أَحَدّ لِسَانَ الشُّكْرِ جلْبُ المنائِح
أَحَدّ لِسَانَ الشُّكْرِ جلْبُ المنائِح / فَلا غرْوَ أنْ غارَتْ عيون المَدَائِح
وَمَا هُوَ إلا الجُودُ رَبَّ صَنِيعه / فَأَرْبَى عَلى شُمِّ الأماني الطّوائِح
وَما هُو إلا المَجْدُ عبّ عُبابُه / فَأَزرَى بِتَيّار البِحَارِ الطَوافِح
أفَانينُ آلاء وَشَتّى عَوارِفٍ / بواسِم أَثناء الخُطوب الكَوالِح
أرَمّ لدَيْها هيْبةً كلُّ مادِح / وَأقْصرَ عَجزاً دُونَها كُلُّ مانِح
تَروحُ وتَغْدُو بِالحَياةِ وَرَوْحها / فَقُلْ في غَوادٍ بِالحياةِ رَوائِح
فَمِنْ بدرٍ ضعْفِ النجوم اللوائِح / ومِنْ خِلَع مِلْء العُيونِ اللّوامِح
صَرَفْتُ بِها وَهي الدّواني قُطوفُها / عَلائِقَ شَوْقٍ لِلدّيَارِ النّوازِح
وَرَاجَعت بالبُشْرى نُفُوساً عَهدَتها / مُخَاطَبَةً مِن عطفِها بِمفَاتِح
وقُلْتُ لأبنائي وَقَد نُبّئوا التي / ثَنَتْهُم ثناءً بينَ شادٍ وَمادِح
أسِرُّوا دُعاء للأميرِ وأعْلِنوا / وَلاءً عَلى نَهج من الشكر واضِح
فَهَذا رِضاهُ المُجتَلى غَير غامِضٍ / وَهَذا نَداهُ المُجتَنى غَير نازِح
عَوائِدُ مَنْصورِ الإمامَة رَحْمَةٌ / فَغَيْثٌ لِظَمآنٍ وَغَوْثٌ لِطائِح
أبُوحُ لِذِكراها ازدِلافاً لَدَيْهِما / وَما أَنا في شَيءٍ سِواها بِبائِح
وللّهِ فَوْزي مِن أمَانِيّ بالتِي / تَوشَّحَت فيها عزْم شَيحانَ شائِح
أَوَيْتُ إِلى دارِ الإمارَةِ أجْتَلِي / مَطالِعَ نُور لِلهِدايَة لائِح
وثُبْتُ إِلى سُلْطانِها مُتَوَسِّلاً / إلَيها بِها لا أَمْتَري في المَناجِح
على ثِقَةٍ مِن عَطفِها وقَبولِها / نَصيحَةَ كافٍ أو كِفايَة ناصِح
لأكْرَعَ مِن صفْوِ المَنَابِعِ فائِضٍ / وأرْتَعَ في نَضْرِ المَنابِتِ فائِح
فَصافَحتُ بالتَقبيلِ راحَةَ واهِبٍ / وَحَيّيْتُ بالتأميلِ صَفْحَة صافِح
وَلاقَيتُ لِلأَعلاقِ أجْود مانِحٍ / يَميناً وَللأغْلاق أسْعدَ فاتِح
وما راعَني إلا اكتِنافُ أمانِهِ / يُكافِحُ بَأساءَ الزَمانِ المُكافِح
وَقد أَسْأَرت مِنِّي مُساوَرَةُ الرّدَى / حَريبَ حُروبٍ مُغْنِماتٍ لواقِح
ألمَّت بِسيل للمَواطنِ جارفٍ / وعمّتْ بِوَيْل للبَواطنِ جَارِح
عَلَى حينَ دارَتْ بِالمَنايا كُؤُوسُها / فَمِنْ بَيْن مَصْبوح هُناكَ وصابِح
يُحَدِّثُ مِنْ أحْداثِها بِغَرائِب / لَها نِسْبَةٌ مَعروفَةٌ في الصَّحائِح
صَغَا لِلمَعالي مِنهُ عائِلُ صِبْيَةٍ / حَشَايَاهُمُ طَيَّ الحَشا والجَوانِح
يُصابِرُ ضَراء النّوائبِ والنّوى / وتَطوي علَيها الكَشْحَ خِيفةَ كاشِح
قَواريرُ لم يرْبَأ بِها البَحرُ سابِقاً / ولا ذادَ عَنها البَرُّ حَملَ الفوادِح
تكادُ عليها النّفْسُ تذهبُ حسرَةً / إِذا لَمَحتْها العَينُ وَسطَ الضَحاضِح
جَلاها لأبْصارِ الأَعادي جَلاؤُها / ظَواعِنَ عَنْ تِلك الرُّبى والأباطِح
فَلَوْ لَفَحَتْ أنْفاسُها زَهَراتِها / لَما نَسَمَتْ منها الرّياحُ بنافِح
كأنَّ حَماماً هادِلاً في خُدورِها / ولا نُطْقَ إلا بالدُّموعِ السَوافِح
وأشْرَقُ ما تَبدو عُيونا إذا بَدا / سنَا بارقٍ مِنْ جانِبِ الشّرقِ لامِح
وَما عَبَرَت إِلا أخا عبراتِها / غَداة جِراحِ البينِ مِلء الجَوارِح
وإنَّ اغْتِرابَ المَرْءِ صُغْرٌ نَبا بِه / فَعَاسِر عَليها خُطّةً أو فَسامِح
يحِنُّ جَناني رِقَّةً لأجِنّةٍ / ثَوَتْ في بُطونِ المُنْشَآتِ السَوابِح
وتُطوى عَلى نارِ التلهبِ أَضْلُعي / وَحامِي الجَوى مِن حائِماتِ الجَوانِح
مُتاحٌ مِن الأقْدارِ مَزَّقَ شَمْلها / بِكَسْحٍ مُغير أو إغارَة كاسِح
وخَافٍ من الألْطافِ أبْرَزها إِلى / مَنَاحٍ تَلافَتْ صَدْعَهَا وَمنائِح
بَرَدْنَ الصّدى لمّا ورَدن من النَّدى / علَى سَائِغ يُنْبُوعُهُ العدُّ سائِح
وَهَوَّنَتِ الجُلّى عَلَيها دَقائِقٌ / مِن اللحظِ أَعْيا بَعضُها كُلّ شارِح
أَلا حَبَّذا فُلْكٌ مَواخرُ زَاحَمَتْ / غَوارِبَ طامٍ لا يُنَهْنَهُ طامِح
جرَتْ فوقَ موْجٍ كالجِبالِ تَناوَحَتْ / فكيفَ نَجتْ مِن نَوْحِها المُتَناوِح
تَؤُمُّ إِماماً لم تَزل بِسُعودِهِ / تَسيرُ بِنا سَيْرَ النّواجي النّواجِح
مُلاقِيَةً في يَمِّها يُمْن أمنِها / بآيةِ إذْعانِ الصِّعاب الجَوامِح
وقَد حَكَم الإصفاقَ أنّ اقتِحامَها / إليهِ غِمارَ المَوتِ صَفقةُ رابِح
وَمَنْ يرْجُ يَحيى المُرْتَضَى لِحَيَاتِه / يَنَلْها على رَغْمِ الليالي الشّحائِح
فَبَرْقُ النّدى مِنهُ بِغُرّة ضاحِكٍ / وَزَنْد الوَغى مِنْهُ برَاحَة قادِح
إمَامُ هُدىً تَقْفو الأئِمةُ نَهْجَه / فَيَأتَمُّ مِنْهُمْ صالِحونَ بِصالِح
وَتَغْزو إذا يغْزو النجومُ عُداتَه / فمن رامحٍ يَقضي عَلَيها وذابِح
رَحيبٌ رَحيمٌ صَدْرُهُ وَجَنَابُه / وَقَد حَرَجتْ ضِيقاً صُدورُ المَنادِح
مِنَ المَلأ الأعْلَى تَذلُّ لعِزّه / وَتَخضَعُ أعْنَاقُ المُلوكِ الجَحَاجِح
ومِنْ ذَرْوَة البَيْتِ العَتيقِ بِنَاؤُه / عَلَى شَرَفٍ للنّيراتِ مُنَاطِح
أجَابَ أبو حَفْصٍ مُهيباً بهِ إِلى / بِناء المَعالي واقتِناء المَمَادِح
هُوَ المَلْك لا تَرْقَى المُلوكُ مَكانَه / وأينَ مِن الإصباحِ ضَوْءُ المَصابِح
شَأى كَيفَ شاءَ السابِقِينَ إِلى العُلا / وغَذُّ المَذاكِي غَيرُ سَير النَواضِح
مُوَطّأُ دارِ العَدْلِ فَهَّمَتِ العِدى / مَغازِيهِ مَعنَى الصّيْدِ قَبْلَ الذّبائِح
إِذا لَم يَبِنْ سِرُّ السّماحِ وَفَتْ به / أساريرُ وَجْهٍ لِلغَزالَةِ فاضِح
وطُولُ يَدٍ طُوْلى يسحّ حِباؤُها / كَما سحّ ثجّاجُ السحابِ الدّوالِح
لَه عادَتَا جُودٍ وبأسٍ أعادَتَا / عَلَى الدّين والدُّنيا نِظَام المَصالِح
يَجد رِقاعَ المالِ سِلْماً ويَنثَني / لِحَطْم القَنا حَرْباً وفلّ الصّفائِح
ومِن كَرَمٍ إصْغَاؤُه واهتِزَازُه / لِما يَعْتَفيه من بَنَاتِ القَرائِح
وما الرّاسِخاتُ الشّامِخاتُ أنوفها / بِأرْجحَ وَزْناً منْ نُهاه الرّواجِح
سَمَا بيَ إِحضارٌ لِحَضْرَتِه التي / زَجَرْتُ إلَيها سانِحاً بَعْدَ سانِح
ولَم أعتَمد إلا حِمَاه أُعِدُّهُ / عِتاداً لدَهْرٍ جانفٍ غير جانِح
وعِندِي ثَنَاءٌ عَن أياديهِ قاصِرٌ / ولكِنّه جَهْدُ الشّكُور المُنَاصِح
أُطَارحُهُ حَتى الحَمَامَ بَدَوْحِهِ / وأشْدُو بِه شَدْوَ الحَمَامِ المُطارِح