القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أَبو الطَّيِّب المُتَنَبّي الكل
المجموع : 7
عَواذِلُ ذاتِ الخالِ فيَّ حَواسِدُ
عَواذِلُ ذاتِ الخالِ فيَّ حَواسِدُ / وَإِنَّ ضَجيعَ الخَودِ مِنّي لَماجِدُ
يَرُدُّ يَداً عَن ثَوبِها وَهوَ قادِرٌ / وَيَعصي الهَوى في طَيفِها وَهوَ راقِدُ
مَتى يَشتَفي مِن لاعِجِ الشَوقِ في الحَشى / مُحِبٌّ لَها في قُربِهِ مُتَباعِدُ
إِذا كُنتَ تَخشى العارَ في كُلِّ خَلوَةٍ / فَلِم تَتَصَبّاكَ الحِسانُ الخَرائِدُ
أَلَحَّ عَلَيَّ السُقمُ حَتّى أَلِفتُهُ / وَمَلَّ طَبيبي جانِبي وَالعَوائِدُ
مَرَرتُ عَلى دارِ الحَبيبِ فَحَمحَمَت / جَوادي وَهَل تَشجو الجِيادَ المَعاهِدُ
وَما تُنكِرُ الدَهماءَ مِن رَسمِ مَنزِلٍ / سَقَتها ضَريبَ الشَولِ فيها الوَلائِدُ
أَهُمُّ بِشَيءٍ وَاللَيالي كَأَنَّها / تُطارِدُني عَن كَونِهِ وَأُطارِدُ
وَحيدٌ مِنَ الخُلّانِ في كُلِّ بَلدَةٍ / إِذا عَظُمَ المَطلوبُ قَلَّ المُساعِدُ
وَتُسعِدُني في غَمرَةٍ بَعدَ غَمرَةٍ / سَبوحٌ لَها مِنها عَليها شَواهِدُ
تَثَنّى عَلى قَدرِ الطِعانِ كَأَنَّما / مَفاصِلُها تَحتَ الرِماحِ مَراوِدُ
مُحَرَّمَةٌ أَكفالُ خَيلي عَلى القَنا / مُحَلَّلَةٌ لَبّاتُها وَالقَلائِدُ
وَأَورِدُ نَفسي وَالمُهَنَّدُ في يَدي / مَوارِدَ لا يُصدِرنَ مَن لا يُجالِدُ
وَلَكِن إِذا لَم يَحمِلِ القَلبُ كَفَّهُ / عَلى حالَةٍ لَم يَحمِلِ الكَفَّ ساعِدُ
خَليلَيَّ إِنّي لا أَرى غَيرَ شاعِرٍ / فَلِم مِنهُمُ الدَعوى وَمِنّي القَصائِدُ
فَلا تَعجَبا إِنَّ السُيوفَ كَثيرَةٌ / وَلَكِنَّ سَيفَ الدَولَةِ اليَومَ واحِدٌ
لَهُ مِن كَريمِ الطَبعِ في الحَربِ مُنتَضٍ / وَمِن عادَةِ الإِحسانِ وَالصَفحِ غامِدُ
وَلَمّا رَأَيتُ الناسَ دونَ مَحَلِّهِ / تَيَقَّنتُ أَنَّ الدَهرَ لِلناسِ ناقِدُ
أَحَقُّهُمُ بِالسَيفِ مَن ضَرَبَ الطُلى / وَبِالأَمنِ مَن هانَت عَلَيهِ الشَدائِدُ
وَأَشقى بِلادِ اللَهِ ما الرومُ أَهلُها / بِهَذا وَما فيها لِمَجدِكَ جاحِدُ
شَنَنتَ بِها الغاراتِ حَتّى تَرَكتَها / وَجَفنُ الَّذي خَلفَ الفَرَنجَةَ ساهِدُ
مُخَضَّبَةٌ وَالقَومُ صَرعى كَأَنَّها / وَإِن لَم يَكونوا ساجِدينَ مَساجِدُ
تُنَكِّسُهُم وَالسابِقاتُ جِبالُهُم / وَتَطعَنُ فيهِم وَالرِماحُ المَكايِدُ
وَتَضرِبَهُم هَبراً وَقَد سَكَنوا الكُدى / كَما سَكَنَت بَطنَ التُرابِ الأَساوِدُ
وَتُضحي الحُصونُ المُشمَخِرّاتُ في الذُرى / وَخَيلُكَ في أَعناقِهِنَّ قَلائِدُ
عَصَفنَ بِهِم يَومَ اللُقانِ وَسُقنَهُم / بِهِنريطَ حَتّى اِبيَضَّ بِالسَبيِ آمِدُ
وَأَلحَقنَ بِالصَفصافِ سابورَ فَاِنهَوى / وَذاقَ الرَدى أَهلاهُما وَالجَلامِدُ
وَغَلَّسَ في الوادي بِهِنَّ مُشَيَّعٌ / مُبارَكُ ما تَحتَ اللِثامَينِ عابِدُ
فَتىً يَشتَهي طولَ البِلادِ وَوَقتِهِ / تَضيقُ بِهِ أَوقاتُهُ وَالمَقاصِدُ
أَخو غَزَواتٍ ما تُغِبُّ سُيوفُهُ / رِقابَهُمُ إِلّا وَسَيحانُ جامِدُ
فَلَم يَبقَ إِلّا مَن حَماها مِنَ الظُبا / لَمى شَفَتَيها وَالثُدِيُّ النَواهِدُ
تُبَكّي عَلَيهِنَّ البَطاريقُ في الدُجى / وَهُنَّ لَدَينا مُلقَياتٌ كَواسِدُ
بِذا قَضَتِ الأَيّامُ مابَينَ أَهلِها / مَصائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ
وَمِن شَرَفِ الإِقدامِ أَنَّكَ فيهِمِ / عَلى القَتلِ مَوموقٌ كَأَنَّكَ شاكِدُ
وَأَنَّ دَماً أَجرَيتَهُ بِكَ فاخِرٌ / وَأَنَّ فُؤاداً رُعتَهُ لَكَ حامِدُ
وَكُلٌّ يَرى طُرقَ الشَجاعَةِ وَالنَدى / وَلَكِنَّ طَبعَ النَفسِ لِلنَفسِ قائِدُ
نَهَبتَ مِنَ الأَعمارِ ما لَو حَوَيتَهُ / لَهُنِّئَتِ الدُنيا بِأَنَّكَ خالِدُ
فَأَنتَ حُسامُ المُلكِ وَاللَهُ ضارِبٌ / وَأَنتَ لِواءُ الدينِ وَاللَهُ عاقِدُ
وَأَنتَ أَبو الهَيجا اِبنُ حَمدانَ يا اِبنَهُ / تَشابَهَ مَولودٌ كَريمٌ وَوالِدُ
وَحَمدانُ حَمدونٌ وَحَمدونُ حارِثٌ / وَحارِثُ لُقمانٌ وَلُقمانُ راشِدُ
أولَئِكَ أَنيابُ الخِلافَةِ كُلُّها / وَسائِرُ أَملاكِ البِلادِ الزَوائِدُ
أُحِبُّكَ يا شَمسَ الزَمانِ وَبَدرَهُ / وَإِن لامَني فيكَ السُهى وَالفَراقِدُ
وَذاكَ لِأَنَّ الفَضلَ عِندَكَ باهِرٌ / وَلَيسَ لِأَنَّ العَيشُ عِندَكَ بارِدُ
فَإِنَّ قَليلَ الحُبِّ بِالعَقلِ صالِحٌ / وَإِنَّ كَثيرَ الحُبِّ بِالجَهلِ فاسِدُ
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا / وَعادَتُ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنُ في العِدا
وَأَن يُكذِبَ الإِرجافَ عَنهُ بِضِدِّهِ / وَيُمسي بِما تَنوي أَعاديهِ أَسعَدا
وَرُبَّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفسَهُ / وَهادٍ إِلَيهِ الجَيشَ أَهدى وَما هَدى
وَمُستَكبِرٍ لَم يَعرِفِ اللَهَ ساعَةً / رَأى سَيفَهُ في كَفِّهِ فَتَشَهَّدا
هُوَ البَحرُ غُص فيهِ إِذا كانَ ساكِناً / عَلى الدُرِّ وَاِحذَرهُ إِذا كانَ مُزبِدا
فَإِنّي رَأَيتُ البَحرَ يَعثُرُ بِالفَتى / وَهَذا الَّذي يَأتي الفَتى مُتَعَمِّدا
تَظَلُّ مُلوكُ الأَرضِ خاشِعَةً لَهُ / تُفارِقُهُ هَلكى وَتَلقاهُ سُجَّدا
وَتُحيِي لَهُ المالَ الصَوارِمُ وَالقَنا / وَيَقتُلُ ما يُحيِي التَبَسُّمُ وَالجَدا
ذَكيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَينِهِ / يَرى قَلبُهُ في يَومِهِ ما تَرى غَدا
وَصولٌ إِلى المُستَصعَباتِ بِخَيلِهِ / فَلَو كانَ قَرنُ الشَمسِ ماءً لَأَورَدا
لِذَلِكَ سَمّى اِبنُ الدُمُستُقِ يَومَهُ / مَماتاً وَسَمّاهُ الدُمُستُقُ مَولِدا
سَرَيتَ إِلى جَيحانَ مِن أَرضِ آمِدٍ / ثَلاثاً لَقَد أَدناكَ رَكضٌ وَأَبعَدا
فَوَلّى وَأَعطاكَ اِبنَهُ وَجُيوشَهُ / جَميعاً وَلَم يُعطِ الجَميعَ لِيُحمَدا
عَرَضتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرفِهِ / وَأَبصَرَ سَيفَ اللَهِ مِنكَ مُجَرَّدا
وَما طَلَبَت زُرقُ الأَسِنَّةِ غَيرَهُ / وَلَكِنَّ قُسطَنطينَ كانَ لَهُ الفِدا
فَأَصبَحَ يَجتابُ المُسوحَ مَخافَةً / وَقَد كانَ يَجتابُ الدِلاصَ المُسَرَّدا
وَيَمشي بِهِ العُكّازُ في الدَيرِ تائِباً / وَما كانَ يَرضى مَشيَ أَشقَرَ أَجرَدا
وَما تابَ حَتّى غادَرَ الكَرُّ وَجهَهُ / جَريحاً وَخَلّى جَفنَهُ النَقعُ أَرمَدا
فَلَو كانَ يُنجي مِن عَليٍّ تَرَهُّبٌ / تَرَهَّبَتِ الأَملاكُ مَثنى وَمَوحِدا
وَكُلُّ اِمرِئٍ في الشَرقِ وَالغَربِ بَعدَها / يُعِدُّ لَهُ ثَوباً مِنَ الشَعرِ أَسوَدا
هَنيئاً لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ / وَعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيَّدا
وَلا زالَتِ الأَعيادُ لُبسَكَ بَعدَهُ / تُسَلِّمُ مَخروقاً وَتُعطى مُجَدَّدا
فَذا اليَومُ في الأَيّامِ مِثلُكَ في الوَرى / كَما كُنتَ فيهِم أَوحَداً كانَ أَوحَدَ
هُوَ الجَدُّ حَتّى تَفضُلَ العَينُ أُختَها / وَحَتّى يَصيرَ اليَومُ لِليَومِ سَيِّدا
فَيا عَجَباً مِن دائِلٍ أَنتَ سَيفُهُ / أَما يَتَوَقّى شَفرَتَي ما تَقَلَّدا
وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازاً لِصَيدِهِ / تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا
رَأَيتُكَ مَحضَ الحِلمِ في مَحضِ قُدرَةٍ / وَلَو شِئتَ كانَ الحِلمُ مِنكَ المُهَنَّدا
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالعَفوِ عَنهُمُ / وَمَن لَكَ بِالحُرِّ الَّذي يَحفَظُ اليَدا
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ / وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا
وَوَضعُ النَدى في مَوضِعِ السَيفِ بِالعُلا / مُضِرٌّ كَوَضعِ السَيفِ في مَوضِعِ النَدى
وَلَكِن تَفوقُ الناسَ رَأياً وَحِكمَةً / كَما فُقتَهُم حالاً وَنَفساً وَمَحتِدا
يَدِقُّ عَلى الأَفكارِ ما أَنتَ فاعِلٌ / فَيُترَكُ ما يَخفى وَيُؤخَذُ ما بَدا
أَزِل حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بِكَبتِهِم / فَأَنتَ الَّذي صَيَّرتَهُم لِيَ حُسَّدا
إِذا شَدَّ زَندي حُسنُ رَأيِكَ فيهِمِ / ضَرَبتُ بِسَيفٍ يَقطَعُ الهامَ مُغمَدا
وَما أَنا إِلّا سَمهَرِيٌّ حَمَلتَهُ / فَزَيَّنَ مَعروضاً وَراعَ مُسَدَّدا
وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي / إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِداً
فَسارَ بِهِ مَن لا يَسيرُ مُشَمِّرا / وَغَنّى بِهِ مَن لا يُغَنّي مُغَرِّدا
أَجِزني إِذا أُنشِدتَ شِعراً فَإِنَّما / بِشِعري أَتاكَ المادِحونَ مُرَدَّدا
وَدَع كُلَّ صَوتٍ غَيرَ صَوتي فَإِنَّني / أَنا الصائِحُ المَحكِيُّ وَالآخَرُ الصَدى
تَرَكتُ السُرى خَلفي لِمَن قَلَّ مالُهُ / وَأَنعَلتُ أَفراسي بِنُعماكَ عَسجَدا
وَقَيَّدتُ نَفسي في ذَراكَ مَحَبَّةً / وَمَن وَجَدَ الإِحسانَ قَيداً تَقَيَّدا
إِذا سَأَلَ الإِنسانُ أَيّامَهُ الغِنى / وَكُنتَ عَلى بُعدٍ جَعَلنَكَ مَوعِدا
أَقَلُّ فَعالي بَلهَ أَكثَرَهُ مَجدُ
أَقَلُّ فَعالي بَلهَ أَكثَرَهُ مَجدُ / وَذا الجِدُّ فيهِ نِلتُ أَم لَم أَنَل جَدُّ
سَأَطلُبُ حَقّي بِالقَنا وَمَشايِخٍ / كَأَنَّهُمُ مِن طولِ ما اِلتَثَموا مُردُ
ثِقالٍ إِذا لاقَوا خِفافٍ إِذا دُعوا / كَثيرٍ إِذا شَدّوا قَليلٍ إِذا عُدّوا
وَطَعنٍ كَأَنَّ الطَعنَ لا طَعنَ عِندَهُ / وَضَربٍ كَأَنَّ النارَ مِن حَرِّهِ بَردُ
إِذا شِئتُ حَفَّت بي عَلى كُلِّ سابِحٍ / رِجالٌ كَأَنَّ المَوتَ في فَمِها شَهدُ
أَذُمُّ إِلى هَذا الزَمانِ أُهَيلَهُ / فَأَعلَمُهُم فَدمٌ وَأَحزَمُهُم وَغدُ
وَأَكرَمُهُم كَلبٌ وَأَبصَرُهُم عَمٍ / وَأَسهَدُهُم فَهدٌ وَأَشجَعُهُم قِردُ
وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى / عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ
بِقَلبي وَإِن لَم أَروَ مِنها مَلالَةٌ / وَبي عَن غَوانيها وَإِن وَصَلَت صَدُّ
خَليلايَ دونَ الناسِ حُزنٌ وَعَبرَةٌ / عَلى فَقدِ مَن أَحبَبتُ ما لَهُما فَقدُ
تَلَجُّ دُموعي بِالجُفونِ كَأَنَّما / جُفوني لِعَيني كُلِّ باكِيَةٍ خَدُّ
وَإِنّي لَتُغنيني مِنَ الماءِ نُغبَةٌ / وَأَصبِرُ عَنهُ مِثلَ ما تَصبِرُ الرُبدُ
وَأَمضي كَما يَمضي السِنانُ لِطِيَّتي / وَأَطوي كَما تَطوي المُجَلِّحَةُ العُقدُ
وَأَكبِرُ نَفسي عَن جَزاءٍ بِغيبَةٍ / وَكُلُّ اِغتِيابٍ جُهدُ مَن مالُهُ جُهدُ
وَأَرحَمُ أَقواماً مِنَ العِيِّ وَالغَبا / وَأَعذِرُ في بُغضي لِأَنَّهُمُ ضِدُّ
وَيَمنَعُني مِمَّن سِوى اِبنِ مُحَمَّدٍ / أَيادٍ لَهُ عِندي تَضيقُ بِها عِندُ
تَوالى بِلا وَعدٍ وَلَكِنَّ قَبلَها / شَمائِلُهُ مِن غَيرِ وَعدٍ بِها وَعدُ
سَرى السَيفُ مِمّا تَطبَعُ الهِندُ صاحِبي / إِلى السَيفِ مِمّا يَطبَعُ اللَهُ لا الهِندُ
فَلَمّا رَآني مُقبِلاً هَزَّ نَفسَهُ / إِلَيَّ حُسامٌ كُلُّ صَفحٍ لَهُ حَدُّ
فَلَم أَرَ قَبلي مَن مَشى البَحرُ نَحوَهُ / وَلا رَجُلاً قامَت تُعانِقُهُ الأُسدُ
كَأَنَّ القِسِيَّ العاصِياتِ تُطيعُهُ / هَوىً أَو بِها في غَيرِ أُنمُلِهِ زُهدُ
يَكادُ يُصيبُ الشَيءَ مِن قَبلِ رَميِهِ / وَيُمكِنُهُ في سَهمِهِ المُرسَلِ الرَدُّ
وَيُنفِذُهُ في العَقدِ وَهوَ مُضَيَّقٌ / مِنَ الشَعرَةِ السَوداءِ وَاللَيلُ مُسوَدُّ
بِنَفسي الَّذي لا يُزدَهى بِخَديعَةٍ / وَإِن كَثُرَت فيها الذَرائِعُ وَالقَصدُ
وَمَن بُعدُهُ فَقرٌ وَمَن قُربُهُ غِنىً / وَمَن عِرضُهُ حُرٌّ وَمَن مالُهُ عَبدُ
وَيَصطَنِعُ المَعروفَ مُبتَدِئً بِهِ / وَيَمنَعُهُ مِن كُلِّ مَن ذَمُّهُ حَمدُ
وَيَحتَقِرُ الحُسّادَ عَن ذِكرِهِ لَهُم / كَأَنَّهُمُ في الخَلقِ ما خُلِقوا بَعدُ
وَتَأمَنَهُ الأَعداءُ مِن غَيرِ ذِلَّةٍ / وَلَكِن عَلى قَدرِ الَّذي يُذنِبُ الحِقدُ
فَإِن يَكُ سَيّارُ بنُ مُكرَمٍ اِنقَضي / فَإِنَّكَ ماءُ الوَردِ إِن ذَهَبَ الوَردُ
مَضى وَبَنوهُ وَاِنفَرَدتَ بِفَضلِهِم / وَأَلفٌ إِذا ما جُمِّعَت واحِدٌ فَردُ
لَهُم أَوجُهٌ غُرٌّ وَأَيدٍ كَريمَةٌ / وَمَعرِفَةٌ عِدٌّ وَأَلسِنَةٌ لُدُّ
وَأَردِيَةٌ خُضرٌ وَمُلكٌ مُطاعَةٌ / وَمَركوزَةٌ سُمرٌ وَمُقرَبَةٌ جُردُ
وَما عِشتُ ما ماتوا وَلا أَبَواهُمُ / تَميمُ بنُ مُرٍّ وَاِبنُ طابِخَةٍ أُدُّ
فَبَعضُ الَّذي يَبدو الَّذي أَنا ذاكِرٌ / وَبَعضُ الَّذي يَخفى عَلَيَّ الَّذي يَبدو
أَلومُ بِهِ مَن لامَني في وِدادِهِ / وَحُقَّ لِخَيرِ الخَلقِ مِن خَيرِهِ الوُدُّ
كَذا فَتَنَحَّوا عَن عَلِيٍّ وَطُرقِهِ / بَني اللُؤمِ حَتّى يَعبُرَ المَلِكُ الجَعدُ
فَما في سَجاياكُم مُنازَعَةُ العُلى / وَلا في طِباعِ التُربَةِ المِسكُ وَالنَدُّ
لَقَد حازَني وَجدٌ بِمَن حازَهُ بُعدُ
لَقَد حازَني وَجدٌ بِمَن حازَهُ بُعدُ / فَيا لَيتَني بُعدٌ وَيا لَيتَهُ وَجدُ
أُسَرُّ بِتَجديدِ الهَوى ذِكرَ ما مَضى / وَإِن كانَ لا يَبقى لَهُ الحَجَرُ الصَلدُ
سُهادٌ أَتانا مِنكَ في العَينِ عِندَنا / رُقادٌ وَقُلّامٌ رَعى سَربُكُم وَردُ
مُمَثَّلَةٌ حَتّى كَأَن لَم تُفارِقي / وَحَتّى كَأَنَّ اليَأسَ مِن وَصلِكِ الوَعدُ
وَحَتّى تَكادي تَمسَحينَ مَدامِعي / وَيَعبَقُ في ثَوبَيَّ مِن ريحِكِ النَدُّ
إِذا غَدَرَت حَسناءُ وَفَّت بِعَهدِها / فَمِن عَهدِها أَن لا يَدومَ لَها عَهدُ
وَإِن عَشِقَت كانَت أَشَدَّ صَبابَةً / وَإِن فَرِكَت فَاِذهَب فَما فِركُها قَصدُ
وَإِن حَقَدَت لَم يَبقَ في قَلبِها رِضىً / وَإِن رَضِيَت لَم يَبقَ في قَلبِها حِقدُ
كَذَلِكَ أَخلاقُ النِساءِ وَرُبَّما / يَضِلُّ بِها الهادي وَيَخفى بِها الرُشدُ
وَلَكِنَّ حُبّاً خامَرَ القَلبَ في الصِبا / يَزيدُ عَلى مَرِّ الزَمانِ وَيَشتَدُّ
سَقى اِبنُ عَلِيّاً كُلَّ مُزنٍ سَقَتكُمُ / مُكافَأَةً يَغدو إِلَيها كَما تَغدو
لِتَروى كَما تُروي بِلاداً سَكَنتَها / وَيَنبُتُ فيها فَوقَكَ الفَخرُ وَالمَجدُ
بِمَن تَشخَصُ الأَبصارُ يَومَ رُكوبِهِ / وَيَخرَقُ مِن زَحمٍ عَلى الرَجُلِ البُردُ
وَتُلقي وَما تَدري البَنانُ سِلاحَها / لِكَثرَةِ إيماءٍ إِلَيهِ إِذا يَبدو
ضَروبٌ لِهامِ الضارِبي الهامِ في الوَغى / خَفيفٌ إِذا ما أَثقَلَ الفَرَسَ اللِبدُ
بَصيرٌ بِأَخذِ الحَمدِ مِن كُلِّ مَوضِعٍ / وَلَو خَبَّأَتهُ بَينَ أَنيابِها الأُسدُ
بِتَأميلِهِ يَغنى الفَتى قَبلَ نَيلِهِ / وَبِالذُعرِ مِن قَبلِ المُهَنَّدِ يَنقَدُّ
وَسَيفي لَأَنتَ السَيفُ لا ما تَسُلُّهُ / لِضَربٍ وَمِمّا السَيفُ مِنهُ لَكَ الغِمدُ
وَرُمحي لَأَنتَ الرُمحُ لا ما تَبُلُّهُ / نَجيعاً وَلَولا القَدحُ لَم يُثقِبِ الزَندُ
مِنَ القاسِمينَ الشُكرَ بَيني وَبَينَهُم / لِأَنَّهُمُ يُسدى إِلَيهِم بِأَن يُسدوا
فَشُكري لَهُم شُكرانِ شُكرٌ عَلى النَدى / وَشُكرٌ عَلى الشُكرِ الَّذي وَهَبوا بَعدُ
صِيامٌ بِأَبوابِ القِبابِ جِيادُهُم / وَأَشخاصُها في قَلبِ خائِفِهِم تَعدو
وَأَنفُسُهُم مَبذولَةٌ لِوُفودِهِم / وَأَموالُهُم في دارِ مَن لَم يَفِد وَفدُ
كَأَنَّ عَطِيّاتِ الحُسَينِ عَساكِرٌ / فَفيها العِبِدّى وَالمُطَهَّمَةُ الجُردُ
أَرى القَمَرَ اِبنَ الشَمسِ قَد لَبِسَ العُلا / رُوَيدَكَ حَتّى يَلبَسَ الشَعَرَ الخَدُّ
وَغالَ فُضولَ الدَرعِ مِن جَنَباتِها / عَلى بَدَنٍ قَدُّ القَناةِ لَهُ قَدُّ
وَباشَرَ أَبكارَ المَكارِمِ أَمرَداً / وَكانَ كَذا آباؤُهُ وَهُمُ مُردُ
مَدَحتُ أَباهُ قَبلَهُ فَشَفى يَدي / مِنَ العُدمِ مَن تُشفى بِهِ الأَعيُنُ الرُمدُ
حَباني بِأَثمانِ السَوابِقِ دونَها / مَخافَةَ سَيري إِنَّها لِلنَوى جُندُ
وَشَهوَةَ عَودٍ إِنَّ جودَ يَمينِهِ / ثَناءٌ ثَناءٌ وَالجَوادُ بِها فَردُ
فَلا زِلتُ أَلقى الحاسِدينَ بِمِثلِها / وَفي يَدِهِم غَيظٌ وَفي يَدِيَ الرِفدُ
وَعِندي قَباطِيُّ الهُمامِ وَمالُهُ / وَعِندَهُمُ مِمّا ظَفِرتُ بِهِ الجَحدُ
يَرومونَ شَأوي في الكَلامِ وَإِنَّما / يُحاكي الفَتى فيما خَلا المَنطِقَ القِردُ
فَهُم في جُموعٍ لا يَراها اِبنُ دَأيَةٍ / وَهُم في ضَجيجٍ لا يُحُسُّ بِها الخُلدُ
وَمِنّي اِستَفادَ الناسُ كُلَّ غَريبَةٍ / فَجازوا بِتَركِ الذَمِّ إِن لَم يَكُن حَمدُ
وَجَدتُ عَلِيّاً وَاِبنَهُ خَيرَ قَومِهِ / وَهُم خَيرُ قَومٍ وَاِستَوى الحُرُّ وَالعَبدُ
وَأَصبَحَ شِعري مِنهُما في مَكانِهِ / وَفي عُنُقِ الحَسناءِ يُستَحسَنُ العِقدُ
وَسَوداءَ مَنظومٍ عَلَيها لَآلِئٌ
وَسَوداءَ مَنظومٍ عَلَيها لَآلِئٌ / لَها صورَةُ البِطّيخِ وَهيَ مِنَ النَدِّ
كَأَنَّ بَقايا عَنبَرٍ فَوقَ رَأسِها / طُلوعُ رَواعي الشَيبِ في الشَعَرِ الجَعدِ
أَوَدُّ مِنَ الأَيّامِ مالا تَوَدُّهُ
أَوَدُّ مِنَ الأَيّامِ مالا تَوَدُّهُ / وَأَشكو إِلَيها بَينَنا وَهيَ جُندُهُ
يُباعِدنَ حِبّاً يَجتَمِعنَ وَوَصلُهُ / فَكَيفَ بِحِبٍّ يَجتَمِعنَ وَصَدُّهُ
أَبى خُلُقُ الدُنيا حَبيباً تُديمُهُ / فَما طَلَبي مِنها حَبيباً تَرُدُّهُ
وَأَسرَعُ مَفعولٍ فَعَلتَ تَغَيُّراً / تَكَلُّفُ شَيءٍ في طِباعِكَ ضِدُّهُ
رَعى اللَهُ عيساً فارَقَتنا وَفَوقَها / مَهاً كُلُّها يولى بِجَفنَيهِ خَدُّهُ
بِوادٍ بِهِ ما بِالقُلوبِ كَأَنَّهُ / وَقَد رَحَلوا جيدٌ تَناثَرَ عِقدُهُ
إِذا سارَتِ الأَحداجُ فَوقَ نَباتِهِ / تَفاوَحَ مِسكُ الغانِياتِ وَرَندُهُ
وَحالٍ كَإِحداهُنَّ رُمتُ بُلوغَها / وَمِن دونِها غَولُ الطَريقِ وَبُعدُهُ
وَأَتعَبُ خَلقِ اللَهِ مَن زادَ هَمُّهُ / وَقَصَّرَ عَمّا تَشتَهي النَفسُ وُجدُهُ
فَلا يَنحَلِل في المَجدِ مالُكَ كُلُّهُ / فَيَنحَلَّ مَجدٌ كانَ بِالمالِ عَقدُهُ
وَدَبِّرهُ تَدبيرَ الَّذي المَجدُ كَفُّهُ / إِذا حارَبَ الأَعداءَ وَالمالُ زَندُهُ
فَلا مَجدَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مالُهُ / وَلا مالَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مَجدُهُ
وَفي الناسِ مَن يَرضى بِمَيسورِ عَيشِهِ / وَمَركوبُهُ رِجلاهُ وَالثَوبُ جِلدُهُ
وَلَكِنَّ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ مالَهُ / مَدىً يَنتَهي بي في مُرادٍ أَحُدُّهُ
يَرى جِسمَهُ يُكسى شُفوفاً تَرُبُّهُ / فَيَختارُ أَن يُكسى دُروعاً تَهُدُّهُ
يُكَلِّفُني التَهجيرَ في كُلِّ مَهمَهٍ / عَليقي مَراعيهِ وَزادِيَ رُبدُهُ
وَأَمضى سِلاحٍ قَلَّدَ المَرءُ نَفسَهُ / رَجاءُ أَبي المِسكِ الكَريمِ وَقَصدُهُ
هُما ناصِرا مَن خانَهُ كُلُّ ناصِرٍ / وَأُسرَةُ مَن لَم يُكثِرِ النَسلَ جَدُّهُ
أَنا اليَومَ مِن غِلمانِهِ في عَشيرَةٍ / لَنا والِدٌ مِنهُ يُفَدّيهِ وُلدُهُ
فَمَن مالِهِ مالُ الكَبيرِ وَنَفسُهُ / وَمَن مالِهِ دَرُّ الصَغيرِ وَمَهدُهُ
نَجُرُّ القَنا الخَطِيَّ حَولَ قِبابِهِ / وَتَردي بِنا قُبُّ الرِباطِ وَجُردُهُ
وَنَمتَحِنُ النُشّابَ في كُلِّ وابِلٍ / دَوِيُّ القِسِيِّ الفارِسِيَّةِ رَعدُهُ
فَإِلّا تَكُن مِصرُ الشَرى أَو عَرينُهُ / فَإِنَّ الَّذي فيها مِنَ الناسِ أُسدُهُ
سَبائِكُ كافورٍ وَعِقيانُهُ الَّذي / بِصُمِّ القَنا لا بِالأَصابِعِ نَقدُهُ
بَلاها حَوالَيهِ العَدُوُّ وَغَيرُهُ / وَجَرَّبَها هَزلُ الطِرادِ وَجِدُّهُ
أَبو المِسكِ لا يَفنى بِذَنبِكَ عَفوُهُ / وَلَكِنَّهُ يَفنى بِعُذرِكَ حِقدُهُ
فَيا أَيُّها المَنصورُ بِالجَدِّ سَعيُهُ / وَيا أَيُّها المَنصورُ بِالسَعيِ جَدُّهُ
تَوَلّى الصِبا عَنّي فَأَخلَفتُ طيبَهُ / وَما ضَرَّني لَمّا رَأَيتُكَ فَقدُهُ
لَقَد شَبَّ في هَذا الزَمانِ كُهولُهُ / لَدَيكَ وَشابَت عِندَ غَيرِكَ مُردُهُ
أَلا لَيتَ يَومَ السَيرِ يُخبِرُ حَرُّهُ / فَتَسأَلَهُ وَاللَيلَ يُخبِرُ بَردُهُ
وَلَيتَكَ تَرعاني وَحَيرانُ مُعرِضٌ / فَتَعلَمَ أَنّي مِن حُسامِكَ حَدُّهُ
وَأَنّي إِذا باشَرتُ أَمراً أُريدُهُ / تَدانَت أَقاصيهِ وَهانَ أَشَدُّهُ
وَما زالَ أَهلُ الدَهرِ يَشتَبِهونَ لي / إِلَيكَ فَلَمّا لُحتَ لي لاحَ فَردُهُ
يُقالُ إِذا أَبصَرتُ جَيشاً وَرَبُّهُ / أَمامَكَ رَبٌّ رَبُّ ذا الجَيشِ عَبدُهُ
وَأَلقى الفَمَ الضَحّاكَ أَعلَمُ أَنَّهُ / قَريبٌ بِذي الكَفِّ المُفَدّاةِ عَهدُهُ
فَزارَكَ مِنّي مَن إِلَيكَ اِشتِياقُهُ / وَفي الناسِ إِلّا فيكَ وَحدَكَ زُهدُهُ
يُخَلِّفُ مَن لَم يَأتِ دارَكَ غايَةً / وَيَأتي فَيَدري أَنَّ ذَلِكَ جُهدُهُ
فَإِن نِلتُ ما أَمَّلتُ مِنكَ فَرُبَّما / شَرِبتُ بِماءٍ يَعجِزُ الطَيرَ وِردُهُ
وَوَعدُكَ فِعلٌ قَبلَ وَعدٍ لِأَنَّهُ / نَظيرُ فَعالِ الصادِقِ القَولِ وَعدُهُ
فَكُن في اِصطِناعي مُحسِناً كَمُجَرِّبٍ / يَبِن لَكَ تَقريبُ الجَوادِ وَشَدُّهُ
إِذا كُنتَ في شَكٍّ مِنَ السَيفِ فَاِبلُهُ / فَإِمّا تُنَفّيهِ وَإِمّا تُعِدُّهُ
وَما الصارِمُ الهِندِيُّ إِلّا كَغَيرِهِ / إِذا لَم يُفارِقهُ النِجادُ وَغِمدُهُ
وَإِنَّكَ لَلمَشكورُ في كُلِّ حالَةٍ / وَلَو لَم يَكُن إِلّا البَشاشَةَ رِفدُهُ
فَكُلُّ نَوالٍ كانَ أَو هُوَ كائِنٌ / فَلَحظَةُ طَرفٍ مِنكَ عِندِيَ نِدُّهُ
وَإِنّي لَفي بَحرٍ مِنَ الخَيرِ أَصلُهُ / عَطاياكَ أَرجو مَدَّها وَهيَ مَدُّهُ
وَما رَغبَتي في عَسجَدٍ أَستَفيدُهُ / وَلَكِنَّها في مَفخَرٍ أَستَجِدُّهُ
يَجودُ بِهِ مَن يَفضَحُ الجودَ جودُهُ / وَيَحمَدُهُ مَن يَفضَحُ الحَمدَ حَمدُهُ
فَإِنَّكَ ما مَرَّ النُحوسُ بِكَوكَبٍ / وَقابَلتَهُ إِلّا وَوَجهُكَ سَعدُهُ
نَسيتُ وَما أَنسى عِتاباً عَلى الصِدِّ
نَسيتُ وَما أَنسى عِتاباً عَلى الصِدِّ / وَلا خَفَراً زادَت بِهِ حُمرَةُ الخَدِّ
وَلا لَيلَةً قَصَّرتُها بِقَصورَةٍ / أَطالَت يَدي في جيدِها صُحبَةَ العِقدِ
وَمَن لي بِيَومٍ مِثلِ يَومٍ كَرِهتُهُ / قَرُبتُ بِهِ عِندَ الوَداعِ مِنَ البُعدِ
وَأَن لا يَخُصُّ الفَقدُ شَيئاً فَإِنَّني / فَقَدتُ فَلَم أَفقِد دُموعي وَلا وَجدي
تَمَنٍّ يَلَذُّ المُستَهامُ بِمِثلِهِ / وَإِن كانَ لا يُغني فَتيلاً وَلا يُجدي
وَغَيظٌ عَلى الأَيّامِ كَالنارِ في الحَشا / وَلَكِنَّهُ غَيظُ الأَسيرِ عَلى القِدِّ
فَإِمّا تَريني لا أُقيمُ بِبَلدَةٍ / فَآفَةِ غِمدي في دُلوقي وَفي حَدّي
يَحُلُّ القَنا يَومَ الطِعانِ بِعَقوَتي / فَأَحرِمُهُ عِرضي وَأُطعِمُهُ جِلدي
تُبَدِّلِ أَيّامي وَعَيشي وَمَنزِلي / نَجائِبُ لا يُفكِرنَ في النَحسِ وَالسَعدِ
وَأَوجُهُ فِتيانٍ حَياءً تَلَثَّموا / عَلَيهِنَّ لا خَوفاً مِنَ الحَرِّ وَالبَردِ
وَلَيسَ حَياءُ الوَجهِ في الذِئبِ شيمَةً / وَلَكِنَّهُ مِن شيمَةِ الأَسَدِ الوَردِ
إِذا لَم تُجِزهُم دارَ قَومٍ مَوَدَّةٌ / أَجازَ القَنا وَالخَوفُ خَيرٌ مِنَ الوُدِّ
يَحيدونَ عَن هَزلِ المُلوكِ إِلى الَّذي / تَوَفَّرَ مِن بَينَ المُلوكِ عَلى الجِدِّ
وَمَن يَصحَبِ اِسمَ اِبنِ العَميدِ مُحَمَّدٍ / يَسِر بَينَ أَنيابِ الأَساوِدِ وَالأُسدِ
يَمُرُّ مِنَ السُمِّ الوَحِيِّ بِعاجِزٍ / وَيَعبُرُ مِن أَفواهِهِنَّ عَلى دُردِ
كَفانا الرَبيعُ العيسَ مِن بَرَكاتِهِ / فَجاءَتهُ لَم تَسمَع حُداءً سِوى الرَعدِ
إِذا ما اِستَجَبنَ الماءَ يَعرِضُ نَفسَهُ / كَرِعنَ بِسَبتٍ في إِناءٍ مِنَ الوَردِ
كَأَنّا أَرادَت شُكرَنا الأَرضُ عِندَهُ / فَلَم يُخلِنا جَوٌّ هَبَطناهُ مِن رِفدِ
لَنا مَذهَبُ العُبّادِ في تَركِ غَيرِهِ / وَإِتيانِهِ نَبغي الرَغائِبَ بِالزُهدِ
رَجَونا الَّذي يَرجونَ في كُلِّ جَنَّةٍ / بِأَرجانِ حَتّى ما يَإِسنا مِنَ الخُلدِ
تَعَرَّضُ لِلزُوّارِ أَعناقُ خَيلِهِ / تَعَرُّضَ وَحشٍ خائِفاتٍ مِنَ الطَردِ
وَتَلقى نَواصيها المَنايا مُشيحَةً / وُرودَ قَطاً صُمٍّ تَشايَحنَ في وِردِ
وَتَنسُبُ أَفعالُ السُيوفِ نُفوسَها / إِلَيهِ وَيَنسُبنَ السُيوفَ إِلى الهِندِ
إِذا الشُرَفاءُ البيضُ مَتّوا بِقَتوِهِ / أَتى نَسَبٌ أَعلى مِنَ الأَبِ وَالجَدِّ
فَتىً فاتَتِ العَدوى مِنَ الناسِ عَينُهُ / فَما أَرمَدَت أَجفانَهُ كَثرَةُ الرُمدِ
وَخالَفَهُم خَلقاً وَخُلقاً وَمَوضِعاً / فَقَد جَلَّ أَن يَعدى بِشَيءٍ وَأَن يُعدي
يُغَيِّرُ أَلوانَ اللَيالي عَلى العِدى / بِمَنشورَةِ الراياتِ مَنصورَةِ الجُندِ
إِذا اِرتَقَبوا صُبحاً رَأَوا قَبلَ ضَوإِهِ / كَتائِبَ لا يَردِ الصَباحُ كَما تَردي
وَمَبثوثَةً لا تُتَّقى بِطَليعَةٍ / وَلا يُحتَمى مِنها بِغَورٍ وَلا نَجدِ
يَغُصنَ إِذا ما عُدنَ في مُتَفاقِدٍ / مِنَ الكُثرِ غانٍ بِالعَبيدِ عَنِ الحَشدِ
حَثَت كُلُّ أَرضٍ تُربَةً في غُبارِهِ / فَهُنَّ عَلَيهِ كَالطَرائِقِ في البُردِ
فَإِن يَكُنِ المَهدِيُّ مَن بانَ هَديُهُ / فَهَذا وَإِلّا فَالهُدى ذا فَما المَهدي
يُعَلِّلُنا هَذا الزَمانُ بِذا الوَعدِ / وَيَخدَعُ عَمّا في يَدَيهِ مِنَ النَقدِ
هَلِ الخَيرُ شَيءٌ لَيسَ بِالخَيرِ غائِبٌ / أَمِ الرُشدُ شَيءٌ غائِبٌ لَيسَ بِالرُشدِ
أَأَحزَمَ ذي لُبٍّ وَأَكرَمَ ذي يَدٍ / وَأَشجَعَ ذي قَلبٍ وَأَرحَمَ ذي كِبدِ
وَأَحسَنَ مُعتَمٍّ جُلوساً وَرِكبَةً / عَلى المِنبَرِ العالي أَوِ الفَرَسِ النَهدِ
تَفَضَّلَتِ الأَيّامُ بِالجَمعِ بَينَنا / فَلَمّا حَمِدنا لَم تُدِمنا عَلى الحَمدِ
جَعَلنَ وَداعي واحِداً لِثَلاثَةٍ / جَمالِكَ وَالعِلمِ المُبَرِّحِ وَالمَجدِ
وَقَد كُنتُ أَدرَكتُ المُنى غَيرَ أَنَّني / يُعَيِّرُني أَهلي بِإِدراكِها وَحدي
وَكُلُّ شَريكٍ في السُرورِ بِمُصبَحي / أَرى بَعدَهُ مَن لا يَرى مِثلَهُ بَعدي
فَجُد لي بِقَلبٍ إِن رَحَلتُ فَإِنَّني / مُخَلِّفُ قَلبي عِندَ مَن فَضلُهُ عِندي
وَلَو فارَقَت نَفسي إِلَيكَ حَياتَها / لَقُلتُ أَصابَت غَيرَ مَذمومَةِ العَهدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025