المجموع : 10
ولَمّا تَلاقَينا وأثْبَتَ عِندَها
ولَمّا تَلاقَينا وأثْبَتَ عِندَها / نُحولي وَتَبريحي مِنَ الحُبِّ ما عِندي
خَلَعنا عَلى الأَجيادِ أَطواقَ أَذرُعٍ / كَأَنّ لَنا رُوحَينِ في جَسَدٍ فَرْدِ
كَأنّ عناقَ الوَصلِ لاحَمَ بينَنَا / بِريحٍ ونَارٍ من زَفيري وَمِن وَجدي
وَلَمّا أَتاني الصبحُ ذُبْتُ ولم تَذُبْ / فَيا لَكَ مِن شَوقٍ خُصِصْتُ به وَحدي
وَرَاقِصَةٍ بِالسحرِ في حَرَكاتِها
وَرَاقِصَةٍ بِالسحرِ في حَرَكاتِها / تُقيمُ بِهِ وَزْنَ الغِناءِ عَلى حَدّ
مُنَغّمَةٌ أَلفاظَهَا بِتَرنُّمٍ / كَسا مَعبِداً مِن عِزِّهِ ذِلَّةَ العَبدِ
تَدوسُ قُلوبَ السامِعينَ برخْصَةٍ / بها لَقَطَتْ ما لِلُّحون مِنَ العَدِّ
بِقدٍّ يموتُ الغُصْنُ من حَرَكاتِهِ / سكوناً وأين الغُصْنُ من بَرَهِ القدّ
وَتَحسَبُها عمَّا تُشيرُ بِأَنمُلٍ / إِلى ما يُلاقي كُلَّ عُضوٍ مِنَ الوَجدُ
بِنا لا بِها ما تَشتَكي مِن جَوَى الهَوى / وأَدمُعِ أَشواقٍ مُخَدِّدَةِ الخَدّ
تَنَهّدَ لمّا عَنّ سِرْبُ النواهِدِ
تَنَهّدَ لمّا عَنّ سِرْبُ النواهِدِ / على بُعْدِ عَهْدٍ بِالصّبا والمَعاهِدِ
وَعَطْفُ قُلوبٍ من دُمَاها بِمَنطِقٍ / كَفيلٌ بِتأنيسِ الظباءِ الشوارِدِ
ذَكَرتُ الصبا والحانِياتِ عَلى الصبا / وهُنّ لأجسادِ الصّبَا كَالمَجاسِدِ
فبرّحَ بي شوقٌ إليها مُعَاوِدٌ / وناهيك من تبريحِ شَوقٍ مُعاوِدِ
عَلى حِينِ لَم أَركَبْ عِتاقَ صَبابتي / ولا ذُعِرَتْ في سِرْبِهنّ طَرائِدي
مَتى تَصدرُ الأَحلامُ من غَيرِ فِتنَةٍ / ومن غَرَضِ الأَحدَاقِ بيضِ الخرائِدِ
لَقَد رَادَني رَوضاً مِنَ الحُسنِ نَاظِري / فَلي مَحْلُ جِسمٍ جَرّهُ خِصْبُ رائِدي
وأَصبَحتُ مِن مِسكِ الذَوائِبِ ذَائِباً / أما يَقْتُلُ الآسادَ سَمُّ الأساوِدِ
وإنِّي لَذو قَلبٍ أَبِيٍّ حَملتُهُ / لِيَحمِل عَنّي مُثقلاتِ الشدائِدِ
فَلا غَروَ إِن لانَت لِظَبيٍ عَريكَتي / أَنا صائِدُ الضرغامِ وَالظبيُ صَائِدي
أَيا هَذهِ استَبقي عَلى الجِسمِ إِنَّني / كَثيرٌ سَقامي حَيثُ قَلَّت عَوائِدي
مُسَاءٌ بِبَينٍ فَرَّقَتنا صُروفُهُ / عَبادِيدُ إلّا في عُلُوِّ المَقاصِدِ
ظَلمنا المَطايا ظُلمَ أَيّامنا لنا / لِكُلٍّ عَلى الساري بِهِ صَدرُ حاقِدِ
تكَلِّفُنا الهمَّاتُ نَيلَ مُرادِها / وَمَن للمَطايا بِاتصالِ الفَراقِدِ
مَقاوِدُها تُفني قُواها كَأَنّها / مَكاحِلُ يَفنى كُحلُها بِالمَراوِدِ
ولَيلَةٍ أَعطَينا الحَشاشاتِ فَضلةً / مِنَ النوْمِ صَرْعَى بَينَ غُبْرِ الفدافِدِ
وقَد وَردت ماءَ الصباحِ بِأَعيُنٍ / نَوائِمَ في رَأيِ العيونِ سَواهِدِ
فَقُلتُ لأَصحابي ارفَعوا مِن صُدورِها / فَقَد رَفَعَ الإِصباحُ رايَةَ عاقِدِ
إِذا نَظمت شَملَ المُنى بِمُحَمَّدٍ / نَثَرنا عَلى عَليَاهُ دُرّ المَحامِدِ
وأَضحَت لَديهِ مُعتَقاتٍ وَمُتِّعَت / بِخُضرِ المَراعي بَينَ زُرقِ المَوارِدِ
هِمامٌ يَهُزّ الملكُ عِطفَيهِ كُلَّما / عَلا الناسَ مِنهُ كَعبُ أَروَعَ ماجِدِ
وأَكبَرُ يَأوي مِن ذُؤابَةِ يَعرُبٍ / إِلى ذَروَةِ البَيتِ الرّفيعِ القَواعِدِ
تَلاقَى المُلوكُ الغُرُّ حَولَ سَريرِهِ / فَمِن راكعٍ مُغضي الجُفونِ وساجِدِ
يَكُفُّونَ أبصاراً لهمْ عن سُميدِعِ / تديمُ إِلَيهِ الشمس نَظرَةَ حاسِدِ
إِذا اقتادَ جَيشاً ساطِعَ النَقعِ أَنذرتْ / طَلائِعُهُ جَيشَ العَدُوِّ المُكابِدِ
ومَن يَكُ بِالنصرِ العَزيزِ مُؤيَّداً / مِنَ اللَّه لا يَنصبْ حبالَ المَكايِدِ
ومُنغَمِسٍ في صِبغَةِ اللَّيل يَمْتَطي
ومُنغَمِسٍ في صِبغَةِ اللَّيل يَمْتَطي / إِلى آجَلِ الآسادِ قَيْدَ الأَوابِدِ
يُختِّمُ يُمناهُ قَبيعَةُ صَارِمٍ / لما قَد طَغى مِن سُنْبُلِ الهامِ حاصِدِ
يَكِرُّ فَكَم جِسمٍ عَلى الأَرضِ ساقِطٍ / صَريعٍ وَكَم روحٍ إلى الجوِّ صاعِدِ
وأُسْدٍ تصيرُ الأُسْدُ كالبَهْمِ عِندَها / إذا ما الظُّبى خَطّتْ رُبوعَ القلائِدِ
أطَلْتَ وقد حانَ الجلادُ سكونَها / بِقَولِكَ للأَبطالِ هَل مِن مُجالِدِ
وَرَدتَ فَكَم حَظٍّ مِنَ الفَضلِ باهِرٍ / لَدَيكَ وَكَم خَفضٍ مِنَ العَيشِ بارِدِ
ثَناؤُكَ في الآفاقِ أَركَبَني المُنَى / وَغَرّبَني عَنْ مَوْطِني المُتَباعِدِ
وقد قِسْتُ أعوامي الَّتي سَلفَت فما / وَفَيْنَ بِيَومٍ مِن لِقائِكَ واحِدِ
ومُنقَطِعٍ بالسّبْقِ من كلّ حلبةٍ
ومُنقَطِعٍ بالسّبْقِ من كلّ حلبةٍ / فَتَحسَبُهُ يَجري إِلى الرَّهنِ مُفْرَدا
كأنّ له في أُذْنِهِ مُقْلَةً يَرَى / بِها اليومَ أَشخاصاً تَمُرّ بِهِ غدا
تُقَيَّدُ بالسبقِ الأوابدُ فَوْقَهُ / ولَو مَرَّ في آثارِهِنَّ مُقَيَّدا
أمِسْكَ الصَّبا أهدتْ إِليَّ صبا نجدِ
أمِسْكَ الصَّبا أهدتْ إِليَّ صبا نجدِ / وقد مُلِئَتْ أنْفاسُهُ ليَ بالوجدِ
رَماني بِحَرِّ الشوق بردُ نَسيمها / أحُدّثْتَ عن حَرٍّ مذيبٍ مِنَ البَردِ
وما طابَ عَرْفٌ من سُرَاها وإنّما / تَطَيّبُ في جنح الدّجى بِسُرَى هِندِ
حدا بالأَسى شَوقي رواحِلَ أَدمُعي / فَكَم خَدّدَ الخَدَّ الَّذي فَوقَهُ تَخْدي
وَلي ذِمَّةٌ مَرعيَّةٌ عِندَ عَبْرَةٍ / تُواصِلُ وُدّي في فراقِ ذَوي الودِّ
أُحِبُّ حَبيباً نَجْلَ أوْسٍ لِقَوْلِهِ / فيا دَمعُ أَنجِدني على ساكِني نَجدِ
نَوىً أسْلَمَتْ مِنّا خليّاً إلى شجىً / ووصلاً إلى هجرٍ وَقُرباً إِلى بُعدِ
وأُسْدٍ على مثل السّعَالي عوابسٍ / لها لَبَدٌ من صَنعَةِ الحَلَق السّرْدِ
كُفَاةٌ وغيدٌ أهدَتِ الرّيحُ مِنهُما / لنا سَهَكَ الماذِيِّ في أرَجِ الندِّ
سرَوا بالمَها وهناً ومن ورقِ الظُّبَا / كناسٌ عَلَيها حُفَّ بالقَصَبِ المُلْدِ
تُديرُ عُيوناً شِيبَ بالحُسنِ حُسْنُها / فَللَّهِ منها ما تُسِرُّ وما تبدي
وَتَحسَبُ مِنها في البَراقِعِ نَرجِساً / تَخطُّ الأَسى بِالطَلِّ في صَفحَةِ الخَدِّ
وكم غادةٍ لا يعرفُ الرئمُ مثلها / رمتني بِسَهْمَيْ مُقلَتَيها على عَمدِ
فريدةُ حسنٍ تُخجِلُ البدرَ بالسّنَا / ودِعصَ النقا بالرّدفِ والغُصنَ بالقدِّ
إِذا عَقَدَت عَقْدَ الخُيولِ وِشاحَها / على خَصرِها المَجدولِ أَوهَت منَ العَقدِ
مَهاةٌ تَكادُ العَينُ من لينِ جِسمها / تَرى الورقَ المُخضرَّ في الحَجَرِ الصّلدِ
يَضِلّ سُرَى المُشْطِ المُسَرّحِ فَرْعَها / إذا ما سَرى في ليلِ فاحمهِ الجَعدِ
وتَندَى بِمَفتوتٍ مِنَ المِسْكِ صائِكٍ / قَديرٍ إِلى عَصرِ الشبابِ على رَدِّ
فلا تكُ منها ظالماً لِصِفاتِهَا / على الثّغرِ بالإغريضِ والرّيقِ بالشهدِ
إذا باتَ قلبي بالصبابةِ عندها / ففي أيّ قلبٍ باتَ وجدي بما عندي
ولَيلٍ هَوَتْ فيه نجومٌ كأنّها / يَعاليلُ بحرٍ مُضْمَرِ الجزرِ في المدِّ
كَأَنّ الثُريّا فيه باقَةُ نَرجِسٍ / مِنَ الشرقِ يُهديها إِلى مَغْربٍ مُهْدِ
أردتُ به صَيْدَ الخيالِ ففاتَني / كما فرّ عن وَصْلِ المُتيَّمِ ذو صَدِّ
فكَيفَ يَصيدُ الطيفَ في الحُلمِ ساهِرٌ / أقلّ كرىً من حَسْوَة الطائِرِ الفَردِ
أخو عَزَماتٍ باتَ يعتسِفُ الفلا / بِعَيْرَانةٍ تَرْدي وخيفانةٍ تَخْدي
قفارٌ نجت منها الصَّبا إذ تعلَّقت / حُشاشَتُهَا مِنِّي بِحاشِيَة البردِ
وقَد شُقّ خَيطُ الفَجرِ في جُنحِ لَيلِنا / كَما شُقّ حَدُّ السيفِ في جانِبِ الغِمدِ
وأَهدَت لَنا الأَنوارُ في أَرض حمةٍ / من ابنِ عليٍّ غُرّةَ القَمرِ السّعْدِ
هُنالِكَ أَلقى المُجتَدونَ عصيَّهُمْ / بِحَيثُ استَراحوا من مُطاوعَةِ الكَدِّ
لَدى مَلِكٍ يُرْبي على الغَيثِ جُودُهُ / ويَغْرَقُ منه البحرُ في طَرَفِ الثمدِ
مُندّى الأَماني في مَراتِعِ رَبعِهِ / وَمستمطَرُ الجَدوى ومنتجعِ الوَفدِ
يُنير سَريرُ المُلكِ مِنهُ بِأَروعٍ / سَنا نورِهِ يَجلو قَذى الأعيُنِ الرمدِ
غَنِيٌّ بِلا فَقرٍ لِذِكرى قديمَةٍ / بِمَفخَرِه عن مَفخَرِ الأَبِ والجَدِّ
إِذا السبعَةُ الشّهْبُ العَلِيَّةُ مُثّلَتْ / بمنظومِ عِقْدٍ كان واسطةَ العقدِ
جَوادٌ بما قَد شِئتَ من بَذلِ نائِلٍ / ومن كَرَمٍ محضٍ ومن حَسَبٍ عِدِّ
يجود ارتجالاً بالمنى لا رويَّةً / فلا حُكْمَ تَسويفٍ عَلَيه ولا وَعدِ
تعوّدَ ظهر الحُجْرِ في الحِجْرِ مَركَباً / وَمَهّدَتِ العليا له الملكَ في المَهدِ
وقالَت لَقَدُّ السيفِ نَبعَةُ قَدِّهِ / سَتَعلمُ ما يَلقَاهُ حَدُّكَ من حَدّي
تَرى المَلْكَ يَستخذي لِشِدَّةِ بَأسِهِ / خضوعَ ابنِ آوى لِلغَضَنفَرَةِ الوَردِ
تَقومُ على ساقٍ بِه الحَربُ في العِدى / ومَجلِسُهُ في صَهوَةِ الفَرَسِ النّهْدِ
ويمتحُ نَفْسَ القِرْنِ عاملُ رُمْحِهِ / كما يَمتَحُ الماءُ الرشاءُ من الجُدِّ
إِذا شَرَع الخَطِّيَّ أَغْرَى سِنانَهُ / مِنَ الذِّمرِ مُعتاداً بِجارِحَةِ الحِقدِ
سَليلُ المُلوكِ الغُرِّ يُؤنِسُهُ النّدى / إذا ما عُلاهُ أَوحَشَتهُ مِنَ النِّدِّ
وما حِمْيرٌ إلّا الغطارفة الأُلى / أياديهمُ تُسْدَى وأيديكُمُ تسدي
يصولون صولَ الذائِدين عَنِ الهُدى / ويَعفونَ عَفوَ القائِدينَ ذَوي الرشدِ
وتَسلِبُ تيجانَ المُلوكِ أكفُّهُمْ / إذا طَوَّقوا أَيْمانَهُمْ قُضُبَ الهِندِ
وحربٍ كأنَّ البأسَ يَنْقُدُ جَمْعَهَا / لِيَعلَمَ فيهِم من يُزَيَّفُ بالنَقدِ
ويَقدَحُ قَرعَ البيضِ في البيضِ نارَها / كما ينتضي القدحُ الشرارَ مِنَ الزَندِ
ضحوكٌ عبوسٌ في مراحٍ مُنَقَّلٌ / عَنِ الهزلِ في قَطفِ الرُؤوس إِلى الجَدِّ
حَشوها على الأَعداءِ بالبيضِ والقَنا / وبالزّرَدِ المَوضونِ والضُمّر الجُرْدِ
أَقولُ لَكَ القَولَ الكَريمَ الَّذي بِهِ / جَرى قَلَم العَلياءِ في صُحُفِ الحَمدِ
وَإِن كُنتُ عن عَلياكَ فيهِ مُقَصِّراً / فَعُذرُ مُقِلٍّ جاءَ بَينَ يَدي جَهدي
لَكَ الفَخرُ في جَهرِ المَقالِ كَأَنَّما / يُرَدّدُ في الأسماع صَلْصَلَة الرعدِ
تَوَلَّى عَليٌّ عَهْدَ يحيى وبَعدَهُ / تَولَّيتَ عَهْدَ المَلكِ قُدّسَ من عَهدِ
وتَوّجَ يحيى قبلَ ذاكَ بِتاجِهِ / تميمٌ ومسعاهُ على سَنَنِ القَصدِ
وقَالَ مُعِزُّ الدينِ ذو الفَخرِ لابنِهِ / تميمٍ سريرُ الملك أنتَ له بَعدي
ولَو عَدّ ذو عِلمٍ جُدودَكَ لانتهى / إلى أوّلِ الدنيا بِهِ آخرُ العَدِّ
وأَنْتَ عَلى أَعمارِهِم سَوفَ تَعتَلي / لِعُمرٍ مُقيمٍ في السعادَةِ مُمتَدِّ
بِكَفِّكَ سَلَّ الدِّينُ للضربِ سَيفَهُ / وأَضحى عَلى أَعدائِهِ بِكَ يَستَعدي
سَددت بأقيالِ الأسود ثُغورَهُ / وحقّ بها فَتحَ الثغور منَ السدِّ
وجَيشٍ عَريضٍ بالشِّياحِ طَريقُهُ / يَموجُ كَسيلٍ فاضَ مُنخَرِقَ السدِّ
كَأنَّ المَنايا في الكَريهَةِ أَلفَيَت / على خلقها من خَلقِه صُوَرُ الجُندِ
وحربِيّةٍ في طالِعِ السعدِ أُنْشِيَتْ / فَنيرانُها لِلحربِ دائِمَةُ الوَقْدِ
جبالٌ طَفَتْ فَوقَ المِياهِ وغُيّضَتْ / بِسُمر القَنا والمَرهفاتِ على الأُسدِ
وَدُهْمٌ بفرسانِ الكفاحِ سوابِحٌ / تَجافيفُها في الروعِ مُنسَدِلُ اللبدِ
فَمِن كُلِّ ذي قَوسَينِ يُرسَلُ عَنهُما / سَهامَ المَنايا فَهيَ مُصْمِيَةٌ تُرْدي
وتَرمي بِنَفطٍ نارُهُ في دُخانِهِ / بِهِ المَوتُ مُحمَرٌّ يَؤوبُ بمُسوَدِّ
وتحسبُ فيه زفرةً من جَهَنَّمٍ / تَصَعّدُ عن فَتْلِ اللوالِبِ بالشدِّ
عرائِسُ أَغوالٍ تَهادى وإِنها / لَتُهْدي إذا صَالت مِنَ المَوتِ ما تهدي
قلوبُ عداةِ اللَّه منها خوافِقٌ / كما قلبت فيها الصَّبا عَذَبَ البندِ
أَبوكَ أَصابَ الرُشدَ فيها بِرَأيِهِ / وهَدَّ بِها رُكْنَ العِدَى أَيَّما هَدِّ
وأَصبَحتَ منه في سَجايا مُعَظَّمٍ / وحدُّ مَعاليكَ التعالي عَنِ الحدِّ
ولو كان يُسْتَجْدى الغمامُ بِزَعمِهِمْ / مِنَ البَحرِ أَضحى مِنكَ في المَجدِ يَسْتَجدي
فَلا زالَتِ الأَعيادُ تلفيك سَيِّداً / يهنَّى النّدى في صَونهِ رَمَثَ المَجدِ
إذا البَدرُ يُطْوَى في ربوعِ البِلى لَحْدا
إذا البَدرُ يُطْوَى في ربوعِ البِلى لَحْدا / أمِ الطّوْدَ حطّوا في ثرى القَبرِ إِذ هُدّا
كُسوفٌ وَهَدٌّ تَحسِبُ الدَّهرَ مِنهُما / لِعَينٍ وأُذنٍ ظلمةً مُلِئَتْ رعدا
تَوَلّى عَنِ الدُّنيا عَلِيُّ بنُ أَحمدٍ / وأبقى لها من ذكره الفَخرَ والحَمدا
حَمَلنا على التكذيبِ تصديقَ نَعْيِهِ / وَسُدّتْ له الأسماعُ وانصَرَفت صَدّا
وقال لمن أدّى المُصابَ مُعَنِّفٌ / فظيعٌ من الأنباءِ جئتَ به إدّا
إلى أنْ نعاهُ الدّهرُ ملءَ لسانِهِ / ومن ذا الَّذي يُخفي منَ الرزءِ ما أَبدى
هنالكَ خُضْنا في العويلِ ولم نَجِدْ / عَلى الكُرهِ مِن تَصديقِ ما قالَهُ بُدّا
وقَالَ الوَرى والأَرضُ مائِدَةٌ بِهِم / أَمِنْ سَيرِها في الحَشرِ قَد ذُكِرت وعدا
أَرى الشرَفَ الفِهرِيَّ يَبكي ابنَ بَيتِهِ / عليّاً أما يبكي فتىً راضَعَ المجدا
فَيا مَعشَراً حَثّوا بهِ نَحوَ قَبرِهِ / مَطِيَّةَ حَتْفٍ فوقَ أيديهِمُ تُحدى
حَمَلتُمْ عَلى الأَعوادِ مَنْ قَدْ حَمَلتُمُ / فَكُلّ جَلالٍ قَد وَجَدتُمْ له فَقْدا
لَقَد دَفَعَتْ أَيدِيكُمُ مِنهُ لِلبِلى / يَداً بِجَديدِ العُرْفِ كانَت لَكُم تَندى
تَجمّعَتِ الأحزانُ في عُقْرِ دارِهِ / وفرّقَتِ الأزمانُ عن بابِهِ الوَفدا
وسُدَّ عَنِ العافينَ مَهْيَعُهُمْ إلى / مَكارمَ كانت من أناملهِ تُسدى
فقلْ لبني الآمالِ أخفَقَ سَعيُكمْ / فَقَد حَسَرَ البَحرُ الَّذي لَكمُ مَدّا
وَكَم مِن ظِباءٍ بَعدَما غارَ عِزّهُ / حَوائِمَ في الآفاقِ تَلتَقِطُ الوردا
لِتَبكِ عَلِيّاً هِمَّةٌ كَرَمِيّةٌ / ثَنى قاصِدو الرُكبانِ عَن رَبعِها القصدا
وملتحفٌ بالأثْرِ أصبَحَ عارِياً / مِنَ الفَخرِ يَومَ الضّربِ إذ لبس الغِمدا
وأسمرُ خطيٌّ أمامَ كُعوبِهِ / سنانٌ ذليقٌ ينفذُ الحلقَ السّرْدا
وحصداءُ فولاذيّةُ النّسجِ لم تَزَلْ / من اللهذمِ الوقّادِ مطفئةً وقدا
وأجرَدُ يُبكي الجردَ يومَ صَهيلِهِ / غدا مُرْجَلاً عنه فلم يَسُدِ الجردا
وداعٍ دعا للمُعضِلاتِ ابنَ أحمَدٍ / فلَيَّنَ في كَفَّيهِ مِنهُنَّ ما اشتَدّا
وناهيكَ في الإعظامِ من ماجدٍ به / على الزمَنَِ العادي عَلى النَّاسِ يُستَعدى
حَياةٌ تَعُمُّ الأَولِياءَ هَنيئَةً / ومَوتٌ زُؤامٌ في مُقارَعَةِ الأَعدا
وقَسوَرةُ الحَربِ الَّذي يُرجعُ القَنا / رَواعِفَ تَكسو الأَرضَ من عَلَقٍ وَرْدا
وفيّ بِنُصح المَلكِ ما ذُمّ رأيُهُ / ولا حلّ ذو كيدٍ لإبرامهِ عَقْدا
وَمَا يَستَطيرُ الحِلمُ في حِلمِهِ ولا / يُجاوِزُ هَزلٌ في سَجِيَّتِهِ الجدَّا
إذا عَلَمٌ بالنار أُعْلِمَ رأسُهُ / رَأَيتَ عَلِيّاً مِنهُ في لَيلَةٍ أَهدى
ألا فُجِعَتْ أبناءُ فِهر بأروعٍ / إِذا انتَسَبوا عَدّوا له الحَسبَ العدا
فلا قابلٌ هجراً ولا مضمرٌ أذىً / ولا مخلفٌ وعداً ولا مانعٌ رفدا
إذا ما عدا معْ قُرَّحِ السَّبْقَ فاتها / وجاء بفضل الشَّدِّ ينتهب المعدى
وما قَصّرَ اللَّه المدى إذ جرى به / ولا مدّ فيه للسَّوابق فامتدا
ولكنْ حدودُ العِتْقِ تجري بسابقٍ / فلا طَلَقٌ إلّا أعَدّ له حدّا
نماهُ منَ الأشرافِ أهلُ مفاخرٍ / يُديرونَ في الأفواه ألسنةً لُدّا
إِذا وَقَف الأبطالُ عن غَمرَةِ الرَّدى / مشى بأسُهُم نحو الحتوفِ بهم أُسْدا
وتحسبهم قد سُرْبلوا من عِيابِهِمْ / سُيوفاً وَسَلّوا من سُيوفِهِمُ الهِندا
فَما عُدّ أَهلُ الرَأيِ والبَأسِ والنَدى / وَإِن كثُرُوا إِلّا وَوَفّى بِهِم عَدّا
إِذا جُمِعَتْ هَذِي السَّجايا لأوحدٍ / فما الحقّ إلّا أَن يَراه الوَرى فَردا
فَما ظَنُّكم في وَصفِنا بِمُملَّك / يَكونُ عليٌّ ذو المَعالي لَهُ عبدا
عَزيزٌ عَلَينا أَن بَكَتهُ كَرائِمٌ / تُذيبُ قُلوباً في مَدامِعِها وَجدا
يَنُحْنَ مَعَ الأَشجارِ نَوْحَ حَمائِمٍ / تَهُزُّ بِها الأَحزانُ أَغصانَها المُلْدا
وَكَم في مُديماتِ الأَسى من خَبيئَةٍ / مَعَ الصّونِ أَبقى الدَّمعُ في خَدِّها خَدَّا
فَلَو رُدَّ مِن كَفِّ المَنِيَّةِ هالِكٌ / بِنَوحِ بَناتٍ كانَ أوَّلَ مَنْ رُدّا
مَضى بِمَضاءِ السَّيفِ جُرِّبَ حَدّهُ / فأُلْفيَ في أَفعالِهِ جاوَزَ الحَدّا
وما ماتَ مُبْقي أحْمَدٍ وَمُحَمَّدٍ / فَإِنَّهُما سَدّا المَكانَ الَّذي سَدّا
بَنى لَهُما مَجدَينِ يَحْيَى بِعِزَّةٍ / وإن كانَ مجدٌ واحدٌ لهما هُدّا
بَدا منهما حزمٌ يسيرٌ تَمَامُهُ / وقَد يَثقُبُ النّارَ الَّذي يَقدَحُ الزندا
وَمِن لَحظَتِهِ عَينُ يَحيَى برفعةٍ / فَقَد رَكِبَ الأيّامَ واستَخدَمَ السّعْدا
فيا ساكِنَ القَبرِ الَّذي ضَمّ تُرْبُهُ / شَهيداً كَأَنّ المَوتَ كان له شَهدا
لئن فاحَ طيبٌ من ثراهُ لناشقٍ / ففخرُكَ فيه فتّقَ المسكَ والنّدّا
وَقَيتَ جلالَ الخطب ما جلّ خَطبُهُ / وقمتَ كريمَ النّفسِ من دونه سدّا
ورحتَ ببعضِ الرّوح فيك مودّعاً / بمؤنسة العوّادِ زُرْتَ بها اللّحدا
رَثَيتُكَ حُزناً بِالقَوافي الَّتي بها / مدَحتُكَ وُدّاً فاعتقدتَ ليَ الودّا
وما المدحُ إلّا كالثويّ لسامعٍ / ولَكِن بِذِكرِ المَوتِ عادَ له ضِدّا
ودُنياكَ كَالحِرباءِ ذاتُ تَلَوُّنٍ / ومُبْيَضّها في العينِ أصْبَحَ مسوَدّا
أَرَدنا لَكَ الدُّنيا القَليلَ بَقاؤُها / وربّكَ في الأخرى أرادَ لك الخلدا
فلا بَرِحَتْ من رحمةِ اللَّه دائباً / تزورُ ندى كفّيك في قبركَ الأندا
بَكى فَقْدَكَ العِزُّ المُؤيَّدُ والمَجدُ
بَكى فَقْدَكَ العِزُّ المُؤيَّدُ والمَجدُ / ونَاحَتْ عَلَيكَ الحَرْفُ والضُّمَّرُ الجُردُ
وَقَد نَدَبَتكَ البيضُ والسمرُ في الوَغى / وعدّدَكَ التأييدُ والحَسَبُ العِدُّ
وما فَقدت إلّا عَظيماً وفَقدُهُ / به بين أحشاءِ العلى يُوجَدُ الوَجدُ
وكنتَ أمينَ المَلْكِ حقّاً وسيفَهُ / ومن حَسَناتِ البرِّ كانَ لَكَ الغِمدُ
وأَنتَ ابن حَمدونَ الَّذي كانَ حَمدُهُ / يُعَبّرُ عَن نادِيه في عَرفِهِ الندُّ
هُمامٌ إِلَيهِ كانَ تَقريبُ غُربَتي / بِبُزْلٍ خفيفٍ بين أخفافِها الوَخْدُ
بِأرْضٍ فلاةٍ تُنْكِرُ الأُسْدُ وَحْشَها / وَيَرتَدُ في اللَّحظِ العيونُ بها الرُّمدُ
وناجِيةٍ تَنجو بِهَمِّ هُمومِهِم / تَولَّى بها عن جِسمِها اللَّحمُ وَالجِلدُ
قَتَلتُ الأَماني من عَلِيٍّ ولم أزَلْ / مُفَدّى لَدَيه حَيثُ يَعذُبُ ليَ الوِردُ
بَكَيتُ علَيهِ والدُّموعُ سَواكِبٌ / تَخَدّدَ من طولِ البُكاءِ بها الخدُّ
وذاكَ قليلٌ قَدْرُهُ في مُعَظَّمٍ / له حَسَبٌ ما إن يُعَدَّ له عَدُّ
فَلَو صَحَّ في الدُّنيا الخُلودُ لِماجِدٍ / لأُبْقِيَ فيها ثمَّ صَحَّ له الخُلدُ
ومُختَلِف الطَّعمَينِ من طَبعِ عادِلٍ / فطعمٌ له سَمٌّ وطَعْمٌ له شَهْدُ
وَقَد كانَ في عَليائِهِ مُتَرفِّعاً / يَلينُ بِهِ الدَّهرُ الَّذي كانَ يَشتَدُّ
وكانَ أبِيّاً ذا أيادٍ غمامُها / ندى ماجدٍ في قبره قُبِرَ المَجدُ
وحَلَّ الرَّدى من كَفِّهِ عَقْدَ رايَةٍ / وَمِن كَفِّ مَيمونٍ لها جُدّدَ العَقدُ
وَما هُوَ إلّا حازِمٌ ذو كِفايَةٍ / يُناقِضُ هَزْلَ الرَّوْعِ من بَأسِهِ الجِدُّ
تقدّمَ من صِنْهاجةٍ كلَّ مُقْدِمٍ / فريستُهُ من قِرْنِهِ أَسَدٌ وردُ
بأيديهمُ نَوْرُ البَنَفسَجِ في ظُبىً / ينوّرُ من نارٍ لها حَطَبَ الهندُ
وَقَد لَبِسوا من نَسجِ داود أعيُناً / مُداخَلَةً خُوصاً هي الحَلَقُ السرْدُ
يَسُدُّونَ خلّاتِ الحروبِ إذا طَمَتْ / بِشَوكِ الرّدى حتَّى كأنَّهُمُ السَّدُّ
ويقتادهم منهُ شهامَةُ قائدٍ / به جُمْلَة الجيشِ العَرَمرَمِ تَعْتَدُّ
جوادٌ عميمُ الجود بيتُ عطائِهِ / لِقاصِدِهِ بالنَيلِ طَيَّبَهُ القَصدُ
له هِمَّةٌ في أُفقِها فَرقَدِيَّةٌ / كَواكبُها زُهْرٌ أحاطَ بِهِ السَّعدُ
وَأَثبَتَ لِلعَلياءِ مِنهُم قَواعِداً / لأعدائِهِ منها قواعدُ تَنْهَدُّ
أَرى يُمْنَ مَيمونٍ تَعاظَمَ في العُلا / بنيلِ مَعَالٍ لا يُحَدّ لها حَدُّ
وهِمَّةُ يَحيَى شَرَّفَتهُ بِخُلَّةٍ / بها يُسْعَفُ المَولى ويَبتَهِجُ العَبدُ
كَأَنَّ نُضَاراً ذائِباً عَمَّ جِسمَها / وإنْ رامَ حُسناً في العُيونِ له حَمدُ
وما مُطْرَفٌ إلّا أبيٌّ بِحُرْمَةٍ / عُبابٌ خِضَمٌّ حُلَّ عن حَسرِهِ المَدُّ
إذا أَعملَ الآراءَ عَنَّ لهُ الهدى / سَدادٌ هوَ الفَتحُ الَّذي ما لَهُ سَدُّ
يَروحُ وَيَغدو في المنى وَحَسودُهُ / بعيدُ رَشادٍ لا يَروحُ ولا يَغدو
ومِن حَيثُ ما ساورتَهُ خِفتَ بأسَهُ / وَلِلنّارِ مِن حَيثُ انثَنَيتَ لها وَقدُ
وإن جادَ كانَ الجودُ منه مهنأً / كغَيثٍ هَمَى ما فيه برقٌ ولا رعدُ
ولِلَّه في الإِجلالِ ذِكرُ مُحَمَّدٍ / بِكُلِّ لسانٍ في الثناءِ له حَمدُ
هُمُ السّادَةُ الأمجادُ والقادَةُ الأُلى / تُعَدُّ المَعالي منهُمُ كُلَّما عُدّوا
وَيَأمُرُهمْ بالصَّبرِ والحزمِ خاذِلٌ / لَهُم صبرٌ ووجدانُهُ فَقدُ
وَأَيَّ اصطِبارٍ فيه للنّفسِ رَحمَةٌ / عَنِ القائِدِ الأَعلى الَّذي ضَمَّهُ اللَّحدُ
جناحيَ محلولٌ وجيدِيْ مُطَوَّقٌ
جناحيَ محلولٌ وجيدِيْ مُطَوَّقٌ / فَرَوضيَ مطولٌ فما ليَ لا أشْدو
وناهدةٍ لمّا تَنَهَّدْتُ أعْرَضَتْ
وناهدةٍ لمّا تَنَهَّدْتُ أعْرَضَتْ / فراحت وقلبي في ترائبها نَهْدُ