المجموع : 6
أُميَّة غوري في الخمول وأنجدي
أُميَّة غوري في الخمول وأنجدي / فما لكِ في العلياء فوزةُ مَشهدِ
هُبوطاً إلى أحسابكم وانخفاضِها / فلا نسبٌ زاكٍ ولا طيبُ مَولدَ
تطاولتموا لا عن عُلاً فتراجعوا / إلى حيثُ أنتم واقعدوا شرَّ مقعد
قديمكم ما قد علمتم ومثلهُ / حديثكم في خزيه المتجدّد
فماذا الذي أحسابكم شَرُفت به / فأصعدكم في الملك أشرف مَصعد
صلابةُ أعلاكِ الذي بللُ الحيا / يه جفَّ أم في لين أسفلُك الندي
بني عبد شمسٍ لا سقى الله جُفرةً / تضمّكِ والفحشاءَ في شرّ مَلحدِ
ألمَّا تكوني من فجوركِ دائماً / بِمشغلةٍ عن غصب أبناء أحمد
وَراءكِ عنها لا أباً لك إنَّما / تقدَّمتِها لا عن تقدّمِ سُؤدد
عجبتُ لمن في ذلَّة النعل رأسُه / به يَتراءى عاقداً تاجَ سيّد
دعوا هاشماً والفخر يعقد تاجَهُ / على الجبهات المستنيرات في الندي
ودونكموا والعار ضُمُّوا غِشاءهُ / إليكم إلى وجه من العار أسود
يُرَشّحُ لكن لا لشيء سوى الخنا / وليدكم فيما يروحُ ويغتدي
وتترفُ لكن للبغاء نساؤكم / فيدنس منها في الدجى كلّ مرقد
ويَسقي بماءٍ حرثكم غيرُ واحدٍ / فكيف لكم تُرجى طهارةُ مولد
ذهبتم بها شنعاءَ تبقى وصومها / لأحسابكم خزياً لدى كلّ مشهد
فسل عبد شمس هل يرى جرمَ هاشم / إليه سوى ما كان أسداه من يد
وقل لأبي سفيان ما أنت ناقم / أأمنكَ يوم الفتح ذنبُ محمد
فكيف جَزيتم أحمداً عن صنيعه / بسفكِ دم الأطهار من آل أحمدِ
غداةَ ثنايا الغدر منها إليهم / تطالعتموا من أشمِّ ثر أنكد
بعثتم عليهم كلَّ سوداءَ تحتها / دفعتم إليهم كلّ فقماء مُؤيّد
ولا مثلَ يوم الطف لوعةُ واجد / وحرقةُ حرّانِ وحسرة مُكمد
تباريحُ أعطينَ القلوب وجيبَها / وقلنَ لها قومي من الوجد واقعدي
غداةَ ابنُ بنتِ الوحي خرَّ لوجهه / صريعاً على حرِّ الثرى المتوقّد
درت آل حرب أنَّها يوم قتله / أراقت دمَ الإِسلام في سيف مُلحد
لعمري لئن لم يَقضِ فوق وِساده / فموتُ أخي الهيجاء غير موسّد
وإن أكلت هنديَّةُ البيض شلوَه / فلحمُ كريم القومِ طعم المهنّد
وإن لم يشاهِد قتله غيرُ سيفه / فذاك أخوه الصدق في كلّ مشهد
لقد مات لكن ميتةً هاشميَّةً / لهم عُرفت تحت القنا المتقصّد
كريمٌ أبى شمَّ الدنيَّة أنفُه / فأشمَمه شوك الوشيج المُسدّد
وقال قفي يا نفسُ وقفةَ واردٍ / حياضَ الردى لا وقفة المتردّدِ
أرى أنَّ ظهرَ الذلّ أخشنُ مركباً / من الموت حيثُ الموت منه بمرصدِ
فآثر أن يسعى على جمرة الوغى / بِرِجلٍ ولا يُعطي المقادة عن يد
قضى ابنُ عليّ والحفاظ كلاهما / فلست ترى ما عشتَ نهضةَ سيّد
ولا هاشميًّا هاشماً أنفَ واترٍ / لدى يوم رَوع بالحسام المُهنّد
لقد وضعت أوزارها حربُ هاشم / وقالت قيامَ القائم الطهرِ موعدي
إمام الهُدى سمعاً وأنت بمسمع / عتابَ مُثيرٍ لا عتاب مُفنّد
فداؤكَ نفسي ليس للصبر موضعٌ / فتُغضي ولا من مسكةٍ للتجلُّد
أتنسى وهل يَنسى فعال أُميَّةٍ / أخو ناظرٍ من فعلها جدُّ أرمد
وتقعد عن حرب وأيُّ حشًا لكم / عليهم بنارِ الغيظ لم تتوقّد
فقم وعليهم جرّد السيفَ وانتصف / لِنفسك بالعضب الجُراز المجرّد
وقم أرهم شُهبَ الأسنَّة طُلّعاً / بغاشيةٍ من ليلِ هيجاء أربد
فكم ولجوا منكم مَغارةَ أرقمٍ / وكم لكم داسوا عرينة مُلبد
وكم هتكوا منكم خباءً لحرّةٍ / عِناداً ودقّوا منكم عنقَ أصيد
فلا نَصفَ حتَّى تنضحوا من سيوفكم / على كلّ مرعًى من دماهم ومورد
ولا نَصفَ حتَّى توطؤا الخيل هامهم / كما أوطؤها منكم خيرَ سيّد
ولا نَصفَ إلاَّ أن تُقيموا نساءهم / سبايا لكم في محشدٍ بعد محشد
وأُخرى إذا لم تفعلوها فلم تزل / حزازاتُ قلب الموجع المتوجّد
تبيدونهم عطشى كما قتلوكم / ضماءَ قلوب حرُّها لم يُبرّد
إذا عنَّ لي برقٌ يضيء على البعدِ
إذا عنَّ لي برقٌ يضيء على البعدِ / نزت كبدي من شدَّة الشوقِ والوجدِ
وناديتُ معتلَّ النسيمِ بلا رُشد / نسيمَ الصَبا استنشقتُ منك شذا الندِّ
فهل سرتَ مجتازاً على دِمنتي هِند /
وهل لسليمِ الحبِّ أقبلتَ راقيا / بنشرِ فتاة الحيِّ إذ كانَ شافيا
فما كنتُ إلاَّ للصبابةِ داعيا / فذكَّرتني نجداً وما منتُ ناسيا
ليالٍ سرقناها مِن الدهرِ في نجدِ /
نواعمَ عيشٍ مازَجَ الأُنسُ زهرَها / رِطابَ أديمٍ خالطَ المسكُ نشرَها
رقاقَ حواشٍ قرَّب الوصلُ فجرَها / ليالٍ قصيراتٍ ويا ليتُ عمرَها
يُمدُّ بعمري فهو غايةُ ما عندي /
رياحُ الهنا فيها تنشَّقتُ عرفَها / وفيها مدامُ اللهوِ عاقرتُ صِرفَها
لدى روضةٍ لا يبلغُ العقلُ وصفَها / بها طلعت شمسُ النهارِ فلفَّها
ظلامانِ من ليلٍ ومن فاحمٍ جعد /
سوادانِ يعمى الفجرُ بينَ دُجاهما / هما اثنانِ لكن واحدٌ منتماهُما
أتت تتخفَّى خيفةً في رداهما / ولو لم تُغطِّي خدَّها ظُلمتاها
لشُقَّ عمودُ الصبحِ في وجنةِ الخدِّ /
فأبصرتُ منها إذ سهت منه غُرَّةٌ / محيًّا هو الشمسُ المنيرةُ غُرَّةً
ولاحَ لها خدٌّ هو النورُ نُضرةً / قد اختلست منها عيونيَ نظرةً
أرتني لهيبَ النارِ في جَنَّة الخُلد /
تَحيَّرتُ في بدرٍ من الوجهِ زاهر / يلوحُ على غصنٍ من القدِّ ناضرِ
وأسيافِ لحظٍ في الجفونِ بواتر / وفي وجنتيها حمرةٌ شكَّ ناظري
أمن دمِ قلبي لونُها أم من الورد /
فبالشذرِ أيدي الحُسن طرَّزن صدرها / وبالنجمِ لا بالدرِّ وشَّحن خصرَها
لها مقلةٌ هاروتُ ينفثُ سحرَها / وفي نحرها عقدٌ توهمت ثغرَها
لئالئهُ نُظّمن من ذلك العِقدِ /
بنفسي هيفاءَ الوشاحِ مِن الدمى / سقتني حميّا الراح صرفاً من اللّمى
فأمسيتُ من وصفِ المدام متيَّماً / وما كنتُ أدري ما المدامُ وإنَّما
عرفتُ مذاق الراح من ريقها الشَهد /
وقبلَ ارتشافُ الثغر ما لذَّةُ الهنا / وقبلَ سنا الخدَّينِ ما لامعُ السنا
وقبل رنينِ الحُلي ما رنَّةُ الغنا / وقبل اهتزازِ القدِّ ما هزَّةُ القَنا
وقبل حسام اللحظ ما الصارمُ الهندي /
لها كلَّ يومٍ عَطفةٌ ثمَّ نَبوةٌ / وما علقت فيها بقلبي سَلوةٌ
فمِن بُعدِها زادت بقلبي صبوةٌ / ومن قُربِها مالت برأسي نَشوةٌ
صحوتُ بها يا ميُّ من سكرةِ البعد /
ولا عجبٌ إن يشفَ في عَطفِ قلبها / سقامُ جفاها يومَ بُتُّ بجنبِها
هي الداءُ طوراً والشفاءُ لصبِّها / وإن زالَ سكرُ البعدِ من سكر قربِها
فلا طب حتَّى يُدفعُ بالضدِّ /
فمذ كنتُ ذرًّا قد تعشّقتُ زينبا / وفي عالمِ الأصلابِ زدت تعذُّبا
وكنتُ بها في ظلمةِ الرحمِ مطربا / تعشّقتُها طِفلاً وكهلاً وأشيبا
وهِمًّا عرته رعشةُ الرأسِ والقدِّ /
أغارُ عليها أن يمرَّ بشِعبها / نسيمُ الصَبا أو يكتسي طيبَ تُربها
وأدري بحبي كيف بات بقلبها / ولم تدرِ ليلى أنني كَلِفٌ بها
وقلبيَ من نار الصبابة في وقدِ /
وأخفيتُ عن نفسي هوىً سقمه شكت / ولم تدرِ أحشائي بمن نارُها ذكت
وكفّي لأسناني لمن أسفاً نكت / وما علمت من كتمِ حبي لمن بكت
جفوني ولا قلبي لمن ذابَ في الوجدِ /
إذا ما تذاكرنا الهوى بتشبُّبٍ / أتيتُ بتشبيبٍ عن الشوقِ معربٍ
وموَّهتُ في ضربٍ من اللحن مطربٍ / فاذكر سعدي والغرام بزينبٍ
وأدفعُ في هندٍ وميَّةَ عن دعدٍ /
وإن قلتُ إني واجدٌ في جآذرِ / فوجدي بريّاً لا بوحشٍ نوافرِ
وإن قلتُ أروى فالمنى أمُّ عامرِ / وإن قلتُ شوقي باللوى فبحاجر
أو المنحنى فاعلم حننتُ إلى نجدِ /
فيحسب طرفي في هوى تلك قد قذي / وأنَّ بهاتيك العَذارى تلذُّذي
وفي ذكرِ أوطانٍ لها القلبُ يغتذي / وما ولعت نفسي بشيءٍ سوى الذي
ذكرتُ ولكن تعلمُ النفس ما قصدي /
وأكرمُ أربابِ الغرامِ الأُلى خلوا / أناسٌ أسرُّوا سرَّه مُذ به ابتلوا
وقال لقومٍ للإذاعةِ ما قلوا / كذا من تصدّى للهوى فليكن ولو
تجرَّع عن أحبابِه علقمَ الصدّ /
فإنَّ الفتى من يحكم الرأيَ فكرُه / ويعجزُ أربابَ البصيرةِ سبرُه
وذو الحزمِ من يخفى على الناسِ أمرُه / وليس الفتى ذو الحزمِ من راح سرُّه
تُناقلُهُ الأفواهُ للحرّ والعبد /
إذا لم يصنهُ عن خليلٍ وحُسَّدِ / تحدَّثَ فيه الناسُ في كلّ مشهد
وغنَّت به الركبانُ في كلِّ فدفد / فيسري إلى القاصي كما بمحمد
سرت بنتُ فكري بالثناءِ وبالحمدِ /
لقد جمدت دون القريضِ القرايحُ / وماتت بموتِ الماجدين المدايحُ
فما لرتاج الشعرِ إلاَّيَ فاتحُ / وما للثنا إلاَّ محمَّدُ صالحُ
لقد ضلَّ مهديه لغير أبي المهدي /
ظهورُ العُلى في مثله ما استقلّتِ / له رتبةٌ عنها الكواكبُ حُطّت
فتىً إن يرم إدراكه العقلُ يَبهتِ / همامٌ إلى العلياءِ حدّة فكرتي
بعثتُ فلم تُبصِر لعلياهُ من حدّ /
مليكٌ عليه طائرُ الوهمِ لم يَحمُّ / وكلُّ ابنِ مجدٍ شأوَ علياهُ لم يَرُم
تحدَّر من أصلابِ فخرٍ غدت عُقم / وعن مثله أمُّ المكارِم لم تقمُ
فأنّى ترى ندًّا لجوهرِه الفَردِ /
له خُلُقٌ ما شابَ سلساله القذا / ولا هو في غير الفخارِ تلذَّذا
وغيرَ العُلى منذُ الولادةِ ما اغتذى / تربَّى بحجرِ المجدِ طفلاً وقبلُ ذا
براهُ إلهُ العرشِ من عنصرِ المجدِ /
فعلَّمَ صوبَ الغيثِ أن يتهلَّلا / ووازنَ منه الحلمُ رضوى ويذبلا
وفات جميعَ السابقينَ إلى العُلى / ترقّى النهى قبل الفِطامِ به إلى
نهاية إدراكِ الأنامِ من الرشدِ /
تجمَّع شملُ الزهدِ لمَّا تشتَتا / وعاشَ التقى من بعدِ ما كان ميّتا
بذي نُسِكٍ ما زال للهِ مُخبتا / ومعتصمٍ ممّا يُشانُ به الفتى
بعفّة نفسٍ تِربِهِ وهو في المهد /
فلا غروَ إن عمَّت نوافلُهُ الملا / وطبَّقن ظهرَ الأرضِ سهلاً وأجبلا
وفاتَ الورى فخراً ومجداً مؤثّلا / فذا واحدُ الدنيا انطوى بردُه على
جميعِ بني الدنيا فبوركَ من بُردِ /
عليه العلا قد دار إذ هو قطبُه / وفي فخرِه من دهرِه ضاقَ رحبُه
وبيتُ علاهُ سامَت الشُهب كثبُه / رفيعُ مقامٍ أين ما حلَّ تُربُه
من الشهبِ تمسي تِربَها أنجمُ السعد /
عظيمُ محلٍّ كان للفضلِ جوهرا / له رتبةٌ طالت على الشمّ مفخرا
وكيف تضلُّ الناسُ عن ماجدٍ ترى / على شرفاتِ المجدِ مغناهُ والورى
بحصبائه لا بالكواكب تستهدي /
إذا هو بالإيحاش بدَّلَ أُنسَه / تبيتُ صروفُ الدهرِ تُنكر مسَّه
همامٌ عليهِ يَحسِدُ الغدُ أمسَه / تراه ولو قد كان يخفض نفسَه
لآمِلهِ عِطفاً ويبسمُ للوفدِ /
رفيعاً بحيثُ النجمُ لم يكُ ممسكا / بأذيالِه والفكرُ لم ير مَسلَكا
وتُلفيه في النادي ولستَ مشكَّكا / ثبيراً على جنبِ الوثير قد اتكا
ودون لقاه هيبةُ الأسد الوَردِ /
أعزُّ الورى نفساً وأزكى نجابةً / وأسبقُ في الآراءِ منهم إصابةً
وأبلَغُهم وسط النديِّ خِطابةً / له الفصحاءُ المفلقونَ مهابةً
إذا سُئِلوا لا يستطيعونَ للردِّ /
عليمٌ له نفسٌ عن اللهِ لم تمل / ومن ذكرِ ما لم يرضِه لم يزَل وَجِل
ومنه وعنه العلمُ بين الورى نُقِل / لقد ضاقَ الدهر من بعض بثّه العلومَ
وما يخفيه أضعافُ ما يبدي /
وعمياءَ سُدَّت عن ذوي الرشد سُبلُها / تساوى بها علمُ الأنامِ وجهلُها
جلاها فتًى تدري العلومُ وأهلُها / إذا انعقدت عوصاءُ أُشكلَ حلُّها
فليس لها إلاّهُ للحلِّ والعقد /
وغامضةٍ فهمُ الورى دونها انقطع / وليس لهم في حلِّ معقودِها طمع
إذا أعوصت في كشفِ غامضها صَدع / فيوضحها بعد الغموضِ ولم يَدع
لمعترضٍ باباً لها غير مُنسدِّ /
وكانت متى فاهت ذوو الحزم تخزِهم / فيرضوا بذلِّ العجزِ من بعدِ عزِّهم
وحتَّى تحاماها الفحولُ برمزِهم / وعنه أرَّم الناطقونَ لعجزِهم
ومذودُه في القولِ منشحذُ الحدِّ /
تراه به عضبَ المضاربِ مُرهفا / إذا هو أمضى الحكمَ لن يتوقفا
فيمسي عليه طالبوا العلم عُكَّفا / فيلقي إلى أذهانِها علمَ ما اختفى
ويُفرغ في آذانها لؤلؤَ العِقد /
ومن كلِّ طخياءٍ جلا كلّ غبرةٍ / بإيضاحِ قولٍ عن لسانٍ كزُبرةٍ
ولم يكُ إلاَّهُ بحدَّةِ فكرةٍ / رشيدٌ بعينِ الحزمِ أوَّل نظرةٍ
يرى ما به ضلَّت عقولُ ذوي الرُّشد /
تُردُّ أُمورُ الناس في كلِّ مشكلٍ / إلى قُلَّبٍ إن أشكل الرأي حُوَّلِ
ومن كلِّ أمرٍ فاتحٌ كلَّ مُقفَلِ / يُسدِّدُ سهمَ الرأي في كلِّ معضل
إذا طاشت الآراءُ فيه عن القصد /
فتًى معه المعروفُ يرحلُ إن رَحَل / وتنزل آمالُ الورى حيثُما نزل
ببُرد التقى فوق العفاف قد اشتمَل / ترى نفسَه من حبِّها الله لم تزل
بطاعَته لله في غايةِ الجهدِ /
حليفُ التقى ما انفكَّ لله شاكراً / وللنومِ من حبِّ العبادةِ هاجرا
وفي وِردِه ما زال لليل عامرا / يقوم إلى ما كانَ نَدباً مبادرا
مبادرةَ الهيمِ العطاشِ إلى الوِرد /
فيجلو ظلامَ الليلِ منه إذا سجى / بغرَّةِ وجهٍ كالصباحِ تبلَّجا
وعن قلبِ مسجورِ الحشى يظهر الشجا / وفي عينِ عاصٍ نادمٍ يسهرُ الدجا
وما همَّ بالعصيانِ للواحدِ الفردِ /
فكم شادَ بالتقوى بيوتَ هدًى دُرُس / وقام بعينٍ جفنَها النوم لم يُدَس
بأورادهِ يقضي دجا الليلِ في أُنس / فيقصرَ عن أورادهِ ولوَ انَّه استدام
بجنحٍ سرمد الدهر مسوَّد /
إذا لم يُفِض يوماً على الدهرِ عفوَه / أتاه منيباً يقبضُ الخوفُ خُطوه
ونادى بصوتٍ ليس يُرفعُ نحوَه / فيا سابقاً لم يدرِكِ العقلُ شأوَه
ولا تهتدي الأوهامُ منه إلى قصد /
ألا اسقِ رياضي إنَّها اصفرَّ زهرُها / وضوء لياليَّ التي حُلن غرُّها
أَنر وجهَ أيَّامي التي اسودَّ فجرُها / فشمس بني العلياءِ أنت وبدرها
أخوك ربيعُ الخلقِ في الزمنِ الصلد /
ونفسُكما من كلِّ إثمٍ تقدَّست / وداركما قدماً على الجودِ أُسّست
وجودكما بالنورِ منه الربا اكتست / وحلمُكما منه الجبال قد رست
ويُطبَعُ من عزميكما الصارمُ الهندي /
وإنَّكما عِقدانِ للفضلِ حليّا / وبدرانِ في أُفقِ المعالي تجلَّيا
وصقران في جوِّ المكارمِ جليَّا / وغيثا غطاءٍ أنتُما يفضحُ الحيا
فيعولُ إعلاناً من الغيظِ بالرعدِ /
ضلالٌ لذي قصدٍ لغيرِكما رحل / وأمسى له في غيرِ جودِكما أمل
ألم يدرِ مذ جودُ الكرام قد اضمحل / بقيَّة جودٍ للورى ذخَروكُما الكرام
لمن مِن بعدِهم جاءَ يستجدي /
وأبقوكما في الأرضِ للخلقِ مقصدا / ليمسي عَلاهم فيكما مُتجدِّدا
ويبقى نَداهم في الزمانِ مخلَّدا / لعلمِهم في موتِهم يدرجُ الندى
بأكفانِهم ميتاً ويدفَن في اللحد /
كأَنَّ الورى كانوا بينهم وأنتما / أقاموكما فيهم كفيلاً وقيِّما
ومِن بعدِهم في ذلك العبء قمتُما / فأحييتما ميتَ الندى فكأَنَّما
همُ بكما رُدُّوا إلى الجودِ والمجد /
توارثتُما منهم سماءَ مفاخرٍ / وزينتموها في نجومٍ زواهرٍ
وقد حزتُما ما أحرزا من ذخائرٍ / وأحرزتما ما خلَّفوا من مآثرٍ
ولم تدعا شيئاً من الحسبِ العدِّ /
كرامٌ على كلِّ الأَنامِ لهم يدُ / وبيتُ علاهم في الزمانِ مشيَّدُ
وليس عليهم زادَ في الفضلِ سيِّدٌ / لئن زادَ في معنًى طريفٍ محمَّدُ
عليهم فذا فرعٌ لمجدِهم التَلد /
وإن هم ببطنِ الأرضِ من قبلُ أضمروا / فإنَّ لعلياهُم معاليه مظهرُ
وطيُّ مساعيهم به عادَ يُنشر / وإن دُرِجوا موتى بعلياه عُمّروا
بعمرٍ لأقصى غايةِ الدهرِ ممتدِّ /
فمن جوهرِ العلياءِ كانوا فِرندَه / وأَوَّلَ من أورى من الجودِ زندَه
درى الحيُّ فيهم والذي حلَّ لحدَه / هم شَرَعوا للجودِ في الناسِ نجدَه
ولولاهم ما كانَ للجودِ من نجدِ /
فهل لسواها الزاخراتُ قد اعتزت / وهل غيرُها سحبٌ إذا السحبُ أعوزت
لقد أحرزت بالوفرِ حمداً فبرَّزت / ولو لم تحز بالوفرِ حمداً لأَحرزت
حسانُ سجاياها لها أوفرَ الحمد /
إذا في الشتاءِ والشولِ غبراءُ روَّحت / ومصَّ الثرى ماءَ الرياضِ فصوَّحت
فإنَّهما فيها سيولٌ تبطَّحت / أُناسٌ يرى في الكرخِ مَن فيه طوَّحت
إليهم بناتُ الشدقميَّاتِ من بُعدِ /
سنا نارِهم قد صيَّروه نُعوتَهم / لمسترشدِ الظلماء كي لا يفوتَهم
ويُبصر مَن وافى لكي يستبيتهم / جُدَّياً على دارِ السلامِ بيوتَهم
لكعبةِ جدواهم لمن أُمَّها تهدي /
لهم أوجهٌ يستصبِحونَ بها الملا / كأَنَّ بدورَ التمِّ منهنَّ تُجتلَى
فلو قابلوا فيها دُجى الليلِ لانجلى / ولو وُزنت فيهم شيوخُ بني العُلى
لما عدلوا طفلاً كان في المهدِ /
فطفلِهم حذوَ المسنِّ قد احتذى / وعزَّتُهم أضحت لعينِ العِدا قَذا
وكلٌّ مِن الحسَّاد فيها تعوَّذا / وكلاًّ إذا أبصرتَ منهم تقولُ ذا
محمَّدُ فيه شارةُ الأبِ والجدِّ /
رفيع عُلًى لا يطلعُ الفكرُ نجدَه / حليفُ تقًى لا يعلقُ الإِثمُ بردَه
أخو الحزمِ ما حلَّت يدُ الدهرِ عقدَه / إذا انعقدَ النادي تراهُ ووِلدَه
لناديه عِقداً وهو واسطةُ العقدِ /
كأَنَّ عُقاباً فيه بين قشاعمٍ / وليثَ عرينٍ فيه بين ضراغمٍ
وصل صَفاةٍ فيه بين أراقمٍ / على أنَّهم فيه نجومُ مكارمٍ
تحفُّ ببدرِ المجدِ في مطلعِ السعدِ /
بروقُ عُلاهم من سناها تكشَّفت / وكفُّهم للوفدِ من سيبهِ كَفت
وفي رحمةٍ منه عليهم تَعطَّفت / وأخلاقهُم من حسنِ أخلاقهِ صفت
ومنها اكتسى لطفاً نسيمُ صبا نجدِ /
فلو نَفحت ميتاً لأحيته حقبةً / ولو كنَّ في المسبوبِ لم يرَ سبَّةً
ولو كنَّ في المكروبِ لم يرَ كربةً / ولو ذاقها الأعداءُ كانوا أَحبَّةً
لنوعينِ فيها من رحيقٍ ومن شهدِ /
وجودُهُم في المحل من جودِ كفِّه / وإن شمخت آنافُهم فبأنفِه
وعَرفُ عُلاهم فاحَ من طيب عرفِه / تضوَّع من أعطافِهم ما بعطفِه
لطائمَ فخرٍ ينتسبن إلى المجدِ /
أَعزُّ بني الدنيا وأَطيبُ عنصرا / لهم عادَ عودُ الفضلِ فينانَ مُثمرا
وفيهم غدا صبحُ المكارمِ مُسفِرا / سلالةُ مجدٍ هم مصابيحُ في الورى
بكلٍّ إذا استهدت فذاك هو المهدي /
له راحةٌ للوفدِ تبسطُ أنملا / يشيّمون منها العارضَ المُتهلّلا
فتًى مذ نشا تَدري جميعُ بني العُلى / له مفخرٌ لو بعضَه اقتسمَ الملا
لزادَ وما قد زادَ جلَّ عن العدِّ /
وسادوا بما حارَ النُهى في عجيبِه / وبدرُ السما استغنى بهم عن مَغيبه
فأمسوا وكلٌّ مُشرقٌ في غروبه / وأصبح طلٌّ سامياً في نصيبه
عَلاً ماله من انتهاءٍ ومن حدِّ /
وشأوٌ ذوو العلياءِ لا يعلقونَه / وكنهٌ ذوو الأفهامِ لا يُدركونَه
وقدرٌ يغضُّ الدهرُ عنه جُفونَه / وعزٌّ أكفُّ الدهر تُحسمُ دونه
فيرنو إليه الدهرُ في مُقلٍ رمد /
وحلمٌ يُراديه الزمانُ بخطبِه / فيُلفيه أرسى من أبانٍ وهضبِه
وفهمٌ لسقمِ الجهلِ شافٍ بطبِّه / ورأيٌ يرى ما غاب من خلف حجبه
كأَنَّ بابُه عن رأيه غيرُ مُنسدِّ /
يَبيتُ على حفظِ العُلى غيرَ هاجد / ويبذلُ فيها من طريفٍ وتالد
وتبصرُ منه عينُ كلِّ مُشاهد / فتًى قد رقت العليا بهمَّةِ ماجد
له أحرزت شأوَ العُلى وهو في المهد /
ومن ساعةِ الميلادِ في حبِّها صبا / وكانت له أُمًّا وكان لها أَبا
فإن تعتجب مِن ذا تَجد منه أعجبا / إذا ما تراءى محتبٍ شُكَّ في الحُبا
على رجلٍ معقودة أو على أُحد /
فإن قلتَ هذا مرهفٌ كان أرهفا / وأخلاقُه هنَّ الصبا كنَّ ألطفا
وإن قلت ذا ماءُ السما لستَ منصفا / لعمرُك ما ماءُ السماءِ وإن صفا
بأَطيبَ ممَّا منه قد ضمَّ في البُرد /
وَهوبٌ لوَ انَّ البحرَ في كفِّه فُني / وآملهُ عن صيّبِ المزنِ قد غُني
حميدَ سجاياً للمكارمِ يقتني / فريدةُ هذا الدهرِ لو لم نجد بني
أبيه تعالى عن شيبةٍ وعن ندِّ /
كرامٌ بهم ربعُ المكارمِ رُوّضا / وصبحُ العُلى من نورِهم عادَ أبيضا
همُ في علاهم خيرُ من ضمَّه الفضا / فُروعُ عُلىً منها محمدٌ الرضا
مزايا علاه ليسَ تُحصرُ بالعدِّ /
سحابٌ على الوُفَّادِ نائلهُ مُطِل / وسحبانُ يمشي في فصاحتِه ثَمِل
فإن تُقصرنَ في مدحِ علياهُ أو تُطِل / فلا أحنفٌ يحكيه بالحلم لا وبالفصاحة
قسّ بل ولا معن في الرفد /
فعاديُّ غرسِ المجدِ لُفَّ بغرسه / وأسُّ العُلى مذ كانَ تربٌ لأُسّه
وإن يومُه أثنى عليهِ كأَمسه / فهمَّتهُ في الجودِ طبقٌ لنفسه
ومذودُه والحزمُ سيَّان في الحدِّ /
فلا وفدَ إلاَّ غيثُ جدواهُ عَمَّهُ / وشابَهَ في الجدوى أباهُ وعمَّه
ومذ بَشَّرت فيه القوابلُ أُمَّه / سعى طالباً أوجَ المعالي فأَمَّه
أخوه كأَن كانا جميعاً على وعدِ /
ولمَّا هما قد أبصرا غايةَ الأمل / تلوحُ إذا بالمصطفى فيهما اتصل
فحلَّوا جميعاً رتبةً دونَها زُحل / وكلّهم جاءوا على نسقٍ من العُلى
واحدٍ ما عن تساويه من بُدِّ /
أُولي الحمدِ في عالي الثناءِ شفعتمُ / وإن عنه في معروفِكم قد غنيتمُ
تهشُّون شوقاً إن دعا من دعوتمُ / بني المجدِ من أبكارِ فكري خطبتمُ
فتاةً عن الخُطَّابِ تجنحُ للصدِّ /
بدايعُ أفكارٍ لها الصِيدُ أذعنت / وفي حجبِ الأفكارِ عنهم تحصَّنت
لها ما رَنوا يوماً ولا لهمُ رنت / ولكن رأتكم كفوَها فتزيَّنت
لكم وأتت تختالُ في حُللِ الحمدِ /
فلو شامَها الأعشى تحيَّر وامتحن / وإن زهيراً لو يراها بها افتَتن
وأَنَّى لحسَّانٍ كمنظومِها الحسَن / لها من بديعِ القول نظمٌ بكم إذا النوابغُ
في مضمارِ أعجازِه تكدي /
على فترةٍ في الشعر إن قيل يُنبذِ / وإن قد بدا لا طَرفَ إلاَّ وقد قُذي
ظهرتُ بنظمٍ فيه ماقِتُهُ غُذي / ولي أذعنت آياتهُ وأنا الذي
بقيتُ له من بعد أربابه وحدي /
فَنظَّم من ألفاظِه الدرَّ مِقولي / وفي النظم يبديه كعقدٍ مفصَّلِ
بديعَ معانٍ إن أفه فيه يُنقل / إذا ما تلوه في العراقِ بمحفل
سرت فيه أفواهُ الرواة إلى نجدِ /
فكم قد تبدَّت فيه للناسِ دُرَّةٌ / وكم قد تجلَّت منه للشمسِ ضَرَّةٌ
ومبصرُه قد قالَ هل هو زُهرةٌ / وسامعُه قد شكَّ هل فيه خمرةٌ
أو أنَّ بنظمِ الشعرِ ضربٌ من الشهدِ /
حكى الروضةَ الغنَّاءَ حسنُ بهائه / وفاقَ على شهبِ الدجا بسنائِه
وأخفى ضياءَ الشمسِ نورُ ضيائِه / وقد زادَ في تضميخهِ بثنائِه
عليكم شذا قد طبَّق الأرضَ بالندِّ /
أَرمَّ لدى إنشادها المفصحُ اللسِن / وطاشَ حجى الفَهّامةِ الحاذِقِ الفَطِن
فما أنا في إنشائِه قَطُّ مغتبنِ / ولستُ بإطرائي له مزدهٍ وإن
غدا طرفةُ ابنُ العبدِ من حسنِه عبدي /
ولا أنا مَن يُعلي القريضُ محلَّه / ولا مَن يزيدُ النظمُ والنثرُ فضلَه
حويتُ بقومي المجدَ والفضلَ كلَّه / وما في نظامِ الشعر حمدٌ لِمن لَه
سنامُ عُلًى ينمى إلى شيبةِ الحمدِ /
ومفخرهُ سامي السما بعَليِّه / وعزتُه موصولةٌ بقُصيِّه
وسؤددُهُ إرثٌ له مِن لويِّه / وبين النبيّ المصطفى ووصيِّه
لنا النسبُ الوضَّاحُ في جبهةِ المجد /
وإن نظاماً أنتجته رويّتي / لنأنف أن يستام عزَّةَ نخوتي
فما سمحت إلاَّ لكم فيه فِكرتي / فدونكموه فهو في زُبُري التي
طوت ذكرَ من قبلي فكيفَ الذي بعدي /
ولا نضُبت مِن كفِّكم أبحرُ الندى / ولا أَفَلت من أُفقِكم أنجمُ الهدى
ولا زالَ ربعُ المجدِ فيكم مشيَّدا / ولا برحت علياكُم تُسخِطُ العِدى
فتكثر عَضَّ الكفِّ من شدَّة الحِقدِ /
لقد رحلتْ عن ودِّنا فيه جفوةٌ
لقد رحلتْ عن ودِّنا فيه جفوةٌ / وبعد الجفا فيه يُراجعُ بالودِ
فنحن على ما كانَ من عهد حبِّه / أقمنا ولم نعزمْ رحيلاً عن العهد
وكم ليلةٍ ليلاء فيه سهرتها / وقد ملَّ طرف النجم فيها من السهد
يبيت خلياً قلبهُ من صبابةٍ / ولم يدرِ من برح الصبابة ما عندي
وكنَّا إذا شطَّتْ بنا الدار أو دنتْ / صفيين لم نكدرْ على القرب والبعد
وإني لتصبيني على النأي والجفا / إليه سجايا منه أحلى من الشهد
خليليَّ عندي اليوم لو تعلمانه / عجيبٌ غرامٍ فاسمعا منه ما أبدي
ألم يزعموا أن القلوب لأهلها / شواهدُ منهم بالقطيعة والودِّ
فما بالُ قلبي محكماً عقدة الهوى / لمن حلَّ من حبل الهوى محكم العقد
وهل أنا وحدي يا خليليَّ هكذا / وجدت به أم هكذا كل ذي وجد
وبالفرد من أعلام نجدٍ سقى الحيا / عهودَ حمى ذيالك العلم الفرد
منازل يستوقفن كلَّ أخي هوىً / ويحبسن أيدي الواخدات عن الوخد
لنا طلعتْ في غربها الشمس آية / فقلتَ لنا البشرى بها ظهر المهدي
أتى الخلفُ ابن المجتبى الحسن الذي / غدا قائماً بالحق يهدي إلى الرشد
إمامُ هدىً نور النبوة زاهرٌ / بطلعة بدرٍ وهي كاملة السعد
ومن عطفه نشرُ الإمامة فاتحٌ / له أرجٌ يغنيك عن أرج الندِّ
به حفظ الباري شريعة جدِّه / وشيَّد من أركانها كلَ منهَّد
فقام بمبيَّضٍ من الرشد هادياً / إلى الحق في داجٍ من الغيِّ مسود
بقيةُ أهل العلم والحلم والحجى / وأهل التقى والبرِّ والنسك والزهد
ولولا احترامي باقر العلم قلتُ ما / له من ذوي العلم الأفاضل من ندّ
فتىً حببتْه في النفوس شمائلٌ / شذاهنَّ أذكى من شذا الشيح والرند
وطبعٌ كطبع الروض رقَّ هواؤه / بأسرار ريَّاه تذيع صَبا نجد
وخلقٌ به لو يمزج الماءَ شاربٌ / لما شكَ فيه أنه الكوثر الخلدي
معيدٌ لما أبداه في الجود لا كمن / إذا جاء لا يغدو معيداً لما يبدي
سبقتَ الورى مجداً يدوم بلا حدِّ
سبقتَ الورى مجداً يدوم بلا حدِّ / فكان بلا قبل ويبقى بلا بعدِ
خلقتَ كما شاءتْ نقيبتكَ التي / أتاها الندى كوني فكانت بلا ندّ
وجئتَ إلى الدنيا كما اشتهت العلى / تعيد من المعروف أضعاف ما تبدي
وتبسط أندى من أديم غمامة / بناناً يعلّمن الحيا كيف يستجدي
وفي الناس مَن يغدو به مستميحهُ / كمستقطرٍ ماءً من الحجر الصلد
فيا لابساً برد السيادة لا شذاً / من الفخر إلاَّ وهو في ذلك البرد
فبوركتَ من فردٍ حوى الدهر كله / ببرد علاً منه طوى الناس في برد
زعيم النهى ما عطرت جيبها الصَبا / بأطيب نشراً من عبيرك والندّ
يقولون في الدنيا بنتْ دارَك العلى / فقلتُ بل الدنيا بها بُنيت عندي
كذبْنا فذا رضوانُ بشركَ مخبرٌ / يحدّث عنها أنها جنَّةُ الخلد
فمنكَ المزايا قد تقسَّمن فردَها / وأعجبُ شيءٍ قسمة الجوهر الفرد
ألستَ من القوم الذين وليدهم / يرشح طفلاً للعلى وهو في المهد
فما حضنوا إلاَّ بحجر نقابةٍ / ولا رضعوا يوماً سوى حلم الرشد
فيا قمم الأعداء للأرض طأطئي / ويا عينهم عودي من الجفن في غمد
نضا الله في كف النقابة سيفها / وقال احتكمْ ما شئت يا فاصل الحد
وهاتيكَ أبصارَ العدى وقلوبها / فدونك ما تختاره من ذوي الحقد
ومما يعيرُ الأرض فخراً على السما / ويبهي الحصا فيها على أنجم السعد
بيوتٌ بها قد أودع الله منكم / أطائب ما استصفاه من عترة المجد
لكم أذنَ الله العظيم برفعها / وأنتم مصابيحٌ بها الناس تستهدي
لوجهك قد صلى بها المدح والثنا / لأنك فيها قبلةُ الشكر والحمد
لقد وَلدَت أمُّ المفاخر ماجداً
لقد وَلدَت أمُّ المفاخر ماجداً / تضوَّع من أعطافه طيبُ محتده
تربَّى بحجرِ المجد واسترضع النهى / وشبَّ يُفدَّى وهو ناشٍ بحسَّده
وأضحى عليه الفخرُ يعقد تاجه / ويلقي مقاليد المعالي إلى يده
فيا مولداً فيه بنعمة يُمنه / لنا السعدُ غنَّى لا بنغمة معبده
به خمدتْ نار العدا حين أرَّخوا / أتى المصطفى يا عزَّ آية مولده
ألا بكرَ الناعي بثأوٍ ثواءه
ألا بكرَ الناعي بثأوٍ ثواءه / توسَّد والمعروف تحت ثرى اللحد
وعاش الهُدى فيه ومات بموته / فأرِّخ معاً غاب الهُدى هو والمهدي