المجموع : 4
سَلِ الجِزْعَ أينَ المنزلُ المتنازحُ
سَلِ الجِزْعَ أينَ المنزلُ المتنازحُ / وهل سَكَنٌ غادٍ من الدّار رائحُ
وَقَد كنتُ قَبل البينِ أَكتتمُ الهوى / فباح به دمعٌ من العين سافحُ
يَجود وَإِنْ أَزرى وأنَّبَ ناصحٌ / ويهمِي وإنْ أغرى وألّبَ كاشحُ
ألا إنّ يوماً نلتُ فيه مُنى الهوى / برغم العدى يومٌ لَعَمْركَ صالحُ
ولمّا تلاقينا بشِعْبِ مُغَمِّسٍ / على شَرَفٍ فيه الوكورُ الجوارحُ
خَلَطنا نُفوساً بالنفوسِ صبابةً / وَضاق اِعتناقٌ بيننا وتصافحُ
وليلةَ أضْللنا الطّريقَ إليكُمُ / فَلم يهدِ إلّا العنبرُ المتفاوحُ
وَإلّا سَقيطُ الدرّ زعزع سِلكَهُ / غُصونٌ تثنّيها الرّياحُ النّوافحُ
فإِنْ لم يُشَافِهنا بكمْ أبطَحُ الحِمى / فلا سُقيتْ ماءَ السّحاب الأباطحُ
وإنْ لم تكنْ تلك المسارحُ مُلتقىً / لأهل الهوى فلا عَمِرْن المسارحُ
يضَنّونَ بالجدوى عليَّ وإنّني / لأمنحهُم مِن خيرِ ما أنا مانحُ
وَمن قبلُ شَاقَتنِي وَنَحنُ عَلى مِنى / حمائمُ من فرعِ الأراكِ صوادحُ
ينُحْنَ ولم يُضمِرْنَ شجواً وإنّما / شَجىً وَاِشتِياقاً ما تنوحُ النّوائحُ
فللهِ يَومُ الحُزْنِ حين تطلّعت / لنا من نواحيهِ العيونُ الملائحُ
شَبَبْن الهوى فينا وهنّ سوالِمٌ / وغادرننا مَرْضى وهنّ صحائِحُ
أمِنْ بعد أنْ دُسْتُ الثّريَّا بأَخمصي / وطأطأ عنِّي الأبلخُ المتطامحُ
تَرومين أَنْ أَغنى بِدارِ دناءَةٍ / ولِي عن مقامِ الأدنياءِ منادِحُ
وَقد عَلمتْ أحباءُ فِهْرِ بن مالكٍ / بأنِّيَ عن تلك العَضائِهِ نازحُ
وأنَّيَ لا أدنو من الرّيبةِ الّتي / تسامحُ فيها نفسُه من تسامحُ
وأنِّيَ لا أرضى بتعريضِ معشرٍ / يُذعذِعُ عِرْضِي قولُهُ وهو مازِحُ
يَحُزّ فلا يدرِي لمن هو جارحٌ / ويقدح لا يدرِي بما هو قادحُ
وما غرّنِي من مومضٍ فيَّ مِدْحَةً / وَما غَرّت الأقوامَ إلّا المَدائحُ
وَلَولا فَخارُ الملكِ ما كنتُ ثاوياً / وَرَحلي عَلى ظهرِ المطيّةِ بارحُ
وَلا طالعاً إِلّا مخارمَ لم يكنْ / ليطلعها إلّا الشّجاعُ المُشايحُ
وقلْقَلَها رُكبانُها نحو بابِه / كما طاح من أعلامِ ثَهْلانَ طائحُ
إِذا ما بَلغناه فَقل لمطيِّنا / حرامٌ على أخفافكُنَّ الصّحاصِحُ
أنِخْنَ بمنْ لا نبتغِي بَدَلاً بهِ / فما ضرّ شيئاً أنّكنَّ طَلائحُ
بحيثُ الجفانُ الغُرُّ تُفْهَقُ للقِرى / ملاءً وميزانُ العطيّةِ راجحُ
إِلى ملكٍ لا يأْلَفُ الهَزْلَ جدُّهُ / ولا تُضمرُ الفحشاءَ منه الجوانحُ
وَقورٌ وأحلامُ الأنامِ طوائشٌ / وَيبدِي اِبتِساماً والوجوه كوالحُ
سَقى اللَّه أيّاماً لَنا في ظِلالِهِ / فَهُنّ لأظلامِ الزّمانِ مصابحُ
ليالِيَ تنهَلُّ الأَمانيُّ حُفَّلاً / عَلينا كَما اِنهلّتْ غيومٌ طوافحُ
وَلَمّا تَناهبنا الثّناءَ بفضلِهِ / وجاشتْ بما تولِي يداهُ القرائحُ
ثناءً كنشرِ المندلِيِّ تعبّقتْ / بهِ في اِبتِلاجِ الصّبحِ هوجٌ بوارحُ
تَقاصر عن علياءِ مَجدك قائلٌ / وَقصّر عن إتيانِ حقّك مادحُ
وَمَن كَتم النُّعْمى عن النّاس راجياً / تناسِيَها نمّتْ عليه المنائحُ
وَقد عَلِموا لَمّا عرا الملكَ داؤهُ / وَلا مَنهجٌ يَشفِي من الدّاءِ واضحُ
بِأنّك عَن ساحاتِه الدّاءَ طاردٌ / وَأَنّك عَن أكتادِه الثِّقْلَ طارحُ
وَما شَعروا حتّى صَبَحْتَ دِيارَهُمْ / بِمَلمومَةٍ فيها القنا والصّفائحُ
وَجُردٍ تَهاوى كالقِداحِ أجالَهَا / على عَجَلٍ يبغِي الغِلابَ مُرابحُ
فَما رمْتَ حتّى الطّيرُ تعترِقُ الطُّلى / وَحتّى جَبينُ التُّربِ بالدّمِ راشحُ
وكَم لكَ من يومٍ له أَنت حاقرٌ / وَفي مثلِهِ نُجْحٌ لو اِنّك ناجحُ
أتيتَ بِهِ عَفواً مراراً ولم يَطُرْ / سِواك بهِ في عمرهِ وهوَ كادحُ
وَما أَنا إلّا من مَدَدْتَ بِضَبْعِهِ / إلى حيثُ لا ترنو العيونُ الطّوامحُ
أَروحُ وأَغدو كلّ يومٍ وليلةٍ / وظَهْرِيَ من أعباءِ سَيْبِكَ دالحُ
أَأنساك تُدنيني إلى الجانِبِ الّذي / نصيبيَ فيهِ من عطائك رابحُ
وَتوسِعُ لي في مَشهدِ القومِ موضعاً / تضيق بهِ مِنهمْ صدورٌ فسائحُ
فَما أَنا إلّا في رِياضك راتعٌ / وَلا أَنا إِلّا مِن زنادكَ قادحُ
هَنيئاً بِيَومِ المِهْرَجانِ فإنّهُ / وَكلَّ زَمانٍ نَحوَ فَخرك طامحُ
تَعِزُّ بكَ الأيّامُ وهيَ ذَليلةٌ / وَتَسخو اللّيالي منك وهْيَ شحائحُ
فَهذا أَوانٌ مِيسمُ اليُمْنِ بَيِّنٌ / عَليهِ وعُنوانُ السعادةِ لائحُ
وَلا زِلتَ تَستقرِي الزّمانَ وأهلَهُ / لَكَ الخلدُ فيهِ وَالمَدى المتطاوحُ
رَأَيتكَ لا تَرعى حُقوقي ولم تُصخْ
رَأَيتكَ لا تَرعى حُقوقي ولم تُصخْ / إلى القول منّي حيثما أنا ناصحُ
فجهرُك لي مُرْضٍ وسرُّك مُسخِطٌ / ووجهك بسّامٌ وقلبك كالحُ
ووُدُّكَ لي إمّا سرابٌ بِقِيعَةٍ / وإلّا فبرقٌ خُلَّبُ الوَمْضِ لائحُ
وإلّا هشيمٌ في فضاءٍ تكدُّهُ / محكّمَةٌ فيه الرّياحُ البوارحُ
وَما ليَ منكَ اليومَ إلّا أَظافرٌ / حِدادٌ وأنيابٌ بجلدِي جوارحُ
تُمزّقني عَمْداً كأنّكَ مخطئ / وَتَقذِفني جِدّاً كأنّكَ مازحُ
فما ماءُ مُزْنٍ بات جَفْنَ سحابةٍ
فما ماءُ مُزْنٍ بات جَفْنَ سحابةٍ / يصوبُ على أعلى الصّخور ويسفحُ
توزّعَهُ عَبْرُ الرّبا فكأنّهُ / مُلاءٌ رحيضٌ بالفَلاةِ مُطرّحُ
وإِنْ صافحتهُ الرّيحُ وهي ضعيفةٌ / تمرّ عليه قلتَ صُحْفٌ تُصَفَّحُ
بأعذبِ مِنْ فيها إذا ما توسّنَتْ / وهبّتْ وجلدُ اللّيلِ بالصُّبحِ يوضِحُ
وما روضةٌ باتَ الخُزامى يحفّها / ونَوْرُ الأقاحِي وسْطها يتفسّحُ
كأنّ بِمَغناها تُفضُّ لَطيمةٌ / مُجَعْجِعَةٌ أو مَنْدَلُ الهند ينفحُ
بِأَطيبَ مِنْ أَردانها حينَ أَقبلتْ / وغضُّ النَّقا في دِرْعها يترنَّحُ
وَما مُغزِلٌ أَضحتْ بدوٍّ صريمةً / تفسّح في تلك الفيافي وتسرحُ
تفِيءُ إلى ظلِّ الكِناسِ وتارةً / تَشَوَّفُ من أعلى الهضابِ وتسنحُ
بأحسنَ منها يومَ قامتْ فودّعتْ / قُبَيلَ التّنائِي والمدامع تنزحُ
وما وِرْدُ مطرودٍ عن الوِرْدِ خامسٍ / له كَبِدٌ من شهوةِ الماءِ تُقرحُ
تُسَقّى الهيامُ حولَهُ وهو ظامئٌ / فلا الوِرْدُ يُدنيهِ ولا هو يبرحُ
بأروى وأشهى من رُضابٍ تمُجُّهُ / ثناياً عِذابٌ من ثناياكِ تَمْتَحُ
وما نوحُ قُمْرِيٍّ على فرعِ أيكةٍ / يَعُنُّ له ذكرُ الفراقِ فيصدحُ
لَهُ مَدمعُ الشاكي جفوناً وقلبُهُ / لما جرّه فقدُ الأليفِ مُقَرَّحُ
بِأَشجى شَجىً مِنِّي غداةَ ذكرتُكُمْ / ووادي مِنىً بالعيس والقومِ يطفحُ
وما هزّةُ الدَّوحِ المُبِنِّ بقفرةٍ / تُزعزعُ منه الرّيحُ ما يتسمّحُ
إِذا اِنتَشرتْ فيه الشّمال عشيّةً / رأيتَ حَماماً فوقه يترجّحُ
بأظهَرَ مِنِّي هزّةً يومَ أقبلتْ / تشكّي الهوى وحْياً به لا تُصَرِّحُ
تعاوَرَها خوفُ النّوى والعِدى معاً / فلا هِيَ تَطويهِ ولا هِيَ تُفصِحُ
وما مُنْيَةٌ سِيقَتْ إلى كَلِفٍ بها / مُقيمٍ على تطْلابِها ليس يبرحُ
إذا لامَهُ اللّاحون فيها طَما بهِ / إلى نيلها شوقٌ لَجوجٌ مُبرّحُ
بِأَشهى وَأَحلى مِن لقائِكِ موهِناً / وألحاظُ مَنْ يبغِي النميمةَ نُزَّحُ
وما مُقْفَقِلُّ الكفِّ شَحْطٌ عن النّدى / له راحةٌ من ضِنّةٍ لا تَرَشَّحُ
أَتاهُ الغِنى من بَعْدِ يأْسٍ وكَبْرَةٍ / فَلَيسَ بِشيءٍ خِيفةَ الفقرِ يسمحُ
بأبخلَ منِّي يومَ ساروا بنظرةٍ / إليكِ وأحداقُ الرّفاق تُلَمِّحُ
حلفتُ بربّ الرّاقصاتِ عشيّةً / إلى عَرَفاتٍ وهْيَ حَسْري ورُزَّحُ
ومَنْ ضَمّهُ جَمْعٌ وَبينَ بِلادهمْ / إِذا اِفتَرقوا سَهْبٌ عريضٌ مطوِّحُ
وبالبُدْنِ تُهدى في مِنىً لمليكها / وتُدنى إلى أخرى الجمالُ فتُذبحُ
لأنتَ على رغمِ العدوّ مِنَ الّذي / يُضيءُ سوادَ اللّيلِ أبهى وأملحُ
ونجواكِ تَشْفِي السُّقْمَ طَوْراً وتارةً / يُعَلُّ بنجواكِ السَّليمُ المُصَحَّحُ
وأنتِ وإنْ أوقدتِ في القلبِ جمرةً / تَلَظَّى على كَرِّ اللّيالي وتَلْفَحُ
أعزُّ عليهِ موضعاً من سوادِهِ / وأعذبُ فيهِ مِنْ مُناهُ وَأَرْوَحُ
وَثِقْتُ بكمْ حتّى خجلتُ وكم جَنَتْ
وَثِقْتُ بكمْ حتّى خجلتُ وكم جَنَتْ / لنا ثقةٌ من خَجْلَةٍ في الصّفائِحِ
وما كنتُ أخشى قبلها إنْ كشفتُكُم / أُكشّفكمْ عن مثلِ هذي القبائحِ
هَبونِي اِمرَءاً لا مَنَّ منه عليكُمُ / ولا كان يوماً عنكُمُ بمُنافحِ
وإنْ قادكمْ كُرْهاً إلى ربوةِ العُلا / نكصتُمْ على الأقفاءِ نكْص طَلائِحِ
ولم يسعَ فيما تبتغون ودونَهُ / حجازٌ منَ الأعداءِ ليس ببارحِ
وأدْناكُمُ عفواً إلى جانبِ الغِنى / وكلُّكُمُ ما بين ناءٍ ونازحِ
وقد صَلُحَتْ أيّامُكمْ باِجتِهادِهِ / فَلِمْ يومُهُ ما بَينكمْ غيرُ صالحِ
وَأَظْفَركمْ بالعزِّ وَالعزُّ شاهقٌ / وَأَنتُمْ بِلا طَرْفٍ إلى العزِّ طامحِ
شَحَذْتُكُمُ سيفاً أصُدُّ به العِدى / وما كان عندي أنّ سيفِيَ جارِحِي
وإنّ الّذي أغراكُمُ بقطيعتِي / وقد كنتُ وصّالاً لكمْ غيرُ نازحِ
وَإنّي لَسَمْحٌ باذلٌ بِفراقكمْ / وما كنتُ فيه برهةً بالمسامِحِ
تبدّلتُ لمّا أنْ أرَبْتُمْ ولم أُعِنْ / على رَيْبِكُمْ بيضاً بسودِ المسائحِ
وأخْرَجَ ما أبْدَعتُمُ من مساءَةٍ / هوىً لكُم قد كان بين الجوانِحِ
وَلَمّا شَرِبتُ الوُدّ منكمْ بسومِكمْ / رجعتُ بكفٍّ بيعُها غيرُ رابحِ
وَلَولايَ في مِيزانكم يومَ خبرةٍ / لَما كانَ إِلّا شائلاً غيرَ راجحِ
فَلا تَحسبوا أنّي مقيمٌ على أذىً / فإنِّيَ مَوْتورٌ كثيرُ المنادِحِ
إذا ضرّني يوماً صديقي وساءَنِي / فَما هوَ إلّا كالعدوِّ المكاشِحِ
تَقَطَّع وُدٌّ كانَ بَيني وَبينكمْ / وطاحتْ بهِ في الأرضِ إحدى الطَّوائِحِ
فَما لِي إِلى أَوطانكم من مطامِحٍ / وما لِي إلى أعطانكمْ من مَسارِحِ
وما لِيَ إِلْمامٌ بدارِ حُلولِكمْ / وَما كنتُ إلّا بينَ غادٍ ورائِحِ
وإنْ كانتِ البطحاءُ دارَ مُقامِكمْ / فما لِيَ تعريجٌ بتلك الأباطِحِ
وأيْقنتُ أنّي ثاوياً في دياركمْ / مقيمٌ على آلِ القفارِ الصّحاصِحِ
وكنتُ وما جرّبتكم كَلِفاً بكمْ / فأظفرنِي تجريبُكمْ بالفضائِحِ
لنا في تلاقينا وجوهٌ ضواحكٌ / وكم دونهنّ من قلوبٍ كوالحِ
وقد كنتُمُ صبحاً بغيرِ دُجُنَّةٍ / فقد صرتُمُ جُنْحاً بغير مصابحِ
فلا تسألونِي عن صفاءٍ عَهِدتُمُ / فقد طار في هُوجِ الرّياح البوارحِ
فَإِنْ تَشحَطوا بعدَ اِجتِماعٍ وإلْفَةٍ / ببعض الرّزايا الهاجمات الفوادِحِ
فقلبِيَ عنكمْ مُعرضٌ غيرُ مائقٍ / ودمعِي عليكمْ جامدٌ غيرُ سافِحِ
وما كلُّ ما لاقيتُ منكمْ شكوتُهُ / وأوّلُ جِدِّ المرءِ تعريضُ مازحِ
فشتّانَ لو أنصَفْتُمُ من نفوسكمْ / ولم تظلموا ما بين هاجٍ ومادحِ
وإنّ غبينَ النّاسِ مَن بات عِرْضُهُ / تعرّضُهُ السُّوءى لبعضِ القرائحِ