ألا مَن عذيرِي من جوىً في الجوانحِ
ألا مَن عذيرِي من جوىً في الجوانحِ / ومن دَمْعِ عينٍ بالسَّرائرِ بائحِ
ومنِ لائمٍ يَسْعَى بكأسِ ملامة / على الصَّبِّ منه غابِقٌ بعدَ صابح
ومِن مَوْقفٍ يومَ الوَداعِ وقَفْتُه / وقد هاجَ أشجانَ القلوبِ الجَرائح
فقلتُ وقد زمُّوا المطايا عَشيةً / وقد جَرَّحَتْ أيدي الفِراقِ جَوارحي
دَمُ القلبِ في عيني وتَسْخو بمائها / فقُلْ في إناءٍ لا بما فيهِ راشح
ولكنْ عَذّرْتُ العَينَ مِمَّا أَتتْ به / وقالتْ وبعضُ القولِ أوضَحُ واضح
هُمُ أودعوني الدُّرَّ يومَ رحيلِهم / وقد ثارَ في بحرٍ من الوَجْدِ طافح
إليَّ مِنَ الأذْنِ ارتَمى فَخَزَنْتُه / من العِزِّ في الآماقِ خَزْنَ الشَّحائح
فما أنا في ما استَودَعوني بخائنٍ / ولو ذُبْتُ من نيرانِ وجْدٍ لَوافح
تَقبّلتُ درّاً من سِرارِ حَديِثهمِ / فأدَّيتُ دُرّاً من دُموعي السَّوافح
سِرارُ نوىً عندي ودّدْتُ على النوى / ودائعَه رَدّ الأمينِ المُناصح
ولولاهُ جادَ العينُ مِنّي بَعْبرةٍ / تُخَضِّبُ أطرافَ البّنانِ المَواسح
سلَوتُ الصِّبا لولا بُكاءُ حَمائمٍ / على فُرقةِ الأُلافِ صُبحاً نوائح
لَبِسْنَ حِداداً ثمّ مَزَّقْنَهُ سوى / مَزَرَّ جيوب في طُلاها طَرائح
وأنشَدنَ من شِعرِ الحمَامِ قصائداً / رَواها قديماً صادِحٌ بعد صادح
فِراقيَّةٌ أضحَى مُكَرَّرُ صَوتِها / لإلْفٍ قديمٍ وَدَّعَ الإلْفَ طائح
وتَشكو الذي أشكو فأبكيِ مُساعِداً / وتَبكِي بلا ماءٍ من العينِ سافِح
وتَحْذَرُ من زُرقٍ جَوارِحَ تُتَّقى / لِرامٍ ومِن خَطْفاتِ زُرْقِ الجَوارح
تُعاني خُطوباً وهي مِثْلي مُردِّدٌ / حَنيناً إلى يومٍ كما اعتادَ صالح
يَرومُ صِغارُ النّاسِ شَأوِيَ بعدَ ما / شأوْتُ كِباراً من سَراةٍ جَحاجِح
وكيف ولم تُذْمَمْ عُهودُ شَيبتي / يُرجَّى سِقاطي بعد شَيْبِ المَسائح
وحاشايَ أن تَغْدو مِراضاً عزائمي / نتَائجُ أفكارٍ بدَتْ لي صَحائح
وأصبح ليلُ الشعْرمنّي مُفتِّحاً / لأبصار صدْقٍ من قُلوب فَوائح
لِيَفْرُقَ ما بينَ السَّوائحِ ناظري / وقد طَلَعتْ شَمْسي وبينَ البوارح
عَجِبْتُ لقومٍ عَرَّفَتْني تَجارِبي / بما كان عنهم خَبَّرتنْي قَرائحي
ومُنتَحِلٍ قد رَدَّ قَولِي بعَيْنِه / مُعاداً كما رَدَّ الصَّدى صَوتَ صائح
وما للقريضِ اليومَ من فَضْل قِيمةٍ / فيُوجِبُ قَطْعَ السّارقِ المُتَواقح
أرىَ اليومَ مَدّاحَ اللّئامِ بَمْدحِهم / كَمُستَنْبح يَرجو إجابَةَ نابِح
ولولا دَواعي نِسبةٍ عربيّةٍ / وإلْفٍ لنَظْمِ الرائقاتِ الفَصائح
إذنْ لأنفْتُ اليومَ من قولِ فَقْرةٍ / وإن كَثُرتْ شكْوى الهمومِ الفوادح
أغالبُ صَرْفَ الدّهرِ والدّهرُ غالبٌ / وكم دائرٍ في لُجّةِ البحرِ سابح
ولولا زمانٌ أزمنَتْني صُروفُه / لقد كنتُ في الآفاقِ شَتَى المَنادح
ومَولىً بدا منه تَجافٍ فَرابَني / وعَهْدِي به فوقَ المُجافي الثُلح
عَلِمْتُ بلا فِعْلٍ بدا منه عَتْبَهُ / ولا طَرْحِ قولٍ من مُجِدٍ ومازح
ولكنْ يَعودُ الدّهر حَوْليَ بعدما / مضَى زَمَنٌ والدْهرُ فيه مصالحي
وما الدّهرُ إلا عَبْدُه فَلَقِيتُه / غدا يتَلقاني بَطلْعةِ كالح
فإن يكُ حَقَّاً ما ظَنَنْتُ منَ الذي / تَصّورَ في فَهْمٍ لمولايَ سانح
وأقسَمْتُ بالبَيتِ المُشَّرفِ رُكْنُه / فمِن لاثمٍ يَهْوي إليه وما سح
ومَن حَجَّهُ من شَرْقِ أرضٍ وغَرْبِها / على ضُمرٍ خُوصِ العيونِ طَلائح
لمَا كان في قُرْبٍ من الدّار أو نَوىً / فؤادي إلى تَغْييرِ عَهْدٍ بجانح
فلا يُصْغِ ذو حُكْمٍ إلى قولِ ناصحٍ / له باغْتيابِ الأفضلِينَ مَطارح
وواشٍ يُقَضّي بالوِشايةِ عُمْرَهُ / إذا هو يوماً لم يُغادِ يُراوح
وكم خامِلٍ لا يَهْتدي لنباهةٍ / بغَيْرِ وقُوعٍ منه في عِرْضِ راجح
وقومٍ أقامَ الغِلُّ لي في صُدورِهم / فما هو عنها ما حَييِتُ بِبارح
لنَفْسي اصطنَعْتُ القومَ حتَّى إذا حَوَوا / بيَ السُؤلَ جازَوْني جَزاءَ التَماسح
وأعرَفُ من نَفْسي بنَفْسي لن تَرَى / إذا رُمْتَ كَشْفاً عن عُيونِ القَوادح
فَدُونَك من نَفْسي عُيونَك فاستَمعْ / لِمخْتَصرٍ ما عنده غيرِ شارح
فما أنا إن لم تَدْنُ منّي بداخلٍ / مُماسٍ نفاقاً باللّقاءِ مُصابح
ولا كاتبٍ إن غِبْتُ عن غيرِ حاجةٍ / وأُجرِيَ مُجْرىَ ألكَنٍ مُتفاصح
ولا مُدَّعٍ ما ليس فيَّ تَشَيُّعاً / ففَضْليَ في أمثالهِ غيرُ ماسح
ولكنْ وَلاءٌ في الطَوّيةِ خالصٌ / ونَشْرُ ثناءٍ كاللطيةِ فائح
وعَهْدٌ كما يَزدادُ طولَ تَقادُمٍ / يَزيدُ لها في الراحِ طِيبَ روائح
ونَظْم قوافٍ في كرامٍ كأنَّها / عقودُ لآلٍ في طُلىً من طَلائح
فمَن ذا الذي يَلْقَى مَعانيَّ هذه / ولا يَتمّنى سَعْيَه لِمَصالحي
أبَى اللهُ إلا أنْ يكونَ تَدارُكي / بَمولىً إلى العلياءِ سامِي المَطامح
على يَدهِ العلياء حُسْنَ خَواتمي / يكونُ كما قد كان حُسْن فواتحي
وما هو إلا ناصحُ الدّينِ إنَّه / بإنعامِه قِدْماً عَهِدْتُ مَناجِحي
أخو كرمٍ عَذْبِ المَشارِع في الندى / إذا أمَّه الرّاجي أسْنَى المَفاتح
له قَلَمٌ سِيانِ سُودُ صحائف / يُسَطِرُها وقْعاً وبيِضُ صفائح
بَكَفّ شجاعٍ سافحٍ لدَمِ العِدا / وعن جُرْمِ ذي وُدٍّ وإن جَلَّ صافح
هُمامٍ لأسرارِ العبادِ مُروِّحٍ / وبين الندى والبأسِ حَزْماً مُراوح
سَعَى للعلا والأفْقُ حَول رِكابِه / بأعَزلَ يَسعَى من نُجومٍ ورامِح
كأنّ الثُريّا استأمَنتْ لجنُودِها / فقد بسَطَتْ للعهدِ كفَّ مُصالح
لناصحِ دينِ اللهِ بَشّر ناظري / تَلاءْ لُؤُ بشْرٍ من مُحَيّاهُ لائح
وناصحُ دينِ اللهِ ما زال قلبُه / بشأنيَ مَعْيناً جَزيلَ المَنائح
ولكن كَفاني الدَّهرَ من قلبِ ناصحٍ / وإن كَثُرَتْ آولاؤه قَلْبُ ناصح
ومَن يك بحراً يَغْمُرُ الأرضَ فَيْضُه / فما عُذره ألا يَجَودَ بسابح
خصوصاً وعن إدارِيَ اختَرْتَ حُسنْهُ / فماذا عليه لو غدا وهْو ما نحى
وفي إثْرِهِ منّي على القُرْبِ والنّوى / ثناءً كأنفاسِ الرّياضِ النّوافح
ومَدْحٌ بَديعٌ والمنائحُ طالما / غدَتْ وهْيَ أثمانٌ لغُرِّ المَدائح
وسائرُ شُكْرٍ يَعْبَقُ الأرضَ نَشْره / إذا سارَ غادٍ منه في إثْرِ رائح
فلِي فرسا فاطْرَحْ ولاعِبْ تَغالُبا / إذالَ على كُثْرٍ إذن من مدائحي
فلو فَرسَيْن اثنَيْنِ عن حاتمِ الندى / تَشفَّع إن لاعْبتُه لِعْبَ طارح
قَمَرْتُ النُّهى عنه ولم يَبْقَ في الورى / بجُودٍ له ذِكْرٌ بعيدُ المَطارح
وما هي بِكْراً من هِباتِك أبتَغِي / فكم لِيَ من مُهْرٍ وهَبْت وقارح
عسى فرسٌ أسِري إلى فارسٍ به / وأنت إذا استُسمِحْتَ أسْمحُ سامح
فتَسمَعُ شُكْري ثَمّ عندَ مُلوكِها / وما شُكْرُ دانٍ مُشْبِهاً شُكْرُ نازح
سأنَشُر في الآفاقِ عنك مدائحاً / مَحاسِنُ قومٍ عندَها كالمقابح
فزلْزالُ أرضِ الحاسِديَن مُجَدَّدٌ / إذا جُدْتَ لي بالعادياتِ الضَوابح
فهَبْ ليَ طِرْفاً يَسبِقُ الطَرْفَ إن جرَى / كإيماضِ إحْدَى البارقاتِ اللّوائح
مُطيعُ هوىً مُجريهِ ليس بناكصٍ / حَرونٍ ولا طاغٍ منَ الخيلِ جامح
كريمٌ من الأفراسِ لا يَدُ سائطٍ / تُعاني له ضَرباً ولا يَدُ كابح
يُهَمْلِجُ مثلَ الماء خَطْواً إذا مشَى / وذو سُنْبُكٍ في الصّخْرِ للنّارِ قادح
أغَرُّ من الدُهْمِ الجِيادِ مُحَجَّلٌ / كلَيْلٍ جَلتْه خَمسةٌ من مَصابح
وأشْهَبُ يُغْني عن حُجولٍ وغُرَّةٍ / غِنَى عُرْفِكَ المعروفِ عنَ مَدْحِ مادح
وأيُّ شيِاتِ الخيلِ حَلْىٌ مُزايَلٌ / إذا ما عدا بَعضُ العتاقِ الصَّحائح
فَصِيّرْ سِواراً في يَساري عِنانَه / أُبادِرْ به قَطْعَ الفلا والصّحاصِح
لأبْرَحَ من أرضٍ سَئِمْتُ إقامتي / بها قبلَ هَبّاتِ الرّياحِ البَوارح
فما لِي إلى نَيْلِ العُلا من وَسيلةٍ / سوى وَطء أجبالٍ ووَطْءِ أباطِح
فيا صَدْرُ بل يا بَحْرُ لا زلْتَ زاخراً / بِحارُ البرايا عندَه كالضّحاضِح
فما كُلّ بَحْرٍ لّلآلِي بلافِظٍ / ولا كُلَّ صَدْرٍ للصُّدورِ بِشارح
لقد عَدَلَ الدّهرُ الذي فيكَ جائرٌ / وعاد لَعْمرِي آسِياً غيرَ جارح
إذا قَسّمتْ حُسّادَ علياك كَفُّه / وأعداؤها بينَ الجَوى والجَوانح
فلا زلتَ ذا قلبٍ من الأنْسِ آهِل / ولا زلْتَ ذا طَرْفٍ من العزِّ طافح
مَدى الدَّهْرِ مَحْسوداً له كُل وامقٍ / وَلِيَ ومَحسْوداً بهِ كلُّ كاشح
وفي ثَوْبِ عُمْرٍ يَسْحَبُ الدّهْرَ ذَيْلَه / من المُلْكِ سَحْباً في عِراصٍ فَسائح