حمامٌ بأعلى الجَلْهَتَينِ ينوحُ
حمامٌ بأعلى الجَلْهَتَينِ ينوحُ / أهيمُ به شجواً ولستُ أبوحُ
يذكَّرني الأحبابَ بيني وبينهمْ / فدافدُ تتلوها مهامِهُ فيحُ
فيُقلِقُني تحتَ الدُّجُنَّةِ سجعُها / فأغدو على وجدي بهمْ وأروحُ
اِذا ما تذكَّرتُ الأحبَّةَ باللَّوى / تساقطَ دمعٌ لا يَغُبُّ سفوحُ
أفي كلَّ يومٍ لي إلى عرصاتِه / وقد فارقوه غُربةٌ ونُزوحُ
وفي كلَّ يومٍ لي على الرسمِ مدمعٌ / تَورَّدَ حتى خِيلَ فيه ذبيحُ
أحِنُّ إلى برقِ الثغورِ إذا بدا / لنا بارقٌ بالأجرَعَينِ لموحُ
ملاعبٌ أمّا منذ بانَ قطينُها / فطرفي غريقٌ بالدموعِ قريحُ
مرابعُ أبلاها الزمانُ وتربُها / يضوعُ ذكاءً نشرُه ويفوحُ
سقتْهُ شآبيبُ السحابِ فاِنْ وَنَى / سقاهُ هتونٌ للدموعِ دلوحُ
خليليَّ ما بالي أُليحُ إذا بَدَتْ / بروقٌ لنا تحتَ الظلامِ تلوحُ
يُهيَّجُني منها الوميضُ فأشتكي / غرامي وشكوى العاشقينَ فَضُوحُ
لئن طالَ عهدُ الحاجبيَّةِ باللَّوى / فما الموتُ إلا للمحبَّ مريحُ
وأصعبُ ما يُمنَى به الصبُّ في الهوى / عذولٌ على أحبابِه ونصيحُ
رويداً على مضنًى من البينِ طالما / تساوى سقيمٌ عندَه وصحيحُ
له ناظراٌ بعدَ الحبائبِ جفنُهُ / همولٌ وقلبٌ للفراقِ جريحُ
طريحٌ على الأطلالِ مِن بعدِ ما انتوتْ / بهنَّ نوًى تُنضي النِياقَ طَروحُ
فهل تُبْلِغَنَّي الربعَ وجناءُ عيهَمٌ / يُهيَّمُها رِمثٌ هناكَ وشِيجُ
تُغِضُّ إلى طَلْحِ العُذَيبِ إذا انثنى / مِنَ السيرِ عنه رازحٌ وطليحُ
وأنظرُ هاتيكَ الخيامَ كأنَّها / إذا ما بدتْ دونَ الطلوحِ طلوحُ
خياماً تُريني الحظَّ أن زرتُ أهلَها / بُعيدَ النوى فيهنَّ وهو ربيحُ
وهيهاتَ أن يسخو الزمانُ بقربهمْ / وما زالَ بالأحبابِ وهو شحيحُ
أحبَّتنَا وُدَّي كما قد علمتُمُ / سليمُ أَواخيَّ الوفاءِ صريحُ
أمينٌ إذا السُّلوانُ جاذبَ عِطفَهُ / فليس له نحوَ السُّلُوَّ جُنُوحُ
وفيٌّ متى خارتْ عزائمُ معشَرٍ / بدا في ظلامِ الغدرِ منه وُضُوحُ
وما الروضُ أبدى في الحدائقِ حليةً / تدبَّجَ غِبَّ القَطرِ فهوَ نفوحُ
سرى في نواحيها النسيمُ كأنَّهُ / لها بينَ أزهارِ الخمائلِ روحُ
بأحسنَ مرأىً منكِ يا ليلُ كلمَّا / بدا لكِ وجهٌ كالصباحِ صبيحُ
يطالِعُني منه رُواءٌ وبهجةٌ / كما طالعتْ أهلَ البسيطةِ يوحُ
فأغدو متى ما رمتُ وصفَ بديعةٍ / وقد خانني حمدٌ له ومديحُ
فيا حارِ حَدَّثني بعيشكَ ما الذي / أجرَّ لسانَ الشَّعرِ وهو فصيحُ
أمِنْ فرطِ ذاكَ الحسنِ أشفقتُ هيبةً / فأمسيتُ مِن نظمِ القريضِ أُليحُ
وما هذه الأشعارُ إلا منائحٌ / اِذا ما أردنا وصفَها وفُتُوحُ