المجموع : 19
ألا ليت عيشاً ماضياً عنكِ بالحِمى
ألا ليت عيشاً ماضياً عنكِ بالحِمى / وإنْ لم يَعُدْ ماضٍ عليكِ يعودُ
ويا زَوْرَنا لمّا سمحتَ بزَوْرةٍ / سمحتَ بها وهْناً ونحنُ هُجُودُ
على غفلةٍ جاء الكرى باعثاً لنا / بلا موعدٍ والزّائرون هُمُودُ
فيا مرحباً بالطّارِقي بعد هَجْعَةٍ / تَقَرُّ به الأحلامُ وهْوَ بعيدُ
وعلّمَني كَيفَ المُحالُ لقاؤُهُ / وَأنّى اِلتِقاءٌ وَاللّقاءُ كَؤودُ
وَما نحنُ إلّا في إسارِ عَدَامةٍ / وعند كَرانا أنّ ذاك وجودُ
عَصيتُك وَالأنفاسُ منِّي هواجِرٌ
عَصيتُك وَالأنفاسُ منِّي هواجِرٌ / فَكَيفَ ترجّيني وقيظُك باردُ
صحبتُ السُّرى حتى كسانِي ثِيابه / ونَظْم دَراريهِ عليَّ قلائِدُ
أُعانقُ سُمراً غيرُهنّ من الدُّمى / وألثِمُ بيضاً غيرُهنّ الخَرائِدُ
ولي حاجةٌ عند الأسنّةِ والظُّبا / تَهُمُّ بها نفسِي فأين المساعدُ
تُعافُ لها الآمالُ وهْيَ نوافقٌ / وينفُقُ فيها الموتُ والموتُ كاسدُ
إِذا لاكتِ الهيجاء فيها نفوسَنا / فَلَيسَ يَفوت الشّرطَ إلّا المُجالِدُ
مُرادِيَ أنْ تستَلّنِي في مُلِمّةٍ / فَإنّي حُسامٌ صانَهُ عنك غامِدُ
فتىً يلبسُ الإقدامَ والصّبرُ جازعٌ / ويكرع ماءَ الصَفْحِ والحلمُ حاقدُ
وكم لِيَ من يومٍ عصبتُ به الرّدى / وسمرُ العوالِي للنُّفوسِ تُراودُ
وَما ضَرّ قَولُ الكاشِحينَ وإنّما / كلامُ الأعادي للمعالِي مَقالِدُ
بقلبي غرامٌ ليس يَشفيه مَنْ أرى / ألا كلُّ ما يشفي المريض العوائدُ
وما ضرّني أنِّي خَليٌّ منَ الغِنى / وَوَفْرُ العُلا عندِي طريفٌ وتالِدُ
بياضك يا لون المشيبِ سوادُ
بياضك يا لون المشيبِ سوادُ / وَسُقمُك سقمٌ لا يكادُ يُعادُ
فقَد صِرتُ مَكروهاً على الشّيبِ بَعدَما / عَمِرْتُ وما عند المشيبِ أُرادُ
فلِي من قلوبِ الغانياتِ ملالةٌ / ولي من صلاحِ الغانياتِ فسادُ
وَما لي نَصيبٌ بَينهنّ وَلَيسَ لي / إذا هنّ زوّدن الأحبّةَ زادُ
وَما الشّيبُ إلّا توأَمُ الموتِ للفتى / وعيشُ امرئٍ بعد المشيبِ جهادُ
رأينا بوادي الرِّمثِ ظَبْيَ صريمةٍ
رأينا بوادي الرِّمثِ ظَبْيَ صريمةٍ / فصاد قلوباً لم يصِدْهنَّ صائدُ
تَقلّد حُسناً زانهُ في قُلوبنا / وَأَعيننا ما لم تزنهُ القلائدُ
وَلمّا طلبنا الوصلَ لم يكُ وصْلهُ / لطالبهِ إلّا السُّها والفراقدُ
وَما ثغرُهُ إلّا حَصىً من غمامةٍ / وَما فَرعه في العينِ إلّا أساودُ
وَقالوا لِقَلبي خَلِّ عنهُ وَقارَه / وَما قادَه إلّا الصَّبابةُ قائدُ
وَما يَلتَقي سالٍ وَصبٌّ إذا اِستوى / فَتىً غيرُ ذِي وَجْدٍ وَمَنْ هو واجدُ
وَلَمّا تفرَّقنا كما شاءَتِ النّوى
وَلَمّا تفرَّقنا كما شاءَتِ النّوى / تبيّنَ حبٌّ خالصٌ وتودُّدُ
كأنِّي وقد سارَ الخليطُ عشيّةً / أخو جِنَّةٍ ممّا أقومُ وأقعُدُ
أفِي كلِّ يومٍ لي مُنىً أستجدّها
أفِي كلِّ يومٍ لي مُنىً أستجدّها / وأسبابُ دنياً بالغرُورِ أودُّها
ونفسٌ تنزّى ليتها في جوانحٍ / لذِي قوَّةٍ يَسطيعها فيردّها
تَعامَهُ عَمْداً وهْيَ جِدُّ بصيرةٍ / كما ضلّ عن عشواءَ باللّيل رُشدُها
إذا قلتُ يوماً قد تناهى جِماحُها / تجانَفَ لِي عن منهجِ الحقِّ بعدُها
ولي نَقْدُها من كلِّ شرٍّ وربّما / يكون بخيرٍ لا توفّيه وعدُها
وَأَحْسَبُ مَولاها كَما يَنبغي لَها / وَأنِّيَ من فَرْطِ الإطاعةِ عبدُها
ترى في لساني ما تشاءُ من التُّقى / ومِنْ حَسَناتٍ ثمّ فعلِيَ ضدُّها
وأهوى سبيلاً لا أرى سالكاً بها / كأنِّيَ أقلاها وَغيري يَوَدُّها
وأنسى ذنوباً لِي أتتْ فات حصرُها / حسابي وربّي للجزاءِ يعُدُّها
أقِرُّ بها رَغماً وليس بنافعِي / وَقَد طويتْ صُحْفُ المعاذير جَحْدُها
وَلَمّا تَراءَتْ لي مَغبَّةُ قبحِها / وَعُرِّيَ عن دارِ المُجازاةِ بُرْدُها
تَندّمتُ لمّا لَم تَكُن لي نَدامةٌ / فَألّا وفى كفّي لو شئتُ ردّها
ولم أرَ كالدّنيا تصدّ عن الّذي / يَوَدُّ محبوها فيحسُنُ صدُّها
وتسقيهمُ منها الأُجاجَ مُصَرَّداً / وكيف بها لو طاب للقومِ عِدُّها
تعلّقتُها وَرْهاءَ للخَرْقِ نسجُها / وللمنع ما تُعطي وللحلِّ عقدُها
يُدالُ الهوى فيها مِراراً من الحِجى / ويقتادُها صُغْراً كما شاء وغْدُها
وما أنصَفتنا تظهِرُ الصَّفحَ كلَّهُ / لجانٍ وفيما لا ترى العينُ حِقْدُها
أراها على كلِّ العيوبِ حبيبةً / فيا لقلوبٍ قد حشاهنَّ وُدُّها
وحبُّ بنِي الدّنيا الحياةَ مسيئةً / بهمْ ثَلْمَةٌ بالنّفسِ أعوَزَ سدُّها
أَلا يا أُباةَ الضّيمِ كيف اِطّباكُمُ / وغيرُكُمُ يغترّه الرِّفْدُ رِفدُها
وَكَيفَ رَجَوتمْ خيرَها وإزاءَكمْ / طلائحُ أرْداهنّ بالأمس كدُّها
وقد كنتمُ جرّبتُمُ غِبّ نفعِها / وجرّعكم كأسَ المراراتِ شَهدُها
تَعاقَبَ فيكمُ حرُّها بعد بَردها / فما ضرّها لو حرُّها ثمَّ بردُها
وَلَو لَم تُنِلْكمُ كارِهينَ نَعيمها / لَما ضَرّكم كلَّ المضرّةِ جَهدُها
سَقَى اللَّهُ قلباً لم يَبتْ في ضلوعِهِ / هواها لم يطرقْ نواحيهِ وَجْدُها
ولم يَخشَ منها نحسَها فيبيتُهُ / عَلى ظَمأٍ إلّا مُحيّاهُ سعدُها
تخفّف مِن أزوادها مِلءَ طوقِهِ / فَهانَ عليهِ عندَ ذلك فَقدُها
سَئِمتُ مقامِي في الغبينةِ مُغْمَدا
سَئِمتُ مقامِي في الغبينةِ مُغْمَدا / يُراوحني فيها الملامُ كما غدا
ألا إنّ جارَ الذُلَّ مَن بات يتّقِي / سِناناً طَريراً أو حساماً مُهنّدا
وما خِيفةُ الإنسان إلّا غباوةٌ / وخوفُ الرّدى للمرءِ شرٌّ من الرّدى
تركتُ الهُوَيْنَى للرَّدِيِّ وإِنّنِي / إذا غار مُغترٌّ بها كنتُ مُنجِدا
وأيُّ مُرادٍ لم أنَلْهُ بعزّةٍ / فأنفسُ حظِّي منه أنْ يتبعّدا
وما شَعَفِي بالحرب إلّا لأنّنِي / أرى السّيفَ أهدى والكريهة أقصَد
سَقى اللَّهُ قلبِي ما أعَفَّ عن الهوى / وأَقْسى على نأْيَ الحبيبِ وأجْلدا
وَإنِّي مَتى ضنَّ الصّديقُ بقربهِ / أكنْ منه أسخى بالبِعاد وأجْوَدا
أرى الهمَّ يرميني إلى كلِّ غايةٍ / ومَن لِي بأَنْ ترضى همومِيَ مَقصَدا
لَعَلِّيَ أنْ ألْقى مِنَ النّاسِ واحداً / يكون على حُرِّ المطالبِ مُسعِدا
وهيهاتَ أعيا العزُّ كلَّ مُغامرٍ / وأفْنى على الدّنيا مسوداً وسيّدا
وسرٍّ حجبتُ النّاسَ عنه كأنّما / قذفتُ به في لُجّة البحر جَلْمدا
وداريتُ عنه صاحبِي وهْوَ دائبٌ / يُنازعهُ عَرضُ الحديثِ إذا بدا
عذوليَ ما أخشى جنايةَ كاشحٍ / إذا الحزمُ وارانِي خفيتُ عن العِدى
لَحا اللَّهُ هَذا الدّهرَ تأتِي حظوظُهُ / خطاءً ويَغشى ضيمُه متعمّدا
إذا نِلْتُ منه اليومَ حالاً حميدةً / أَبى فَتقاضاني اِرتجاعتها غدا
تنقّلنا الأيّامُ عن كلِّ عادةٍ / وتُبدلنا من موردِ العيشِ مورِدا
ولو كنت موفورَ الحياةِ من الأذى / على نَبَواتِ الدّهرِ كنتُ مخلَّدا
وهوّنَ ما ألْقى من الدّهرِ أنّه / تعمّدنِي بالغدر فيمن تعمّدا
وليستْ حياةُ المرءِ إلّا شرارةً / ولابدَّ يوماً أنْ تناهى فتخمُدا
أمَا ووجيفِ العِيسِ تنضو شفاهُها / لُغاماً تُحَلّاهُ الأزمّةُ مُزبِدا
وَنَهضةِ أَبناءِ اللقاءِ لخُطّةٍ / تجرُّ مَماتاً أو تقلِّدُ سُؤْدُدا
لَقد ألْصَقَتْنِي بالحسين خلائقٌ / أَعَدْنَ قديمَ المجدِ غضّاً مجدّدا
هو المرءُ إنْ قلَّ التقدّم مُقدِمٌ / وإِنْ عزّ زادٌ في العشيرةِ زوّدا
أَبِيٌّ على قولِ العواذلِ سمعُهُ / إِذا أَعرضوا دونَ الحفيظة والنّدا
وأرْوَعَ من آل النبيِّ إذا اِنتَمى / أصابَ عليَّاً والداً ومحمّدا
كرامٌ سَعَوا للمجد من كلِّ وُجهةٍ / كما بسطوا في كلّ مكْرُمةٍ يدا
وَما فيهمُ إلّا فَتىً ما تلبّستْ / بِهِ الحَربُ إلّا كانَ عَضْباً مجرّدا
وقاؤُك من صَرْفِ الرّدى كلُّ ناكلٍ / إذا صَدمَتْهُ النّائباتُ تبلّدا
جَرِيءٌ إذا ما الأمنُ أخلى جَنانَهُ / فإِنْ رابه ريبٌ تولّى وعرّدا
وأَنتَ الّذي لا يثلمُ الرّعبُ شدَّه / وقد لفّتِ الخيلُ السّوادَ المشرّدا
وكنتَ متى لاذتْ بنصرك بلدةٌ / ضممتَ إليها قَطْرَ أسْحَمَ أربدَا
رجالاً كأمثال الأسنَّةِ رُكَّزا / وخيلاً كأمثالِ الأعنّةِ شُرَّدا
ولا أَمنَ إلّا أَنْ تُردَّ صدورُها / منَ الطّعنِ يَسحبن القنا المتقصّدا
طوالعَ من ليلِ العجاجِ كأنّما / زَحَمْن الدُّجى عنهنّ حتّى تقدّدا
وَقَد سَلب الإقدامُ لَونَ جُلودها / وَأَلْبَسها بالطّعن ثوباً مورَّدا
وَيَومٍ طردتَ العُدْمَ عنه كأنّما / طردتَ به جنداً عليك مجنّدا
وَلَم تُلقَ إلّا باسِطاً من يمينهِ / ببذلِ الندى أو ضارباً فيه موعدا
هنيئاً لك العيدُ المخلِّفُ سعدُهُ / عليك من النّعماءِ ظِلّاً مُمدّدا
ولا زلتَ فيه بالغاً كلَّ إرْبَةٍ / ولا زال مكروراً عليك مُردَّدا
تهُبُّ رِياحُ الجوِّ حولَك كلُّها / نسيماً ويطلُعن الكواكبُ أَسْعُدا
أَبَتْ زَفراتُ الحبِّ إلّا تصعُّدا
أَبَتْ زَفراتُ الحبِّ إلّا تصعُّدا / وَيَأبى لَهيبُ الوجْدِ إِلّا تَوقُّدا
ولم أرَ مِنْ بعد الّذين تشرّدوا / لأعيُننا إلّا رُقاداً مشرّدا
تَذكّرتُ بِالغَوْرين نجداً ضلالةً / وَمِن أَين ذكرى غائر الدّار مُنجدا
مضى البينُ عنّا بالحياة وطيبِها / فلم يبق بعد البين شيءُ سوى الرّدى
فقلْ للّذي ينوِي الفراقِ وعندَه / بأنّي مطيقٌ في الفراق التجلّدا
وَعَدْتَ ببينٍ يسلبُ العيشَ طيبَه / فَما كانَ ذاكَ الوعدُ إلّا تَوعّدا
وَما كانَ عِندي أَن يُفرَّق شملُنا / ويبعُدُ عن داري العميدُ تعمّدا
وما سرّني أنْ سرتَ عنّي وأنّني / مُقيمٌ بأرضِي أو تغيبَ وأشهدا
سَيَرحَمُني مَن كانَ بالأمسِ حاسدِي / وما عادَلَ المرحومُ فيك المُحسَّدا
وأبقى وحيداً بعد أنْ كنتُ ثانياً / ومَنْ ذا بُعَيْدَ الأُنسِ يرضى التوحّدا
وَما زِلتُ دَهراً بالتفرّقِ قانعاً / فَما زِلتَ بي حتّى كرهتُ التفرّدا
هَززتُك سيفاً ما اِنثَنى عَن ضَريبةٍ / مضاءً كما أنّي نَقدتُك عَسجدا
وَكان الّذي بَيني وَبينك كلّهُ / وداداً وفي كلِّ الرّجالِ تودُّدا
فإنْ لم يكن سِنْخٌ يؤلّفُ بيننا / فقد ألّفَتْ فينا المودّةُ محتِدا
وَمَنْ قرّبته دارُ وُدٍّ مُصَحّحٍ / إليَّ فلا كان المقرّبُ مولِدا
وما كنتُ أخشى أنّني فيك أبتلِي / وتخرجُ عن كفّيَّ منك المهنّدا
وَأُسقى بكَ العذبَ النّميرَ وينثني / فراقُك يسقيني الأُجاجَ المصرّدا
ولو لم تَرُحْ عنّي لما كنتُ بالّذِي / أُبالِي بناءٍ راح عنِّيَ أو غدا
وَقَد زادَني منكَ النّظامُ كأنّه / رياضٌ بأعلى الحَزْنِ جاد لها النّدى
وقلّدني مَنّاً وما كنتُ قبلَه / وجَدِّك ما بين الرّجالِ مُقَلّدا
ولو أنَّنِي أنشدتُه نَغَماً به / مع الصّبحِ أطربتُ الحَمامَ المغرِّدا
كأنِّيَ لمّا أنْ كرعتُ زلاله / كَرِعتُ زلالاً من سحابٍ على صَدى
فَخُذه كَما شاءَ الودادُ وشئتَه / نظاماً على مرّ الزّمانِ منضّدا
هو الماء طوراً رقّةً وسلاسةً / وإنْ شئتَ طوراً قوّةً كان جَلْمَدا
ولمّا دعوتَ القولَ منِّي سمعته / وكان لمنْ يبغيه نَسْراً وفَرقدا
سقانِي ولَم أَستَسْقِهِ فضلَ خيرِهِ
سقانِي ولَم أَستَسْقِهِ فضلَ خيرِهِ / فَلَم يَسقنِي إِلّا الذُّعافَ المصَرَّدا
وَما زال يدعونِي إلى دارِ وصلِهِ / فلمّا دنوتُ الدّارَ ولّى وعَرَّدا
فماذا على مَن خاننِي في ودادِه / إذا لم يكنْ منه الوِدادُ تودّدا
ولو كان يجني مخطئاً لعذرتُهُ / ولكنّه يجنِي عليَّ تعمّدا
وَإنِّيَ ممّنْ إِن نَبا عنه منزلٌ / وأنكرَ مثواه نآه فأبعدا
تَلومُ وَقَد لاحَتْ طوالعُ شَيبتي
تَلومُ وَقَد لاحَتْ طوالعُ شَيبتي / وما كنتُ منها قبل ذاك مُفنَّدا
فَحسبُك مِن لَومي وإلّا فَبعضهُ / فَما اِبيضّ إلّا بَعضُ ما كان أسودا
وَلا تُلزميني اليوم عَيباً بصبغةٍ / سَتكتسبيها إِنْ بقيتِ لها غدا
وَلَو خلّدتْ لي خالةٌ معْ تولّع ال / ليالي بأحوالي لكنتُ المخلّدا
ولو لم أشِبْ أو تَنتقِصْنِيَ مُدّةٌ / لكنتُ على الأيّامِ نَسراً وفرقدا
وإنّ المشيبَ فِدْيَةٌ من صغيرةٍ / أبِيت بها صِفْراً من النّاسِ مفردا
أُوَسّدُ بِالصُّفّاحِ لا مِنْ كرامةٍ / وإنّي غنِيٌّ وَسْطَها أن أُوَسّدا
فلا تنفرِي يا نفسُ يوماً من الرّدى / فَما أَنتِ إلّا في طَريقٍ منَ الرّدى
ألا هلْ أتاها كيف حُزنِيَ بعدها
ألا هلْ أتاها كيف حُزنِيَ بعدها / وأنّ دموعي لست أملك رَدّها
تفيض على عينٍ مَرى الوجدُ ماءَها / ولم تستطعْ أنْ يغلِبَ الصَّبرُ وجدَها
غزيرةُ أنواءِ الجفونِ كأنّها / تناهتْ إلى بعض البِحار فمدّها
وقد كنتُ من قبل الفراق أهابهُ / كما هابَ ظِلمانُ الصّريمةِ أُسْدَها
وأُشفِقُ ممّا لا محالةَ واقعٌ / وهلْ للمنايا قادرٌ أن يردّها
كأنّيَ لمّا أنْ سمعتُ نعيَّها / أناخ على الأحشاءِ فارٍ فقدّها
وَلَم أَستطعْ في رُزْئِها عَطَّ مُهجتِي / وأجللتُه عن أنْ أُمزِّق بُردَها
وَممّا شَجاني أنّنِي لَم أَجد لَها / عَلى خِبرَتي شَيئاً يهوّن فقْدَها
وَأنِّيَ لمّا أَن قَضى اللَّهُ هُلْكَها / على قلبيَ المَحزون بُقّيتُ بَعْدَها
حَنى يَومُها الغادي كهولَ عَشيرتي / عَلى جَلَدٍ فيهمْ وشيّبَ مُرْدَها
وحطَّ الرّجالَ الشُمَّ مِن كلِّ شامخٍ / يُلاقون بِالأيدي منَ الأرضِ جِلْدَها
وَقَلّص عَنها العزّ ما فُدِحتْ به / فتحسبُ مولاها من الذلِّ عبدَها
فكم كَبدٍ حرّى تقطّع حسرةً / وكم عبرة قد أقرح الدّمعُ خدَّها
حرامٌ وقد غُيّبتِ عنِّيَ أنْ أرى / مِنَ الخلقِ إلّا نَظرةً لن أودَّها
وَسِيّانِ عندي أنْ حَبَتني خريدةٌ / بوصلٍ يُرجّى أو حَبَتْنِيَ صدَّها
وهيهات أن أُلفى أُرقّحُ صَرْمةً / وأطلبُ من دار المعيشةِ رَغْدَها
وَمِن أَينَ لي في غيرها عِوَضٌ بها / وقد أحرزتْ سُبْلَ الفضائلِ وحدَها
أُسامُ التسلِّي وهو عنِّي بمعزِلٍ / وكيف تُسامُ النّفسُ ما ليس عندها
وَبَينَ ضُلوعي يا عَذول نوافدٌ / أَبى العَذْلُ وَالتأنيبُ لِي أنْ يسدّها
وَودّي بأَنّ اللَّه يَومَ اِختِرامها / تخرّم من جنبيَّ ما حاز وُدّها
وَإنِّيَ لَمّا غالَها الموتُ غالني / فَبُعداً لِنَفسي إِذْ قَضى اللَّه بُعدَها
أَفي كلِّ يومٍ أيّها الدّهرُ نكبةٌ / تكدُّ حيازيمي فأحمل كدَّها
بلغتُ أشُدِّي لا بلغتُ وجزتُهُ / وَأعجلتها من أنْ تجوزَ أشُدَّها
ففزتُ بأَسنى ما حَوَتْهُ رواجبِي / وجاوزت في أمِّ المصيباتِ حدَّها
فَيا قَلب لِمْ أنت الجليدُ كأنّما / تحادثك الأطماعُ أنْ تستردّها
وما كنتُ أهوى أنّك اليومَ صابرٌ / ويدعوك فتيانُ العشيرةِ جَلْدَها
أَليسَ فِراقاً لا تلاقِيَ بعدَه / وغيبةَ سَفْرٍ لا يرجّون وفْدَها
أَلا فَاِلبَس الأحزانَ لبسةَ قانعٍ / بأثوابه لا يبتغِي أن يُجدَّها
وَصمَّ عنِ المغرينَ بالصّبرِ إنّهمْ / يطفّون ناراً ألْهبَ اللّه وقْدَها
وقبلكَ ما نال الزّمانُ مُعلَّقاً / بِأَجبالِ رَضْوى يرتعِي ثَمّ مَرْدَها
تواعَدَ في شمّاءَ يرقُبُ مُزْنَةً / تصوبُ عليه أعذبَ اللّهُ وِردَها
وَتَلقاهُ خِلْواً لا يطالع رِيبةً / ولا يتّقِي خِطْءَ اللَّيالِي وعَمْدَها
وداءُ الرّدى أفنى ظباءَ سُوَيقةٍ / وطيّر عن أجزاعِ تَدْمُرَ رُبْدَها
وأفضى إلى حُجْبِ الملوكِ وَلَم يَخفْ / شَباها ولم يرقُبْ هنالك حَشْدَها
يَسيرُ إِلَيها كلَّ يومٍ وليلةٍ / على مَهَلٍ منه فيسبقُ شَدَّها
وَكم عُصبةٍ باتتْ بظلٍّ سعادةٍ / تخطّفها أو أولج النّحْس سَعدها
وَهَدّمها مَنْ كان شاد بناءَها / وجرّدَها مَن كان أحكمَ غِمْدَها
سلامٌ على أرضِ الطّفوف ورحمةٌ / مَرى اللَّهُ سُقياها وأضرمَ زَنْدَها
ولا عَدِمتْ في كلِّ يومٍ وليلةٍ / حفائرُها من جنّةِ اللّهِ رِفْدَها
فَكَمْ ثَمَّ مِن أَشلاءِ قومٍ أعدَّها / لِيُعطِيَها ما تبتغي مَنْ أعدّها
وَللّهِ مِنها حفرةٌ جئتُ طائعاً / فأودعتُ دينِي ثُمَّ دنيايَ لَحْدَها
وولّيتُ عنها أنفضُ التّربَ عن يدٍ / نفضتُ ترابَ القبرِ عنها وزندَها
ولم يُسلِني شَيءٌ سِوى أنّ جارتِي / قَضى اللَّه بَعدِي أن تجاور جَدّها
وإنِّيَ لمّا أنْ شققتُ ضريحَها / إِزاءَ شهيد اللّه أَنجزت وعْدَها
وَكيفَ تَخافُ السّوءَ يومَ حسابها / وَقَد جعلتْ من أجنُدِ اللَّهِ جُندَها
وَتُمسِك في يومِ القيامةِ منهمُ / بُحجْزَةِ قومٍ لا يُبالون حدَّها
يَقونَ الّذي وَالاهُمُ اليومَ حَرَّها / ويُعطونَه عفواً كما شاءَ بَرْدها
وخُبّرتُها يومَ اِلتَقينا بذي النَّقا
وخُبّرتُها يومَ اِلتَقينا بذي النَّقا / تعجّبُ من وجدي وما عرفت وجْدا
وتَحسبُ أنّي مُدّعٍ عِندَها الهَوى / وتُعرِضُ عن دمعٍ بها أَترعَ الخدّا
فَيا لَيتني لَم أُكْسَ مِنها صَبابةً / كما هي ظنّتْ لا ولم أعرف الجَهدا
ولمّا قُرعنا بالنّوى حين غفلةٍ / تجلّدتُ مشتاقاً لتحسبني جَلْدا
وطار بقلبِي طائر البينِ عن يدي / على أنّني ما جُرتُ يومَ النَّوى قَصْدا
تكشّفَ ظلُّ العَتْبِ عن غُرّةِ العهدِ
تكشّفَ ظلُّ العَتْبِ عن غُرّةِ العهدِ / وَأَعدى اِقتِرابُ الوصلِ مِنّا على البُعدِ
تجنّبني من لستُ عن بعضِ هجرهِ / صفوحاً ولا في قسوةٍ منه بالجَلْدِ
نَضَتْهُ يدُ الإعتابِ عمّا سَخِطتُهُ / كما ينتضى العضبُ الجُرازُ من الغِمْدِ
وكنتُ على ما جرّه الهجرُ مُمسِكاً / بحبلِ وفاءٍ غير منفصم العَقْدِ
أمينَ نواحي السِّرِّ لم تَسْرِ غَدرَةٌ / ببالِي ولم أحفِلْ بداعيةِ الصَّدِّ
تَلينُ على مسِّ الإخاء مَضاربي / وإنْ كنتُ في الأقوام مُستخشنَ الحدِّ
وَلَمَّا اِستمرَّ البين في عُدَوائِهِ / تَغوّل عَفوي أو ترقّى إلى جُهدِي
أُصاحبُ حسنَ الظنِّ والشكُّ مُقبلٌ / بِوَجهي إِلى حيثُ اِسترثّتْ عُرا الوُدِّ
إِذا اِتّسَعَتْ في خُطِّةِ الصدّ فِكرتي / تجلَّلني همٌّ يضيق به جِلدِي
وَإِن ناكرتِي خلَّةٌ من خِلالِهِ / تعرّض قلبي يَفتَديها منَ الحِقْدِ
تخال رجالٌ ما رأوا لضلالةٍ / ولنْ تُستَشَفَّ الشمسُ بالأعينِ الرُّمدِ
وكم مُظهرٍ سِيما الودادِ يرونَه / حميداً وما يُخفي بعيدٌ من الحمدِ
وحوشيتُ أنْ ألقاك سبطاً بظاهري / وَأن كنتُ مطويّاً على باطنٍ جَعْدِ
إذا تَركتْ يُمنى يديك تعلُّقِي / فيا ليتَ شعرِي مَنْ تمسَّكُ مِنْ بعدي
إياباً فلم نُشرِفْ على غايةِ النّوى / ولم تَنْأَ كلَّ النأْيَ عن سَنَنِ القصْدِ
فَللدرّ نَثرٌ لَيس يُدفع حُسنُهُ / وليس كما ضمّتْهُ ناحيةُ العِقْدِ
وَلَو لَم يلاقِ القَدْحُ زنداً بمثلِهِ / كَما اِنبَعثت شُهبُ الشّرارِ من الزَّنْدِ
وَقد غاضَ سخطاناً فَهل من صبابةٍ / برأيك إنّي قد تصرّم ما عندِي
هَلُمَّ نُعِدْ صفوَ الودادِ كَما بدا / إعادةَ مَنْ لم يلفِ عن ذاك من بُدِّ
ونَغتَنِمُ الأيّامَ وَهْيَ طوائشٌ / تؤاتي بلا قصدٍ وتأبى بلا عَمْدِ
وَمثلُكَ أَهدى أنْ يعادَ إلى الهُدى / وأَرشدُ أنْ ينحازَ عن جهةِ القَصْدِ
إلامَ أرامِي في المُنى وأُرادِي
إلامَ أرامِي في المُنى وأُرادِي / وحشو صلاحِي في الزّمان فسادِي
وفجعِي بما نالتْ يداي موكّلٌ / فما سرّنِي أنّي بلغتُ مرادِي
فكم من مصيباتٍ إذا لم يُصبنَنِي / رواحاً وإمساءً فهنّ غوادِ
كأنّ جوادِي يومَ يطلبنِي الرّدى / ولا ناصرٌ لِي منه غيرُ جوادِ
ولا وَزَرٌ منه بزُرقِ أسنّتِي / ولا بيض أسيافي وسُمرِ صِعادِي
أفي كلّ يومٍ يقرع الموتُ مَرْوَتِي / ويُضرمُ أحشائي بِغَيرِ زنادِ
فيا أسهماً يمضين حول جوانبِي / لرامِي الرّدى أنّى يُصبْنَ فؤادِي
فرُزْءٌ على رُزءٍ وفجعٌ يُبيتنِي / على حَرِّ جمرٍ أو فِراشِ قَتادِ
وَهَل طَمَعِي في العيشِ إلّا جَهالةٌ / وفي كفّ روّادِ الحِمامِ قيادِي
يُسارُ بنا في كلِّ يومٍ وليلةٍ / إِلى حُفَرٍ تُطوى لنا بوهادِ
وما نافِعِي في هذه الدَّار مرّةً / بناءُ أهاضيبي ورفعُ عِمادِي
فَيا قُربَ بين الفقرِ فيها مِنَ الغِنى / وَبينَ اِزدِراعِي تارةً وحصادِي
وَما إِنْ وَفى غيثُ الرّدى في أصادقِي / بأنْ عَلِقَتْ يمناهُ لِي بأعادِ
وَمَن كانَ يُردي ذا حذارٍ وفطنةٍ / فماذا ملامُ المهمِل المتمادِي
سَلِ الدّهرَ عن سادات لَخْمٍ وحِمْيَرٍ / وأبناءِ نَهْدٍ بعدهمْ ومُرادِ
وَهَل بَقيتْ للعين والقلبِ بهجةٌ / بهوجِ اللّيالِي في ديارِ إيادِ
وَهَل تَرَكتْ أَيدي الرّدى مِن مُخبّرٍ / لآلِ نِزارٍ كلَّ يومِ تَنادِ
وَلَو كنتُ مَوعوظاً بِشيءِ عَرفته / يُقلِّلُ حِرصِي لاِتَّعظتُ بعادِ
مَضوا بعدَ أَن كانوا يُظنّ بقاؤهم / يكون على الدّنيا بغير نفادِ
وقد قلّدوا الأعناقَ منَّا وأترعوا / بطون الّليالي من لُهاً وأيادِ
فَيا هبةَ اللَّهِ اِرتُجعتَ إلى الرّدى / وقد كنت في فضلٍ ذُبالةَ نادِ
وما زلتَ خرّاجاً عن الغيّ والهوى / مَدَى الدّهرِ ولّاجاً لكلِّ رشادِ
وَكُنتَ لِعَينِي ثمّ قلبِي سوادَه / وليس بياضٌ فيهما كسوادِ
فَواللَّهِ ما أَدرِي أغال نعيُّهُ / رُقادِيَ حُزْناً أم أطارَ فؤادِي
على أنّه ذرّ الأسى في جوانحِي / وَأَودعَ منّي في الجفونِ سُهادِي
وما ضرّنِي والنّومُ ليس يزورنِي / دجىً وضحىً أنِّي بغير وِسادِ
فإنْ لم أعِرْ جسمِي عليك حِدادَه / فَقلبِيَ حزناً في ثيابِ حِدادِ
وَللَّهِ خَطبٌ زارني بعد هجعةٍ / فحرّم في عينَيَّ طعمَ رُقادِي
وَشرّد عنّي باِصطِبارٍ عهدتُه / وَأَحرج حَيزومِي وأضعف آدِي
وَعَرّف ما بينِي وَبيَن بلابلٍ / عمرتُ وما يمررن لِي ببلادِ
كَأنّي قَضيضُ الجنبِ حزناً ولوعةً / وفَرشي مهيداتٍ بغير مهادِ
ويا ليتني لمّا ثكلتُك لم أكن / جعلتك من سكّانِ دار ودادِي
وليتك لم تحلُلْ رِكابُك عَقْوَتِي / تُراوِحها صبّاً بِها وَتغادِي
وَما بَينَ قُربٍ وَاِشتِياقٍ عهدتُه / حَوَتْ أضلُعِي فرقٌ وبين بعادِي
سَقى اللَّهُ مَيْتاً لا يُرجّى إيابُه / وَحلَّ عليه رَبْطَ كلِّ مَزادِ
وَجادَ عليهِ كلُّ أسحمَ مسبلٍ / بعَذْبٍ صقيلِ الطُّرتين بُرادِ
لَهُ مِن وَميضِ البرقِ ثوبٌ مَعَصْفَرٌ / وَمِن رَعدِه وهناً زماجرُ حادِ
وَلا زالَتِ الأنواءُ يسقين تُربَه / إذا رائحٌ ولّى تصوّب غادِ
بلا موعدٍ تَخشى له النَّفس خُلفةً / وَخَيرُ اللُّها ما لم تكنْ بوعادِ
هلِ الدَّار تدري ما أثارتْ من الوجدِ
هلِ الدَّار تدري ما أثارتْ من الوجدِ / عشيّة عنّتْ للنّواظرِ من بُعْدِ
بَكيتُ ولولا نظرةٌ بمحجّرٍ / إلى الدّار لم تجرِ الدّموعُ على خدِّي
أيا صاحِ لولا أنّ دمعِيَ لم يَطِحْ / وقد لاح رسمُ الحيِّ لم تدرِ ما عندي
كتمتُك وجدِي طولَ ما أنت صاحبي / فنادتْ دموعُ العين منّي على وجدِي
ولمّا أقرّ الدّمعُ بان لك الهوى / فلم يُغنِ إنكاري الغرامَ ولا جحدِي
تذكّرتُ نجداً بعد ما غُرتُ موهِناً / وَأَينَ اِمرُءٌ بالغَوْرِ من ساكنِي نجدِ
وَأَذكرني شبهَ القضيبِ ونحنُ في / ظُهورِ مَطايانا قضيبٌ من الرّندِ
وَمُعتجراتٍ بالجمال كأنّما / بَسَمْنَ إذا يَبسِمن عن لؤلؤِ العِقدِ
لهنّ صباحٌ من وجوهٍ منيرةٍ / تخلّلها ليلٌ من الفاحِمِ الجَعْدِ
غلبن على ودّي ولولا محاسنٌ / جلون علينا ما غلبن على ودّي
وشرخ شبابٍ كنت أحقر فضله / إلى أن مضى والضدُّ يُعرف بالضدِّ
أمنتُ به بين الغوانِي وظلُّهُ / عليَّ مقيمٌ من بعادٍ ومن صدِّ
وقد قلتُ لمّا ضقتُ ذَرعاً بخُطّةٍ / شَموسِ القَرَا أين الوزير أبو سعدِ
فَتىً كانَ درعِي يوم تَحصبنِي العدى / ويوم ضرابِي للطُّلى موضعَ الزّندِ
وَما جِئتُه وَالرشدُ عنّي بمعزِلٍ / فَأَطلعنِي إلّا عَلى ذرْوَةِ الرّشدِ
وَكَم لكَ فيما بَيننا مِن مَواقفٍ / تسلّمتَ فيها رِبْقَةَ الحمدِ والمجدِ
فَبالسّيفِ طَوراً تولج النَّاسَ للهدى / وطوراً بأسباب التكرّمِ والرّفدِ
وَأَنتَ حَميتَ المُلكَ مِن كلِّ طالِعٍ / عَليهِ كَما تُحمى العرينةُ بالأسدِ
عَلى كلّ مطواعٍ إذا سُمتَه رَدى / وإن لم تَسُمه جَرْيَه فهو لا يردِي
كأنَّك منهُ فوقَ غاربِ عاصفٍ / منَ الرّيح أَو في ظهرِ هَيقٍ من الرُّبْدِ
وَما لِسفاهٍ بلْ لفَرْطِ شجاعةٍ / نزعتَ جلابيبَ المضاعفةِ السَّرْدِ
كَأنّك مِن بَأسٍ لَبِستَ قميصَه / لدَى الرَّوعِ في حَشْدٍ وما أنتَ في حَشْدِ
وَما لَكَ في هَزْلٍ معاجٌ وإِنّما / أتيتَ كما يؤتَى الرّجال من الجدِّ
ولم يُبقِ حِلمٌ أنتَ مالكُ رِقِّهِ / بِقَلبكَ بعدَ الصَّفحِ شيئاً من الحِقدِ
فَيا نازِحاً عنِّي وما لِيَ بعدَه / على جَوْرِ أيّامٍ إذا جُرنَ من مُعدِ
أما آن للقربِ الّذي كان بيننا / فولّى حميداً أنْ يُدالَ من البُعدِ
ولم تكُ دارٌ أنتَ فيها بعيدةً / ولكنّنِي بالعذرِ في حَلَقِ القِدِّ
وَما أَنا إلّا سائرٌ كلَّ طُرقةٍ / إليك على عُرْيِ المطهّمَةِ الجُرْدِ
فكم وطنٍ بالوُدِّ مِنِّي سكنتُه / وإنْ لم أُجرّرْ في جوانِبِه بُرْدِي
بقلبِيَ كَلْمٌ من فراقك مؤلمٌ / وكم بالفتى كَلْمٌ وما حزّ بالجِلدِ
ودمعِي على ما فاتنِي منك قاطِرٌ / كأنِّيَ دون النَّاسِ فارقتنِي وَحدي
سقَى اللَّهُ أيّاماً مَضين وأنت بِي / حَفيٌّ قريبُ المُلتَقى سَبِلُ الرّعدِ
لهنَّ بقلبِي عَبْقَةٌ أرَجِيَّةٌ / تبرّحُ بالنّفْحاتِ من عنبرِ الهِندِ
وقد حال فينا كلُّ شيءٍ عهدتُه / فلم يبقَ محفوظاً عليك سوى عهدِي
ولولا هَناةٌ كنتُ أقربَ منزِلاً / وما كلُّ سرٍّ في جوانحنا نُبدِي
فإنْ تَنْأَ فالعيّوقُ ناءٍ وإنْ تَغِبْ / فقد غابَ عنّا بُرهةً كوكبُ السّعدِ
وَلا خيرَ في وادٍ وأنت بغيرهِ / وما العيشُ مطلولاً خلافك بالرّغدِ
وإنِّيَ مغمودٌ وإِنْ كنتُ باتِراً / ولا بُدّ يوماً أن أُجرَّدَ من غِمدِي
فَإِن كُنتَ يوماً لَستَ تَرضى ضريبةً / فإنّك ترضى بالضريبةِ عن حَدّي
لَحَى اللَّهُ أَبناءَ الزمانِ فإِنّهمْ / بِتَيْهاءَ لا تدنو ضَلالاً عن القَصدِ
وَلَم يُرَ إلّا الهَزْلُ يَنفُقُ عندهمْ / فمن يشتري منِّي إذا بعتُه جِدّي
وَمُختَلطاً فيه الذّوائبُ كالشَّوى / وحُرُّهُمُ مِن لبسةِ الذُلِّ كالعبدِ
وكم فيهمُ للجهلِ ميتٌ وربّما / يَموت اِمرُءٌ لم يطوِه القومُ في اللَّحْدِ
فيا ليتَ أدواءَ الزّمانِ الَّتي عَصتْ / وأعيتْ على كلِّ المداواةِ لا تُعدِي
وَلَيس وفاءٌ للجميل بموعدٍ / لَدَيَّ ويأتينِي القبيحُ بلا وَعْدِ
وكم لك عندي من حقوقٍ كثيرةٍ / أنَفْنَ على حصري وأعيا بِها عَدِّي
فإنْ فُتنَ حمدِي كثرةً وزيادةً / فللّهِ دَرُّ الفائتاتِ مدى حمدِي
وإنّي لمُهدٍ كلَّ يومٍ قصيدةً / إليك وما يُهدي الأنام كما أُهدِي
يَسيرُ بِها عنِّي الرُّواةُ وإنّها / لتَخدِي وما تخدِي الرُّواةُ كما تخدِي
من الكَلِمِ الباقي على الدّهرِ خالداً / وكم كَلِمٍ لم يُؤتَ شيئاً من الخُلدِ
هو الماءُ طوراً رِقّةً وسلاسةً / وطوراً إذا ما شئتَ كالحجرِ الصَّلْدِ
وَما قُدَّ إلّا مِن قلوبٍ أديمُهُ / فليس له فيهنَّ شيءٌ من الرّدِّ
فَخُذه رَسولاً نائباً عن زيارتي / فإنّ قصيدي فيك أنفعُ من قصدِي
وَدُم لِجَلالٍ لَستَ فيه مُشاركاً / وَبَذلِ النّدى في النّاسِ والحلِّ والعَقدِ
أيا ملكَ الأملاكِ قَد جاءني الّذي
أيا ملكَ الأملاكِ قَد جاءني الّذي / حبَوْتَ به من نعمةٍ وتعهّدِ
وأرسلتَ تستدعِي المديحَ وإنّه / لرأسِيَ تاجٌ والسّواران في يدِي
ولم يكن التّشريفُ لِي دَرَّ درُّه / سوى خزّ أثوابِي ودُرِّ مقلَّدي
وما أخّرَ النَّظْمَ الّذي كنتَ خاطباً / به بين هذا الخلق في كلِّ مشهدِ
سوى مرضٍ حوشيتَ منه وإنّني / لراضٍ بأنّي للأذى عنك مُفتدِ
وحال عن التّجويدِ ما قد شكوتُه / ولم أرضَ قولاً فيكَ غيرَ مجوَّدِ
وليس لمعقول اللّسانِ مقالةٌ / تُقالُ ولا مَشْىٌ لرجلِ المقيَّدِ
وَكَيفَ اِطّراحِي مدحَ مَن كان مدحُه / به الدّهرَ تسبيحي وطولُ تهجّدِي
أصولُ به فعلاً على كلِّ فاعلٍ / وأزهى به قولاً على كلّ منشدِ
وكم لِيَ في مدحِي عُلاكَ قصائدٌ / فَضَلْنَ اِفتِخاراً نَظْمَ كلِّ مُقصِّدِ
يَسِرْن عَلى الأكوار شرقاً ومغرباً / وَيَقطعنَ فينا كلَّ بَرٍّ وفَدْفَدِ
ويُطربن مَن أصغى لهنَّ بسمعِه / كما أطربتْ ذا الخمرِ ألحانُ مَعبدِ
فإنْ غرَّد الشادِي بهنَّ تنغُّماً / تناسيتَ تغريد الحَمامِ المغرّدِ
خَدَمتُكَ كَهلاً مُذ ثلاثون حجّةً / أروح بما ترضاه مِنِّي وأغتدِي
ولم تكُ منِّي هفوةٌ ما اِعتمدتُها / فكيف لما تأتي يدُ المتعمّدِ
وَما كانَ إلّا في رضاك تشمّرِي / وَلا كانَ إلّا في هواك تجرّدِي
تَنامُ الدّجى عنِّي وأقطعُ عرضه / دعاءً بما تهوى بجَفْنٍ مُسهَّدِ
وَأَعلمُ أنّي مُستجابٌ دعاؤُه / لصادقِ إِخلاصِي ومحضِ تودُّدِي
وَكنتَ ملكتَ الرِّقَ مِنِّيَ سالفاً / فخذْ رِبْقتِي عفواً بملكٍ مجدّدِ
فَأَمّا مَوالينا بَنوك فإنّهمْ / علَوْا في سماءٍ للعُلا كلَّ فرقدِ
سُيوفُ غِوارٍ بَيننا وتسلّطٍ / كهوفُ قرارٍ بيننا وتمهّدِ
هُمُ ورِثوا تلك النّجابةَ فيهمُ / كَما شِئتَها عَن سيّدٍ بعد سيّدِ
حُسدتَ بهمْ لمّا تناهى كمالُهمْ / ولا خيرَ فيمن عاش غيرَ محسَّدِ
وكم لهمُ في الملكِ من عَبَقٍ به / ومن مرتقىً عالي البناءِ مشيّدِ
وتُعرَف فيهمْ من شَمائلك التِي / بهرتَ بها آثار مجدٍ وسؤدُدِ
ولم ترمِ لمّا أن رميت إلى المنى / بهمْ أسهماً إلّا بسهمٍ مسدَّدِ
فَلا زلتَ مكفيّاً بهمْ كلَّ ريبةٍ / ولا زلتَ فيهمْ بالغاً كلَّ مقصدِ
وَإِنّك مِن قَومٍ إِذا شَهِدوا الوغى / فما شئتَ من عانٍ بها وفتىً رَدِ
وَمِن أَبيضٍ عندَ الضّراب مثلَّمٍ / وَمِن أَسمرٍ عندَ الطّعان مقصّدِ
أَبَوْا أَن يَسدّوا عَن عَظيمِ أناتِهِ / وَأَن يُحجموا عن جاحمٍ متوَقّدِ
وَأَن يَرجعوا إلّا بِشملٍ مجمّعٍ / جنَوْه لهمْ من كفِّ شملٍ مبَدَّدِ
ولم يُرَ فيهمْ والمخاوفُ جمّةٌ / مُوَلٍّ إلى أمنٍ ولا من معرّدِ
وَلَم يَرتووا إلّا بِما سال بالقنا / كما يرتوي بالماءِ من عطشٍ صَدِ
وَدمْ أَبداً لِلمَجدِ وَالحمدِ والنّدى / تَعومُ اِنغِماساً في بقاء مخلَّدِ
وَإِن رامَ دَهرٌ أَن يسوءَك صرفُه / فأصغى بمصلومٍ وعضّ بأدْرَدِ
وَلا طَلعتْ يوماً على دولةٍ بها / بَلغنا بها إلّا كَواكبُ أسعُدِ
صددتِ بلا جرمٍ صدودَ قطيعةٍ
صددتِ بلا جرمٍ صدودَ قطيعةٍ / وعندكِ أنّي لا أجازيكِ بالصدِّ
وغرّكِ أنّي في إِسارٍ من الهوى / وَكَم فَلتَ المأسورُ من حَلَقِ القِدِّ
فَلا تَطلبِي ما ليس عندي تعنّتاً / سيكفيك منِّي لو تأمّلتِ ما عندي
ومُنتَقِباتٍ بالجمالِ أتَينَنا
ومُنتَقِباتٍ بالجمالِ أتَينَنا / وقد ملّ مِنّا كلُّ راعٍ وعائدِ
فقُلن وقد أنكرن ما بِيَ مِن ضَنىً / ألا ما ترى ما بين تلك الوسائدِ
فقلتُ وقلبِي واجفٌ غيرُ ساكنٍ / غراماً ودمعِي سافحٌ غيرُ جامدِ
وجدتُ غراماً ما تَجِدْنَ وما اِستَوى / بحامل ثِقلٍ في الهوى غيرُ واجدِ
فملنَ كما مالتْ غصونٌ مريحةٌ / يُضاحكن مِنّا حاضراتِ الولائدِ
أمِن شعرٍ في الرّأس بُدّلَ لونُه
أمِن شعرٍ في الرّأس بُدّلَ لونُه / تبدّلتِ يا أسماءُ عنّي وعن ودِّي
فإنْ يكُ هذا الهجرُ منكِ أو القِلى / فليس بياضُ الرّأس يا أسْمُ من عندي
تصدّين عمداً والهوى أنتِ كلّهُ / وما كان شيبي لو تأمّلتِ من عمدي
وليس لمن جازته ستُّون حجّةً / من الشيب إنْ لم يردِه الموتُ من بُدِّ
ولا لومَ يوماً من تغيّرِ صِبغتي / إِذا لم يكن ذاك التغيُّرُ من عهدِي