القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 15
أهاج الجوى برقاً أغارَ وأنجدا
أهاج الجوى برقاً أغارَ وأنجدا / أرَقْتُ عليه الدمع مثنًى وموحدا
وبتُّ وفي قلبي لهيبٌ كنارِهِ / تضرَّمَ في جنح الدُّجى وتوقَّدا
تذود الكرى عن مقلتي عبراتها / فتشرق فيها العين والقلب في صدى
فكيف وكم لي زفرة بعد زفرة / تثيّر منِّي فضَّة الدمع عسجدا
أحاول من سَلمى زيارة طيفها / وأنَّى يزور الطَّيف جفناً مسهَّدا
وما أطولَ الليلَ الذي لم تصل به / كأنْ جعلت ليل المتيَّم سرمدا
إلامَ أداري لوعتي غير صابر / وتمنعني يا وَجْدُ أن أتجلَّدا
أما آن للنار الَّتي في جوانحي / من الوجد يوماً أن تَقَرَّ وتخمدا
ولو كانَ غير الوجد يقدح زنده / بأحشاي من تذكار ظمياء أصلد
وما هو إلاَّ من سنا بارق بدا / أقام له هذا الفؤاد وأقعدا
يذكرني تبسام سُعدى فلم أجد / على الوجد إلاَّ مدمع العين مسعدا
وأيامنا الَّلاتي مَرَرْنا حوالياً / بعقد اجتماع الشَّمل حتَّى تبدَّدا
ولله هاتيك المواقيت إنَّها / مضتْ طرباً فالعمر من بعدها سدى
ورَدْنا بها ماءَ المودَّة صافياً / وكنَّا رعينا العيشَ إذ ذاك أرغدا
شربنا نمير الماء عن ثغرِ العس / غداة اجتنينا الورد من خدّ أغيدا
وما كانَ عهدُ الخَيف إلى صبايةً / فيا جاده عهد المواطر بالجدا
وصبَّتْ عليه الغاديات ذنوبها / وأبرقَ فيها حيثُ شاءَ وأرعدا
وساقَ إلى تلك المنازل باللّوى / من المُزن ما ليستْ تميلُ إلى الحدا
تجعجع مثل الفحل هاج وكلَّما / أُريعَ بضرب السَّوْط أرغى وأزبدا
فحيّى رسوم الدار وهي دوارسٌ / إلى أن تراها العين مخضلّة النَّدى
على الدار أنْ تستوقف الركب ساعةً / بها وعلى الأَحزان أن تتجدَّدا
وليل كأَنَّ الشُّهب في أخرياته / تمزّق جلباباً من اللَّيل أسودا
كأَنّي أرى الآفاق في حالك الدُّجى / تذرّ به في مقلة النجم إثمدا
هصرت به غصناً من البان يانعاً / وقلتُ لذات الخال روحي لك الفدا
يلين إلى حلو الشمائل جانبي / على أنَّني ما زلتُ في الخطب جلمدا
تقلّد أجياد الكرام قلائدي / وتكسو لئيم القوم خزياً مؤبَّدا
وإنِّي متى ما شئتُ أن أنل الغنى / وأبلغ آمالي مدحت محمَّدا
فتًى من قريش لم تجد ما يسرّه / سوى أنْ تراه باسطاً للندى يدا
تودّد بالحسنى إلى كلِّ آملٍ / وشأن كرمِ النفس أن يتودَّدا
إذا جئته مسترفداً نيل برّه / أنال وأولاك الجميلَ وأرفدا
فلو أنَّني خُيِّرت بالجود مورداً / لما اخترت إلاَّ جود كفَّيْهِ موردا
وما كانَ قطر المُزن يوماً على الظما / بأمرا نميراً من نداه وأبردا
وما زال يسعى سعيَ آبائه الأُلى / مفاتيح للجدوى مصابيح للهدى
فأضحى بحمدِ الله لمَّا اقتدى بهم / لمن شمل الدِّين الحنيفي مقتدى
وما كانَ إلاَّ مثل ما صارَ بعدَها / وما ضرَّ قدرَ العضب إنْ كانَ مُغْمَدا
وهب أنَّ هذا البدر يحكيه بالسنا / فمن أينَ يحكيه نجاراً ومحتِدا
تنقَّل في أوج المعالي منزلاً / وشاهد في كلٍّ من الأمر مشهدا
فما اختار إلاَّ منزل العزِّ منزلاً / ولا اختار إلاَّ مقعد المجد مقعدا
له الله مسعود الجناب مؤيّداً / زجرت إليه طائر اليمن أسعدا
يساعدني فيما أرومُ بلوغه / إذا لم يكن لي ساعد الدهر مسعدا
وجرّدت منه المشرفيَّة ولم يزلْ / على عاتق الأيام عضباً مجرّدا
فتى هاشم قد ساجد بالجود والنَّدى / فيا سيِّداً لا زالَ بالفضلِ سيِّدا
لكَ الهمَّة العلياء في كلِّ مطلبٍ / فلو كنت سيفاً كنت سيفاً مهنَّدا
أبى الله إلاَّ أنْ تُسَرَّ بك العُلى / وتحظى بها حتَّى تغيظ بها العدى
بلغت الأَماني عارفاً بحقوقها / فأرغمت آنافاً وأكبتَّ حُسَّدا
وصيَّرتني بالرقّ فيما أنلتني / وقد تصبح الأَحرار بالفضلِ أعْبُدا
فما راح من والاك إلاَّ منعّماً / ولا عاشَ من عاداك إلاَّ منكدا
وهذا لساني مطلق لك بالثنا / عليك وفي نعماك أمسى مقيَّدا
يصوغ لك المدح الَّذي طاب نشره / يخلّد فيك الذكر فيمن تخلّدا
فمن ثمَّ أقلامي إذا ما ذكرتها / تخرُّ له في صفحة الطرس سجّدا
مناقب إحسانٍ حسانٌ ضوامِنٌ / لعلياك أن تثني عليك وتحمدا
فدتك الأَعادي من كريمٍ مهذَّبٍ / غزارٍ أياديه وقلّ لك الفدا
نُصِرْتُ على خصمي به ولطالما / خذلت به خصمي علاءً وسؤددا
وأرغمتُ أنف الحاسدين بمجده / فلا زالَ في المجد العزيز الممجَّدا
إلى العزّ خوري يا نياقي وأنجدي
إلى العزّ خوري يا نياقي وأنجدي / ويا همَّتي قومي إلى الجود واقْعُدي
فلا عزّ حتَّى أترك النوق ترتمي / بنا وجياد الخيل تكدم باليد
عليها من الفتيان كلُّ مجرَّدٍ / من الضَّيم أمضى من حسامٍ مجرَّد
يذود الكرى عن مقلةٍ طمحت به / إلى شيم برق من فخارٍ وسؤدد
تعوَّد أنْ لا يشرب الماءَ بالقذى / ولم ترضَ نفس المرء ما لم تعوّد
فجرَّدَها مثلَ القسيّ حوانياً / لقطع الفيافي فدفداً بعد فدفد
يبيت الدُّجى ما بين نوم مشرّد / لفقدان من يهوى ودمع مبدَّد
يُعالج همًّا بين جَنْبَيْه للعُلى / ويَحْسِرُ عن باعٍ لأروع أصيد
رفضت الهوى بالكرخ واللَّهو بالدمى / وأعرضتُ عن بيضٍ من الغيد خرَّد
وراح كعين الدِّيك صفواً تديرها / نظيرة قدّ البانة المتأوّد
مورّدة في الكأس بعد مزاجها / كأنْ مزجت من ماء خدٍّ مورّد
تعاطيتها صِرفاً ينمُّ أريجها / عليها فما استغنيتُ عن ريقِ أغيد
وما كانَ باقي اللَّيل إلاَّ كأَنّه / على حَدَق الآفاق آثارُ إثمد
ذكرتك يا ظمياءُ والنار في الحشا / ولولاك تلك النار لم تتوقَّد
وإنِّي إذا مضَّت بقلبي مضاضةٌ / من الوجد داريتُ الأسى بالتجلُّد
وما سرت عمَّن سرت إلاَّ لمطلبٍ / أسُرُّ به صحبي وأكبت حُسَّدي
وأصفَرَ ذي وجهين من غير علَّةٍ / يروح كما راحَ اللَّئيم ويغتدي
على وجهه من خالص اللؤم شاهد / متى استشْهَدَتْهُ رؤية العين تشهد
وشيبة سَوْءٍ أنبت الله شعرها / على عارضَي وغدٍ ومستجهلٍ ردِي
أعرّفه فضلي ويَعْلَمُ أنَّني / أنا الشمس لا تخفى على عين أرمد
فهاتيك أخباري وتلك قصائدي / لها نشرُ طيِّ الذكر في كلِّ مورد
تمزّق أعراض اللِّئام كأنَّها / تصول عليها بالحسام المهنَّد
يروح عليها القوم من نفثاتها / بها السُّمُّ مدحورٌ بخزي مؤبّد
تسير بها الرُّكبان شرقاً ومغرباً / فمن مُنْشِدٍ يشدو بها ومغرّد
تركت لكم أعيان بغدادَ منزلاً / تجور عليه النائبات وتعتدي
ففيم مقامي عندكم ظامئ الحشا / ولا أنا بالواني ولا بالمقيَّد
وإنِّي عزيز النَّفس لو تعرفونني / ولي بينكم ذلّ الأَسير المصفَّد
تمنَّون إذ تعفون عن غير مذنب / فتبَّت يداً مغوٍ لكم غلَّ من يد
ظلمتم عباد الله حين رفعتمُ / أرذالَ قومٍ من خبيثٍ ومن رَدِي
وما البصرة الفيحاء من بعد فعلكم / بها غير أطلال ببرقة ثهمد
رفعتم على السادات منها أراذلاً / لهم في حضيض الذلّ أسوأَ مَقْعَدِ
فعلتم كما تبغون لا فعلَ منصفٍ / وقلتم ولا عن رأي هادٍ ومرشد
هَبوا أنَّكم لا تتَّقوها مآثماً / فهلاّ اتَّقيتم من ملام المفنَّد
بذلتُ لكم نصحي وما تجهلونه / ولكن لما في النَّفس من مترصّد
فقوضت والتقويض عن مثل أرضكم / إذا لم يطب عيشي ويعذب موردي
وقلت لعيسي أخذك الجدّ بالنوى / وإيَّاك بعد اليوم أن تتبغددي
فأوردتها نهر المجرَّة والعُلى / تحدّثني أنْ قَرِّبِ السَّيرَ وابعد
فما أربي من بعد فهدٍ وبندرٍ / من البصرة الفيحاء غير محمَّد
نجيب ابن أنجاب الزهير الَّذي به / أفاخر جمعَ الأَكرمين بمفرد
فتى القوم من يأوي إلى ظلِّ بيته / يعِشْ عيشة من فضله لم تنكّد
فيا أيُّها الظَّامي وتلك شريعة / من الجود فاصدر حيثما شئتَ أوْ رِدِ
رفيع عماد المجد مستمطر الندى / أخو المنهل الصافي وذو المنهل الندي
وما حَمَلَتْهُ غيرُ أُمٍّ نجيبةٍ / وإن كانَ من قوم أغرّ ممجد
لئن قلّد النعماء من كانَ منعماً / فما غيره في الناس كانَ مقلّدي
تسبّب بالإِحسان للحمد والثنا / ومن يتسبَّب للمحامد يُحْمَدِ
إذا نلت منه اليوم سابغ نعمةٍ / ترقَّبت أمثالاً لها منه في غدِ
على سنن الماضيين من غرِّ قومه / بآبائه الغرِّ الميامين يقتدي
هو القوم يروون المكارم عن أبٍ / وجدّ عريق سيِّداً بعد سيِّد
تسودهم نفس هناك أبيَّة / فكانوا إذنْ ما بين نَسْرٍ وفرقد
وهزَّتهُمُ يوم الندى أريحيَّة / كأنْ شربوا من كأس صهباء صرخد
تطرّبهم سجع الصوارم والقنا / بيوم الوغى لا ما ترى أُمُّ معبد
إذا أوعدوا الطاغين بالبأس أرهبوا / وإنْ أحْسَنوا الحسنى فعن غير موعد
كرامٌ إذا استمطرتَ وبل أكفّهم / أراقَتْه وبلاً من لجينٍ وعسجد
يقال لمن يروي أحاديث فضلكم / أعِدْ واستعد ذكر الكرام وورّد
ألَذُّ من الماءِ النمير ادّكارهم / على الكبِد الحرَّى من الحائم الصَّدي
سقاهم وحيَّاهم بصيبه الحيا / وجادهم من مبرق المزن مرعد
فكم تركوا في المادحين أخا ندًى / قديم العُلى يسعى الممجد ممجّد
إذا همَّ لا تثنيه عن عوماته / إلى المجد يوماً حيرة المتردِّد
يرى رأيه ما لا ترى عين غيره / وبالرأي قد يهدى المضلّ فيهتدي
ومن لابسٍ بُرْدَ الأُبوَّة كلَّما / تقادم قالت نفسه ويك جدِّدِ
بَنَوْها ولكن بالسيوف معالياً / فكانت ولكنْ مثل طودٍ موطَّد
وكم بذلوا من أنفَس الماس ما غلا / فلم يرغبوا إلاَّ بذكر مخلَّد
فهذا ابنُ عثمان المهذَّب بعدهم / يشيد على ذاكَ البناء المشيَّد
فلا زالَ محفوظ الجناب ولا رمى / له غرضاً إلاَّ بسهمٍ مسدَّدِ
ألِّما على لَوْمي وجدًّا مُجَدَّداً
ألِّما على لَوْمي وجدًّا مُجَدَّداً / فإنِّي لأدري ما الضلال وما الهدى
فمن مبلغُ السلوان عنِّي بأنني / فَنيتُ وشوقي لا يزال مُخَلَّدا
عذولي انتصاح منك لا أستفيده / ومن عدَّه عدلاً فقد جار واعتدى
وما كانَ أدرى بالذي قد دَرَيْتُه / وأخطأ ذاك العذل لما تعمّدا
أُعَلِّل نفسي بالعُذَيب وكلَّما / أرَدْتُ به إطفاءَ وَجدي تَوَقَّدا
خليليَّ ضاع القلبُ هل تعرفانه / مشوق فؤادي عندما رحلوا فدى
وما أسفي إلاَّ على عُمْر مغرم / قضاه ولكن في تبعدكم سُدى
ولم تدر أجفاني بكم سنة الكرى / وما زال طرفي في هواكم مسهدا
وآهٍ على يوم قضى الأنس نحبه / توسَّد عرفان الهوى إذ توسدا
ليالي فيها العيش كانَ اخضراره / رقيق الحواشي بالمطالب أوردا
أخلاّي كم جاد الزمان بنَيْلها / وهل كانَ طرف الدهر عنهنّ أرمدا
وأوْرَدَنا صفوَ المنى فكأنَّه / على وجنة الأيام كانَ تورَّدا
قسا قلبكم عني ولا غرو حيث لي / حظوظٌ تعيد الماءَ إذ ذاك جلمدا
وما كنتُ لولا الحظّ أحظى لأنَّني / قدَحْتُ زناد الجدّ فيكم فأصلدا
تمادى مداكم استمرَّ على الجفا / وقد كاد أن يقضي مداكم على المدى
ومَن لعليل أنحفَ السقمُ جسمه / تردّى ولكن من ضنى وجده ردا
وإنَّ اصطباري بعد طول بعادكم / دعا جلداً منه يبين التجلدا
أعيدا لها ذكر الديار لعلها / تبلّغني تلك المعاهد مقصدا
ولما أتَتْ تلك الطلول ورسمها / غدت تشتكي شكوى الفراق كما غدا
أُنادي الحمى بالنوح عن ساكن الحمى / فيا حبّذا لو أنَّه يسمع الندا
تكرُّ به الأشواق من كلّ جانب / إذا كرر الذكرى لديه ورددا
وما مر بالجرعاء إذ عاد ذكره / أعاد عليه وَجْدَه فتجددا
بياض محيّا ذلك العيش بعدكم / فما زال ذاك الوجه أغبَر أسودا
رأى البين مجموعاً على القرب شملنا / فبدَّده منّا النوى فتبدَّدا
شذا ورد ذاك الوصل من روض قربكم / هزار اشتياقي كلما هب غردا
ونشواتكم ما قد أفاق ولا ارعوى / غدا مثل ما أمسى وأمسى كما غدا
وقد جاب وعر الشوق في بيد هجركم / ومن زاد تقواه عن العزل زوّدا
أضِلُّ فأُهدى في هَواكم وينثني / إليَّ هوىً يَهدي عياناً ويهتدى
رشاد عبيد الله للحقّ إنَّه / سنا نور رشدٍ فيه يستأنس الهدى
درى كل علم في الوجود وجوده / ولم تدر يمناه سوى السيف والندى
يحل عقود المشكلات برأيه / إذا أشكل المعنى الدقيق وعقدا
وأحيا دروس العلم في علم درسه / بدت فيه آثار الفضائل مذ بدا
لعمرك فليفخر على السؤدد امرؤ / يرى السؤددَ العلياءَ مجداً وسؤددا
وأفصحَ من نهج البلاغة منطقاً / تخرّ له الأقلام في الطرس سجّدا
به استسهلوا حزن العلوم ووعرها / وأيسرُ شيء عنده ما تشدّدا
إذا أضْرَمَتْ أعداؤه نارَ باطلٍ / أثار عليها الحقَّ يوماً فأخمدا
فلو رام أسباب السماء لنالها / وسار بمضمار المرام وما كدا
وما مال إلاَّ للعبادة والتقى / كأنْ عنه شيطان الوساوس صُفِّدا
وما هو إلاَّ قطب دائرة العلى / إمامٌ لأرباب الطريقة مقتدى
تنيل نوال اليمن يمناه بسطها / وما مَدَّ إلاَّ نحو خالقه يدا
ولم تبلغ الآمال في غير ماله / وفي غير ذاك العذب لا ينقع الصدى
ألا يا سحاباً أغْرَقَ الوفدَ غيثه / لظامي الندى كانت أياديه موردا
فلو حاول المجد الأثيل مقامه / لحاول ذاك المجد بالمجد أمجدا
مكارم طبع في علاه ظهورها / وكان لهاتيك المكارم موعدا
وأنْبتَّ بالتقوى بأحسن منبتٍ / وقد طاب أصلاً مثلما طاب محتدا
يقضي لعمر الله صوماً نهاره / ويحيي لياليه دعاً وتعبُّدا
ولما ادَّعى ما إنْ أتى الدهر مثله / فأتبع فيما يدّعيه وقلدا
وأشرع للشرع الحنيف مناهجاً / قواعدَ دين الله أضحى ممهدا
تصرّفه في باطن الحال باطن / إلى الرشد أصحاب الحقيقة أرشدا
ومتّبع شرعاً لما هو ذاهبٌ / ومَذْهَبُه ينحو طريقة أحمدا
وما كانَ إلاَّ حينَ يُسأل رده / بأسرع من حاك يجاوبه الصدى
وأدرك ممن فضله يملأ الفضا / تعد أياديه بألسنة العدى
ولله فيما قد أنالك حكمة / فأعْدَمَ فيك الجهلَ والعلمَ أوجدا
سَعَيْتَ ويجدي السعد بالسعي ربه / وأصبَحتَ في صدر السعادة أسعدا
فيا زهر روض أنتم زهر كمِّهِ / لقد ماس غصن الفخر فيكم سيّدا
ظهرتم ولا يخفى من الشمس نورها / وحادي انتشار الذكر في ذكركم حدا
إذا ما مضى منكم عن المجد سيّدٌ / أقام لكم في موقف الفخر سيّدا
وذكرك حتَّى يقضي الله أمره / على طول ما طال الزمان تأبَّدا
أبرَّتْ على ما تدعيه يَمينُها / مَتى تقسم الأيام إنَّك مفردا
ولما دعاك الأصلُ يوماً لفرعه / وَرَدْتَ فما أبقيتَ للناس موردا
رواة المعالي عن جنابك أخبروا / حديثاً عن العلياء صحّ وأسْنِدا
ويورد عنك المدح والحمد كلّه / كمالك يروينا كما لك أوردا
غياث وغوث لا يجارى جواده / وملجأ من آويت كنت ومنجدا
ونلت بتوفيق العناية رتبة / عدوَّك يلقى دونها مورد الردى
وحسب الَّذي عاداك فيما يرومه / جعلت عليه ليل هجرك سرمدا
على رغم من عاداك قلت مُؤَرِّخاً / بفتوى عبيد الله لا زال يقتدى
زواجُ ابن ياسين زواجٌ مبارَكٌ
زواجُ ابن ياسين زواجٌ مبارَكٌ / يَقُرُّ عَيناً ويهنا ويَسْعَدُ
به الخير مجلوب إليه جميعه / وفيه التهاني كلّها تتولد
تُسَرُّ به من آل ياسين عصبةٌ / لهم شرف في الأكرمين وسؤدد
من القوم لم يصنع سواهم صنيعهم / بل البر بل سادوا به وتفرّقوا
وقد ورثوها عن أبيهم مكارماً / وها هي في أبنائهم تتجدَّد
ولم يبرحوا أبناء ياسين في الندى / مناهلَ جود كالمناهل تورد
هما ما هما في المكرمات كلاهما / محمد في النجب الكرام وأحمد
تُعَدُّ كرامُ النَّاس في بلديهما / فعدَّا ولم تعقد وراءهما يد
بقيت بقاء النيرين محمد / بناعم خفض العيش لا تتنكّد
وفي البشر والأَرواح فولي مؤرِّخاً / تزوجت فابقى في الهنا يا محمَّد
مضى سيِّدٌ من غُرِّ أبناء هاشمٍ
مضى سيِّدٌ من غُرِّ أبناء هاشمٍ / فظَلَّ عليه يندب المجدَ سيِّدُ
إلى جنَّة الملوى إلى العفو والرضا / إلى رحمة الله الَّتي تتجدَّد
ولمَّا فقدناه بكينا لفقده / وقد عزَّ من يُبكى عليه ويفقدُ
بكى العلم والمعروف أرِّخ كليهما / لقبر ثوى فيه الأَمين محمدُ
دَعَوْتُ فؤادي للسُّلُوِّ فما أجدى
دَعَوْتُ فؤادي للسُّلُوِّ فما أجدى / وظلَّ يخالُ الغَيَّ في وَجْدِه رُشْدا
وما أنا من سلمى وسعدى بمأربٍ / فلا سَلِمَتْ سلمى ولا سعدت سعدى
أقمتُ بأرضٍ غير أرضي وموطني / وما لي في أفنائها أنيقٌ تحدى
وأنفقتُ أيَّامي على غير طائل / فلا منهلاً عذباً ولا عيشة رغدا
وما اخترطت غير القتاد يدي بها / وغيري جنت من شوكها يده الوردا
تُؤخِّرني الأَيَّام عمَّا أُريده / فلم تكتسب شكراً ولم تكتسب حمدا
وقد قذفتني في البلاد يد النوى / فلم أُبْقِ غوراً ما وطئت ولا نجدا
نَوًى جمعتني بعد حينٍ بأحمد / سأُوسِعُها شكراً وأحمَدها حمدا
من المكرمين الوفد طبعاً وقلَّما / رأيتُ بهذا العصر من يكرم الوفدا
قريب من الحسنى سريٌ إلى النَّدى / وما برحت إذ ذاك أيدٍ له تندى
ومستجمع للجود إمَّا دَعوتَه / دعوت مجيباً قد تهيَّأَ واعتدا
إذا مُدَّتْ الأَيدي إليه أمدَّها / بجدوى يَمين تُورِثُ الأَبحرَ المدَّا
كما أنَّ جدوى كفِّه يُورث الغنى / وقد يُورثُ العلياءَ والعزَّ والمجدا
يلين لعافيه وإنْ كانَ قد قسا / زمانٌ على عافيه بالعسر واشتدَّا
له هممٌ في المعضلات تخالها / كسُمر القنا طعناً وبيض الظبا حدَّا
يجرِّدها في كلِّ أمرٍ حلاحلٍ / يقدّ بهنَّ الخطب يومئذٍ قدَّا
يحلُّ بها عقد الشدائد كلّها / فهل مثله من وُلِّي الحلَّ والعقدا
يرى غاية الغايات وهي خفيَّةٌ / كما قد يرى خيط الصَّباح إذا امتدَّا
يضيء لنا منه شهاب إذا دجا / دُجًى من خطوب في الحوادث واسودَّا
فنحن أُناسٌ لا يشقُّ غبارهم / وأحمرة لا تلحق الضمّر الجردا
وهيهات ما بين الثُّريَّا إلى الثرى / ألا إنَّ فيما بين جمعها بعدا
ترى نفثات السّحر في كلماته / وتجني بأيدي السَّمع من لفظه شهدا
لسانٌ كحدِّ السَّيف أو كجنانه / به مفحم للخصم ألسِنَةً لدا
وها هو في جدِّ الكلام وهزله / يصوغ من الأَلفاظ ما يشبه العقدا
أماناً من الأَيَّام أمسى ولاؤه / يلاحظ وفد الكلّ من يده الرفدا
وها أنا منه حيث طاشت سهامها / لبست به عن كلِّ نائبة سردا
وأشكرُ منه أيدياً تخجل الحيا / ويترك حرَّ القوم إحسانُه عبدا
عليَّ له من فضل قديم ما هو أهله / إليَّ وكم من نعمة منه قد أسدى
سأقضي ولن أقضي له حقّ شكره / وإنْ أعجزَ العبدَ القضاءُ فما أدَّى
وأُهدي ثنائي ما استطعت لمجده / وما غيره عندي لعلياه ما يهدى
هنيئاً لكم هذا الهناءُ المجدَّدُ
هنيئاً لكم هذا الهناءُ المجدَّدُ / ودام لكم هذا السرور المؤبَّدُ
ونِلْتُم به في كلّ يوم مسرَّةً / يجيء بها في مثل يومكم غد
سرورٌ وأفراحٌ وأنسٌ ولذَّةٌ / وأَعيادُ أعمارٍ بكم تتعدَّد
معاشر قوم ما بهم غير ماجد / ولا فيهم إلاَّ النبيل الممجَّد
إذا وُلدَ المولود منهم لوالدٍ / فللمجد مولودٌ وللمجد يولد
وإنْ زوَّجوه كانَ من صلبه الَّذي / تَقَرُّ به عين العلاء وتسعد
تَزوَّجَ من كانَ الجميل شعاره / جميل له منه نجار ومحتد
وذلك جمعٌ لا تفرُّقَ بعده / وشملٌ مدى الأَيَّام لا يتبدَّد
وعيش صفا رغداً كما تشتهونه / فلا شابه في الدَّهر عيش منكَّد
بأَعراس أيَّام الزَّمان وطيبه / إذا الزهر يسقى والحمام يغرّد
تبسَّم ثغر الأُقحوان لحسنه / وأَينَعَ للنوَّار حدٌّ مورّد
وصفَّقَتِ الأَوراق من طربٍ به / وراح لها بانُ النقا يتأوَّد
وقد لَبِسَتْ فيه الرِّياض ملابساً / مُدَنَّرة منها لجين وعسجد
تعطّر من هذا الرَّبيع نسائماً / عليهنَّ أنفاسُ المصيف توقَّدُ
سقاها الحيا المنهلّ حتَّى كأَنَّه / لئالئ في أسلاكها تتنضَّد
بمثقلة بالودق خلَّت بروقها / لوامع نيران تشبُّ وتخمد
يريني ندى عبد الغني قطارها / على الكبد الحرَّى ألذّ وأبرد
من القوم في مضمار كلِّ أَبِيَّةٍ / أغاروا الفخار المشمخرّ فأَبعدوا
إذا ما هزَزْناه هزَزْنا مهنَّداً / وهيهات منه المشرفيُّ المهنَّد
وإذ أبعد التشبيه منه فإنَّه / على نائبات الدَّهر سيف مجرَّد
ترى جيّد النَّاس الرّديّ بجنبه / وفي النَّاس ما دامت رديٌّ وجيّد
فلا قَدْرَ يدنو قَدْرَه وعلاءه / ولم تَعْلُ في الدُّنيا على يده يد
له السؤْدد الأَعلى على كلّ سؤدد / وما بعد ذاك الفخر فخر وسؤدد
لقد جمع الله المحاسن كلّها / به فهو من بين العوالم مفرد
تفرَّد من بين الورى بجميله / فما شكّ في توحيده اليوم ملحد
وما تجحد الحسَّاد منه فضيلة / وهل تجحد الحسَّاد ما ليس يجحد
تلوذ به بغداد ممَّا يسوؤُها / فمنه لها نعم الدّلاصُ المسرَّد
يقيها سهام النائبات فلم تبل / إذا طاش سهمٌ للخطوب مسدَّد
حماها ولا حامٍ سواه ولا له / سوى الله في كلّ الأُمور مؤيّد
وقام أبو محمود في كلّ موقف / عليه لواء الحمد يُلوى ويعقد
وكم وقعةٍ شبَّت وشبَّ ضرامها / وشابَ لها نصل الظُّبا وهو أَمرد
وقد أنهضَتْه همَّةٌ بلغت به / من المجد ترقى ما تشاء وتصعد
وقد يطأ الأَهوال بالهمَّة الَّتي / لها موطئٌ هام السّماك ومقعد
فأَبدى وقد أَخفى أخو الجبن نفسه / ونالَ شجاع القوم ما كانَ يقصد
أسارير ذاك الوجه والوجه عابس / وأبيض ذاك الفعل واليوم أسود
وأكرومة تحكي وأكرومة عَلَت / يقوم بها هذا الزَّمان ويقعد
تسير بها الرّكبان شرقاً ومغرباً / فذا مُتْهِمٌ فيها وآخر منجد
تناقلها عنك الثّقاتُ روايةً / عن المجد عن علياك تُروى وتُسنَد
أرى مُطْلَقَ الأَمداح من حيث أطلقت / بغيرك يا مولاي لا تتقيَّد
إذا تُليت آثار ذكرك بيننا / نميل كما مالت بنشوان صرخد
يذوق بها التَّالي حلاوةَ ذاكرٍ / من الحمد تتلى كلّ آنٍ وتنشد
فيا باسطاً للنَّاس من فضله يداً / لها جملة الأَحرار إذ ذاك أعبد
فللناس من تلك المناهل منهلٌ / وللناس من تلك الموارد مورد
لك الجود والإِحسان والفضل كلّه / هو الفضل والمعروف والله يشهد
ولست أقول الغيث والغيث مرعد / ولست أقول البحر والبحر مزبد
وما عاقَ دون الجود وعدك نيله / وما لهباتٍ من عطاياك موعد
كأنِّي بمدحي في علاك منجّم / يبيت لأَجرام السموات يرصد
وهل أَكرَه الإِملاقَ أو أَطلب الغنى / ولي منك كنزٌ ولا وربّك ينفد
فلا زلت مسرور الفؤاد بقرَّةٍ / لعينيك ما دامَ الثناء المخلَّد
هما قمرا مجد وإن قلتُ فرقدا / سماءٍ فكلٌّ منهما هو فرقد
تزوَّج زاكي العنصرين بكفوه / وتمَّ بحمْد الله ما كنت تقصد
أَقولُ له لمَّا تزوَّج بالهنا / بملءِ فم الأَقلام حين تردد
تزوَّجتَ فلتهنا هناءً مؤَرَّخاً / وقد سَرَّنا هذا الزَّواج محمّد
شَجَتْني وقد تُشجي الطلولُ الهوامدُ
شَجَتْني وقد تُشجي الطلولُ الهوامدُ / معالمُ أَقْوَتْ بالفضا ومعاهدُ
وأَيْسَرُ وَجْدي أنَّني في عراصها / أُذيبُ عليها القلبَ والقلبُ جامد
وقفتُ بها أستمطرُ العين ماءها / وأَسأَلُ عن سكَّانها وأُناشد
وما انهلَّ وبل الدَّمع حتَّى تأَجَّجت / من الوجد نيران الفؤاد الخوامد
فلا ماء هاتيك المدامع ناضب / ولا حرّ هاتيك الأَضالع خامد
خليليَّ ما لي كلَّما لاحَ بارقٌ / تنبَّه وَجْدي والعيون هواجد
وأُوقِدَ هذا الشوقُ تحت أضالعي / فهل يوقد الشوق المبرّح واقد
فليتَ خيالَ المالكيَّةِ زائري / فأشكو إليه في الهوى ما أُكابد
وعهدي بربع المالكيَّةِ مَصْرَعٌ / إذا خَطَرَتْ فيه الحسان الخرائد
أَحبَّتنا أمَّا الغرام وحَرُّه / فباقٍ وأَمَّا الاصطبار فنافد
وإنِّي لفي عصرٍ أضَرَّ بأهلِه / وأَغْرَبُ شيء فيه خِلٌّ مساعد
وما ضرَّني فقدي به ثروة الغنى / فلا الفضل منحطٌّ ولا النقص صاعد
ترفَّعْتُ عن أشياءَ تُزري بأهْلِها / وما أنا ممَّن دنَّسَتْهُ المفاسد
وإنِّي لِمَنْ يبغي ودادي لطامعٌ / وبالمُعرضِ المُزْوَرِّ عنَّي لزاهد
جَريْتُ بميدان التجارب برهةً / وقد عرَّفتني بالرجال الشدائد
وما النَّاس إلاَّ ما عَرَفْتُ بكشفها / صديقٌ مداجٍ أو عدوٌّ معاند
إذا خانكَ الأدنى الَّذي أنت واثقٌ / به فحريٌّ أنْ تَخونَ الأباعد
أعد نظراً في النَّاس إن كنت ناقداً / فقد يتلافى صحة النقد ناقد
مضى النَّاس والدنيا وقد آل أمرها / إلى غير ما تهوى الكرام الأماجد
وأصبَحْتُ في جيل الفساد ولم يكن / لِيَصْلُحَ هذا الجيل والدهر فاسد
فإنْ عُدَّت الآحاد في الجود والتقى / لقومٍ فعبد الواحد اليوم واحد
يُعدُّ لإيصال الصِّلات محلُّه / وتعمر فيه للصّلاة مساجد
ملابس تقوى الله في البأس دونها / صدور العوالي والسيوف البوارد
جناب مريع يستمد بمدّه / وتلقى إلى ذاك الجناب القلائد
يلوح إذا ما لاح بارق جوده / كما لاح برق في الغمائم راعد
لقد زرع المعروف في كل موطنٍ / وزارعه للحمد والشكر حاصد
يكاد يقول الشعر لولا جميله / لما طال لي باعٌ ولا اشتدّ ساعد
إذا اقترنا شعري وكوكب سعده / وشوهد منا المشتري وعطارد
تَفَتَّحُ أزهارُ الكلام وأشرقَتْ / بآفاق أقطار الفخار فراقد
أُشاهِدُ في النادي أساير وجهه / فأنظر أبهى ما أرى وأشاهد
إذا ما انتمى يوماً لأكرم والدٍ / فبورك مولودٌ وبورك والد
بنفسي رفيع القدر عالٍ محله / تنال الثُّرّيا كفُّه وهو قاعد
له حيث حلّ الأكرمون من العلى / مقامٌ كريمٌ في العُلى ومقاعد
كريم يُنيلُ المستنيلين نَيْلَه / ومن كرم الأخلاق ما هو رافد
فما خاب في تلك المكارم آملٌ / ولا سُرَّ في نعمائه قطُّ حاسد
مناهلُه للظامئين مواردٌ / فلا نَضِبَتْ في الجود تلك الموارد
تُشادُ بيوتُ المجد في مكرماته / وتَرْفَعُ منها ما علاه قواعد
حَثَثْنا إلى ذاك الجناب قلائصاً / لها سائق منها إليه وقائد
وقد صَدَقتْنا بالذي هو أهْلُه / ظُنونٌ بما نرجو به وعقائد
من القوم موصول الجميل بمثله / لنا صِلَةٌ من راحتيه وعائد
وما البرّ والإحسان إلاَّ خلائق / وما الخير في الإنسان إلاَّ عوائد
تدلّ عليه بالثناء أدِلَّةٌ / عليها من الفِعل الجميل شواهد
وأبقى له في الصالحات بواقياً / وإنْ فَنيَ المعروف فالذكر خالد
تروح إليه الآملون وتغتدي / فذا صادر عنه وذياك وارد
ألا بأبي ذاك الهمام الَّذي له / من الله عونٌ في الأمور وحاشد
تُناخ مطايا المعتفين ببابه / ويَنْفُقَ سوقُ الفضل والفضل كاسد
إذا أنا أنْشَدْتُ القريض بمدحه / وَعَتْ أُذُنُ العلياء ما أنا أُناشد
وكم جابتِ الأرضَ البسيطة باسمِهِ / قوافٍ سوارٍ في الثناء شوارد
تُقَلِّدُ جيدَ الدهر منها قلائداً / ويا ربَّ جيدٍ زيَّنَتْه القلائد
وكم نظمت في عقود مدائح / مزاياه في تلك العقود فرائد
رعَيْتَ رعاك الله حقَّ رعايتي / فأفعالُك الغرُّ الجياد محامد
فَدَعْ غير ما تهوى فإنَّك مفلحٌ / وخُذْ بالذي تهوى فإنَّك راشد
وإنك معروف بكلِّ فضيلةٍ / وهلْ يجْحَد الشمس المضيئة جاحد
فيا لك في الأماجد من متفضلٍ / له طارف في الأمجدين وتالد
بَلَغْنا بك الآمال وهي بعيدة / وتمّت لنا فيما نروم المقاصد
فكلُّك يا فخر الكرام مكارمٌ / وكلُّك يا مال العفاة فوائد
شكرتك شكر الروض باكره الحيا / يد المزن تمريها البروق الرواعد
وها أنا حتَّى ينقضي العمر شاكر / لنعماك ما بين البرية حامد
فلا زلت مقصوداً لكلِّ مُؤَمِّل / ولا بَرِحَتْ تُتلى عليك القصائد
سقاها الهوى من راحةِ الوجد صَرْخَدا
سقاها الهوى من راحةِ الوجد صَرْخَدا / وشوَّقها حادي الظعائنِ إذ حَدا
فظلَّتْ تَرامى بين رامة والحمى / وتطوي فيافيها حزوناً وفدفدا
وتشقّها ريحُ الصبا رندَ حاجر / فكادتْ لفرط الوجد أنْ تتَّقدا
ولمَّا بَدَتْ أَعلامُ دار بذي الفضا / أعاد لها الشَّوق القديم كما بدا
فلا تأمن الأَشجان يجذبن قلبها / متى أَتْهَمَ البرقُ اليمانيّ وأنجدا
ويا سعد خذْ بالجزع من أيمنِ اللّوى / لعلِّي أرى فيها على الحبِّ مُسعِدا
وذرها تروِّي بالدموع غليلها / وأنَّى يبلّ الدَّمع من مغرم صدى
تعالج بالتعليل قلباً معذَّباً / وتدمي بوبل الدَّمع طرفاً مسهَّدا
وتنصبُّ مثل السيل في كلِّ مهمهٍ / فتحسبها من شدَّة العزم جلمدا
وبي من هوى ميٍّ وإنْ شطَّ دارها / هوًى يمنع العشَّاق أنْ تتجلَّدا
ولمياء لم تنجز بوعدٍ لمغرم / وهل أَنْجَزَتْ ذات الوشاحين موعدا
إذا ما دنتْ ظمياءُ من سِرْبِ لعلعٍ / أَرَتْنا الرَّدى من مقلة الرِّيم أسودا
أَلَذُّ بها وصلاً وأَشقى بهجرها / ومن عاش بالهجران عاش منكَّدا
وأبلجُ لولا شعره وجبينه / لما كنت أدري ما الضَّلال وما الهُدى
تدينُ قلوب العاشقين لحكمه / على أنَّه قد جار بالحكم واعتدى
فيا عصر ذاك اللَّهو هل أنتَ عائد / ويا ريم ذاك الرّبع روحي لك الفدا
تركتَ بقلبي من هواك لواعجاً / عَصَيْتُ بها ذاك العذولَ المُفَنِّدا
لحا الله من يلحو محبًّا على الهوى / ولا راح إلاَّ بالملام ولا اغتدى
يلوم ويفري بالهوى من يلومُه / وكم جاهلٍ رام الصَّلاح فأفسدا
أَخَذْتُ نصيبي من نعيمٍ ولذَّةٍ / وصادَمْتُ آساداً ولاعبت خرَّدا
فَطَوْراً أراني في المشارق متهماً / وطوراً أتاني في المغارب منجدا
ولا بتُّ أَشكو والخطوب تنوشني / زماناً لأهل الفضل من جملة العدى
ولولا شهاب الدِّين ما اعتزَّ فاضل / ولا نالَ إلاَّ فيه عِزًّا وسؤددا
فتى المجد يغني بالمكارم ما لَه / ويبقي له الذكرَ الجميل مُخلَّدا
إذا فاضَ منه صدرُه ويمينه / فخذ من كلا البحرين درًّا منضَّدا
وما زال يسمو رفعةً وتَفَضُّلاً / ويَجْمَعُ شمل الفضل حتَّى تفرَّدا
رأيت محيَّاه البهيّ ومجدَه / فشاهدت أبهى ما رأيت وأمجدا
فمن ذا يهنّي الوافدين لبابه / بأكرمَ من أعطى وأرشدَ من هدى
وما افترَّ عن دُرِّ الثنايا تبسُّماً / من البِشر حتَّى أمطر الكفّ عسجدا
ومن يكُ أزكى صفوة الله جدّه / فلا غروَ أنْ يزكو نجاراً ومحتدا
فيا بحر فضلٍ ما رأيناك مزبدا / ويا مزن جود ما رأيناك مرعدا
أَيُطلَبُ إلاَّ من مفاخرك العُلى / ويسأل إلاَّ من أَنامِلكَ النَّدى
لقد جئت هذا العصر للناس رحمة / فأصبَحَ ركنُ الدِّين فيك مشيَّدا
وأحْيَيْتَ من أرض العراق علومَه / ولولاك كانَ الأَمر يا سيِّدي سدى
أرى كلّ من يروي ثناءً ومدحةً / ففيك روى حسن السَّجايا وأسندا
لك العزّ حار الواصفون بوصفه / وجلَّت معاني ذاته أن تحدَّدا
إذا ما تجلَّت منك أدنى بلاغةً / تخرُّ لك الأَقلام في الطّرس سجَّدا
وفيك النَّدى والفضل قرَّت عيونه / ولم يكتَحِل إلاَّ بخطّك إثمدا
تَفَقَّدْتَ أربابَ الكمال جميعَهم / ومن عادة السَّادات أن تَتَفقَّدا
وكم نعمةٍ أسدَيْتَها فبَذَلْتها / وصيَّرْتَ أحرار البريَّة أعبدا
ولولاك لم أظْفر بعزٍّ ولا منًى / ولا نلتُ إلاَّ من معاليك مقصدا
أَسودُ إذا ما كنتَ مولايَ في الورى / ومن كنتَ مولاه فلا زالَ سيِّدا
وما زلتَ كهفاً يُستَظَلُّ بظلِّه / كما لم تزل أيديك للنَّاس موردا
ولا زلت ما كرّ الجديدان سالماً / بجدواك يُستَغْنى وفتواكَ يُقتدى
بَلَغْتُمْ كمالَ الرُّشد أبناءَ راشدِ
بَلَغْتُمْ كمالَ الرُّشد أبناءَ راشدِ / فبُورِكْتُمُ أَولاد أَكرمِ والدِ
إذا ما دعيتم دَعوة المجد كلّها / أَقَمْتم على دعواكم ألفَ شاهد
وقُمتمْ إليها رُتبةً تَبْتَغُونها / فما قائم يبغي العلاءَ كقاعد
على أنَّها فيكُم لَديكم وراثةٌ / وما هي في زيد وبكر وخالد
كَنَزْتُمْ من الفِعل الجميل صنائعاً / وقد تنفدُ الدُّنيا وليسَ بنافد
وما زالت الدُّنيا بحُسن صنيعكم / مقلَّدة أعناقها بالقلائد
أَرَدْتُم صلاح النَّاس بعد فسادها / وبالصَّارم الهنديّ إصلاح فاسد
فأَجَّجْتم ناراً تسعَّر جمرُها / ولكنْ بحدِّ المرهفات البوارد
تسلُّونها في الخطب في كلّ شدَّةٍ / ألا إنَّها معروفةٌ بالشَّدائد
وما فات قصدٌ من جسور على الرَّدى / بعيد مناط الهمّ جمّ المقاصد
تولَّيْتَ إصلاح الرَّعيَّة بينهم / وقد أَوْسع الطّغيان خرق المفاسد
وقلَّمتَ أظفارَ الطّغاة وسُسْتَهم / بأَبيضَ حاد الزيغ عن كلّ حاسد
ولولاك ظلَّت في المجرَّة أهلُها / تُناشُ بأَيدي اللّوى قلبُ الأَوابد
أَعَدْتَ لنا أيَّام فهدٍ وبندرٍ / ومِن قَبْلها أيَّام عيسى وماجد
وأَضحكتَ سنَّ المجد بعد بكائه / طويلاً على أجداثِ تلك الأَماجد
ومِنْ بعدِ ما كانتْ أُمورٌ وأَقلَعَتْ / تَذوبُ لها إذ ذاك صمُّ الجلامد
إذا ذكرت ثار الغرام وهيَّجتْ / كوامنَ نيرانِ القلوبِ الخوامد
وهلْ يُفلِحُ القومُ الذين تسُوسُهم / بنو الجهل في عارٍ من الحلم فاقد
وما كلُّ من ساسَ الرعيَّة ساسَها / ولا كلّ من قاد الجيوش بقائد
تَوَلَّيتها والطَّعنُ بالطَّعن يلتقي / وأخذ المنايا واحداً بعد واحد
فما بين مقتولٍ وما بين قاتلٍ / وما بين مطرودٍ وما بين طارد
وقد نَزَغَ الشَّيطان إذ ذاك بينهم / إذ النَّاس فوضى لا تدين لواحد
فأَرْشَدْتَهم للخير حتَّى تركتَهم / يقولون إنَّ الرُّشْدَ فعل ابن راشد
عفَوْتَ بها عمَّا جنة ذو قرابة / رماك بسهم القطع رمي الأَباعد
ورحت وما في صدرك الحقد كامن / على حاقد جهلاً عليك وواجد
وقلت لمن يطوي على المكر كشحه / دع الزِّيف لا تنفقه في سوق ناقد
وما سادَ في قومٍ حقودٍ عليهم / ولا حيزت النعماء يوماً لحاسد
فأَسْهَرْتَ عين الخطّ والخطّ ساهر / وما أَنتَ عن ثار العدوّ براقد
أخو الحزم من يخشى شماتة كاشح / ولا زال مشحوذاً غرار الحدائد
ولا يطأ الأرضَ الفسيحةَ بقعةً / إذا اتَّصلت فيها حبال المكائد
لك الله منصورٌ لك الله ناصرٌ / وحسبُك من حزب معين مساعد
وَثَبْتَ وثوبَ اللَّيث تستفرس المنى / وما كنت عنها منذُ كنتَ بلابد
وساعدَك المقدور فيها وربَّما / سعى قبلَ ما تسعى لنيل المقاصد
ومن لم تساعده العناية لم يكنْ / له ساعد يشتدُّ عن لين ساعد
لقد صُلْتَ حتَّى كانَ أوَّلُ قائم / لسيفك يوم الرَّوع أوَّلَ ساجد
وجُدْتَ وأَعطَيْتَ المكارم حقَّها / برغمٍ على أنف الحسود المعاند
فأَرغمتَ آنافاً وأَكبتَّ حُسَّداً / فأكرمْ وصلْ واقطعْ وقرَّبْ وباعد
وما فيكم إلاَّ طموح إلى العُلى / جموحٌ إلى مجد طريف وتالد
عقائدنا فيكم كما تشتهونها / وكلٌّ بكم منَّا صحيح العقائد
فلم نَرَ في إحسانكم غير شاكر / مليٍّ بما يملي لسان المحامد
عرفناكم فيمن سواكم وهكذا / يكون امتياز الشَّيء عند التضادد
ومن جرَّب الأَيَّام والنَّاس غيركم / رنا نحوهم لكن بناظر زاهد
وإنَّك ممَّن يَشْفع البأس بالنَّدى / ويُقبل بالبشرى على كلّ وافد
وقد كانَ تأسيس الأَوائل فيكم / فشَيَّدوا على تأسيس تلك القواعد
لئنْ كنتَ أَفْنَيْتَ الحُطام فإنَّما / حظيت على بيتٍ من الذكر خالد
وُعِدْتُ بك الجدوى إذا زرت والغنى / ولم يُخلفِ الميعادَ نوءُ العوائد
فزُرْتَ فحيَّى الله طلعة زائر / تعود على وفَّادها بالفوائد
وأَقبلتَ إقبالَ الغمام ببارق / بصَوبِ النوال المستهلّ وراعد
فما احتجْتُ بعد السَّيل شرعة وارد / ولا احتجتُ بعد الرَّوض ندًى لرائد
بلَغْتُ بكَ الآمال حتَّى كفيتَني / ركوبَ المطايا واجتياب الفدافد
ويا رُبَّ يومٍ مثل وجهك ضاحك / عَرَضْنا على علياك غُرَّ القصائد
وأمَّا نداكَ العَذْب ما إنْ وَرَدْتُه / على كبدي الحرَّى فأعذب بارد
مَلكْتُم على أمري فؤادي ومِقْوَلي / وأَصبحَ فيكم غائبي مثل شاهدي
رَفَعْتُم مناري بعد خفضٍ ورشْتمُ / جناحي وأمْلأْتُمْ فمي بالغرائد
وأطْلَقْتُموني من وثاقٍ خصاصة / فلا غَرْوَ إنْ قيَّدتُ فيكم شواردي
لمَنْ أيْنُقٌ يا سَعْدُ تُرْقِلُ أو تخدي
لمَنْ أيْنُقٌ يا سَعْدُ تُرْقِلُ أو تخدي / تُغَوّرُ في غَوْر وتُنْجِدُ في نَجْد
حَوَانٍ كأمثال القسيِّ سهامها / أَعاريب ترمي بالسّرى غرض القصد
لهم فتكاتُ البيض والبيض شُرَّعٌ / بأَغبر من وقع الحوادث مسوَدّ
صَوادٍ إلى وِرْد المنون وما لهم / من العِزِّ إلاَّ كلّ صافية الوِرْد
جحاجحةٌ شمُّ العرانين هُتَّفٌ / بكلّ بعيد الغور ملتهب الزّند
على مثل معوجّ الحنايا ضوامر / طَوَيْنَ الفيافي كيف ما شئن بالأَيدي
أقولُ لحاديها رُوَيْدَك إنَّها / بقايا عظام قد تعقَّفن بالجلد
زجرت المطايا غير وانٍ فسرْ بها / على ضعفها لا بالذميل ولا الوخد
أَلَسْتَ تراها في رسومٍ دوارسٍ / لها وقفة المأسور قُيّد في قيد
وما ذاك إلاَّ من غرامٍ تُجِنُّه / وما كانَ أنْ يَخْفى عليك بما تبدي
وإلاّ فما بال المطِيّ يروعُها / رسيسُ جوًى يعدو وداءُ هوًى يُعدي
وشامَتْ وميض البرق ليلاً فراعَها / سنا البارق النجيّ وقداً على وقد
وعاودها ذكر الغَميم فأصْبحَتْ / تلوذُ بماد الدَّمع من حرقة الوجد
فَسِيقَ إليها الشَّوقُ من كلّ وجهةٍ / وليس لها في ذلك الشوق من بُدِّ
وقد فارقت من بعد لمياءَ أوجهاً / يسيل لها دمع العيون على الخدِّ
وساءَ زمانٌ بعد أنْ سرّها بهم / فماذا يلاقي الحرُّ في الزَّمن الوغد
ويوشك أن تقضِي أسًى وتلهُّفاً / على فائت لا يستمالُ إلى الردّ
سقى الله من عينيَّ أَكناف حاجر / إذا هي تستجدي السَّحاب فما تجدي
ورَعياً لأيَّام مضتْ في عِراصِها / تُؤَلِّفُ بين الظبْي والأسَدِ الوَرْدِ
قَضَيْنا بها اللّذّات حتَّى تصرَّمَتْ / وكنَّا ولا نظم الجمان من العقد
سلامٌ على تلك الدِّيار وإنْ عَفَتْ / منازلُ أَحبابي وعَهْدُ بني ودِّي
فمن مبلغٌ عنِّي الأَحبَّةَ أنَّني / حليف الهوى فيهم على القرب والبعد
ذكرتُهُم والوجدُ في القلب كامن / عليهم كمُونَ النَّار في الحجر الصّلد
فهل ذكروا عهد الهوى يوم قَوَّضوا / وهل عَلموا أنِّي مقيمٌ على العهد
وما اكتحلت عينايَ بالغمض بعدهم / كما اكتحلت بالغمض أعينهم بعدي
وما رُحْتُ أشكو لو حَظِيتُ بقربهم / زماناً رماني بالقطيعة والصّدِّ
أما وعليّ القَدْر وهي أليَّةٌ / رَفَعْتُ بها قدري وشدتُ بها مجدي
لقد سدَّ ما بيني وبين خطوبه / فهل كانَ ذو القرنين في ذلك السّدِّ
أراني أسارير الزَّمان إذا بدا / وأَقبلَ إقبالَ الكريم على الوفد
ومنه متى حانت إليَّ التفاتَةٌ / فلا نحسَ للأيَّام في نظر السّعد
كريمٌ إذا استعطفت نائِلَ بِرِّهِ / وقد يعطف المولى الكريم على العبد
إذا شاءَ في الدُّنيا أراني بفضله / مشافهة ما قيل في جنَّة الخلد
وأَمَّنني إلى جَدواه يهدي عفاته / ولا ينكر المعروف بالقائم المَهدي
يلوحُ عليه نور آل محمَّد / كما لاح إفرندٌ من الصَّارم الهندي
يكاد يدلُّ النَّاسَ ضوءُ جبينه / على النسَب المرفوع والحسب المعدي
نتيجة آباءٍ كرامٍ أئمَّةٍ / هُداةٍ بأمر الله تهدي إلى الرُّشد
رُبُوا في جحور المجد حتَّى ترعرعوا / وفوق جياد الخيل والضمَّرِ الجُرْد
فلي فيهم عقد الولاء وكيف لا / ولم يخلقوا إلاَّ أَولي الحلّ والعقد
إذا ما أتى في هل أتى بعض وصفهم / قرأتُ على أجداثهم سورة الحمد
على أنَّني فيهم ربيبٌ وإنَّني / أعيشُ بجدواهم من المهد للَّحد
وما أَنا في بغدادَ لولا جميلهم / لدى منهلي عذبٍ ولا عيشة رغد
فبُورك من لا زالَ يُورثني الغنى / وذكَّرني أيَّام داود ذي الأَيدي
وهب أنَّه البحرُ الخضَمُّ لآملٍ / فهل وَقَفَتْ منه العقولُ على حدّ
له بارق الغيث المُلِثّ وما له / لعمر أبيك الخير جلجلة الرَّعد
وما أشبَهَتْكَ المرسَلات بوبلها / بما لك من جدوًى وما لك من رفد
أغَظْتُ بك الحُسَّاد حتَّى وَجَدْتَني / ملأتُ بها صدرَ الزَّمان من الحقد
سلِمْتَ أبا سلمان للناس كلّها / ولا رُوِّعَتْ منكَ البريَّة في فقد
ولا حُرِمَ الرَّاجون فيما تُنيله / مكارم تُسْتَحلى مذاقتُها عندي
فداؤك نفسي والأَنام بأَسرها / وما أنا من يفديك من بينهم وحدي
لتعلو على الأَشراف أبناء هاشم / وتقضي على علاّتها إرَبَ المجد
وما زلتَ مرَّ السّخط مسْتَعْذَبَ النَّدى / فآونةً تُجدي وآونة تردي
كأَنَّك شمسٌ في السَّماء وإنَّما / بضُرّ ضياء الشَّمس بالحَدَقِ الرُّمدِ
شَهِدتُ بأن لا ربَّ غيره / وأنَّ ندى كفَّيك أحلى من الشهد
لقد عادك العيد المبارك بالهنا / فبشّرته من بعد ذلك بالعَوْد
إليك فمُهديها إليك قوافياً / محاسن تروى لا عن القدّ والنَّهد
ربيب أياديك الَّتي يستَميحها / وشاعرك المعروف بالهزل والجدّ
أقولُ لعبد المحسن اليومَ مُنْشِدا
أقولُ لعبد المحسن اليومَ مُنْشِدا / له ما أَراه في الحقيقة مُرْشِدا
سَعَيْتَ فلم تَحْصَل على طائل به / تَسُرُّ صديقاً أو تسيء به العدى
وقال لك التَّوفيق لو كنت سامعاً / وراءك ما تبغي من الفضل والنَّدى
وقد خابَ ساعٍ أَبْصَرَ البحر خلفه / إلى جرعة يروي بنهلتها الصدى
وأَنْفَقْتَ مالاً لو قنعت ببعضه / إذَنْ لكفاك العمر مرعًى وموردا
فما نِلْتَ ما حاولتَ إلاَّ ذاك مغوِراً / ولا حُزتَ ما أَمَّلْتَ إذ ذاك منجدا
وكم أمَلٍ يشقى به من يرومه / وأمنيَةٍ يلقى الفتى دونها الرَّدى
فأهلاً وسهلاً بعد غيبتك الَّتي / قضيت بها الأَيَّام لكنَّها سدى
ولُذْ بالأَشمّ القَيْل إمَّا مقيله / فظلٌّ وأمَّا ما حواه فللندى
بعذب النَّدى مُرّ العداوة قادر / عَفُوٌّ عن الجاني وإنْ جار واعتدى
أخ طالما تفدى بأنفس ماله / وأُقسمُ لو أنصفت كنت له الفدا
لو كنتَ ممَّن شدَّ عضداً بأزره / بَلَغْتَ لعمرُ الله عزًّا وسؤددا
ولو كنتَ ذا باعٍ طويلٍ جَعَلْتَهُ / بيمناك سيفاً لا يزال مجرَّدا
وإنَّك ما تختار غير رضائه / كمن راح يختار الضَّلال على الهُدى
على أنَّه إنْ لم يكنْ لم مسعدا / فهيهات أنْ تلقى من النَّاس مسعدا
يقيك اتّقاء السابغات سهامها / متى تَرْمِكَ الأَرزاء سهماً مسدَّدا
وإنَّك إنْ تُولِ القطيعةَ مثلَه / قطعتَ لعمري من يديك بها يدا
ولا تسلم الأَطماع من بعد هذه / إلى مستحيلات الأَماني مِقْوَدا
ومن سفهٍ بغيُ امرئٍ وارتكابه / من البغيِ ما إنْ أَصْلَحَ الدَّهر أفسدا
وعشْ مثل ما تهوى بظلِّ جنابه / ترى العيش أهنا ما رأيتَ وأرغدا
نَسيمُ الصَّبا أهدى إلى القلب ما أهدى
نَسيمُ الصَّبا أهدى إلى القلب ما أهدى / وقد حَمَلَتْ أرواحها الشّيحَ والرّندا
ولي كَبدٌ حرَّى لعلِّي أرى بها / بريَّا نسيمٍ مرَّ بي سحراً بَردا
فأصبحتُ أذري الدَّمع فذًّا وتَوْأَماً / تَخُدُّ على خدَّيَّ حينئذٍ خدَّا
كأنِّي اعْتَصَرْتُ المعصرات بأَعْين / نَثَرْنَ غداةَ البين من لؤلؤٍ عقدا
فما بلَّ ذاك الدَّمع منِّي حشاشة / أبى الله إلاَّ أنْ تضرم لي وقدا
ولامَ أُصَيْحابي فؤاداً متيَّماً / فما نَفَعَ اللَّومُ الفؤادَ ولا أجدى
ذكرتُهم والدَّمع يجري فلم أكنْ / مَلَكْتُ لذاك الدَّمع يوم جرى ردَّا
وبتُّ أُداري مهجةً لم أَجِدْ لها / خلاصاً من الأَشجان يوماً ولا بُدَّا
وقلتُ لسعدٍ دَعْ ملامَك في الهوى / فما زادَني لوماً فقد زادَني وجدا
يُهَيِّجُ وَجْدي وهو غير مساعدي / وما أنا لاقٍ منه إنْ لامني سعدا
يقول اصطَبر عمَّن تحبّ وإنَّني / يريني الهوى من دون ما قاله سدَّا
ولا تَشِمِ البَرق اليمانيّ فإنَّه / متى لاحَ أورى في حشاشتك الزّندا
وإيَّاك إيَّاك الصَّريمَ وأَهله / فإنَّ الظْباءَ العُفْرَ تقتنص الأُسْدا
وهل نافعٌ ما قال من بعد ما رمى / بعَيْنَيْه ريم الجزع سهم الرَّدى عمدا
بنفسي الغزالُ القانصي بلواحظٍ / من السّحْرِ مَرضى تمنع الأَسَدَ الوَرْدا
إذا ما رَمَيْنَ القلبَ سهماً أصَبْنَهُ / كأنْ قَصَدَتْ في قتل عاشقها قصدا
به أربي يا هل ترى هذه النوى / تُبَدِّلُنا بالقرب من بُعْدِها بعدا
أرى النَّفس لا تهوى سوى من تَوَدُّه / ولم تَتَكَلَّفْ مهجةُ الوامق الوُدَّا
متى تَرَني يا سَعْدُ والشَّوقُ مُزعجي
متى تَرَني يا سَعْدُ والشَّوقُ مُزعجي / بما هَيَّجَ التذكار من لاعج الوجدِ
أحُثُّ إلى نجدٍ مطايا كأنَّها / لها قلبُ مفؤود الفؤاد إلى نجد
سوابحُ يطوين الفدافد بالخطا / ومُسْرَجَةٍ جردٍ لواعبَ بالأيدي
تملُّ من الدَّار الَّتي قد ثَوَتْ به / ولكنَّها ليست تملُّ من الوخد
إذا استنشقت أرواح نجدٍ أهاجها / جوًى هاج من مستنشق الشّيح والرّند
لعلِّي أرى يا عين أحبانا الأُلى / وإنْ أعْقَبت تلك التّواصل بالصّدّ
فمن مبلغُ الأَحباب عنِّي تحيَّة / تُنَبِّؤهم أنِّي على ذلك العهد
إذا ذكرتهم نفسُ صبٍّ مشوقة / رَمَتْها صُروف البين بالنَّأْي والبعد
توقَّدَتِ النَّار في جوانحي / إلى ساكني وادي الغضا أيّما وقد
فيا ليتَ لي في الحبِّ صبر أحبَّتي / وعندَ أحبَّائي من الشَّوق ما عندي
ذكرتكمُ والدَّمع ينثر نظمه / لعمركم نظم الجمان من العقد
وإنِّي لأستجدي من العين ماءها / على قربنا منكم وإن كانَ لا يجدي
وأَكتُمُ عن صَحْبي غرامي وربَّما / لأظهره بالدَّمع بينَ بَني ودِّي
ومنْ أينَ تخفى لوعةٌ قد كتمتُها / محاذرة الواشي وبالرغم ما أبدي
وقد قرَأَ الواشون سَطري صبابة / بما كتبت تلك الدُّموع على خدِّي
فخُذ من عيوني ما يدلُّ على الجوى / ومن حَرِّ أنفاسي دليلاً على الوجد
ألا أيُّها النّحرير والعالم الَّذي
ألا أيُّها النّحرير والعالم الَّذي / فضائلُه كالبَحر والفيض والجودِ
لقد جَدْتَ في هذا الكتاب وشرحه / وقد جئت بالتبيان في كلّ مقصود
قوافٍ كأمثال الجُمان قلائد / وأزهى من العِقيان في عُنُق الغيد
وأوْرَدْتَ من نَصِّ الكتاب مواعظاً / لمن كانَ منه القلب من نحت جلمود
أقَمْتَ إلى القوم الخوارج حُجَّةً / وجئتَهُم في كلّ خوف وتهديد
إلى حضرة السلطان دام بقاؤه / وأيّده ربّ السَّماء بتأييد
خليفة خير المرسلين وقائم / بتشديد دين الله أيَّة تشييد
وحامى عن الإسلام بالسيف والقنا / فأيَّامنا في حكمه العدل كالعيد
تُبَيّنُ فرضاً أن يطاع فأرِّخوا / فتبيانُ محمودٍ لطاعةِ محمود

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025