلبّستْ / بِهِ الحَربُ إلّا كانَ عَضْباً مجرّدا
وقاؤُك من صَرْفِ الرّدى كلُّ ناكلٍ / إذا صَدمَتْهُ النّائباتُ تبلّدا
جَرِيءٌ إذا ما الأمنُ أخلى جَنانَهُ / فإِنْ رابه ريبٌ تولّى وعرّدا
وأَنتَ الّذي لا يثلمُ الرّعبُ شدَّه / وقد لفّتِ الخيلُ السّوادَ المشرّدا
وكنتَ متى لاذتْ بنصرك بلدةٌ / ضممتَ إليها قَطْرَ أسْحَمَ أربدَا
رجالاً كأمثال الأسنَّةِ رُكَّزا / وخيلاً كأمثالِ الأعنّةِ شُرَّدا
ولا أَمنَ إلّا أَنْ تُردَّ صدورُها / منَ الطّعنِ يَسحبن القنا المتقصّدا
طوالعَ من ليلِ العجاجِ كأنّما / زَحَمْن الدُّجى عنهنّ حتّى تقدّدا
وَقَد سَلب الإقدامُ لَونَ جُلودها / وَأَلْبَسها بالطّعن ثوباً مورَّدا
وَيَومٍ طردتَ العُدْمَ عنه كأنّما / طردتَ به جنداً عليك مجنّدا
وَلَم تُلقَ إلّا باسِطاً من يمينهِ / ببذلِ الندى أو ضارباً فيه موعدا
هنيئاً لك العيدُ المخلِّفُ سعدُهُ / عليك من النّعماءِ ظِلّاً مُمدّدا
ولا زلتَ فيه بالغاً كلَّ إرْبَةٍ / ولا زال مكروراً عليك مُردَّدا
تهُبُّ رِياحُ الجوِّ حولَك كلُّها / نسيماً ويطلُعن الكواكبُ أَسْعُدا
أَبَتْ زَفراتُ الحبِّ إلّا تصعُّدا
أَبَتْ زَفراتُ الحبِّ إلّا تصعُّدا / وَيَأبى لَهيبُ الوجْدِ إِلّا تَوقُّدا
ولم أرَ مِنْ بعد الّذين تشرّدوا / لأعيُننا إلّا رُقاداً مشرّدا
تَذكّرتُ بِالغَوْرين نجداً ضلالةً / وَمِن أَين ذكرى غائر الدّار مُنجدا
مضى البينُ عنّا بالحياة وطيبِها / فلم يبق بعد البين شيءُ سوى الرّدى
فقلْ للّذي ينوِي الفراقِ وعندَه / بأنّي مطيقٌ في الفراق التجلّدا
وَعَدْتَ ببينٍ يسلبُ العيشَ طيبَه / فَما كانَ ذاكَ الوعدُ إلّا تَوعّدا
وَما كانَ عِندي أَن يُفرَّق شملُنا / ويبعُدُ عن داري العميدُ تعمّدا
وما سرّني أنْ سرتَ عنّي وأنّني / مُقيمٌ بأرضِي أو تغيبَ وأشهدا
سَيَرحَمُني مَن كانَ بالأمسِ حاسدِي / وما عادَلَ المرحومُ فيك المُحسَّدا
وأبقى وحيداً بعد أنْ كنتُ ثانياً / ومَنْ ذا بُعَيْدَ الأُنسِ يرضى التوحّدا
وَما زِلتُ دَهراً بالتفرّقِ قانعاً / فَما زِلتَ بي حتّى كرهتُ التفرّدا
هَززتُك سيفاً ما اِنثَنى عَن ضَريبةٍ / مضاءً كما أنّي نَقدتُك عَسجدا
وَكان الّذي بَيني وَبينك كلّهُ / وداداً وفي كلِّ الرّجالِ تودُّدا
فإنْ لم يكن سِنْخٌ يؤلّفُ بيننا / فقد ألّفَتْ فينا المودّةُ محتِدا
وَمَنْ قرّبته دارُ وُدٍّ مُصَحّحٍ / إليَّ فلا كان المقرّبُ مولِدا
وما كنتُ أخشى أنّني فيك أبتلِي / وتخرجُ عن كفّيَّ منك المهنّدا
وَأُسقى بكَ العذبَ النّميرَ وينثني / فراقُك يسقيني الأُجاجَ المصرّدا
ولو لم تَرُحْ عنّي لما كنتُ بالّذِي / أُبالِي بناءٍ راح عنِّيَ أو غدا
وَقَد زادَني منكَ النّظامُ كأنّه / رياضٌ بأعلى الحَزْنِ جاد لها النّدى
وقلّدني مَنّاً وما كنتُ قبلَه / وجَدِّك ما بين الرّجالِ مُقَلّدا
ولو أنَّنِي أنشدتُه نَغَماً به / مع الصّبحِ أطربتُ الحَمامَ المغرِّدا
كأنِّيَ لمّا أنْ كرعتُ زلاله / كَرِعتُ زلالاً من سحابٍ على صَدى
فَخُذه كَما شاءَ الودادُ وشئتَه / نظاماً على مرّ الزّمانِ منضّدا
هو الماء طوراً رقّةً وسلاسةً / وإنْ شئتَ طوراً قوّةً كان جَلْمَدا
ولمّا دعوتَ القولَ منِّي سمعته / وكان لمنْ يبغيه نَسْراً وفَرقدا
سقانِي ولَم أَستَسْقِهِ فضلَ خيرِهِ
سقانِي ولَم أَستَسْقِهِ فضلَ خيرِهِ / فَلَم يَسقنِي إِلّا الذُّعافَ المصَرَّدا
وَما زال يدعونِي إلى دارِ وصلِهِ / فلمّا دنوتُ الدّارَ ولّى وعَرَّدا
فماذا على مَن خاننِي في ودادِه / إذا لم يكنْ منه الوِدادُ تودّدا
ولو كان يجني مخطئاً لعذرتُهُ / ولكنّه يجنِي عليَّ تعمّدا
وَإنِّيَ ممّنْ إِن نَبا عنه منزلٌ / وأنكرَ مثواه نآه فأبعدا
تَلومُ وَقَد لاحَتْ طوالعُ شَيبتي
تَلومُ وَقَد لاحَتْ طوالعُ شَيبتي / وما كنتُ منها قبل ذاك مُفنَّدا
فَحسبُك مِن لَومي وإلّا فَبعضهُ / فَما اِبيضّ إلّا بَعضُ ما كان أسودا
وَلا تُلزميني اليوم عَيباً بصبغةٍ / سَتكتسبيها إِنْ بقيتِ لها غدا
وَلَو خلّدتْ لي خالةٌ معْ تولّع ال / ليالي بأحوالي لكنتُ المخلّدا
ولو لم أشِبْ أو تَنتقِصْنِيَ مُدّةٌ / لكنتُ على الأيّامِ نَسراً وفرقدا
وإنّ المشيبَ فِدْيَةٌ من صغيرةٍ / أبِيت بها صِفْراً من النّاسِ مفردا
أُوَسّدُ بِالصُّفّاحِ لا مِنْ كرامةٍ / وإنّي غنِيٌّ وَسْطَها أن أُوَسّدا
فلا تنفرِي يا نفسُ يوماً من الرّدى / فَما أَنتِ إلّا في طَريقٍ منَ الرّدى
ألا هلْ أتاها كيف حُزنِيَ بعدها
ألا هلْ أتاها كيف حُزنِيَ بعدها / وأنّ دموعي لست أملك رَدّها
تفيض على عينٍ مَرى الوجدُ ماءَها / ولم تستطعْ أنْ يغلِبَ الصَّبرُ وجدَها
غزيرةُ أنواءِ الجفونِ كأنّها / تناهتْ إلى بعض البِحار فمدّها
وقد كنتُ من قبل الفراق أهابهُ / كما هابَ ظِلمانُ الصّريمةِ أُسْدَها
وأُشفِقُ ممّا لا محالةَ واقعٌ / وهلْ للمنايا قادرٌ أن يردّها
كأنّيَ لمّا أنْ سمعتُ نعيَّها / أناخ على الأحشاءِ فارٍ فقدّها
وَلَم أَستطعْ في رُزْئِها عَطَّ مُهجتِي / وأجللتُه عن أنْ أُمزِّق بُردَها
وَممّا شَجاني أنّنِي لَم أَجد لَها / عَلى خِبرَتي شَيئاً يهوّن فقْدَها
وَأنِّيَ لمّا أَن قَضى اللَّهُ هُلْكَها / على قلبيَ المَحزون بُقّيتُ بَعْدَها
حَنى يَومُها الغادي كهولَ عَشيرتي / عَلى جَلَدٍ فيهمْ وشيّبَ مُرْدَها
وحطَّ الرّجالَ الشُمَّ مِن كلِّ شامخٍ / يُلاقون بِالأيدي منَ الأرضِ جِلْدَها
وَقَلّص عَنها العزّ ما فُدِحتْ به / فتحسبُ مولاها من الذلِّ عبدَها
فكم كَبدٍ حرّى تقطّع حسرةً / وكم عبرة قد أقرح الدّمعُ خدَّها
حرامٌ وقد غُيّبتِ عنِّيَ أنْ أرى / مِنَ الخلقِ إلّا نَظرةً لن أودَّها
وَسِيّانِ عندي أنْ حَبَتني خريدةٌ / بوصلٍ يُرجّى أو حَبَتْنِيَ صدَّها
وهيهات أن أُلفى أُرقّحُ صَرْمةً / وأطلبُ من دار المعيشةِ رَغْدَها
وَمِن أَينَ لي في غيرها عِوَضٌ بها / وقد أحرزتْ سُبْلَ الفضائلِ وحدَها
أُسامُ التسلِّي وهو عنِّي بمعزِلٍ / وكيف تُسامُ النّفسُ ما ليس عندها
وَبَينَ ضُلوعي يا عَذول نوافدٌ / أَبى العَذْلُ وَالتأنيبُ لِي أنْ يسدّها
وَودّي بأَنّ اللَّه يَومَ اِختِرامها / تخرّم من جنبيَّ ما حاز وُدّها
وَإنِّيَ لَمّا غالَها الموتُ غالني / فَبُعداً لِنَفسي إِذْ قَضى اللَّه بُعدَها
أَفي كلِّ يومٍ أيّها الدّهرُ نكبةٌ / تكدُّ حيازيمي فأحمل كدَّها
بلغتُ أشُدِّي لا بلغتُ وجزتُهُ / وَأعجلتها من أنْ تجوزَ أشُدَّها
ففزتُ بأَسنى ما حَوَتْهُ رواجبِي / وجاوزت في أمِّ المصيباتِ حدَّها
فَيا قَلب لِمْ أنت الجليدُ كأنّما / تحادثك الأطماعُ أنْ تستردّها
وما كنتُ أهوى أنّك اليومَ صابرٌ / ويدعوك فتيانُ العشيرةِ جَلْدَها
أَليسَ فِراقاً لا تلاقِيَ بعدَه / وغيبةَ سَفْرٍ لا يرجّون وفْدَها
أَلا فَاِلبَس الأحزانَ لبسةَ قانعٍ / بأثوابه لا يبتغِي أن يُجدَّها
وَصمَّ عنِ المغرينَ بالصّبرِ إنّهمْ / يطفّون ناراً ألْهبَ اللّه وقْدَها
وقبلكَ ما نال الزّمانُ مُعلَّقاً / بِأَجبالِ رَضْوى يرتعِي ثَمّ مَرْدَها
تواعَدَ في شمّاءَ يرقُبُ مُزْنَةً / تصوبُ عليه أعذبَ اللّهُ وِردَها
وَتَلقاهُ خِلْواً لا يطالع رِيبةً / ولا يتّقِي خِطْءَ اللَّيالِي وعَمْدَها
وداءُ الرّدى أفنى ظباءَ سُوَيقةٍ / وطيّر عن أجزاعِ تَدْمُرَ رُبْدَها
وأفضى إلى حُجْبِ الملوكِ وَلَم يَخفْ / شَباها ولم يرقُبْ هنالك حَشْدَها
يَسيرُ إِلَيها كلَّ يومٍ وليلةٍ / على مَهَلٍ منه فيسبقُ شَدَّها
وَكم عُصبةٍ باتتْ بظلٍّ سعادةٍ / تخطّفها أو أولج النّحْس سَعدها
وَهَدّمها مَنْ كان شاد بناءَها / وجرّدَها مَن كان أحكمَ غِمْدَها
سلامٌ على أرضِ الطّفوف ورحمةٌ / مَرى اللَّهُ سُقياها وأضرمَ زَنْدَها
ولا عَدِمتْ في كلِّ يومٍ وليلةٍ / حفائرُها من جنّةِ اللّهِ رِفْدَها
فَكَمْ ثَمَّ مِن أَشلاءِ قومٍ أعدَّها / لِيُعطِيَها ما تبتغي مَنْ أعدّها
وَللّهِ مِنها حفرةٌ جئتُ طائعاً / فأودعتُ دينِي ثُمَّ دنيايَ لَحْدَها
وولّيتُ عنها أنفضُ التّربَ عن يدٍ / نفضتُ ترابَ القبرِ عنها وزندَها
ولم يُسلِني شَيءٌ سِوى أنّ جارتِي / قَضى اللَّه بَعدِي أن تجاور جَدّها
وإنِّيَ لمّا أنْ شققتُ ضريحَها / إِزاءَ شهيد اللّه أَنجزت وعْدَها
وَكيفَ تَخافُ السّوءَ يومَ حسابها / وَقَد جعلتْ من أجنُدِ اللَّهِ جُندَها
وَتُمسِك في يومِ القيامةِ منهمُ / بُحجْزَةِ قومٍ لا يُبالون حدَّها
يَقونَ الّذي وَالاهُمُ اليومَ حَرَّها / ويُعطونَه عفواً كما شاءَ بَرْدها
وخُبّرتُها يومَ اِلتَقينا بذي النَّقا
وخُبّرتُها يومَ اِلتَقينا بذي النَّقا / تعجّبُ من وجدي وما عرفت وجْدا
وتَحسبُ أنّي مُدّعٍ عِندَها الهَوى / وتُعرِضُ عن دمعٍ بها أَترعَ الخدّا
فَيا لَيتني لَم أُكْسَ مِنها صَبابةً / كما هي ظنّتْ لا ولم أعرف الجَهدا
ولمّا قُرعنا بالنّوى حين غفلةٍ / تجلّدتُ مشتاقاً لتحسبني جَلْدا
وطار بقلبِي طائر البينِ عن يدي / على أنّني ما جُرتُ يومَ النَّوى قَصْدا
تكشّفَ ظلُّ العَتْبِ عن غُرّةِ العهدِ
تكشّفَ ظلُّ العَتْبِ عن غُرّةِ العهدِ / وَأَعدى اِقتِرابُ الوصلِ مِنّا على البُعدِ
تجنّبني من لستُ عن بعضِ هجرهِ / صفوحاً ولا في قسوةٍ منه بالجَلْدِ
نَضَتْهُ يدُ الإعتابِ عمّا سَخِطتُهُ / كما ينتضى العضبُ الجُرازُ من الغِمْدِ
وكنتُ على ما جرّه الهجرُ مُمسِكاً / بحبلِ وفاءٍ غير منفصم العَقْدِ
أمينَ نواحي السِّرِّ لم تَسْرِ غَدرَةٌ / ببالِي ولم أحفِلْ بداعيةِ الصَّدِّ
تَلينُ على مسِّ الإخاء مَضاربي / وإنْ كنتُ في الأقوام مُستخشنَ الحدِّ
وَلَمَّا اِستمرَّ البين في عُدَوائِهِ / تَغوّل عَفوي أو ترقّى إلى جُهدِي
أُصاحبُ حسنَ الظنِّ والشكُّ مُقبلٌ / بِوَجهي إِلى حيثُ اِسترثّتْ عُرا الوُدِّ
إِذا اِتّسَعَتْ في خُطِّةِ الصدّ فِكرتي / تجلَّلني همٌّ يضيق به جِلدِي
وَإِن ناكرتِي خلَّةٌ من خِلالِهِ / تعرّض قلبي يَفتَديها منَ الحِقْدِ
تخال رجالٌ ما رأوا لضلالةٍ / ولنْ تُستَشَفَّ الشمسُ بالأعينِ الرُّمدِ
وكم مُظهرٍ سِيما الودادِ يرونَه / حميداً وما يُخفي بعيدٌ من الحمدِ
وحوشيتُ أنْ ألقاك سبطاً بظاهري / وَأن كنتُ مطويّاً على باطنٍ جَعْدِ
إذا تَركتْ يُمنى يديك تعلُّقِي / فيا ليتَ شعرِي مَنْ تمسَّكُ مِنْ بعدي
إياباً فلم نُشرِفْ على غايةِ النّوى / ولم تَنْأَ كلَّ النأْيَ عن سَنَنِ القصْدِ
فَللدرّ نَثرٌ لَيس يُدفع حُسنُهُ / وليس كما ضمّتْهُ ناحيةُ العِقْدِ
وَلَو لَم يلاقِ القَدْحُ زنداً بمثلِهِ / كَما اِنبَعثت شُهبُ الشّرارِ من الزَّنْدِ
وَقد غاضَ سخطاناً فَهل من صبابةٍ / برأيك إنّي قد تصرّم ما عندِي
هَلُمَّ نُعِدْ صفوَ الودادِ كَما بدا / إعادةَ مَنْ لم يلفِ عن ذاك من بُدِّ
ونَغتَنِمُ الأيّامَ وَهْيَ طوائشٌ / تؤاتي بلا قصدٍ وتأبى بلا عَمْدِ
وَمثلُكَ أَهدى أنْ يعادَ إلى الهُدى / وأَرشدُ أنْ ينحازَ عن جهةِ القَصْدِ
إلامَ أرامِي في المُنى وأُرادِي
إلامَ أرامِي في المُنى وأُرادِي / وحشو صلاحِي في الزّمان فسادِي
وفجعِي بما نالتْ يداي موكّلٌ / فما سرّنِي أنّي بلغتُ مرادِي
فكم من مصيباتٍ إذا لم يُصبنَنِي / رواحاً وإمساءً فهنّ غوادِ
كأنّ جوادِي يومَ يطلبنِي الرّدى / ولا ناصرٌ لِي منه غيرُ جوادِ
ولا وَزَرٌ منه بزُرقِ أسنّتِي / ولا بيض أسيافي وسُمرِ صِعادِي
أفي كلّ يومٍ يقرع الموتُ مَرْوَتِي / ويُضرمُ أحشائي بِغَيرِ زنادِ
فيا أسهماً يمضين حول جوانبِي / لرامِي الرّدى أنّى يُصبْنَ فؤادِي
فرُزْءٌ على رُزءٍ وفجعٌ يُبيتنِي / على حَرِّ جمرٍ أو فِراشِ قَتادِ
وَهَل طَمَعِي في العيشِ إلّا جَهالةٌ / وفي كفّ روّادِ الحِمامِ قيادِي
يُسارُ بنا في كلِّ يومٍ وليلةٍ / إِلى حُفَرٍ تُطوى لنا بوهادِ
وما نافِعِي في هذه الدَّار مرّةً / بناءُ أهاضيبي ورفعُ عِمادِي
فَيا قُربَ بين الفقرِ فيها مِنَ الغِنى / وَبينَ اِزدِراعِي تارةً وحصادِي
وَما إِنْ وَفى غيثُ الرّدى في أصادقِي / بأنْ عَلِقَتْ يمناهُ لِي بأعادِ
وَمَن كانَ يُردي ذا حذارٍ وفطنةٍ / فماذا ملامُ المهمِل المتمادِي
سَلِ الدّهرَ عن سادات لَخْمٍ وحِمْيَرٍ / وأبناءِ نَهْدٍ بعدهمْ ومُرادِ
وَهَل بَقيتْ للعين والقلبِ بهجةٌ / بهوجِ اللّيالِي في ديارِ إيادِ
وَهَل تَرَكتْ أَيدي الرّدى مِن مُخبّرٍ / لآلِ نِزارٍ كلَّ يومِ تَنادِ
وَلَو كنتُ مَوعوظاً بِشيءِ عَرفته / يُقلِّلُ حِرصِي لاِتَّعظتُ بعادِ
مَضوا بعدَ أَن كانوا يُظنّ بقاؤهم / يكون على الدّنيا بغير نفادِ
وقد قلّدوا الأعناقَ منَّا وأترعوا / بطون الّليالي من لُهاً وأيادِ
فَيا هبةَ اللَّهِ اِرتُجعتَ إلى الرّدى / وقد كنت في فضلٍ ذُبالةَ نادِ
وما زلتَ خرّاجاً عن الغيّ والهوى / مَدَى الدّهرِ ولّاجاً لكلِّ رشادِ
وَكُنتَ لِعَينِي ثمّ قلبِي سوادَه / وليس بياضٌ فيهما كسوادِ
فَواللَّهِ ما أَدرِي أغال نعيُّهُ / رُقادِيَ حُزْناً أم أطارَ فؤادِي
على أنّه ذرّ الأسى في جوانحِي / وَأَودعَ منّي في الجفونِ سُهادِي
وما ضرّنِي والنّومُ ليس يزورنِي / دجىً وضحىً أنِّي بغير وِسادِ
فإنْ لم أعِرْ جسمِي عليك حِدادَه / فَقلبِيَ حزناً في ثيابِ حِدادِ
وَللَّهِ خَطبٌ زارني بعد هجعةٍ / فحرّم في عينَيَّ طعمَ رُقادِي
وَشرّد عنّي باِصطِبارٍ عهدتُه / وَأَحرج حَيزومِي وأضعف آدِي
وَعَرّف ما بينِي وَبيَن بلابلٍ / عمرتُ وما يمررن لِي ببلادِ
كَأنّي قَضيضُ الجنبِ حزناً ولوعةً / وفَرشي مهيداتٍ بغير مهادِ
ويا ليتني لمّا ثكلتُك لم أكن / جعلتك من سكّانِ دار ودادِي
وليتك لم تحلُلْ رِكابُك عَقْوَتِي / تُراوِحها صبّاً بِها وَتغادِي
وَما بَينَ قُربٍ وَاِشتِياقٍ عهدتُه / حَوَتْ أضلُعِي فرقٌ وبين بعادِي
سَقى اللَّهُ مَيْتاً لا يُرجّى إيابُه / وَحلَّ عليه رَبْطَ كلِّ مَزادِ
وَجادَ عليهِ كلُّ أسحمَ مسبلٍ / بعَذْبٍ صقيلِ الطُّرتين بُرادِ
لَهُ مِن وَميضِ البرقِ ثوبٌ مَعَصْفَرٌ / وَمِن رَعدِه وهناً زماجرُ حادِ
وَلا زالَتِ الأنواءُ يسقين تُربَه / إذا رائحٌ ولّى تصوّب غادِ
بلا موعدٍ تَخشى له النَّفس خُلفةً / وَخَيرُ اللُّها ما لم تكنْ بوعادِ
هلِ الدَّار تدري ما أثارتْ من الوجدِ
هلِ الدَّار تدري ما أثارتْ من الوجدِ / عشيّة عنّتْ للنّواظرِ من بُعْدِ
بَكيتُ ولولا نظرةٌ بمحجّرٍ / إلى الدّار لم تجرِ الدّموعُ على خدِّي
أيا صاحِ لولا أنّ دمعِيَ لم يَطِحْ / وقد لاح رسمُ الحيِّ لم تدرِ ما عندي
كتمتُك وجدِي طولَ ما أنت صاحبي / فنادتْ دموعُ العين منّي على وجدِي
ولمّا أقرّ الدّمعُ بان لك الهوى / فلم يُغنِ إنكاري الغرامَ ولا جحدِي
تذكّرتُ نجداً بعد ما غُرتُ موهِناً / وَأَينَ اِمرُءٌ بالغَوْرِ من ساكنِي نجدِ
وَأَذكرني شبهَ القضيبِ ونحنُ في / ظُهورِ مَطايانا قضيبٌ من الرّندِ
وَمُعتجراتٍ بالجمال كأنّما / بَسَمْنَ إذا يَبسِمن عن لؤلؤِ العِقدِ
لهنّ صباحٌ من وجوهٍ منيرةٍ / تخلّلها ليلٌ من الفاحِمِ الجَعْدِ
غلبن على ودّي ولولا محاسنٌ / جلون علينا ما غلبن على ودّي
وشرخ شبابٍ كنت أحقر فضله / إلى أن مضى والضدُّ يُعرف بالضدِّ
أمنتُ به بين الغوانِي وظلُّهُ / عليَّ مقيمٌ من بعادٍ ومن صدِّ
وقد قلتُ لمّا ضقتُ ذَرعاً بخُطّةٍ / شَموسِ القَرَا أين الوزير أبو سعدِ
فَتىً كانَ درعِي يوم تَحصبنِي العدى / ويوم ضرابِي للطُّلى موضعَ الزّندِ
وَما جِئتُه وَالرشدُ عنّي بمعزِلٍ / فَأَطلعنِي إلّا عَلى ذرْوَةِ الرّشدِ
وَكَم لكَ فيما بَيننا مِن مَواقفٍ / تسلّمتَ فيها رِبْقَةَ الحمدِ والمجدِ
فَبالسّيفِ طَوراً تولج النَّاسَ للهدى / وطوراً بأسباب التكرّمِ والرّفدِ
وَأَنتَ حَميتَ المُلكَ مِن كلِّ طالِعٍ / عَليهِ كَما تُحمى العرينةُ بالأسدِ
عَلى كلّ مطواعٍ إذا سُمتَه رَدى / وإن لم تَسُمه جَرْيَه فهو لا يردِي
كأنَّك منهُ فوقَ غاربِ عاصفٍ / منَ الرّيح أَو في ظهرِ هَيقٍ من الرُّبْدِ
وَما لِسفاهٍ بلْ لفَرْطِ شجاعةٍ / نزعتَ جلابيبَ المضاعفةِ السَّرْدِ
كَأنّك مِن بَأسٍ لَبِستَ قميصَه / لدَى الرَّوعِ في حَشْدٍ وما أنتَ في حَشْدِ
وَما لَكَ في هَزْلٍ معاجٌ وإِنّما / أتيتَ كما يؤتَى الرّجال من الجدِّ
ولم يُبقِ حِلمٌ أنتَ مالكُ رِقِّهِ / بِقَلبكَ بعدَ الصَّفحِ شيئاً من الحِقدِ
فَيا نازِحاً عنِّي وما لِيَ بعدَه / على جَوْرِ أيّامٍ إذا جُرنَ من مُعدِ
أما آن للقربِ الّذي كان بيننا / فولّى حميداً أنْ يُدالَ من البُعدِ
ولم تكُ دارٌ أنتَ فيها بعيدةً / ولكنّنِي بالعذرِ في حَلَقِ القِدِّ
وَما أَنا إلّا سائرٌ كلَّ طُرقةٍ / إليك على عُرْيِ المطهّمَةِ الجُرْدِ
فكم وطنٍ بالوُدِّ مِنِّي سكنتُه / وإنْ لم أُجرّرْ في جوانِبِه بُرْدِي
بقلبِيَ كَلْمٌ من فراقك مؤلمٌ / وكم بالفتى كَلْمٌ وما حزّ بالجِلدِ
ودمعِي على ما فاتنِي منك قاطِرٌ / كأنِّيَ دون النَّاسِ فارقتنِي وَحدي
سقَى اللَّهُ أيّاماً مَضين وأنت بِي / حَفيٌّ قريبُ المُلتَقى سَبِلُ الرّعدِ
لهنَّ بقلبِي عَبْقَةٌ أرَجِيَّةٌ / تبرّحُ بالنّفْحاتِ من عنبرِ الهِندِ
وقد حال فينا كلُّ شيءٍ عهدتُه / فلم يبقَ محفوظاً عليك سوى عهدِي
ولولا هَناةٌ كنتُ أقربَ منزِلاً / وما كلُّ سرٍّ في جوانحنا نُبدِي
فإنْ تَنْأَ فالعيّوقُ ناءٍ وإنْ تَغِبْ / فقد غابَ عنّا بُرهةً كوكبُ السّعدِ
وَلا خيرَ في وادٍ وأنت بغيرهِ / وما العيشُ مطلولاً خلافك بالرّغدِ
وإنِّيَ مغمودٌ وإِنْ كنتُ باتِراً / ولا بُدّ يوماً أن أُجرَّدَ من غِمدِي
فَإِن كُنتَ يوماً لَستَ تَرضى ضريبةً / فإنّك ترضى بالضريبةِ عن حَدّي
لَحَى اللَّهُ أَبناءَ الزمانِ فإِنّهمْ / بِتَيْهاءَ لا تدنو ضَلالاً عن القَصدِ
وَلَم يُرَ إلّا الهَزْلُ يَنفُقُ عندهمْ / فمن يشتري منِّي إذا بعتُه جِدّي
وَمُختَلطاً فيه الذّوائبُ كالشَّوى / وحُرُّهُمُ مِن لبسةِ الذُلِّ كالعبدِ
وكم فيهمُ للجهلِ ميتٌ وربّما / يَموت اِمرُءٌ لم يطوِه القومُ في اللَّحْدِ
فيا ليتَ أدواءَ الزّمانِ الَّتي عَصتْ / وأعيتْ على كلِّ المداواةِ لا تُعدِي
وَلَيس وفاءٌ للجميل بموعدٍ / لَدَيَّ ويأتينِي القبيحُ بلا وَعْدِ
وكم لك عندي من حقوقٍ كثيرةٍ / أنَفْنَ على حصري وأعيا بِها عَدِّي
فإنْ فُتنَ حمدِي كثرةً وزيادةً / فللّهِ دَرُّ الفائتاتِ مدى حمدِي
وإنّي لمُهدٍ كلَّ يومٍ قصيدةً / إليك وما يُهدي الأنام كما أُهدِي
يَسيرُ بِها عنِّي الرُّواةُ وإنّها / لتَخدِي وما تخدِي الرُّواةُ كما تخدِي
من الكَلِمِ الباقي على الدّهرِ خالداً / وكم كَلِمٍ لم يُؤتَ شيئاً من الخُلدِ
هو الماءُ طوراً رِقّةً وسلاسةً / وطوراً إذا ما شئتَ كالحجرِ الصَّلْدِ
وَما قُدَّ إلّا مِن قلوبٍ أديمُهُ / فليس له فيهنَّ شيءٌ من الرّدِّ
فَخُذه رَسولاً نائباً عن زيارتي / فإنّ قصيدي فيك أنفعُ من قصدِي
وَدُم لِجَلالٍ لَستَ فيه مُشاركاً / وَبَذلِ النّدى في النّاسِ والحلِّ والعَقدِ
أيا ملكَ الأملاكِ قَد جاءني الّذي
أيا ملكَ الأملاكِ قَد جاءني الّذي / حبَوْتَ به من نعمةٍ وتعهّدِ
وأرسلتَ تستدعِي المديحَ وإنّه / لرأسِيَ تاجٌ والسّواران في يدِي
ولم يكن التّشريفُ لِي دَرَّ درُّه / سوى خزّ أثوابِي ودُرِّ مقلَّدي
وما أخّرَ النَّظْمَ الّذي كنتَ خاطباً / به بين هذا الخلق في كلِّ مشهدِ
سوى مرضٍ حوشيتَ منه وإنّني / لراضٍ بأنّي للأذى عنك مُفتدِ
وحال عن التّجويدِ ما قد شكوتُه / ولم أرضَ قولاً فيكَ غيرَ مجوَّدِ
وليس لمعقول اللّسانِ مقالةٌ / تُقالُ ولا مَشْىٌ لرجلِ المقيَّدِ
وَكَيفَ اِطّراحِي مدحَ مَن كان مدحُه / به الدّهرَ تسبيحي وطولُ تهجّدِي
أصولُ به فعلاً على كلِّ فاعلٍ / وأزهى به قولاً على كلّ منشدِ
وكم لِيَ في مدحِي عُلاكَ قصائدٌ / فَضَلْنَ اِفتِخاراً نَظْمَ كلِّ مُقصِّدِ
يَسِرْن عَلى الأكوار شرقاً ومغرباً / وَيَقطعنَ فينا كلَّ بَرٍّ وفَدْفَدِ
ويُطربن مَن أصغى لهنَّ بسمعِه / كما أطربتْ ذا الخمرِ ألحانُ مَعبدِ
فإنْ غرَّد الشادِي بهنَّ تنغُّماً / تناسيتَ تغريد الحَمامِ المغرّدِ
خَدَمتُكَ كَهلاً مُذ ثلاثون حجّةً / أروح بما ترضاه مِنِّي وأغتدِي
ولم تكُ منِّي هفوةٌ ما اِعتمدتُها / فكيف لما تأتي يدُ المتعمّدِ
وَما كانَ إلّا في رضاك تشمّرِي / وَلا كانَ إلّا في هواك تجرّدِي
تَنامُ الدّجى عنِّي وأقطعُ عرضه / دعاءً بما تهوى بجَفْنٍ مُسهَّدِ
وَأَعلمُ أنّي مُستجابٌ دعاؤُه / لصادقِ إِخلاصِي ومحضِ تودُّدِي
وَكنتَ ملكتَ الرِّقَ مِنِّيَ سالفاً / فخذْ رِبْقتِي عفواً بملكٍ مجدّدِ
فَأَمّا مَوالينا بَنوك فإنّهمْ / علَوْا في سماءٍ للعُلا كلَّ فرقدِ
سُيوفُ غِوارٍ بَيننا وتسلّطٍ / كهوفُ قرارٍ بيننا وتمهّدِ
هُمُ ورِثوا تلك النّجابةَ فيهمُ / كَما شِئتَها عَن سيّدٍ بعد سيّدِ
حُسدتَ بهمْ لمّا تناهى كمالُهمْ / ولا خيرَ فيمن عاش غيرَ محسَّدِ
وكم لهمُ في الملكِ من عَبَقٍ به / ومن مرتقىً عالي البناءِ مشيّدِ
وتُعرَف فيهمْ من شَمائلك التِي / بهرتَ بها آثار مجدٍ وسؤدُدِ
ولم ترمِ لمّا أن رميت إلى المنى / بهمْ أسهماً إلّا بسهمٍ مسدَّدِ
فَلا زلتَ مكفيّاً بهمْ كلَّ ريبةٍ / ولا زلتَ فيهمْ بالغاً كلَّ مقصدِ
وَإِنّك مِن قَومٍ إِذا شَهِدوا الوغى / فما شئتَ من عانٍ بها وفتىً رَدِ
وَمِن أَبيضٍ عندَ الضّراب مثلَّمٍ / وَمِن أَسمرٍ عندَ الطّعان مقصّدِ
أَبَوْا أَن يَسدّوا عَن عَظيمِ أناتِهِ / وَأَن يُحجموا عن جاحمٍ متوَقّدِ
وَأَن يَرجعوا إلّا بِشملٍ مجمّعٍ / جنَوْه لهمْ من كفِّ شملٍ مبَدَّدِ
ولم يُرَ فيهمْ والمخاوفُ جمّةٌ / مُوَلٍّ إلى أمنٍ ولا من معرّدِ
وَلَم يَرتووا إلّا بِما سال بالقنا / كما يرتوي بالماءِ من عطشٍ صَدِ
وَدمْ أَبداً لِلمَجدِ وَالحمدِ والنّدى / تَعومُ اِنغِماساً في بقاء مخلَّدِ
وَإِن رامَ دَهرٌ أَن يسوءَك صرفُه / فأصغى بمصلومٍ وعضّ بأدْرَدِ
وَلا طَلعتْ يوماً على دولةٍ بها / بَلغنا بها إلّا كَواكبُ أسعُدِ
صددتِ بلا جرمٍ صدودَ قطيعةٍ
صددتِ بلا جرمٍ صدودَ قطيعةٍ / وعندكِ أنّي لا أجازيكِ بالصدِّ
وغرّكِ أنّي في إِسارٍ من الهوى / وَكَم فَلتَ المأسورُ من حَلَقِ القِدِّ
فَلا تَطلبِي ما ليس عندي تعنّتاً / سيكفيك منِّي لو تأمّلتِ ما عندي
ومُنتَقِباتٍ بالجمالِ أتَينَنا
ومُنتَقِباتٍ بالجمالِ أتَينَنا / وقد ملّ مِنّا كلُّ راعٍ وعائدِ
فقُلن وقد أنكرن ما بِيَ مِن ضَنىً / ألا ما ترى ما بين تلك الوسائدِ
فقلتُ وقلبِي واجفٌ غيرُ ساكنٍ / غراماً ودمعِي سافحٌ غيرُ جامدِ
وجدتُ غراماً ما تَجِدْنَ وما اِستَوى / بحامل ثِقلٍ في الهوى غيرُ واجدِ
فملنَ كما مالتْ غصونٌ مريحةٌ / يُضاحكن مِنّا حاضراتِ الولائدِ
أمِن شعرٍ في الرّأس بُدّلَ لونُه
أمِن شعرٍ في الرّأس بُدّلَ لونُه / تبدّلتِ يا أسماءُ عنّي وعن ودِّي
فإنْ يكُ هذا الهجرُ منكِ أو القِلى / فليس بياضُ الرّأس يا أسْمُ من عندي
تصدّين عمداً والهوى أنتِ كلّهُ / وما كان شيبي لو تأمّلتِ من عمدي
وليس لمن جازته ستُّون حجّةً / من الشيب إنْ لم يردِه الموتُ من بُدِّ
ولا لومَ يوماً من تغيّرِ صِبغتي / إِذا لم يكن ذاك التغيُّرُ من عهدِي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025