المجموع : 3
تُجيْبُ بعثتِ الوفدَ أمّا سبيلُه
تُجيْبُ بعثتِ الوفدَ أمّا سبيلُه / فَسمحٌ وأمّا مُنتواهُ فَصالحُ
أتى في ذمامِ اللهِ يُؤتيهِ حَقَّهُ / من المالِ يَهديهِ سَناً منه وَاضِحُ
فأكرمَ مثواهم وأعلى مكانَهم / رَسولٌ لِمَنْ يَبغِي المحجَّةَ ناصِحُ
وقال لهم ما بِي إلى المالِ حاجةٌ / وَحَسْبِي من الخيراتِ ما اللَّهُ مانحُ
خذوه فردُّوهُ على فُقرائِكم / فَينعمُ مكروبٌ ويَنهضُ رازِحُ
فقالوا كفيناهم فما منهمُ امرؤٌ / له حاجةٌ تُطوى عليها الجوانِحُ
وقال أبو بكرٍ هُمُ القومُ ما رأت / كمقدِمِهم منّا العيونُ اللّوامِحُ
وسَرَّ رَسولَ اللهِ حسنُ صَنيعِهم / فما مِثلُه إذ يمدح القومَ مادحُ
فلمّا استزادُوه من الحقِّ زادهم / ولَنْ تسأمَ الحقَّ العقولُ الرواجحُ
رأَوْا مَورداً عذباً فألقوا بأنفسٍ / ظِماءٍ بها من وَقدَةِ اللُّوحِ لافحُ
فما مثلهم فيمن هَدَى اللَّهُ وارِدٌ / ولا مثله فيمن شَفى الدّاءَ نَاصِحُ
هُم اسْتأذنُوه في الإيابِ وودَّعوا / تُشيِّعُهم منه العَطايا الدَوالِحُ
بلالُ انْطَلِقْ خَلفَ الرجالِ فأعطهم / جَوائِزَهم إنّ التقيَّ لرابحُ
وَسَلْهُم أفيهم من تَأخَّرَ رِفدُه / فَيُعْطَى ويَلْقَى قَوْمَهُ وَهْوَ فارحُ
فقالوا غُلامٌ في الرحالِ مُخلَّفٌ / على وجهِهِ وَسمٌ من الخيرِ لائحُ
وجاء يقولُ القولَ بِرّاً وحِكْمةً / فوا عَجَبي أين النُّهى والقرائحُ
قَضيتَ رسولَ اللهِ حاجةَ قَومِنا / ولي حاجةٌ بالبابِ واللَّهُ فاتحُ
سَلِ اللَّهَ أن يَرْضَى فيغفرَ حَوْبَتِي / ويرحمني إنّي إلى ذاكَ طامحُ
بِهذَيْنِ فادْعُ اللَّهَ لي ثمّ بالغِنَى / غِنَى القلبِ إنّ المُعْدِمَ القلبِ طائحُ
دعا بالذي وَدَّ الفَتى وأجازَهُ / فلم يَبْقَ من حاجاتهِ ما يُطارحُ
صفا قلبُه من كلِّ شيءٍ يَشوبُه / وطابَتْ بِتقوَى الله منه الجوارحُ
وإنّ له بعد النبيِّ لَمشهداً / يَهونُ به عادٍ من الخطبِ فادحُ
سيكفي أبا بكرٍ تَقَلُّبَ قومهِ / إذا جَهِلَ الأقوامُ والجهلُ فاضحُ
همُ النَّفرُ الأخيارُ ما في رِحالِهم / شَقيٌِّ ولا ناءٍ عن الرُّشدِ جامحُ
أقاموا كِراماً ثم عادوا أعِزَّةً / لهم شرفٌ عالٍ مُقيمٌ وبارحُ
فما فاتَهم خيرٌ ولا نَالَ سَعْيَهم / من النّاسِ غادٍ في البلادِ ورائحُ
ألا إنّه الإسلامُ لا مجدَ مثله / وإن صاحَ بالبهتانِ والإفكِ صائحُ
أُغنِّي به فَلْيَطْرَبِ الدّهرُ وَلْتَدَعْ / تَطارِيبَها هذِي الطيورُ الصّوادحُ
وإنّي لأقضِي للعروبةِ حَقّها / وإن لجَّ مفتونٌ وأرجفَ كاشحُ
وماذا على الأعداءِ إن قامَ ماجدٌ / يُناضِلُ عن أحسابها ويُنافحُ
نَصبتُ لها نفسي فما لانَ جانبي / وجُلْتُ فما ضَاقتْ عليَّ المنادحُ
لك الحمدُ ربّي إنّها لكَ نعمةٌ / وإنّي لِمَا يُرضيكَ منّي لَكادِحُ
فيا ربِّ هل للشّعرِ بعدي خليفةٌ / يقوم به إن غيَّبتني الصَّفائحُ
أرى الجدّ أودى إذ أبى الجِدَّ أهلُه / فلم يَبْقَ إلا ما تَعوَّدَ مازحُ
ألحُّوا على الأخلاقِ فانقضَّ رُكْنُها / وحاقتْ بأبناءِ البلادِ الجوائحُ
سأُتبع يومَ السَّبتِ ما عِشتُ لعنةً
سأُتبع يومَ السَّبتِ ما عِشتُ لعنةً / يَطيرُ بها عادٍ من الدّهرِ ضابحُ
يَحيدُ فتلقاهُ وينأى فتنتحِي / تُدافِعهُ عمّا انتوَى وتُكافحُ
يظلُّ كذي الذّنبِ الطّريدِ انْبرت له / عصائبُ شتَّى شرُّها مُتطايحُ
إذا ما ارتمى في الأرضِ ضاقت فِجاجُها / وعضَّت عليه سُبلُها والمنادِحُ
هو اليومُ يومُ الشُّؤمِ ضَجَّ نذيرهُ / ومرَّ به طيرٌ من النّحسِ بارحُ
رمَى مصرَ بالنّكباءِ وانْسابَ ناجياً / كما انسابَ عِفريتٌ من الجنِّ جامحُ
فيا لكَ من رامٍ عنيفٍ وهَدَّةٍ / هي الموتُ إلا ما تبجَّح مازحُ
يقولون نُوّابٌ ودارُ نِيابةٍ / ومُلكٌ ودستورٌ من الحقِّ واضحُ
وحُكّامُ عدلٍ شائعٍ ووزارةٌ / هي الشّعبُ أو رُوحٌ من الشّعبِ صالحُ
وساوسُ أقوامٍ مهاذيرَ ما لهم / من الرأي هادٍ أو من اللُّبِّ ناصحُ
يُنادون باستقلالِ مصرَ ودولةٍ / من الوهمِ لم يَبْلُغْ بها السَّمع صائحُ
كأنّ الأُلى جاءوا بها جاوزوا المَدى / كأن الذي لا يَقبلُ الزُّورَ كاشحُ
كأنّ نُفوسَ القومِ سَكْرَى كأنّها / خَيالٌ تُناجيه النُّهى والقرائحُ
كأنّ الذي يشدو بمكروهِ ذكرهِا / وذكرِ الأُلى غشّوا بها الشّعب نائحُ
أُسائلُ نفسي وَهْيَ وَلَهى من الأسى / أرائكُ مُلكٍ ما أرى أم مَذابحُ
ألا إنّه يومٌ عصيبٌ وموقفٌ / رهيبٌ وخطبٌ للكنانةِ فادحُ
فلا مرحباً بالسّبتِ إن حانِ حينُه / فذلك يومٌ أغبرُ الوجهِ كالحُ
تُسألني الأيّامُ عُذراً ولا رضىً / ولا عُذرَ حتّى يمسحَ السّبتَ ماسحُ
جزى الله سعداً إنّها شهواته / طغت ريحُها فالشرُّ غادٍ ورائحُ
أباح حِمَى مصرٍ وسودانِها معاً / فأمعنَ مُغتالٌ وأوغلَ طامحُ
يُسامِحُ أعداءَ البلادِ ويعتدِي / على قوْمِه شرُّ الحُماةِ المُسامِحُ
هو الركب غاديهِ سلامٌ ورائحُهْ
هو الركب غاديهِ سلامٌ ورائحُهْ / تبلّجَ يُغشِي ناظِرَ الشّمسِ واضِحُهْ
إذا السُّبلُ ضاقت عن سواه فلم يَسِرْ / تَنقَّل شتّى في القلوبِ مَنادِحُهْ
هو الركبُ فيه من سَنا الحقِّ لمحةٌ / تَجمَّع ساري النّورِ فيها وسابِحُهْ
تطلَّعَ ملءَ الدهرِ والدّهرُ كلُّه / لِسانٌ يُحيّيهِ وكفٌّ تُصافِحُهْ
حَللتَ أبا الأشبالِ منّا بأنفسٍ / عناها من الشّوقِ المُبرِّحِ لافِحُهْ
فأبلغتها رِيَّ الصَّدَى ومنحتَها / من البِرِّ والمعروفِ ما أنت مانِحُهْ
أياديك ذِكرٌ للكنانةِ صاعدٌ / ومجدٌ يُبارِي همّةَ النّجمِ طامِحُهْ
بعثتَ بها عصرَ الحضارة مُونقاً / تطيبُ مَجانيه وتذكو نوافِحُهْ
وأدنيتَ من آمالهِا الغُرِّ ما لوى / يَدَ الدّهرِ جافيه وأعياهُ نازِحُهْ
إذا رُحتَ تَستقصِي مطالبها العُلى / عنا المطلبُ الجبّارُ وانْقادَ جَامِحُهْ
فَتحتَ لها بابَ الحياةِ فأقبلتْ / وأقبلَ طيرُ اليُمنِ يَنهالُ سانِحُهْ
وما عَرفَ الأقوامُ باباً يَسُرُّهم / من الخير إلا في يَدَيْكَ مَفاتِحُهْ
سَنَنْتَ لِشعبِ النّيلِ سُنَّةَ ناهضٍ / بَعيدِ مَدَى الآمالِ شَتَّى مَطارِحُهْ
وأَرشدتَهُ تَبغِي له الجِدَّ خُطَّةً / فأمسكَ غاويهِ وأقصرَ مازِحُهْ
تَعلَّمَ مِنكَ السَّعْيَ لا يَعرفُ الوَنَى / فما ارْتَدَّ ساعيهِ ولا كفَّ كادِحُهْ
يظلُّ أمامَ الدَّهرِ والدَّهرُ ثائرٌ / يُدافِعُه عن حَقِّهِ ويُكافِحُهْ
ولن يَستطيعَ الشّعبُ مَجداً ورفعةً / إذا نامَ بانيهِ وعَرْبَد صائِحُهْ
بَنَيْتَ فأحسنتَ البناءَ وإنّه / لَباقٍ على مَرِّ الحوادثِ صَالِحُهْ
دمنهورُ من جَداوكَ مُشرِقةُ السَّنا / ويومُكَ فيها كابرُ الشّأنِ راجحُهْ
طلعَت عليها غُدوةَ السّبتِ كوكباً / تُغاديهِ أسرابُ المُنَى وتُراوِحُهْ
ففي كلِّ سبتٍ من مثالِكَ طائِفٌ / يَشوقُ بها شعباً ظِماءً جَوانِحُهْ
تَلقّاكَ بالإِجلالِ يُصفيكَ وُدَّهُ / وغَرّدَ يقضي حقَّ نُعماك صادِحُهْ
أرى الطيرَ في واديكَ شَتَّى ضرُوبُهُ / وما يستوِي شاديهِ يوماً ونائِحُهْ
مَدحتُكَ إنّ الجاعِلَ المجدَ هَمَّهُ / لَيُكرَمُ مُطرِيهِ ويُحْمَدُ مادِحُهْ
أَلَسْتَ الذي خَفَّفْتَ عن شعبِكَ الأَذى / وأدركتَه والخطبُ يشتدُّ فادِحُهْ
وأَرسلتَهُ مِلءَ الزّمانِ مُغامِراً / وكان صريعاً ما يُواتيك رازِحُهْ
ثَوَى زمناً يشكو الجراحَ فلم تَزَلْ / تُداويه حتّى ارتدَّ يَشكوهُ جَارِحُهْ
ولن يُخطِئَ الشّعبُ السَبيلَ إلى العُلا / سبيلُكَ هاديهِ ورأيُكَ ناصِحُهْ
تَقدَّمَ يبني المجدَ شتّى وُجُوهُه / فِساحاً مَناحِيه سِماحاً مَسارِحُهْ
فلم يَبْقَ ما يخشى عليه صديقُهُ / ولم يبقَ ما يشفي به الغَيْظَ كاشِحُهْ