المجموع : 6
عقيدَ النَّدى أطلِقْ مدائح جمّةً
عقيدَ النَّدى أطلِقْ مدائح جمّةً / حبائس عندي قد أَتَى أن تُسرَّحا
ولم أحتَبِسها إذ حبستَ مثوبتي / لأن مديحاً لم يجد بعدُ مَمْدحا
ولا أن بيتاً في قريضي مثبَّجاً / أخاف لدى الإنشاد أن يُتصفَّحا
وما كان فيما قلت زيغٌ علمتُهُ / فأرجأتُهُ حتى يقامَ ويُصلَحا
ولكنَّ لي نفس عليك شفيقةٌ / تحاذر وِجدانَ العدا فيك مَقْدحا
إذا استشهدتْ ألحاظُهم عند مُنشَدي / شواهدَ وجدٍ إنْ تعاجمتُ أَفْصحا
فأدَّى إليهم كلَّ ما قد علمتَه / رُواءً إذا ورَّى لسانيَ صرّحا
هنالك يُنْحِي الحاسدون شِفارَهم / لِعرضٍ مُناهم أن يَرَوْا فيه مَجْرحا
فَتُلْحَى لعمري في ثوابٍ لويتَه / وأنت امرؤ في الجود يلحاك من لحَا
وكنت متى يُنشَدْ مديحٌ ظلمتَه / يكن لك أهجى كلما كان أَمْدحا
إذا أحسن المدحَ امرؤ كان حُسْنُه / للابِسِه قبحاً إذا هو أقبحا
ومبتسمٌ للمدح في ذي مروءةٍ / فلما درى أنْ لم يثوِّبه كلَّحا
رأى حسناً لاقاهُ جازٍ بسيِّئٍ / فهلّل إكباراً لذاك وسبَّحا
غششتُك إن أنشدتُ مدحِيك عاطلاً / وعرَّضْتُك اللُّوَّام مُمْسىً ومُصْبَحا
ولستُ براضٍ أن أراه مطوَّقاً / من العرف طوقاً أو أراه موشَّحا
لأبهِجَ ذا ودٍّ وأكبتَ حاسداً / مَسوءاً بما تُسدي وأُهْدي مُترَّحا
وأدفع لؤماً طالما قد دفعتُه / بجهدي فأمسى عن ذَرَاكَ مزحزحا
مودّةُ نفسٍ شُبتُها بنصيحةٍ / وأنت حقيقٌ أن تُوَدَّ وتُنْصحا
وإن كنتُ ألقى ما لديك ممَنَّعاً / ويلقاه أقوامٌ سواي ممنَّحا
فيا أيها الغيثُ الذي امتدّ ظله / رُواقاً على الدنيا وصاب فَسَحْسحا
ويا أيها المرعى الذي اهتزَّ نبتُه / وَبَكّر فيه خصبُه وتَروَّحا
عذرتُك لو كانت سماءٌ تقشَّعت / سحائبها أو كان روضٌ تَصوَّحا
ولكنها سُقْيا حُرمتُ رويَّها / وعارضُها مُلقٍ كلاكل جُنَّحا
وأكلاء معروفٍ حُمِيتُ مريعَها / وقد عاد منها السهل والحَزنُ مسْرحا
عَرضتُ لأَذوادي وبحرُك زاخرٌ / فلما أردن الوِرْدَ ألفَينَ ضَحضَحا
فلو لم تَرد أذوادُ غيري غِماره / لقلت سرابٌ بالمتان تَوضَّحا
فيا لك بحراً لم أجد فيه مشرباً / وإن كان غيري واجِداً فيه مَسْبحا
سأَفخر إذ أعطانيَ الله مَفخراً / وأبجحُ إذ أعطاني الله مَبْجَحا
مديحي عصا موسى وذلك أنني / ضربتُ به بحر الندى فتضحضحا
فيا ليت شعري إن ضربتُ به الصَّفا / أيَبعث لي منه جداولَ سُيَّحا
كتلك التي أبدت ثرى البحر يابساً / وَشَقَّت عيوناً في الحجارة سُفَّحا
سأمدح بعض الباخلين لعلَّه / إن اطّرَدَ المقياسُ أن يتَسمّحا
ملكتَ فأسجح يا أبا الصقر إنه / إذا ملك الأحرار مثلُك أسجحا
تقبّل مديحي بالندى مُتقبَّلاً / أو اطرحه بالمنع المبيَّن مطرحا
فما حقُّ من أطراك ألا تثيبه / إياساً ولا يأساً إذا كان أروحا
ألم ترني جُمَّت عليك قريحتي / وكان عجيباً أن أُجِمَّ وتنزحا
فآونةً أكسوك وَشْياً محبَّراً / وآونة أكسوك ريطاً مُسيَّحا
محضتُك مدحاً أنت أهلٌ لمحضه / وإن كان أضحى بالعتاب مُضَيَّحا
وهبنيَ لم أبلغ من المدح مَبْلغاً / رضيّاً ألمْ أكْدَح لذلك مَكْدحا
بلى واجتهادُ المرءِ يوجب حقَّه / وإن أخطأ القصدَ الذي نحوَه نحا
أتاك شفيعي واسمه قد علمتَه / لتُرجِعه يدعى به وبأفْلحا
ومونقةِ الرواد مهتزة الربا
ومونقةِ الرواد مهتزة الربا / يحاسنُها سارٍ وغاد ورائحُ
توقَّد فيها كلما تَلَّعَ الضحى / مصابيحُ تذكو حين تخبو المصابحُ
تُضاحك نُوَّاراتُها زهرَاتها / لها أرَج في نافح العطر نافحُ
إذا مدّها المهموم في صُعدائه / إلى قلبه انساحت عليه الجوانحُ
زجرتُ ثناء الناس ثم انتجعته / ولم يتخالجني سَنيح وبارحُ
نصحت أبا بكر فردَّ نصيحتي
نصحت أبا بكر فردَّ نصيحتي / وقال صهٍ وجهُ المحرِّش أقبحُ
وحدثتُه عن أخته فصَدَقته / وأمحضُ نصح الناصحين المصرَّحُ
فقال عذيري منك شَيْخاً مضلَّلاً / أنَبْخَلُ يا هذا وأختي تَسمَّحُ
لها أجرُها إن أحسنتْ فلنفسها / وميزانُها يومَ القيامة يرجَحُ
أتعجب من أنثى تُناك بحقِّها / وهأنذا شيخٌ أُكَبُّ فأُنكَحُ
فقلت له حسبي لها بك قدوةً / أَقِلْني فإني إنما كنت أمزحُ
فذلك أغراه بهجري ولن ترى / زمانَك هذا تاجرَ النصح يربحُ
أيا ابن حريثٍ لا تَهِدْك عَضيهَةٌ / فإنك بالهُون الطويل موقَّحُ
وكن آمناً سير الهجاء فإنما / يسيِّره المرءُ المهجَّى الممدَّحُ
نباهةُ أشعار الفتى وخمولُها / على حَسْبِ من تلقاه يهجو ويمدحُ
فإن قالها في نابهٍ حُمِلَتْ له / وإن قالها في خاملٍ فهي رُزَّحُ
تسير بسيْر اسم المقُولَة باسمه / فَتَسْنَحُ في الآفاق طوراً وتبرحُ
عجبت لِقيل الناس إنك أَقرنٌ / وأنت الأجَمُّ المُستضام المُنطحُ
فكيف تُبارى بالقرون وطولها / ولستَ تُرَى عن نعجة لك تَنطحُ
تعرضتَ لي جهلاً فلما عَجمتني / تكشَّف عنك الجهلُ والليل يُصْبَحُ
وما كنت إلا ثعلباً بتَنوفة / أتيحت له صقعاءُ في الجو تَلمحُ
تَصُفُّ له طوراً وتقبضُ تارةً / إذا ما أفاءت فوقه ظل يَضْبَحُ
فلمَّا تعالت في السماء فحلّقت / وأمكنَها والأرض دَرْمَاءُ صَرْدَحُ
تدلَّت عليه من مدى مُسْتَقَلّها / وبينهما خَرقٌ من اللوح أفيحُ
برِزٍّ تُصيخُ الطير منه مخافة / فهنَّ مُصِفَّاتٌ على الأرض جُنّحُ
وكم قَائلٍ لَمَّا هجوتك غيرةً / أمالك في أعراضنا مُتَنَدَّحُ
أراها فأزْدادُ اشتياقاً وصَبْوَةً
أراها فأزْدادُ اشتياقاً وصَبْوَةً / وإن نزحَتْ فالموتُ دون نُزُوحِها
فليس شِفَاءُ النفسِ مِمَّا أحبُّه / لِعَفْرَاءَ إلا لَزَّ رُوحي بِروحها
ألاَ ليْسَت الدنْيَا بدار فلاحِ
ألاَ ليْسَت الدنْيَا بدار فلاحِ / بِعَيْنيْكَ صرعاها مساءَ صباح
لنا من كلا العصرين ساقٍ كلاهُما / يَدُورُ فيسقينا بَكَأسِ ذُبَاحِ
أُرانِي وأُمّي بعد فِقْداَنِ أُخْتِهَا / وإنْ كنتُ في رَفْهٍ بها وَصَلاَح
كَفَرْخ قطاةِ الدَّوّ بانَ جَنَاحُهَا / فباتَ إلى حِصْنٍ بِغَيْرِ جَنَاحِ
مَديحُكَ مَنْ تَعْفُوه تَحْسبُ رفْدَهُ
مَديحُكَ مَنْ تَعْفُوه تَحْسبُ رفْدَهُ / مَنِيعاً متى لم تُرْقِه بالمدائِحِ
ومَنْ ظنَّ بالممدوح ذاك فإنه / بِنيَّته هاجٍ له غيرُ مادحِ