طَرِبنَ لترجيعِ الغناء المُهَزَّجِ
طَرِبنَ لترجيعِ الغناء المُهَزَّجِ / نَواعِجُ حتى جُزْنَ أعلامَ مَنْعِجِ
وخُضنْا بها بحراً من الآل طافحا / فعامتْ بنا مثلَ السّفينِ المُلجَّج
فلمّا طَوتْ كفُّ الدجى سطْرَ أحرفٍ / منَ العيسِ في ظهْرٍ من البيدِ مُدْرَج
ولاحَتْ نجومُ اللّيلِ والصُبحُ مغمَدٌ / كترصيع دُرٍ في قرابِ أرنْدَج
أَلمّتْ بنا تجلو قشيبَ بهائها / أُميمةُ في بُرْدٍ من الليلِ منْهَج
فما سمعَ الأقوامُ قبلَ طُروقها / بشمسٍ بدَتْ والصّبحُ لم يَبتلَّج
وأَنّى خَطَتْ في الرّملِ طُرْقاً خفيّةً / على الحيِّ أن يَقْتافَها أُختُ مُدلِج
خَلَصْنا نَجِيّاً في نَدِيٍّ من الكَرى / ونحن بأسرارِ الصّبابةِ نَنْتَجِي
وقالتْ أترضَى أنّ طَرفَكَ راقدٌ / وأنّيَ من بينِ الأسنّةِ مَخْرَجي
فقلت لها لولاكِ ما بِتُّ ناصباً / شباكَ الكَرى في البيدِ مُصطادَ بحْزَج
فواللهِ ما عهْدي بدَهماءَ ليلةً / تَخُبُّ بجفْنٍ لي على الغُمضِ مُشرَج
ولا دُرُّ دَمْعي خِيفةَ النَّهبِ ساعةً / غَدتْ خلفَ بابٍ لي من العينِ مُرْتَج
كذلك ما زالَ التّعاتُبُ دَأبَنَا / إلى أن رُمينا من هُبوب بِمُزْعِج
وقام خَطيبُ من سَنا الفَجْرِ فارتقَى / على مِنْبرٍ من آبَنوسٍ مُعَوَّج
حَطَبْتُ ضلُوعي ثمَّ أقبسْتُها الهوى / فإن راحَ عَذْلٌ نارَها تَتأجّج
فلا تَسْقِ كأسَ اللّومِ صِرْفاً مَسامعي / ولكنْ بذكْرِ العامريّةِ فامْزُج
عقيلةِ حَيٍّ حامِلينَ لها القَنا / من الخَيْلِ مَعْروضاً على كُلِّ مَنْسِج
لها رُمْحُ قّدٍ كلّما هَزَّه الصِّبا / تَلَقّاهُ من بُعْدٍ فؤادُ المُدَجَّج
تَبِعْتُ لها أخرى الحُمولِ مُشَيِّعاً / على زَبِدٍ عَبْلِ الذِّراعينِ مُدْمَج
تَبرقَعَ بالبدرِ المُنيرِ جَبينُه / ويَرفُل في لّيلٍ بِعطْفَيهِ مُدَّج
فلمّا أَحَسَّ السرْبُ وقْعَ نِعالِه / رَمَيْنَ بعينَيْ كُلِّ أدْماءَ عَوْهَج
ولولا نَسيمُ الرِّيحِ لم يَدرِ ناظرٌ / حَذارَ الغَياري ما ضمائرُ أحدُج
فلا يَقطَعنَّ اللهُ ألسنةَ الصِّبا / بما كشَفتْ للرَّكْبِ عن سِرٍّ هَوْدَج
ويومَ الكثيبِ الفَرْدِ لمّا استفَزَّنا / وادعٌ وكنّا من وُشاةٍ بمَدْرَج
وقفنا فدلسنا على رقبائنا / فظنوا خلياً كل ذي لوعة شج
حطَطْت لثاماً عن مَجودٍ مُوَرَّسٍ / وألقَتْ نقاباً عن أسيلٍ مُضَرَّج
فما زِلت أُذْري دَمعَ عَيْني صبابة / وتُبدي دَلالاً عن شَتيتٍ مُفَلَّج
وقال رَقيبانا دَعُوا لَومَ ناظرٍ / وناظرةٍ لم تَنْوِ سُوءاً فتُحرَج
رَعتْ هِيَ روضَ الزعفرانِ وما درتْ / وحَدّقَ ذا في الشّمس عند التّوهُّج
فبالطبعِ مَجلوبٌ بكاه وضِحكُها / بلا مُحزِنٍ مِمّا ظَنَنّا ومُبهِج
أصاحِ تَرى بَرْقَ المشيبِ تَهُزُّه / يدا قادحٍ في ليلِ فَودَيْك مَسْرِج
تغنم فأطرب الشبيبة فرصة / كأمس متى يذهب عن المرء لايجي
وما حلية الأعمارِ إلا مُعارةٌ / فخلِّ لها خَيلَ البَطالةِ تَمْعَج
ولمّا رأيتُ اللهوَ حانَ وداعهُ / وقالَ الصِّبا إلا أَرُحْ منكَ أُدلِج
غَمسْتُ فؤادي في الجهالةِ غَمْسةً / وقلتُ له امْرَحْ ما بدا لك وامرُج
ومَن رام نَزْعَ الثّوبِ يَدْخُلْ بوَجهه / وكفّيهِ فيه دَخلةً ثمَّ يُخْرج
وقد كنتُ مثلَ الطّودِ مُدَّتْ ظِلالُه / على رَوضِ عَيْشٍ بالشّباب مُدبَّج
فقد ثُلِجَتْ منّي الذُّوابةُ كَبرةً / ومَن يَبْقَ حتَّى يَشْتُوَ العُمرُ يُثلَج
تَعجّبْتُ من راجي سِقاطي بعدما / غدا نَقْدُ فَضْلي هازئاً بالمُبَهْرَج
أُجاملُ أقواماً على ما يريبني / حياءً ومن يَمرُرْ على الصّحب يُمجَج
وأسكتُ إبقاءً وعندي مَقالةٌ / مُفّوَّفةٌ إن تَصدِمِ الصدرَ تَلْعَج
ولست وإنْ أمسكْت للضَّيم مركباً / ولكنَّ حِلْمِي مُلْجَمٌ غيرُ مُسْرَج
وكم صاحبٍ داريْتُ أمزجُ جَهْله / بحِلْمِي أزماناً فلم يتَمَزَّج
ولستُ ولو شمَّمتُه الورْدَ جانباً / سوى الشّوكِ يُدمي الكفَّ من جِذْم عَوْسج
دعوتُ لإسعادي على الدَّهر دعوةً / وبيَّنْتُ في الأقوام غيرَ مُلَجْلج
فلم أرَ إلا عند أبناء أرْحَبٍ / وفاءً وإلا عند أبناء أعْوج
جنَبْتُ إلى مَهريَّةٍ كلَّ مُهرة / متى تَعْلُ لطْماً هامةَ البِيدِ تشْجُج
وراوحْتُ بين السَّرجِ والكُورِ سابقاً / على مِثْلِ خفاقِ الجناحَيْنِ أخْرج
كأني خيالٌ طارِقٌ أسلُكُ الفَلا / على الهَوْلِ في طَرْفٍ من اللّيلِ أدعج
إلى جاعلٍ عزاً مكانِيَ عَيْنَه / ومَن يَعشَقِ العلياءَ بالوفدِ يَلْهَج
ولولا امتداحي تاجَ دينِ مُحمدٍ / لَعِفْتُ لأبواب المُلوكِ تَولُّجي
ولكنّ إحسانَ الحُسَينِ أهاب بي / فقلتُ لحادي الأرحبيّةِ عَرِّج
أيا ماجداً تَغْشَى الوفودُ فِناءهُ / ومَنْ يَك بيتاً للمكارِم يُحجَج
ثِقافُ لهذا المُلْكِ ما زال رأيُه / يُقوِّم من أطرافِه كلَّ أعْوج
إذا أثَّفَتْ يوماً ثلاثَ أناملٍ / له قلَماً يَقْدِرْ أُموراً ويُنْضِج
ربيطٌ إذا ما قَعقع الخَطْبُ جأْشَه / وجَلَّ ابن غابٍ أن يُخشَّى بهَجْهَج
أخو صدقاتٍ صادقاتٌ يُسِرُّها / بِيُمناه مِن يُسراه فَرْطَ تَحرُّج
يَجودُ بلا بَرْقٍ ورَعْدٍ غَمامُها / على كلِّ حُر ذي دَريسَيْنِ مُلْفَج
إذا ذُكرَتْ أخلاقُه الزُّهْرُ ذَكرَةً / بأرضٍ وتَهبُبْ فوقَها الرِّيحُ تأرج
من القاسِمِيِّينَ الذين وجوهُهم / متى ما تَلُحْ في المأزِقِ الضَّنكِ يُفْرَج
إذا ما انتَمَوا في آلِ شَيبانَ صُودِفوا / إلى عِيصِ مَجْدٍ فيهمُ مُتَوشَّج
ملوكٌ تَهادَى النّاطقون تهادياً / بكلِّ حديثٍ عن عُلاهم مخَرَّج
لهمُ يومُ ذي قارٍ وقد رَكزَوا القنا / بأطْرافها ما بينَ أحشاءِ أَعْلُج
مُقامٌ به باهىَ النَّبيُّ وأنتمُ / فوارسهُ في ظِل أقتمَ مُرهِج
كسَرتُم جناحَيْ جيشِ كسرى وقلبَهُ / بضرْبٍ كما ألهَبْتَ نيرانَ عَرفَج
غداةَ دلَفْتُم بالرِماحِ شوائلاً / تَرى النّقْعَ فيها مثل ثوبٍ مُفَرَّج
بإسلامِكم والجاهليةِ قبلَه / أُديِلَ الهُدَى حاجِجْ بذلك تَحْجُج
فللّهِ أسلافٌ وأخلافُ سُؤدَد / لكَم نَهَجوا العلياءَ أوضَحَ مَنْهَج
غَنُوا في ديارِ العُجْم عزّاً وإنّما / نَماهم ملوكُ العُرْبِ من كل أبلَج
هُمُ افتتَحوها ثمَّ حلُّوا نِجادَها / وما الليثُ عمّا صادَه بمُهَيَّج
لهم صافناتُ الخيلِ مِلْءَ عِراصهم / لخائفِ قومٍ يَعْتَري أو لِمُرْتَج
ومَضْروبةٌ خَمْساً لغيرِ جريمةٍ / بأبوابهم ضَرْباً بكلِّ مُحَدْرَج
تَوابعٌ أسْرابِ المُثوِّبِ مثلما / يَلِى الرّعدَ لَمْعُ البارقِ المتبرِّج
أيا واحداً قد حَلّ للمجدِ ذِروةً / إذا حّلَّ كلٌّ في حواشٍ وأثْبُج
بكَ اللهُ رَبُّ العرشِ تَوَّجَ دينه / وقبلَك دينُ اللهِ لم يَتَتَوَّج
لأنتَ المُحلُّي لا المُحَّلي بمَنْصبٍ / فخَلِّ الحسودَ النّكْسَ يَبْكِ ويَنْشج
لئن رُفّهَ الصَّمصامُ بالغِمْد مَرّةً / لَمُرتقَبٌ منه وَشيكَ التَّبَرُّج
وإن يجْزعوا أن قيلَ لازِم بيتهِ / وإن كان نَجْماً حلَّ في خَير أبْرج
فلا يَيْأسَنْ حُرُّ وبَيتُ عطارِد / له شَرَفٌ فاليومَ أعظَمُ ما رُجى
مَلكتَ بمَوروثِ العَلاء تَحلِّياً / فلستَ إلى الحَلْىِ المُعارِ بمُخْرَج
ومهما أبىَ جِيدُ الحَمامِ حُلَى الورى / فما هو من طَوْقِ الإله بمُخرَج
أرى الفَضْلَ من غيرِ التَفضُّلِ حِلْيةً / متى يُجْلَ فيها المرءُ يَحْسُن ويَسْمج
وكم مُلهَجٍ بالشِعْر لكنْ لسانُه / لِراجيهِ عن إنعامِه مثْلُ مُلْهِج
إذا رُحت عنه باحثاً قال خُلْقُه / لمَدْحِيَ ما هذا بعُشِّكَ فادْرج
أطلْتُ لأبناء الزَمانِ تَوسُّمي / فلم أرَ في الفِتْيانِ غيرَ مُزَلَّج
فمَن ذا بتأميرٍ أُخاطِبُ منهمُ / وقد صارَ كلُّ القومِ واليَ مَنبِج
فأُقسِمُ لولا الغُرُّ من آلِ قاسمٍ / لقَلَّ على أهلِ الجبالِ مُعَرَّجي
أولئك أجوادٌ بنانُ أكفّهِم / ضَرائرُ أخلافِ السَّحابِ المُثَجَّج
كأنّي وقد ألقيتُ رحْلي إليهمُ / أقمْتُ ثَوِيّاً بينَ أوسي وخَزْرجي
أرحْتُ إلى فِكْري من الشِّعْرِ عازباً / وغَيْري الّذي إنْ يُنْتِج القولَ يُخْدِج
فَرصَّعْتُ في تاج على الدّينِ درّةً / تَخيّرتُها من بَحْرِيَ المُتَمَوِّجِ
من الكَلِمِ الغُرِّ اللَّواتي كأنّها / رياضٌ لعَيْنِ النّاظرِ المُتفَرِّج
نجومٌ لترغيبِ الورى في اقتِنائها / وتَخْليدِ ذِكْرسائلٍ متَأرّج
تَرى للَّيالي دائماً من صِغارِها / بكّفِّ الثريّا سِتّةً كالنّموذَج
بَقيِتَ ونَدْباً ماجِداً أنت صِنْوُه / قَرينَيْينِ في ضافٍ منَ العيشِ سَجْسَج
تَدومان فَرْعَيْ دَوحةٍ قاسِميّةٍ / كثيرةِ أفنانٍ إذا جاءَ مُلْتَج
كفَى بِبَني الكافي لِمُلْكٍ إنارةً / برأْيٍ لغَمّاءِ الخطوبِ مُفَرِّج
سماءُ عُلا ما يَبْرَحُ الدَّهرَ سامياً / إليها رجاءُ النّاسِ من كلِّ مَعْرَج
أبوهم وهم كانوا كسَبعةِ شُهبِها / فإن تَمْضِ أنوارُ النُّجومِ وتَدْرُج
ففي قَمَرَيْها من سناً ما كفَى الورى / إذا سفَرا عن كلِّ وجْهِ مُسَرَّج
نَظيمٌ لجِيدِ الفخرِ من جوهرِ العُلا / بسِلكِ بقاءٍ جامعٍ غيرِ مفْرَج
فَدُمْ في ظلالِ العِز مُستمتِعاً بهم / ونَورِزْ بسَعْدٍ ألفَ عامٍ ومَهْرِج