المجموع : 3
ألا يا أبا السجَّاد إنَّ بوارقاً
ألا يا أبا السجَّاد إنَّ بوارقاً / لسحبِ نداك العذبِ شمت التماحَها
مخايل صدقٍ منك بالنجح بشرت / أمانيَّ نفسٍ جئتُ أرجو نجاحها
لتلق ملوك الأرض طوعاً يد الصلح
لتلق ملوك الأرض طوعاً يد الصلح / حذار حسامٍ صاغه الله للفتحِ
وأجرى فرنداً فيه من جوهر العلى / غدا يخطف الأبصار باللمع واللمح
فكم شقَّ فجراً من دجى ليل حادثٍ / وأضحك للأيام من أوجهٍ طلح
لو الدولة الغراءُ يوماً تفاخرتْ / مع الشمس قالت أين صبحك من صبحي
فتىً في صريح المجد ينمى لمعشرٍ / بيوتهم في المجد سامية الصرح
فتىً ولدتْ منه النجابة حازماً / بعيدَ مجالٍ يرفد الملكَ بالنصح
أغرُّ لسيماء العلى في جبينه / سنىً في حشا الحساد يذكي جوى البرح
له طلعةٌ غرّاء دائمة السنا / هي الشمس لو تمسي هي البدر لو يضحي
هو البحر بل لا يشبه البحرُ جودَه / وهل يستوي العذب الفرات مع الملح
يزوِّج آمال العفاة بجوده / ويقرنه في الحال في مولد النجح
ويبسط كفاً رطبة من سماحةٍ / إذا قبض اليبسُ الأكفَّ من الشح
أرى المدح في الأشراف أفضل زينةٍ / ولكنه في فضله شرف المدح
هو السيفُ بل لا يفعل السيف فعله / بقومٍ على الأضغان مطويّة الكشح
فقاتلُ أهل الضغن بالبطش لم يكن / كقاتل أهل الضغن بالبطش والصفح
هو الرمحُ سلْ عنه فؤادَ حسوده / بما بات يلقى من شبا ذلك الرمح
تجدْه كليماً وهو أعدل شاهدٍ / فيا شاهداً أضحى يعدِّلُ بالجرح
إليكَ ابن أم المجد عذراء تجتلى / كأنَّ محيّا وجهها فلق الصبح
بها أرجٌ من طيب ذكرك نشره / يعطِّر أنفاس الصبا لك بالنفح
تودُّ بناتُ النظم أنْ لو حكينَها / ويا بعدَ ما بين الملاحة والقبح
لقد فاز فيها قدحُك اليوم مثلما / غدت وهي فيك اليوم فائزة القدح
فليس لها كفٌّ سواكَ ولم يكن / يليق سواها فيك من خرَّد المدح
أجل من عُلًى ما خلتُ يرقاه فادحُ
أجل من عُلًى ما خلتُ يرقاه فادحُ / هلالُ المعالي طوَّحته الطوائحُ
ومن حيث لا تعلو يدُ الدهرِ أهبطت / إلى اللحد نجمَ الفخر فالدهر كالح
تناوله من أُفق مجدٍ لعزَّةٍ / قد انحسرت عنها العيونُ الطامح
فمطلعه في مشرق المجد مظلمٌ / ومغربه في موضع اللحد واضح
لحى اللهُ يوماً قد أراني صباحه / تباريحَ وجدٍ للحشا لا تبارحُ
به صاحَ ناعيه فأشغلت مسمعي / وقد مضَّ في قعر الحشا منه صائحُ
وهمَّتْ جفوني بالبكا فملكتُها / على الدمع أرجو الكذب والصدق لائحُ
وقلتُ لمن ينعاه إذ جدَّ باسمه / بنوح تبيَّن باسم من أنت نائحُ
بفيك الثرى لا تُسم في النعي جعفراً / فيوشك أن تجتاحَ نفسي الجوائحُ
فلمَّا أبى إلاَّ التي تشعبُ الحشا / وإلاّ التي تبيضُّ منها المسائحُ
جمعتُ فؤادي وانطويتُ على الجوى / على حرقٍ ضاقت بهنَّ الجوانحُ
أعاذلتي عنِّي خذي اللومَ جانباً / فلا أدمعي ترقى ولا الوجدُ بارحُ
فلم ينسفحْ من عيني الدمعُ وحده / ولكنَّ كلِّي مدمعٌ منه سافحُ
أصبراً وذا إنسانُ عينيَ أطبقت / على شخصه أجفانهنَّ الضرايحُ
قد استلَّه من عيني الدهر بعدما / تخيَّلتُ أنَّ الدهر لي عنه صافحُ
بكفٍّ له مدَّت إليَّ بهيئةٍ / بدت وهي فيها كفُّ خلٍّ يصافحُ
ومرَّت على وجهي فقدَّرتُ أنَّه / يلاطفني في مَرِّها ويمازحُ
وما خلتُه يا شلَّها اللهُ أنَّه / بها لسوادِ العينِ منِّي ماسحُ
فأطبقتُ عيني وهي بيضاءُ من عمًى / وإنسانها حيث اشتهى الدهرُ طائحُ
بمن عن ضياء العين يعتاض طرفها / فيغدو عليه وهو للجفنِ فاتحُ
لتجرِ اللَّيالي حيثُ شاءَت بنحسها / فما عندها فوقَ الذي أنا نائحُ
وماذا تُريني بعدَها في مُدى الأسى / يداً لفؤادي سعدُها وهو ذابحُ
أقولُ لركبٍ أجمعوا السيرَ موهناً / وقد نشطت للكرخ فيهم طلايحُ
أقيموا فواقي ناقةٍ من صدورها / لأودعكم ما استحفظته الجوانحُ
خذوا مهجتي ثمَّ انضحوها عقيرةً / على جدثٍ دمعُ البلى فيه ناضحُ
وقولوا لأيدٍ أحدرت فيه جعفراً / ولم تدرِ ماذا قد طوتهُ الصفائحُ
لأحدرت من قلب المكارم فلذةً / قد انتزعتها من حشاها الفوادحُ
فغير جميلٍ بعده الصبرُ للورى / ولا عيشهم لولا محمدُ صالحُ
فتى الحلم لا مستثقلاً لعظيمةٍ / تخفُّ لها الأحلامُ وهي رواجحُ
تدرَّع من نسج البصيرة قلبه / إضاة أسًى لم تدَّرعها الجحاجحُ
وصابرها دهياء من فقدِ جعفرٍ / يكافحُ منها قلبُه ما يكافحُ
ونهنه فيه زفرة عدن فوقها / حوانيَ من عبد الكريم الجوانحُ
تعرّض فيها حادثُ الدهر منهما / لصلَّين من نابيهما السمُّ راشحُ
ونصلين لا تمضي بيوم كريهةٍ / مضاءهما يومَ الخصام الصفائحُ
ورمحين سلَّ قلبُ الكواشح عنهما / بما منهما في القلبِ تلقى الكواشحُ
تجده كليماً وهو أعدلُ شاهدٍ / على جرحه والجرحُ لا شكَّ فادحُ
تسربلتها يا دهرُ شنعاءَ وسمها / لوجهك ما عمَّرت بالخزي فاضحُ
عمًى لك هل عينٌ تبيتُ وطرفها / لإنسانها بالشر أزرقُ لامحُ
أفق أيَّ وقتٍ فيه منك لجعفرٍ / تُفرغُ كفٌّ ليته منك طائحُ
وقد شغلت في كلِّ لمحة ناظرٍ / يديك جميعاً من أبيه المنائحُ
فتًى يجدُ الساري على نوره هدًى / ولو ضمَّه فجٌّ من الأرضِ نازحُ
كأنَّ المحيَّا منهُ والليل جانحٌ / سهيلٌ لأبصار المهبِّينَ لائحُ
تجاوز هادي مجده كاهل السهى / إلى حيث ما لحظ الكواكب طائحُ
وأمسى حسيناً وجه جدواه للورى / على حين وجه الدهر في الخلق كالحُ
وأصبحَ معنى فخرِه مصطفى العُلى / وكلٌّ لأن يقفو محمدَ صالحُ
فتى في صريحِ المجد يُنمى لمعشرٍ / أكفُّهم أنواءُ عرف دوالحُ
مضيئون ضوء الأنجم الشهب للورى / فأوجههم والشهب كلٌّ مصابحُ
على أوَّل الدهر استهلَّ نداهم / فسالت به قبل الغيوث الأباطحُ
ومدَّ أبو المهديّ فيه أناملاً / رواضعها صيد الملوك الجحاجحُ
جرت بالنمير العذب عشر بحارها / وكلّ بحار الأرض عذب ومالحُ
فما للندى في آخر الدهر خاتم / سواه ولا في أوَّل الدهر فاتحُ